
ترامب: ماسك فقد عقله ولست مهتما بالتحدث معه
نقلت شبكة "إيه بي سي" الأميركية -اليوم الجمعة- عن الرئيس دونالد ترامب قوله إن حليفه السابق إيلون ماسك"فقد عقله" وإنه ليس مهتما بالتحدث معه في الوقت الراهن، وذلك بعد يوم استثنائي من العداء بينهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثّل انهيارا مدويا لتحالف وثيق بين الرجلين.
وأضاف ترامب "ماسك هو الذي يريد التحدث معي لكنني غير مستعد بعد للتحدث معه".
كما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مستشارين لترامب أن الرئيس لا يزال مستاء من هجمات ماسك على مواقع التواصل، وإنه يفكر في التخلص من سيارته تسلا.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس غير مهتم بالتحدث مع ماسك، ولا توجد خطط لإجراء اتصال بينهما اليوم على الرغم من جهود مسؤولي البيت الأبيض للتوصل إلى تهدئة بين الطرفين بعد الصدام العلني الكبير بينهما.
وكان مسؤول آخر في البيت الأبيض قال في وقت سابق إن ترامب وماسك سيتحدثان اليوم.
أكبر هبوط
واختتم سهم شركة تسلا المملوكة لماسك تداولات أمس الخميس على انخفاض بأكثر من 14%، لتخسر الشركة نحو 150 مليار دولار من قيمتها السوقية في أكبر هبوط في قيمتها في يوم واحد على مدى تاريخها.
وفي تعاملات ما قبل افتتاح السوق اليوم الجمعة، عوضت الأسهم جانبا من تلك الخسائر، وارتفعت 5% بعد تقارير مبكرة أفادت بأن الرجلين من المقرر أن يتحدثا.
ومول ماسك جزءا كبيرا من حملة ترامب الانتخابية الرئاسية، ثم جرت الاستعانة به كأحد أبرز مستشاري الرئيس الأميركي بعد ذلك، وقاد جهودا واسعة ومثيرة للجدل في الوقت نفسه لتقليص حجم القوى العاملة الاتحادية وخفض الإنفاق.
انتقاد وخلافات
وبدأت الخلافات بينهما قبل أيام عندما انتقد ماسك مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الذي طرحه ترامب. وغادر ماسك إدارة الكفاءة الحكومية قبل أسبوع.
من جانبه قال ترامب "أنا وإيلون ربطتنا علاقة رائعة. لا أعرف ما إذا كنا سنظل كذلك بعد الآن".
ثم خرج ترامب عن صمته أمس الخميس قائلا للصحفيين في المكتب البيضاوي إنه يشعر "بخيبة أمل".
وخلال حديث ترامب، رد ماسك عبر تطبيق إكس (تويتر سابقا) الذي يملكه حيث كتب الملياردير الذي أنفق ما يقرب من 300 مليون دولار لدعم ترامب وجمهوريين آخرين في انتخابات العام الماضي قائلا: "لولاي لخسر ترامب الانتخابات".
وفي منشور آخر، أكد ماسك أن رسوم الواردات التي يتبناها ترامب ستدفع الولايات المتحدة إلى الركود في وقت لاحق من هذا العام.
وأعلن ماسك أن شركته سبيس إكس ستبدأ في وقف تشغيل دراغون، التي تعد المركبة الفضائية الوحيدة في الولايات المتحدة القادرة على إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وأرجع ذلك إلى تهديدات ترامب. لكن الملياردير الأميركي تراجع عما قاله بعد ساعات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب يطوي صفحة ماسك.. قطيعة تهدد عقودا بمليارات الدولارات
في تصعيد جديد للخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك ، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس "لا يعتزم" التحدث إلى ماسك، في خطوة تعكس عمق التوتر بين الطرفين بعد انتقادات لاذعة وجهها ماسك لمشروع قانون الموازنة الجديد الذي يدعمه ترامب. وقال مسؤول رفيع في البيت الأبيض لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرئيس غير مهتم بالتواصل مع ماسك، رغم أن الأخير طلب الاتصال به. وأضاف المسؤول أن ترامب "يركز بالكامل على الشؤون الرئاسية"، نافيا صحة تقارير تحدثت عن لقاء محتمل بين الرجلين. ويأتي هذا التوتر بعد أن وصف ماسك مشروع الموازنة الذي أطلق عليه ترامب اسم "القانون الكبير الجميل" بأنه "رجس يثير الاشمئزاز"، محذراً من أنه سيؤدي إلى زيادة العجز الحكومي بنحو 2.5 تريليون دولار خلال العقد المقبل. ورد ترامب بوصف ماسك بأنه "الرجل الذي فقد عقله"، ملمحا إلى احتمال بيع أو التبرع بسيارة "تسلا" يمتلكها، كانت قد أصبحت رمزا لدعمه السابق لرئيس شركة "سبيس إكس". وقد تراجعت أسهم "تسلا" بأكثر من 14% أمس الأول الخميس، مما أدى إلى خسارة أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية، قبل أن تتعافى جزئيا أمس الجمعة. ويبدو أن الخلاف قد يهدد عقودا حكومية ضخمة كانت شركات ماسك تعتمد عليها، خاصة في مجالات الفضاء والطاقة. وفي محاولة لاحتواء التصعيد، نشر ماسك تغريدة على منصة "إكس" قال فيها: "لن نسحب مركبة دراغون"، في إشارة إلى تهديد سابق بسحب المركبة الفضائية التي تستخدمها وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) لنقل روادها إلى محطة الفضاء الدولية. لكن التوتر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أطلق ماسك استطلاعا للرأي حول تشكيل حزب سياسي جديد يمثل "80% في الوسط"، مما اعتبره مراقبون تهديدا مباشرا للقاعدة الجمهورية التي يعتمد عليها ترامب في حملته الانتخابية. وفي موسكو، دخل قادة روس على خط الأزمة بتعليقات ساخرة، حيث عرض الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف التوسط بين الطرفين "مقابل أجر معقول"، بينما قال النائب ديمتري نوفيكوف إن روسيا"يمكنها بالطبع" منح ماسك اللجوء السياسي إذا احتاج إليه. وفي ظل هذا التصعيد، يبقى السؤال مفتوحا حول مستقبل العلاقة بين أغنى رجل في العالم ورئيس أقوى دولة، وما إذا كانت هذه القطيعة ستؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ما هي الشبكات التي تحكم كوكبنا حقا؟
مقدمة الترجمة يرصد إيان بريمر الأستاذ المساعد للشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا الاختلال الكبير في توازن القوى بين الدول القومية والشركات الكبرى في عالم اليوم. ويرى الكاتب، في مقاله المنشور بمجلة "فورين أفيرز" أنه على مدار 400 عام من عمر نظام ويستفاليا الذي رسخ سيادة الدول على أراضيها وشؤونها الداخلية كان من الممكن وصف بنية النظام العالمي بأنها "أحادية القطب"، أو "ثنائية القطب"، أو "متعددة الأقطاب"، اعتمادا على كيفية توزيع القوة بين الدول. لكن العالم اليوم دخل في لحظة "قطبية تكنولوجية"، وهو مصطلح استخدمه الكاتب للإشارة إلى نظام ناشئ تتنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى في النفوذ الجيوسياسي متحولة إلى فواعل جيوسياسية قوية، تمارس شكلًا من أشكال السيادة ليس فقط في الفضاء الرقمي، بل في العالم المادي بصورة تتناقض جذريا مع مبدأ سيادة الدول. نص الترجمة في فبراير/شباط 2022، ومع تقدم القوات الروسية نحو كييف في الأيام الأولى للحرب، واجهت الحكومة الأوكرانية ثغرة أمنية حرجة: فمع تعرض شبكات الإنترنت والاتصالات للهجوم، كانت قواتها وقادتها على وشك السقوط في الظلام. وقتها تدخل إيلون ماسك ، الزعيم الفعلي لشركات تيسلا وسبيس إكس، وإكس (تويتر سابقا) وإكس إيه آي، ونيورالينك وفي غضون أيام قليلة نشرت سبيس إكس آلافًا من محطات ستارلينك في أوكرانيا وقامت بتنشيط خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في البلاد مجانا. ومع نجاحه في إبقاء أوكرانيا متصلة بشبكة الإنترنت، تحول ماسك إلى بطل من وجهة نظر كييف وحلفائها الغربيين. لكن المبادرة الشخصية للملياردير الأميركي واعتماد كييف البالغ عليها ثبت أنهما محفوفان بالأخطار، فبعد أشهر، طلبت أوكرانيا من سبيس إكس توسيع نطاق تغطية ستارلينك إلى شبه جزيرة القرم"المحتلة من روسيا"، لتمكين هجوم بغواصة مسيّرة أرادت كييف شنه ضد الأصول البحرية الروسية. رفض ماسك الطلب الأوكراني وقال إنه يشعر بالقلق من أن يؤدي هذا إلى تصعيد كبير في الحرب، وحتى "توسلات" البنتاغون نيابة عن أوكرانيا فشلت في إقناعه. لقد أحبط مواطن فرد غير منتخب وبدون موقع مسؤولية رسمي، بصورة أحادية تماما، عملية عسكرية في منطقة حرب نشطة، كاشفا عن حقيقة مفادها أن الحكومات أصبحت لا تملك سيطرة تذكر على القرارات الحاسمة التي تؤثر في مواطنيها وأمنها القومي. كان هذا إعلانا عمليا عمّا يمكن أن نطلق عليه "القطبية التكنولوجية" (Techonopolarity) إذ إن أباطرة التكنولوجيا لا يقودون فقط عائدات سوق الأسهم، بل يسيطرون أيضا على جوانب المجتمع المدني والسياسة والشؤون الدولية التي كانت تقليديًّا حكرا على الدول القومية. على مدار العقد الماضي، تسبب صعود هؤلاء الأفراد والشركات التي يسيطرون عليها في تغيير هوية النظام العالمي الذي هيمنت عليه الدول القومية منذ أن رسخت معاهدة وستفاليا هذه الكيانات (الدول) باعتبارها اللبنات الأساسية للجغرافيا السياسية قبل ما يقرب من 400 عام. طوال الجزء الأكبر من ذلك الوقت، كان من الممكن وصف بنية هذا النظام بأنها أحادية القطب، أو ثنائية القطب، أو متعددة الأقطاب، اعتمادا على كيفية توزيع القوة بين الدول، لكن العالم دخل قبل وقت قريب في لحظة "قطبية تكنولوجية"، وهو مصطلح استخدمتُه سابقا في مجلة "فورين أفيرز" عام 2021 لوصف نظام ناشئ تتنافس فيه حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى في النفوذ الجيوسياسي. وبشكل فعلي، تحولت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى فواعل جيوسياسية قوية، تمارس شكلًا من أشكال السيادة على الفضاء الرقمي، وحتى على العالم المادي، بصورة تتناقض مع سيادة الدول. في عام 2021، بدا أن قوة هذه الشركات في طريقها نحو المزيد من النمو، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية كان هذا هو ما حدث بالفعل. لقد زعَمْتُ -وقتها- أن الحكومات لن تستسلم في هذه المواجهة دون قتال، ومنذ ذلك الحين، خاضت صراعا مريرا من أجل السيطرة على الفضاء الرقمي. لكن توازن القوى بين شركات التكنولوجيا والدول تغير بطرق مفاجئة والمفارقة أن نتيجة هذه المنافسة لا تتوافق مع أي من السيناريوهات التي تصورتها في الأصل. فلا هي أفرزت نظاما رقميا تنتزع فيه شركات التكنولوجيا السيطرة على الفضاء الرقمي من الدولة، ولا حربا باردة تكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين أعادت من خلالها الحكومات تأكيد سلطتها على المجال الرقمي، وبالقطع لم تنتج أيضا عالما "قطبيا تكنولوجيا" خالصا، تفسح فيه الدول "الوستفالية" المجال كليًّا لنظام جديد تقوده شركات التكنولوجيا. وبدلا من أن نشهد انتصارا خالصا للشركات على الدول أو العكس، يتجه المستقبل إلى نظام هجين أكثر انقساما، حيث تتنافس الولايات المتحدة -التي تميل نحو "القطبية التكنولوجية" وتكتسب فيها شركات التقنية الخاصة نفوذا متزايدا في تشكيل السياسة الوطنية- والصين الخاضعة لهيمنة الدولة التي نجحت في فرض سيطرتها على الفضاء الرقمي. وبين هذين النموذجين، تتعرض بقية العالم لضغوط تدفعها إلى الانحياز على مضض إلى أحد القطبين، ولكن مع عدم تقديم النموذجين إلا القليل فيما يتصل بالمساءلة الديمقراطية والحريات الفردية، يبقى الاختيار أقل وضوحا. ومع اندماج قوة التكنولوجيا وقوة الدولة في كل مكان، لم يعد السؤال هو ما إذا كانت شركات التكنولوجيا سوف تنافس الدول في النفوذ الجيوسياسي؛ بل ما إذا كانت المجتمعات المفتوحة سوف تكون قادرة على النجاة في مواجهة ذلك التحدي غير المسبوق. صعود "القطبية التكنولوجية" في أواخر عام 2021، كانت صناعة التكنولوجيا في أوج ازدهارها، وكانت الشركات التي تسيطر على منصات التكنولوجيا الكبرى في ذروة قوتها. لقد وعد مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ بإنشاء عالم افتراضي "ميتافيرس" منفصل كليًّا عن العالم الحقيقي ومجرد من القيود الحكومية، وبدأت العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم تنتشر، مبشرة ببديل لا مركزي لسلطة الحكومات على الأنظمة المالية وأنظمة الدفع. في غضون ذلك أجبرت جائحة "كوفيد-19" الناس على قضاء المزيد من الوقت على الإنترنت، مما عزز نفوذ التكنولوجيا حيث أصبحت المنصات الرقمية ضرورية للعمل والتعليم والترفيه والتواصل بين الناس. أدت هذه الفترة إلى تسريع اعتماد الأدوات الرقمية وجعلت شركات التكنولوجيا أكثر مركزية في الحياة الخاصة والاجتماعية والاقتصادية والمدنية. ومع تزايد اعتماد العالم على الاتصال الرقمي، كانت القرارات المتخذة في غرف اجتماعات مجالس إدارة الشركات الكبرى، حول المنتجات التي يجب إطلاقها، وكيفية عمل الخوارزميات، والقواعد واللوائح التي يجب فرضها؛ تحدد الكثير مما يشاهده ويسمعه مليارات البشر، وتشكل طبيعة الفرص التي تتاح أمامهم، بل إنها تعيد صياغة أنماط تفكيرهم حقيقة لا مجازا. كان العالم يتحول جذريا بصورة جنونية، حيث لم تعد شركات التكنولوجيا الكبرى تمارس السيادة فقط على حدائقها المسورة الافتراضية، بل وسعت نفوذها إلى المجال المادي بعدما أصبحت منتجاتها وخدماتها أشبه ببنية تحتية أساسية عالمية. لقد شكلت مراكز البيانات، وأنظمة الحوسبة السحابية، وشبكات الأقمار الصناعية، وأشباه الموصلات، وأدوات الأمن السيبراني بشكل متزايد أساسًا لعمل الاقتصادات الوطنية، والجيوش، والحكومات. ظهرت تجليات هذا التحول بصورة كاملة خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022. ولو لم تقم الشركات الأميركية مثل سبيس إكس، ومايكروسوفت، وبالانتير بالتصدي لمهمة الدفاع عن أوكرانيا عبر تمكين الاتصالات، وصد الهجمات الإلكترونية، وتحليل المعلومات الاستخبارية، وتزويد الطائرات المسيّرة بالمعلومات؛ لكانت روسيا قد عطلت البلاد تماما، وقطعت رؤوس هيكلها القيادي، واستولت على العاصمة. وباختصار، كان ذلك يعني خسارة أوكرانيا للحرب خلال أيام معدودة. لم يمض وقت طويل قبل أن تدرك الحكومات أن ما يقدمه خبراء التكنولوجيا يمكنهم بسهولة أن يمنعوه. وكشف تصرف ستارلينك في القرم (المشار إليه) وقبله نقص الإمدادات في عصر الوباء عن الهشاشة الناجمة عن الاعتماد على عدد قليل من الشركات المهيمنة على الخدمات والإمدادات الرئيسية، إذ إن أيّ فشل وحيد أو قرار فردي يتخذه الرئيس التنفيذي، يمكن أن تكون له عواقب كارثية. في مواجهة هذه الأخطار، بادرت الدول إلى الرد. في عام 2022، استهدفت موجة من التشريعات والإجراءات التنظيمية شركات التكنولوجيا الكبرى بشأن قضايا مثل القوة السوقية (الاحتكار)، والتحكم في المحتوى، وحماية المستخدمين، وخصوصية البيانات. من جانبه، أقر الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، وهما من أكثر الجهود طموحا لتقييد قوة شركات التكنولوجيا، كما تقدمت الولايات المتحدة بقضايا مكافحة الاحتكار وعززت جهود الرقابة في الكونغرس ، وقواعد الخصوصية على مستوى الولايات. وحَذَت الهند وجنوب أفريقيا ودول أخرى حذوها، في حين اتخذت بعض دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والبرازيل ودول أخرى إجراءات أكثر صرامة ضد المنصات الكبرى. غير أن هذه الإجراءات لم تفعل الكثير لتقويض سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على الفضاء الرقمي، حيث استمرت هذه الشركات -وليس الحكومات- في العمل كمهندسين وفاعلين وحاكمين مطلقين في هذا الفضاء. وأكثر من ذلك، تعمقت قوة شركات التكنولوجيا الكبرى في أواخر عام 2022 مع ظهور نماذج اللغة الكبيرة والانفجار اللاحق للذكاء الاصطناعي، وهي التكنولوجيا الرائدة التي رسخت تقدم شركات التكنولوجيا على الدول القومية. يتطلب تطوير ونشر أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة قوة حاسوبية هائلة، ومصادر بيانات واسعة، ومواهب هندسية متخصصة، وهي موارد تتركز في عدد قليل من الشركات. تحدد هذه الكيانات وحدها وتفهم (معظم) ما يمكن لنماذجها أن تفعله، وكيف، وأين، ومن قبل من يتم استخدامها. وحتى لو تمكنت الهيئات التنظيمية من تصميم أنظمة حوكمة مناسبة لاحتواء التكنولوجيا بصورتها الحالية، فإن وتيرة التقدم الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي من شأنها أن تتجاوز قدرات تلك الأنظمة بسرعة كبيرة. ومع تزايد قوة الذكاء الاصطناعي وزيادة مركزيته في المنافسة الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية، فإن الشركات التقنية التي تتحكم فيه سوف تكتسب نفوذا جيوسياسيا أكبر من أي وقت مضى. انتقام الدولة القومية غير أنه ومع توسع نفوذ شركات التكنولوجيا، عادت الجغرافيا السياسية التقليدية لتفرض نفسها بقوة. لقد تضافرت عوامل مثل الحمائية المتزايدة التي يغذيها الرد الشعبوي على العولمة، مع الاندفاع نحو الأمن الاقتصادي في أعقاب الوباء الذي عززته صدمة غزو روسيا لأوكرانيا، فضلا عن تكثيف التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، تضافرت لتحطم الوهم القائل بوجود نظام بيئي عالمي للتكنولوجيا. في واشنطن، بدأت الجهود الرامية إلى الحد من التطور التكنولوجي للصين بفرض ضوابط على الصادرات والاستثمارات في مجموعة ضيقة من التقنيات المتقدمة الحساسة إستراتيجيا وهو النهج الذي صاغته إدارة بايدن تحت شعار "ساحة صغيرة وسياج مرتفع". لكن الحملة سرعان ما تمددت لتشمل مجموعة دائمة التوسع من السلع والخدمات التي يمكن اعتبارها ذات استخدام مزدوج. وحتى البيانات العادية أصبحت تشكل مصدر قلق للأمن القومي، وكذلك التطبيقات والأجهزة التي تولدها. لقد تم جر كل شيء، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى المركبات الكهربائية إلى أجهزة تتبع اللياقة البدنية، إلى دوامة "إزالة الأخطار"، حيث سارع صناع السياسات في الولايات المتحدة إلى الحد من وصول الصين إلى أي شيء يمكن أن يمنح بكين ميزة في المنافسة التكنولوجية. وأصبحت المصالح الاقتصادية والأمنية غير قابلة لتمييز بعضها عن بعض، في حين أصبح الانفصال التكنولوجي الكامل عن الصين هو الحكمة السائدة في أروقة صناعة القرار في واشنطن. وفي الوقت نفسه، عادت السياسة الصناعية إلى الواجهة مع قيام الحكومات الغربية (وبخاصة أميركا) بضخ مليارات الدولارات في برامج لدعم بناء القدرات الإستراتيجية الداخلية. لكن هذه "الجزرات" كانت مصحوبة بالكثير من "العصيّ"، فإما البناء في الداخل والخروج من الصين أو المخاطرة بخسارة سخاء الحكومة الأميركية. ومع فرض واشنطن قيودًا على أشباه الموصلات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وتشديد بكين قبضتها على معادنها الحيوية، تفككت سلاسل التوريد وتباطأت تدفقات البيانات عبر الحدود. أدى تفكك العولمة الرقمية والمادية منذ ذلك الحين إلى تقويض نموذج الأعمال العالمي الذي تبنته شركات مثل أبل وتيسلا، اعتمدت على الأسواق المفتوحة وسلاسل التوريد المتكاملة لتعظيم أرباحها العالمية. وحتى قبل عودة ترامب إلى منصبه، بدأ العديد من هذه الشركات في نقل أعماله من الصين إلى "دول صديقة" مثل الهند والمكسيك وفيتنام للتحوط ضد الأخطار الجيوسياسية المتزايدة. غير أن ترامب قرر فرض رسوم جمركية ضخمة من شأنها أن تؤثر في الحلفاء والخصوم على حد السواء (علقت الرسوم بشكل مؤقت لمدة 90 يوما). وقد أشارت هذه الخطوة إلى تراجع واشنطن عن العولمة ووجهت ضربة للنموذج الاقتصادي المعولم. في المقابل، وجدت ما تسمى بالشركات الوطنية الرائدة، مثل مايكروسوفت وبالانتير، نفسها في حقبة ذهبية حيث أصبحت قادرة على الاستفادة من تحالفها الطويل الأمد مع الحكومة الأميركية لتحقيق النجاح في بيئة ما بعد العولمة المتصدعة. ورغم أن الارتداد إلى سلطة الدولة بهذه الصورة في واشنطن كان أكثر إثارة للدهشة، فإنه كان أقل اكتمالا بكثير من التحول الذي شهدته بكين. ومنذ عام 2020، عندما شن الحزب الشيوعي الصيني حملة على الرئيس التنفيذي لشركة علي بابا جاك ما، الذي اعتقد المسؤولون أنه أصبح قويا ومستقلا أكثر مما ينبغي، أعادت بكين فرض سيطرتها الكاملة على قطاع التكنولوجيا المحلي. واليوم، حتى أكبر شركات التكنولوجيا في الصين -بغض النظر عن هيكل ملكيتها الرسمي- تخدم رغبات الرئيس شي جين بينغ ، في حين أُجيب أخيرا بشكل حاسم عن سؤال من يتحكم في مستقبل الصين الرقمي وهو: الدولة بلا منازع. اللفياثان الجديد في الغرب، لا تزال الإجابة عن هذا السؤال موضع نزاع، ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الأمر لا يقتصر فقط على السيطرة على الفضاء الرقمي؛ بل يتوسع إلى السيطرة على الدولة نفسها. لقد كانت هناك دائما مجموعة من رواد وادي السيليكون مثل ماسك، وزوكربيرغ، وبيتر ثيل، ومارك أندريسن ممن رأوا في التكنولوجيا ليس مجرد فرصة للأعمال، بل قوة ثورية قادرة على تحرير المجتمع من حدود الحكومة، وتجاوز الدولة في النهاية. كان هؤلاء "الطوباويون التكنولوجيون"، كما عرّفتهم في عام 2021، متشككين في السياسة و"نظروا إلى مستقبل يتم فيه استبدال نموذج الدولة القومية الذي هيمن على الجغرافيا السياسية منذ القرن السابع عشر لصالح نموذج مختلف تماما". لكن في السنوات الأخيرة، بدأ بعض هؤلاء الأشخاص في الجنوح نحو "الاستبداد التكنولوجي"، حيث لم يعودوا راضين بمجرد تجاوز الدولة، بل يسعون الآن إلى الاستيلاء عليها وإعادة استخدام السلطة العامة لتعزيز طموحاتهم الخاصة. كان هذا التحول في البداية مدفوعا برغبة في ضمان القواعد التنظيمية المواتية، والإعفاءات الضريبية، وتأمين العقود العامة، لكنه بدأ يكشف عن أخطار متزايدة في ظل التوازن المتغير للقوة التكنولوجية في زمن متخم بالصراع الجيوسياسي. وعلى النقيض من المنصات الرقمية السابقة، التي ازدهرت في ظل الحد الأدنى من التدخل الحكومي، فإن معظم التقنيات الرائدة اليوم مثل الفضاء، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة، والحوسبة الكمومية تتطلب دعما حكوميا ضمنيا أو صريحا لتوسيع نطاقها. ومع تزايد أهمية هذه المجالات في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والارتباط المتزايد بين الأمن القومي والفضاء الرقمي، تحولت السيطرة على هذا الفضاء إلى ضرورة إستراتيجية، مما جعل الرؤية التكنولوجية "الطوباوية" التقليدية أقل قابلية للتطبيق وصعد في المقابل بنموذج البطل التكنولوجي الوطني ليصبح أكثر جاذبية. وفي ضوء ذلك ارتفعت الحوافز للاستيلاء على الدولة بالتوازي مع ارتفاع قيمة الغنائم التي يمكن جنيها كثمرة لهذا الاستيلاء. ولكن بالنسبة لبعض الناس، لم يعد الاستيلاء على الدولة خيارا عمليا فحسب، بل أصبح توجهًا أيديولوجيًّا أيضا. لقد تبنى العديد من الشخصيات البارزة في مجال التكنولوجيا، وأبرزهم إيلون ماسك وبيتر ثيل، رؤية عالمية معادية للديمقراطية وأصبحوا يرون أن الحكم الأميركي (والنظام الجمهوري بشكل عام) عاطب لدرجة لا يمكن إصلاحها، وأن التعددية فيه، وضوابطه وتوازناته، عيوب وقيود وليست ميزات. تريد هذه الشخصيات أن تُدار الحكومة الأميركية مثل الشركات الناشئة، مع وجود "رئيس تنفيذي وطني" غير منتخب يتمتع بسلطة واسعة باسم "التقدم التكنولوجي". من وجهة نظر هؤلاء، يتعين أن تنتقل السيطرة على الدولة -والمستقبل- إلى النخب التكنولوجية التي نصبت نفسها بنفسها، وهي وحدها قادرة على قيادة البلاد في خضم عصر من "التغيير الهائل". أعلن ثيل في وقت مبكر من عام 2009 أنه لم يعد يعتقد أن "الحرية والديمقراطية متوافقتان"، وفي عام 2023، دعا ماسك إلى استحداث "سولا العصر الحديث"، في إشارة إلى الدكتاتور الروماني لوسيوس كورنيليوس سولا الذي يُنسب إلى حكمه انهيار الجمهورية. ورغم أنه ربما كان يمزح في ذلك الوقت، فإن ماسك في الواقع أمضى الأشهر الماضية في محاولة الاستيلاء على زمام الأمور في الحكومة الأميركية مستخدما رافعته المالية. لقد أنفق ماسك وحده ما يقرب من 300 مليون دولار للمساعدة في انتخاب ترامب والكونغرس الجمهوري عام 2024 دون ذكر تكلفة إعادة تشكيل "إكس" إلى منصة تواصل اجتماعي مؤيدة لترامب. وفي المقابل، كافأ الرئيس الأكثر تعاملا بمبدأ الصفقات في تاريخ أميركا أغنى رجل في العالم بنفوذ لا مثيل له في أقوى دولة على وجه الأرض. لقد سبق أن أظهر ترامب ميولا واضحا إلى "رأسمالية المحسوبية" ولكن في ولايته الثانية، لم يتم تمكين أقطاب التكنولوجيا من تشكيل السياسات فحسب، بل مُنحوا عمليا صلاحية تعيين (أو إقالة) الجهات التنظيمية التي تُشرف عليهم وكتابة (أو محو) القواعد التي تنظم عملهم. منذ تعيينه مسؤولًا عما يسمى وزارة كفاءة الحكومة ومنحه "الوصول الجذري" إلى أنظمة الحكومة الفدرالية، قام ماسك بفصل عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، ونصب موالين له في عشرات الوكالات، وخفض التمويل المخصص للعديد من الوكالات من الكونغرس، كما استولى على كميات هائلة من البيانات السرية التي تخص ملايين الأميركيين. في غضون ذلك، احتفظ ماسك والعديد من حلفائه من ذوي السلطة التقنية في مختلف أنحاء الحكومة بأدوارهم في القطاع الخاص على الرغم من شبهات تضارب المصالح. ويسيطر هؤلاء التقنيون الآن على الموظفين الفدراليين ويرسمون السياسات الفدرالية ويتحكمون في عملية وضع القواعد وإنفاذ اللوائح، والمشتريات، والضرائب، والإعانات، بما يؤثر ليس فقط في شركاتهم، بل في شركات منافسيهم أيضا. وقدر تقرير صدر مؤخرا عن مجلس الشيوخ المكاسب المالية التي قد يحصل عليها ماسك من هذا الترتيب بنحو 2.37 مليار دولار، فضلا عن القيمة المحتملة للعقود العامة والمزايا التنافسية التي قد يفتحها له نفوذه الجديد. هناك تقارير بالفعل تفيد بأن وزارة الكفاءة الحكومية تعمل على جمع وتوحيد مصادر البيانات الحكومية الحساسة مثل الملفات الضريبية، وقواعد بيانات الهجرة، وسجلات الضمان الاجتماعي، والمعلومات الصحية، تحت ذريعة الكشف عن "الهدر والاحتيال والإساءة" في الإنفاق الفدرالي وتعزيز كفاءة الحكومة من خلال دمج تلك البيانات مع أدوات الذكاء الاصطناعي. ولكن في غياب جدار حماية قانوني واضح بين الدور العام الذي يؤديه ماسك وبين مصالحه الخاصة فلن تكون هناك طريقة لمعرفة ما إذا كانت هذه البيانات تستخدم بشكل سليم أم لا. يمكن على سبيل المثال أن يشرع إيلون ماسك في تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركته إكس إيه آي بهذه البيانات، وساعتها لن يكون بمقدور أحد أن يعرف ما إذا كانت المخرجات سوف تخدم الصالح العام أم مصلحته الخاصة. ومن الممكن أن تولد هذه البيانات مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية للاقتصاد الأميركي، مما يدفع بلدانًا أخرى إلى حذو الخُطا نفسها، ويمنح ماسك عمليا أفضلية حاسمة في السباق نحو بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي الفائقة الذكاء التي لا يستطيع أي منافس أن يضاهيها، وتمكين أشكال جديدة من تصنيف المستهلكين واستهداف السلوك، فضلا عن تعزيز قبضته على الأسواق والمنصات. وتتجاوز الآثار المترتبة على ذلك مراكمة الثروة وإثراء الذات. وبمجرد وضعها في مكان مناسب، فإن نفس البنية التحتية الخوارزمية التي توفر الميزة الاقتصادية من الممكن أن تُسلَّح لتحقيق السيطرة السياسية. هناك شكاوى بالفعل من أن وزارة الكفاءة الحكومية تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد المشاعر المعادية لماسك وترامب بين موظفي الخدمة المدنية، وقد استقال مسؤولون في مصلحة الضرائب بسبب خطط إدارة ترامب لاستخدام بيانات الضرائب لتتبع المهاجرين. وعلى عكس ما قد يتبادر إلى الذهن، لا يقتصر الخطر الناجم عن تلك الممارسات على كونه نسخة أميركية طبق الأصل من نظام المراقبة الذي يديره الحزب الشيوعي الصيني، الذي يهدف في المقام الأول إلى تأمين قبضة الحزب على السلطة، بل إن ما قد ينتجه ماسك هو شيء أكثر اتساعا: شبكة مراقبة لا مركزية تعمل بالخوارزميات وتستغل سلطة الدولة، ولكنها مشبعة بحوافز السوق، ومبنية لتعزيز المصالح التجارية والسياسية لأرباب التكنولوجيا المختارين. ولكي نكون واضحين، فإن قبضة شركات التكنولوجيا الكبرى على واشنطن قد لا تكون دائمة. وقد أشار ماسك إلى أن وزارة الكفاءة الحكومية مبادرة محدودة الوقت، ولمّح بالفعل إلى خطط للتخلي عن منصبه الحكومي وسط انخفاض شعبيته العامة والردود العنيفة المتزايدة من المستهلكين ضد شركاته. كما نددت شخصيات بارزة في الجناح الشعبوي من ائتلاف ترامب، مثل ستيف بانون، بماسك وزملائه باعتبارهم "إقطاعيين تكنولوجيين" عالميين عازمين على تحويل الأميركيين إلى "عبيد رقميين". ومن الجدير بالذكر أن تحالف اليمين التكنولوجي مع ترامب كان دائمًا تحالف مصالح، وليس تحالفا أيديولوجيا، والدليل على ذلك أن سياسات الإدارة حتى الآن فيما يتعلق بالتجارة والهجرة وتمويل العلوم تتعارض في كثير من الأحيان مع المبادئ "التسريعية" (التسريعيون هم الداعمون لتمكين التكنولوجيا من كافة مفاصل الاقتصاد والسياسة دون قيود) التي يتبناها هؤلاء التقنيون مما يعني أن الشراكة بين الطرفين يمكن أن تنهار في أي وقت. ولكن في الوقت الحاضر، أصبحت عملية الاستيلاء على الدولة من قبل أباطرة التكنولوجيا أمرا واقعا، وجرى بالفعل قلب نموذج البطل الوطني: فبينما كانت الدولة في السابق توجه شركات التكنولوجيا لخدمة المصلحة العامة، أصبحت السياسة أكثر خضوعا للأهداف الخاصة لعمالقة التكنولوجيا. ولسوء الحظ، حتى لو لم يستمر هذا الوضع، فإن الضرر الناجم عنه سوف يستمر. ففي غضون بضعة أشهر فقط، تسببت وزارة الكفاءة الحكومية في تفريغ قدرات الوكالات الحكومية إلى درجة أنه بعد اختفائها، سوف تظل شركات التكنولوجيا الخاصة ضرورية لملء الفراغ. المستقبل الهجين في عام 2021، طَرحتُ ثلاثة مسارات محتملة لمستقبلنا الرقمي: "فإما أن نعيش في عالم تزداد فيه تجزئة الإنترنت وإخضاعه للسيطرة، وتخدم فيه شركات التكنولوجيا مصالح وأهداف الدول التي تعمل فيها، وإما أن تنتزع شركات التكنولوجيا الكبرى السيطرة على الفضاء الرقمي من الحكومات، محررةً نفسها من الحدود الوطنية، وفارضة نفسها قوة عالمية حقيقية. وفي السيناريو الأكثر تطرفا، من الممكن أن ينتهي عصر هيمنة الدولة، لتحل محله نخبة تقنية تتولى مسؤولية توفير المنافع والخدمات العامة التي كانت الحكومات توفرها". بيد أن العالم الرقمي اليوم يبدو أنه يتجه إلى مستقبل "هجين" ينقسم إلى مجالين منفصلين للنفوذ الرقمي. في أحد القطبين تقبع الولايات المتحدة الأكثر "قطبية تكنولوجية" بلا لبس حيث تمارس حفنة من شركات التكنولوجيا والقادة التكنولوجيين الهيمنة الرقمية، ويسيطرون على البنية الأساسية الحيوية، ويمارسون نفوذا مباشرا على السياسة الخارجية والداخلية للبلاد. ويمكن لهذه الشركات والأفراد الذين يديرونها التلاعب بالبيئة المعلوماتية العالمية، وزعزعة استقرار الحكومات الأجنبية، وإعادة تشكيل النتائج الجيوسياسية. وما يجعل هذا النفوذ أكثر قوة الآن هو أن هذه الجهات الفاعلة تتمتع بدعم ضمني (وأحيانًا صريح) من الدولة الأميركية. وقد أصبحت الحكومات الأجنبية أكثر ترددا في اتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا الأميركية ليس فقط بسبب نفوذها الرقمي والاقتصادي، بل أيضا لأن فعل ذلك يخاطر بإثارة ردود عنيفة من واشنطن. في الواقع، تتمتع الكيانات المدعومة سياسيا من شركات التكنولوجيا الكبرى بميزة الإفلات من العقاب الجيوسياسي: فهي محمية من قبل الدولة ولكنها غير مسؤولة أمامها. وينبغي لهذا الاندماج بين القوة العامة والخاصة أن يسمح للشركات الأميركية بدفع البلدان الأخرى إلى تبني منتجاتها ومنصاتها ومعاييرها. في القطب الآخر تقع الصين ونموذجها الرأسمالي للدولة، حيث يظل أبطال التكنولوجيا خاضعين كليًّا لسيطرة الحزب الشيوعي. ورغم أن النهج الحكومي الذي تنتهجه بكين ربما يضحي ببعض إمكانات الابتكار والحيوية الاقتصادية على المدى الطويل فإنه يضمن أن تظل التقنيات الإستراتيجية متماشية مع الأولويات الوطنية. وتُظهِر الاختراقات الصينية الأخيرة، من أحدث نماذج التفكير بالذكاء الاصطناعي من شركة "ديب سيك" (DeepSeek) إلى مجموعة شرائح "كلاود ماتريكس 384" (CloudMatrix 384) من شركة هواوي، أن نموذج الصين، على الرغم من هذه القيود السياسية وضوابط التصدير الأميركية، لا يزال يتمتع بقدرة تنافسية عالية. بين هذين القطبين تقع أوروبا، التي كانت تعتبر في وقت ما ثقلا موازنا محتملا لقوة شركات التكنولوجيا الكبرى. لدى الاتحاد الأوروبي عدد قليل من شركات التكنولوجيا المحلية العملاقة، وهو غارق حتى أذنيه في فخ النمو الهيكلي ومشاكل الإنتاجية. ونتيجة لهذا، فإن قدرته على ترجمة طموحاته التنظيمية إلى سيادة رقمية تظل محدودة. وتواجه بروكسل ضغوطا متزايدة لتخفيف القيود التنظيمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على الشركات الأميركية، وربما تتردد حتى في فرض ضرائب على صادرات الخدمات الرقمية الأميركية ردا على رسوم ترامب الجمركية. وفي الوقت نفسه، تتعرض الجهود القليلة الباقية في مجال حوكمة التكنولوجيا التي تقودها الدول للحصار، حيث يقوضها أباطرة التكنولوجيا الأميركيون مثل ماسك ويخنقها فراغ القيادة العالمي. ومع تعمق التفتت الجيوسياسي والجيواقتصادي والجيوتكنولوجي، تتآكل الضوابط المفروضة على أقطاب التكنولوجيا بسرعة، مما يترك "القطبية التكنولوجية" تنمو دون رادع. غير أن نتيجة ذلك لن تكون "قطبية تكنولوجية" كاملة تسود العالم، ولكن المزيد من "القطبية التكنولوجية" في الولايات المتحدة، تقابلها كتلة رقمية خاضعة بشكل صارم لسيطرة الدولة في الصين. ولن يكون أمام أغلب الاقتصادات الصناعية المتقدمة من خيار سوى التوافق مع النموذج الأميركي، في حين ستجد أغلب بلدان الجنوب العالمي النموذج الصيني أكثر جاذبية. ورغم اختلافاتهما الأيديولوجية، فإن النموذجين الأميركي والصيني يتقاربان في الوظيفة. إن أحدهما مدفوع بمنطق السوق، والآخر بالضرورات السياسية، ولكن كلًّا منهما يعطي الأولوية للكفاءة على المساءلة، وللسيطرة على التوافق، وللتوسع على حساب الحقوق الفردية. وفي عالم تنتقل فيه السلطة إلى أولئك الذين يسيطرون على الفضاء الرقمي، تصبح قضية ما إذا كانت السلطة واقعة في أيدٍ عامة أو خاصة أقل أهمية بالمقارنة مع مدى مركزية هذه السلطة وتغولها. وهنا تظهر المفارقة الكبرى في عصر "القطبية التكنولوجية" وهي أنه بدلًا من أن تساهم في تمكين الأفراد وتعزيز الديمقراطية كما كان يأمل رواد الإنترنت الأوائل، فإن التكنولوجيا تعمل بدلًا من ذلك على تمكين أشكال أكثر فعالية من السيطرة المركزية المفرطة وغير المسؤولة. ولربما يؤدي الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الرائدة إلى جعل الأنظمة السياسية المغلقة أكثر استقرارا من الأنظمة المفتوحة، حيث تصبح الشفافية والتعددية والضوابط والتوازنات وغيرها من السمات الديمقراطية الأساسية أعباء وقيودا غير مقبولة في عصر التغيير الهائل. وسواء وقعت في أيدي الحكومات أو الشركات، يعد تركيز قوة التكنولوجيا بأخطار هائلة على الديمقراطية والحريات الفردية. في عام 2021، كتبت أن "كسوف الدول القومية على أيدي شركات التكنولوجيا ليس أمرًا حتميًّا"، لكن المؤكد اليوم أن "كسوف الديمقراطية" على أيدي أباطرة التقنية الكبار بدأ بالفعل. _______


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
غارات العيد رسالة لطهران، وليست للداخل اللبناني
شهد الخميس 5 يونيو/ حزيران الجاري، 23 غارة متتالية من مسيرات، وقصفًا من مقاتلات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، شنّتها بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء مبانٍ في الحدث، وحارة حريك، وبرج البراجنة. جاءت هذه الغارات رغم قيام الجيش اللبناني، بالتنسيق مع لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بالدخول إلى بعض الأبنية التي هددها الاحتلال لدحض الإشاعات الإسرائيلية التي تدّعي وجود مصانع للصواريخ والمسيرات، فقد أصر الإسرائيلي على توجيه ضرباته، ما اضطر الجيش اللبناني- وحفاظًا على سلامة عسكرييه- للانسحاب. لكن يبقى السؤال لماذا أصرّ الإسرائيلي على تنفيذ ضرباته رغم تدخل الجيش اللبناني؟ أكّد المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي على موقعه على منصة "إكس" أن جيش الدفاع شنّ بشكل موجّه من خلال طائرات حربية غارات استهدفت مواقف إنتاج ومستودعات لتخزين مسيرات تابعة للوحدة الجوية في حزب الله (الوحدة 127) في الضاحية الجنوبية، وجنوب لبنان". لكن يبدو أن الإسرائيلي كان يحتاج إلى ذرائع لتنفيذ الضربات على لبنان، لكنّ تحرّكه في هذا التوقيت بالذات- ورغم استعداد لبنان رسميًا وشعبيًا للاحتفال بعيد الأضحى المبارك- أتى بعد 24 ساعة على استخدام الأميركي حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة، على قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي أن الفيتو الأميركي هو بمثابة ضوء أخضر لجيشه للاستمرار في حربه على أكثر من جبهة، تحديدًا الجبهة اللبنانية التي يشكل فيها حزب الله الركيزة الأساسية للمحور الذي يضمّ النفوذ الإيراني في المنطقة. وهذا أول فيتو تستخدمه واشنطن في مجلس الأمن الدولي منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. لهذا طار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرحًا، وعبّر قائلًا: إن الفيتو هذا أتى ليدحض كل الفبركات التي شككت بعلاقته مع ترامب. ماضية إسرائيل في حربها في المنطقة، لهذا لن تكون هذه الضربات التي وجهت إلى لبنان الأخيرة، فهي بحسب المتابعين مستمرة ما دام أنه لا رادعَ حقيقيًا يقف في وجه ما يجول في تفكير نتنياهو الذي أصبح على ما يبدو أداة تنفيذية في يد الإدارة الأميركية. ليس مستغربًا أن تضرب الطائرات الإسرائيلية عمق الضاحية، فهي نفّذت الكثير حتى بعد الإعلان عن وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، ودخول القرار حيّز التنفيذ، وذلك رغم أن الدولة اللبنانية وقيادة الجيش أبدوا استعدادهم التام لتنفيذ بنود ما اتفق عليه، وهذا ما أكد عليه رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في مواقف له بمناسبة مرور 100 يوم على تشكيل حكومته، بأن "الجيش اللبناني فكّك أكثر من 500 موقع ومخزن سلاح في المنطقة الممتدة جنوب نهر الليطاني، مشددًا في الوقت عينه، على أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان". مواقف سلام تقاطعت مع ما أعرب عنه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون بإدانته الشديدة للعدوان الإسرائيلي مساء الخميس 5 يونيو/ حزيران، على ضاحية بيروت الجنوبية، وفي بعض المناطق الجنوبية. وأكد عون في بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، على إدانته، معتبرًا أن "هذه الاستباحة السافرة لاتفاق دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية، عشية مناسبة عيد الأضحى المبارك. إنما هي الدليل الدامغ على رفض المرتكب لمقتضيات الاستقرار والتسوية والسلام العادل في منطقتنا". لا نقاش في أن الحرب الحقيقية في المنطقة لم تبدأ بعد، فالضربات الإسرائيلية الأخيرة لم تحمل رسائل إلى الداخل اللبناني الذي يلتزم بتعهداته في تنفيذ بنود القرار رقم 1701، لكنها أتت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى بيروت، الثلاثاء 3 يونيو/ حزيران الجاري، والتي إضافة إلى طابعها الرسمي المؤيد لتحركات الدولة اللبنانية، حيث طالب بفتح "صفحة جديدة" مع لبنان، فقد حملت رسائل إلى إسرائيل من ضريح السيد حسن نصرالله، بأنّ المقاومة جاهزة، وأن إيران لم تزل الحاضنة الأولى لها. كما تفيد المعلومات غير الرسمية، بأن الهدف من هذه الزيارة المفاجئة لعراقجي إلى بيروت، يحمل بعدًا تفاوضيًا مع أميركا حول الملف النووي، بسبب الحديث عن عقدة "التخصيب" الذي تعتبره إيران حقًا مقدسًا لها، ما دام أنه يستخدم في إطار البرنامج السلمي. دخلت المفاوضات الإيرانية الأميركية مرحلتها الحاسمة، وبدأ طرفا الحوار يلوحان بأوراق القوى لديهما. فتأكيد نتنياهو على أن إسرائيل ستنفذ ضربات ضد إيران في حال تعثّرت تلك المفاوضات، وأن قواتها الجوية تنفذ تدريبات مستمرة تحاكي سيناريو توجيه الضربات الجوية على إيران، يرسخ أنها ورقة أميركا القوية في المنطقة. بينما أتى عراقجي إلى لبنان ليرفع عاليًا ورقة إيران الأقوى في المنطقة، وهي وجود حزب الله وسلاحه، وأن هناك احتمالية لفتح الجبهة الجنوبية مجددًا في حال تعرُّض طهران لقصف إسرائيلي. "اختلطت" على اللبناني الأمور، وبدأ يفقد ثقته بكل شيء، وكاد أن يردد مع الشاعر المتنبي: "عيد بأية حال عدت يا عيد"، بسبب حالة الهلع الشديد التي رافقته، تحديدًا سكان ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق الجنوبية، بعدما أخلوا منازلهم مهرولين إلى أماكن تعتبر أكثر أمنًا من تلك التي استهدفتها إسرائيل. هذا، وأتت الغارات الإسرائيلية عشية احتفال المسلمين في العالم بعيد الأضحى المبارك، حيث حوّلت إسرائيل "بهجة العيد" في عيون الأطفال في لبنان إلى قلق وخوف ورعب، بينما شردت ضرباتها هذه مئات العائلات التي ستضاف إلى تلك الآلاف التي أصبحت دون مأوى. لعبة "عضّ الأصابع" بدأت بين الأميركي والإيراني، ولكنّ اللبناني هو من يصرخ؛ لأنه لا رادع لإسرائيل إلى الآن لوقف عدوانها، رغم تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية على تطبيق القرار الدولي. ورغم رفع الرئيس عون مستوى الإدانة إلى المعنيين، تحديدًا الولايات المتحدة، فإن الأمور لن تهدأ على هذه الجبهة؛ لأنّ الهدف أبعد من تطبيق قرارات دولية، بل هو مرتبط بمصير المنطقة جمعاء. وإن الجولة السادسة من المفاوضات ستكون الفيصل في وضع المنطقة إما السير في مسار الحل السلمي، أو التصعيد المباشر، وهذا ما يبتغيه نتنياهو.