logo
الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟

الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟

خبر للأنباءمنذ 9 ساعات

العقل الشيعي، بنسخته السياسية الثورية كما تمثّله ولاية الفقيه في إيران، يتغذى على مفهوم "الانتصار الرمزي" بوصفه بديلا عن النصر الواقعي الميداني، وهذا ليس أمرا طارئا، بل بنية ذهنية متجذّرة، تضرب جذورها في خطاب المظلومية التاريخية، وتُعيد إنتاج الفقد والهزيمة على هيئة بطولات، وتُسبغ على الانكسار هالة من القداسة.
كربلاء: النكسة المؤسسة
في وجدان الشيعة الاثني عشرية، تُعد واقعة كربلاء سنة 61هـ (680م) لحظة التأسيس المركزي للهويّة الشيعية، فرغم أن الحسين بن علي قُتل ومعه العشرات من أهل بيته وأصحابه، وتم سحل جثثهم، وسُبيت نساؤهم، إلا أن الحدث لم يُصوّر كهزيمة عسكرية أو انهيار سياسي، بل أُعيدت صياغته على مدى قرون باعتباره "أعظم نصر أخلاقي في التاريخ".
هذا الفهم يظهر جليا في قول المرجع الشيعي محمد مهدي شمس الدين:
"الحسين لم يُقتل، بل انتصر على يزيد.. كربلاء كانت لحظة انتصار على الظلم، حتى وإن بدا فيها الحسين مهزومًا في الظاهر"
(من كتاب الثورة الحسينية في الوجدان الشيعي).
ويؤكد المرجع الشيعي مرتضى مطهري في كتابه الملحمة الحسينية:
"الناس يرون أن الحسين خسر المعركة، لكن الثورة لا تقاس بالنتائج العسكرية، بل بالأثر الروحي والبُعد الرمزي".
وبدلا من مساءلة خيارات الحسين السياسية أو حساب نتائجها الواقعية، حولت المدرسة الشيعية الحدث إلى ملحمة فداء أبدية، تجعل من القتل انتصارا، ومن العجز مشروع مقاومة لا ينتهي.
الهزائم الحديثة: نسخة مكررة من كربلاء
ما نشهده اليوم من احتفالات إيران ومن يدور في فلكها بعد كل هزيمة أو ضربة عسكرية قاصمة، ليس سوى نسخة محدثة من ذلك النمط الكربلائي، فعندما استهدفت إسرائيل القيادات الإيرانية في سوريا، أو قصفت المنشآت النووية في نطنز وأصفهان، أعلنت طهران أن "العدو فشل في كسر الإرادة"، واعتبرت الصمت عن الرد تكتيكا استراتيجيا!
وعند اغتيال قاسم سليماني، قال المرشد الإيراني علي خامنئي: "استشهاد سليماني نصر عظيم، فقد وحّد الأمة، وجعل من دمه شعلة لن تنطفئ" (خطاب 3 يناير 2020)، بينما الحقيقة هي أن الرجل قُتل في عملية دقيقة بلا أي رد نوعي بعدها.
الإنكار كآلية دفاع
ما يُغذي هذا السلوك ليس فقط الخطاب الديني، بل أيضا آلية نفسية يطلق عليها "الإنكار الجمعي"، بحسب علم النفس السياسي، فالنظام الإيراني، وأذنابه العقائدية، عاجز عن الاعتراف بالفشل، لأن الاعتراف يعني سقوط أسس شرعيته التي تقوم على ولاية منصوصة من الله، وعلى مشروع إلهي لا يُهزم.
في كتاب ولاية الفقيه للخميني، نقرأ: "الفقيه لا يخطئ لأنه ينوب عن المعصوم، فإذا أخطأ الناس، فهو لا يخطئ، لأن الله يؤيده"، وبالتالي، يصبح من غير الممكن الاعتراف بالهزيمة، لأنها تتناقض مع العصمة السياسية المفترضة.
شعارات بلا مضمون.. ومقاومة بلا نتائج
كم من نصر إلهي احتفل به إعلام طهران، وما الذي تغيّر على الأرض؟
الجواب الصادم: كل تلك الانتصارات مجرد شعارات فارغة، فمن لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى سوريا، تتكاثر الهزائم المدمّرة، وتزيد أعداد القتلى ويقبر المشروع الإيراني فتحفل المراجع بالإذلال.
يقول المرجع الشيعي محمد صادق الصدر في إحدى خطبه: "نحن لا ننتصر بالسلاح، بل بمظلوميتنا وهذا سرّنا" (خطب الجمعة، 1998).
وهنا يتضح جذر المفارقة: الهزيمة في الفكر الشيعي ليست شيئا يجب الحذر منه، بل تُستثمر طقوسيا وتُقدّس شعائريا وتُنتج كرمزية متعالية على الواقع.
خلاصة القول:
الانتصار في العقل الشيعي ليس ما تحققه في الواقع، بل ما تتخيله وتُقنع به جمهورك، والدماء وقود للدعاية، والشعارات تُقدَّس أكثر من الإنجازات، والهزائم تُحتفى بها كأنها انتصارات، فقط لأن مشهد كربلاء يتكرر، خسرنا كل شيء، لكننا انتصرنا في الرواية!
لكن في عالم السياسة والجغرافيا والاقتصاد، الروايات لا تُقيم دولا، ولا تُحرر شعوبا، ولا تُوقف القنابل، ولا تُصلح الاقتصاد، ووحده النصر الحقيقي هو ما يصنع الفارق.
*صفحة الكاتب على منصة إكس

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

دولة الفكرة
دولة الفكرة

الشروق

timeمنذ 4 ساعات

  • الشروق

دولة الفكرة

بعض الكتب كبيرة ولكن موضوعاتها تافهة أو حقيرة كأكثر الروايات التي نسمع عنها، ويضيع كثير من الناس أوقاتهم في كتابتها أو قراءتها، وبعض الكتب صفحاتها قليلة وموضوعاتها جليلة. من هذا النوع الأخير من الكتب عنوان هذه الكلمة 'دولة الفكرة'، فهو كتيب صغير ألفه أستاذ قدير هو الدكتور محمد فتحي عثمان، وهو أستاذ مصري عمل مدة من الزمن في الجزائر مستشارا في وزارة الشؤون الدينية، ثم أستاذا في جامعة وهران. وكان شديد الإعجاب بفكر الإمام ابن باديس، وله كتاب عن سلفيته المتنورة، وبفكر الأستاذ مالك ابن نبي. ومن أهم كتبه كتابه القيم عن الحدود الإسلامية – البيزنطية، وهو رسالته لشهادة الدكتوراه، وكتابه عن 'التفسير الإسلامي للتاريخ'، وهو رد على رموز المذهب المادي – اليساري في التاريخ الإسلامي، وكتابه المسمى 'الإسلام للواقع'، وهو رد على الهائمين في أودية التيه، ولا يعالجون قضايا الأمة في ضوء تعاليم دين الله القيم ومبادئه الواقعية السامية. في هذا الكتيب 'دولة الفكرة'، الصغير الحجم، القليل الصفحات، يتحدث الدكتور عن هجرة الرسول – عليه الصلاة والسلام – إلى مدينة يثرب التي تنوّرت بهجرة الرسول إليها، وإقامته دولة الإسلام فيها. هذه الدولة البدعة من الدول لم تقم على أي حتمية من الحتميات التي تقام عليها الدول، خاصة في الأزمان القديمة، فلا حتمية جغرافية، ولا عرقية، ولا طائفية… ومعنى ذلك لو أن الذين بايعوا رسول الله في العقبة كانوا من اليمن أو العراق أو فارس أو الشام أو مصر أو الحبشة لذهب معهم الرسول الكريم. فهذه الدولة ضمّت العربي كعمر بن الخطاب، والحبشي كبلال بن رباح، والفارسي كسلمان، والرومي كصهيب، وكان فيها الأبيض والأسود والعوان بين ذلك، وقد قامت هذه الدولة في المدينة ولكنها لم تكن للأوس ولا للخزرج، كما لم تكن للأنصار أو للمهاجرين.. إن أساس هذه الدولة هو الإسلام الحنيف الذي لا ينتسب لقوم كاليهودية، ولا لشخص كالمسيحية، ولهذا قال المستشرق الفرنسي لويس غاردي إذا كانت المسيحية تتمحور حول شخص، فإن الإسلام يتمحور حول 'كتاب'. إنها دولة غير عرقية، ولا عنصرية، وهذا ما لفت نظر أكبر مؤرخ في القرن العشرين، وهو أرنولد توينبي، فقال في كتيب له اسمه 'الإسلام والغرب والمستقبل'، إنه لا دواء لداء العنصرية المقيت في العالم إلا عن طريق الإسلام. فيا ليتنا – نحن المسلمين – 'نفقه' هذا الدين القيم ونقيم عليه حياتنا. هنيئا للمسلمين بعامهم الجديد، وندعو الله – البرّ الكريم – أن يوفقنا لجعله عام خير وبركة، وأن يهدي – وهو الهادي – الضالين من المسلمين وغير المسلمين، فقد عانت الإنسانية كثيرا من ظلم الظالمين وطغيان الطاغين، وأن يأتي الناس جميعا رشدهم حتى لا يظنوا السراب شرابا.

حاجة الخطاب الإسلامي المعاصر للمقاصد الشرعية
حاجة الخطاب الإسلامي المعاصر للمقاصد الشرعية

الخبر

timeمنذ 5 ساعات

  • الخبر

حاجة الخطاب الإسلامي المعاصر للمقاصد الشرعية

إعلم أن سبب حفظ الشريعة في أصولها وفروعها هو رجوعها إلى حفظ أصول المقاصد في جميع ما تضمنته من كليات وجزئيات، وأن مصالح الدارين لا تكون إلا برعايتها. قال الإمام الشاطبي: ولذلك كانت محفوظة في أصولها وفروعها، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكرى وإن له لحافظون}، لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التي يكون بها صلاح الدارين، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات، وما هو متمم لها ومكمل لأطرافها، وهي أصول الشريعة. وقد قام البرهان القطعي على عدها، وسائر الفروع مستندة إليها، فلا إشكال، فهي أصل علم راسخ الأساس ثابت الأركان. وبنى الإمام الشاطبي كلامه هذا على أن القرآن والسنة لم يخرجا عن إقامة هذه الأصول وتعزيزها وتقويتها، فالقرآن أتى بها أصولا يرجع إليها، والسنة أتت بها تفريعا على ما في الكتاب، وبياننا لما فيه. ولا يختلف اثنان في أن الشريعة جاءت لرعاية مصالح الإنسان، وتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة، وغايتها من ذلك إقامة مصالحه كخليفة في المجتمع الذي هو فرد منه، وبوصفه مسؤولا أمام الله الذي استخلفه على إقامة العدل والإنصاف وضمان السعادة الاجتماعية والفكرية، وتحقيق الطمأنينة النفسية لكل أفراد الأمة. ومن ثم وضعت الشريعة على أن تكون أهواء الخلق تابعة لمقصود واضعها، وقد وسع فيها عليهم بشكل لا يلحقهم به فساد ولا تصيبهم منه مشقة ولا تنفك عنهم مصالحهم إذا أخذوها على وجهها المطلوب وبالكيفية التي وضعت عليها، فهي ثابتة لا تتبدل، وإنما الذي يتبدل الحكم الفرعي الظني، لاسيما الأحكام التي مبناها المصالح المرسلة وأعراف الناس، ومن ثم تعدّ المقاصد العامة المرجع الأبدي لاستيفاء ما يتوقف عليه التشريع والإفتاء والقضاء والخطاب الإسلامي الموجه للعامة والخاصة من المسلمين وغير المسلمين، لأن هذا الخطاب إذا لم يتمكن من النفاد إلى قلوب المخاطبين وعقولهم وإقناعهم بأن الشريعة جاءت لإقامة مصالحهم الدنيوية والأخروية، هو خطاب فاشل وفاقد للروح الدينية التي هي الأساس في تمكنه من صدور المخاطبين. فنحن لو تأملنا طبيعة الخطاب الإسلامي المعاصر الذي يسود واقعنا، بنظر فاحص ممحّص، وفكر ناقد محقق، صادق غير حاقد، سابرين أغواره، ومتسللين إلى خفايا التيارات المساهمة في تشكيله وصناعته وخلفياتها، لألفينا أن ما تعتمده تلك التيارات في التدليل على صحة أفكارها، وواقعية توجهاتها، والتمكين لمذاهبها، يعود جميعه إلى استدلالاتٍ مشتركة تنبجس من أصول واحدة وتراث واحد، تشكل مسألة موقع العلم من النقل وحدود اعتبار المقاصد والنظر في التعامل مع النص والأثر محوره الأساس. وفي هذا المقام، يكون لمسألة اعتبار المقاصد والمعاني وإعمال النظر في إدارة الخطاب الإسلامي المعاصر دور مؤثر، يوصفها المسلك الذي يلجأ إليه الجميع في إخضاع المنقول لتحكمات المعقول وإلجام الآثار بلجام الأنظار، وبهذا أضحت مقاصد التشريع مرتعا لبلوغ النوايا المبيّتة ومسلكا لتحقيق الملاذات الفردية والجماعية غير المشروعة والمألوفة، وهو ما ولّد رد فعلٍ رافض لشيء اسمه اعتبار المقاصد واعتمادها كمسلك شرعي في فهم النص وتفسيره، والدعوة إلى التزام الحرفية في فهم النصوص وتفسيرها، ونعني بذلك أهل الظاهر العائدين من بعيد. ويبدو لنا أن الشعور بالخوف الذي يتملك هؤلاء تجاه استخدام المقاصد في التفسير والاستنباط، لا يتعلق بالمقاصد في ذاتها، وإنما يتعلق بسوء استعمالها في تبرير أحكام ومواقف، تتعارض والشريعة الإسلامية. والذي ينبغي قوله في هذا المقام أن المقاصد بوصفها طريقا من طرق التفسير والاستنباط لا بد منها؛ لأن الوقوف بالنصوص عند ظواهرها ومنع تأويلها بالمسالك والأدوات المعتبرة شرعا، يؤدي إلى الجمود وعدم مواكبة التطور، وهو ما يتناقض والشريعة التي من أجل خصائصها العموم والشمول والديمومة. كما أن الاسترسال في اعتبار المعاني والمقاصد دون سبب وجيه ومسوّغ قوي يؤدي إلى إهدار النصوص وفتح الباب أمام أصحاب الأهواء والأغراض الفاسدة الحاقدة، فكلا الأمرين مذموم، والطريق الوسط الذي ينبغي اتباعه أن يُلجأ إلى المقاصد عندما يوجد ما يدعو إليها من دفع تعارض ظاهري بين النصوص، أو ما يتعارض ظاهره مع المبادئ الشرعية والقواعد الكلية، والحاجات الضرورية القطعية العامة للمجتمع فيؤول بما يتفق وتلك المبادئ والقواعد والمقاصد؛ لأن هذا الوحي ليس من سماته التناقض والتخالف، ولن يكون.

الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟
الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟

خبر للأنباء

timeمنذ 9 ساعات

  • خبر للأنباء

الانتصار الرمزي في العقل الشيعي: من كربلاء إلى طهران.. كيف تتحوّل الهزائم إلى فتوحات؟

العقل الشيعي، بنسخته السياسية الثورية كما تمثّله ولاية الفقيه في إيران، يتغذى على مفهوم "الانتصار الرمزي" بوصفه بديلا عن النصر الواقعي الميداني، وهذا ليس أمرا طارئا، بل بنية ذهنية متجذّرة، تضرب جذورها في خطاب المظلومية التاريخية، وتُعيد إنتاج الفقد والهزيمة على هيئة بطولات، وتُسبغ على الانكسار هالة من القداسة. كربلاء: النكسة المؤسسة في وجدان الشيعة الاثني عشرية، تُعد واقعة كربلاء سنة 61هـ (680م) لحظة التأسيس المركزي للهويّة الشيعية، فرغم أن الحسين بن علي قُتل ومعه العشرات من أهل بيته وأصحابه، وتم سحل جثثهم، وسُبيت نساؤهم، إلا أن الحدث لم يُصوّر كهزيمة عسكرية أو انهيار سياسي، بل أُعيدت صياغته على مدى قرون باعتباره "أعظم نصر أخلاقي في التاريخ". هذا الفهم يظهر جليا في قول المرجع الشيعي محمد مهدي شمس الدين: "الحسين لم يُقتل، بل انتصر على يزيد.. كربلاء كانت لحظة انتصار على الظلم، حتى وإن بدا فيها الحسين مهزومًا في الظاهر" (من كتاب الثورة الحسينية في الوجدان الشيعي). ويؤكد المرجع الشيعي مرتضى مطهري في كتابه الملحمة الحسينية: "الناس يرون أن الحسين خسر المعركة، لكن الثورة لا تقاس بالنتائج العسكرية، بل بالأثر الروحي والبُعد الرمزي". وبدلا من مساءلة خيارات الحسين السياسية أو حساب نتائجها الواقعية، حولت المدرسة الشيعية الحدث إلى ملحمة فداء أبدية، تجعل من القتل انتصارا، ومن العجز مشروع مقاومة لا ينتهي. الهزائم الحديثة: نسخة مكررة من كربلاء ما نشهده اليوم من احتفالات إيران ومن يدور في فلكها بعد كل هزيمة أو ضربة عسكرية قاصمة، ليس سوى نسخة محدثة من ذلك النمط الكربلائي، فعندما استهدفت إسرائيل القيادات الإيرانية في سوريا، أو قصفت المنشآت النووية في نطنز وأصفهان، أعلنت طهران أن "العدو فشل في كسر الإرادة"، واعتبرت الصمت عن الرد تكتيكا استراتيجيا! وعند اغتيال قاسم سليماني، قال المرشد الإيراني علي خامنئي: "استشهاد سليماني نصر عظيم، فقد وحّد الأمة، وجعل من دمه شعلة لن تنطفئ" (خطاب 3 يناير 2020)، بينما الحقيقة هي أن الرجل قُتل في عملية دقيقة بلا أي رد نوعي بعدها. الإنكار كآلية دفاع ما يُغذي هذا السلوك ليس فقط الخطاب الديني، بل أيضا آلية نفسية يطلق عليها "الإنكار الجمعي"، بحسب علم النفس السياسي، فالنظام الإيراني، وأذنابه العقائدية، عاجز عن الاعتراف بالفشل، لأن الاعتراف يعني سقوط أسس شرعيته التي تقوم على ولاية منصوصة من الله، وعلى مشروع إلهي لا يُهزم. في كتاب ولاية الفقيه للخميني، نقرأ: "الفقيه لا يخطئ لأنه ينوب عن المعصوم، فإذا أخطأ الناس، فهو لا يخطئ، لأن الله يؤيده"، وبالتالي، يصبح من غير الممكن الاعتراف بالهزيمة، لأنها تتناقض مع العصمة السياسية المفترضة. شعارات بلا مضمون.. ومقاومة بلا نتائج كم من نصر إلهي احتفل به إعلام طهران، وما الذي تغيّر على الأرض؟ الجواب الصادم: كل تلك الانتصارات مجرد شعارات فارغة، فمن لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى سوريا، تتكاثر الهزائم المدمّرة، وتزيد أعداد القتلى ويقبر المشروع الإيراني فتحفل المراجع بالإذلال. يقول المرجع الشيعي محمد صادق الصدر في إحدى خطبه: "نحن لا ننتصر بالسلاح، بل بمظلوميتنا وهذا سرّنا" (خطب الجمعة، 1998). وهنا يتضح جذر المفارقة: الهزيمة في الفكر الشيعي ليست شيئا يجب الحذر منه، بل تُستثمر طقوسيا وتُقدّس شعائريا وتُنتج كرمزية متعالية على الواقع. خلاصة القول: الانتصار في العقل الشيعي ليس ما تحققه في الواقع، بل ما تتخيله وتُقنع به جمهورك، والدماء وقود للدعاية، والشعارات تُقدَّس أكثر من الإنجازات، والهزائم تُحتفى بها كأنها انتصارات، فقط لأن مشهد كربلاء يتكرر، خسرنا كل شيء، لكننا انتصرنا في الرواية! لكن في عالم السياسة والجغرافيا والاقتصاد، الروايات لا تُقيم دولا، ولا تُحرر شعوبا، ولا تُوقف القنابل، ولا تُصلح الاقتصاد، ووحده النصر الحقيقي هو ما يصنع الفارق. *صفحة الكاتب على منصة إكس

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store