logo
العودة بعد العيد.. مواجهة اليوم الأول للدوام: ممارسات وأفكار طريفة وتجارب عالمية لاستعادة الإيقاع

العودة بعد العيد.. مواجهة اليوم الأول للدوام: ممارسات وأفكار طريفة وتجارب عالمية لاستعادة الإيقاع

صحيفة سبق٠٥-٠٤-٢٠٢٥

بعد ليالي العيد الساهرة، والمعايدات الممتدة، والولائم اليومية، تشكّل العودة إلى أجواء الدوام تحدياً يتكرر كل عام.
صباح الأحد غداً سيعود الموظفون والطلاب والطالبات وكافة الفئات العاملة في المملكة إلى الروتين اليومي، وسط مشاعر متباينة بين الحنين إلى الاسترخاء، والرغبة في انطلاقة جادة. "من يعطيني أسبوع تهيئة نفسية قبل أول يوم دوام؟" عبارة أصبحت شعاراً غير رسمي في منصات التواصل مع كل نهاية إجازة، وتُختصر بها حالة يعيشها كثيرون ممن يحاولون "إعادة تشغيل" أنفسهم بعد فاصل اجتماعي وروحي ممتد.
المعايدة المؤسسية... تقليد لكسر اكتئاب العودة:
في القطاعين الحكومي والخاص، تحرص جهات العمل في السعودية على أن تبدأ أول يوم بعد الإجازة بفعالية داخلية خفيفة: معايدات رسمية، ركن ضيافة، كلمات ترحيب، وربما لحظات ضحك بين الزملاء على مواقف مشتركة. أما في المدارس، فتتحول الإذاعة الصباحية إلى مساحة ودّ وترحيب، تُوزع الورود وتُفتح أبواب الصفوف بابتسامات. هذا الاحتفاء الرمزي البسيط يصنع فرقاً نفسياً كبيراً، ويخفف من وطأة التحول من "مزاج العيد" إلى "مزاج العمل والدراسة".
اكتئاب ما بعد الإجازة. و"مخاوف الأحد":
ما يُعرف بـ"اكتئاب ما بعد الإجازة" ليس اصطلاحاً عابراً، بل حالة موثقة عالمياً. تتحدث عنها منصات مثل Botkeeper وFast Company بوصفها مزيجاً من التوتر، وخيبة الأمل، وانخفاض الحافز الناتج عن الانتقال المفاجئ من الراحة المطلقة إلى جدول زمني صارم وضغوط مهنية متراكمة. وتقول دراسة حديثة إن من أهم أسبابه: صدمة التبدّل في الوتيرة، فقدان الحرية الشخصية في اتخاذ القرار، والعودة إلى بيئات عمل قد تكون مليئة بالتحديات. لكن الأسوأ أن القلق من العودة قد يبدأ قبلها بأيام، فيما يُعرف بـ"مخاوف الأحد"، حيث تُفسد هذه الهواجس آخر لحظات الاسترخاء.
في بعض الشركات العالمية، لم تعد العودة مصدر قلق، بل لحظة مُنتظرة.
شركة Cabify تمنح موظفيها "يوم إعادة شحن" شهرياً، مخصصاً للراحة أو التعلم الذاتي. Google وCisco تنظم صباحات عودة مليئة بالمفاجآت البسيطة، كهدايا رمزية أو مسابقات، وتُخصص أول ساعة للتفاعل الاجتماعي. بعض الشركات في أوروبا تبنّت أيضاً ما يُعرف بـ"العودة الناعمة"، حيث لا توكل أي مهام ثقيلة في أول يوم، بل يُركّز على الاجتماع بالفِرق والتخطيط المشترك فقط. هذه الممارسات، كما تقول جامعة أوكسفورد في تقريرها عن الإنتاجية، ترفع رضا الموظفين بنسبة 23%، وتقلل من معدلات التوتر والتدوير الوظيفي.
كيف يمكن للجهات أن تجعل العودة أكثر جاذبية؟:
من الأفكار الظريفة التي تتبناها بعض الجهات ما يعرف بـ إفطار "عجلة الحظ"، حيث لا يعرف الموظف نوع فطوره إلا بعد الدوران إلى "صندوق العودة" الذي يحتوي على كوب باسم الموظف أو قطعة شوكولاتة فاخرة. وفي بعض الإدارات، تُنظم إذاعة صباحية داخلية بصوت طريف يقدّم أخباراً وهمية ومواقف طريفة من العيد. هناك أيضاً "تحدي أطول ضحكة" و"بطل العودة"، حيث يُكرّم أول موظف حضر بابتسامة أو أرسل معايدة جماعية. هذه التفاصيل الصغيرة تجعل بيئة العمل تُشبه أهلها... قريبة، مرنة، وتفهم التوقيت.
كيف تحفّز نفسك على العودة؟
التحفيز للعودة ليس رفاهية، بل ضرورة نفسية وعملية. من أبرز النصائح للخبراء: اختر صباح العودة لتبدأه بشيء تحبه مثل: كوب قهوة مختلف، نزهة بسيطة قبل الدوام، أو حتى تشغيل قائمة استماع تفضّلها. خطّط لنشاط ممتع بعد الدوام لتتوازن كفتا الجدّ والترفيه. ابدأ اليوم بأبسط مهمة قابلة للإنجاز لتولّد شعوراً مبكراً بالرضا، ودوّن ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لها في عملك. لا بأس كذلك بمشاركة أهدافك الجديدة مع الزملاء، فذلك يُعيدك للمشهد العملي بإيجابية وتواصل.
ضبط بومك واستعادة ساعتك البيولوجية:
من جهتها، تسوق الكاتبة العالمية د. لينا جرارّاد العديد من النصائح الموجهة لطلاب وطالبات الجامعات تحديداً، ولكن يمكن تنفيذ بعضها بفعالية في بيئات العمل أيضاً فور العودة من الإجازات والعطل، أبرزها: بدء اليوم بأهداف صغيرة قابلة للتحقيق، مع ترتيب المهام حسب الأولوية والاحتفال بالإنجازات اليومية مهما بدت بسيطة. كما تنصح بإعادة ضبط الروتين اليومي المنتظم لاستعادة الساعة البيولوجية تدريجياً، مما يقلل من التشتت الذهني. وتشدد على أهمية فترات "إعادة الضبط" العقلية خلال اليوم، مثل استراحات قصيرة، أو تنفس عميق، أو الخروج إلى الهواء الطلق.
تقنية "بومودورو":
وتوصي د. جراراد بتقنية "بومودورو" الشهيرة، وهي أسلوب لإدارة الوقت يقوم على تقسيم العمل إلى فترات من التركيز المكثف لمدة 25 دقيقة، يعقبها استراحة قصيرة لمدة 5 دقائق، مما يُعزز التركيز ويحارب الإرهاق الذهني. وتلفت جرارّاد إلى ضرورة التعاطف مع الذات والتوقف عن تحميل النفس فوق طاقتها، لأن العودة ليست اختبار كفاءة بل عملية تدرج. وأخيراً، تُشجّع على إعادة التواصل مع الهدف الكبير وراء العمل أو الدراسة، وتدوينه بشكل بصري لاستدعائه يومياً كمصدر دافعية وتجديد.
لكن وسط كل هذا، لا يمكن إغفال الواقع الحضري. الزحام في الرياض، خصوصاً في أيام العودة، يُشكّل اختباراً للأعصاب. تتكدس السيارات على الطرق الدائرية الرئيسية، ويصل وقت التنقل إلى أكثر من ساعة في بعض الأحياء. الزحام لا يستهلك الوقت فقط، بل يستنزف الطاقة النفسية للموظف قبل أن يبدأ يومه. لذلك، بدأت توجد نصائح موجهة لبعض الجهات بان تتبنى حلولاً ذكية مثل تعديل أوقات الدوام، وتطبيق جزئي لنظام العمل عن بُعد، وتفعيل مواقف النقل التشاركي لتخفيف الحمل.
العودة إلى العمل أو الدراسة ليست خصماً للعيد، بل امتداده العملي. فمن عرف كيف يسترخي، يعرف كيف يعود. الفارق فقط هو في النية، والإعداد، والنظرة. العودة قد تكون بداية جديدة، بشرط ألا نتعامل معها كعقوبة، بل كفرصة. فرصة لإعادة ضبط إيقاع الحياة، لاستعادة النظام، ولتحويل روتين العمل إلى مساحة عيش لا عبء يومي. فلتكن بداية الأسبوع هذه، بداية روح، لا بداية همّ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيس التنفيذي السابق لـCisco: على قادة الذكاء الاصطناعي إعادة ابتكار أنفسهم سنويًا
الرئيس التنفيذي السابق لـCisco: على قادة الذكاء الاصطناعي إعادة ابتكار أنفسهم سنويًا

الرجل

timeمنذ 4 أيام

  • الرجل

الرئيس التنفيذي السابق لـCisco: على قادة الذكاء الاصطناعي إعادة ابتكار أنفسهم سنويًا

في حديثه خلال بودكاست "Grit"، وجّه جون تشامبرز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Cisco، رسالة مباشرة لقادة الأعمال في قطاع الذكاء الاصطناعي مفادها: "إذا لم تعِد ابتكار نفسك كل عام، ستتخلف عن الركب". وأوضح تشامبرز أن الذكاء الاصطناعي يتحرك "بسرعة الإنترنت"، وبوتيرة تفوق خمس مرات تطور القطاعات التقنية التقليدية، ويُنتج "نتائج أسرع بثلاث مرات"، ما يفرض على القادة والمؤسسات تعديل أسلوبهم الإداري بوتيرة سنوية بدلًا من كل ثلاث سنوات كما كان متبعًا سابقًا. لماذا لم تعد الاستراتيجيات القديمة صالحة؟ أشار تشامبرز إلى أن إعادة الابتكار لا تعني تعديل الشعار أو تغيير فريق العمل فحسب، بل تتطلب إعادة النظر في السوق المستهدفة، وتطوير المنتجات، وأساليب التميز التنافسي، وكيفية الوصول إلى العملاء. وأكد أن أحد رواد الأعمال الذين يتعامل معهم تمكّن من مضاعفة نمو شركته سنويًا، وخفض عدد موظفيه بنسبة 10%، وذلك عبر استخدام الذكاء الاصطناعي في كافة جوانب العمل، من تطوير المنتجات إلى خدمة العملاء والتحليل والتوقعات. تسارع التبني.. والضغط يتزايد تُظهر مؤشرات السوق أن الشركات الكبرى بدأت تشعر بالضغط للتكيّف مع التحول الرقمي. على سبيل المثال، أعلنت JPMorgan عن تقليص الإنفاق على التوظيف بعد إدماج أدوات ذكاء اصطناعي تزيد من كفاءة الأداء، في حين أشارت بيانات LinkedIn إلى أن التوظيف في مجال الذكاء الاصطناعي ارتفع بنسبة 30% أسرع من غيره منذ خريف العام الماضي. وتتوقع التقديرات أنه بحلول عام 2030، ستتغير 70% من المهارات المطلوبة في سوق العمل نتيجة تبني الذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا.. بل ضرورة تنظيمية بحسب تشامبرز، فإن نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) أصبحت متاحة بشكل واسع، ولم تعد وحدها كافية للتميّز. بل إن طريقة دمج الذكاء الاصطناعي ضمن البنية التقنية الكاملة للشركة هي ما يحدد الفارق الآن. وتتقاطع هذه الرؤية مع تصريحات قادة آخرين في عالم التكنولوجيا، مثل الرئيس التنفيذي لشركة Amazon، آندي جاسي، الذي شدد على أهمية التعامل المسؤول مع سرعة التغيير التقني، ومع ما يصاحب ذلك من مسؤوليات أخلاقية وتنظيمية. اقرأ أيضاً تعرف على الدروس التي تعلمها قادة الأعمال الناجحون خلال حياتهم العملية للوصول إلى ما نصبو اليه موجة التحول تبدأ من القمة باتت شركات الاستشارات الكبرى مثل McKinsey وBCG تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث أشار أحد كبار شركاء McKinsey إلى أن 40% من أعمال الشركة اليوم ترتبط بالتحليلات والذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس حجم التحول في طريقة عمل المؤسسات الكبرى حول العالم. في هذا السياق، لم يعد تطوير الأعمال مسألة تحسين تدريجي، بل تحديًا وجوديًا يتطلب قيادة ديناميكية ومرنة تواكب إيقاع الذكاء الاصطناعي السريع.

السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط
السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط

العربية

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • العربية

السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط

كانت العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة تُختصر في كلمة واحدة (النفط). فمنذ اكتشاف النفط في الخليج عام 1938، وقّع البلدان صفقات شراكة استراتيجية ربطت مصير الاقتصادين بهبوط وارتفاع أسعار الخام. لكن في العقد الأخير، بدأت لوحة العلاقات الثنائية ترسم ألوانًا جديدة، بعيدًا عن الزيت الأسود، لتُصبح قصة تحول اقتصادي غير مسبقة. فكيف تستبدل السعودية "الذهب الأسود" بـ"الذهب الرقمي" و"الذهب الترفيهي" في علاقتها مع أميركا؟ في عام 2016، أطلقت السعودية رؤية 2030، خطة طموحة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، الذي يمثل نحو 90 % من صادرات المملكة. هذا التحول لم يكن داخليًا فحسب، بل كان أيضًا رسالة واضحة للشركات الأميركية: "نحن لسنا فقط مصدري نفط، بل نحن سوق ناشئة بفرص استثمارية هائلة". وسرعان ما استجابت الشركات الأميركية للنداء. ففي عام 2021، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) أكثر من 1.2 مليار دولار في شركة الألعاب الإلكترونية الأميركية Scopely، في صفقة تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ المنطقة. هذه الخطوة لم تكن مجرد استحواذ مالي، بل كانت إعلانًا عن ولادة قطاع جديد: "الاقتصاد الرقمي السعودي"، الذي يهدف إلى جذب 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية بحلول 2030. في شمال غرب المملكة، ترتفع أطلال مشروع نيوم، المدينة الذكية التي تُخطط لإعادة تعريف مفهوم الحياة الحضرية. هنا، تظهر الشراكة مع الشركات الأميركية بوضوح: فشركة Cisco الأميركية تشارك في تصميم البنية التحتية الرقمية للمدينة، بينما تتعاون Lockheed Martin في تطوير أنظمة الدفاع الذكية. حتى شركة Tesla أصبحت حاضرة في المشهد، مع خطط لاستخدام الطاقة الشمسية في تشغيل مشاريع النقل الكهربائي داخل نيوم. لكن التحدي الحقيقي ليس في البناء، بل في تحويل الثقافة. كيف تقنع السعودية، التي ارتبط اسمها بالماضي القريب بالبدو والصحارى، العالم بأنها قادرة على قيادة ثورة تكنولوجية؟ الإجابة تكمن في الاستثمار البشري: ففي 2022، أرسلت المملكة أكثر من 5000 طالب إلى جامعات أميركية لدراسة علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، ضمن برنامج "الابتعاث الرقمي"، الذي يهدف إلى تدريب جيل قادر على إدارة هذا الاقتصاد الجديد. في الماضي، كان الأميركيون يأتون إلى السعودية لزيارة المواقع الأثرية أو لحضور مؤتمرات الطاقة. اليوم، يأتون لحضور حفلات الدرعية تنيس سيتيس أو مباريات الملاكمة العالمية التي تنظمها المملكة. ففي نوفمبر 2023، استضافت الرياض مباراة بين Tyson Fury وDillian Whyte، بحضور نجوم هوليوود مثل Leonardo DiCaprio، في حدث تجاوزت قيمته 200 مليون دولار. هذا التحول في صناعة الترفيه ليس عشوائيًا. فصندوق الاستثمارات العامة خصص 18 مليار دولار لتطوير قطاع الثقافة والترفيه، بهدف زيادة مساهمته في الناتج المحلي من 2 % إلى 4 % بحلول 2030. ومن بين الشراكات البارزة، تعاون الشركة السعودية Misk Art مع أستوديوهات هوليوودية لإنتاج أفلام عربية-أميركية مشتركة، مثل فيلم "الخيال المريخ" الذي حقق نجاحًا تجاريًا في صالات السينما الأميركية. في عام 2021، أثار استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي Newcastle United الإنجليزي موجة جدل عالمية. لكن بالنسبة للسعوديين، كانت الصفقة رمزًا لتحول استراتيجي: فبدلًا من استيراد الرياضة من الغرب، أصبحت السعودية قوة استثمارية قادرة على تغيير قواعد اللعبة. اليوم، تشارك الفرق السعودية في دوري MLS الأميركي، بينما تسعى الشركات السعودية لاستثمار مليارات في مشاريع رياضية مشتركة، مثل بناء ملاعب ذكية في ولاية كاليفورنيا. المراقبين يرون أن السعودية تلعب لعبة طويلة الأمد. ففي تقرير حديث يشير إلى أن الاقتصاد غير النفطي في السعودية ينمو بنسبة 7 % سنويًا، وهي نسبة تفوق نمو معظم دول الخليج. وفي ظل الشراكات مع أميركا، قد تتحول المملكة من "مصدر للنفط" إلى "نموذج للتحول الاقتصادي"، في قصة ستُكتب فصولها في العقد القادم. النفط لن يختفي، لكنه لم يعد القلب النابض للعلاقة السعودية-الأميركية. ففي عالم يتغير بسرعة، اختارت السعودية أن تكون لاعبًا في ساحات لم تكن تُخيل نفسها فيها من قبل: من الفضاء الرقمي إلى ملاعب كرة القدم. والسؤال الآن: "متى سيُنظر إلى نيوم على أنها سيلكون فالي الشرق الأوسط؟". فبينما تُعيد السعودية تعريف دورها كقوة اقتصادية رقمية وثقافية، تجد أميركا نفسها أمام فرصة لتوسيع نفوذها التجاري في آسيا دون الاعتماد على الحلفاء التقليديين. وفي هذا السياق، قال هنري كيسنجر ذات مرة: "السياسة ليست فن تحقيق ما هو ممكن فحسب، بل هي أيضًا فن تخيّل ما قد يبدو مستحيلًا اليوم." جملة تُلخّص طموح البلدين في بناء علاقة تتجاوز التاريخ والجغرافيا. لكن لتحقيق هذا الطموح، يجب على الطرفين تجاوز الشكوك السياسية والتركيز على الاستثمار في الإنسان. فالنجاح الحقيقي لا يكمن في صفقات مليارية أو مشاريع ضخمة، بل في تدريب جيل قادر على إدارة هذه الشراكة بوعي ومسؤولية. ففي عالم يتغير بسرعة، قد تكون "السعودية الرقمية" و"الاقتصاد الأخضر" هما الجسر الذي يربط مستقبل البلدين، حيث تصبح القوة الناعمة أداة أكثر فعالية من النفط أو السلاح. قد لا يختفي النفط من معادلة العلاقة بين الرياض وواشنطن في المدى المنظور، لكنه لم يعد القطب الوحيد الذي تدور حوله هذه العلاقة. ففي عقد ما بعد النفط، قد تُكتب قصة الشراكة السعودية–الأميركية كمثال نادر على كيف تُحوّل الأزمات التحديات إلى فرص، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية المشتركة.

السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط
السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط

سعورس

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • سعورس

السعودية وأميركا.. خارج إطار النفط

في عام 2016، أطلقت السعودية رؤية 2030، خطة طموحة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، الذي يمثل نحو 90 % من صادرات المملكة. هذا التحول لم يكن داخليًا فحسب، بل كان أيضًا رسالة واضحة للشركات الأميركية: "نحن لسنا فقط مصدري نفط، بل نحن سوق ناشئة بفرص استثمارية هائلة". وسرعان ما استجابت الشركات الأميركية للنداء. ففي عام 2021، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) أكثر من 1.2 مليار دولار في شركة الألعاب الإلكترونية الأميركية Scopely، في صفقة تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ المنطقة. هذه الخطوة لم تكن مجرد استحواذ مالي ، بل كانت إعلانًا عن ولادة قطاع جديد: "الاقتصاد الرقمي السعودي"، الذي يهدف إلى جذب 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية بحلول 2030. في شمال غرب المملكة، ترتفع أطلال مشروع نيوم ، المدينة الذكية التي تُخطط لإعادة تعريف مفهوم الحياة الحضرية. هنا، تظهر الشراكة مع الشركات الأميركية بوضوح: فشركة Cisco الأميركية تشارك في تصميم البنية التحتية الرقمية للمدينة، بينما تتعاون Lockheed Martin في تطوير أنظمة الدفاع الذكية. حتى شركة Tesla أصبحت حاضرة في المشهد، مع خطط لاستخدام الطاقة الشمسية في تشغيل مشاريع النقل الكهربائي داخل نيوم. لكن التحدي الحقيقي ليس في البناء، بل في تحويل الثقافة. كيف تقنع السعودية، التي ارتبط اسمها بالماضي القريب بالبدو والصحارى، العالم بأنها قادرة على قيادة ثورة تكنولوجية؟ الإجابة تكمن في الاستثمار البشري: ففي 2022، أرسلت المملكة أكثر من 5000 طالب إلى جامعات أميركية لدراسة علوم البيانات والذكاء الاصطناعي، ضمن برنامج "الابتعاث الرقمي"، الذي يهدف إلى تدريب جيل قادر على إدارة هذا الاقتصاد الجديد. في الماضي، كان الأميركيون يأتون إلى السعودية لزيارة المواقع الأثرية أو لحضور مؤتمرات الطاقة. اليوم، يأتون لحضور حفلات الدرعية تنيس سيتيس أو مباريات الملاكمة العالمية التي تنظمها المملكة. ففي نوفمبر 2023، استضافت الرياض مباراة بين Tyson Fury وDillian Whyte، بحضور نجوم هوليوود مثل Leonardo DiCaprio، في حدث تجاوزت قيمته 200 مليون دولار. هذا التحول في صناعة الترفيه ليس عشوائيًا. فصندوق الاستثمارات العامة خصص 18 مليار دولار لتطوير قطاع الثقافة والترفيه، بهدف زيادة مساهمته في الناتج المحلي من 2 % إلى 4 % بحلول 2030. ومن بين الشراكات البارزة، تعاون الشركة السعودية Misk Art مع أستوديوهات هوليوودية لإنتاج أفلام عربية-أميركية مشتركة، مثل فيلم "الخيال المريخ" الذي حقق نجاحًا تجاريًا في صالات السينما الأميركية. في عام 2021، أثار استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي Newcastle United الإنجليزي موجة جدل عالمية. لكن بالنسبة للسعوديين، كانت الصفقة رمزًا لتحول استراتيجي: فبدلًا من استيراد الرياضة من الغرب، أصبحت السعودية قوة استثمارية قادرة على تغيير قواعد اللعبة. اليوم، تشارك الفرق السعودية في دوري MLS الأميركي، بينما تسعى الشركات السعودية لاستثمار مليارات في مشاريع رياضية مشتركة، مثل بناء ملاعب ذكية في ولاية كاليفورنيا. المراقبين يرون أن السعودية تلعب لعبة طويلة الأمد. ففي تقرير حديث يشير إلى أن الاقتصاد غير النفطي في السعودية ينمو بنسبة 7 % سنويًا، وهي نسبة تفوق نمو معظم دول الخليج. وفي ظل الشراكات مع أميركا، قد تتحول المملكة من "مصدر للنفط" إلى "نموذج للتحول الاقتصادي"، في قصة ستُكتب فصولها في العقد القادم. النفط لن يختفي، لكنه لم يعد القلب النابض للعلاقة السعودية-الأميركية. ففي عالم يتغير بسرعة، اختارت السعودية أن تكون لاعبًا في ساحات لم تكن تُخيل نفسها فيها من قبل: من الفضاء الرقمي إلى ملاعب كرة القدم. والسؤال الآن: "متى سيُنظر إلى نيوم على أنها سيلكون فالي الشرق الأوسط؟". فبينما تُعيد السعودية تعريف دورها كقوة اقتصادية رقمية وثقافية، تجد أميركا نفسها أمام فرصة لتوسيع نفوذها التجاري في آسيا دون الاعتماد على الحلفاء التقليديين. وفي هذا السياق، قال هنري كيسنجر ذات مرة: "السياسة ليست فن تحقيق ما هو ممكن فحسب، بل هي أيضًا فن تخيّل ما قد يبدو مستحيلًا اليوم." جملة تُلخّص طموح البلدين في بناء علاقة تتجاوز التاريخ والجغرافيا. لكن لتحقيق هذا الطموح، يجب على الطرفين تجاوز الشكوك السياسية والتركيز على الاستثمار في الإنسان. فالنجاح الحقيقي لا يكمن في صفقات مليارية أو مشاريع ضخمة، بل في تدريب جيل قادر على إدارة هذه الشراكة بوعي ومسؤولية. ففي عالم يتغير بسرعة، قد تكون "السعودية الرقمية" و"الاقتصاد الأخضر" هما الجسر الذي يربط مستقبل البلدين، حيث تصبح القوة الناعمة أداة أكثر فعالية من النفط أو السلاح. قد لا يختفي النفط من معادلة العلاقة بين الرياض وواشنطن في المدى المنظور، لكنه لم يعد القطب الوحيد الذي تدور حوله هذه العلاقة. ففي عقد ما بعد النفط، قد تُكتب قصة الشراكة السعودية–الأميركية كمثال نادر على كيف تُحوّل الأزمات التحديات إلى فرص، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والرؤية المشتركة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store