
نماذج ومشاريع سياسية دامية
وعلى ضفة أخرى من المشهدية القاتمة، تتبلور مشاريع غريبة، فيها تكرار لتجارب مقيتة سابقة، لم تُنتج سوى التوتر والحروب، لا سيما منها تجارب الانفلاش «الممانع» الذي أدى إلى نكبات كبيرة في عدد من الدول وأصابت أصحابها بالأذى، أكثر مما سببت ضرراً للأعداء. وبعض ما يجري في سوريا من أحداث دامية، يساهم في زيادة مساحة السواد، بعد أن راهنت شعوب ودول المنطقة بغالبيتها على انقشاع مأمول، وخروج محمود من نفق الويلات التي عاشها الشعب السوري على مدى 14 عاماً.
تتمدَّد المشاريع العدوانية الإسرائيلية إلى مساحات جديدة، من خلال السموم الحربية والسياسية والإغرائية التي تدفعها باتجاه الساحة السورية، لا سيما في الجنوب، تحت شعار حماية الموحدين الدروز، وهؤلاء شريحة إسلامية متمسكة بعروبتها حتى الثمالة، كما أنها لا ترضى عن وحدة سوريا أي بديل.
ولكن هدف إسرائيل الفعلي هو تنفيذ مشاريعها التفتيتية في محيطها، واستخدام كافة الوسائل لإعاقة مسيرة التعافي في سوريا، وهي تستفيد من الأخطاء التي تُرتكب من هنا وهناك، لتحقيق مآربها، خصوصاً من خلال عرض تقديم الحماية لمن شعروا بأنهم مهددون بالفعل من بعض الممارسات الشاذة التي تقوم بها مجموعات مُتفلِّتة عن القانون، وقد تكون تحظى ببعض الحماية.
وما حصل في الساحل السوري خلال شهر آذار/ مارس الماضي، كذلك ما جرى في محافظة السويداء خلال الأيام الماضية، يعطي حجة وازنة للمعارضين للإدارة الجديدة، لأن أياً من المرتكبين لم ينل الجزاء العادل حتى الآن.
وعلى الضفة الأخرى من النِزال، فقد تبيَّن بوضوح أن بعض القوى الإقليمية المنزعجة من الحالة الانفصالية في شمال شرق سوريا انخرطت في دعم القرارات التي تستهدف «القضاء على التمرُّد» في عدد من المناطق السورية (كما يقولون)، وضرب ناشطي السويداء في الجنوب قد يثير الخوف عند بعض المعارضين للحكومة في الشمال والساحل. لكن يبدو أن الإدارة السورية الجديدة تدفع فاتورة لعبة الأمم من رصيدها ومن دماء أبناء سوريا، من دون أن تُحقق أي أهداف ناجعة لها.
وفي السياق ذاته، لا يمكن القفز فوق التشويش الهائل الذي يطول النموذج الذي تطلُّ به بعض الجماعات في دمشق، وهو نموذج مُتشدِّد، أقرب إلى النمطية الراديكالية، وبعيد عن النماذج الإسلامية السمحاء التي تجاري التطور ومتطلبات العصر. وخوف شرائح واسعة من المكونات المجتمعية السورية من فرض قيود على الحريات السياسية والمدنية والدينية، كالخشية من تقييد الحراك السياسي والثقافي في البلاد، دفع مجموعات واسعة من الشعب إلى تسجيل تحفظات على المنهجية الحالية، وهي ترفض أشكال الأوتوقراطية، لأنها دفعت ثمناً غالياً جراء ممارسات النظام البائد.
وما حصل في محافظة السويداء مؤخراً، كان حصاد من بيدر المشاريع الجديدة. وقد أخفقت القوى الأمنية للإدارة الجديدة في طمأنة الدروز الذين كانوا يخشون تكرار تجربة الساحل في مناطقهم، واستفاد المعارضون للحكومة من الأخطاء والتجاوزات وعمليات القتل التي حصلت، وأقدموا على طلب حماية خارجية -بما في ذلك من إسرائيل- ما زاد من منسوب المخاوف من النوايا الانفصالية، لأن إسرائيل عدوانية وتقتل الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين في كل يوم، ولديها مشروع شرذمة هدام.
معالجة الاعتراضات القائمة في السويداء لا يمكن أن تحصل من خلال شيطنة بعض الدروز الذين حملوا السلاح، والتجاوزات تدفعهم باتجاه خيارات متطرفة، انطلاقاً من خوفهم على مصيرهم في ظل النموذج الذي قد يعتمد في مستقبل سوريا، وتسعى إسرائيل إلى استغلاله بشتى الوسائل. وعلى العكس من ذلك، فالمعالجة تأتي من خلال فتح حوار جدي مع ممثليهم، يؤكد احترام التعددية القائمة، ويُغلق الباب أمام الشكوك التي تراود عدداً كبيراً منهم، لأن إجابات بعض المسؤولين عن تساؤلات جوهرية لم تكن واضحة، لا سيما فيما يتعلّق بالدستور وبطبيعة النظام الذي قد يُعتمد. وهناك خشية جدية من فرض نظام متشدّد، تتحكم فيه كوادر لها تجارب سابقة لا تتوافق مع خصائص كل المكونات السورية. وأهالي السويداء كانوا في طليعة المعارضين للحكم السابق، ولم يتركوا ساحات الاعتراض إلا بعد سقوط النظام.
يدفع المدنيون ثمناً باهظاً في الحروب الغامضة، ويُستخدَمون وقوداً «لصراع الأمم» وفي سياق تنفيذ مشاريع مستقبلية مخيفة، أو لفرض نماذج حكم أثبتت فشلها.
للخروج من المستنقع الدامي، لا بد من تقييد حراك إسرائيل العدواني. ولا بد من توفير رعاية عربية خالصة لسوريا، تُساعدها على الخروج من أي وصاية إقليمية أو دولية أُخرى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 4 دقائق
- صحيفة الخليج
عشرات القتلى في غرق مركب مهاجرين قبالة سواحل اليمن
(أ ف ب) أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، الاثنين، لوكالة فرانس برس أن 68 شخصاً على الأقل قضوا في غرق مركب مهاجرين قبالة سواحل اليمن، فيما لا يزال العشرات مفقودين. وأعلن رئيس بعثة المنظمة في اليمن عبد الستار عيسويف: «وصل عدد القتلى في الوقت الحاضر إلى 68 شخصاً على متن المركب، لكن لم يتم إنقاذ سوى 12 شخصاً من أصل 157 إلى الآن، ولا يزال مصير المفقودين مجهولاً»، بعدما كانت حصيلة سابقة من مصادر أمنية تفيد بمقتل 27 مهاجراً.


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
«تسونامي» الاعتراف بفلسطين
ماعاد الصمت ممكناً، ولم تعد «الرمادية السياسية» مقبولة في ظل حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل على السكان العُزّل في غزة، لذا لا غرابة أن تواجه إدانة وكأنها تسونامي دولية، للضغط عليها لإسكات آلتها الحربية في غزة، فاليوم بات العالم بأسره أمام واقع جديد لا مهادنة فيه، فإما الوقوف مع الحق الفلسطيني العادل، وإما الاصطفاف إلى جانب تل أبيب في ممارسة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتي لم تتورع عن قتل الإنسان وتدمير مدن برمتها، ومحاولة اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، بنكبة كبرى، تنهي من خلالها أي بصيص أمل بدولة حرة. عشرات الدول الغربية وفي العالم الحر تتجه الآن إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بعضها حليف تاريخي لإسرائيل كألمانيا، في حين أن فرنسا أخذت قرارها الحاسم بالاعتراف، بينما لوحت بريطانيا بالاعتراف ما لم توقف إسرائيل حربها، وكل هذا ضريبة شلال الدم النازف في غزة، الذي أجبر العالم على الالتفات إلى شعب يواجه قوة جبارة على أرضه، في حين تُنزع حياته حرقاً وقصفاً وتجويعاً على رؤوس الأشهاد وأمام الشاشات، حيث تُشوى جلودهم الحية أمام الكاميرات، في أبشع جرائم وثقتها تاريخياً. حرب غزة استطاعت فرض نفسها، حيث انقسم العالم لأجلها ولمصلحتها بعد نحو عامين من الدمار، وتحرك بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا لدعم دولة فلسطينية، يُعدّ تحولاً كبيراً، فهذه الدول تربطها علاقات استراتيجية وتاريخية ولغوية مع الولايات المتحدة، وتشير إلى تمرد نوعي على سياسات واشنطن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما أنه في أمريكا ذاتها ثمة تململ من عدم وقف الدعم غير المشروط لإسرائيل، والحد من تسليحها. رغم أن خطوات الاعتراف بدولة فلسطين رمزية، فإنها تُشكّل اعترافاً ضمنياً بأن للفلسطينيين مكاناً وحيزاً في أرضهم، ولا يحق لأحد اقتلاعهم منها، وهذه المواقف تُشكّل إنصافاً ولو يسيراً لنضال استمر عقوداً من الزمن، كما أنها تُشكّل صفعة لحكومة نتنياهو اليمينية ووزرائه المتطرفين، الذين يدعون علناً إلى إنهاء هذا الشعب، ورفض أي كيان له. ما يحدث يُعدّ انقلاباً دبلوماسياً، ولابد من استثماره، رغم حجم الألم الذي يعانيه الفلسطينيون، فالعالم أضحى مجبراً على رؤية الأمور على حقيقتها، وهذه الحقيقة أصبحت ساطعة لا يمكن لأحد حجبها تحت دهاليز دعائية روّجت على مدى زمن «مظلومية إسرائيل»، التي ظهرت للجميع بأنها لا تأبه بشيء، ولا ضير عندها في إبادة أطفال أو الاعتداء على دول ومهاجمتها واحتلال أجزاء منها. ما يجري اليوم ليس مجرد تحوّل طارئ في المزاج الدولي، بل لحظة فاصلة تفتح نافذة أمام الفلسطينيين لينالوا جزءاً من حقهم التاريخي. في هذا المفصل التاريخي، تتعرّى كل الأقنعة، ويغدو الوقوف مع الحق الفلسطيني معياراً للإنسانية قبل أي حسابات أخرى، ليبقى الأمل بأن الدم الذي سال لن يضيع هدراً، بل سيكون الخطوة الأولى نحو حريةٍ طال انتظارها.


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
أستراليا.. مسيرة حاشدة لدعم غزة وتعهد بتقديم مساعدات إضافية
وأعلنت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ عن تقديم 20 مليون دولار أسترالي إضافية (13 مليون دولار أميركي) كمساعدات إنسانية لقطاع غزة ، مما يرفع إجمالي تعهدات أستراليا إلى "أكثر من 130 مليون دولار لمساعدة المدنيين في غزة ولبنان" منذ الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر 2023 وأدى إلى اندلاع حرب غزة. وقالت وونغ إن القرار يأتي بعد إعلان إسرائيل عن ممرات إنسانية جديدة وسط الوضع الإنساني المتردي في القطاع. وجاءت هذه الخطوة بعد يوم واحد من توافد آلاف الأشخاص على جسر ميناء سيدني الشهير وسط أمطار غزيرة ورياح عاتية للاحتجاج على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ولفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية. وقال القائم بأعمال مفوض شرطة نيو ساوث ويلز، بيتر ماكينا، إن تقديرات عدد المشاركين في الاحتجاج بلغت حوالي 90 ألف شخص، ووصف الحشد بأنه الأكبر الذي يشهده على الجسر الشهير. ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، قدر المنظمون العدد بما يتراوح بين 200 ألف و300 ألف شخص. وانضم آلاف آخرون إلى الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في ملبورن وسيدني يوم الأحد. وتسيطر إسرائيل على جميع نقاط الوصول إلى القطاع الساحلي على البحر المتوسط، وخلال الأشهر الماضية سمحت بمرور القليل من المساعدات أو لم تسمح بمرور أي منها. وتقول إسرائيل إن هذا يهدف إلى زيادة الضغط على حماس لإطلاق سراح آخر الرهائن الذين تم اختطافهم في أكتوبر 2023. وعلى مدار الأسبوع الماضي، وبعد تزايد الانتقادات العالمية للوضع المتردي الذي يواجهه السكان المدنيون الفلسطينيون، سمحت إسرائيل بمرور شحنات أكبر عبر الطرق البرية ودعمت الإنزالات الجوية للمساعدات. وقُتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في الصراع بغزة وفقا للسلطة الصحية التي تديرها حماس، منذ اندلاع النزاع في أكتوبر 2023.