
✅ القصر الملكي بتطوان .. تاريخ سيادي حي ومجال يعكس انفتاح المؤسسة الملكية على المجتمع
لحظة مشحونة بالرمزية، يترقبها ملايين المغاربة كل سنة، قبل أن يصدح الصوت الذي صار مألوفا منذ ستة وعشرين عاما: 'الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.. شعبي العزيز،'. خلف الشاشة، وخلف الصمت، تنطلق طقوس عيد العرش كما لو كانت صلاة سيادية تُتلى من مدينة لم تكن في السابق عاصمة، لكنها أصبحت منصة للسيادة.
تطوان.. قاعدة السيادة الرمزية
هكذا، ومنذ سنوات، تحولت تطوان من مدينة ظلت على هامش القرار السياسي إلى محور رمزي لاحتفالات العرش، دون إعلان رسمي، ولكن بانتظام صارم يكفي لفرض العرف. قصرها الملكي لم يكن يوما مجرد إقامة صيفية، بل تحول تدريجيا إلى خشبة يعاد عليها تمثيل علاقة الملك بالمؤسسة وبالشعب، بينما باتت الساحة المحيطة به شاهدة على إعادة توزيع مراكز الثقل الرمزي في الدولة.
ولم يكن هذا التمركز على حساب الرباط أو فاس أو مراكش، بل جاء كاستثمار في الهامش السابق. فبينما استُخدمت العواصم التقليدية لاحتضان بعض الاحتفالات الاستثنائية، من بينها تخليد مرور اثني عشر قرنا على تأسيس الدولة المغربية سنة 2008، ظل قصر تطوان العنوان الأكثر تكرارا للموعد السنوي، بكل ما تحمله الكلمة من وزن سيادي.
ولعل القصر نفسه يُلخّص هذا المسار الرمزي. فبناؤه يعود إلى القرن الثامن عشر، حين أمر السلطان سيدي محمد بن عبد الله بإقامته فوق أنقاض منشآت عسكرية إسبانية، ليكون نقطة إشعاع سياسي وإداري لشمال البلاد.
وخلال فترة الحماية، خضع لتوسيعات دقيقة تحت إشراف السلطات الإسبانية، التي جعلته مقرا رسميا للمندوب السامي، دون طمس هويته المغربية. وبعد الاستقلال، استرجع القصر مكانته السيادية، وخضع لعدة ترميمات دون المساس بخصوصيته المعمارية، التي تجمع بين الزليج الفاسي والنقوش الخشبية والواجهات البيضاء، في تناغم بين البساطة والوقار.
ساحة المشور.. فضاء للرمز والحياة
ولا يمكن فصل القصر عن ساحة المشور السعيد التي تمتد أمامه كامتداد عضوي، لا كفاصل رمزي. فالساحة، على خلاف ما قد يُتصور، ليست منطقة مغلقة، بل فضاء مفتوح مخصص بشكل شبه كلي للراجلين، لا تصل إليه السيارات، وتجاوره مقاهٍ ومتاجر شعبية تنبض بحركة تجارية دؤوبة، تُضفي على المجال السيادي المجاور طابعا مدنيا هادئا. هنا، في هذا الفضاء الذي يشهد كل يوم حياة تطوانية عادية، تتجسد واحدة من رسائل العهد الجديد: أن السيادة لا تعني الانفصال، وأن للملك فضاء يجاور الناس دون أن يتعالى عليهم، يُطل من خلف الأسوار دون أن يعزل نفسه عن محيطه الاجتماعي.
وتتحول هذه الساحة، بين الفينة والأخرى، إلى مسرح مفتوح يعكس تقاطع الرمزي باليومي. ففي اليوم الموالي لخطاب العرش، تشهد الفضاء ذاته مراسم توشيح الضباط المتخرجين من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية، في طقس يجمع بين الانضباط الصارم والبذلة الرسمية، على خلفية الجدران البيضاء للقصر. هنا تُرفع الأوسمة، وتُلقى التحية، وتُعاد صياغة السيادة بلغة الجسد والاستعراض والانضباط.
غير أن الساحة لا تفقد طابعها المديني حتى في أوج الطقوس الرسمية. فسرعان ما تستعيد إيقاعها العادي، لتعود إلى سيرتها الأولى كفضاء عمومي مفتوح أمام ساكنة تطوان وزوارها، في استمرارية غير معلنة تعكس تلازم الدولة والمجتمع.
ويزداد هذا الحضور وضوحا حين تُنظَّم المراسم العسكرية المرافقة للعيد، حيث يشرف الملك بنفسه على توشيح الضباط المتخرجين من المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية، في طقس صار جزءا من المشهد الوطني. تقف الصفوف بانضباط صارم، ويُرفع العلم وسط خطوات مدروسة، وتُلقى التحية أمام المنصة الملكية، كأن الساحة تكتسب صوتا موازيا لصوت الخطاب، لكنه مسموع بلغة المؤسسات.
ليست هذه الاحتفالات مجرد تكرار سنوي، بل إعادة رسم لخارطة الرمز في الجغرافيا المغربية. فتطوان، التي كانت عاصمة للمنطقة الخليفية في عهد الحماية، عادت لتكون مركزا رمزيا يعاد من خلاله تثبيت معاني البيعة والسيادة. وليس صدفة أن تتكرر الصورة من هنا، وأن تُبث اللحظة من هذا القصر، وأن يُعاد إنتاج المشهد بتفاصيله كل عام.
هذا التحول لا ينعزل عن مسار الملكية في عهد محمد السادس، الذي اختار منذ توليه العرش أن ينقل الثقل الرمزي نحو فضاءات كانت بعيدة عن الضوء. فالملك لم يكتف بتجديد الخطاب، بل أعاد توزيع الأمكنة، فجعل من تطوان عاصمة للطقس، لا للقرار، ومن قصرها رمزا للهدوء السيادي، لا للصخب الإداري.
هكذا، حين تظهر صورة الملك من قاعة القصر، وحين يتردد صوته في افتتاح الخطاب، وحين تتحرك الساحة أمامه بانضباط عسكري أو بانسيابية مدنية، فإن الرسالة لا تتعلق فقط بعيد العرش، بل بإعادة تعريف المكان الذي تُصاغ منه السيادة. ومن الشمال، تقرأ البلاد صورتها كل سنة، وتتأمل في صمت القوة الهادئة التي يصنعها القصر، لا بعلو الأسوار، بل بقربه من الناس.
وفي تطوان، لا تكتفي الملكية بأن تحتفل، بل تُقيم شعائر رمزية صامتة، تُعيد من خلالها رسم العلاقة بين الحكم والمجال، بين الرمز والناس، بين التقاليد والسيادة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كازاوي
منذ 22 دقائق
- كازاوي
نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مساء اليوم الثلاثاء، خطابا، بمناسبة عيد العرش المجيد الذي يصادف الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه الميامين. وفبما يلي نص الخطاب الملكي السامي: 'الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه. شعبي العزيز، يشكل الاحتفال بعيد العرش المجيد، مناسبة سنوية لتجديد روابط البيعة المتبادلة، ومشاعر المحبة والوفاء، التي تجمعنا على الدوام، والتي لا تزيدها الأيام إلا قوة ورسوخا. وهي مناسبة أيضا للوقوف على أحوال الأمة : ما حققناه من مكاسب، وما ينتظرنا من مشاريع وتحديات، والتوجه نحو المستقبل، بكل ثقة وتفاؤل. لقد عملنا، منذ اعتلائنا العرش، على بناء مغرب متقدم، موحد ومتضامن، من خلال النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة، مع الحرص على تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة. فما حققته بلادنا لم يكن وليد الصدفة، وإنما هو نتيجة رؤية بعيدة المدى، وصواب الاختيارات التنموية الكبرى، والأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي، الذي ينعم به المغرب. واستنادا على هذا الأساس المتين، حرصنا على تعزيز مقومات الصعود الاقتصادي والاجتماعي، طبقا للنموذج التنموي الجديد، وبناء اقتصاد تنافسي، أكثر تنوعا وانفتاحا؛ وذلك في إطار ماكرو – اقتصادي سليم ومستقر. ورغم توالي سنوات الجفاف، وتفاقم الأزمات الدولية، حافظ الاقتصاد الوطني على نسبة نمو هامة ومنتظمة، خلال السنوات الأخيرة. كما يشهد المغرب نهضة صناعية غير مسبوقة، حيث ارتفعت الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف، لاسيما تلك المرتبطة بالمهن العالمية للمغرب. وبفضل التوجهات الاستراتيجية، التي اعتمدها المغرب، تعد اليوم، قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية والسياحة، رافعة أساسية لاقتصادنا الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات، أو خلق فرص الشغل. ويتميز المغرب الصاعد بتعدد وتنوع شركائه، باعتباره أرضا للاستثمار، وشريكا مسؤولا وموثوقا، حيث يرتبط الاقتصاد الوطني، بما يناهز ثلاثة ملايير مستهلك عبر العالم، بفضل اتفاقيات التبادل الحر. كما يتوفر المغرب اليوم، على بنيات تحتية حديثة ومتينة، وبمواصفات عالمية. وتعزيزا لهذه البنيات، أطلقنا مؤخرا، أشغال تمديد خط القطار فائق السرعة، الرابط بين القنيطرة ومراكش، وكذا مجموعة من المشاريع الضخمة، في مجال الأمن المائي والغذائي، والسيادة الطاقية لبلادنا. شعبي العزيز، تعرف جيدا أنني لن أكون راضيا، مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم، بشكل ملموس، في تحسين ظروف عيش المواطنين، من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات. لذا، ما فتئنا نولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه. وقد أبانت نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، عن مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية. وعلى سبيل المثال، فقد تم تسجيل تراجع كبير في مستوى الفقر متعدد الأبعاد، على الصعيد الوطني، من 11,9 في المائة سنة 2014، إلى 6,8 سنة 2024. كما تجاوز المغرب، هذه السنة، عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول ذات 'التنمية البشرية العالية'. غير أنه مع الأسف، ما تزال هناك بعض المناطق، لاسيما بالعالم القروي، تعاني من مظاهر الفقر والهشاشة، بسبب النقص في البنيات التحتية والمرافق الأساسية. وهو ما لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية. فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين. شعبي العزيز، لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية. لذلك ندعو إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة. هدفنا أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين، في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء. ولهذه الغاية، وجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية. وينبغي أن تقوم هذه البرامج، على توحيد جهود مختلف الفاعلين، حول أولويات واضحة، ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهم على وجه الخصوص : – أولا : دعم التشغيل، عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛ – ثانيا : تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم، والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن، ويكرس العدالة المجالية؛ – ثالثا: اعتماد تدبیر استباقي ومستدام للموارد المائية، في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛ – رابعا : إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج، في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى، التي تعرفها البلاد. شعبي العزيز، ونحن على بعد سنة تقريبا، من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة، المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية. وفي هذا الإطار، أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية، من أجل الإعداد الجيد، للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين. شعبي العزيز، بموازاة مع حرصنا على ترسیخ مكانة المغرب كبلد صاعد، نؤكد التزامنا بالانفتاح على محيطنا الجهوي، وخاصة جوارنا المباشر، في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق. وبصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك. لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين. وإن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر، نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف. كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي، واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة. ومن جهة أخرى، فإننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية. وفي هذا الإطار، نتقدم بعبارات الشكر والتقدير للمملكة المتحدة الصديقة، وجمهورية البرتغال، على موقفهما البناء، الذي يساند مبادرة الحكم الذاتي، في إطار سيادة المغرب على صحرائه، ويعزز مواقف العديد من الدول عبر العالم. وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. شعبي العزيز، نغتنم مناسبة تخليد عيد العرش المجيد، لنوجه تحية إشادة وتقدير، لكل مكونات قواتنا المسلحة الملكية، والدرك الملكي، والإدارة الترابية، والأمن الوطني، والقوات المساعدة والوقاية المدنية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن وحدة الوطن وأمنه واستقراره. كما نستحضر بكل خشوع، الأرواح الطاهرة لشهداء المغرب الأبرار، وفي مقدمتهم جدنا ووالدنا المنعمان، جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، أكرم الله مثواهما. ومسك الختام، قوله تعالى: 'فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف'. صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته '.


المغربية المستقلة
منذ 37 دقائق
- المغربية المستقلة
بمناسبة عيد العرش المجيد : نداء وطني من أجل إصلاح عميق يُرسّخ استقلالية القضاء ويُطهّر الإدارة من الفساد
المغربية المستقلة : بقلم عالي Brigui بمناسبة عيد العرش المجيد، يسرّني، بصفتي رئيسًا ومديرًا لتحرير عدد من المنصات الإعلامية الوطنية، أن أتقدّم بأصدق التهاني وأخلص مشاعر الولاء والوفاء إلى السدة العالية بالله، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وإلى ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، سائلاً الله تعالى أن يحفظ جلالته ويُسدّد خطاه، وأن يديم على المملكة المغربية نعمة الأمن والاستقرار. إن عيد العرش لا يمثّل مجرّد ذكرى وطنية، بل هو لحظة رمزية كثيفة الدلالة، تؤكّد مرة بعد مرة ذلك الارتباط العميق والحيّ بين مؤسسة الملكية والشعب المغربي، وتُعيد إلى الواجهة جوهر العقد السياسي الذي تأسست عليه الدولة الوطنية الحديثة في المغرب، حيث تشكّل المؤسسة الملكية حجر الزاوية في صون الاستقرار، وضمان الاستمرارية، وتوجيه التحولات البنيوية الكبرى التي تمسّ البنية الاجتماعية والمؤسساتية للبلاد. وبينما نخلّد هذه الذكرى الغالية التي تتزامن مع لحظة سياسية دقيقة يتقاطع فيها مسار الإصلاح المؤسساتي مع تحولات عميقة في بنية الدولة والمجتمع، نرى من واجبنا، ومن موقعنا المهني والمدني، أن نرفع نداءً وطنيًا هادئًا، عقلانيًا، وصادقًا إلى جلالة الملك، باعتباره الضامن الأسمى لحرمة القضاء، وحامي مسار الإصلاح والتحديث، نداءً يستمد مشروعيته لا من أي نزعة شعبوية أو مزايدة خطابية، بل من حرصٍ عميق على كرامة المواطن، ومناعة الدولة، ومصداقية المؤسسات. لقد توصلت منصتنا الإعلامية، من خلال تقارير ميدانية، وشهادات موثوقة، إلى معطيات دقيقة تُشير إلى تزايد مؤشرات القلق بخصوص تغوّل بعض مراكز النفوذ داخل جهاز العدالة، ومحاولات متكرّرة للتأثير على مسارات قضائية يُفترض أن تظل محصّنة ضد كل أشكال التدخّل السياسي أو الإداري أو المالي. كما برزت إلى السطح شكاوى متكرّرة من استعمالٍ انتقائي لبعض النصوص القانونية لتضييق مساحة التعبير الحرّ، ومعاقبة الصحفيين والنشطاء، وزرع مناخ من الترهيب الرمزي داخل مؤسسات من المفترض أن تكون حاضنة للثقة، لا مولّدة للريبة. وإذا كانت بعض مظاهر الخلل تُعزى عادة إلى ضعف في التكوين أو اختلال في البنيات التحتية، فإن الأخطر هو حين تتحوّل ممارسات فاسدة إلى منظومات مقنّنة تُهدّد جوهر التعاقد بين الدولة والمجتمع، وتُقوّض مبدأ الشرعية، وتفتح المجال أمام منطق اللاعقاب، مما يعيد طرح سؤال جوهري: هل تستطيع الدولة أن تحافظ على مصداقية خطابها الإصلاحي دون إصلاح جذري لمنظومة العدالة؟ ومن هذا المنطلق، نُعبّر عن قلقنا المشروع حيال استمرار تآكل الثقة في بعض المؤسسات، خصوصًا حين تتقاطع مع مؤشرات على تراجع استقلالية القضاء، وهو ما من شأنه أن يُضعف ليس فقط فعالية الدولة، بل يهدّد أيضًا شرعية مشروعها الحداثي ذاته. واستنادًا إلى ما تقدّم، فإننا نُلتمس من جلالة الملك، بما له من صلاحيات دستورية واعتبار رمزي بصفته الضامن لحرية المواطن وكرامته، أن يتفضّل بإعطاء أوامره السامية باتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، نوردها وفق منطق وظيفي لا شخصي، وبروح اقتراحية لا اتهامية: 1. إقالة وزير العدل، بالنظر إلى ما طاله من شبهات وانزلاقات تشكّل عبئًا على مصداقية الحكومة، وتُعمّق الإحساس العام بانفصال الخطاب الرسمي عن الواقع العملي داخل القطاع . 2 . إطلاق مسطرة تحقيق مستقلة وشفافة تُعنى بالوقوف على حيثيات الشكاوى المرتبطة باستغلال النفوذ، والتدخل في مسارات القضايا الحساسة، مع نشر نتائجها للرأي العام كجزء من حق المواطنين في المعلومة. 3. مراجعة القوانين التي تُستخدم لأغراض تقييدية، لا سيما تلك التي تُستعمل لتأويل حرية التعبير على نحو يفضي إلى العقاب بدل الحماية، مع التأكيد على مركزية الصحافة كفاعل ديمقراطي ورقيب مدني حيوي. إن المطالبة بهذه الخطوات لا تنبع من طوباوية سياسية أو نَفَس عدمي، بل من وعي تراكمي بأن دولة قوية، وعادلة، وذات مصداقية، لا يمكن أن تقوم على التساهل مع الانحراف، أو التسامح مع اختلال موازين العدل، أو غضّ الطرف عن ما يُقوّض سلطة القانون لصالح سلطة الأشخاص. ختامًا، نرفع أكف الضراعة إلى العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك، وأن يُعينه في حمل الأمانة الثقيلة التي تمثلها قيادة أمة تعتز بعمقها التاريخي، وتطمح لمكانة تليق بها في عالم مضطرب. كما نُجدد ولاءنا للدولة، إيمانًا منا بأن الإصلاح الحقيقي لا يكون ضدها، بل من داخلها، ومن أجلها، وبها. . عاش الملك.. عاش الوطن.. عاشت العدالة كركيزة لدولة المستقبل.


شتوكة بريس
منذ ساعة واحدة
- شتوكة بريس
عفو ملكي على عدد من السجناء بمناسبة عيد العرش المجيد
اشتوكة بريس.و م ع بمناسبة عيد العرش المجيد، تفضل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، فأصدر حفظه الله أمره السامي المطاع بالعفو على مجموعة من الأشخاص منهم المعتقلين ومنهم الموجودين في حالة سراح، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة وعددهم 2415 شخصا، وبصفة استثنائية على 17.258 من المحكوم عليهم الذين تم انتقاؤهم وفق مقاييس محددة لتكون هذه العملية مبادرة إنسانية نبيلة تعكس العطف المولوي الموصول على هذه الفئة. وفي ما يلي نص البلاغ الذي أصدرته وزارة العدل بهذا الخصوص: 'بمناسبة عيد العرش المجيد لهذه السنة 1447 هجرية 2025 ميلادية، تفضل جلالة الملك، أدام الله عزه ونصره، فأصدر حفظه الله أمره السامي المطاع بالعفو على مجموعة من الأشخاص منهم المعتقلين ومنهم الموجودين في حالة سراح، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة الشريفة وعددهم 2415 شخصا، وهم كالآتي: المستفيدون من العفو الملكي السامي الموجودون في حالة اعتقال وعددهم 2239 نزيلا، وذلك على النحو التالي: – العفو مما تبقى من عقوبة الحبس أو السجن لفائدة: 16 نزيلا – التخفيض من عقوبة الحبس أو السجن لفائدة: 2218 نزيلا – تحويل السجن المؤبد إلى السجن المحدد لفائدة: 05 نزلاء المستفيدون من العفو الملكي السامي الموجودون في حالة سراح وعددهم 176 شخصا موزعين كالتالي: – العفو من العقوبة الحبسية أو مما تبقى منها لفائدة: 40 شخصا – العفو من العقوبة الحبسية مع إبقاء الغرامة لفائدة: 12 شخا – العفو من الغرامة لفائدة: 111 شخصا – العفو من عقوبتي الحبس والغرامة لفائدة: 12 شخصا – العفو من الغرامة ومما تبقى من العقوبة الحبسية لفائدة: 01 شخص واحد المجموع:2415 كما أبى سيدنا المنصور بالله إلا أن يجعل هذه المناسبة الغالية فرصة لتوسيع دائرة المنعم عليهم بعفو جلالته الكريم، بصفة استثنائية ليشمل عددا من المحكوم عليهم الذين تم انتقاؤهم وفق معايير ومقاييس محددة لتكون هذه العملية مبادرة إنسانية نبيلة تعكس العطف المولوي الموصول على هذه الفئة. وتتوزع هذه المجموعة الإضافية كما يلي: – العفو مما تبقى من العقوبة السالبة للحرية والغرامة لفائدة: 17.121 نزيلا – تحويل السجن المؤبد إلى السجن المحدد لفائدة: 114 نزيلا – تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد لفائدة: 23 نزيلا المجموع: 17.258 ليبلغ مجموع المستفيدين بهذه المناسبة السعيدة 19.673. أبقى الله سيدنا المنصور بالله ذخرا وملاذا لهذه الأمة، ومنبعا للرأفة والرحمة، وأعاد أمثال هذا العيد على جلالته بالنصر والتمكين وأقر عينه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن وجميع أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنه سميع مجيب، والسلام'.