
الذكاء الإصطناعي .. للعقل وللدَّجل أيضاً
ليس هناك مجالٌ لا يتنازع داخله الضّدان، ومثلما الأذكياء في الخير والأمانة والتَّقدم، يقابلهم أذكياء في الدَّجل والكذب والتَّأخر، وهنا أقصد المجال الفكريّ، ففي لحظة يُقدم «الاصطناعيّ» بحثاً، في أيّ مجال ترغبُ، إن أردت الفيزياء فعنده ما ليس عند إسحاق نيوتن (ت 1727)، وإنْ طلبت البيان فعنده ما ليس لدى الجاحظ (ت 255 هج)، وإن طلبت علوم الرّجال والسِّير، فيُقدم لك ما تجهد به لأيام وشهور بثوانٍ. لهذا نجد التّثاقف يتزايد، فالكلّ يتحدث، فإن سُئلت، كطبيب أو مؤرخ، عن دواء أو واقعة، تجد الذي سألك يوزع عيناه بينك وبين آيفونه، وما يقرأه فيه هو المصدقُ، مع أنه جمعه مِن علوم النّاس، لكنَّ هيبة الجهاز، وعجائبيته الباهرة، تغري بالتّصديق، وكأن العلم الذي فيه ليس بشريّاً.
نادراً ما يوجد باحث، أو كاتب اليوم، لم يستفد مِن محركات البحث، بصورة أو أخرى، فبواسطتها تؤخذ المعلومة مِن أمهات العلوم كافة بلمح بصر، أو لمح برق، إنَّها سرعة الضّوء، وما عليك إلا تحديد المعلومة، ثم تدقيق النتيجة بطريقتك، وهذا يحتاج إلى عِلمٍ وتخصص وثقافة، وإلا المحرك لا يهديك إلى شيء موثوق. كانت سرعة لمح البصر، أو لمع البرق، مِن أحلام الأولين، تأتي قصص عديدة فيها وصل فلان بلمح بصر، تشبيهات لواقع متخيل سيأتي وقد أتى، نعيشه الآن، كالشَّعاع الذي تخيله المتكلمون، وهو اليوم يماثل الأشعة فوق البنفسجية.
غير أنَّ هذا التَّقدم الفائق، يُستخدم في الدَّجل أيضاً، أشخاص يدعون البحث، ومترجمون يدعون الترجمة، يستخدمون «الذَّكاء الاصطناعي» في تأليف الكتب وترجمتها، ويبدون متخصصين، لكنهم أتقنوا إدارة أدوات «الذَّكاء الاصطناعي»، فألفوا الكتب العِظام، وللأسف معارض الكتب ملأى بمؤلفاتهم، وهي ليست لهم، ولا للذكاء الاصطناعي، فالأخير يقوم بمهمة الإدارة والتنسيق، لِما رمي في أجواف أجهزته. إنّ الدَّجل في الكتابة ظاهرة قديمة، لكنها تعاظمت، مع ظهور «غوغل»، وبقية محركات البحث، بما يمكن تسميته بـ «نسخ ولصق»، ولأنَّ الدَّجالين احترفوا لصوصية الحروف، فهم يقومون بإعادة صياغة النُّصوص، كي لا تبدو مِن جهود غيرهم، مع التَّلاعب بالمصادر والحواشي، إذا اقتضى الأمر. هذا هو الدَّجل، الذي يمنحه الذَّكاء الاصطناعي، وليس لدي ما أستطيع التعبير به، عن الوقاية مِنه.
ذَّكاء اصطناعي
سيكون أمام المؤسسات الأكاديميَّة، ومراكز البحوث، مهمة صعبة، في التَّمييز بين ما ينتجه العقل، وما يستولي عليه الدَّجل، وإلا لا قيمة تبقى لهذه المراكز، ولم تبق حاجة لأهل الاختصاص، والخطورة الأكثر تكون في العلوم الإنسانية والآداب، فمجال اللصوصيّة فيها مفتوح، منذ القدم، ولكنه توسع، وسيتوسع، مع الذَّكاء الاصطناعي.لا أتردد في المشابهة بين العقل والدَّجل، مع الذكاء الاصطناعي، باكتشاف نوبل للديناميت، أفاد البشرية بأعز فائدة، لكنه صار أداة قتل رهيبة، فمنه تصنع المتفجرات القالعة للصخور، والمبيدة للحياة، في الوقت نفسه. إذا فتح مجال الذّكاء الاصطناعي، دون ضوابط صارمة، وأحسبها في مجال التأليف والكتابة، صعبة المنال، ستتحول الثّقافة إلى مستنقع مِن الدَّجل، فما وصله ول ديورانت (ت 1981)، في «قصة الحضارة» سيظهر مؤلفات لدجال، وأسفار غيره أيضاً، لأن الذَّكاء الاصطناعي يُقدمها له، فيطبخها مِن جديد. قد يلغي الذكاء الاصطناعي الاختصاص، فيظهر أصحاب السَّبع صنائع. يقول أبو عُبيْد القاسم بن سلام (ت 224 هج)، صاحب «الأموال»: «ما ناظرني رجلٌ قطٌ، وكان مُفَنِّناً في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجلٌ ذو فنٍّ واحد إلا غلبني في عِلمه ذلك» (ابن عبد البرِّ، بيان العلم وفضله).
قدمت منصات الذَّكاء الاصطناعي باحثين مزيفين، وخبراء دجالين في كلّ علم ينطون، يزايدون على ابن سلام في شرح كتابه «الأموال»، وبحضوره! قد يفيد ما قاله المفسر فخر الدِّين الرَّازي (ت 606 هج) شاهداً: «نهاية إقدام العقول عِقالُ/ وأقصى مدى العالمين ضلال» (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 2 أيام
- موقع كتابات
'شوبنهاور' يتجاوز بوابات الزمن
توافر للإنسان في العصر الحديث الكثير من السُّبل التي تسهل عليه الحياة، والتي إذا كان متواجدًا ولو بعضًا أو حتى واحدةً منها في الماضي، لكانت الابتهاج له حليفًادائمًا. لكن ما يحدث حاليًا أمر يدعو للحزن الشديد؛ إذ أن الإنسان وبالرغم من بلوغه مراتب عُلا من التقدُّم التكنولوجي ومعرفته بالعديد من الوصفات التي تجعله مالكًا للسمو الأخلاقي والرقي، إلَّا أنه ينزلق يومًا تلو الآخر في غياهب من الهمجية التي تتأصَّل بداخله وتتزايد يومًا تلو الآخر. بل والأسوأ، باتت الحياة تعجّ بالمرضى النفسيين، وأصبح الاكتئاب مرض معتاد، ومصاب به المليارات، بما في ذلك الأطفال. وعلاوة على ذلك، صارت السعادة أمر بعيد المنال يمكن القراءة عنه في الكتب والقصص الخيالية فقط. وبالرغم من كل هذا، يأمل العلماء أن تتعاظم سعادة الإنسان باختراع الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يحاكي التفكير البشري وأساليب وعيه وإدراكه. والغرض المعلن من ذاك الاختراع الفريد ليس فقط محاكاة الإنسان لمجرَّد المحاكاة، لكن توفير وقته وجهده لأعمال أخرى قد تكون ذات نفع عظيم له وللبشرية ، بما في ذلك توفير الوقت والطاقة لتنمية الروابط الأسرية والإنسانية التي فقدها تقريبًا عند اللهاث وراء تحقيق النجاح والتميُّز. ويحاول العلماء طمأنة البشر أن ذاك الاختراع الذي غيَّر أشكال الحياة، ولسوف يواصل تبديل كل ما هو قديم بقيم ومستحدثات غير مسبوقة، لسوف يكون السبيل لفهم كيفية عمل العقل البشري، الذي لا يزال سرًّا معقَّا لا يستطيع العلم والتقدُّم التكنولوجي فك شفراته. وكذلك يؤكِّد العلماء أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان – في شكلها الأمثل – هي علاقة نفع مُتبادل، وأنه لا يجب أن يصير الذكاء الاصطناعي بديلًا للإنسان الذي اخترعه ولا يزال يعمل على تطويره. وذاك الرأي الذي أتي على لسان زمرة من العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم، والتخصصين في البرمجيات والفيزياء وعلوم النفس والأعصاب. إلَّا أن أقوالهم لم تشعر العامة بالاطمئنان الموجو، وأزجت المزيد من التوتُّر على عقولهم وعلى حياتهم. ودون أدنى شك، السبب واضح؛ لأن العلماء وضعوا العقل البشري والإنسان ككيان في مرتبة متساوية مع الذكاء الاصطناعي. ولكي يفهم الإنسان موقفه في هذا العالم الحديث الذي أصبح التقدُّم فيه أمر حتمي، وكذلك هو الحال بالنسبة للإحساس بالتشاؤم من المستقبل وعدم الرضا عنه، كان لا بد من الرجوع لآراء الحكماء الذين وضعوا أسس هذا العالم الحديث من خلال إنشاء ما يشابه المنهاج الذي لا يساعد فقط على فهم ما يحدث حولنا، بل أيضًا التعامل معه بسهولة وأريحية. وواحدًا من الفلاسفة شديدي الحكمة الذي يجب اللجوء لأرائهم في أحلك المواقف، هو الفيلسوف الألماني 'آرثر شوبنهاور' Arthur Schopenhauer(1788-1860) المشهور بلقب فيلسوف التشاؤم. لكن بالرجوع إلى كنزه الفكري من مراجع لا تحظى بشعبية كاسحة حتى الآن، يلاحظ أنه لا يصدِّر التشاؤم للبشرية، بل أنه يشرح أسبابه ويحاول قدر الإمكان إيجاد منهاجًاللتعامل معه. وقد يظن البعض أن آراءه بالية قد عفا عليها الزمان لأنه ولد في القرن الثامن عشر وفارق الحياة بعد منتصف القرن التاسع عشر، لكن من يظن هذا قد حاده الصواب؛ لأن 'شوبنهاور' عاصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية في مهدهما، وراقب عن كثب التطوُّرات الناشئة والمخاوف العامة من تلك من الآلات المستحدثة، والتي بالقياس تشابه لحد بعيد اختراع الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعددة في الوقت الحالي، وبالمثل، كان هناك حينئذٍ مخاوف شديدة من استبدال البشر بآلات لا يصيبها الإرهاق ولا تمانع العمل بشكل متواصل وفي أي وقت، حسب الحاجة لها وكلما طُلِب منها. في الماضي، كان الرقي الاجتماعي والأخلاقي مرتبطين بكل ما يُعلي من شأن العلوم وتحصيلها والاطلاع على الفنون وفهمها، وكذلك معرفة المستحدثات والابتكارات. ولهذا السبب، كان الجميع يحرصون على اقتناء مكتبات ضخمة مهيبة بداخل منازلهم؛ للتفاخر بها، وكأنها العلامة الدَّامعة لرفي شخص ما وحصافة رأيه، بينما قد يكون العكس عين الصِّحة. والأنكى من ذلك، أن المكتبات المنزلية تلك تتحول إلى ما يشبه المكتبات التي لا يستفيد منها أي فرد، بل وقد تكون لم يمسسها أحد على الإطلاق، فيما خلا البعض من كتبها. ومن ثمَّ، كان ينتقد 'شوبنهاور' من يشترون الكتب ويكدسونها، لأن من يشتري كتابًا من الأحرى أن يشتريأيضًا معه الوقت اللازم لقراءته؛ لأنه جرت العادة على مجرد الرغبة في امتلاك المحتوى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية القراءة بالنسبة ل'شوبنهاور' ليست كل شيء، لأن من يقرأ يجعل شخص آخر يفكر بالأصالة عنه، والقاريء مجرد شخص يكرر إعمال العقل الذي قام به مؤلِّف الكتاب؛ إذًا، فإن القارئ في تلك الحالة ليس بمبتكر، بل كأي تلميذ صغير يتعلَّم الكتابة، ويكون فرضه المدرسي تكرار ما كتبه له المعلِّم وسطره بقلم رصاص، أي أنه من السهل أن يمحى هذا المحتوى، وتتلاشى من جدار الذَّاكرة المعلومات التي عمل الفرد على جمعها من القراءة. والسبب، أن الجزء الأكبر من عملية التعلُّم والفكر قد أنجزه الكتاب من أجلنا. ولهذا السبب، عندما يرغب أي شخص إلهاء نفسه عن أمر ما، أو تحسين حالته المزاجية، أو حتى محاربة الأرق، فإنه على الفور يلتقط كتابًا ويقرأه؛ كي تلهيه القراءة عن الانشغال بأفكاره. وتأثير القراءة السلبي يكون بنفس تأثيرها الإيجابي؛ لأنها تجعل العقل البشري يتراجع لمرتبة ملعبًا لأفكار الآخرين، سواء أكانت مفيدة أو مغلوطة. ويحذِّر 'شوبنهاور' من قضاء المرء يوم بأكمله منكبًّا علىالقراءة، ثمَّ، يتخلل ذاك اليوم فترات استرخاء يمضيها في تسلية طائشة. ومع اعتياد ذاك الروتين، يفقد العقل القدرة على التفكير تدريجيًا، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للفرد الذي يعتاد الركوب، فإنه يفقد تدريجيًا القدرة على المشي؛ لأن عظامه تتيبَّس وعضلاته تضمر. وما ذكره 'شوبنهاور' أثبتت أيضًا العلوم الحديثة صحته. ولهذا السبب كان يتعجَّب الكثير من أن بعض كبار السن يصابون بالخرف أو الزهايمر بالرغم من أنهم يدأبون على القراءة والاطلاع. ويضيف 'شوبنهاور' أنه قد اكتشف أيضًا بعض العلماء أنهم أغبياء؛ لأنهم اكتفوا بدور النَّاقل الذي يجمع أفكارالبعض دون وضع لمسات تفكيرهم العميق. فالاكتفاء بالمعرفة السطحية التي لا تفضي إلى إعمال العقل والابتكار تجعل الفرد تدريجيًا لا يبالي بما يدور في أذهان الآخرين، لطالما اعتنق أفكار آخرين والتي قد تنطوي على معرفة سطحية ووجهات نظر ضيِّقة وأخطاء متكررة.ومن ثمَّ، فإن محاكاة الآخرين تفقد أي شخص ثلاثة أرباع سماته المميَّزة. وبالتفكير قليلًا فيما يسطره 'شوبنهاور'، نلاحظ أن موقفه مطابقًا لموقف الإنسان في عصر السيبرانية والذكاء الاصطناعي؛ فجميع ألوان المعرفة أصبحت متوافرة يضغطة زرّ واحدة، ولهذا اختفت تقريبًا الكتب المطبوعة. وبالرغم من أن جميع ألوان المعارف والفنون أصبحت متاحة، فإن نسبة الجهل الثقافي والعزوف عن الاطلاع تزايدت بشكل مرعب؛ والسبب هو الاعتماد أن المعرفة متاحة ويمكن الرجوع إليها في أي وقت. ومن ثمَّ، تزايد الاعتماد في العقدين الماضيين على القراءة فقط، وصارت هناك أجيال لا تحسن الكتابة والإملاء؛ للاعتماد على أن الوسائل التكنولوجية بمقدورها تصحيح الأخطاء الإملائية. ودون أدنى شك، تلازمت مع تلك الظاهرة اختفاء الأسلوب الراقي في الكتابة، حيث أصبحت الكتابة شديدة البرجماتية؛ محتصرة أو على شكل نقاط، وغالبًا بالأسلوب العامي. ومع انتشار المواد العلمية المسموعة، لاحظ العلماء وجود شرائح من الأجيال الجديدة لا تحسن حتى القراءة. ودون أدنى شك، فإن إخلاء السَّاحة للذكاء الاصطناعي لكي يقرأ ويكتب ويفكر ويحلل عوضًا عن الجنس البشري لسوف يجعل نهاية الإنسان محتومة، ألا وهي التراجع إلى مرتبة الحيوانات التي همها الأكبر إتاحة الطعام لها وإشباع الغرائز الحسية، ويرجع ذلك للتواكل على أدوات أخرى تقوم بالمهام التي تتطلَّب إعمال العقل عوضًا عنالعنصر البشري. ولا يعني ذلك رفض التقدم أو المستحدثات التكنولوجية أو مهاجمة الذكاء الاصطناعي، بل إيجاد السبل الصحيحة للاستفادة منها لكي نطوِّر أفكارنا ونجعل عقولنا تستقبل وتصدر المعلومات والأفكار. واحدة من أكبر وأهم النعم التي من بها الخالق على عباده الآدميين هي القدرة على التفكير والتحليل؛ فلا يجب على المرء أن يتوقف عن التفكير ومحاولة تقديم أي اسهام شخصي يصبح بمثابة بصمته المميزة، ويجب المداومة على توكيد ذاك التميُّز زجي الجانب الحيواني لدى الإنسان. فلا تتوقف عن التفكير حتى تحتفظ بمكانة السيِّد ذو اليد الطولى على التقد


وكالة أنباء براثا
منذ 3 أيام
- وكالة أنباء براثا
ابتكار جهاز عصبي صناعي يحاكي عمل الدماغ البشري
طور مهندسون من جامعة RMIT الأسترالية جهازا عصبيا يحاكي عمل الدماغ البشري، حيث يستطيع التعرف على حركات اليد، وتخزين الذكريات، ومعالجة البيانات المرئية في الوقت الفعلي، إذ يُعد هذا الابتكار واعدا في مجال الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة وأنظمة التفاعل البشري. وقام فريق علمي بقيادة البروفيسور سوميت واليا رئيس مركز المواد والمستشعرات البصرية الإلكترونية بتطوير الجهاز باستخدام مادة فائقة الرقة من ثنائي كبريتيد الموليبدينوم (MoS₂) تلتقط الضوء وتحوّله إلى إشارات كهربائية تشبه عمل الخلايا العصبية في الدماغ. ويعمل الجهاز بطريقة مشابهة للدماغ، حيث يخزن الإشارات، ثم يُطلق "نبضات" عند تراكمها بما يكفي. وبفضل ذلك، يستجيب الجهاز للتغيرات المحيطة فورا دون استهلاك طاقة أو وقت كبير في معالجة البيانات. وأوضح البروفيسور قائلا: "هذا الجهاز التجريبي يحاكي قدرة العين البشرية على التقاط الضوء وقدرة الدماغ على معالجة المعلومات البصرية، مما يجعله يشعر بالتغيرات البيئية على الفور ويُكوِّن ذكريات دون الحاجة إلى كميات هائلة من البيانات أو الطاقة." وفي الاختبارات حقق الجهاز دقة 75% في التعرف على الصور الثابتة بعد إجراء 15 دورة للتدريب، و80% في تنفيذ المهام الديناميكية بعد 60 دورة، كما يستطيع اكتشاف حركة اليد عبر الإدراك الكنتوري، مما يقلل الحاجة إلى معالجة كل إطار على حدة ويوفر الطاقة. وتجعله "الذكريات" المخزنة للتغيرات المشهدية أقرب إلى الدماغ البشري. ويرى الباحثون أن هذه الأنظمة العصبية لها إمكانات هائلة في تطوير تقنيات ذكية موفرة للطاقة. وأضاف الحوراني، أحد مؤلفي الدراسة:"تمكّن التقنية العصبية الشكلية الروبوتات من التعرف على سلوك الإنسان بسرعة ودقة أكبر، وهو أمر بالغ الأهمية في البيئات الصناعية أو المنزلية عند العمل بالقرب من البشر." كما أكد واليا قائلا:" على عكس الأنظمة الرقمية التي تستهلك طاقة كبيرة لمعالجة البيانات، يعمل جهاز RMIT بطريقة تماثلية تشبه الدماغ، مما يجعله مثاليا لتنفيذ المهام في الوقت الفعلي. ويُعد هذا الأمر حاسما للمركبات الذاتية، حيث يمكن لرد الفعل السريع تجاه التغيرات المرئية إنقاذ الحياة، وستتمكن الرؤية العصبية الصناعية من اكتشاف التغيرات في البيئة حال حدوثها تقريبا دون معالجة كميات ضخمة من البيانات، مما يضمن استجابة أسرع، وبالتالي إنقاذ الحياة." ويتفوق الجهاز أيضا على أنظمة الأشعة فوق البنفسجية السابقة، حيث يعمل في الطيف المرئي ويدعم إعادة ضبط الذاكرة للمهام الجديدة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تطبيقات أكثر تعقيدا، مثل الرؤية بالأشعة تحت الحمراء لمراقبة الانبعاثات أو الكشف عن السموم. واختتم واليا قائلا: "نرى أن عملنا هو مكمل للحوسبة التقليدية، وليس بديلا عنها. وتقدم التقنية العصبية ميزات في معالجة البيانات المرئية حيث تكون كفاءة الطاقة والمعالجة الفورية ضرورية." نُشر البحث في مجلة Advanced Materials Technologies.


الزمان
منذ 6 أيام
- الزمان
الذكاء الإصطناعي .. للعقل وللدَّجل أيضاً
ليس هناك مجالٌ لا يتنازع داخله الضّدان، ومثلما الأذكياء في الخير والأمانة والتَّقدم، يقابلهم أذكياء في الدَّجل والكذب والتَّأخر، وهنا أقصد المجال الفكريّ، ففي لحظة يُقدم «الاصطناعيّ» بحثاً، في أيّ مجال ترغبُ، إن أردت الفيزياء فعنده ما ليس عند إسحاق نيوتن (ت 1727)، وإنْ طلبت البيان فعنده ما ليس لدى الجاحظ (ت 255 هج)، وإن طلبت علوم الرّجال والسِّير، فيُقدم لك ما تجهد به لأيام وشهور بثوانٍ. لهذا نجد التّثاقف يتزايد، فالكلّ يتحدث، فإن سُئلت، كطبيب أو مؤرخ، عن دواء أو واقعة، تجد الذي سألك يوزع عيناه بينك وبين آيفونه، وما يقرأه فيه هو المصدقُ، مع أنه جمعه مِن علوم النّاس، لكنَّ هيبة الجهاز، وعجائبيته الباهرة، تغري بالتّصديق، وكأن العلم الذي فيه ليس بشريّاً. نادراً ما يوجد باحث، أو كاتب اليوم، لم يستفد مِن محركات البحث، بصورة أو أخرى، فبواسطتها تؤخذ المعلومة مِن أمهات العلوم كافة بلمح بصر، أو لمح برق، إنَّها سرعة الضّوء، وما عليك إلا تحديد المعلومة، ثم تدقيق النتيجة بطريقتك، وهذا يحتاج إلى عِلمٍ وتخصص وثقافة، وإلا المحرك لا يهديك إلى شيء موثوق. كانت سرعة لمح البصر، أو لمع البرق، مِن أحلام الأولين، تأتي قصص عديدة فيها وصل فلان بلمح بصر، تشبيهات لواقع متخيل سيأتي وقد أتى، نعيشه الآن، كالشَّعاع الذي تخيله المتكلمون، وهو اليوم يماثل الأشعة فوق البنفسجية. غير أنَّ هذا التَّقدم الفائق، يُستخدم في الدَّجل أيضاً، أشخاص يدعون البحث، ومترجمون يدعون الترجمة، يستخدمون «الذَّكاء الاصطناعي» في تأليف الكتب وترجمتها، ويبدون متخصصين، لكنهم أتقنوا إدارة أدوات «الذَّكاء الاصطناعي»، فألفوا الكتب العِظام، وللأسف معارض الكتب ملأى بمؤلفاتهم، وهي ليست لهم، ولا للذكاء الاصطناعي، فالأخير يقوم بمهمة الإدارة والتنسيق، لِما رمي في أجواف أجهزته. إنّ الدَّجل في الكتابة ظاهرة قديمة، لكنها تعاظمت، مع ظهور «غوغل»، وبقية محركات البحث، بما يمكن تسميته بـ «نسخ ولصق»، ولأنَّ الدَّجالين احترفوا لصوصية الحروف، فهم يقومون بإعادة صياغة النُّصوص، كي لا تبدو مِن جهود غيرهم، مع التَّلاعب بالمصادر والحواشي، إذا اقتضى الأمر. هذا هو الدَّجل، الذي يمنحه الذَّكاء الاصطناعي، وليس لدي ما أستطيع التعبير به، عن الوقاية مِنه. ذَّكاء اصطناعي سيكون أمام المؤسسات الأكاديميَّة، ومراكز البحوث، مهمة صعبة، في التَّمييز بين ما ينتجه العقل، وما يستولي عليه الدَّجل، وإلا لا قيمة تبقى لهذه المراكز، ولم تبق حاجة لأهل الاختصاص، والخطورة الأكثر تكون في العلوم الإنسانية والآداب، فمجال اللصوصيّة فيها مفتوح، منذ القدم، ولكنه توسع، وسيتوسع، مع الذَّكاء الاصطناعي.لا أتردد في المشابهة بين العقل والدَّجل، مع الذكاء الاصطناعي، باكتشاف نوبل للديناميت، أفاد البشرية بأعز فائدة، لكنه صار أداة قتل رهيبة، فمنه تصنع المتفجرات القالعة للصخور، والمبيدة للحياة، في الوقت نفسه. إذا فتح مجال الذّكاء الاصطناعي، دون ضوابط صارمة، وأحسبها في مجال التأليف والكتابة، صعبة المنال، ستتحول الثّقافة إلى مستنقع مِن الدَّجل، فما وصله ول ديورانت (ت 1981)، في «قصة الحضارة» سيظهر مؤلفات لدجال، وأسفار غيره أيضاً، لأن الذَّكاء الاصطناعي يُقدمها له، فيطبخها مِن جديد. قد يلغي الذكاء الاصطناعي الاختصاص، فيظهر أصحاب السَّبع صنائع. يقول أبو عُبيْد القاسم بن سلام (ت 224 هج)، صاحب «الأموال»: «ما ناظرني رجلٌ قطٌ، وكان مُفَنِّناً في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجلٌ ذو فنٍّ واحد إلا غلبني في عِلمه ذلك» (ابن عبد البرِّ، بيان العلم وفضله). قدمت منصات الذَّكاء الاصطناعي باحثين مزيفين، وخبراء دجالين في كلّ علم ينطون، يزايدون على ابن سلام في شرح كتابه «الأموال»، وبحضوره! قد يفيد ما قاله المفسر فخر الدِّين الرَّازي (ت 606 هج) شاهداً: «نهاية إقدام العقول عِقالُ/ وأقصى مدى العالمين ضلال» (ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان).