
سياسي يهودي من حزب مانديلا: بريطانيا مسؤولة عن فوضى الشرق الأوسط
قال السياسي اليهودي المناهض للفصل العنصري أندرو فاينشتاين إن بريطانيا تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع والتوترات في الشرق الأوسط.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها وكالة الأناضول مع فاينشتاين الذي انتخب في العام 1994 نائبا عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي كان يتزعمه نيلسون مانديلا في أول انتخابات بعد سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ثم انتقل لاحقا إلى بريطانيا وانضم إلى حزب العمال.
وخلال المقابلة تطرق فاينشتاين إلى العدوان الذي تشنه إسرائيل على إيران منذ يوم الجمعة الماضي والدعم الغربي المتواصل لتل أبيب، مبينا أن "إيران لا تمتلك قدرات نووية متقدمة كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل".
وحذر فاينشتاين من أنه في حال استهداف المنشآت النووية في إيران فإن ذلك قد يؤدي إلى كارثة تمتد آثارها إلى أجيال لاحقة.
وأضاف أن مهاجمة المنشآت النووية قد تتسبب بتسرب مواد نووية على مدى كيلومترات، مما يشكل كارثة سيعيشها سكان المنطقة لأجيال متعاقبة.
ومنذ يوم الجمعة الماضي تشن إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران يشمل قصف منشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، مما أسفر عن 224 قتيلا و1277 جريحا، في حين ترد طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة خلفت نحو 24 قتيلا ومئات المصابين.
وشدد الناشط اليهودي على أن "إسرائيل أصبحت قوة نووية بدعم أقرب حليف لها، وهو نظام الفصل العنصري الذي كان قائما في جنوب أفريقيا".
ولفت إلى أن جنوب أفريقيا وإسرائيل دولتان مارستا الفصل العنصري وساعدتا بعضهما بعضا آنذاك بالوصول إلى القوة النووية، وحين أصبحت جنوب أفريقيا دولة ديمقراطية عام 1994 تخلت عن أسلحتها النووية.
ومعربا عن قلقه الشديد من تحول إسرائيل إلى قوة نووية قال فاينشتاين عندما يكون من يحكم إسرائيل شخصا يحتاج إلى الحرب من أجل التخلص من تهم الفساد المرتبطة بصفقات الأسلحة وغيرها وللبقاء في السلطة فهذا يشكل تهديدا للعالم والبشرية، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأضاف "ما يثير الرعب أكثر هو أن حكوماتنا لا تقوم بشيء تجاه ذلك".
استخلاص العبر
وكان فاينشتاين ترشح في الانتخابات البريطانية الماضية ضد زعيم حزب العمال كير ستارمر في منطقة هولبورن وسانت بانكراس، بهدف منعه من الوصول إلى رئاسة الحكومة.
وشدد الناشط على ضرورة أن تعمل الحكومات الغربية على كبح جماح إسرائيل، مؤكدا وجوب محاسبة نتنياهو وقادته العسكريين أمام القضاء.
ويتشبث نتنياهو بالسلطة بالتزامن مع محاكمته داخليا بتهم فساد وملاحقته دوليا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مذكرة اعتقال بحقه لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأشار فاينشتاين إلى أن الدول الغربية "تلتزم الصمت إزاء ما يجري، أو تصدر تصريحات جوفاء لا معنى لها"، مؤكدا أن "هذا الوضع يثير الاستغراب، ويعكس غياب القيادة السياسية في بلدان الغرب".
وانتقد السياسي البريطاني عقلية العداء الدائم لدى الغرب، قائلا "الولايات المتحدة احتلت من الدول أكثر مما احتلته بقية دول العالم مجتمعة".
وتساءل مستنكرا "من هو المعتدي الحقيقي هنا؟! (..) الشعب الإيراني لا يستحق أن يتعرض لهجوم من دولة عنصرية ومجرمة تدعمها حكومات الغرب".
كما أوضح أن الغرب يسعى إلى تغيير نظام الحكم في إيران، معتبرا أن ذلك هو السبب في عدم وجود أنظمة دولية تستند إلى سيادة القانون والديمقراطية.
وقال إن على قادتنا أن يستخلصوا العبر من التاريخ قبل فوات الأوان، فقد أطاحت بريطانيا ذات مرة بحكومة منتخبة ديمقراطيا في إيران (حكومة محمد مصدق)، وهذا أحد الأسباب التي أوصلتنا إلى حالة عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط اليوم.
وسلط فاينشتاين الضوء على أن بريطانيا تتحمل مسؤولية ما آل إليه الوضع في الشرق الأوسط اليوم.
وختم بالقول "لقد آن الأوان كي نستخلص العبر من التاريخ، لنتعلم من أخطائنا السابقة تجاه إيران، ولنبحث عن السلام في الشرق الأوسط بدلا من الحروب التي لا تجني الأرباح منها سوى شركات الأسلحة والساسة الفاسدون وبعض الأحزاب السياسية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل دخل الكيان الصهيوني "ألف ليلة وليلة صعبة" بعد الضربات الإيرانية؟
في ليلٍ لم يكن عاديًّا، استيقظت المنطقة على هولِ مشهدٍ غير مسبوق: إيران، بقوة محسوبة وبلغة لا لبس فيها، وجّهت ضربات مباشرة إلى العمق الإسرائيلي. لم يكن الحدث عاديًا في مسرح السياسات الشرق أوسطية؛ بل كان إيذانًا بتحول جذري في قواعد الاشتباك الإقليمي. فبعد سنوات من حرب الظل، تحوّلت الرسائل إلى صواريخ، والحسابات المؤجلة إلى ردٍّ ميدانيٍّ صارم، أربك الكيان الصهيوني وكشف هشاشة منظومته الإستراتيجية، ليس فقط على المستوى العسكري، بل في بنيته الوظيفية كامتداد لمشروع غربي أوسع. صحيحٌ أن إسرائيل بدأت بهجوم خاطف، بدا وكأنه محاولة لترميم صورة الردع التي تصدّعت، لكنه سرعان ما اتّضح أنه استعراض أكثر منه خطةً مدروسة لإنهاء مواجهة حقيقية. فالمعضلة الأساسية التي واجهها الكيان الصهيوني لم تكن في الردّ، بل في إدراك أن البدء في حرب شيء، وإنهاءها بشروط مقبولة شيء آخر تمامًا. إنها لحظة الوعي القاسي: لا يمكن التحكم دائمًا في النتائج عندما يتعلق الأمر بقوى إقليمية لم تعد تقبل بدور التابع أو المُحتوَى. لقد أثبتت الضربات الإيرانية، بكل ما حملته من دلالات رمزية وميدانية، أن الكيان الصهيوني ليس إلا رأس حربة في منظومة أكبر، يتداخل فيها الأمن بالاقتصاد، والدين بالجيوسياسة، والوظيفة العسكرية بالمصالح العالمية. إن تل أبيب ليست مركزًا بذاتها، بل هي جزء من بنية إستراتيجية تُدار من واشنطن، وبتنسيقٍ وثيق مع شركات النفط والسلاح، والمؤسسات المالية العابرة للقارات، التي باتت ترى في الشرق الأوسط منصّة لإعادة ضبط ميزان القوى العالمي. فالهدف لم يكن إسرائيل بذاتها، بل إعادة رسم خارطة النفوذ على قاعدة إضعاف محور الصين- روسيا- إيران، وتفكيك إمكانية ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب. ولتحقيق هذا الهدف، يتم الدفع بإسرائيل إلى واجهة التصعيد، في محاولة لاستدراج إيران إلى صدام طويل ينهكها ويعزلها عن حلفائها، ويعيدها إلى مربع الدولة المارقة التي يسهل شيطنتها في المحافل الدولية. لكن المفارقة أن إسرائيل نفسها بدأت تُدرك أنها تتحول إلى "دولة عازلة" في مشروع دولي لا يراعي مصلحتها الحقيقية، بل يستثمر في صراعاتها لتأجيل صراعٍ أكبر مع بكين أو موسكو. وهنا مكمن الخطر الحقيقي: لقد دخل الكيان مرحلة ما يمكن تسميته بـ"العدمية الإستراتيجية"؛ أي أن يتحول من فاعل إلى أداة، ومن مركز قرار إلى منفّذ لأجندات لا يفهم تمامًا أفقها النهائي. إسرائيل اليوم ليست كما كانت قبل الضربات الإيرانية. لقد استيقظت على ألف ليلة وليلة صعبة، تدرك خلالها أن فائض القوة لا يعوّض عن نقص الشرعية، وأن تطبيع العلاقات مع الأنظمة لا يعني تطبيع الوجود في الوعي الجمعي للشعوب وفي هذا السياق، تبدو الحرب على غزة- بما تحمله من عنف غير مسبوق وإبادة جماعية موثقة- ليست سوى تجلٍ فجٍّ لهذه العدمية. فكلما تورط الكيان في دماء المدنيين، أصبح عبئًا أخلاقيًا على حلفائه، وصورة مشوهة لدولة بلا رؤية ولا ضمير. أما الضربات الإيرانية فكانت، بقدر ما هي ردٌّ على اغتيال قادة، رسالة إلى من يظنون أن محور المقاومة لا يمتلك سوى الخطابة والشعارات. لقد دخلت طهران إلى المعادلة من بوابة الردع المحسوب، وجعلت تل أبيب تدرك أن "الزمن الجميل" لاحتكار القرار العسكري قد انتهى. إسرائيل اليوم ليست كما كانت قبل الضربات الإيرانية. لقد استيقظت على ألف ليلة وليلة صعبة، تدرك خلالها أن فائض القوة لا يعوّض عن نقص الشرعية، وأن تطبيع العلاقات مع الأنظمة لا يعني تطبيع الوجود في الوعي الجمعي للشعوب. والأسوأ من ذلك، أن الكيان بدأ يتقدم نحو صورته النهائية في المخيلة العالمية: دولة عدوانية، تفتقد للحكمة، تجرّ المنطقة إلى الحروب، وتمارس الإبادة كخيار سياسي. لقد بدأت الحرب، نعم. لكن هل يعرف الكيان كيف تُنهى؟ وهل يفهم أنه أحيانًا، تنتهي الحروب بغير الطريقة التي بدأت بها؟ الجواب، على الأرجح، سيُكتب بصواريخ أخرى، وألف ليلةٍ أخرى، لا نوم فيها للكيان.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بين طهران وتل أبيب: كيف ألغت التكنولوجيا المسافة في النزاع؟
لطالما شكّل البعد الجغرافي عاملًا حاسمًا في رسم موازين القوى والنزاعات العسكرية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تميزت بتضاريسها المتنوعة ومساحات شاسعة يصعب السيطرة عليها. التحول في طبيعة الحروب يعيد تعريف مفهوم "المسافة"، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود بيدَ أن التطورات العسكرية الحديثة أظهرت أن المسافة بين الدول لم تعد عائقًا في الحروب، خصوصًا في الصراع المستعر بين إيران وإسرائيل. الهجمات التي نفذها العدو الإسرائيلي مؤخرًا داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفة مواقع حساسة وأهدافًا إستراتيجية، جاءت لتؤكد قدرة التكنولوجيا المتقدمة على تجاوز الحواجز الجغرافية. إذ لم تعد الحاجة ملحّة لحشد جيوش ضخمة أو لعمليات برية معقدة، بل باتت الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة بالذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية تمكن من ضرب أهداف بعيدة بدقة متناهية وبخسائر محدودة. وليس هذا فحسب، فالصراع في أوكرانيا يقدم نموذجًا آخر على تحول طبيعة الحروب، حيث تحولت ميادين القتال إلى ساحات افتراضية يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية، والطائرات المسيّرة، مما قلّص من أهمية المعارك التقليدية والمواجهات المباشرة. هذا التحول يعيد تعريف مفهوم "المسافة" في الحروب، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود. في خضم هذا الواقع الجديد، تبرز أهمية الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية المتطورة، حيث تستطيع الدول التي تستثمر في البحث والتطوير وتطوير القدرات الذاتية أن تحقق تفوقًا نوعيًا، حتى وإن كانت جغرافيًا صغيرة أو محدودة الموارد. في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية تحليل المستقبل وتوصيات مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في الحروب، تظهر تحديات وفرص جديدة على الساحة العربية. فعلى الرغم من ثراء بعض الدول العربية بالموارد المالية، فإن الفجوة التكنولوجية لا تزال كبيرة، الأمر الذي يهدد أمنها واستقرارها في مواجهة تحالفات إقليمية ودولية متقدمة تقنيًا. لذلك، لا بد من إعادة النظر في إستراتيجية الأمن القومي العربي، لتكون قائمة على: الاستثمار في البحث والتطوير المحلي: تأسيس مراكز بحثية وشركات تكنولوجية دفاعية لتطوير حلول محلية تلبي الاحتياجات الأمنية. بناء تحالفات تقنية وإستراتيجية: الدخول في شراكات مع دول تمتلك تقنيات متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطائرات المسيّرة، والدفاع السيبراني. تطوير القدرات السيبرانية: تعزيز الدفاع السيبراني لحماية البنى التحتية الحيوية من الهجمات الرقمية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحروب الحديثة. التدريب والتأهيل: إعداد أجيال جديدة من الكوادر العسكرية والمدنية القادرة على التعامل مع تقنيات الحرب الحديثة. الرسالة واضحة: في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية. إن الفارق بين الدول القوية والضعيفة اليوم، هو ليس في المسافة الجغرافية التي تفصل بينها، بل في مدى سيطرتها على أدوات الحروب الرقمية والذكية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مواجهة إسرائيل وإيران.. نزال يُحسم بالنقاط ولا ضربة قاضية لأحد
هل تشعل مواجهة إسرائيل وإيران حرباً إقليمية، وينزلق الكوكب إلى حرب عالمية ثالثة؟ الجواب على هذا السؤال الخطير، والذي لا يملك أحدنا إجابته، يمكن أن تقرَّب صورته في نزال بين ملاكمين يتنافسان على لقب "من يحكم منطقة الشرق الأوسط". ولكن هذا النزال يُحسم بالنقاط، ولن تكون هناك ضربة قاضية. إيران لن تستسلم، وستقاتل حتى آخر رمق وآخر طلقة وصاروخ وطائرة مسيرة، وإسرائيل لن تتراجع إن لم تكن اللكمات على وجهها وفي المناطق التي تؤلمها، واللكمات هذه ليست فقط عسكرية أو بشرية بل اقتصادية أيضاً، وهذا العامل يؤثر على الجميع، متحاربين كانوا أو داعمين أو وسطاء. وإسرائيل تريد إخضاع إيران إستراتيجياً، وأميركا تريد الإخضاع تفاوضياً، وهنا يكمن الخلاف بين الدولتين الحليفتين؛ فهما تسعيان لسلوك طريقين مختلفين، ولكنهما تتفقان على الهدف.. وعلى طريقة حائكي السجاد، تتلقى طهران الضربات وتتعامل معها، ثم تحضر لرد "مدمر" -بحسب المسؤولين الإسرائيليين- وغير مسبوق في تاريخ إسرائيل، ويخلف عشرات القتلى والجرحى. ومن الواضح أن إيران لن تعود إلى التفاوض النووي دون امتلاك أوراق قوة، أو فرض واقع جديد يسمح لها بالجلوس إلى الطاولة بشكل ندّي. وواشنطن لن تسمح بأن تخرج حليفتها من هذه الحرب ضعيفة أو بصورة مهشمة؛ لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسّع دوافع شن الحرب لتصل إلى الوجود، وهذا يعني أن أي شيء غير الانتصار الكامل على إيران لن ينفع صورة نتنياهو التي تترنح داخلياً، وقد لا يقتصر التهديد لها على مستقبله السياسي فقط، بل يصل إلى الشخصي أيضاً. على الضفة الأميركية، يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع إيران بمبدأ رجل أعمال في "وول ستريت"؛ فهو يدعم إسرائيل في هجماتها على إيران، ويريد إضعافها وإضعاف نظامها، لكي تأتي إلى طاولة المفاوضات من دون أي أوراق، وبشروط مذلة وأقرب إلى الاستسلام. إذ إن ترامب لا يهتم، ولا تعنيه الكرامة الوطنية والشعور القومي، ولا رد فعل الشعب الإيراني حين يجد أن البرنامج النووي الذي ضحى من أجله عشرات السنوات، وتحمل الحصار، ينتهي أمام عينيه وبأيد إسرائيلية. فواشنطن على ما يبدو لا تريد إسقاط النظام الإيراني بل إضعافه، أما نتنياهو فيريد تحقيق حلم طالما راوده منذ دخوله إلى عالم السياسة، وهو القضاء على إيران، والإطاحة بنظامها، وتقديم نفسه كـ"بن غوريون جديد". ما حصل في إيران هو نسخة منقحة أو متطورة عما حصل مع حزب الله في الحرب الأخيرة على لبنان؛ واللافت أن المهاجم لم يتغير، والمستهدف هو الجهة نفسها ولكن.. هل شُنت هذه العملية الإسرائيلية من دون ضوابط أميركية؟ ترامب لم يقف فقط عند إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لشن الهجوم، والتنسيق بين البلدين، بل وضع له الخطوط الحمراء والمحددات للضربة، وحرص على ألا تتحول إلى حرب إقليمية. وخاف ترامب من أن يهرب نتنياهو إلى الأمام بسبب أزمته الداخلية واحتمال حل الكنيست، وبالتالي إسقاط حكومته، فيهاجم إيران ويشعل المنطقة.. فكان بين نارين؛ إما يسير معه في خططه المعدة -بحسب وسائل إعلام إسرائيلية- منذ 8 أشهر، أو يتركه ويضغط عليه، ولا أحد يعلم إن كان سينجح الضغط. فقرر ترامب أن ينقذ نتنياهو (الذي يتقن التعامل مع العقل الأميركي) من إنهاء مستقبله السياسي والذهاب إلى السجن، في مقابل أن ينسق معه ويبلغه مسبقاً بالضربة. وبحسب تسريبات المواقع الأمنية الغربية، ترامب سمح بضربة، هي عبارة عن اغتيال قادة عسكريين ونوويين، وهؤلاء سيعتبرهم النظام الإيراني "شهداء"، وبناء عليه سيكون الرد الإيراني آتياً ولكنه عقلاني، كما وصفه الرئيس الإيراني. بمعنى آخر، لن ينتج عن ذلك إشعال المنطقة. وبحسب تسريبات المواقع الأمنية الغربية، فإن الضربات الأولى التي أربكت إيران، وهشمت قدراتها على الردع والرد، كانت من داخل إيران، والمسيرات التي اغتالت كبار القادة العسكريين والنوويين جاءت من اختراقات أمنية وتجسسية. وعلى قاعدة أن "الحرب خدعة"، وعندما تكون الخدعة إستراتيجية وتتكرر، فإن النتيجة تكون كارثية. ما حصل في إيران هو نسخة منقحة أو متطورة عما حصل مع حزب الله في الحرب الأخيرة على لبنان؛ واللافت أن المهاجم لم يتغير، والمستهدف هو الجهة نفسها. كيف ذلك؟ الحزب ادّعى لنحو عام أنه يسند غزة، فيما كان الإسرائيلي يخطط لضربة قاضية له، وأسس هذه الضربة كانت أمنية واستخباراتية وليست عسكرية، فخدع الحزب وأعطاه "الأمان" فشعر الحزب أنه متفوق، وفي ضربة خاطفة (أجبر عليها الإسرائيلي لأنه كُشف، بحسب الصحف الغربية والإسرائيلية) كانت عمليتا البيجرز وأجهزة اللاسلكي، وبعدها اغتيالات الصف الأول، وقد استمر في هذه الحرب لمدة 66 يوماً.. هذه الحرب أنهكت الحزب، ودمرت أغلب سلاحه، وأفقدته توازن الردع والرعب. وفي إيران، المشهد تكرر والخدعة أيضاً (وهذا مريب لدولة كبيرة ونووية مثل إيران)! كانت المفاوضات، وكان الحديث عن قرب اتفاق، ثم سجالات عالية السقف بين ترامب ونتنياهو، وتسريبات عن خلافات بين الرجلين لتطمئن إيران.. ثم تأتي الضربة من داخل إيران، وبشكل مفاجئ ومباغت اغتالت قادة البلاد العسكريين والنوويين، وتركت البلاد في حالة صدمة وفقدان للتوازن. ويؤكد خبراء عسكريون وأمنيون وجود خروقات أمنية هائلة في الحالتين، والتفوق الإسرائيلي ليس فقط في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؛ فمن دون العملاء على الأرض تكون هذه التقنيات عمياء. هل المنطقة تشتعل؟ هي على صفيح ساخن، وعود ثقاب أو تهور إضافي يشعلها.. الواقع ضربة بضربة على طريقة نزالات الملاكمة، ولكن لا قواعد في هذا النزال، ولا حكّام لاحتساب النقاط. والنزال قد يمتد لعدة جولات، والتهشيم يطول الطرفين، ومن سيبقى واقفاً سيفوز بالنزال، وإذا تمكن الملاكمان من الصمود فقد يُستدعى حكم نزيه، فيحتسب النقاط ويحسم هوية الفائز. إعلان هذا كله إذا بقي الصراع محصوراً بين الطرفين المتحاربين، ولم تنجرّ له دول أخرى تشعر أنها ستكون التالية على قائمة الاستهدافات، فتدخل استباقياً في الحرب.. ساعتها نعلن أن الحرب العالمية الثالثة بدأت. المستقبل يُحتسب بالساعات المفصلية وليس بالأيام، والمساعي الدبلوماسية تدخل على الخط بقوة ليُبنى على الشيء مقتضاه.