logo
لماذا عاد الحديث يتردد عن ضرب إيران؟

لماذا عاد الحديث يتردد عن ضرب إيران؟

وكالة خبرمنذ 3 أيام

بالرغم من أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي سارع إلى نفي التقرير الذي ورد في صحيفة «نيويورك تايمز» من أن هناك تقارير استخبارية تفيد بأن دولة الاحتلال «تفكر» بتوجيه ضربة «محدودة» لبعض المفاعلات النووية الإيرانية دون حصولها على إذن مسبق من الولايات المتحدة، إلّا أن وجود شخصيات كبيرة إسرائيلية هذه الأيام في واشنطن يوحي بأن تلك التقارير ليست مجرد تكهنات أو إشاعات.
فوجود رئيس جهاز «الموساد»، وعدة مسؤولين أمنيين وعسكريين كبار لا بدّ وأن يعكس صحة الأنباء التي وردت في تلك التقارير أو بعضها على الأقل.
وحتى لو أن مكتب نتنياهو هو الذي سرّب التقرير إلى الصحيفة الأميركية، وهو نفسه الذي نفى الخبر، فإن هذا يعني أن «الحوار» الدائر في واشنطن هو حول الملف النووي الإيراني، وربما، أيضاً، حول مقترحات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
لهذا فإن الحديث حول «ضربة» محدودة، ومنفردة هو حديث لا يحتمل «اللعب»، وهو يمكن أن ينطوي على خطورة كبيرة على كل حال.
لنبدأ بالسؤال الخاص حول قدرة دولة الاحتلال على الوصول إلى بعض المفاعلات النووية الإيرانية وتدميرها.
من الزاوية الفنية، الجواب هو: نعم.
والسبب هو أن دونالد ترامب كان في بداية تولّيه لمنصبه في بداية العام الجاري قد قام بالإفراج عن تقنيات خاصة ترتبط بقدرات طائرات «اف 35»، كما أفرج عن بعض القذائف الخاصة باختراق التحصينات كانت إدارة سلفه جو بايدن قد أوقفت تزويد دولة الاحتلال بها، وبهذا فإن لدى الأخيرة الآن مثل هذه القدرة الفنية.
وإذا أضفنا إلى ذلك التدريبات و»المحاكاة» التي أجرتها دولة الاحتلال على مثل هذا النوع من العمليات فإن المسألة الفنية لم تعد عائقاً حقيقياً على القدرة الإسرائيلية على هذا الصعيد.
أما لماذا محدودة فالمسألة كما هو معروف لا يتم حلها مهما كانت مناطق الاستهداف محدودة إلّا من خلال عشرات الغارات المتواصلة، وربما لعدة أيام متواصلة، ولا يمكن الحديث عن تحقيق أهداف «الضربة» المحدودة من خلال غارة أو عدة غارات فقط، وذلك لأن اختراق التحصينات يحتاج إلى عدة مراحل، خصوصاً وأن المفاعلات النووية الإيرانية هي من أكثر المفاعلات النووية تحصينا في العالم بسبب عدم قدرة إيران على حمايتها بالكامل بوساطة الدفاعات الجوية.
طبعاً إذا كان التسريب هو إسرائيلي، أو أنّ الاستخبارات الأميركية هي التي سرّبت الخبر لتحذير دولة الاحتلال، ولإفهامها بأن اللعب بهذا الملف هو لعب خطير، وله عواقب خطيرة فليس هناك فرق جوهري في الواقع، لأن اللعب هنا لم يعد سرّاً، والمسألة باتت تُلعب على المكشوف.
دولة الاحتلال تعرف أن المحادثات بين أميركا وإيران قطعت شوطاً كبيراً نحو اتفاق جديد، إمّا هو نهائي، أو اتفاق إطار هو بمثابة القواعد الناظمة لأي اتفاق تفصيلي قادم.
وتعرف دولة الاحتلال أن الشوط الذي قطعته المحادثات هو من «الخطورة» بمكان ــ من وجهة النظر الإسرائيلية ــ بحيث باتت المحادثات محصورة في نسب التخصيب، وبالمخزون مما تم تخصيبه حتى الآن.
معنى هذا الأمر هو أن إيران تستطيع في ظروف خاصة، وفي ظروف تعرّضها لهجمات عسكرية أو أمنية على منشآتها النووية أن تذهب مباشرة إلى تصنيع القنبلة النووية، والرؤوس النووية المحمّلة على طائرات أو على صواريخ باليستية كبيرة وخاصة.
لدى إيران طرق ومسالك مختلفة للوصول إلى هذا الهدف. فحسب المعلومات المعروفة لوكالة الطاقة الذرية تمتلك إيران الآن 70 كغم من اليورانيوم المخصّب.
إذا رفعت إيران نسبة التخصيب إلى 90% فإن كل قنبلة نووية تحتاج إلى 15 كغم لكل قنبلة، أي أن بمقدورها في هذه الحالة أن تصنع 4 قنابل في أي وقت تحدده هي.
وإذا أرادت أن تصنّع قنبلة نووية من خلال النسبة الحالية للتخصيب وهي 60% فإنها تستطيع إنتاج قنبلتين على الأقل، لأن الكمية التي لديها تكفي بواقع 30 كغم للقنبلة الواحدة.
وحتى لو عادت إيران إلى نسبة 20% من التخصيب فإنها تظلّ قادرة على إنتاج قنبلة إن هي أرادت لأن كل قنبلة تحتاج إلى 45 كغم.
وطالما أن المحادثات بين إيران وأميركا باتت تقتصر على «شكل» الضمانات التي ستقدمها إيران باتجاه عدم تحوّل برنامجها إلى الوجهة العسكرية، وليس إلى منع التخصيب، أو منع التخزين فإن الدولة العبرية في هذه الحالة تعتبر نفسها قد خسرت المعركة خسارة مدوّية.
أقصد أن الأخيرة الآن ليس لديها لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي سوى أن تقبل بالضمانات التي ستقدّمها إيران في الاتفاقية الجديدة، أو أن تذهب هي بنفسها وتحاول تعطيل البرنامج كلّه، أو تخريب الاتفاق من خلال المراهنة على أن تقوم إيران بالرد الذي سيغيّر مسار البرنامج، وربما يغيّر مسار الوضع الإقليمي كلّه.
هذه هي المراهنة الإسرائيلية في حال إن كانت فعلاً تفكّر في توجيه «الضربة» التي أشارت إليها التقارير. لكن مشكلة دولة الاحتلال لا تقتصر على ذلك كلّه.
المشكلة أن برنامج الصواريخ الإيرانية هو جزء عضوي من مفهوم دولة الاحتلال لأمنها «القومي» من زاوية التهديد الذي تمثله إيران عليها.
وهذه المسألة بالذات لها في الواقع القائم اليوم عدّة أبعاد لعلّ من أهمها على الإطلاق هو أن أي تطوير للبرنامج النووي الإيراني بالاتجاه العسكري سيحتاج حتماً إلى منظومات صواريخ قادرة على الوصول إلى أهدافها، وقادرة قبل ذلك على أن تكون محمّلة بالرؤوس النووية.
كذلك فإن التطور الكبير الذي شهدته صناعة الصواريخ الإيرانية يبقى تطوراً «خطراً» حتى دون حمل الرؤوس النووية.
في هذا الإطار هنا كما هو معروف للمختصين والمتابعين منظومة «شهاب» بمستويات مختلفة.
دولة الاحتلال، بصرف النظر عن اعترافها العلني من عدمه تعرف أن هذه المنظومة في نسخها الحديثة، والحديثة جداً، قد وصلت إلى درجات متقدمة من السرعة والدقة والفعالية. وهذه المنظومات تشهد تسارعاً كبيراً في تطورها، وهي في حالة اندلاع حرب مفتوحة بين دولة الاحتلال وإيران ستكون من حيث دقة إصاباتها قادرة على «شلّ» الدولة العبرية لفترات قد لا تكون في مقدرتها على تحمّلها.
ولهذا فإن تحديدات «معهد الأمن القومي الإسرائيلي» ومنذ عدة سنوات، وبصورة متكرّرة، ودون أي استثناء بأن إيران هي التهديد «الوجودي» الأول ليست مسألة دعائية أو «سياسية»، أو للاستخدام السياسي أو التوظيف السياسي.
لا يمكن أن تبني دولة الاحتلال إستراتيجيتها الدفاعية، وخططها، ومشترياتها من السلاح، وإصرارها على امتلاك الأدوات والمعدات، والأسلحة الخاصة بشكل محدّد، والمصممة على أساس ما تمثله إيران من خطر وجودي على اعتبارات التوظيف السياسي أو الدعاية السياسية.
ولا يمكن أن تكون إستراتيجية دولة الاحتلال تتركّز على الأذرع الإيرانية، ويتم خوض الحروب، حرباً وراء أخرى من أجل «خداع» المجتمع الإسرائيلي، وخلق مناخ من المشاعر الجماهيرية بالأخطار.
ذلك لو أن المسألة كانت بهذه الأهداف، وفي هذا الإطار لما كانت الإستراتيجية الإسرائيلية على هذه الشاكلة من التركيز على الخطر الإيراني.
أقصد أن المؤسسات الإسرائيلية، ودون أي استثناء يذكر تجمع على هذا الخطر، وليس هناك في المنظومة السياسية والحزبية، ولا في المنظومات الأمنية والعسكرية من لا يرى مثل هذا الخطر. والخلاف أو الاختلاف الوحيد ليس على وجود الخطر، وإنما على الشكل الأمثل لمواجهته.
أما فيما يتعلق بالموقف الأميركي من هذه التسريبات فالأرجح أن ترامب لن يسمح لنتنياهو بتهديد خطط الإدارة الأميركية، والأرجح أن عواقب «الضربة المنفردة» مهما كانت محدودة ستؤدي إلى إعادة خلط أوراق الإقليم، ويمكن أن تراه الإدارة الأميركية محاولة إسرائيلية جديدة لجرّ أميركا إلى ساحة الصراع مع إيران من زاوية سياسة «الأمر الواقع» الذي تهدف دولة الاحتلال لفرضه على أجندة الإقليم، وهذا الأمر بحدّ ذاته لا يتوافق مع المصالح العليا لأميركا من زاوية رؤية إدارتها «الترامبية».
أما الحديث عن أن إدارة ترامب ربما ستسمح لدولة الاحتلال بأن تجرّب خطتها بمثل ضربة كهذه فهذه مسألة ساذجة تماماً إذا كانت صحيحة أو ممكنة، لأن الحظوظ والاحتمالات يمكن أن تلعبها الإدارة الأميركية في ملفّات، وفي ساحات أقلّ خطراً من ملف الصراع مع إيران.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الهدنة ... مرة أخرى درس الموازين ...!
الهدنة ... مرة أخرى درس الموازين ...!

وكالة خبر

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة خبر

الهدنة ... مرة أخرى درس الموازين ...!

الكاتب: أكرم عطا الله حتى ساعة نشر هذا المقال يفترض أن تكون حركة حماس قد سلّمت ردها على مقترح الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف الأخير، والذي وصفته بعض الأوصاف المقربة من حماس في اللحظة الأولى لتسلمه بالاستسلام قبل أن تدرك فداحةَ رفض المقترح وما تتحضر له إسرائيل والظروف المحيطة وحالة أهل غزة التي أصبحت تثير شفقة الكافر كما يقولون. لم يكن المقترح يخرج بهذا الشكل الذي يعكس المصالح الإسرائيلية لو كان الميدان يعطي نتائج مختلفة، فعبر التاريخ كانت الاتفاقيات وشروطها مجرد انعكاس لموازين القوى على الأرض، وما المفاوض سوى ممثل لتلك القوة، هذا ما حدث بين الجنرال ماك آرثر وإمبراطور اليابان الذي وقع على ورقة بيضاء واستسلام كامل بعد أن ضُربت بلاده بقنبلتين نوويتين حتى لا تكمل واشنطن حربها على كل مدن اليابان، وحصل هذا أيضاً عندما وقع الجنرال الفرنسي فيليب بيتان المنتصر في الحرب العالمية الأولى والمنهزم في الثانية، على وثيقة الاستسلام عندما كانت القوات الالمانية تطوي الأراضي الفرنسية بما فيها العاصمة. هذا هو التاريخ لا يسمح للنوايا أن تحدد مساره ولا الخطابات، لأن لديه حساباته الخاصة ومعادلاته الرياضية وأعداداً وخططاً وجيوشاً. فقد جاء مقترح ويتكوف بعد رفض إسرائيل لورقة كانت قد اعترضت عليها تل أبيب التي تشعر بفائض القوة التي تعكسها خطابات المسؤولين فيها، وأبرزهم خطابات نتنياهو المتبجحة وهو يستعرض كيف تمكنت قواته من تحطيم الإقليم، بدءاً من غزة ولبنان وانتهاء بسورية وتهديد ايران. وكان لا بد لهذه القوة أن تترجم نفسها كما كل نتائج حروب التاريخ. طار رون ديرمر وزير الشؤون الإستراتيجية وخازن أسرار نتنياهو إلى واشنطن لصياغة الاتفاق الذي يمكن أن تقبله اسرائيل، وهنا حدث ما يشبه نموذجاً مصغراً لصفقة القرن، أن تقوم اسرائيل بالصياغة وتتكفل واشنطن بالإخراج على هيئة وساطة. فموازين القوى بالنسبة لديرمر لا تسمح لأن تعطي لحماس متسعاً للتنفس، وأن القوة الإسرائيلية لا بد وأن تكون محشوةً في كل بند من بنود المقترح، وتلك طبيعة السياسة. وفي استخدام إسرائيل للغذاء كسلاح وما خلقته من مجاعة قاسية، وتهديدها بعملية كبيرة تم تجنيد 60 ألف جندي للقيام بها تقوم على إقامة معازل وفلترة سكان غزة، من خلال ممرات يمكن أن تفرز عناصر حركة حماس بما أسمتها بعربات جدعون. كل هذا وأكثر كان يصنع مناخات ضاغطة على حماس، وهي المناخات التي تشير لها اسرائيل باعتبارها تقف خلف مرونة الحركة التي لم تسارع برفض مقترح تم اعتبارُه في لحظة ما «استسلاماً»، لكن لموازين القوة كلمتها في علم الصراعات، وهو ما تترجمه اسرائيل المدججة وما لم تفهمه حركة حماس بعد. فالتاريخ لا يحمي من لا يجيدون قراءته، بل يعاقبهم بزيادة الخسارة، لأن هناك لحظة ما يجب التوقف فيها لوقف النزيف وتدارك ما يمكن تداركه، وإلا لكان الامر أشبه بانتحار لا نتيجة تُرجى منه سوى الرغبة في الموت، هروباً من مواجهة الحقائق. لن تقف الحرب بسبب ما تبقى من أسرى. فالظروف هي التي تحدد قيمة الأسرى كسلعة سياسية، أحياناً تصاب اسرائيل بالفزع والشلل لمجرد أسير واحد، وأحياناً ألف أسير لا يساوون شيئاً، هذا يتعلق بحجم تصور المجموعة عن نفسها، وفي هذه الحرب بلغ حجم القلق على إسرائيل حداً لم تبلغه منذ إقامتها، لتعتبر أنها تخوض حرباً وجودية. وفي هكذا حروب تهبط كثيراً أسهم الأسرى، ولو أدركت حماس ذلك مبكراً ربما لكانت الخسارات أقل، لكن التعاطي كان فادحاً مع السياسة بمنطق الرياضيات «الحفظ وليس الفهم» وبمعادلات جاهزة سقطت جميعاً في هذه الحرب. في هذه الحرب سقطت المقولات القديمة عن أن اسرائيل ضعيفة أمام الأسرى، أو أن اسرائيل لا تستطيع خوض حروب طويلة، أو أن اقتصاد اسرائيل لا يحتمل تجنيد الاحتياط من المعامل والمصانع لأشهر أو حتى لأسابيع. فكل حرب تختلف عن غيرها، لأن كل واحدة يحددها شعور الأطراف التي تخوضها بحجم خسارتها وكيف يمكن لها استعادة توازنها النفسي والسياسي. وفي هذه الحرب فقدت اسرائيل واحداً من أبرز مقومات الأمان لديها، وكان واضحاً أنها ستذهب بعيداً في استعادته، وأن الأسرى مجرد عارض على هامش الحدث الكبير وهذا ما حدث. لم تقدر حركة حماس بعد أن الحرب لن تتوقف إلا بإنهاء حكمها وقوتها في غزة، هذا قرار اسرائيلي أميركي وأوروبي وربما عربي أيضاً، يشعر أن الحركة جزء من الإخوان المسلمين بخطابها الذي يعادي النظم ولم يبخل بتوزيع اتهامات الخيانة والتشهير بالنظم العربية بهدف اسقاطها والحلول مكانها، بالإضافة الى أن ما قامت به الحركة أدخل الجميع في أزمة، ومن تدخل بها متضامناً دفع ثمناً كبيراً مثل حزب الله واليمن وحتى ايران البعيدة. تحاول الحركة تعديل المقترح المنحاز، لكن اسرائيل التي تشعر بفائض القوة وتدرك جيداً وضع حماس ستكون في وضع مريح، إما ان ترفض محملةً حماس المسؤولية، وإما أن تقبل باقتراح جزئي بالنهاية يعيد الأسرى ولا يوقف الحرب على كل الجهات. هي تكرار لحدث سابق لا يضع حداً للمجاعة والموت فإلى متى؟ هذا سؤال المليوني مواطن في غزة، يلقونه في وجه حماس التي لم تقرأ معادلات الصراع وتاريخ المعارك، وكما قال أحد قادتها السابقين: من لا يقرأ التاريخ لا يصلح للسياسة.

المفاوضات مقابل الطعام
المفاوضات مقابل الطعام

وكالة خبر

timeمنذ 3 ساعات

  • وكالة خبر

المفاوضات مقابل الطعام

ملاحظتان واجبتان في ظل تعثر مفاوضات التهدئة التي تمتد لأشهر الآن. قبل الخوض بأي شيء فأنا مثل كل الفلسطينيين في غزة وأولئك من غير مناضلي الكيبورد خارجها، ممن يقولون بوقف الحرب بأي ثمن للحفاظ على شعبنا وبقائه. الملاحظة الأولى مدخل فيما الثانية هي جوهر هذا المقال. الملاحظة الأولى تتعلق بإدارة المفاوضات. قلنا على هذه الصفحة إن نتنياهو يستخدم المفاوضات وسيلة لإطالة عمر الحرب كما لتحسين صورة إسرائيل أمام العالم، فبدلاً من أن يقال إن إسرائيل تقاتل يقال إنها تفاوض على إنهاء الحرب، وهو أمر يمكن استخدامه أيضاً لترويض الجبهة الداخلية. وفيما نجح في إطالة عمر الحرب وجعل المفاوضات بوابة أوسع لكسب المزيد من الوقت فإنه لم يتمكن من خداع العالم الذي بات أكثر قلقاً من تجاهل إسرائيل لكل المطالب الأممية بوقف الحرب أو بالتخفيف عن سكان قطاع غزة، من خلال وقف المجاعة والحرمان والسماح بإدخال المساعدات وفق الآليات المتبعة سابقاً، وليس عبر توظيف المساعدات لاستكمال التطهير العرقي وحرب الإبادة. يتعلق بهذا إصرار حماس على التفاوض مع الإدارة الأميركية واعتبار مجرد التفاوض معها بمثابة انتصار واختراق وليس تلاعباً من قبل إدارة رجل الأعمال ترامب (كل شيء سلعة، حتى العلاقة مع الشيطان) بحماس وتوظيفها لخدمة أجندة البيت الأبيض. لاحظوا كيف صارت حماس ترفض الشيء ثم تقبل به فترفضه إسرائيل، ويقوم ويتكوف بجر حماس للقبول بورقة غامضة يقدم لإسرائيل نسخة معدلة عنها تحافظ على تماسك حكومته فترفضها حماس فتبدو أمام العالم الجهة المعطلة. وفي حالات سابقة ربما كان آخرها أيضاً إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي حامل الجنسية الأميركية مقابل لا شيء فقط طمعاً في تعميق العلاقة مع واشنطن على حساب معاناة الناس في غزة، فإن حماس عكست عدم وعي بطبيعة القوى الدولية، فيما كان يجب أن تترك مثل هذه الملفات والعلاقات مع القوى الخارجية لجهة التمثيل الفلسطيني الشرعي، أي القيادة الفلسطينية. وفيما تواجه إسرائيل ضغوطاً دولية شديدة من أجل إنهاء الحرب فإنها تحاول تشتيت الانتباه على رفض الطرف الفلسطيني. إسرائيل تضع ألف عقبة من أجل أن تستمر الحرب ومن أجل أن تواصل الإبادة، لذلك فإن إنهاء الحرب هو انتصار للبقاء الفلسطيني، ولكن للأسف حماس لا ترى في البقاء الفلسطيني انتصاراً بل في بقائها. الملاحظة الثانية: نجح نتنياهو في «بيع» حماس طعم السلام الاقتصادي الذي قاتلت القيادة الفلسطينية بشراسة من أجل رفضه، وأظن أن كل ما تتعرض له السلطة من مضايقات من قبل دولة الاحتلال واقتطاعات من المقاصة سببه رفض الرئيس أبو مازن قبول الطرح الذي ابتدعه نتنياهو السلام مقابل الاقتصاد أو أن أسمى غايات الفلسطينيين هو تحسين شروط معيشتهم وتطوير أدوات حياتهم دون أن يكون لهم مطالب سياسية أو حقوقية، فهم ليسوا أكثر من مجموعة بشرية (يمكن تعريفها أنها فلسطينية) ولكن هذه «الفلسطنة» لا تشير إلى كيانية بل إلى هوية ثقافية وليست سياسية ولا حقوقية، وعليه فإن طموحهم لا يجب أن يتعدى كسب فؤاد إسرائيل من أجل أن تسمح لهم بالمزيد من الطعام والشراب والطرق والسفر وغير ذلك. إن جوهر السلام الاقتصادي قائم على نفي أي مطلب سياسي، وبالتالي ليس فقط نسف السردية الوطنية الفلسطينية حول الحق التاريخي وحول ملكية الأرض وحول طبيعة العلاقة مع الاحتلال بل أيضاً تعزيز نفي الوجود الفلسطيني بشكل كامل وتأكيد السردية المضادة بأن الفلسطينيين وجدوا خطأ في التاريخ، وهو خطأ اعترض مسار التاريخ التوراتي ولكن بدافع إنساني بحت لا بأس من التعامل معهم ضمن مطالب حياتية ضيقة وسلبهم أي توجهات أخرى، بل ومعاقبتهم إن هم فكروا بتبني أي توجهات سياسية. هكذا فإن السلام الاقتصادي ليس إلا نسفاً للحقوق الوطنية. في حالة غزة نجح نتنياهو في تحويل كل النقاش في المفاوضات مع حماس إلى نقاش حول المساعدات. وفيما لا يمكن فهم الكثير من مواقف حماس إن لم يكن أغلبها خاصة لمواطن من غزة عاش الحرب فإن إدارتها لملف المساعدات في غزة والسرقات التي تتم والفروقات التي يلاحظها الناس بين فئات المجتمع حيث يتلقى البعض المساعدات ويحظي بسخاء واضح فيما يحرم الآخرون، وبصرف النظر عن ما يمكن أن يقال حول ذلك فإن من يتحمل المسؤولية الكاملة حول ذلك هي الجهة الحاكمة في غزة، أي حماس، لأنها الجهة المسؤولة عن حياة الناس بوصفها سلطة الأمر الواقع هناك. ما أقوله إن حماس لم تقع في فخ نتنياهو فقط بل إنها تقوم بتزيين الفخ لنفسها أو لعل هذه المساعدات هي مدخلها للحكم ولمواصلة التحكم بحياة الناس. لم يعد الخلاف على مفتاح التبادل بمعنى عدد المنوي الإفراج عنهم، يبدو أن هذا لم يعد هم حماس، بل إن جل النقاش حول المساعدات وإدارتها، حتى الإعمار لم يعد مطروحاً بشكل كبير، وحول المسافة التي ينسحب منها الجيش. أيضاً موضوع انسحاب الجيش من غزة وهو أمر لا بد منه، ولكن ألم تخسر حماس المعركة والقتال، لا يمكن أن تقول إنها صمدت حين يجوب الجيش كل شوارع غزة بدباباته، وعليه فإن الحديث عن الانسحاب من غزة أمر مختلف في نتائج الحرب. ولكن مرة أخرى «حماس» تتعامل وكأن السابع من أكتوبر لم يحدث وأن العالم لم يتغير بعده. ولكن نتنياهو لم يعد يتحدث عن السلام مقابل الاقتصاد بل الأسرى مقابل الطعام. وأيضاً الطعام وفق طريقته التي تتم هندستها من أجل تفريغ قطاع غزة من سكانه. سلام المساعدات هذا عبارة عن تفريغ لكل فكرة الصراع وتحويله من صراع وطني إلى اقتتال حول الطعام وسبل توزيعه وآليات إدارته. كان الأجدر بحماس ألا تخوض في هذا النقاش، وكان الأجدر بها أن تعرف أن غاية أي نقاش حول الحرب هو إنهاؤها وليس البحث في ترتيبات اليوم التالي. مرة أخرى حماس تتخطى المطالب الوطنية ولا تتصرف إلا وفق مصلحة حزبية ضيقة خاصة بأجندتها كتنظيم مسؤول عن غزة فيما السؤال الوطني العام في مكان آخر. لاحظوا كيف أن النقاش كله بات حول غزة، وكيف قادت سياسات حماس إلى فصل النضال في غزة عن مجمل النضال الوطني الفلسطيني. لا أحد يطلب من أهل غزة أن يتحملوا وحدهم وزر القضية الفلسطينية ولكن لا أحد يقبل أن يكون ثمة صراع لأهل غزة منفصل عن النضال الوطني. وماذا كانت النتيجة؟ صراع أهل غزة من أجل المساعدات، وفي أحسن الحالات من أجل انسحاب الجيش إلى شرق شارع صلاح الدين الذي لم يكن موجوداً فيه قبل السابع من أكتوبر. وإذا كانت الأمور تقاس بالخواتيم فهذه هي خواتيم ما جرى. صار هم الناس هو أن تتوقف الحرب، وتدخل المساعدات حتى لو أشرف عليها الشيطان أفضل من أن يسرقها من يدعي الحفاظ عليها من باب «حاميها حراميها»، وأن يخرج الجيش ليس خارج غزة بل أن يعود إلى خطوط وقف إطلاق النار في كانون الثاني. هذا هو حالنا اليوم وهذا ما وصلنا إليه.

وزير الخارجية الإيراني يشدد على رفض بلاده للسلاح النووي.. "غير مقبول"
وزير الخارجية الإيراني يشدد على رفض بلاده للسلاح النووي.. "غير مقبول"

فلسطين الآن

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين الآن

وزير الخارجية الإيراني يشدد على رفض بلاده للسلاح النووي.. "غير مقبول"

جدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، السبت، التأكيد على رفض بلاده للسلاح النووي، وذلك بالتزامن مع تواصل المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي لدى الأخيرة. وقال وزير الخارجية الإيراني في كلمة متلفزة "إذا كانت المشكلة هي الأسلحة النووية، نعم، نحن نعتبرها أيضا غير مقبولة"، مضيفا "نحن متفقون معهم على هذه النقطة". ويأتي حديث الوزير الإيراني على وقع توصل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن ملف طهران النووي، مع تأكيد الجانبين إحراز تقدم، على رغم تباين معلن بينهما بشأن احتفاظ إيران بالقدرة على تخصيب اليورانيوم. وتتولى سلطنة عمان دور الوساطة في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، لإنهاء خلافات جوهرية تتعلق بالملف النووي الإيراني. وأجرت إيران والولايات المتحدة خمس جولات من المفاوضات بين العاصمة العمانية مسقط والعاصمة الإيطالية روما. ويقود وفد التفاوض من الجانب الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، ومن الجانب الأمريكي مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. والجمعة، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حديثه مع الصحفيين في البيت الأبيض، إنه يعتقد أن الولايات المتحدة قريبة من التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. وكان عراقجي قال في تصريحات سابقة، إن "إيران جادة في التوصل إلى حل دبلوماسي يخدم مصالح جميع الأطراف، لكن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب اتفاقا يُنهي جميع العقوبات بشكل كامل ويدعم حقوق إيران النووية، بما في ذلك التخصيب". وكانت إيران أبرمت مع كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إضافة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة، اتفاقا بشأن برنامجها النووي في العام 2015، إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحب منه خلال ولايته الرئاسية الأولى. وحدد اتفاق 2015 سقف تخصيب اليورانيوم عند 3,67 بالمئة. إلا أن الجمهورية الإسلامية تقوم حاليا بتخصيب على مستوى 60 بالمئة، غير البعيد عن نسبة 90 بالمئة المطلوبة للاستخدام العسكري.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store