
هل أصبح الذكاء الاصطناعي المحرك الأول للاقتصاد الأميركي؟
ومع تأكيد غوغل وميتا وأمازون ومايكروسوفت الأسبوع الماضي، أنها في طريقها لإنفاق أكثر من 350 مليار دولار هذا العام وحده لبناء مراكز بيانات متقدمة، يرى محللون أن هذه الموجة الاستثمارية قد تتحوّل إلى أحد أبرز محرّكات النمو، وسط مؤشرات التباطؤ التي تلوح في الأفق. فأرقام الوظائف المُنقحة التي أصدرتها وزارة العمل الأميركية مؤخراً، تُظهر أن سوق العمل في البلاد تبدو أضعف مما كان يُعتقد سابقاً، حيث تراجع أصحاب العمل عن التوظيف بشكل حاد في شهري مايو ويونيو، في حين أن الأموال التي ضختها وستضخها شركات التكنولوجيا الكبرى، لبناء وتوسيع مراكز البيانات، ستخلق المزيد من الوظائف المرتبطة بهذا المجال، بالإضافة إلى زيادة الطلب على رقائق الكمبيوتر والخوادم، وغيرها من معدات الشبكات.
الـ AI يُسهم بنصف نمو أميركا
وبحسب تقرير أعدته صحيفة "واشنطن بوست"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن استثمارات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُسهم في نمو الاقتصاد الأميركي، بنسبة تصل إلى 0.7 بالمئة في عام 2025، وفقاً لحسابات أجراها جينز نوردفيج، الخبير الاقتصادي ومؤسس منصة البيانات الاقتصادية "إكسانتي داتا"، حيث أن هذه النسبة تمثل نصف توقعات النمو البالغة 1.4 بالمئة للاقتصاد الأميركي هذا العام من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.
ويستثمر قطاع التكنولوجيا الأميركي بحماس في تقنية الذكاء الاصطناعي، منذ أن أطلقت OpenAI روبوت ChatGPT في أواخر عام 2022، فتطوير هذه التقنية يتطلب قوة حاسوبية هائلة، ما يعني أن الشركات يجب أن تشتري شرائح إلكترونية باهظة الثمن، وأن تبني مراكز بيانات ضخمة تضمن استمرار عمل برامج الذكاء الاصطناعي على مدار الساعة.
إنفاق لا يهدأ
ولا توجد أي مؤشرات على أن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، ستُبطئ إنفاقها على الذكاء الاصطناعي، ففي مكالمات الأرباح التي جرت خلال الأسبوعين الماضيين، أعلنت غوغل أنها زادت إنفاقها المخطط له من 75 مليار دولار إلى 85 مليار دولار، فيما صرحت أمازون بأنها ستتجاوز على الأرجح توقعاتها السابقة باستثمار 100 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي هذا العام. في حين أكدت ميتا إن إنفاقها على تطوير هذه التقنية سيصل إلى 72 مليار دولار في عام 2025، لتكشف مايكروسوفت بدورها أنها في طريقها لإنفاق 30 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي في الربع الحالي، مشيرة إلى أن هذا المعدل إذا استمر، فستتجاوز الشركة توقعاتها السابقة بإنفاق 80 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي هذا العام.
وكشفت مايكروسوفت بدورها أنها في طريقها لإنفاق 30 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي خلال الربع الحالي، حيث أن استمرار الشركة بهذا المستوى من الإنفاق، يعني انها ستتجاوز السقف الذي حددته سابقاً عند 80 مليار دولار.
أضخم من برنامج "أبولو"
وفي تحليل أجرته صحيفة "واشنطن بوست" لبيانات الإنفاق التاريخي في أميركا، تبين أن حجم الاستثمارات التي تضخها شركات التكنولوجيا على الذكاء الاصطناعي، يفوق أي مستوى تم تسجيله في تاريخ القطاع، فمن عام 2023 وحتى نهاية 2025، ستكون غوغل ومايكروسوفت وميتا وأمازون قد أنفقت على الاستثمارات الجديدة أكثر مما أنفقته خلال الأعوام الممتدة من 2010 إلى 2022، وهي الفترة الزمنية التي شهدت إنفاق شركات التكنولوجيا مبالغ كبرى، على بناء مكاتب جديدة في جميع أنحاء العالم، وإنشاء مراكز بيانات لتشغيل الخدمات السحابية، ومدّ آلاف الأميال من كابلات الإنترنت عبر المحيطات.
والملفت أن موجة الإنفاق الحالية على مشاريع الذكاء الاصطناعي، تتجاوز حتى أكثر المبادرات التقنية طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة، وعلى رأسها برنامج "أبولو" التابع لوكالة ناسا، والذي أفادت الوكالة في عام 1973 أن تكلفته بلغت 25 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 180 مليار دولار بقيمة اليوم. وهو رقم يبدو ضئيلاً إذا ما تمت مقارنته بما تعتزم شركات التكنولوجيا استثماره في الذكاء الاصطناعي خلال عام واحد فقط.
طفرة محفوفة بالمخاطر
ويُؤدي هذا الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي، إلى تزايد اعتماد الاقتصاد الأميركي على شركات التكنولوجيا الكبرى، مما يُثير مخاوف بعض المحللين والاقتصاديين، من أن تباطؤ طفرة الذكاء الاصطناعي قد يُلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد.
وتوقع بنك "ريموند جيمس" الاستثماري استمرار طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في أميركا، للسنتين المقبلتين، ولكن فقط إذا استطاعت شركات التكنولوجيا إثبات قدرتها على تحقيق أرباح حقيقية من خدمات الذكاء الاصطناعي. في حين تقول كالي بوست، خبيرة استراتيجيات السوق في شركة "ريثولتز لإدارة الثروات الاستثمارية"، إنه يبدو أن منظومة الذكاء الاصطناعي هي القوة الدافعة التي تحمل الاقتصاد في أميركا الآن.
ويُجادل المسؤولون التنفيذيون في مجال الذكاء الاصطناعي، بأن طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي ستخلق المزيد من فرص العمل، وتُحقق إنجازات علمية بفضل التقدم التكنولوجي، حيث أعلنت شركة OpenAI أنه بمجرد بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التابعة لها، فإن الطفرة الاقتصادية الناتجة عنها ستُوفر مئات الآلاف من الوظائف الأميركية.
وكافأت وول ستريت حتى الآن شركات التكنولوجيا الكبرى، على إنفاقها على الذكاء الاصطناعي، مما زاد من قيمتها السوقية وجعلها جزءاً أكبر من سوق الأسهم بشكل عام. ووصلت شركة Microsoft، وهي مستثمرة في OpenAI، الأسبوع الماضي إلى تقييم سوقي بقيمة 4 تريليون دولار بعد الإبلاغ عن نمو قوي في الأرباح، وهي ثاني شركة تصل إلى هذا الحد بعد Nvidia. كما قفز سهم Meta بنسبة 11 في المئة بعد الإبلاغ عن أرباح قوية، وإبلاغ المستثمرين بأن إنفاقها على الذكاء الاصطناعي سيكون عند الحد الأقصى لتوقعاتها السابقة.
إعادة توجيه البوصلة الاقتصادية
ويقول المطور التكنولوجي هشام الناطور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن موجة الإنفاق الحالية على الذكاء الاصطناعي في أميركا، تمثل إعادة توجيه للبوصلة الاقتصادية في البلاد نحو اقتصاد يعتمد على البنية التحتية الرقمية الفائقة وليس فقط على الصناعة والخدمات، وهذا التحول يضع الذكاء الاصطناعي في قلب النمو الاقتصادي الأميركي، حيث يُحرّك كل دولار يُستثمر في هذه التكنولوجيا عدة مستويات اقتصادية في البلاد، من شركات أشباه الموصلات إلى شركات الإنشاءات، والطاقات المتجددة وبالتالي نحن نتحدث عن آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة، وعن إعادة تنشيط قطاعات بأكملها.
فرصة أو فقاعة؟
ويعتقد الناطور أن أهم ما في الأمر هو أن تتحول هذه الاستثمارات الضخمة إلى نماذج أعمال مربحة ومستدامة، وإلا فإننا قد نكون أمام فقاعة تكنولوجية جديدة، لافتاً إلى أن زيادة إنفاق رأس المال تمنح دفعة مؤقتة للنمو ولكن القيمة الحقيقية تكمن في قدرة هذه الاستثمارات على توليد عوائد متنامية بمرور الوقت، وإذا لم يتحقق ذلك، فقد نشهد تباطؤاً في وتيرة الاستثمارات، ومرحلة من إعادة حسابات استراتيجية لدى المستثمرين، ولهذا فإن العامين المقبلين سيكونان حاسمين لتحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة تدخل فعلاً عصر "الاقتصاد المدفوع بالذكاء الاصطناعي"، أو أنها ستواجه تباطؤاً يفرض إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية.
ملامح سوق العمل
ويرى الناطور أنه على مستوى سوق العمل، فإن تحول أميركا نحو اقتصاد مدفوع بالذكاء الاصطناعي، قد يضيف خلال السنوات الخمس المقبلة مئات الآلاف من الوظائف الجديدة في مجالات الهندسة البرمجية، إدارة المشاريع التقنية، وتشغيل البنية التحتية الرقمية مثل مراكز البيانات وشبكات الحوسبة السحابية، في حين ستتعرض ما بين 10 و15 في المئة من الوظائف الروتينية، لضغوط استبدال أو إعادة هيكلة مهامها، معتبراً أن هذا التأثير المزدوج سيجعل من إعادة تأهيل القوى العاملة واستثمار الشركات في التدريب أحد المحددات الأساسية لمدى استفادة الاقتصاد الأميركي من هذه الموجة التكنولوجية.
أبعاد اقتصادية وجيوسياسية
من جهته يقول المحلل الاقتصادي محمد سعد في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما نشهده الآن هو سباق تكنولوجي ذو أبعاد اقتصادية وجيوسياسية في آن واحد، فالولايات المتحدة لا تستثمر في الذكاء الاصطناعي لتعزيز نموها الاقتصادي فقط، بل أيضاً لتثبيت ريادتها العالمية أمام منافسين كبار مثل الصين والاتحاد الأوروبي، وهذه الأرقام الفلكية في الإنفاق ليست مجرد مشاريع تجارية، بل هي استثمار في النفوذ التكنولوجي طويل المدى، حيث أن مراكز البيانات التي تُبنى اليوم هي "حصون اقتصادية" مهمتها تحديد من يملك مفاتيح الابتكار خلال العقد المقبل.
سوق الأسهم تدعم الطفرة
ويؤكد سعد أن الأثر الاقتصادي المباشر لطفرة الاستثمار بالذكاء الاصطناعي في أميركا واضح، فمثلاً سوق الأسهم تُكافىء الشركات التي تعلن عن استراتيجيات توسع جريئة في الذكاء الاصطناعي، بارتفاعات ملحوظة في قيمتها السوقية، ما يطلق دورة صعودية تعزز من ثقة المستثمرين، وتدفع بالمزيد من رؤوس الأموال نحو هذا القطاع، مشيراً أيضاً إلى أن هذا الزخم يعزز من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث تبحث صناديق الاستثمار العالمية، عن فرص داخل الاقتصاد الأميركي المتجدد، ما يدفع نحو ظهور شركات ناشئة مبتكرة، تساهم بدورها أيضاً في نمو الاقتصاد الأميركي.
ويحذرسعد من أن الاعتماد المفرط على قطاع واحد ومهما كان واعداً، يترك الاقتصاد عرضة للتقلبات، فالذكاء الاصطناعي اليوم يبدو كقاطرة جبارة للاقتصاد الأميركي، لكن القاطرة بحاجة إلى دعائم قوية، بمعنى آخر، يجب أن تترافق هذه الاستثمارات مع سياسات ذكية لضمان استدامة النمو، وإلا فقد نجد أنفسنا أمام اقتصاد مفرط الحساسية لأي تعثر في قطاع التكنولوجيا الفائقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 4 دقائق
- صدى البلد
الذهب يرتفع للجلسة الثالثة بدعم تراجع الدولار وتوقعات خفض الفائدة الأميركية
ارتفع الذهب للجلسة الثالثة على التوالي اليوم الخميس، مدفوعًا بتراجع الدولار وانخفاض عوائد سندات الخزانة، في وقت تتزايد فيه توقعات المتعاملين بشأن خفض معدلات الفائدة في الولايات المتحدة خلال سبتمبر/أيلول. وصعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.4% إلى 1,368.99 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 01:21 بتوقيت جرينتش، بينما زادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر/كانون الأول بنسبة 0.3% إلى 1,417.80 دولار. وانخفض الدولار مقتربًا من أدنى مستوياته في عدة أسابيع مقابل عملات منافسة، مما يجعل الذهب أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى. كما استقرت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات قرب أدنى مستوياتها في أسبوع. وأظهرت بيانات يوم الثلاثاء أن أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفعت بشكل طفيف في يوليو/تموز، مما يعزز احتمالات خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) لأسعار الفائدة الشهر المقبل. ويعتقد المتعاملون الآن أن خفض الفائدة في 17 سبتمبر/أيلول أصبح شبه مؤكد، وفق بيانات مجموعة بورصات لندن. وعادة ما يرتفع الذهب، الذي لا يدر عوائد، في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% إلى 38.56 دولار للأوقية، وتراجع البلاتين 0.1% إلى 1,338.33 دولار، بينما ارتفع البلاديوم 1.3% إلى 1,136.70 دولار.


صوت بيروت
منذ 23 دقائق
- صوت بيروت
مكافآت قياسية للاعبي التنس من تقاسم الأرباح
قال اتحاد محترفي التنس الخميس إن اللاعبين سيحصلون على مبلغ قياسي قدره 18.3 مليون دولار كمكافآت تقاسم الأرباح بدءا من موسم 2024، في ظل جهود الاتحاد لصياغة مستقبل أكثر استدامة ماليا. وتوزع المكافآت، التي يمثل زيادة بنسبة 177 في المئة مقارنة بالموسم السابق، على اللاعبين بناء على الأداء في بطولات الاتحاد ذات الألف نقطة، وعددها تسعة، والتي تلي مباشرة البطولات الأربع الكبرى في المكانة. وقال أندريا جاودينزي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد 'هذا هو الهدف من مشاركة الأرباح: ضمان مشاركة اللاعبين والبطولات بالتساوي في الجانب المالي للرياضة. 'توزيع 18.3 مليون دولار هو إنجاز ضخم. بالنسبة لنا، إنه دليل على أن تعزيز المنتج المتميز ومواءمة المصالح يخلق قيمة. 'نحن فخورون بتعزيز شراكتنا وجعل جولة اتحاد لاعبي التنس المحترفين أقوى وأكثر استدامة'. وتقسم الخطة، المستحدثة في 2022، الأرباح التي أدرتها بطولات الاتحاد ذات الألف نقطة – بخلاف الجوائز المالية التي يتقاضها اللاعبون عن كل فوز في البطولة – بالتساوي بين اللاعبين والبطولات وهي حجر الزاوية في خطة رؤية واحدة الاستراتيجية للجولة. وساعدت مشاركة الأرباح في رفع تعويضات اللاعبين إلى رقم قياسي بلغ 261 مليون دولار لموسم 2024 بإجمالي 378 مليون دولار بإضافة جوائز البطولات الأربع الكبرى.


بنوك عربية
منذ 25 دقائق
- بنوك عربية
الكويت الدولي يحصل على موافقة 'المركزي' لإصدار صكوك
بنوك عربية حصل بنك الكويت الدولي على موافقة بنك الكويت المركزي لتحديث وزيادة حجم برنامج إصدار الأوراق المالية ليصل إلى 1.5 مليار دولار، بالتزامن مع استرداد صكوك الشريحة الثانية البالغة 300 مليون دولار، التي كان قد أصدرها عام 2020 بموافقة مسبقة من المركزي. كما شملت الموافقة إصدار صكوك جديدة متوافقة مع متطلبات رأس المال المساند ضمن الشريحة الثانية، بقيمة لا تتجاوز 300 مليون دولار. وأوضح البنك أن الإجراءات اللازمة مع الجهات الرقابية ستستكمل، مؤكداً عدم وجود تأثير جوهري على مركزه المالي في الوقت الراهن. ووفق أحدث بياناته، حقق 'الدولي' أرباحاً نصف سنوية بلغت 14.84 مليون دينار في النصف الأول من 2025، بزيادة نسبتها 23.2% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.