logo
د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: لغة الأرقام في التصريحات الرسمية (3-1)

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: لغة الأرقام في التصريحات الرسمية (3-1)

بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي
في أي دولة، تشكل البيانات الرسمية الصادرة عن المسؤولين مرجعية للرأي العام وصناع القرار والمجتمع الدولي على حد سواء. ولكن حين تتناقض هذه البيانات وتتضارب الأرقام بين جهة وأخرى، أو بين تصريح وآخر لنفس المسؤول في أوقات متفاوتة، لا بل متقاربة احيانا، أو بطرح وعود بعيدة عن الواقع، وتحديد مدد زمنية لتنفيذها، ومع مرور الزمن، تتكشف الحقائق، دون إنجاز وتتكرر الأمور بصياغات جديدة دون مراجعة أو محاسبة، وتضيع الحقيقة في زحام الروايات المتباينة، الا اننا نعيش في عالم تتسارع فيه وتيرة الحصول على المعلومات وتتكشف فيه الحقائق بسرعة غير مسبوقة، وخاصة تلك المتعلقة «بتضارب الأرقام» التي لم يعد مجرد زلة بيروقراطية عابرة، بل أصبحت ظاهرة تتطلب الوقوف عندها، بسبب أن المصداقية تصبح على المحك، لا سيما حين تكون هذه الأرقام جزءا من الركائز الأساسية لمستقبل الدولة بكافة قطاعاته، التعليمية والاقتصادية والتنموية.
إن الرأي العام الذي كان يعتمد فقط على ما يقال من منابر رسمية، قد تغير بشكل جذري في عصر توفر المعلومات المتسارع الذي منحه الفرصة للمقارنة والتحليل واستخلاص النتائج، والتي في حال تناقضها سيؤدي إلى إضعاف العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
إن هذه الظاهرة التي لم تعد مقتصرة على مسؤول دون غيره، بل باتت تمس قطاعات حيوية لها ارتباط مباشر بحياة الناس ومستقبل الدولة، والتي منها على سبيل المثال قطاع التعليم العالي (مديونية الجامعات)، المياه، والثروات الطبيعية (وهي القطاعات التي اتابعها شخصياً بحكم التخصص) وغيرها من القطاعات. وعليه فإن تناقضها له انعكاسات وتداعيات على ثقة المواطن، وفعالية الخطط الوطنية، وصورة الدولة أمام المجتمع الدولي.
فعلى سبيل المثال، سبق وأن أشرت في مقال سابق تحت عنوان «مديونية الجامعات الرسمية بين الواقع والتضخيم» والمنشور بتاريخ 5/7/2023، بأن تصريحات كانت صادرة عن معالي وزير التعليم العالي بتاريخ 10/1/2022، أن مديونية الجامعات الرسمية بلغت 100 مليون دينار (وتم التأكيد على هذا الرقم بتاريخ 7/6/2022) ثم تبعها تصريح آخر وبتاريخ 7/9/2022 من قبل ذات الوزير بأن مديونية 8 جامعات بلغت 173 مليون دينار، إلا أنه وخلال الحلقة النقاشية التي عقدت في منتدى شومان الثقافي والمنشور بتاريخ 18/12/2022 يبين أن مديونية 8 جامعات بلغت 192 مليون دينار.
إن المدقق يجد أنه من غير المعقول أن تقفز مديونية الجامعات من 100 مليون في حزيران إلى 173 مليون دينار في أيلول ومن ثم إلى 192 مليون دينار في كانون الأول خلال العام 2022، ولم يتم الكشف عن أسباب هذا التفاوت، أو في آلية الاحتساب والمعايير المستخدمة، أو إلى مكامن الخلل، والتي قد تعود إلى تضارب التقارير الصادرة عن الجامعات (فعلى سبيل المثال، أعلن أحد رؤساء الجامعات في شهر آذار، 2022 أن مديونية الجامعة التي يترأسها بلغت 20 مليون دينار، ليعود ويخاطب بكتاب رسمي في شهر تموز من العام ذاته يدعي فيه أن مديونية الجامعة تزيد على 40 مليون دينار، وهو الأمر الذي يخالف الواقع المالي للجامعة عند استلامه لها، وكما هو بنهاية 2021، ولم يتم مناقشة الموضوع علانية مع من سبقه ومعه للوقوف على الحقيقة.
إن التقرير الأخير للوضع النقدي للجامعات والذي تم اعداده بداية هذا العام، بين بأن مديونية الجامعات قد بلغت أكثر من 224.35 مليون دينار مع نهاية العام 2024. كما تبين بان الأرقام الواردة فيه عن بعض الجامعات لا تتوافق مع تصريحات رؤسائها، كما هي الأردنية واليرموك مثلا.
وفي حال التسليم بما ورد في تقرير الوضع النقدي للجامعات كما هو في نهاية 2024 فأننا ايضا نجد بأن هناك مبالغ مالية ترتبت لصالح الجامعات على الجهات الباعثة للطلبة من المؤسسات الرسمية وغيرها من الجهات المختلفة تزيد عن 179.48 مليون دينار. وفي حال اوفت هذه الجهات بالتزاماتها المالية اتجاه الجامعات فان مديونية الجامعات ستكون حوالي 44.87 مليون دينار فقط، هذا في حال كانت الأرقام الواردة في التقرير دقيقة.
أبرز مظاهر تضارب التصريحات يظهر في ملف مديونية الجامعات الرسمية، حيث تختلف الأرقام الصادرة من وزارة التعليم العالي عن تلك التي تصدر عن الجامعات نفسها، كما تختلف بين تصريحات الإدارات السابقة للجامعات والتي خلفتها (وهذا عائد إلى غياب المؤسسية والشفافية في الطرح، أو إلى أن البعض قد يمارس التضليل المتعمد لتشوية صورة شخصاً ما أو لإظهار صورة وردية زائفة للقادم المنقذ)، مما يُربك الرأي العام، ويضعف أي خطط إصلاح مالي أو أكاديمي يتم الحديث عنها في الجامعات. ما يزيد الإرباك هو غياب الخطط الجادة لتسوية المديونية أو معالجة أسبابها الهيكلية، أو ضعف القيادات الأكاديمية والإدارة المالية داخل المؤسسات الأكاديمية، أو اتخاذ القرارات العشوائية على حساب الكفاءة.
وفي هذه الحالة، فانه من حق المجتمع الأكاديمي والشارع الأردني ان يقف على الحقيقة، اما من خلال إجراء مناظرات علنية بين إدارات الجامعات السابقة وتلك التي خلفتها في الموقع، أو من خلال لجنة مشكلة من جهة رسمية يثق بها الشارع الأردني كهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ومحاسبة أصحاب الادعاءات غير الصحيحة، لإعادة ثقة الشارع الأكاديمي والمجتمعي بالمؤسسات الأكاديمية.
في الجزء الثاني سأتحدث عن التصريحات المتعلقة بقطاع المياه.
*مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية
الغد

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ارتفاع ملحوظ على أسعار الذهب في السوق الأردني
ارتفاع ملحوظ على أسعار الذهب في السوق الأردني

وطنا نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • وطنا نيوز

ارتفاع ملحوظ على أسعار الذهب في السوق الأردني

وطنا اليوم:ارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية، الاثنين، بمقدار 1.1 دينار للغرام الواحد لجميع العيارات، باستثناء عيار 14 الذي ارتفع بمقدار 80 قرشا مقارنة مع التسعيرة السابقة، وذلك وفقاً للائحة الأسعار التي نشرتها النقابة العامة لأصحاب محالّ تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات. وبحسب التسعيرة اليومية، بلغ سعر بيع غرام الذهب عيار 21 لغايات البيع من محالّ الصاغة 67.7 دينارا، مقابل 65.7 دينارا لجهة الشراء. كما بلغ سعر بيع الغرام الواحد من الذهب لعيارات 24 و18 و14 لغايات البيع من محال الصاغة 78، و60، و45.8 دينارا على التوالي.

اتفاقية أردنية أمريكية لتأهيل شبكات المياه في البترا بقيمة 6.8 مليون دينار
اتفاقية أردنية أمريكية لتأهيل شبكات المياه في البترا بقيمة 6.8 مليون دينار

وطنا نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • وطنا نيوز

اتفاقية أردنية أمريكية لتأهيل شبكات المياه في البترا بقيمة 6.8 مليون دينار

وطنا اليوم:وقع وزير المياه والري المهندس رائد أبو السعود، اليوم الاثنين، اتفاقية مشروع تأهيل شبكات المياه في قضاء البترا بمحافظة معان، بقيمة 6.8 مليون دينار، منها 4.8 مليون منحة من الحكومة الأمريكية، و2 مليون مساهمة ذاتية من سلطة المياه. وتهدف الاتفاقية إلى تقليل فاقد المياه وتحسين كفاءة أنظمة التزويد في منطقتي وادي موسى والطيبة، من خلال إعادة تأهيل الشبكات، وتركيب أنظمة مراقبة متطورة SCADA، وإنشاء خطوط مياه بطول 49 كم، وبناء مركز مراقبة متكامل في خزان وادي موسى وربطه بمركز التحكم الرئيسي في العقبة. وأكد أبو السعود أن المشروع يأتي ضمن رؤية التحديث الاقتصادي وخطط الحكومة لتحسين الخدمات وخفض الفاقد المائي في مختلف محافظات المملكة، مشيرًا إلى أن المشروع سيسهم في تعزيز استدامة التزويد المائي وسرعة الاستجابة للأعطال. وأعرب الوزير عن شكره للحكومة الأمريكية على دعمها المتواصل لقطاع المياه في الأردن، لمواجهة التحديات المتزايدة في هذا القطاع الحيوي.

مبادرة مجتمعية.. نحو أفراح أقل كلفة وأحزان أكثر رحمة
مبادرة مجتمعية.. نحو أفراح أقل كلفة وأحزان أكثر رحمة

وطنا نيوز

timeمنذ 2 ساعات

  • وطنا نيوز

مبادرة مجتمعية.. نحو أفراح أقل كلفة وأحزان أكثر رحمة

وطنا اليوم:في استجابة لنداء مجتمعي واسع وملحّ، أطلق عدد من النخب الدينية والفكرية والاجتماعية في الأردن مبادرة مجتمعية، تستهدف تخفيف الأعباء المالية التي تثقل كاهل الأردنيين بسبب بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، التي وإن نبعت من قيم أصيلة، إلا أن ممارستها اليوم تشهد انحرافا عن جوهرها، وتتحول أحيانا إلى عبء مادي ونفسي على الأفراد والعائلات. وجاءت هذه التوصيات ثمرة حوار مجتمعي جاد، شارك فيه علماء من الديانتين الإسلامية والمسيحية، ومثقفون وناشطون من مختلف الأطياف، وجاء هذا الحراك ليعيد التوازن بين أصالة الموروث وحداثة الواقع، مستندا إلى وثائق مجتمعية تاريخية مثل وثيقة السلط الشعبية، التي انطلقت قبل 44 عاما، وأمثالها في الكرك وإربد وسواهما. 6 توصيات تقترحها المبادرة لضبط العادات والتقاليد الاجتماعية وقد خرج الحوار بتوصيات عملية تحت ستة عناوين رئيسية تضبط العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح، نستعرضها فيما يلي: 1- بيوت العزاء: مواساة بلا تكليف في ظل الألم الذي يرافق الفقد، تؤكد التوصيات أن العزاء الحقيقي لا يكون في التكاليف والمظاهر عن بعض العادات والتقاليد المغلوطة، بل في الكلمة الطيبة والمواساة الصادقة. وقد شددت التوصيات على ضرورة إعادة العزاء إلى بساطته وعمقه الإنساني: تقليص مدة بيت العزاء إلى يومين فقط، من الساعة 4 مساء حتى 10 ليلا، وفي رمضان بعد صلاة المغرب. الاكتفاء بالمصافحة دون التقبيل، وتقديم الماء والقهوة فقط. الامتناع عن تقديم الطعام أو توزيع التمور وكتيبات الأدعية، ومن رغب فليوجه ذلك للفقراء وطلاب العلم. لا يطلب من أهل الميت إعداد الطعام، ويكفي أن يقدم لهم الطعام من المقربين بما لا يتجاوز 'خمسة مناسف'. الامتناع عن إقامة ولائم في بيوت العزاء أو بعدها، والاعتذار عن زيارات السنوية أو الأربعينية. الاكتفاء بالجناز الثالث والتاسع والأربعين في الكنيسة وتقبل العزاء في الباحة. ضرورة الامتناع عن التدخين في أماكن العزاء. 2- الجاهة والخطوبة: الزواج مودة لا مظاهر ترى التوصيات أن الزواج ميثاق إنساني لا ينبغي أن يغلف بالمظاهر، بل بالنية الطيبة والتيسير. ودعت إلى العودة إلى الجوهر الحقيقي للزواج: تقليص عدد المشاركين في الجاهة إلى 50 شخصا من الطرفين، وإقامتها في بيت العروس. التخلي عن المظاهر الرسمية والنفاق الاجتماعي. الامتناع عن دعوة المسؤولين ما لم تكن العلاقة شخصية، ومطالبة أصحاب المناصب بعدم الحضور. الاكتفاء بحفل خطوبة عائلي بسيط. التخفيف من نفقات التجميل والملابس. دعوة أهل العروس للمساهمة في التكاليف. الامتناع عن إقامة الخطوبة في الفنادق أو الصالات المكلفة. تقليل استخدام الورود والاكتفاء بالنقوط كهدية رمزية غير مشروطة بالرد. 3- حفلات الزواج: فرح بلا إسراف تحث التوصيات على إعادة الأفراح إلى جذورها البسيطة، التي تجمع الناس على المحبة والفرح، لا على التكاليف والديون: إقامة حفلات العرس في فناء المنزل أو الحارة، دون فرق فنية أو مظاهر صاخبة. الاكتفاء بحفلات الحناء وحمام العريس في البيت. التخفيف من المهور وتكاليف الذهب بما لا يتجاوز 3000 دينار والمؤجل لا يزيد على 5000 دينار. عدم تجاوز زفة العروس 5 سيارات. الاقتصار في غداء العرس على 30 منسفا بحد أقصى، مع ترشيد العدد على كل منسف. الامتناع عن حفلات ما بعد الغداء. اختيار صالات معتدلة دون مبالغة في البوفيه أو الزينة. تحديد تكلفة الطعام في الحفلات لمن يرغب، بألا تتجاوز 10 دنانير للمدعو. التوقف عن إطلاق العيارات النارية لما تسببه من مخاطر. 4- حفلات التخرج: فرحة رمزية لا عبء مالي في وقت باتت فيه حفلات التخرج مجالا للاستعراض والمبالغة، أكدت التوصيات على أهمية الاحتفال بالإنجاز من دون إثقال كاهل الأهل: إقامة حفلات التخرج في البيوت أو المدارس أو الجامعات، دون اللجوء إلى الصالات. الامتناع عن الهدايا المكلفة وتقديم باقات الورود الفارهة. دعم المبادرات الجماعية لتنظيم الحفلات بشكل بسيط ومشترك. تقديم النقوط كهدايا رمزية غير إلزامية. 5- زيارة المريض: نية صادقة لا زيارة مرهقة زيارة المريض قيمة دينية وإنسانية عظيمة، لكنها لا ينبغي أن تتحول إلى عبء على المريض وذويه. ولذلك أوصت التوصيات بما يلي: الاكتفاء بالاتصال أو الرسائل أحيانا بدل الزيارة، خاصة عند الحالات الحرجة. تقصير مدة الزيارة والامتناع عن التجمعات داخل غرف المرضى. الامتناع عن تقديم الهدايا المكلفة أو المبالغة في الورود. تجنب نشر صور المرضى دون إذنهم. 6- السلامة المرورية: ثقافة تبدأ من البيت انطلاقا من أهمية الحفاظ على الأرواح، اختتمت التوصيات بدعوة لتكريس ثقافة مرورية مجتمعية تبدأ من التربية وتنتهي بالالتزام: الامتناع عن التجمعات في الشوارع والمواكب التي تعطل السير. عدم قيادة السيارات بسرعة في الأفراح أو الحزن. التوقف عن المظاهر المزعجة كالتفحيط أو استخدام أبواق السيارات في المناسبات. رفع الوعي بأهمية التزام قواعد المرور كأساس لاحترام الحياة العامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store