
سيرسم معادلات جديدة.. كنز صيني يهدد التفوق العسكري الأميركي
تُحكم الصين قبضتها على خيوط سباق السيطرة على المستقبل الصناعي والعسكري للعالم، عبر ترسانة غير تقليدية: المعادن الأرضية النادرة. ومن بين هذه العناصر الاستراتيجية، يبرز الساماريوم كسلاح جيوسياسي صامت تُشهِره بكين في وجه الغرب، ليس فقط عبر السيطرة على الإنتاج، بل من خلال احتكار تقنيات المعالجة والتكرير على نطاق تجاري واسع.
فالساماريوم، المعدن الغامض الذي يحتمل حرارة كفيلة بإذابة الرصاص دون أن يفقد خصائصه المغناطيسية، أصبح عنصراً لا غنى عنه في تصنيع مغناطيسات دقيقة تُستخدم في محركات الصواريخ والطائرات المقاتلة والقنابل الذكية. وبدونه، تبدو قدرات الولايات المتحدة وحلفائها على إعادة ملء مخزونهم من المعدات العسكرية مهددة، خاصة بعد النزيف المتسارع للأسلحة في ظل النزاعات الحالية.
وبحسب تقارير أميركية وأوروبية، فإن الصين تُنتج فعلياً كامل إمدادات العالم من الساماريوم، وتفرض قيوداً صارمة على تصديره، في وقت فشلت فيه واشنطن طوال أكثر من عقد في تطوير بديل موثوق لمصادر بكين.
ويكشف ذلك عن هشاشة غير مسبوقة في سلاسل الإمداد الدفاعية الغربية، ويمنح الصين ورقة تفاوض قوية في المحادثات التجارية الجارية، خصوصاً في ظل ربط بكين تصدير هذه العناصر النادرة بمفاهيم الأمن القومي والسيادة الصناعية.
وفيما يتواصل التنافس الحاد على التفوق التكنولوجي والعسكري، يتضح أن معادن مثل الساماريوم قد تلعب دوراً حاسماً في رسم خريطة موازين القوى في العقود المقبلة — من أعماق المناجم… إلى قمة القرار الجيوسياسي.
في 4 نيسان، أوقفت الصين تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات المصنوعة منها، في خطوة قالت إنها تهدف إلى حماية الأمن القومي ومنع الانتشار. وتسيطر بكين على معظم الإمدادات العالمية من هذه المواد، الضرورية للاستخدامات المدنية والعسكرية.
الصادرات باتت مشروطة بتراخيص خاصة، وقد منحت وزارة التجارة الصينية بعض التراخيص لشركات سيارات في أوروبا وأميركا لمغناطيسات تحتوي على الديسبروسيوم والتيربيوم. لكن الصين لم تُبدِ أي نية للسماح بتصدير الساماريوم، العنصر الحيوي للتطبيقات العسكرية، ما يهدد الهدنة التجارية مع واشنطن.
تفوق صيني
استاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، تقول لموقع 'اقتصاد سكاي نيوز عربية' من القاهرة، أنّه لا شك أن القفز على الحقائق لن يفيد الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، في ظل واقع بات واضحاً، لجهة كون الصين هي الملكة المتوجة على عرش المعادن النادرة.
أضافت:' لقد أصبح جلياً أن أغلب المفاوضات الدولية تدور حول هذا المحور، المتعلق بالمعادن النادرة. في هذا السياق، فرضت الصين قيوداً صارمة على تصدير معدن الساماريوم، الذي يُستخدم في صناعة مغناطيسيات مقاومة للحرارة، مما يشكل أزمة خطيرة تهدد الصناعات الدفاعية والقدرات العسكرية لكل من الولايات المتحدة والدول الغربية.
تابعت: لقد باتت قضية الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين تتركّز بشكل كبير على المعادن النادرة، وعلى رأسها هذا المعدن الاستراتيجي الذي يشكّل حجر الزاوية في محاولة تعويض أوروبا لمخزونها العسكري من الطائرات والصواريخ التي فقدتها نتيجة دعمها لأوكرانيا في حربها مع روسيا. ومهما ضخت دول الناتو من استثمارات في تطوير الوسائل الدفاعية، تبقى حاجتها إلى المعادن النادرة الصينية أعلى بكثير، ما يعكس الهيمنة الصينية على سلاسل إمداد هذه المعادن.
وتشير إلى أن الصين تنتج تقريباً كامل الإمدادات العالمية من معدن الساماريوم، وتنفرد بعمليات معالجته التي تُجرى في ظروف بالغة السرية، ليُستخدم في مختلف التطبيقات الدفاعية والعسكرية المتقدمة، موضحة في السياق نفسه أن هذا المعدن يتميّز بخصائص مغناطيسية قوية وثابتة حتى في درجات حرارة تكفي لإذابة الرصاص، ما يجعله مثالياً لصناعة مقدمة الصواريخ. وتحتاج كل مقاتلة من طراز F-35 إلى نحو 50 رطلاً من هذا المعدن النفيس.
وانطلاقاً من هذه الأهمية العسكرية والمدنية، تدرك الصين تماماً خطورة هذا المورد، لذا لا تسمح بتصديره إلا عبر تصاريح خاصة، تحت مظلة حماية الأمن القومي ومنع الانتشار. ومن هنا، تواجه الولايات المتحدة ودول الغرب معضلة حقيقية في الحصول على هذا المعدن الحيوي.
وتوضح أنه في محاولة لمواجهة هذا التحدي، كانت الولايات المتحدة قد رصدت في وقت سابق مليار دولار لإعادة تشغيل وتوسيع منجم قديم في كاليفورنيا، وهو المنجم الوحيد المتاح لديها لهذه المعادن، والذي توقف عن العمل منذ عام 1998 بسبب تسرب غازي. ومع ذلك، فإن قوة الصين لا تكمُن فقط في وفرة الموارد، بل أيضاً في احتكارها لعمليات المعالجة المركزية للمعادن النادرة، وهي عمليات لا تُقدّر بثمن، وتضع الصناعات الدفاعية الغربية في قلب العاصفة.
في السياق، يشير تقرير لشبكة 'سي إن بي سي' الأميركية إلى تحذيرات مسؤولين أميركيين في وقت سابق من أن هذه الهيمنة الصينية على المعادن النادرة 'تشكل تحديا استراتيجيا في ظل التحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة'.
ويشير تقرير الشبكة إلى أن العناصر الأرضية النادرة تلعب دوراً لا يتجزأ في تقنيات الدفاع الحديثة، وفقاً لشركة الاستشارات SFA-Oxford ، بما في ذلك أنظمة الرادار والسونار المتقدمة، وتقنيات التوجيه بالليزر والدفع في بيئات القتال.
ونقل التقرير عن مديرة برنامج أمن المعادن الحرجة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، جريسلين باسكاران، قولها إن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تدق صناعة الدفاع ناقوس الخطر بشأن نقص المعادن النادرة، مشيرة إلى أن العديد منها فعلت ذلك بالفعل خلف الأبواب المغلقة.
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع 'اقتصاد سكاي نيوز عربية': 'تحتكر الصين حاليًا تقريبًا كامل الإمدادات العالمية من معدن السماريوم، وهو عنصر نادر من عناصر الأرض النادرة، يُستخدم في تصنيع مغناطيس السماريوم-كوبالت، الذي يتميز بمقاومته العالية للحرارة والتآكل'.
هذا النوع من المغناطيس يُعد من المكونات الأساسية في الطائرات المقاتلة الأميركية، مثل طائرة F-35، كما يدخل في أنظمة التوجيه الدقيقة للصواريخ، وفي المحركات الكهروميكانيكية المستخدمة في الأسلحة. لذلك، فإن تأمين هذه الإمدادات لا يُعد مسألة تتعلق بسلاسل التوريد فقط، بل هو جزء من الأمن القومي للدول الغربية'.
ويضيف: ما نراه اليوم هو أن أي تهديد لإمدادات المعادن الأرضية النادرة، وخاصة السماريوم، يشكل تهديدًا مباشرًا للقدرات الدفاعية الغربية والأميركية؛ فالصين تسيطر على النسبة الأكبر من إنتاج هذه المعادن، وعلى 90 بالمئة من قدرات تكريرها. وأي قرار سياسي أو رد فعل صيني في إطار نزاع تجاري أو جيوسياسي يمكن أن يؤدي إلى شلل فعلي في الصناعات الدفاعية الغربية'.
وينوه بأن الولايات المتحدة تعتمد على الصين بنسبة كبيرة في وارداتها من هذه العناصر. وتقرير صادر عن البنتاغون يشير إلى أن انقطاع إمدادات السماريوم يمكن أن يوقف إنتاج مكونات رئيسية في أنظمة الدفاع الجوي والبحري لمدة قد تصل إلى 12 شهرًا، خاصة في ظل غياب البدائل وسرعة الاستجابة.
وينوه بأنه 'ليس الاستخدام عسكريًا فقط، فالسماريوم يدخل أيضًا في صناعات مدنية متقدمة، منها المحركات الكهربائية عالية الأداء، ومحركات الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، والمركبات الكهربائية، وأنظمة التصوير بالرنين المغناطيسي، ومكبرات الصوت الاحترافية، وأنظمة التوربينات الهوائية.. كما تكمن أهميته في قدرته على العمل تحت درجات حرارة تتجاوز 300 درجة مئوية دون أن يفقد خصائصه المغناطيسية'.
ووفق الشوبكي، فإن الاعتماد شبه الكامل على الصين لتوفير السماريوم وباقي المعادن الأرضية النادرة يمثل نقطة ضعف استراتيجية في البنية الصناعية الغربية، لافتاً إلى أن بناء سلاسل توريد بديلة، كما تعمل عليه مجموعة السبع والولايات المتحدة، يتطلب من 7 إلى 10 سنوات (بخلاف التكلفة الباهظة).
كما يؤكد أن استمرار الهيمنة الصينية في هذا المجال قد يضع مستقبل التحول الطاقي والدفاعي في الغرب على المحك، ويطرح تساؤلات جدية حول استقلالية القرار الصناعي والتكنولوجي الأميركي والغربي في مواجهة الأزمات العالمية.'
ويشير تقرير لبلومبيرغ، إلى أنه بعد أن اتفقت الولايات المتحدة والصين في جنيف على خفض الرسوم الجمركية بشكل كبير، تصاعدت التوترات بشأن الوصول إلى الرقائق والمعادن النادرة. ويبدو أن بكين تتمتّع بميزة متزايدة.
يبدو أن نقطة الخلاف الرئيسية تكمن في المعادن الأساسية، إذ يشكو المسؤولون الأميركيون من أن بكين لم تُسرّع وتيرة الصادرات اللازمة للإلكترونيات المتطورة. وقد صرّحت إدارة ترامب بأن قرار خفض الرسوم الجمركية متوقف على اتفاق صيني لرفع القيود عن بعض المعادن النادرة.
صرحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، في بيان لها بأن الولايات المتحدة 'تتحرك بقوة نحو سلاسل التوريد المحلية الحيوية، بما في ذلك إنتاج المغناطيس'. وأضافت: 'تراقب الإدارة بنشاط التزام الصين باتفاقية جنيف التجارية، وسيتحدث الرئيس ترامب مباشرةً مع الرئيس شي قريبًا جدًا'.
مع استمرار الصين في فرض قيود على المعادن الحيوية للأمن القومي الأميركي، تُكثّف واشنطن القيود التكنولوجية. في الأسابيع الأخيرة، منعت الولايات المتحدة شحن أجزاء محركات الطائرات النفاثة الأساسية إلى الصين، وقيّدت وصول بكين إلى برامج تصميم الرقائق، وفرضت قيودًا جديدة على رقائق شركة هواوي.
أثار ذلك غضب ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتعهد المسؤولون الصينيون بالرد، واتهموا الولايات المتحدة بتقويض توافق جنيف. (سكاي نيوز)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
عرض غير عادي.. ماذا تبلغت إيران من أوروبا؟
مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، تشهد جنيف اجتماعات دبلوماسية حساسة بمشاركة وزير الخارجية الإيراني ونظرائه من دول الترويكا الأوروبية، وسط غياب أميركي لافت، وترقب حذر لقرار حاسم من الرئيس دونالد ترامب خلال أسبوعين. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الأوروبيين قدموا عرضاً شاملاً لطهران يشمل وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، وتفكيك المنشآت النووية، والحد من قدرات إيران الصاروخية، مقابل ضمانات بعدم تغيير النظام. لكن التسريبات تشير إلى أن واشنطن لن تقبل بأقل من 'صفر تخصيب'، وهو شرط يعتبر في طهران 'خطاً أحمر'، وفق ما ذكر تقرير لشبكة 'سكاي نيوز عربية'. انقسام داخل واشنطن.. وخلافات أوروبية في المقابل، تدور النقاشات داخل الإدارة الأميركية بين تيار متشدد يرى أن الفرصة مواتية للقضاء على البرنامج النووي الإيراني، وآخر يحذّر من تكرار تجربة 'حرب لا تنتهي' على غرار العراق. وبينما تواصل واشنطن اتصالاتها غير المباشرة مع طهران عبر المبعوث ستيف ويتكوف، يراهن الأوروبيون على تحقيق 'خرق دبلوماسي' في جنيف، رغم تحفظات الإيرانيين على إدراج ملفات الصواريخ والميليشيات في التفاوض. إيران تحذر من توسع الحرب وفي مقابلة من طهران، حذر رئيس تحرير صحيفة 'الوفاق'، مختار حداد، من أن أي تدخل أميركي مباشر سيقود إلى 'توسيع الحرب في المنطقة'، ملمحا إلى خيارات مفتوحة تشمل استهداف القواعد الأميركية والسفن في الخليج، كما حصل بعد اغتيال قاسم سليماني. أما الخبير العسكري خالد حمادة، فقد أكد أن الأطراف باتت في مواجهة 'لا رجعة فيها'، مشيراً إلى أن تل أبيب لن تتراجع بعد الضربات التي تلقتها، فيما ترى واشنطن أن الحل العسكري يجب أن يأتي تحت مظلة دولية. وأشار حمادة إلى أن إيران رغم الخسائر، ما زالت تمتلك قدرة على التسبب بعدم استقرار إقليمي واسع، بما يشمل تهديد الملاحة في مضيق هرمز وتفعيل أذرعها في لبنان واليمن والعراق. (سكاي نيوز عربية)


بيروت نيوز
منذ 3 ساعات
- بيروت نيوز
هل تتجه إيران إلى خنق إمدادات الطاقة للغرب؟.. تقرير لـThe Spectator يكشف
ذكرت صحيفة 'The Spectator' البريطانية أن 'حلف شمال الأطلسي لم يتعلم شيئا من ابتزاز روسيا في مجال الطاقة، وإيران على وشك أن تثبت ذلك. مع الرؤوس الحربية الدقيقة والحمولات الأسرع من الصوت التي تمزق سماء إسرائيل وإيران، قد يظن المرء أننا نشهد المرحلة التالية في الحرب الحديثة. لكنها لعبة قديمة، تُلعب بقواعد قديمة. ومرة أخرى، تلجأ طهران إلى أداة قوتها المعتادة: الابتزاز في مجال الطاقة'. وبحسب الصحيفة، 'حذر كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم قائد الحرس الثوري إسماعيل كوثري، من أنه إذا استمرت الهجمات الإسرائيلية، فإن طهران لن تخرج من معاهدة حظر الانتشار النووي فحسب، بل ستغلق مضيق هرمز أيضا. في الحقيقة، هذا ليس كلامًا فارغًا. فثلث نفط العالم وخُمس غازه الطبيعي المسال يمرّ عبر هذا الممرّ الذي يبلغ طوله 21 ميلًا. وبدأت الأسواق تشهد تقلبات، فقد قفز سعر النفط الخام بأكثر من 10%. وفي حال تطبيق الحصار، يتوقع البعض أن يصل سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً، وهو مستوى لم نشهده حتى خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا'. وتابعت الصحيفة، 'في مواجهة هذه العاصفة الوشيكة، اختار حلف الناتو الصمت. كانت هناك دعواتٌ معتادةٌ لتهدئة الأوضاع، لكن الأمين العام مارك روته يُلحّ على واشنطن للتحرك. أما بالنسبة لقمة الناتو المرتقبة الأسبوع المقبل، فيبدو أن جدول أعمالها يركز بشكل أكبر على روسيا وميزانيات الدفاع. أما الموضوع الإيراني فلم يتم ذكره. هذا أمرٌ صادم. كان ينبغي أن يكون آخر لقاءٍ لأوروبا مع تسليح موسكو للطاقة بمثابة جرس إنذار. لقد استهدفت الهجمات الإلكترونية وعمليات التخريب محطات الغاز الطبيعي المسال، وخطوط الأنابيب البحرية، والبنية التحتية الحيوية، كما ودمرت الإنتاج الصناعي، وكلّفت أوروبا مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية. ومع ذلك، لا تزال استراتيجية الناتو في مجال الطاقة ضعيفة، ومفرطة في ردود الفعل، ومبنية على سيناريوهات سطحية بدلاً من دفاعات معززة.'. ورأت الصحيفة أن 'لهذه النقطة الاستراتيجية العمياء عواقب وخيمة، فكل ما على إيران فعله هو زرع الشك، حينها ستتراجع الأسواق وسترتفع أسعار النفط بشدة، وستستفيد روسيا، حليفة طهران المقربة، من هذه المكاسب، وستضاعف جهودها في أوكرانيا بأموال جديدة. ورغم أن حماس وحزب الله ربما أصبحا الآن قوات مستنفدة من وجهة نظر طهران، فإن إيران لا تزال لديها ثعالب في الميدان، وخاصة في أفريقيا، حيث تظل جبهة البوليساريو شريكاً مفيداً. لهذه الأسباب، لا يستطيع حلف الناتو أن يتحمل مسؤولية إلقاء اللوم على الأميركيين، ويغرق في أزمة طاقة أخرى، فالتكاليف الاقتصادية والسياسية باهظة للغاية'. وبحسب الصحيفة، 'المطلوب هو عقيدة طاقة أكثر صرامة، ويكمن الحل الطويل الأمد في مصادر الطاقة المتجددة. في الواقع، يجب على الغرب أن ينطلق بسرعة، لا أن يتعثر، نحو الطاقة النظيفة. ولكن على المدى القصير، يتعين علينا تأمين تدفقات طاقة موثوقة من شركاء أكثر موثوقية في شمال أفريقيا وأميركا الشمالية، وهذا يعني أيضًا الاستثمار بكثافة في البنية التحتية للدفاع عن الطاقة ذات الاستخدام المزدوج. وتقع موانئ الغاز الطبيعي المسال، مثل تلك الموجودة في سفينويتشي وكلايبيدا على بحر البلطيق، على خطوط الصدع للهجوم الهجين المحتمل التالي. ولابد من حماية هذه المواقع بوسائل الأمن السيبراني والتحصينات العسكرية، خاصة وأن طرق الطاقة أصبحت أهدافاً رئيسية في الصراعات المستقبلية'. وتابعت الصحيفة، 'يجب على الناتو أيضًا أن يرسم خطًا أحمر جديدًا. ثورة تشريعية، لا أقل من ذلك، أي تشريع مادة خامسة جديدة متعلقة بالطاقة: إذا تعرضت البنية التحتية للطاقة لأحد الحلفاء للتخريب، فيجب أن يُطلق ذلك ردًا جماعيًا من الناتو. وهذا من شأنه أن يشير بوضوح إلى أن الابتزاز في مجال الطاقة لن يكون مقبولاً. بالطبع، يتطلب هذا أكثر من مجرد تصريحات نبيلة، فالإرادة السياسية شيء، ودفع ثمنها شيء آخر'. وأضافت الصحيفة، 'على الرغم من كل القلق الذي تثيره التهديدات بشأن مضيق هرمز، فإن منطقة الخليج ربما تمتلك الحل للمشكلة، إذ قد تصبح واحدة من أهم المستثمرين في الطاقة بالنسبة للغرب. في نهاية المطاف، دول الخليج، كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، غارقة في رؤوس الأموال، وهم يدركون أن النفط ينفد. ولذلك يضخون المليارات في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية وتكنولوجيا الطاقة في كل أنحاء الغرب. لقد حصلت الولايات المتحدة بالفعل على أكثر من تريليوني دولار من الاستثمارات الخليجية، فلماذا هذا التباطؤ في أماكن أخرى؟ ينبغي على حلف الناتو السعي وراء هذه الصفقات بالقدر عينه من الإلحاح'. وختمت الصحيفة، 'لا يمكن للغرب التأجيل حتى تأتي الأزمة التالية. فبمجرد أن تُظهر إيران للغرب كيف يُمكن للطاقة أن تُذلّ الإمبراطوريات، سيسعى كل نظام مارق إلى استغلال هذا الأمر'.


ليبانون 24
منذ 3 ساعات
- ليبانون 24
هل تتجه إيران إلى خنق إمدادات الطاقة للغرب؟.. تقرير لـ"The Spectator" يكشف
ذكرت صحيفة "The Spectator" البريطانية أن "حلف شمال الأطلسي لم يتعلم شيئا من ابتزاز روسيا في مجال الطاقة، وإيران على وشك أن تثبت ذلك. مع الرؤوس الحربية الدقيقة والحمولات الأسرع من الصوت التي تمزق سماء إسرائيل وإيران، قد يظن المرء أننا نشهد المرحلة التالية في الحرب الحديثة. لكنها لعبة قديمة، تُلعب بقواعد قديمة. ومرة أخرى، تلجأ طهران إلى أداة قوتها المعتادة: الابتزاز في مجال الطاقة". وبحسب الصحيفة، "حذر كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم قائد الحرس الثوري إسماعيل كوثري، من أنه إذا استمرت الهجمات الإسرائيلية ، فإن طهران لن تخرج من معاهدة حظر الانتشار النووي فحسب، بل ستغلق مضيق هرمز أيضا. في الحقيقة، هذا ليس كلامًا فارغًا. فثلث نفط العالم وخُمس غازه الطبيعي المسال يمرّ عبر هذا الممرّ الذي يبلغ طوله 21 ميلًا. وبدأت الأسواق تشهد تقلبات، فقد قفز سعر النفط الخام بأكثر من 10%. وفي حال تطبيق الحصار، يتوقع البعض أن يصل سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً، وهو مستوى لم نشهده حتى خلال الأيام الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا". وتابعت الصحيفة، "في مواجهة هذه العاصفة الوشيكة، اختار حلف الناتو الصمت. كانت هناك دعواتٌ معتادةٌ لتهدئة الأوضاع، لكن الأمين العام مارك روته يُلحّ على واشنطن للتحرك. أما بالنسبة لقمة الناتو المرتقبة الأسبوع المقبل، فيبدو أن جدول أعمالها يركز بشكل أكبر على روسيا وميزانيات الدفاع. أما الموضوع الإيراني فلم يتم ذكره. هذا أمرٌ صادم. كان ينبغي أن يكون آخر لقاءٍ لأوروبا مع تسليح موسكو للطاقة بمثابة جرس إنذار. لقد استهدفت الهجمات الإلكترونية وعمليات التخريب محطات الغاز الطبيعي المسال، وخطوط الأنابيب البحرية، والبنية التحتية الحيوية، كما ودمرت الإنتاج الصناعي، وكلّفت أوروبا مئات المليارات من الجنيهات الإسترلينية. ومع ذلك، لا تزال استراتيجية الناتو في مجال الطاقة ضعيفة، ومفرطة في ردود الفعل، ومبنية على سيناريوهات سطحية بدلاً من دفاعات معززة.". ورأت الصحيفة أن "لهذه النقطة الاستراتيجية العمياء عواقب وخيمة، فكل ما على إيران فعله هو زرع الشك، حينها ستتراجع الأسواق وسترتفع أسعار النفط بشدة، وستستفيد روسيا، حليفة طهران المقربة، من هذه المكاسب، وستضاعف جهودها في أوكرانيا بأموال جديدة. ورغم أن حماس وحزب الله ربما أصبحا الآن قوات مستنفدة من وجهة نظر طهران، فإن إيران لا تزال لديها ثعالب في الميدان، وخاصة في أفريقيا، حيث تظل جبهة البوليساريو شريكاً مفيداً. لهذه الأسباب، لا يستطيع حلف الناتو أن يتحمل مسؤولية إلقاء اللوم على الأميركيين ، ويغرق في أزمة طاقة أخرى، فالتكاليف الاقتصادية والسياسية باهظة للغاية". وبحسب الصحيفة، "المطلوب هو عقيدة طاقة أكثر صرامة، ويكمن الحل الطويل الأمد في مصادر الطاقة المتجددة. في الواقع، يجب على الغرب أن ينطلق بسرعة، لا أن يتعثر، نحو الطاقة النظيفة. ولكن على المدى القصير، يتعين علينا تأمين تدفقات طاقة موثوقة من شركاء أكثر موثوقية في شمال أفريقيا وأميركا الشمالية، وهذا يعني أيضًا الاستثمار بكثافة في البنية التحتية للدفاع عن الطاقة ذات الاستخدام المزدوج. وتقع موانئ الغاز الطبيعي المسال، مثل تلك الموجودة في سفينويتشي وكلايبيدا على بحر البلطيق، على خطوط الصدع للهجوم الهجين المحتمل التالي. ولابد من حماية هذه المواقع بوسائل الأمن السيبراني والتحصينات العسكرية، خاصة وأن طرق الطاقة أصبحت أهدافاً رئيسية في الصراعات المستقبلية". وتابعت الصحيفة، "يجب على الناتو أيضًا أن يرسم خطًا أحمر جديدًا. ثورة تشريعية، لا أقل من ذلك، أي تشريع مادة خامسة جديدة متعلقة بالطاقة: إذا تعرضت البنية التحتية للطاقة لأحد الحلفاء للتخريب، فيجب أن يُطلق ذلك ردًا جماعيًا من الناتو. وهذا من شأنه أن يشير بوضوح إلى أن الابتزاز في مجال الطاقة لن يكون مقبولاً. بالطبع، يتطلب هذا أكثر من مجرد تصريحات نبيلة، فالإرادة السياسية شيء، ودفع ثمنها شيء آخر". وأضافت الصحيفة، "على الرغم من كل القلق الذي تثيره التهديدات بشأن مضيق هرمز، فإن منطقة الخليج ربما تمتلك الحل للمشكلة، إذ قد تصبح واحدة من أهم المستثمرين في الطاقة بالنسبة للغرب. في نهاية المطاف، دول الخليج، كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، غارقة في رؤوس الأموال، وهم يدركون أن النفط ينفد. ولذلك يضخون المليارات في مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية وتكنولوجيا الطاقة في كل أنحاء الغرب. لقد حصلت الولايات المتحدة بالفعل على أكثر من تريليوني دولار من الاستثمارات الخليجية، فلماذا هذا التباطؤ في أماكن أخرى؟ ينبغي على حلف الناتو السعي وراء هذه الصفقات بالقدر عينه من الإلحاح". وختمت الصحيفة، "لا يمكن للغرب التأجيل حتى تأتي الأزمة التالية. فبمجرد أن تُظهر إيران للغرب كيف يُمكن للطاقة أن تُذلّ الإمبراطوريات، سيسعى كل نظام مارق إلى استغلال هذا الأمر".