logo
حسين السيد... شاعر الألف أغنية (1 - 3)

حسين السيد... شاعر الألف أغنية (1 - 3)

عبّر حسين، في قصائده المغناة، عن مشاعره في الحب والجمال والعاطفة الإنسانية، وعكس تجاربه السعيدة والحزينة، وأضاف كثيرًا إلى الشعر الغنائي بصوره وأخيلته وموسيقاه المختلفة، ورغم نجاح أعماله ظل بعيدًا عن مرايا النقد الأدبي، ولم يأخذ حقه كشاعر غنائي مجدد في شكل ومضمون الأغنية المصرية.
وقطع السيد رحلة طويلة مع الشعر الغنائي، وكتب في الحب والوطنية، وكان رائدًا لأغاني الأطفال، مثل «ذهب الليل» و«كان وإن» و«ماما زمانها جايه»، غناء ولحن الموسيقار محمد فوزي، و«حبيبة أمها» و«أكلك منين يا بطة» غناء المطربة صباح، وألحان الموسيقار فريد الأطرش.
مؤلف «اجري» يشهد أول ظهور لسيدة الشاشة فاتن حمامة
وكان أيضًا رائدًا لأغاني الأسرة، ومنها «ست الحبايب» و«الأخ» لحن الموسيقار محمد عبدالوهاب وغناء المطربة فايزة أحمد، وابتكر السيد أسلوبًا جديدًا في كتابة الديالوج الغنائي، ليتناغم مع السياق الدرامي لسيناريو الفيلم السينمائي، بدلًا من الحوار النثري، ومن أبرزها «حكيم عيون» و«حاقولك إيه» بين عبدالوهاب وراقية إبراهيم في فيلم «رصاصة في القلب».
ويعد استعراض «اللي يقدر على قلبي» من أشهر الاستعراضات الغنائية في تاريخ السينما المصرية، وكتبه السيد ضمن أحداث فيلم «عنبر» (1948)، سيناريو وإخراج أنور وجدي، ولحّن الاستعراض محمد عبدالوهاب، وشارك في الغناء المطربة ليلى مراد والفنانون إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعزيز عيد وإلياس مؤدب.
وتفرد حسين السيد في كتابة «القصة الشعرية»، ومنها «ساكن قصادي» غناء المطربة نجاة الصغيرة، و«فاتت جنبنا» غناء العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والأغنيتان من ألحان عبدالوهاب، كما لحن له الموسيقار رياض السنباطي «عاوز جواباتك» غناء المطربة نجاح سلام.
المارد العربي
وساهم السيد في مجال الأغنية الدينية، وكتب أغنية «إله الكون»، غناء ولحن رياض السنباطي، ومزج بين الديني والوطني في أغنية «الصبر والإيمان» لمحمد عبدالوهاب، بجانب أناشيد وطنية رائعة، منها «دقت ساعة العمل الثوري» غناء ولحن عبدالوهاب، و«المارد العربي» غناء ولحن فريد الأطرش.
ويعد الشاعر الراحل رائدًا في كتابة الأغنية الوطنية الجماعية، منها «صوت الجماهير»، لحن وغناء محمد عبدالوهاب مع نجوم الغناء عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايدة كامل وشادية وفايزة أحمد، وأغنية «الجيل الصاعد» لحن وغناء عبدالوهاب، وشارك في الغناء المطربة وردة الجزائرية وعبدالحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة.
شاعر الأجيال
ومهد السيد وشعراء جيله الطريق نحو المغامرة الإبداعية في عناصر الأغنية، وفتحوا آفاقا جديدة للتعبير الموسيقي أمام ملحنين بحجم الموسيقار محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد فوزي ومحمود الشريف، وبفضل إبداعهم تألق نجوم الغناء والطرب، وتسيدوا الساحة الغنائية سنوات طويلة، وأيضًا ساهموا في ظهور أجيال من شعراء الأغنية الموهوبين.
ويعد شاعرًا عابرًا للأجيال، وتحوّلت مؤلفاته إلى جزء أصيل من تراث الأغنية العربية المعاصرة، وشكلت مسارًا مغايرًا للشعر الغنائي التقليدي، وتجاوزت زمنها إلى المستقبل، ولا تزال حاضرة في وجدان عشاق الفن الأصيل، ويتفاعل معها مختلف الأعمار، لتنوعها وثراء معانيها، ويستعيد غناءها مطربون ومطربات من أجيال لاحقة، منهم المطربون مدحت صالح الذي غنى «مرسال الهوى»، وأنغام «بيع قلبك» و«قولي عملك إيه قلبي»، وماجدة الرومي «لا مش أنا اللي أبكي»، وكاظم الساهر «بفكر في اللي ناسيني» و«جبار».
ماجدة الرومي تستعيد غناء قصيدته «لا مش أنا اللي أبكي»
طريق النبوغ
وُلِد حسين السيد في 15 مارس 1916 بمدينة طنطا، لأب مصري يعمل في التجارة وأم من أصول تركية، وكان خاله شيخًا لإحدى تكايا الدراويش، وهناك استمع الصبي إلى المنشدين، فبدأ إحساسه بالموسيقى والشعر، واهتم بقراءة الكتب الأدبية، وظهرت موهبته في حفظ وإلقاء القصائد للشعراء القدامى والمحدثين، وبعد دراسته الابتدائية انتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة «الفرير» الفرنسية في حي الخرنفش، وتفوق على جميع زملائه في اللغة العربية، وتعلم العروض والأوزان الشعرية من معلمه الأستاذ مرجان، واهتم الأخير بدعم موهبة تلميذه النابه.
وفي تلك الأثناء تعرّض السيد لموقف صعب، وفوجئ برسوبه في مادة الإنشاء، رغم إجادته فيها، واعتقد بعض المعلمين أنه ليس كاتبها، وظنوا أنه اقتبسها من أحد الكتاب المتمرسين، ولا يمكن لمن في مثل عمره أن يكتب بهذا النضج والوعي بفنون السرد، وبعد تدخل أحد معارفه ومعلمه الأستاذ مرجان وافقت إدارة المدرسة على إعادة اختباره، ونجح في هذا الاختبار، وسط إعجاب ودهشة ممتحنيه، وأثنوا على نبوغه الأدبي، وتنبأوا له بمستقبل باهر.
الفن والتجارة
وحصل السيد على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة حاليًا) في عام 1937، وتطلع إلى تحقيق أحلامه في دنيا الإبداع، وأراد أن يلتحق بكلية الآداب لإشباع هوايته الأدبية، إلا أنه التحق بكلية التجارة، وفقًا لرغبة والده التاجر المسؤول ـ آنذاك ـ عن توريد المواد الغذائية للجيش والمستشفيات الحكومية، وبعد وفاة والده ترك الدراسة لإدارة تجارته، لأنه الولد الوحيد لأسرته والمسؤول عنها.
وفي تلك الفترة، كان يقضي وقت فراغه في القراءة والاستماع إلى الموسيقى والغناء وارتياد دور السينما والمسرح، وراودت التاجر الشاب فكرة دخول عالم التمثيل، وكان يتمتع بقدر كبير من الوسامة، لكنه ظل مُخلصًا للشعر، وبدأ أولى تجاربه في كتابة قصائد متنوعة بين الفصحى والعامية، واستشعر أن احتراف الفن نوع من الترف، ولا يتناسب مع حجم مسؤوليته تجاه أسرته، وارتضى أن يمارس إبداعه بروح الهواية، من دون أن يدري بما يخبئه له القدر.
يوم الامتحان
وحكى الشاعر الراحل قصة دخوله المجال الفني، عندما قرأ إعلانًا في الصحف يطلب وجوهًا جديدة للعمل ممثلين مع المطرب محمد عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد» وشاركته الطفلة ـ آنذاك ـ فاتن حمامة عن طريق الإعلان نفسه، ليشهد الشريط السينمائي أول ظهور لسيدة الشاشة العربية، ومولد شاعر غنائي موهوب.
وفي الموعد المحدّد وقف حسين السيد أمام لجنة الامتحان، وحاول السيطرة على رهبته أمام الموسيقار محمد عبدالوهاب والمخرج محمد كريم، والنجمين عبدالوارث عسر وسليمان نجيب، ولعبت المصادفة دورها في تغيير مساره من التمثيل إلى حلبة الشعر، وتورط في موقف درامي بالغ الإثارة، ونسي تمامًا أنه كان متقدمًا للعمل ممثلًا.
وفي تلك اللحظات، سمع حسين السيد حديثًا جانبيًا بين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والمخرج محمد كريم حول مشهد في الفيلم يحتاج إلى أغنية، وأنهما يبحثان عن شاعر يكتب للمشهد أغنية مناسبة، وبعد خروجه من غرفة لجنة الامتحان، استوقف عبدالوهاب، وعرض عليه كتابة الأغنية، لكنه رفض في البداية، وبعدها وافق على طلبه وشرح له موقف الأغنية في الفيلم.
الابن الوحيد يتولى إدارة تجارة والده بعد رحيله المفاجئ
وفي اليوم التالي، ذهب السيد إلى مكتب عبدالوهاب، وقرأ له أغنية «اجري اجري» وأعجب الملحن الشهير بكلماتها، وأعاد سماعها أكثر من مرة، لأنها تعبّر بصدق عن الموقف والمشهد المطلوب، وطلب منه أن يصرف النظر عن التمثيل، ويركز على تأليف الأغاني، ورفض الشاعر الشاب أن يتقاضى أجرًا عن الأغنية، ونسي أحلامه في النجومية.
وكانت أغنية «اجري اجري» أول تعاون فني بينهما، وقام عبدالوهاب بتلحينها وغنائها في فيلم «يوم سعيد»، ويقول مطلعها: «اجري اجري اجري، وديني قوام وصلني، دا حبيب الروح مستني»، ونجح عاشق الفن في أول اختبار كشاعر غنائي، وانطلق في مسيرة طويلة مع ألحان موسيقار الأجيال وكبار الملحنين وألمع المطربين والمطربات في العالم العربي.
حقق الشاعر الراحل حسين السيد نجاحاً كبيراً، وأصبح من أبرز نجوم الشعر الغنائي، وعلى مدار مشواره الفني الذي استمر نحو 49 عاماً، تنوعت مؤلفاته بين أغنيات عاطفية ووطنية ودينية واسكتشات وأوبريتات غنائية، ورغم ثراء هذا الإبداع الفني، لم تجمعه يوماً أغنية واحدة مع أم كلثوم، وظل يغرد بعيدًا عن كوكب الشرق.
وبعد سنوات من رحيله، كشفت ابنة الشاعر الراحل الدكتورة حامدة حسين السيد أن الخوف والاعتزاز بالكلمة، كان أحد أهم الأسباب التي حالت دون تعاون والدها مع السيدة أم كلثوم، وذكرت أن الموسيقار محمد عبدالوهاب كان دائماً يحذره من ميلها إلى تغيير كلمات في الأغنيات التي تُعرض عليها.
وأسرّ حسين السيد هذه الجملة في نفسه، وعندما جاءت فرصة التعاون مع أم كلثوم، وكانت ستتغنى يوماً بكلمات «في يوم وليلة» حدث ما سمع عنه، وطلبت منه تغيير بعض الكلمات، إلا أنه رفض بشدة لاعتزازه بكلماته التي لا تقبل التغيير من أي شخص حتى لو كانت كوكب الشرق، وذهبت الأغنية للفنانة وردة الجزائرية ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب.
أسباب أخرى كشفتها ابنة الشاعر الراحل بقولها إن تعاون والدها مع عبدالوهاب لم يمنعه من أن يكتب لملحنين آخرين، منهم رياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وسيد مكاوي ومنير مراد، وأم كلثوم لم يكتب له أن يعمل معها، لأنه في ذلك الوقت كان مجتمع الغناء مقسماً إلى معسكرين، معسكر الست أم كلثوم، ومعسكر محمد عبدالوهاب، وكانت هناك منافسة قوية بينهما، قبل أن يلحن لها عبدالوهاب أغنية «انت عمري» في عام 1964، ووقتها سُمي بـ«لقاء السحاب».
وتابعت: «لكن بعد أن وافقت أن يلحن لها عبدالوهاب، لم تكن تريد أن تأخذ عبدالوهاب والمؤلف بتاعه، وقالوا لعبدالوهاب ذات مرة إن حسين السيد (المؤلف الملاكي بتاعك)، فرد عليهم قائلًا: (شرف لا أدعيه، وتهمه لا أنفيها)، ولمّا تتعامل مع الاثنين معاً تكون قد أخذت المعسكر كله... وهناك ناس كثر كتبوا للست أم كلثوم، وكانت أغنية (شكل تاني) لنجاة الصغيرة قد أعجبت بها، ولكنها قالت إنها قصيرة، وطلبت زيادة كوبليه، ولكن الخبر وصل للصحافة، وكتبوا أن كوكب الشرق ستأخذ أغنية من نجاة، ومنعها ظهور الخبر بهذه الطريقة من غناء تلك الأغنية، وفي إحدى الأغنيات طلبت منه تغيير كلمات كثيرة، وكان غير مقتنع بها، فلم يتفقا على العمل معاً».
لعبت المصادفة دورها في حياة الشاعر الراحل حسين السيد، وبدأت في عام 1939 بلقائه مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وكتابة أغنية «اجري اجري» ولحنها وغناها عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد»، وبعدها امتد التعاون الفني بينهما حوالي 40 عاماً، ويعد «السيد وعبدالوهاب» من أشهر الثنائيات في تاريخ الأغنية المصرية.
وبعد مرور 38 عاماً على رحيل شاعر الألف الأغنية، كشف الناقد الفني أيمن الحكيم، في مقابلة تلفزيونية، عن قصيدة نادرة كتبها الشاعر حسين السيد مهداة إلى صديقه ورفيق رحلته الفنية الموسيقار محمد عبدالوهاب في عيد ميلاده عام 1983، وتحتفظ بها ابنته الدكتورة حامدة حسين السيد، ضمن مخطوطات أخرى للشاعر الراحل.
والمفارقة أن «السيد وعبدالوهاب» من مواليد شهر مارس، وجمعت بينهما توأمة فنية وحياتية، واعتاد السيد أن يعرض على عبدالوهاب قصائده قبل أي ملحن آخر، وتحوّل تعاونهما إلى مكتبة موسيقية وغنائية متكاملة، سواء بصوت موسيقار الأجيال أو مطربين ومطربات آخرين.
وكتب شاعر الألف أغنية تلك القصيدة في نفس عام رحيله، كأنه يودع بها صديق عمره ومشواره الفني، وتقول كلماتها: «أعظم هدية من القدر، فنان في وجدان البشر، بيواسي عشاق القمر، ويصالح النجوم ع السهر، ويدوِّب القلب الحجر، من طرف ريشة فوق الوتر، سبحان الوهاب يا عبدالوهاب، ياللي يوم ميلادك، لحن غناه القدر».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حسين السيد... شاعر الألف أغنية (2 - 3)
حسين السيد... شاعر الألف أغنية (2 - 3)

الجريدة

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • الجريدة

حسين السيد... شاعر الألف أغنية (2 - 3)

كتب الشاعر حسين السيد معظم أغاني الموسيقار محمد عبدالوهاب، وبلغت حوالي 140 أغنية، بجانب أعمالهما مع نجوم الغناء العربي، وتردد أن السيد «الشاعر الملاكي لعبدالوهاب» وكان يغضبه هذا اللقب كثيراً، لأنه تعاون مع ملحنين آخرين، لكن التناغم بينهما تحوّل إلى توأمة فنية، وعلق عبدالوهاب على ذلك قائلا: «هذا شرف لا أدعيه وتهمة لا أنفيها»، وأضاف واصفاً رفيق دربه الفني: «حسين السيد له أذن تغني وهو يكتب». وتنوعت تجربة السيد وعبدالوهاب، وبعد لقائهما الأول في أغنية واحدة بفيلم «يوم سعيد» عام 1940 للمخرج محمد كريم، استمر التعاون بين «الثلاثي» وكتب السيد جميع أغاني فيلم «ممنوع الحب» (1942)، عدا أغنية «ردي عليّا» للشاعر مأمون الشناوي، وفي «رصاصة في القلب» (1944)، قدم «حكيم عيون» وغناها عبدالوهاب مع راقية إبراهيم، و«أحبه مهما أشوف منه» و«حاقولك إيه» و«يا جلاس»، وكتب جميع أغاني فيلم «لست ملاكًا» (1946)، عدا قصيدة «الخطايا» للشاعر كامل الشناوي. .related-article-inside-body{min-width: 300px;float: right;padding: 10px 0px 20px 20px;margin-top: 20px;} . .related-article-inside-body .widgetTitle{margin-bottom: 15px;} .related-article-inside-body .widgetTitle .title{font-size: 16px;} .related-article-inside-body .flexDiv{display:flex;align-items:flex-start;justify-content:space-between;} .related-article-inside-body .flexDiv .articleBox{position: relative;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:31%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:48%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:300px} .related-article-inside-body .layout-ratio{ padding-bottom: 60%;} .related-article-inside-body .layout-ratio img{ height: 100%;} .related-article-inside-body 700;font-size: 17px;line-height: 25px;padding: 10px 0px;display: block;text-decoration: none;color: #000;} .related-article-inside-body .date{font-weight: 400;font-size: 13px;line-height: 18px;color: #9E9E9E;} .related-article-inside-body .defaultView{margin-top: 20px;width: 100%;text-align: center;min-height: 250px;background-color: #D8D8D8;color: #919191;font-size: 18px;font-weight: 800;line-height: 250px;} @media screen and (max-width: 992px) { .related-article-inside-body{width: 100%;float: none;padding: 10px 0px;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body 14px;line-height: 22px;} .related-article-inside-body .date{font-size: 12px;} } @media screen and (max-width: 768px) { .related-article-inside-body .flexDiv{flex-direction: column;} .related-article-inside-body .flexDiv .articleBox{margin-bottom:20px;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} } شارك في التمثيل مع فريد الأطرش في «رسالة من امرأة مجهولة» وانفرد السيد وعبدالوهاب بكتابة وتلحين أغاني فيلم «غزل البنات» (1949)، بطولة وإخراج أنور وجدي، وغنت المطربة ليلى مراد «أبجد هوز» و«اتمختري يا خيل»، و«الدنيا غنوة»، و«الحب جميل»، و«ماليش أمل»، و«عيني بترف»، بمشاركة الفنان نجيب الريحاني، وظهر عبدالوهاب بشخصه في هذا الشريط السينمائي، وغنى «عاشق الروح» وتعد الأخيرة من روائع الأغاني المصرية. واستمر التعاون بين السيد وعبدالوهاب بعيدًا عن شاشة السينما، وقدما عددًا كبيرًا من الأغاني الرومانسية والوطنية منها «قل لي عمل لك إيه قلبي»، و«بافكر في اللي ناسيني»، و«خي»، و«فين طريقك»، و«لا مش أنا اللي أبكي»، و«ساعة المجد»، و«الجيل الصاعد»، و«دقت ساعة العمل»، و«صوت الجماهير»، و«ساعة مابشوفك جنبي»، والأخيرة غنتها أيضًا المطربة نجاة الصغيرة. وتخلل مشوار حسين السيد وموسيقار الأجيال الكثير من المواقف الطريفة والذكريات، وكان لكل أغنية قصة لا تشبه الأخرى، وتعمقت التوأمة الفنية بينهما، ودائمًا ما كانت تدور نقاشاتهما حول فكرة لأغنية جديدة، وخاطرة موسيقية تفضي إلى لحن متوهج، وأدى هذا التناغم إلى موجات متلاحقة من الثراء والتنوع الفني، ويكفي موقف حياتي عابر أن ينتهي بجلسة فنية بين الشاعر والموسيقار. وحكى الشاعر حسين السيد موقفًا طريفًا مع عبدالوهاب، إذ إنهما ذات يوم كانا في طريقهما إلى الاستوديو، وأراد السيد أن يمر على مقاول يتولى بناء عمارته، وهناك حدثت مشادة بينهما، لتأخُّر المقاول في بدء العمل، وحين عاد إلى السيارة، قال لعبدالوهاب «توبة أبني بيت مرة ثانية»، فقال له الموسيقار «توبة مطلع أغنية جميلة»، وبعدها كتب السيد أغنية «توبة» وغناها عبدالحليم حافظ. التقى الشاعر حسين السيد المطربة ليلى مراد في باقة من أجمل أغانيها، منها «الشاغل هو المشغول»، و«اللي يقدر على قلبي» ألحان عبدالوهاب، و«حبيب الروح»، و«إحنا الاثنين» من ألحان رياض السنباطي، و«يا سارق من عيني النوم» لحن عزت الجاهلي، و«كلمني يا قمر» لحن أحمد صدقي، و«أمانة تنسى يوم» لحن محمود الشريف. وكتب السيد لأغلب مطربي ومطربات جيله، منهم الشحرورة صباح، وغنت له «أكلك منين يا بطة» و«حبيبة أمها» لحن فريد الأطرش، و«ب فتحة باء» و«سلّمولي على مصر» لحن محمد الموجي، و«من سحر عيونك» و«الأهلي والزمالك» لحن محمد عبدالوهاب، والأغنية الأخيرة كتبها لمحاربة التعصب الرياضي. والتقى الشاعر حسين السيد المطربة وردة الجزائرية، وغنت من كلماته «بقولك حاجة» ألحان رياض السنباطي، و«أهلًا يا حب» و«يا قلبي يا عصفور» ألحان محمد الموجي، و«في يوم وليلة»، وشاركت وردة في الأغنية الوطنية «الجيل الصاعد» مع عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد، ألحان محمد عبدالوهاب. وكتب السيد العديد من الأغاني للمطربة شادية، منها «فارس أحلامي»، و«خمسة في ستة بثلاثين يوم»، و«فوت يا حبيبي وسلم»، ودويتو «حاجة غريبة» مع عبدالحليم حافظ، و«إيرما لادوس» من ألحان منير مراد، و«أنا عندي مشكلة» لحن بليغ حمدي، و«تلات شهور ويومين اتنين» لحن رياض السنباطي، و«بسبوسة» لحن محمد عبدالوهاب، و«مين قالك تسكن في حارتنا» لحن محمد الموجي. «عيني بترف» تكشف موهبة نجيب الريحاني في الغناء مع ليلى مراد كتب الشاعر الراحل حسين السيد العديد من الأغاني ذات الطابع الاجتماعي، ومن أبرزها الأغنية الأيقونية «ست الحبايب» لحن وغناء الموسيقار محمد عبدالوهاب، وغنتها أيضًا المطربة فايزة أحمد، وترددت روايات مختلفة عن مولد تلك الأغنية، الأولى نشرتها مجلة «الكواكب» في مايو 1958 ورصدت كواليس تسجيلها في الإذاعة المصرية. وذكرت «الكواكب» أن الناشطة النسائية زينات الجداوي، تولت لجنة تنظيم احتفالية عيد الأم، واقترحت على المسؤولين في الإذاعة إعداد أغنية خاصة بهذا العيد ضمن البرنامج الذي تعدّه لهذه المناسبة، واتصلت بالموسيقار محمد عبدالوهاب، وبدوره كلّف الشاعر حسين السيد بوضع الكلمات، وعندما سمع مطلعها، وشرع في تلحينها، قال إن أصلح صوت يؤدي هذه الأغنية هو صوت فايزة أحمد. «الأهلي والزمالك» تواجه التعصب الرياضي بصوت الشحرورة وعلى الفور، اتصل حسين السيد بالموسيقار محمد عبدالوهاب وروى له القصة، وقرأ عليه الكلمات واكتشف بعد الانتهاء من قراءتها أن عبدالوهاب سجلها في ورقة عنده، ووعده الأخير بتلحينها ليفاجأ السيد في اليوم التالي هو ووالدته بالأغنية تذاع في الإذاعة المصرية وبصوت فايزة أحمد، فقال له عبدالوهاب إنه أعجب بالكلمات ولحنها في 15 دقيقة، واتصل بفايزة أحمد ودعاها على الفور للتدرُّب على اللحن. ورغم التشابه في بعض تفاصيل الروايتين، فإن ابنة الشاعر الراحل الدكتورة حامدة حسين السيد، أكدت أن القصة الحقيقية لأغنية «ست الحبايب» بدأت عندما فكر الصحافيان مصطفى أمين وعلي أمين في عيد للأم، وعرضا الفكرة على وزير الثقافة وقتذاك ثروت عكاشة، ووافق على فكرة وجود عيد للأم، لكنه اشترط أن يرافقها أغنية للأم، كتبها حسين السيد ولحنها عبدالوهاب خلال 48 ساعة.

حسين السيد... شاعر الألف أغنية (1 - 3)
حسين السيد... شاعر الألف أغنية (1 - 3)

الجريدة

time١٥-٠٣-٢٠٢٥

  • الجريدة

حسين السيد... شاعر الألف أغنية (1 - 3)

عبّر حسين، في قصائده المغناة، عن مشاعره في الحب والجمال والعاطفة الإنسانية، وعكس تجاربه السعيدة والحزينة، وأضاف كثيرًا إلى الشعر الغنائي بصوره وأخيلته وموسيقاه المختلفة، ورغم نجاح أعماله ظل بعيدًا عن مرايا النقد الأدبي، ولم يأخذ حقه كشاعر غنائي مجدد في شكل ومضمون الأغنية المصرية. وقطع السيد رحلة طويلة مع الشعر الغنائي، وكتب في الحب والوطنية، وكان رائدًا لأغاني الأطفال، مثل «ذهب الليل» و«كان وإن» و«ماما زمانها جايه»، غناء ولحن الموسيقار محمد فوزي، و«حبيبة أمها» و«أكلك منين يا بطة» غناء المطربة صباح، وألحان الموسيقار فريد الأطرش. مؤلف «اجري» يشهد أول ظهور لسيدة الشاشة فاتن حمامة وكان أيضًا رائدًا لأغاني الأسرة، ومنها «ست الحبايب» و«الأخ» لحن الموسيقار محمد عبدالوهاب وغناء المطربة فايزة أحمد، وابتكر السيد أسلوبًا جديدًا في كتابة الديالوج الغنائي، ليتناغم مع السياق الدرامي لسيناريو الفيلم السينمائي، بدلًا من الحوار النثري، ومن أبرزها «حكيم عيون» و«حاقولك إيه» بين عبدالوهاب وراقية إبراهيم في فيلم «رصاصة في القلب». ويعد استعراض «اللي يقدر على قلبي» من أشهر الاستعراضات الغنائية في تاريخ السينما المصرية، وكتبه السيد ضمن أحداث فيلم «عنبر» (1948)، سيناريو وإخراج أنور وجدي، ولحّن الاستعراض محمد عبدالوهاب، وشارك في الغناء المطربة ليلى مراد والفنانون إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وعزيز عيد وإلياس مؤدب. وتفرد حسين السيد في كتابة «القصة الشعرية»، ومنها «ساكن قصادي» غناء المطربة نجاة الصغيرة، و«فاتت جنبنا» غناء العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والأغنيتان من ألحان عبدالوهاب، كما لحن له الموسيقار رياض السنباطي «عاوز جواباتك» غناء المطربة نجاح سلام. المارد العربي وساهم السيد في مجال الأغنية الدينية، وكتب أغنية «إله الكون»، غناء ولحن رياض السنباطي، ومزج بين الديني والوطني في أغنية «الصبر والإيمان» لمحمد عبدالوهاب، بجانب أناشيد وطنية رائعة، منها «دقت ساعة العمل الثوري» غناء ولحن عبدالوهاب، و«المارد العربي» غناء ولحن فريد الأطرش. ويعد الشاعر الراحل رائدًا في كتابة الأغنية الوطنية الجماعية، منها «صوت الجماهير»، لحن وغناء محمد عبدالوهاب مع نجوم الغناء عبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وفايدة كامل وشادية وفايزة أحمد، وأغنية «الجيل الصاعد» لحن وغناء عبدالوهاب، وشارك في الغناء المطربة وردة الجزائرية وعبدالحليم حافظ وشادية وفايزة أحمد ونجاة الصغيرة. شاعر الأجيال ومهد السيد وشعراء جيله الطريق نحو المغامرة الإبداعية في عناصر الأغنية، وفتحوا آفاقا جديدة للتعبير الموسيقي أمام ملحنين بحجم الموسيقار محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد فوزي ومحمود الشريف، وبفضل إبداعهم تألق نجوم الغناء والطرب، وتسيدوا الساحة الغنائية سنوات طويلة، وأيضًا ساهموا في ظهور أجيال من شعراء الأغنية الموهوبين. ويعد شاعرًا عابرًا للأجيال، وتحوّلت مؤلفاته إلى جزء أصيل من تراث الأغنية العربية المعاصرة، وشكلت مسارًا مغايرًا للشعر الغنائي التقليدي، وتجاوزت زمنها إلى المستقبل، ولا تزال حاضرة في وجدان عشاق الفن الأصيل، ويتفاعل معها مختلف الأعمار، لتنوعها وثراء معانيها، ويستعيد غناءها مطربون ومطربات من أجيال لاحقة، منهم المطربون مدحت صالح الذي غنى «مرسال الهوى»، وأنغام «بيع قلبك» و«قولي عملك إيه قلبي»، وماجدة الرومي «لا مش أنا اللي أبكي»، وكاظم الساهر «بفكر في اللي ناسيني» و«جبار». ماجدة الرومي تستعيد غناء قصيدته «لا مش أنا اللي أبكي» طريق النبوغ وُلِد حسين السيد في 15 مارس 1916 بمدينة طنطا، لأب مصري يعمل في التجارة وأم من أصول تركية، وكان خاله شيخًا لإحدى تكايا الدراويش، وهناك استمع الصبي إلى المنشدين، فبدأ إحساسه بالموسيقى والشعر، واهتم بقراءة الكتب الأدبية، وظهرت موهبته في حفظ وإلقاء القصائد للشعراء القدامى والمحدثين، وبعد دراسته الابتدائية انتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة «الفرير» الفرنسية في حي الخرنفش، وتفوق على جميع زملائه في اللغة العربية، وتعلم العروض والأوزان الشعرية من معلمه الأستاذ مرجان، واهتم الأخير بدعم موهبة تلميذه النابه. وفي تلك الأثناء تعرّض السيد لموقف صعب، وفوجئ برسوبه في مادة الإنشاء، رغم إجادته فيها، واعتقد بعض المعلمين أنه ليس كاتبها، وظنوا أنه اقتبسها من أحد الكتاب المتمرسين، ولا يمكن لمن في مثل عمره أن يكتب بهذا النضج والوعي بفنون السرد، وبعد تدخل أحد معارفه ومعلمه الأستاذ مرجان وافقت إدارة المدرسة على إعادة اختباره، ونجح في هذا الاختبار، وسط إعجاب ودهشة ممتحنيه، وأثنوا على نبوغه الأدبي، وتنبأوا له بمستقبل باهر. الفن والتجارة وحصل السيد على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة حاليًا) في عام 1937، وتطلع إلى تحقيق أحلامه في دنيا الإبداع، وأراد أن يلتحق بكلية الآداب لإشباع هوايته الأدبية، إلا أنه التحق بكلية التجارة، وفقًا لرغبة والده التاجر المسؤول ـ آنذاك ـ عن توريد المواد الغذائية للجيش والمستشفيات الحكومية، وبعد وفاة والده ترك الدراسة لإدارة تجارته، لأنه الولد الوحيد لأسرته والمسؤول عنها. وفي تلك الفترة، كان يقضي وقت فراغه في القراءة والاستماع إلى الموسيقى والغناء وارتياد دور السينما والمسرح، وراودت التاجر الشاب فكرة دخول عالم التمثيل، وكان يتمتع بقدر كبير من الوسامة، لكنه ظل مُخلصًا للشعر، وبدأ أولى تجاربه في كتابة قصائد متنوعة بين الفصحى والعامية، واستشعر أن احتراف الفن نوع من الترف، ولا يتناسب مع حجم مسؤوليته تجاه أسرته، وارتضى أن يمارس إبداعه بروح الهواية، من دون أن يدري بما يخبئه له القدر. يوم الامتحان وحكى الشاعر الراحل قصة دخوله المجال الفني، عندما قرأ إعلانًا في الصحف يطلب وجوهًا جديدة للعمل ممثلين مع المطرب محمد عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد» وشاركته الطفلة ـ آنذاك ـ فاتن حمامة عن طريق الإعلان نفسه، ليشهد الشريط السينمائي أول ظهور لسيدة الشاشة العربية، ومولد شاعر غنائي موهوب. وفي الموعد المحدّد وقف حسين السيد أمام لجنة الامتحان، وحاول السيطرة على رهبته أمام الموسيقار محمد عبدالوهاب والمخرج محمد كريم، والنجمين عبدالوارث عسر وسليمان نجيب، ولعبت المصادفة دورها في تغيير مساره من التمثيل إلى حلبة الشعر، وتورط في موقف درامي بالغ الإثارة، ونسي تمامًا أنه كان متقدمًا للعمل ممثلًا. وفي تلك اللحظات، سمع حسين السيد حديثًا جانبيًا بين موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب والمخرج محمد كريم حول مشهد في الفيلم يحتاج إلى أغنية، وأنهما يبحثان عن شاعر يكتب للمشهد أغنية مناسبة، وبعد خروجه من غرفة لجنة الامتحان، استوقف عبدالوهاب، وعرض عليه كتابة الأغنية، لكنه رفض في البداية، وبعدها وافق على طلبه وشرح له موقف الأغنية في الفيلم. الابن الوحيد يتولى إدارة تجارة والده بعد رحيله المفاجئ وفي اليوم التالي، ذهب السيد إلى مكتب عبدالوهاب، وقرأ له أغنية «اجري اجري» وأعجب الملحن الشهير بكلماتها، وأعاد سماعها أكثر من مرة، لأنها تعبّر بصدق عن الموقف والمشهد المطلوب، وطلب منه أن يصرف النظر عن التمثيل، ويركز على تأليف الأغاني، ورفض الشاعر الشاب أن يتقاضى أجرًا عن الأغنية، ونسي أحلامه في النجومية. وكانت أغنية «اجري اجري» أول تعاون فني بينهما، وقام عبدالوهاب بتلحينها وغنائها في فيلم «يوم سعيد»، ويقول مطلعها: «اجري اجري اجري، وديني قوام وصلني، دا حبيب الروح مستني»، ونجح عاشق الفن في أول اختبار كشاعر غنائي، وانطلق في مسيرة طويلة مع ألحان موسيقار الأجيال وكبار الملحنين وألمع المطربين والمطربات في العالم العربي. حقق الشاعر الراحل حسين السيد نجاحاً كبيراً، وأصبح من أبرز نجوم الشعر الغنائي، وعلى مدار مشواره الفني الذي استمر نحو 49 عاماً، تنوعت مؤلفاته بين أغنيات عاطفية ووطنية ودينية واسكتشات وأوبريتات غنائية، ورغم ثراء هذا الإبداع الفني، لم تجمعه يوماً أغنية واحدة مع أم كلثوم، وظل يغرد بعيدًا عن كوكب الشرق. وبعد سنوات من رحيله، كشفت ابنة الشاعر الراحل الدكتورة حامدة حسين السيد أن الخوف والاعتزاز بالكلمة، كان أحد أهم الأسباب التي حالت دون تعاون والدها مع السيدة أم كلثوم، وذكرت أن الموسيقار محمد عبدالوهاب كان دائماً يحذره من ميلها إلى تغيير كلمات في الأغنيات التي تُعرض عليها. وأسرّ حسين السيد هذه الجملة في نفسه، وعندما جاءت فرصة التعاون مع أم كلثوم، وكانت ستتغنى يوماً بكلمات «في يوم وليلة» حدث ما سمع عنه، وطلبت منه تغيير بعض الكلمات، إلا أنه رفض بشدة لاعتزازه بكلماته التي لا تقبل التغيير من أي شخص حتى لو كانت كوكب الشرق، وذهبت الأغنية للفنانة وردة الجزائرية ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب. أسباب أخرى كشفتها ابنة الشاعر الراحل بقولها إن تعاون والدها مع عبدالوهاب لم يمنعه من أن يكتب لملحنين آخرين، منهم رياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وسيد مكاوي ومنير مراد، وأم كلثوم لم يكتب له أن يعمل معها، لأنه في ذلك الوقت كان مجتمع الغناء مقسماً إلى معسكرين، معسكر الست أم كلثوم، ومعسكر محمد عبدالوهاب، وكانت هناك منافسة قوية بينهما، قبل أن يلحن لها عبدالوهاب أغنية «انت عمري» في عام 1964، ووقتها سُمي بـ«لقاء السحاب». وتابعت: «لكن بعد أن وافقت أن يلحن لها عبدالوهاب، لم تكن تريد أن تأخذ عبدالوهاب والمؤلف بتاعه، وقالوا لعبدالوهاب ذات مرة إن حسين السيد (المؤلف الملاكي بتاعك)، فرد عليهم قائلًا: (شرف لا أدعيه، وتهمه لا أنفيها)، ولمّا تتعامل مع الاثنين معاً تكون قد أخذت المعسكر كله... وهناك ناس كثر كتبوا للست أم كلثوم، وكانت أغنية (شكل تاني) لنجاة الصغيرة قد أعجبت بها، ولكنها قالت إنها قصيرة، وطلبت زيادة كوبليه، ولكن الخبر وصل للصحافة، وكتبوا أن كوكب الشرق ستأخذ أغنية من نجاة، ومنعها ظهور الخبر بهذه الطريقة من غناء تلك الأغنية، وفي إحدى الأغنيات طلبت منه تغيير كلمات كثيرة، وكان غير مقتنع بها، فلم يتفقا على العمل معاً». لعبت المصادفة دورها في حياة الشاعر الراحل حسين السيد، وبدأت في عام 1939 بلقائه مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وكتابة أغنية «اجري اجري» ولحنها وغناها عبدالوهاب في فيلم «يوم سعيد»، وبعدها امتد التعاون الفني بينهما حوالي 40 عاماً، ويعد «السيد وعبدالوهاب» من أشهر الثنائيات في تاريخ الأغنية المصرية. وبعد مرور 38 عاماً على رحيل شاعر الألف الأغنية، كشف الناقد الفني أيمن الحكيم، في مقابلة تلفزيونية، عن قصيدة نادرة كتبها الشاعر حسين السيد مهداة إلى صديقه ورفيق رحلته الفنية الموسيقار محمد عبدالوهاب في عيد ميلاده عام 1983، وتحتفظ بها ابنته الدكتورة حامدة حسين السيد، ضمن مخطوطات أخرى للشاعر الراحل. والمفارقة أن «السيد وعبدالوهاب» من مواليد شهر مارس، وجمعت بينهما توأمة فنية وحياتية، واعتاد السيد أن يعرض على عبدالوهاب قصائده قبل أي ملحن آخر، وتحوّل تعاونهما إلى مكتبة موسيقية وغنائية متكاملة، سواء بصوت موسيقار الأجيال أو مطربين ومطربات آخرين. وكتب شاعر الألف أغنية تلك القصيدة في نفس عام رحيله، كأنه يودع بها صديق عمره ومشواره الفني، وتقول كلماتها: «أعظم هدية من القدر، فنان في وجدان البشر، بيواسي عشاق القمر، ويصالح النجوم ع السهر، ويدوِّب القلب الحجر، من طرف ريشة فوق الوتر، سبحان الوهاب يا عبدالوهاب، ياللي يوم ميلادك، لحن غناه القدر».

محمد الموجي... موسيقار «كامل الأوصاف» (2 - 2)
محمد الموجي... موسيقار «كامل الأوصاف» (2 - 2)

الجريدة

time٠٦-٠٣-٢٠٢٥

  • الجريدة

محمد الموجي... موسيقار «كامل الأوصاف» (2 - 2)

أحدثت ثورة يوليو 1952 تغيرًا كبيرًا في المجتمع المصري وساحة الفن والإبداع، وفي ذلك الوقت انشغل الموسيقار محمد عبدالوهاب بالتلحين، وأصبح مقلاً في الغناء، واستغرق رياض السنباطي في تلحين الأغنيات الرومانسية لأم كلثوم، وتوقف زكريا أحمد عن التلحين لكوكب الشرق، بعد خلافه معها، واعتزل محمد القصبجي التلحين، واكتفى بظهوره كعازف للعود في فرقة «السِّت». وباتت الساحة مهيأة لظهور فرسان جُدد في الساحة الغنائية، وكان الموجي وكمال الطويل وعبدالحليم حافظ من المؤيدين للثورة، واندفع الفرسان الثلاثة في طريق التجديد، والتحرُّر من القوالب التقليدية في التلحين والغناء، وتوفرت لديهم موضوعات جديدة يغلب عليها الطابع الوطني. طالب مدرسة الزراعة يعزف على عود رياض السنباطي .related-article-inside-body{min-width: 300px;float: right;padding: 10px 0px 20px 20px;margin-top: 20px;} . .related-article-inside-body .widgetTitle{margin-bottom: 15px;} .related-article-inside-body .widgetTitle .title{font-size: 16px;} .related-article-inside-body .flexDiv{display:flex;align-items:flex-start;justify-content:space-between;} .related-article-inside-body .flexDiv .articleBox{position: relative;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:31%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:48%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:300px} .related-article-inside-body .layout-ratio{ padding-bottom: 60%;} .related-article-inside-body .layout-ratio img{ height: 100%;} .related-article-inside-body 700;font-size: 17px;line-height: 25px;padding: 10px 0px;display: block;text-decoration: none;color: #000;} .related-article-inside-body .date{font-weight: 400;font-size: 13px;line-height: 18px;color: #9E9E9E;} .related-article-inside-body .defaultView{margin-top: 20px;width: 100%;text-align: center;min-height: 250px;background-color: #D8D8D8;color: #919191;font-size: 18px;font-weight: 800;line-height: 250px;} @media screen and (max-width: 992px) { .related-article-inside-body{width: 100%;float: none;padding: 10px 0px;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body 14px;line-height: 22px;} .related-article-inside-body .date{font-size: 12px;} } @media screen and (max-width: 768px) { .related-article-inside-body .flexDiv{flex-direction: column;} .related-article-inside-body .flexDiv .articleBox{margin-bottom:20px;} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} .related-article-inside-body . .articleBox{width:100%} } نشيد الجلاء انتبهت أم كلثوم إلى نجاح هؤلاء الشباب، وأرادت أن تواكب التغيير، واستطاع محمد الموجي وكمال الطويل، اختراق دائرة الملحنين الحصريين لكوكب الشرق، التي بدأت بالشيخ أبوالعلا محمد، ثم محمد القصبجي، ورياض السنباطي، وزكريا أحمد، بينما تأخر لقاؤها بألحان محمد عبدالوهاب سنوات طويلة، لشدة التنافس واختلاف وجهات النظر بينهما. وفي عام 1954 غنّت أم كلثوم من ألحان محمد الموجي أغنية وطنية هي «نشيد الجلاء»، كلمات الشاعر أحمد رامي، بمناسبة جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر، يقول مطلعها: «يا مصر إن الحق جاء، فاستقبلى فجر الرجاء، اليوم قد تم الجلاء، ونلتِ غايات المُنى». وكانت الأغنية نقلة كبيرة في مسيرة «صاحب الأنامل الذهبية»، ولمحمد الموجي صورة شهيرة يقف فيها مع أم كلثوم إلى جوار كل من الرئيس جمال عبدالناصر وأنور السادات، تدل على مدى قربه من قيادة الثورة، ولم يكن باستطاعة الملحن الشاب ذلك، لولا تقديم أم كلثوم له إلى القيادة المصرية. لحن «هويتك» يجمعه بالمطرب مصطفى أحمد والشاعر مبارك الحريبي وفي عام 1955، غنت أم كلثوم من ألحان الموجي، أغنيتين للشاعر طاهر أبوفاشا، هما «سألت عن الحب»، و«الرضا والنور»، وفي عام 1957 «محلاك يا مصري» كلمات صلاح جاهين، وتضمنت تحية للمرشدين المصريين أيام تأميم قناة السويس وأزمة انسحاب المرشدين الأجانب. وتتابعت ألحان محمد الموجي لأم كلثوم، بأغنيتين وطنيتين «بالسلام إحنا بدينا» (1960)، كلمات الشاعر بيرم التونسي، و«يا صوت بلدنا» (1964)، كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى، وفي العام ذاته شدت كوكب الشرق بأغنية «للصبر حدود» كلمات عبدالوهاب محمد، وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا في ذلك الوقت. «للصبر حدود» تدفع أم كلثوم لرفع دعوى قضائية ضد الملحن الشاب خلافات في المحاكم كادت «للصبر حدود» أن تنهي التعاون الفني بين الموجي وأم كلثوم، وتفاصيل تلك الأزمة رواها نجله الموجي الصغير، الذي أشار إلى أن الخلاف بينهما وصل إلى المحاكم، فذات يوم قالت أم كلثوم للموجي، إنها ستقدم وصلة عاطفية، وكانت هذه الوصلة أغنية «للصبر حدود»، وكتبت له عقدًا لمدة شهر تقريبًا، لينتهي من تلحين هذه الأغنية، لكنه كملحن لا يقدر على صناعة لحن في هذه المدة، فتأخر 6 أشهر، وكانت قد أعطته كلمات «دليلي احتار وحيرت قلبي»، و«ليلي ونهاري»، وعندما تأخر في تقديم لحن «للصبر حدود» بدأت تسحب منه أغنية تلو الأخرى وأعطتها لرياض السنباطي، ولم يتبقَّ معه سوى «للصبر حدود»، ولأنه لم ينته من تلحينها رفعت ضده دعوى قضائية. وفوجئ الموجي بالدعوى، ووقف أمام القاضي الذي قال له: «أم كلثوم أقامت دعوى ضدك بسبب عدم الانتهاء من لحن أغنية (للصبر حدود) وبينكما عقد»، فنظر الموجي للقاضي وقال: «أنا مذنب... احكم عليّ إذن بالتلحين بالإكراه، فقال القاضي: «اذهب إلى أم كلثوم وتفاهم معها»، وخرج الموجي من المحكمة إلى فيلا «السِّت»، وما أن دخل حتى وجدها تنزل على السلم، فنظرت إليه بابتسامة، فقال لها بغيظ: «أتضحكين؟» فقالت: «طبعًا، أنا كنت عارفة إنك ستحضر إلى هنا، تقدّم ألحانًا عظيمة لحليم وشادية ومش عاوز تعمل (للصبر حدود)». وجلسا معاً، لكنه اكتشف أن أم كلثوم تريده أن يتبع أسلوب السنباطي والقصبجي في عمل لحن الأغنية، ووافق، وما ان وصل إلى آخر مقطع في الأغنية حتى توقف وخرج من الفيلا، ليعود بعدها ومعه لحن المقطع الأخير، لكن أم كلثوم أرادت أن تغيّر بعض الجُمل الموسيقية فرفض واختفى، لتعيش السِّت بعدها في قلق، خصوصا أن موعد الحفل اقترب، فأرسلت إليه عبده صالح والحفناوي وعاد الموجي ووافقت أم كلثوم على رأيه. سر احتفاظ «جواهرجي النغم» بدبلة ذهبية بعد نجاح «اسأل روحك» وجاء يوم الحفل وجلس الموجي في الكواليس، وكان الجمهور يطلب منها إعادة الكوبليه الأخير أكثر من مرة لإعجابهم به، لدرجة أنها غيّرت في كلمات الأغنية قائلة: «وكفاية وأنا بهواك... خلصت الصبر معاك»، وبعد الحفل نظر إليها فقالت له وهى سعيدة: «إيه غلطنا في البخاري؟... على العموم مبروك». واستكمل الموجي ألبوم ألحانه لأم كلثوم، بأغنية «يا سلام على الأمة» في عام 1965، كلمات الشاعر عبدالفتاح مصطفى، ويقول مطلعها: «يا سلام على الأمة في وحدة الكلمة، الكل بالإجماع إرادة تسند إرادة، من الصفوف للقيادة بالشورى والإقناع». وأسدلت «اسأل روحك» (1970) الستار على اللقاء الاستثنائي بين ألحان الموجي وشدو أم كلثوم، وصاغ كلماتها الشاعر عبدالوهاب محمد، وبعد نجاح الأغنية سافرت أم كلثوم إلى السعودية، وأحضرت معها دبلة ذهب وقالت له: «اكتب عليها اسم أم أولادك... زوجتك... ولا تخلعها من يدك»، وبالفعل كتب اسم زوجته على الدبلة، وظلت في إصبعه حتى رحيلها، ثم أخذها نجله الموجي الصغير، ولاتزال معه حتى الآن. صانع النجوم تبوأ محمد الموجي مكانة متميزة بين ملحني جيله، وقال عنه الموسيقار محمد عبدالوهاب، إنه صانع النجوم، وإن موسيقاه تثري المكتبة الموسيقية العربية، لأن ما يميز ألحانه أنها من السهل الممتنع، فالأعمال التي قدّمها بها إحساس يصل بسهولة إلى قلوب الناس. وقدم الموجي الكثير من الروائع الفنية لعدد من الأصوات النسائية، منها «اسأل روحك»، و»حانت الأقدار» لأم كلثوم، كما برع في الألحان الخفيفة التي قدمتها الفنانة سعاد حسني، منها «أنا لسة صغيرة»، و«منتاش قد الحب يا قلبي»، وللفنانة صباح مثل «الراجل دا هايجنني». ووصفته كوكب الشرق أم كلثوم بأنه نهر لا يجف، فقد كان غزير الإنتاج، وشديد الثراء والتنوع في موسيقاه، وقدّم لعبدالحليم حافظ 88 لحنًا، منها «جبّار»، و«الليالي»، و«كامل الأوصاف»، و«رسالة من تحت الماء»، و«قارئة الفنجان»، وتغنى بألحانه أجيال من المطربين والمطربات في مصر والعالم العربي، منهم المطرب الكويتي مصطفى أحمد، الذي غنى من ألحان الموجي أغنية «هويتك» كلمات الشاعر مبارك الحريبي، في عام 1984. واكتشف الموجي عددًا من نجوم الغناء، أبرزهم الفنان هاني شاكر، وتعد أعماله من كلاسيكيات الموسيقى العربية. عبدالناصر والسادات يمنحانه الميدالية البرونزية ووسام الاستحقاق وتناول الموسيقار الراحل عمار الشريعي في برنامجه «غواص في بحر النغم» الكثير من ألحان الموجي بالشرح والتحليل، وقال: «إن الموسيقار محمد الموجي ذو موهبة قوية وهبها له الله تعالى وصقلها بالدراسة، موهبة تحمل في داخلها كل ما يحمله الشعب المصري من آمال وآلام وفرح وحزن، فهو ملحن مصري أصيل في ألحانه وتفكيره وتراثه الشرقي». وحصل محمد الموجي على العديد من الجوائز والتكريمات، خلال مسيرته الإبداعية المتفردة، ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر الميدالية البرونزية في عام 1965، ونال وسام الاستحقاق من الرئيس أنور السادات عام 1976، وحصل على شهادة تقدير من الرئيس حسني مبارك عام 1985، بالإضافة إلى أوسـمة ونياشين من ملوك ورؤساء عرب في مناسبات مختلفة. ورحل الموسيقار محمد الموجي في أول يوليو عام 1995 بعد رحلة فنية غزيرة الإبداع أثرى خلالها مكتبة الموسيقى العربية بأعمال مزجت بين الأصالة والتجديد، ولاتزال تتردد حتى اليوم، وتعيدنا إلى زمن الفن الجميل. تمنى والد محمد الموجي أن يصبح ابنه ناظراً للزراعة، فالتحق بمدرسة الزراعة المتوسطة، ومن خلال الأنشطة الفنية ظهرت موهبته في الموسيقى والغناء، واستطاع الموجي أن يحقق أمنية والده بعد تخرجه، وعُين ناظراً للزراعة في بلده، ورغم ذلك ظل العود رفيقاً له، وقرر أن يسافر إلى القاهرة. وتزوج الموجى 8 مرات في حياته، نذكر منها الآتي: الأولى من ابنة عمه فهيمة الأمين، ومن المطربة سميرة فتحي، ثم تزوج من المطربة أحلام، بعدما لحن لها 10 أغانٍ، فوقع في حبها وتزوجها، لكن هذا الزواج لم يدم طويلا، وقد تزوج من المطربة سعاد مكاوي، وتزوج أيضاً من المطربة أميرة سالم، وكان زواجه الأخير من الفنانة وداد حمدي. وكان قد نفذ وصية والده، وتزوج من ابنة عمه، ونشأت بينهما قصة حب عميقة، وعبّر عن هذا الحب بتلحين أغنية «لايق عليك الخال» تأليف الشاعر عبدالمنعم السباعي، وغناها عبدالحليم حافظ، وضربت السيدة فهيمة مثالاً رائعاً في الوفاء والحب لزوجها، وظلت بجانبه حتى اللحظات الأخيرة من حياته. وقد رُزق الموجي بـ 6 أبناء، 3 أولاد و3 بنات، وهم: أمين وموجي ويحيى، وألحان وأنغام وغنوة، والأخيرة أستاذة بالمعهد العالي للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون. روى الملحن الموجي محمد الموجي أسرار والده في كواليس الفن والحياة حتى اللحظات الأخيرة، وقال الموجي الصغير: «لم يكن جدي مقتنعا بموهبة أبي في التلحين، ورغم أنه لحّن لعبدالحليم حافظ، فإنه قال له لن أقتنع بموهبتك حتى تلحن لأم كلثوم، إذا غنت من ألحانك وقتها فقط أقتنع بك كملحن، وبالفعل لحّن أول أغنية له مع أم كلثوم (نشيد الجلاء)، وهنا اقتنع جدي بموهبته، ويوم الحفل كان يحضره أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومن بينهم جمال عبدالناصر، وكان جدي لم يقتنع بعد بخلع الطربوش (أحد مظاهر الحقبة الملكيّة)، رغم صدور قرار من عبدالناصر بمنعه بعد الثورة، فنظر لهم ناصر وقال: من هؤلاء الذين يرتدون الطرابيش؟، فرد أحد الحضور: إنهم عائلة الموجي أبوه وعمه، فسمح لهم عبدالناصر باستكمال الحفل. وتابع الموجي الصغير: «كان والدي يقوم ببعض التعديلات على قصائد الشاعر نزار قباني، والأخير طلب منه تلحينها ليغنيها عبدالحليم، فمثلا قصيدة «قارئة الفنجان» كان يقوم بتعديل بعض المفردات التي لا يجوز قولها للجمهور، خصوصا في الغناء كعبارة «كلاب تحرسه وجنود»، وفي قصيدة «رسالة من تحت الماء»، كانت جميع النهايات ساكنة مثل «أشتاق، أعماق، يم، عوم» وهذا يرهق الملحن كثيرًا، ولا يسمح له باستكمال جملته الموسيقية، فأراد والدي أن يغيّر نزار نهايات الشطرات، لكنه رفض، وقال لعبدالحليم إن الموجي سيتلف القصيدة بتلك الطلبات، فطلب عبدالحليم من أبي أن يحاول تلحينها دون المساس بالكلمات أو تغيير السكون، فعبّر أبي عن الحرف الساكن بموسيقاه، للهروب من السكون واستغلها لحنيًا، فكان أفضل من يعبّر عن الموسيقى العربية وإحساسه بها عالٍ وكشف الموجي الصغير تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة «جواهرجي النغم»، وقال: «سبحان الله توفي والدي بنفس المرض الذي توفي به عبدالحليم، كانا توأمين في كل شيء حتى المرض، وتكرّر نفس السيناريو وظل ينزف حتى انتهت حياته، وكانت آخر أيام والدي بالمستشفى ولم نكن نتركه للحظة، وكان دائما يوصينا بأن نظل يدا واحدة أنا وإخوتي، خاصة أخي الصغير يحيى، فكان الأقرب لقلبه». وعن وصيته الأخيرة قال: «طلب مني والدي إنجاز سيمفونية باسم محمد الموجي، ولكن تأليف سيمفونية يتطلب مبلغاً ضخماً، إلا أن أخي يحيى قام بجمع موسيقاه من أجل هذا الغرض، أو متتالية للألحان التي تصلح لسيمفونية عالمية، كلحن «جبار» و»نار» و»شباكنا ستايره حرير» و»الليالي»، ومع توليف كل ذلك تصبح سيمفونية عالمية باسم محمد الموجي، ولكن إنجازها يستلزم التفرغ سنوات».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store