
الشجاعة النفسية: المفتاح السري لنجاح الشركات الناشئة
- تُعدُّ الشجاعة من أسمى الفضائل التي حظيت بالتقدير والإجلال في مختلف العقائد الدينية والروحية العريقة. إذ قلَّما نجد امرأً لا يتوق إلى أن يُوصَف بالشجاعة ويحظى بتقدير الآخرين بوصفه بطلاً.
- بيد أنه عند استحضار صور الأفعال الشجاعة، غالبًا ما يتبادر إلى أذهاننا مفهوم يُصطلح عليه في علم الاجتماع بـ "الشجاعة البطولية".
- فالشجاعة البطولية تجسد أعلى مراتب الجسارة والإقدام في مواجهة المخاوف الجسام، أو المحن العظيمة، أو الشكوك القاتلة.
- ومن الأمثلة على ذلك، رجال الإطفاء الذين اقتحموا أبراج مركز التجارة العالمي المشتعلة، أو روزا باركس التي أبتْ أن تتنازل عن مقعدها في حافلة مُخصصة للفصل العنصري.
- وحين نستذكر هذه الأعمال البطولية الجليلة، ينتابنا شعورٌ بالبُعد الشاسع الذي يفصلنا عن هؤلاء الأبطال، ممّا يجعل شجاعتنا الشخصية تبدو في أعيننا باهتة وضئيلة.
- فقد يراودنا التفكير قائلين: "لن أرقى يومًا إلى مستوى روزا باركس. ولن أمتلك الجرأة على اقتحام مبنى يشتعل".
- بيد أن هذا النمط من التفكير يُرسخ الاعتقاد بأن الشجاعة قاصرة على نخبة مُنتقاة، وأننا لسنا من بينهم. وعندما نُعلي من شأن الشجاعة البطولية باعتبارها النموذج الأوحد للشجاعة الجديرة بالإعجاب والاحتفاء، فإننا نتجاهل بذلك مظاهر الشجاعة التي تتجلى في حياتنا اليومية.
- فالشجاعة ليست صفة مُلازمة للفرد وثابتة لا تتغير، بل هي سلسلة من الأفعال المتراكمة على مر الأيام. فما من أحد يُولد شجاعًا بالفطرة.
- قلّما يُسلَّط الضوء على ضربٍ من الشجاعة بالغة الأهمية، لا يقلّ أهمية عن ضروب الشجاعة الأخرى، ألا وهي الشجاعة النفسية.
- وتتبدى هذه الشجاعة في تلك القوة الداخلية التي تساند المرء على مواجهة أكبر مخاوفه وآلامه العاطفية، وتبديد شكوكه الذاتية، ومجابهة حالات التردد التي تعتريه في مسيرته الحثيثة نحو النمو، وتحقيق الذات، وبلوغ حالة الرفاه.
- وبالنسبة لأغلبنا، تُشكل الشجاعة النفسية عنصراً جوهرياً في استرداد زمام المبادرة في حياتنا. لكن كيف يمكن أن نكتسب هذه الشجاعة وأن نُنمي مهاراتها؟
- تتنوع البيئات التي يستطيع المرء أن يوطد فيها دعائم شجاعته النفسية، ويُعتبر مجتمع الشركات الناشئة بيئةً خصبةً لذلك.
- ففي غمار عالمٍ يشهد تعثرَ 90% من الشركات الناشئة، وتتقلص فيه فرص النجاح، تغدو التصرفات المتسمة بالشجاعة ذات أهمية قصوى.
- ولا تنحصر هذه الشجاعة في صاحب الشركة فحسب، بل هي جزء أصيل لا يتجزأ من القرارات والأفعال التي تصدر عن جميع الموظفين على مدار اليوم.
- صحيح أن الشجاعة ليست سمةً ملازمةً لكل شركة ناشئة، غير أن البيئة حاضنةٌ لفرص لا تُحصى تتيح لكل فرد أن يختار بين التحلّي برداء الشجاعة أو الاستكانة للواقع الراهن.
الدرس الأول: تقبل
الواقع
- لا يخفى على أحد أن صدق المرء مع نفسه يُعدّ ركيزة أساسية من ركائز الشجاعة النفسية.
- ووفقاً لرؤية عالم الاجتماع دانييل بوتنام، يمكن أن يتّخذ خداع الذات صوراً شتى، تتضمّن ما يلي:
- الجهل المُتعمّد: وهو تجنّب الحصول على المعارف والمعلومات الضرورية التي يحتاج إليها الشخص.
- التجاهل المنهجي: ويُقصد به الإبعاد الواعي للمعلومات المُزعجة وغير المرغوب فيها عن الذهن.
- التشتيت: أي انشغال الفرد بأمور أخرى بهدف تجنّب مواجهة الحقائق والواقع.
- الخداع: ويتمثّل في اعتراف الشخص بالحقيقة في أعماقه، إلا أنّه يعمل على إخفائها عن الآخرين.
- وبطبيعة الحال، تفرض الشركات الناشئة على الأفراد مواجهة الواقع بشكل سريع وحاسم.
- فسواء تعلّق الأمر بالتسليم بحقيقة مدى ملاءمة المُنتج لمتطلبات السوق، أو بمعالجة التأثير السلبي لأحد أعضاء الفريق الموهوبين ولكنه مُتسلّط، أو بالتصدي لتبعات اختراق البيانات، فإنّ إرجاء مواجهة الواقع قد ينجم عنه عواقب وخيمة لا تُحمد عقباها.
- فالأموال والموارد المتاحة، وكذلك الوقت، سرعان ما تنفد عند التغاضي عن المشكلات وتجاهلها.
- بينما تبذل الفرق التي تتحلّى بالشجاعة جهداً دؤوباً لجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، وطرح الأسئلة الصعبة، ومعالجة التحديات بشكل مباشر وشفاف.
- وخلاصة القول، إنّ تقبّل الواقع بكلّ أبعاده وجوانبه يُمكّننا من اكتساب زمام المبادرة والسيطرة على الأمور، والمضيّ قُدماً بثبات وعزيمة، على الرغم ممّا يكتنف ذلك من مخاوف وتحديات.
الدرس الثاني: حل
المشكلات
- بمجرد تقبُّل الواقع، يُفسح المجال لحل المشكلات بفاعلية؛ فالشجاعةُ النفسيةُ هي التي تُؤهل الأفراد لتَحويل التهديدات والمُنازعات إلى تحدياتٍ بنَّاءةٍ، قابلةٍ للتناول بحكمةٍ ورويَّة.
- تُمثل الشركات الناشئة مصدراً متجدداً للمشكلات التي تستلزم حلولاً، الأمر الذي يُفضي إلى فُرصٍ سانحة وواعدة.
- يُعد تنمية كل من المرونة الفكرية والتفكير الخَلَّاق من أبرز المُرتكزات في مُقاربةِ التحديات وتذليل الصعابِ.
- ولا يَغيب عن الأذهان أهمية اتخاذ القرارات المُتأنية، وتجنُّب التَّسرُّعِ والاندفاعِ، وتعزيز الحلول التشاركية، فهذهِ المُقوِّماتُ جميعها تُشكل جزءاً لا يتجزأ من هذا السِّياق الجوهري.
- إنَّ الفرق التي تتحلَّى بروحِ المُبادرة والشجاعة النفسية، ترقى وتَزدهر من خلالِ المُوازنةِ الدقيقة بين الاستعجال المَحمود والتَّفكرِ الاستراتيجيِّ العَميقِ.
- ويتضمَّنُ ذلك أيضاً الاستعداد لتجربة الأفكارِ الجديدة، وتَحَمُّل المَخاطرِ المَحسوبة، والتَّكيُّف السَّريعِ حين تَنْحَرِفُ الأمورُ عن مَسارِها المُخطَّط.
- أما أصحاب الشجاعة النفسية، فلا يكتفون بمجرد التَّعَامُلِ السَّطحي في مُواجهة المُعضلات، بل يَسْعَونَ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ لِإيجاد الحلول النَّاجِعة والفَعَّالة.
الدرس الثالث: تخطي
العقبات
- تتطلب الشجاعة النفسية التزامًا راسخًا بالمثابرة، إذ غالبًا ما تشوب مسيرة الشركات الناشئة فترات من الإرهاق والإحباط وفتور العزيمة.
- ومع مرور الوقت، يكتسب الأفراد إحساسًا بالصلابة يعينهم على رؤية أنفسهم كأشخاص قادرين على تجاوز الصعاب.
- تمكنهم هذه المرونة المكتسبة من إدارة مشاعر الخوف والقلق على نحو أفضل، وتعزز لديهم الإيمان بقدرتهم على مواجهة التحديات.
- كما تتميز الشركات الناشئة بروح انتماء فريدة، إذ غالبًا ما يُكَوّن العاملون فيها روابط وثيقة مع زملائهم.
- تُسهم هذه الرفقة في خلق بيئة داعمة، يتعاون فيها الجميع لمساندة بعضهم بعضًا والتخفيف من وطأة التوتر في الأوقات العصيبة.
- تساعد الشجاعة النفسية الأفراد على البقاء ملتزمين بأهدافهم حتى عندما يكون النجاح غير مضمون، مع التركيز على الغايات طويلة الأجل بدلًا من الصعوبات الآنية.
- كما تشجع على تبني عقلية التحسين المستمر، والإقرار بأن النكسات جزء لا يتجزأ من مسيرة النمو والتطور.
الدرس الرابع: الازدهار
بعد تجاوز المحنة
- لعلّ أهم ما يميز الشجاعة النفسية هو إدراك الفرد لقدرته على النمو والازدهار، لا مجرد البقاء، في مواجهة التحديات الاستثنائية.
- صحيح أن العديد من الشركات الناشئة قد لا تحقق نجاحاً مالياً باهراً، لكن النمو الشخصي والفهم العميق للذات الذي يتحقق من خلال هذه الرحلة يمثلان إنجازات لا تقدر بثمن.
- يتأمل الأفراد الشجعان تجاربهم بشعور بالإنجاز، لعلمهم بأنهم نموا وتطوروا من خلال المحن والصعاب.
- فالشجاعة النفسية هي القوة الخفية وراء الشركات الناشئة الناجحة، فهي تمكن الأفراد من مواجهة الواقع، وحل المشكلات المعقدة، والتغلب على الصراعات، والازدهار في نهاية المطاف في بيئة غير مستقرة.
- من خلال إدراك الشجاعة النفسية وتنميتها، يستطيع المؤسسون والموظفون على حد سواء بناء منظمات وأفراد أقوى وأكثر مرونة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
جزيرة رانشو بالوس فيرديس تُعلن الحرب على الطواويس
قد يكون من المثير للزائرين أو المصطافين رؤية طائر مميّز، ملوَّن وأنيق، في شبه جزيرة بالوس فيرديس بكاليفورنيا. ومع ذلك، فإنّه في ظلّ الارتفاع الهائل في أعداد الطواويس، أكّد مسؤولون أنّه يجب التخلّص من بعض هذه الطيور. في هذا الإطار، ذكرت صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أنه من المقرّر هذا الخريف أن تستأنف رانشو بالوس فيرديس برنامجاً نادراً ما تلجأ إليه، لاصطياد الطواويس ونقلها إلى خارج شبه الجزيرة، في محاولة للحدّ من تزايد أعدادها والتخلُّص من سلوكياتها المزعجة، بهدف خفض أعدادها بنسبة تقارب 30 في المائة. وإذ لا يزال بعض السكان مفتونين بالطاووس، من بينهم إفران كونفورتي الذي قال لقناة «كيه سي إيه إل نيوز» إنها «أفضل جيران»؛ جذبت هذه الطيور في الوقت عينه كثيراً من الكارهين. وقال أعضاء مجلس المدينة إنهم تلقّوا كثيراً من الرسائل التي تدعم برنامج الاصطياد والإزالة، حتى إنّ بعضها طالب بتوسيع نطاقه. وعلَّق عضو المجلس جورج لويس في اجتماع عُقد في مايو (أيار): «إنها تركض عبر الطريق طوال الوقت. إنه أمر خطير». وصوَّت أعضاء المجلس بالإجماع على إعادة تفعيل البرنامج في الأحياء الثلاثة التي سجَّل فيها المسؤولون أعلى عدد من الطيور. ومن بينها حي «بورتوغيز بيند» الذي لا يزال يشهد حركة انهيارات أرضية كبيرة في كثير من المناطق، بمعدلات تصل إلى عدّة بوصات أسبوعياً، وفق بيانات هذا الربيع. بدورها، أوضحت المتحدّثة باسم رانشو بالوس فيرديس، ميغان بارنز، في بيان أنه «ليس من نية المدينة القضاء على أعداد الطاووس، وإنما إدارة أعداده عند المستويات التي حُدّدت عام 2000، وتوعية الجمهور حول كيفية التعايش مع الطيور». يُذكر أنه في رانشو بالوس فيرديس، بلغ عدد الطاووس أعلى مستوى له منذ عام 2014، عندما قرَّر مسؤولو المدينة للمرّة الأولى النظر في اتخاذ إجراءات للحدّ من أعداد الطيور، بسبب الشكاوى المتزايدة بشأن ضجيجها وإزعاجها الآخر. ويُصدر الطاووس عدداً من الأصوات، بما فيها صرخة حادة ومميّزة خلال موسم التزاوج، وعندما يشعر بتهديد. كما أنّ الطواويس تتسلَّق أسطح المنازل وتعبر المناظر الطبيعية، ما يتسبّب في أضرار ويخلّف قدراً كبيراً من النفايات. ووفق إحدى الروايات، فإنّ شبه الجزيرة ليست الموطن الأصلي للطواويس ولا جنوب كاليفورنيا، ولكنّها استُقدمت إلى المنطقة منذ أكثر من قرن. ويشير تعدادها في المدينة لعام 2025 إلى وجود 216 طائراً في 6 أحياء، بارتفاع عن 165 طائراً في العام الماضي، بزيادة مقدارها 31 في المائة. وعام 2000، كانت أعداد الطواويس في المدينة 134 طائراً، وهو العدد الذي حدَّده مسؤولوها بكونه الرقم المستهدف. وعام 2014، قبل بدء برنامج الصيد، بلغ عدد الطيور ذروته عند 276 طائراً. وإنما، حتى من دون أعمال الصيد في السنوات القليلة الماضية –إذ لم يُفعَّل البرنامج منذ عام 2021– ظلَّ عدد الطواويس في المنطقة ثابتاً نسبياً. ولم يتّضح على الفور سبب هذه الزيادة الكبيرة خلال العام الماضي. وأكّد بارنز إرسال أي طاووس مُحاصَر إلى منازل خارج شبه الجزيرة، بعد فحصها ومراجعتها من المدينة. ويُجرى نقل الطيور إلى مزارع ومراعي في مقاطعات سان دييغو، وفينتورا، وبيكرزفيلد، وبالمديل، وفريسنو، وفق موقع «لايست». وختم: «لن يُقضَى على الطاووس المُحاصَر بالقتل الرحيم أو التعرُّض لمعاملة غير إنسانية تحت أي ظرف من الظروف».


الرجل
منذ 2 أيام
- الرجل
راكب يرصد مفاجأة غريبة على جناح الطائرة قبيل الإقلاع (فيديو)
في واقعة أثارت تفاعلًا واسعًا عبر وسائل التواصل، لاحظ أحد الركاب على متن رحلة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية (American Airlines) من دالاس إلى لوس أنجلوس، أن موظفي الخدمة الأرضية قاموا بإزالة جزء من جناح الطائرة قبيل إقلاعها، قبل أن يبتعدوا بالقطعة دون أي توضيح.وجاء ذلك وفقًا لما نشره موقع "dailymail". وقد هرع الراكب إلى طاقم المقصورة مُبلغًا أن "جزءًا من الطائرة غير مُثبت"، وفق ما ظهر في فيديو متداول يُوثّق الحادثة. الطاقم يتدخل... والركاب في قلق رغم محاولة التطمين، فإن الحادثة أثارت قلقًا بين الركاب، خاصة أنها جاءت قبيل بدء الرحلة. فيما لم تُصدر الشركة حتى لحظة إعداد الخبر بيانًا رسميًا يوضح ملابسات ما جرى. لكن معلقين رجّحوا أن القطعة المُزالة ربما تكون غطاءً غير أساسي على خلفية الجناح، وهو ما لا يؤثر على سلامة الرحلة. وقد أشار أحد المعلقين: "ليست سوى غطاء بسيط، لن يتسبب بأي ضرر". الواقعة سلطت الضوء مجددًا على يقظة بعض المسافرين، وأهمية التبليغ الفوري في حالات الشك، حتى وإن بدت التفاصيل بسيطة.


الشرق الأوسط
منذ 3 أيام
- الشرق الأوسط
«بدعة» التصنيف
حينما يهم المرء بدخول فندق لقضاء إجازة سعيدة، تستقبله لوحة «الـ5 نجوم» التي تزين مدخل نُزُله. هنا ينتابه شعور بالراحة وتوقع بالحصول على خدمات تنافسية. هذه النجوم ليست مزاجية بل مبنية على معايير موضوعية يمكن قياسها، وتوضع من قبل جهات مستقلة. منذ فجر التاريخ كان لسان الناس هو «شهادة التزكية» لجودة المنتجات والخدمات، ولذلك قيل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» ثم خاضت البشرية تجربة جديدة للتصنيف بدأت من خلال تقييم ميشلان الفرنسي للمطاعم بعد إطارات السيارات، وقبلها تجربة إنجليزية لتصنيف السفن. لكن النقلة النوعية لتصنيف الخدمات والمنتجات جاءت من الأميركيين عام 1958، حيث موّلت شركة Mobil النفطية مشروعاً رائداً لوضع دليل سياحي أميركي لا يستند إلى المزاجية، وشمل ذلك فكرة الـ5 نجوم للفنادق والمطاعم والمنتجعات، واستمر إلى يومنا هذا، بحسب تقرير لجامعة والدن. ذلك أنك حينما ترى الـ5 نجوم تدرك أنها منشآت فاخرة وأيقونية في تقديم خدمة مثالية. في حين أن الـ4 نجوم هي منشآت راقية تنعم بمستوى عالٍ من الخدمة والجودة، في حين أن «الموصى بها» مجرد منشآت ممتازة تقدم خدمة ومرافق جيدة. فكرة التصنيف اجتاحت العالم، فصار لدينا تصنيف لعلامة الجودة ومسارات واضحة لنيل نياشينها. وهناك «الأيزو» الذي يصنف جودة العمليات واستدامتها. شخصياً أرى أن التقييم يفقد مصداقيته إذا كان أسيراً لردود الفعل الغاضبة، فمَن يصب جام غضبه على الأرجح مَن عاش تجربة سيئة يريد أن يعبر عنها بالتعريض بمَن خذله. أما التقييم الأدق والمنهجي فهو ما نحتاج إليه لأنه يقام وفق أسس ومعايير متينة، ولا مانع من أخذ الوزن النسبي لرأي الناس بعين الاعتبار. الحكومات مطالبة بتصنيف الخدمات الرائدة فيها من جهات مستقلة حتى تدب روح المنافسة في منظماتها. لِمَ لا نتوسع في فكرة تصنيف المدارس الحكومية على غرار نظام الأوفسد البريطاني الذي يشرح في صفحة واحدة رأي المقيم الخارجي في كل المدارس المحيطة ويسميها «استثنائية، وممتازة، وجيدة، وسيئة». تخيل شعور مدير مدرسة وهو يقرأ تقريراً «سيئاً» عن إدارته! ونحتاج أيضاً إلى تعميم تجربة الغرب أول من كتب على ظهر فاتورة الكهرباء والماء والغاز معدل الاستهلاك المنزلي، مقارنة بالجيران وبالمعدل الوطني ليدرك الفرد مدى الهدر أو التوفير الذي يستحق عليه خصومات. لِمَ لا نصنف المنظمات الخيرية التي تتحلى بمعايير حوكمة صارمة لتحفظ تبرعات الناس؟ لِمَ لا نتعلم من المصارف التي لا تخلو المرموقة منها من إدارة جودة تصنف خدمات كل فرع عبر «العميل الخفي» الذي يكتب تقييمه السري؟ التصنيف حاجة ماسة ولم يعد بدعة، وإن كان كذلك فهو «بدعة حسنة» يحتاج إليها القطاعان الخاص والعام.