
كيف تفاعل السوريون مع الهوية البصرية الجديدة للدولة؟
يمثل هذا التحول، بحسب مراقبين، محاولة للقطيعة مع إرث الدولة الأمنية وتأسيس عقد اجتماعي جديد، حتى وإن كان التغيير محصورا حاليا في الجانب الرمزي. وأثار الإعلان الجديد جدلا واسعا في الأوساط السورية، بين من يراه خطوة ضرورية لتجاوز الماضي، ومن يعتبره محاولة سطحية لصرف الأنظار عن أزمات أكثر إلحاحا كعودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
في هذا التقرير، تستعرض الجزيرة نت آراء شخصيات سورية حول دلالات الهوية البصرية الجديدة، وسياقاتها السياسية والاجتماعية، وتحديات المرحلة الانتقالية.
قطيعة معنوية
يرى الكاتب والصحفي السوري قحطان الشرقي أن التغيير في الهوية البصرية يتجاوز الشكل إلى المضمون. وقال للجزيرة نت إن التغيير لا يقتصر على الشكل، بل يمثل قطيعة رمزية ومعنوية مع 6 عقود من القمع والدمار الممنهج للهوية السورية.
وأوضح أن التصميم الجديد، المتمحور حول رمز طائر العُقاب، يعكس توجها لإعادة بناء الإنسان السوري، "كما أشار إليه الرئيس محمد الشرع". أن العُقاب، الذي كان رمزا للقوة في الفتوحات الإسلامية وما بعد الاستقلال، يجسد اليوم وحدة سوريا عبر جناحيه اللذين يرمزان إلى محافظات البلاد 14، وعناصره السفلية التي تشير إلى أقاليمها الخمسة.
وحسب الشرقي، تحمل الهوية الجديدة 5 رسائل:
الاستمرارية التاريخية.
تمثيل الدولة الجديدة.
تحرر الشعب.
وحدة الأراضي.
عقد وطني يصون كرامة المواطن.
وأكد أن التغيير فرصة لإعادة بناء سردية وطنية جامعة.
يُشار إلى أن الهويات البصرية ليست مجرد عناصر تصميمية، بل أدوات رمزية تعبّر عن هوية الدول وتوجهاتها، وتؤثر في تشكيل الوعي الجمعي، خصوصا في المجتمعات الخارجة من النزاعات.
أولويات
وبخصوص أولويات المرحلة الانتقالية، دعا زكريا ملاحفجي، الأمين العام للحركة الوطنية السورية، إلى التركيز على مضمون الدولة الجديدة "بدلا من الشكليات". وقال للجزيرة نت: "الاهتمام بالهوية البصرية يبقى شكليا مقارنة بما هو أعمق. نحتاج إلى مضمون يعكس أداء فعّالا، وتطويرا شاملا، وتعايشا حقيقيا بين مكونات المجتمع".
وأشار ملاحفجي إلى أن إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مبادئ الشفافية والكفاءة والتعددية السياسية يجب أن تكون الأولوية القصوى، مضيفا أن "الهوية السورية لا تُبنى فقط بشعار جديد، بل من خلال مشروع وطني جامع يستوعب الجميع".
ووفقا له، فإن أية هوية جديدة يجب أن تشمل ضمانات دستورية لحقوق الأقليات، وإطارا قانونيا يحفظ حرية التعبير والعدالة الانتقالية، مع ضمان عودة اللاجئين كجزء من التفاهم الوطني.
من جانبه، شدد بسام العمادي، سفير سوريا الأسبق في السويد، على ضرورة تحديث المؤسسات بما يتناسب مع التغيير الرمزي. وقال للجزيرة نت: "الخطوة ممتازة ونأمل أن تتبعها خطوات مماثلة، لأنها تعكس توجها لبناء دولة جديدة تسعى لإعادة هيكلة مؤسساتها".
وأضاف أن الدولة السورية، رغم استمرار بعض مؤسساتها خلال سنوات الحرب، لا تزال بحاجة إلى إعادة تنظيم وظيفي وإداري يضمن الفعالية والمساءلة، مشيرا إلى ضرورة الانفتاح على الكفاءات السورية في الداخل والخارج.
تاريخيا، لم تشهد سوريا منذ الاستقلال تحولا مؤسساتيا شاملا إلا بعد انقلابات عسكرية، وكان لكل منها هوية وشعار يعكسان طبيعة النظام الجديد، مما يجعل من هذا التغيير الرمزي فرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
توجّه جديد
من ناحيته، عبّر المهجّر يحيى السالم، من مخيمات الشمال السوري، عن إحباطه من التركيز على الرموز في ظل معاناة المهجرين. وقال للجزيرة نت "الهوية البصرية لا تعنينا ما دمنا بعيدين عن ديارنا. الحكومة لا تولي اهتماما كافيا لعودتنا، بينما نشهد اعتداءات من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".
وطالب بتحقيق الاستقرار وتوحيد البلاد كأولوية "قبل الحديث عن هوية تمثل الجميع"، مشيرا إلى "مقتل طفل واعتقالات في الجزيرة السورية -المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات- كمؤشرات على استمرار التحديات الأمنية".
يلفت هذا الصوت إلى "فجوة قائمة" بين ما يُطرح على مستوى الخطاب الرسمي، وبين ما يعيشه ملايين السوريين في مناطق النزوح، مما يعيد فتح النقاش حول جوهر مفهوم "الهوية الوطنية".
أما الكاتب والإعلامي إبراهيم الجبين فاعتبر أن الهوية البصرية الجديدة تعبر عن توجه سياسي جديد للدولة. وقال للجزيرة نت: "سوريا الدولة والمجتمع بحاجة إلى تطوير حضورها، خطابها، ومفاهيمها. الهوية البصرية جزء أساسي من ملامح الدولة التي استحوذ عليها نظام البعث منذ 1963 لخدمة مشروعه الأيديولوجي، مسيطرا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر أدوات مثل منظمات الطلائع والشبيبة وحزب البعث".
إعلان
وأضاف الجبين "لقد طوّق النظام حياة الأفراد منذ الطفولة، من شعار الدولة إلى العملة وجواز السفر والزي المدرسي"، واعتبر أن التغيير الأخير، الذي أقره الشرع، قرار في الاتجاه الصحيح لأنه يعكس هوية سياسية جديدة بعيدة عن الأيديولوجيا الحزبية، ويعيد التأكيد على الانتماء العربي عبر رمز طائر العُقاب وخط الثلث.
وبرأيه، فإن الجدل المثار طبيعي ويعكس حيوية الثورة السورية ، لكنه أثار أسئلة دستورية حول مشروعية التغيير دون تصويت برلماني، مضيفا "من المتوقع أن تردّ الدولة بأنها حدّثت الشعار ولم تغيره، وربما تحيله إلى مجلس الشعب".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 32 دقائق
- الجزيرة
نيوزويك: ما تجب معرفته عن مغادرة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران
قالت مجلة نيوزويك إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت مغادرة مفتشيها طهران ووصولهم بسلام إلى فيينا بعد أن علّقت إيران تعاونها مع الوكالة، في أعقاب الهجمات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة على برنامجها النووي. وتشير هذه الخطوة -حسب المجلة- إلى تزايد حالة عدم اليقين بشأن البرنامج النووي الإيراني، الذي قالت طهران إنها ستواصل العمل فيه، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم ، رغم الضربات الأميركية الإسرائيلية الأخيرة التي ألحقت أضرارا ببعض منشآته. وبمغادرة المفتشين تنخفض الرقابة الدولية على أنشطة إيران النووية -حسب المجلة- وذلك بعد يوم من توقيع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قانونا يعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن صوّت عليه البرلمان. وأعلنت الوكالة، في بيان، مغادرة فريق من مفتشيها إيران بسلام عائدا إلى مقرها في فيينا، وأكد مديرها رافائيل غروسي على "الأهمية الحاسمة لمناقشة الوكالة مع إيران سبل استئناف أنشطة الرصد والتحقق الضرورية في أقرب وقت ممكن". وكانت إيران قد هددت بطرد مفتشي الوكالة وتعليق التعاون معها قبل أشهر من هجوم إسرائيل والولايات المتحدة عليها، وذلك بعد تقييم للوكالة أفاد بأن إيران لم تمتثل لالتزاماتها، وبعد الهجمات ردت إيران بأنها ستنشئ منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم، وهو ما قد يكون خطوة نحو امتلاك أسلحة نووية، حسب نيوزويك. وكتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، يوم الأربعاء، أن "إيران لا تزال ملتزمة ب معاهدة حظر الانتشار النووي واتفاقية الضمانات الخاصة بها. ووفقا للتشريع الجديد الذي أقره مجلس الشورى الإسلامي، والذي أشعلته الهجمات غير القانونية على منشآتنا النووية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، سيتم توجيه تعاوننا مع الوكالة عبر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لأسباب واضحة تتعلق بالسلامة والأمن". وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس للصحفيين بأنه "غير مقبول" أن تختار إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في وقتٍ تتاح لها فيه فرصة سانحة لتغيير مسارها واختيار طريق السلام والازدهار، وأضافت "يجب على إيران التعاون بشكل كامل ودون أي تأخير". وخلصت المجلة إلى أنه مع عدم وجود محادثات مجدولة حاليا، قد تستخدم إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كورقة ضغط في المفاوضات النووية المستقبلية.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
كمائن غزة وتكتيكات المقاومة التي تستنزف الاحتلال
بينما كان نتنياهو يروّج لما وصفه بـ"الانتصار الساحق على إيران"، عقب مواجهة استمرت 12 يومًا تبادل خلالها الطرفان القصف بالصواريخ والمسيرات، كانت أنباء سيئة في طريقها إلى كيان الاحتلال قادمة من قطاع غزة. ففي يوم الثلاثاء، الموافق لـ 24 يونيو/ حزيران 2025، سقط سبعة جنود دفعة واحدة في كمين أعدته كتائب القسام في قطاع غزة، وأسفر عن احتراق جنود الاحتلال داخل ناقلة عسكرية، بعد فشل محاولات إنقاذهم بالجرافات والمروحيات. أيقظ هذا الكمين بثمنه الباهظ "الإسرائيليين" على صباح دامٍ، حيث انتشرت خطابات التعازي والدعوات لوقف الاستنزاف الجاري في غزة، وتزايدت المطالبات بإنهاء الحرب هناك، وإبرام صفقة تبادل تعيد الأسرى المحتجزين في القطاع، وطالب "إسرائيليون" بإنهاء العدوان المستمر منذ 629 يومًا، والذي شهد عشرات الكمائن الدامية، التي كشفت عن عقلية عسكرية متقدمة للمقاومة وخبرات متراكمة لديها، وحوّلت جنود الاحتلال إلى أهداف سهلة. منذ بدء عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واظبت كتائب عز الدين القسام في غزة على توثيق عملياتها ضد جيش الاحتلال وآلياته في مختلف محاور القتال، وتُظهر المقاطع المصورة تفاصيل دقيقة عن الكمائن التي نفذتها ضد قوات الاحتلال، ومن بينها الكمين المنفذ يوم الثلاثاء 24/ 6/2025 في جنوب غرب مدينة خانيونس، والذي بثت تفاصيله قناة الجزيرة، حيث تجسّد هذا الكمين في احتراق ناقلة جند مدرعة تابعة لقوات الهندسة. في التفاصيل، اقترب مقاوم وألصق بالناقلة عبوة ناسفة من طراز شواظ، تبع ذلك تفجيرها داخل قمرة القيادة، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها، وهرعت قوات الإطفاء العسكرية التابعة لجيش الاحتلال إلى موقع الحادث، وبذلت جهودًا مضنية لإخماد النيران، واستُقدمت جرافة من طراز "دي 9" لسكب الرمال عليها، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل. وعلى الفور، قرر جيش الاحتلال سحب الناقلة المدرعة من طراز "بوما"، المخصصة لمهام هندسية، إلى داخل مستوطنات الغلاف، بهدف مواصلة جهود إخماد الحريق، بينما كان الجنود السبعة لا يزالون بداخلها. ورغم إرسال قوات الإنقاذ والمروحيات إلى موقع الحادث، لم ينجُ أحد منهم، ولقوا حتفهم جميعًا نتيجة التفجير والحريق، وقد استغرقت عملية التعرف على هويات القتلى ساعات طويلة، علمًا بأنهم كانوا ضمن فريق القتال المشترك من الكتيبة 605 واللواء 188 التابع للفرقة 36. وبالتزامن مع هذا الكمين، تعرضت قوة متوغلة لوابل من القذائف المضادة للدبابات، وعند وصول قوة النجدة لإخلاء المصابين، استُهدِفت هي الأخرى، ما أدى إلى احتراق الآليات. وذكرت كتائب القسام أن مقاتليها نفذوا كميناً مركباً، استهدف قوة تحصنت داخل أحد المنازل بقذيفتي "ياسين 105" و"آر بي جي"، وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح، ثم استهدفوا المبنى بالأسلحة الرشاشة في منطقة "الترخيص القديم" جنوب خانيونس، كما استهدفوا دبابة "ميركافا" بعبوة "شواظ" وقذيفة "ياسين 105". وبعد مرور ساعات على الهجوم، زعم جيش الاحتلال أن الكارثة ناجمة عن صاروخ "آر بي جي" مضاد للدبابات أُطلق من مسافة قريبة على الناقلة، وليس عن عبوة ناسفة أُلصِقت بها، وذلك لأن الناقلة لا تحتوي على حماية نشطة وأنظمة واقية، على عكس ناقلات "نمر" الأكثر تحصيناً، واعتبر جيش الاحتلال هذا الكمين "الأكثر دموية" على جنوده في القطاع منذ ما يزيد على عام، وتحديداً منذ 15 يونيو/ حزيران 2024، عندما قتل المقاومون ثمانية جنود في رفح، إثر إصابة ناقلة جند هندسية مدرعة من طراز "نمر" بصاروخ مضاد للدبابات. عقب انتشار خبر الكمين، وسقوط عدد كبير من جنود جيش الاحتلال، توالت ردود الفعل الإسرائيلية: وزير الحرب، كاتس، أعرب عن حزنه لسقوطهم خلال مهمتهم للدفاع عن الدولة واستعادة الرهائن من غزة، وقال: "نحن نمر بأوقات عصيبة للغاية". إسحاق هرتسوغ، اعترف بصعوبة الوضع القتالي في غزة، وأن العبء لا يُطاق. رئيس اللجنة المالية في الكنيست، موشيه غافني، من حزب "يهودوت هاتوراة" للمتدينين، أدان بشدة استمرار القتال في غزة، قائلاً: "لا أفهم أهداف الحرب، ولا أفهم حتى هذه اللحظة: ما الذي نقاتل من أجله؟ ولأي غرض؟ ماذا سنفعل هناك والجنود يُقتلون باستمرار؟ لقد توقعت أن تبادر القيادة لإنهاء القتال، وإعادة المخطوفين، والعودة إلى الوضع الطبيعي. المتحدث باسم جيش الاحتلال، إيفي ديفرين، اعترف قائلاً: استيقظنا على صباح صعب ومؤلم للشعب "الإسرائيلي" بأكمله، نحن أمام حدث معقد، وسيتم التحقيق فيه، وعرض نتائج التحقيق أولاً على العائلات، ثم على الجمهور، مؤكداً أن كل محاولات إنقاذ الجنود باءت بالفشل، وأنه سيتم التحقيق في هذا التقصير، وأضاف قائلاً: "لقد حاولنا إنقاذهم، ولكن دون جدوى، فحماس تستخدم أسلوب حرب العصابات في التعامل مع المتفجرات". عبّر أهالي الجنود القتلى عن غضبهم الشديد تجاه الجيش والحكومة، مؤكدين أن أبناءهم أبلغوهم في رسائل سابقة عن معاناتهم من ضغوط الحرب التي طالت مدتها، وتلاشي أهدافها، وعدم قرب نهايتها. وقال هؤلاء: "إننا نشعر بغضب عارم، كيف يسمح الجيش لجنوده بقيادة مركبة مستعملة ومتهالكة؟ هذا أمر يثير الغضب، لم نعد نتحمل المزيد من هذه الحروب، كم عدد القتلى بعد؟ وكم عدد العائلات التي ستفقد أحباءها؟ نحن في حالة بكاء وصدمة". دعا مجلس إدارة كيبوتس "نير عوز"، الذي يقطن فيه بعض الجنود القتلى، إلى وقف الحرب، وإعادة المختطفين من أسر حماس، وقال: "في هذا الصباح العصيب، نناشد الحكومة بصوت عالٍ: كفى حروبًا دموية، كفى تعذيبًا للمختطفين، كفى إرهاقًا وموتًا للجنود، كفى شعارات فارغة. أي نصر آخر تسعون لتحقيقه؟ أي نصر سيكون هنا بينما لا يزال خمسون مختطفًا يرزحون في الأسر، بينما تستمر العائلات في فقدان أبنائها، ويستمر قتل الجنود؟ نتساءل: كيف لأسبوع بدأ بإنجاز مدوٍّ في إيران، أن يستمر بخسارة فادحة لـ 7 جنود في غزة؟". بعد هذه الخسارة، زعم تسيفي يحزكيلي، مراسل الشؤون العربية في قناة i24، والذي اعتاد على دعم استمرار الحرب في غزة، أن "أي اتفاق يقترحه ترامب سيكون جيدًا، فماذا يمكننا أن نفعل غير ذلك؟ هل يجب أن نسمح بمقتل أبنائنا في غزة؟ يجب أن ننهي هذا الأمر". الصحفي إيال بيركوفيتش تساءل: "كيف يعقد نتنياهو مؤتمرًا صحفيًّا قبل ساعات، ويعلن خلاله الانتصار على الأعداء، وهو يعلم أن سبعة جنود قد قتلوا في غزة؟". لسنوات عديدة، اعتقدت هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال أنه لن تكون هناك حاجة لوحدات مدرعة وهندسية في ساحة المعركة المستقبلية، ورغم أن إنتاج دبابة "ميركافا" أو ناقلة الجنود المدرعة "نمر" كان مكلفًا جدًا، فإن كمين خانيونس الأخير كشف عكس ذلك تمامًا. فقد أوضح الكمين أن الجنود الذين يقومون بالجزء الأكبر من العمليات في غزة هم مهندسو القتال والمدرعات، أي رأس الحربة. أما الجنرالات، الذين لم تكن لديهم فكرة عن كيفية الاستعداد لمواجهة غزة، فقد بدوا "مكفوفين"، وما زالوا يعانون من ضعف في فهم حقيقة القتال فيها، لأن الجنود يناورون في مركبة مدرعة هندسية، تم إنتاجها في مكان ما في الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي، شاركت في حربي 1956 و1967، لكنها لم تعد قادرة على مواجهة تحديات الحرب المعاصرة. وأكدت أوساط عسكرية أن الناقلة "بوما"، التي وقعت في الكمين، هي دبابة قديمة، وحمايتها أقل تطورًا، ويبلغ عمرها خمسين عامًا، إلا أنها تعتبر موثوقة، مع أنها لا تحتوي على نظام حماية نشطة مثل نظيراتها الحديثة، وقد عانت من بعض المشكلات طوال الحرب في غزة، ولكنها خضعت لتحسينات، وتستخدم في مجموعة متنوعة من المهام الهندسية، بما فيها اختراق العوائق، واستخراج المركبات المدرعة الأخرى، وحمل البضائع. وأشارت الأوساط العسكرية هذه إلى أنه خلال القتال الطويل في غزة، تعرضت ناقلات الجند المدرعة للإصابة والاحتراق عدة مرات، وعلى الرغم من إدخال بعض التحسينات على حمايتها، فإنها لم تصل إلى مستوى الناقلة "نمر"، الأحدث والأكثر تطوراً، والتي تتضمن منظومة حماية نشطة من نوع "سترة الرياح". نتيجة لتزايد استهداف المقاومة لهذه الناقلات، حاول الجيش إحلال ناقلات "نمر" محل أسطول ناقلات "بوما"، على الأقل في جميع كتائب الهندسة القتالية النظامية، ولكن، نظرًا لمحدودية معدلات الإنتاج، لا يزال الجنود يستخدمون الناقلة القديمة، وينطبق الأمر نفسه على كتائب الهندسة الاحتياطية المنتشرة على الخطوط الأمامية الأكثر خطورة في غزة. وقد أثار "الإسرائيليون" تساؤلات حول جدوى استخدام مركبة قتالية مدرعة قديمة في منطقة تُعرف بأنها "جوهر القتال"، مع كتائب حركة حماس التي أعادت بناء قوتها في المنطقة. وكشف ذلك مرة أخرى عن وجود ثغرات في قدرة الجيش على توفير وسائل مدرعة متطورة لجميع قواته المقاتلة، خاصة وأن ناقلة "نمر" المتطورة، التي تمثل المعيار التشغيلي الجديد لفرقة الهندسة، لا تزال غير متوفرة لجميع الألوية والوحدات العسكرية. بعد مرور أكثر من 629 يومًا على اندلاع الحرب، لا تزال المقاومة تعتمد على تكتيكات تشمل قنص الجنود، وتدمير آلياتهم بواسطة مجموعات صغيرة، بالإضافة إلى نصب الكمائن على مستوى مجموعات أكبر، وتؤكد المقاومة قدرتها على إعادة الانتشار والتمركز في المناطق التي ينسحب منها الاحتلال. وتُعد الكمائن في غزة عنصرًا أساسيًّا في إستراتيجية المقاومة، حيث غالبًا ما تُنصب في مواقع مرتفعة نسبيًّا أو متخفية، ما يتيح إمكانية الرصد الدقيق، كما يتم توجيه حركة العدو من خلال العوائق والمناورات المدروسة. إنّ هذه الانتصارات والنجاحات المُبهرة، التي حققتها كتائب عز الدين القسام وفصائل المقاومة، خلال هذه الملحمة والمفخرة ضد قوات الاحتلال، التي تلقت ضربات قاسية ودروسًا لن تنساها، قد كسرت هيبتها وحطمت صورتها وأذلتها، في حين بدت المقاومة هي صاحبة اليد العليا، والمتفوقة على كيان الاحتلال الذي يمتلك منظومة القبة الحديدية، والسلاح والتكنولوجيا والاقتصاد ووسائل التدمير، والدعم الأميركي والغربي، والتواطؤ العربي المخزي. تُثبت هذه العملية النوعية مجددًا أنه لا خيار أمام الشعب الفلسطيني في مواجهة كيان الاحتلال إلا المقاومة والصمود.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
"رقص" المثقفين
للمثقف أدوار مختلفة يلتزم بها إزاء نفسه ومحيطه، أولها خدمة المجتمع من خلال إنتاج المعرفة ونشرها، وإنتاج أدوات لفهمها ولفهم الواقع الذي يحيط به، ولا ينحصر دوره فقط في نقل المعرفة، ولا في تقمص دور الصحفي في نقل المعلومة والتعليق عليها، بل في تبسيط المعرفة وطرح الأسئلة الحارقة. للمثقف أيضاً دور نقدي يناقش ما يبدو بديهياً، ويفكك الخطاب السياسي أو الإعلامي، ويكشف عما يمكن أن يدسه من أفكار مغلوطة بين الناس للتغطية على خروقات وحقائق مزعجة، وليس دوره أن يكرّس الممارسات البئيسة، ويدافع عنها. يَقلق المثقف الحقيقي من كل ما يحيط به من بديهيات، ولا يَطْمئنّ إليها، كما يجتهد للانحياز إلى "الحقيقة"، لا إلى الامتيازات. ويمكن للمثقف أن يكون ناقداً لقرارات السلطة إن رصد -بما أوتي من معرفة- خروجاً عن المشروعية،ً ومؤيداً لها إن كان في مواقفها ما يستحق التأييد؛ فالمثقف ليس معارضاً سياسياً في نهاية المطاف. غير أن بعضاً ممن يشغل الوسط الثقافي والسياسي والإعلامي اليوم، يختلف عن كل ما عُرف عن المثقف من أدوار.. فصيل آخر من "المثقفين"، دورهم الأساسي هو الرقص على الحبال، بما تعنيه كلمة "رقص" من "تمايل إلى الأمام وإلى الخلف مسايرة للإيقاع"؛ فبالإضافة إلى مساهمتهم الكبيرة في تسطيح المعرفة، عوضاً عن تبسيطها، تعمل هذه الكتيبة على تغييب الحقائق من خلال استخدام متعمَّد لمفاهيم مغلوطة، عَلَّهم ينالون من الغنيمة قضمة. تحاول هذه "النخبة" جاهدة إنتاج واقع مزيف، فتضع الناس أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أبيض ناصع أو أسود قاتم. في المغرب مثلاً: كلما انفجر الوضع في فلسطين، على سبيل المثال، وتبع ذلك ما يترتب عنه من مآسٍ في هذه المنطقة من العالم، وما يخلقه هذا الحدث من تضامن واسع وسط المغاربة، ينبري هؤلاء "المحللون" إلى محاولة إجهاض هذا التضامن. ومن العبارات الشهيرة التي يستخدمها هذا الطابور شعار "تازة قبل غزة"، وكأنّ الاهتمام بتازة يتناقض مع التضامن مع القضايا العادلة في العالم. لماذا لا يُذكّرنا هؤلاء بتازة وسوق الأربعاء وكلميم ومختلف المدن والمداشر المغربية في غير أوقات الأزمات؟ أم إنّ غاية العزف على هذا الوتر لا تحلو إلا عند التضامن مع فلسطين؟! يَكِدُّ هؤلاء البؤساء ويعرقون ويرقصون سعياً وراء الغنائم التي قد تأتي وقد لا تأتي. في الجانب المقابل، يتجند فريق المعارضين، العازف على وتر العاطفة، لتزييف وعي الناقمين على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتقاد كل ما يصدر عن الدولة ومؤسساتها من مواقف أو قرارات، ويستعينون على ذلك بإيديولوجيا متمردة فاقدة لبريقها، وبقاموس يساري أكل عليه الدهر وشرب، يعود إلى عهد الماركسيين الأوائل. وتقود هذا الفصيل نخبة من المُدّعين، بيتها من زجاج، ومع ذلك تُزايد على الدولة بشعارات فارغة من كل مضمون، بل قد تجد بعضهم عاجزاً عن إصلاح ما يُحيط به من خروقات جمّة، سواء في عمله أو في بيته، أو متواطئاً شريكاً في هذه الخروقات، دون أن يرف له جفن. يمتهن هذا الفريق لغة التنديد والوعيد في كل ما يتصل بالقضايا الشعبية، سواء كانت وطنية أو دولية، وتُشكل أوقات الأزمات غالباً فرصة مواتية لتصفية حساباتهم الشخصية مع أجهزة الدولة، ومع فريق "الخبراء المحللين". ويتقابل الفريقان على منصات التواصل الاجتماعي، فتشتعل حماسة الجماهير المؤيدة لهذا الفريق أو ذاك، وإذا كان فريق "الخبراء المحللين" مدعوماً بوسائل الإعلام العمومي التي لا تنطق إلا بـ"الحقائق"، فإن منصات التواصل الاجتماعي تشكل، في معظمها، القاعدة الخلفية لفريق الناقمين. وبصرف النظر عن المآرب التي تحرك هذا الفصيل أو ذاك، تستدعي القضايا العادلة من كل الناس، متعلمين أو غير متعلمين، الوقوف بجانبها. فالقضية بكل اختصار هي مواجهة بين الظلم والعدل؛ الهيمنة ضد المقاومة، فإن لم تستطع مناصرة الحق، فلا تكن بوقاً للظلم، وتجتهد -بلغة أكاديمية ركيكة وزائفة- في تغليف الحقائق بادعاءات واهية.