
أندرو مارش "حول الديمقراطية المسلمة".. تأملات في فكر راشد الغنوشي
شغلت أسئلة الديمقراطية والإسلام والحداثة الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وظلت الإجابات المختلفة المقدمة من قبل الحركات الإسلامية ومواقفها من هذه القضايا الأساسية، أحد المعايير الأساسية التي اعتمدها المفكرون والباحثون العرب والأجانب في تصنيف وتمييز الحركات الإسلامية بعضها عن بعض.
ففي الوقت الذي يعتبر فيه بعض الإسلاميين أن هناك إمكانية للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، ويرى فريق منهم في الديمقراطية تطبيقا لمفهوم الشورى في القرآن استنادا إلى ما جاء في القرآن والسنة النبوية وبعض الآراء الاستثنائية في الفقه الإسلامي التي تعتبر الشورى ملزمة، نجد فريقا ثانيا يعتبر أن الديمقراطية والشورى سواء.
ويذهب إلى الاستدلال على ذلك بوثيقة المدينة التي يرى فيها "أول عقد مواطنة في التاريخ" لما فيها من حث على العدل والتعددية وحماية الأقليات واعتبار اليهود والمسلمين أمة واحدة.
كما أن هناك فريقا آخر من الإسلاميين يعتبر أن الديمقراطية والإسلام ضدان لا يجتمعان، وينقسم هؤلاء بدورهم إلى فريقين: فريق تقليدي وآخر جهادي، ويستشهد الفريقان بالكتاب والسنة لإثبات أن الحكم لله وليس للشعب، وأن التشريع لله وليس للبرلمان.
ويرى الفريق الأول أن الديمقراطية تتعارض مع التصور الإسلامي للسلطة والحكم، فيما يتجاوز الفريق الثاني التعارض الفقهي إلى المفاصلة العقدية، ويرى في الديمقراطية كفرا ويصفها بـ"طاغوت العصر".
ولعل هذه التفريعات والتصورات المختلفة المبنية على قناعات منها الراسخ والمتحول المبني على التحولات المجتمعية والتغيرات الفكرية والسياسية والإستراتيجية وحتى الأيديولوجية، والناتج عن موجة الديمقراطية العالمية التي هبت على العالم أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وهذا ما أنتج الكثيرَ من الكتابات العربية والأجنبية التي أغنت المكتبة العربية في هذا الاتجاه، وسلطت الضوء على الكثير من القضايا الشائكة المتعلقة بالتجديد الديني والحداثة والديمقراطية والليبرالية، والإسلام السياسي ومنزلقاته الخطيرة، خاصة بعد موجة "الربيع العربي" ومطالبة الشعوب العربية بالحرية والكرامة والمساواة والديمقراطية ومشاركة المرأة في الحياة السياسية.
ومن بين هذه الكتب نجد كتابات أشهر القادة الإسلاميين في العالم الإسلامي والمجتهدين في الفكر والفقه الإسلامي المعاصرين:
وهما المفكر والزعيم السياسي والديني السوداني الراحل حسن عبد الله الترابي صاحب كتاب "السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع" ، الذي أصدره عام 2003 وهو في السجن بعد اختلافه مع نظام الحكم في السودان الذي كان هو عقله المدبر.
والمفكر وزعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي المعتقل منذ عام 2023 صاحب كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" بجزأيه الأول الصادر عام 1993 والثاني الصادر عام 2012.
إضافة إلى كتابه "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام" الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات وعن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2012.
الغنوشي والديمقراطية المسلمة
إن هذه الأعمال المجددة للشيخ راشد الغنوشي وغيرها من كتاباته، التي فاقت الـ20 مؤلفا، والتي قدم فيها اجتهادات في مواضيع الحريات والعلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وتشبع بها حتى على مستوى الممارسة السياسية بتونس والمواقف التي تصدر عنه، هي ما أثار الاهتمام بهذا الرجل السياسي والمفكر والزعيم الإسلامي من قبل الباحثين العرب والغربيين.
فلقد أفردوا له كتابات، بل وخصصوا له من الوقت ما لم يخصصوه لغيره، وعلى رأسهم الباحث الأميركي وأستاذ العلوم السياسية أندرو مارش الذي أصدر عام 2023 كتابا عنه وبالتعاون معه باللغة الإنجليزية تحت عنوان: "ON MUSLIM DEMOCRACY: ESSAYS AND DIALOGUES-حول الديمقراطية المسلمة: نصوص وحوارات" عن "منشورات جامعة أكسفورد" قسم الدين والسياسات العامة.
وهو كتاب يضم مجموعة من النصوص والمقالات للشيخ راشد الغنوشي المترجمة من العربية إلى الإنجليزية من قبل الباحث الأميركي المتخصص في الفكر الإسلامي، وحوارا مطولا معه يرصد مساره الفكري والسياسي والتحولات الكبيرة التي عرفها وكيفية انتقاله من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة وقطعه مع الإسلام السياسي.
تحدث الباحث الأميركي أندرو مارش عن تأليفه لهذا الكتاب، الواقع في 284 صفحة من الحجم المتوسط، في الملتقى الفكري حول "الإسلام والديمقراطية" الذي خصصه "منتدى المتوسط للتبادل والحوار" مساء يوم الثلاثاء 18 مارس/آذار الجاري بمدينة سلا المغربية للاحتفاء بهذا المؤلف ومناقشته بحضور نخبة من الكتاب والسياسيين والمثقفين المغاربة وحضور المناضل التونسي رضا إدريس مستشار الغنوشي للعلاقات الخارجية.
قال الباحث إن دواعي تأليفه تعود إلى اهتمامه بدراسة المفاهيم الإسلامية المتعلقة بالحكم والحرية، حيث أثارت قراءته لكتاب الشيخ راشد الغنوشي "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" فضوله المعرفي للنبش العميق في مفهوم "الاستخلاف"، باعتباره مبدأ محوريا في الفكر الإسلامي السياسي.
ذلك ما دفعه إلى الاهتمام بتتبع مراحل تطور الفكرة من نموذج الخلافة التقليدية إلى التفاعلات الديمقراطية الحديثة، خصوصا مع ما شهده العالم العربي والإسلامي في ظل "الربيع العربي"، وتحديدا تونس التي أطلقت شرارته الأولى في عام 2011.
حركة النهضة التونسية
ويعرض الأكاديمي الأميركي والأستاذ بجامعة "ماساتشوستس" في مقدمته لهذا الكتاب، والتي تفوق 30 صفحة، الأسباب التي دفعته إلى تأليفه مع الغنوشي، ولجمع وترجمة مجموعة من المقالات إلى اللغة الإنجليزية وهي غير معروفة بالنسبة إلى القارئ الغربي.
وقد تم ذلك بعدما عمل مع جامعة "ييل" الخاصة في كنتيكيت على ترجمة كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" إلى الإنجليزية، وهو ما فتح أمامه المجال للقاء الغنوشي والتواصل معه بشكل مباشر، والكتابة عن العشرية الديمقراطية بتونس، والتي كان للغنوشي دور كبير في إنجاحها.
حيث لعب الغنوشي دورا محوريا على مستوى الممارسة السياسية في فترة الانتقال الديمقراطي في تونس بعد الثورة، ثم في فترة "التوافق" التي جمعته بالرئيس السابق الباجي قائد السبسي.
وتميزت حركة النهضة عن غيرها من الحركات الإسلامية بتقديم تنازلات كبيرة لمعارضيها العلمانيين من أجل المحافظة على استقرار تونس، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وتخلت عن السلطة السياسية، التي حصلت عليها في انتخابات حرة ونزيهة، لصالح حكومة تكنوقراطية.
كما أنها أعلنت رسميا في مؤتمرها العاشر في مايو/أيار 2016، بعد عامين من اعتماد دستور ديمقراطي، تمت صياغته بعد ما يقرب من 3 سنوات من المداولات والمفاوضات الشاقة في مجلس تأسيسي وطني، أنها تجاوزت تسمية "الإسلام السياسي" وعرّفت نهجها باسم "الديمقراطية المسلمة".
ودعت إلى حوار مع مجموع الديمقراطيين المسلمين من أجل سن نهج صحيح يقوم على رفض أي تناقض بين قيم الإسلام والحداثة، وفق ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر النهضة العاشر.
وهو ما رأى فيه الكثير من المراقبين والمتتبعين لحركة النهضة قطيعة حادة وانفصالا عن النهج التاريخي والأيديولوجي الذي خطته الحركة لنفسها منذ البداية.
ويضيف البروفيسور أندرو مارش في أول لقاء بالعالم العربي لتقديم هذا الكتاب بعد لقاءات خصصت له بتركيا وببعض الدول الغربية، أن ما يتعرض له الغنوشي من اعتقال إلى غاية اليوم يعد انتكاسة كبيرة للتجربة الديمقراطية في تونس.
وأن هذا الوضع "يعكس التحديات التي تواجه الديمقراطية المسلمة، ليس فقط كتجربة سياسية، ولكن أيضا كمفهوم فكري يسعى إلى تحقيق التعددية والحرية ضمن إطار إسلامي".
يشير مارش إلى أنه على الرغم من أن ظاهرة "الديمقراطية الإسلامية" كانت موضوعا لبعض الدراسات، فإن هذا الكتاب، على حد قوله، هو أول عمل باللغة الإنجليزية يقدم ترجمة لنصوص "المصدر" الأولية التي توضح بالتفصيل معالمه الأيديولوجية، لأنه يقف على نموذج حي هو حزب النهضة التونسي الذي تجاوز الإسلام السياسي الكلاسيكي، ودور مؤسسه راشد الغنوشي في تطوير مفهوم "الديمقراطية المسلمة"، الذي يراه تطورا فكريا يتجاوز الإسلام السياسي التقليدي.
العلاقة بين الإسلام والديمقراطية
فهل "الديمقراطية المسلمة" مجرد مصطلح سياسي، أم أنها تمثل رؤية فكرية متكاملة تتجاوز الإسلام السياسي؟
وهل هي أيديولوجية أم نظرية حول السياسة من وجهة نظر إسلامية؟
وما أوجه اختلافها عن الإسلام السياسي أو النظريات السابقة لـ "الديمقراطية الإسلامية"؟
وكيف تختلف عن النظريات غير الإسلامية للديمقراطية البرلمانية التعددية؟
وهل الأمر يتعلق بتسويق سياسي في مرحلة الانتخابات فقط أم بقرار إستراتيجي مناهض للأحزاب الأخرى المعادية لدمقرطة الإسلام؟
هذه بعض من الأسئلة الأساسية المؤطرة لكتاب "حول الديمقراطية المسلمة" الذي يناقش فيه الأكاديمي أندرو مارش العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والعدالة والتعددية، ويقدم محاولة فريدة لتفسير هذه الظاهرة أيديولوجيًا من خلال ترجمة 10 مقالات مركزية لراشد الغنوشي تطور مقاربة متميزة للسياسة والديمقراطية والخلاف، فضلا عن حوار فلسفي مطول بين الغنوشي أحد مفكري الحركة الإسلامية والأكاديمي السياسي أندرو مارش.
وعلى هذا الأساس جاء الكتاب موزعا إلى مقدمة عامة تحمل عنوان "من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة: راشد الغنوشي في الفكر والعمل"، و10 فصول.
الأول منها يحمل عنوان "الحريات الأساسية في الإسلام"
والثاني "جدلية الوحدة والاختلاف والتعددية السياسية في الإسلام"
والثالث "متى يكون الإسلام هو الحل؟"
والرابع عن "الحرية أولا"
والخامس "بين سيد قطب ومالك بن نبي: عشر نقاط"
والسادس حول "الإسلام والمواطنة".
ثم الفصل السابع حول "مشكلات الخطاب الإسلامي المعاصر"
والثامن حول "العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة من منظور حزب النهضة"
والتاسع حول "دلالات ومتطلبات دستور ما بعد الثورة".
أما الفصل العاشر المعنون بـ "حقوق الإنسان في الإسلام" فيضم حوارات فلسفية لاهوتية حول الديمقراطية والتعددية والإسلام والعلمانية للأكاديمي أندرو مارش مع زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي.
وهي حوارات يتتبع فيها مسار هذا الزعيم السياسي الاستثنائي، الذي بدأ علمانيا وقوميا، وتحول إلى الحركة الإسلامية عبر حزب النهضة، وتعرض إلى الكثير من المضايقات والاعتقال والتعذيب في ثمانينيات القرن الماضي.
كما حكم بالإعدام مرتين في التسعينيات، ما اضطره إلى البقاء في المنفى بلندن لمدة 21 عاما من 1989 إلى غاية2011، بسبب أفكاره وتصوراته التي لم تكن تجد صدى لها من طرف الكثير من معارضيه، خاصة حينما حاول تقديم نموذج فكري جديد يمكن أن يلهم الدول الإسلامية الأخرى التي تسعى إلى تحقيق التغيير السياسي والاجتماعي.
بَيد أن خصومه من الإسلاميين والعلمانيين الذين يؤمنون باستحالة التوفيق بين الإسلام السياسي والديمقراطية، كانوا يصفون التيارات التي تتماهى مع الديمقراطية بالتلفيق، ومحاولة أسلمة الديمقراطية أو دمقرطة الحركات الإسلامية كإجراء تكتيكي مرحلي للوصول إلى الحكم ثم الانقلاب على الديمقراطية لصالح دولة الخلافة التاريخية، رغم أن حركة النهضة أعلنت الانسحاب من المشاركة السياسية في الحكومة حفاظا على الديمقراطية والسلم والوطن.
ولهذا فالغنوشي حسب مارش، ليس مجرد سياسي، بل هو "مفكر ومجدد سعى إلى التوفيق بين التراث الإسلامي ومتطلبات الديمقراطية الحديثة"، وهو ما حاولت هذه الحوارات الغنية والمفيدة الوقوف عنده عبر التركيز على عصارة فكر الغنوشي وأطروحته السياسية، وتقديم الخصائص الأساسية للديمقراطية المسلمة التي تدمج القيم الإسلامية في إطار ديمقراطي تعددي بما يجعلها تتميز عن الديمقراطية الإسلامية، والتي اجتهد في إبرازها راشد الغنوشي عبر التركيز على التعددية السياسية والحقوق والحريات وعلى رأسها حرية المعتقد والضمير والإيمان بالدولة المدنية والعدالة.
من الديمقراطية الإسلامية إلى الديمقراطية المسلمة
وانطلاقا من التجربة التونسية التي تختلف عن تجارب بلدان مثل تركيا، والمغرب، وماليزيا، وباكستان، ومن داخل المنظومة الفكرية للشيخ راشد الغنوشي وحركة النهضة، يبرز الأكاديمي الأميركي الكثير من الفوارق الجوهرية بين الديمقراطية الإسلامية التي تسعى إلى فرض نموذج إسلامي على الدولة، وبين الديمقراطية المسلمة التي تعترف بالتعددية كحقيقة سياسية لا يمكن تجاوزها، مشيرا إلى أن التجربة التونسية فرضت هذا التحول، حيث لم يعد من الممكن تجاهل الأحزاب العلمانية، والليبرالية، واليسارية، مما استدعى تبني نهج أكثر مرونة يقوم على مرتكزات أساسية لتخطي مجموعة من الصعوبات والمنزلقات، وعلى رأسها الالتزام بالحرية، حيث يرى الغنوشي أن "الحرية ليست مجرد قيمة ليبرالية، بل هي شرط أساسي لأي عمل أخلاقي وديني، ولا يمكن تحقيق الفضيلة الدينية دون حرية حقيقية".
ثم الاعتراف العميق بالتعددية السياسية، على اعتبار أنها ليست أمرا سحريا، بل عمل أنطولوجي للسياسة. مستدلا على "وثيقة المدينة" أو صحيفة المدينة التي وضعها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باعتبارها أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية، والتي تمثل حسب الغنوشي "نموذجا لدولة تعددية تنبني على توافق دنيوي قائم على المصالح المدنية وليس على الانتماء الديني أو العقدي".
ويشير مارش في تقديمه لهذا الكتاب إلى أن الغنوشي بعد عقود من النضال السياسي انتقل من الطوباوية إلى الواقعية السياسية، وأضحى يتبنى رؤية أكثر واقعية، لأنه أدرك أن السياسة ليست مجالا للمثاليات، بل هي مجال لإدارة المصالح وتقليل الأضرار.
وهنا ركز على تحول مثير لدى الغنوشي في رؤيته للعلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين، حيث لم يعد ينظر إلى الصراع السياسي من منظور ديني يفرق بين العدو والصديق أو الأخ المتدين والكافر، بل من موقع آخر في إطار الديمقراطية المسلمة لأن العدو أصبح هو "المعارض للديمقراطية، سواء كان إسلاميا أو علمانيا" وأصبح الصديق هو "المؤمن بالديمقراطية، بغض النظر عن انتمائه الأيديولوجي ولكن خارج الدكتاتورية والاستبداد ومن دون أي مساندة من أي بلد خارجي".
ويخلص مارش في هذا الكتاب إلى أن نجاح الديمقراطية المسلمة يعتمد بالأساس على قدرتها على تقديم بديل عملي وفعال للاستبداد، بديل نابع من الداخل يقوم على الحرية والتعددية وتحقيق العدالة.
فبدلا من تقديم نموذج مثالي للدولة الإسلامية برأيه، تسعى الديمقراطية المسلمة إلى خلق نظام سياسي يسمح بالتعايش بين مختلف التيارات، ولهذا فإن الديمقراطية المسلمة بحاجة إلى ديمقراطيين، ويقول إنه "لا يعرف أي شخص ملتزم بها أكثر من الشيخ راشد الغنوشي الذي يمضي رمضانه الثاني في السجن"، ويرى في اعتقاله "اختبارا حقيقيا لمستقبل الديمقراطية المسلمة"، وأن استمرار سجنه يعكس "صعوبة ترسيخ القيم الديمقراطية في العالم الإسلامي".
ويختم حديثه عن الكتاب بالقول: "الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم، بل هي ثقافة تحتاج إلى أناس يؤمنون بها. وإذا كان الخيار بين الديمقراطية والاستبداد أو الحرب الأهلية، فإن الديمقراطية المسلمة تظل الحل الأمثل لضمان الاستقرار والتعددية في المجتمعات المسلمة".
نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية
ويعتبر المشاركون في الملتقى الفكري حول "الإسلام والمواطنة" لمنتدى المتوسط للتبادل والحوار الذي يرأسه السياسي الإسلامي رضا بنخلدون، أن كتاب أندرو مارش وراشد الغنوشي ليس مجرد تجميع لمقالات وحوارات امتدت على مدى سنتين 2021 و2022.
بل كتاب استوعب آخر إنتاجات الغنوشي، كما يقول الباحث بلال التليدي، وهذه نقطة تحسب للأكاديمي الأميركي أندرو مارش، الذي وقف عند أفكار وتفسيرات الغنوشي وحركة النهضة، ولم يسائلها.
مع العلم أن النسق الغنوشي -لمن درس أدبياته- مختلط يجمع بين القطعية والتحوّلية، ولهذا وجب إعادة النظر، حسب التليدي، في هذه الأدبيات وتصنيفها من جديد وتتبع مسعى التأصيل الديمقراطي فيها دون إغفال التوازنات أو التنازلات التي رضخ لها حزب النهضة.
ويرى الكاتب حسن أوريد من جانبه أن الكتاب يحتاج إلى وقفة، لأنه يعتبر نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية، وفي المرجعيات التي أثرت في هذه الحركة وعلى رأسها سيد قطب الذي يرى أن الحاكمية لله، ولا شيء غير الله، وأن الإسلام هو الحل وأن الذين لا ينخرطون في توجه إسلامي يحق عليهم نوع من التكفير، وهي المرجعية الناظمة للإسلام السياسي.
فالكتاب، برأيه، ينقلنا من مرجعية أثرت في جيل وألهمت الحركات السياسية وغيرها، إلى مرجعية أخرى ترى أن "الحاكمية لله لا تتنافى مع سيادة الشعب، وأن استخلاف الإنسان لا يعفيه من المسؤولية ولا يمكن تبعا لذلك أن نقسم المجتمع إلى جاهليين وغير جاهليين، ولكن إلى أطياف يمكن أن يجمع بينها الحوار والتوافق عوض التكفير، لتقوم آصرة مثلى بين عناصر المجتمع وهي المواطنة".
ويعود الفضل في هذه النقلة الفكرية النوعية إلى راشد الغنوشي، حيث يظل فكره حاضرا ببصمته المميزة، بوصفه رجل فكر أتى من الفلسفة وليس من الفقه الإسلامي، ورجل فعل عرك السياسة وعانى من التضييق، أغنته تجربة المنفى في لندن ومكنته من أن يخلق نوعا من المواءمة وليس التوفيق بين التجربة الإسلامية والفكر الغربي والفصل بين ما هو دعوي وسياسي عبر تبني مفهوم الديمقراطية المسلمة، لأنه لا بديل عن الديمقراطية اليوم فهي الجامع المشترك بيننا.
وبشكل عام، فإن كتاب "حول الديمقراطية المسلمة" لأندرو مارش وراشد الغنوشي له راهنيته، فهو يقدم رؤية مستقبلية ملهمة تسعى لتحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، ما يجعله مرجعا مهما لكل من يهتم ببناء مجتمعات ديمقراطية قائمة على القيم الإسلامية. كتاب لا يسائل علاقة الديمقراطية بالإسلام بل يتجاوزها إلى علاقة الإسلام بالحداثة ككل.
كما يسائل التجربة الديمقراطية التونسية التي تنبأ لها الكل بالنجاح، ولكنها كما يقول مستشار الغنوشي في العلاقات الخارجية رضا إدريس في ختام الملتقى، قد أخفقت لأنها "ديمقراطية لم تنتج الثروة، والمجتمع التونسي كان ينتظر الثروة من الثورة".
كما أن "التونسيين قد أخفقوا في أمر آخر وهو بيع الديمقراطية وأن تكون جذابة للمال الحلال"، كما يقول، ولهذا فإن النخبة التونسية التي تفننت في صناعة الدستور التونسي المتقدم، يلزمها بعض الوقت للقضاء على الشعبوية التي استشرت، والعمل على بناء نهضة ديمقراطية جديدة للبلد، بحسب وصفه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبار قطر
منذ 2 أيام
- أخبار قطر
برنامج القيادة والأركان: تكريم خريجي وزير الحرس الوطني
بدأ سمو وزير الحرس الوطني الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز مهامه الرسمية يوم الأحد عندما حضر حفل تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان. وكانت هذه اللحظة مميزة حقًا للخريجين الذين تلقوا تعليمهم في كلية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقيادة والأركان. لم يكن هناك شك في أن هذا اليوم كان يومًا لا يُنسى بالنسبة لهم ولعائلاتهم. في بادئ الأمر، استقبل سمو وزير الحرس الوطني عددًا من الشخصيات المهمة في الحفل بما في ذلك نائب وزير الحرس الوطني ورئيس الجهاز العسكري بوزارة الحرس الوطني. بعد ذلك، قام الملكي برعاية حفل التخرج بتلاوة آيات من القرآن الكريم وإلقاء كلمة ترحيبية. وفي نهاية الحفل، تم تكريم الطلاب المتفوقين الذين حصلوا على المراكز الأولى في البرنامج. وفي إطار تطوير البرامج التعليمية، دشن سمو الأمير برنامج الماجستير في الدراسات الإستراتيجية بالتعاون مع جامعة الدفاع الوطني للقوات المسلحة. وقد أكد العديد من الخريجين على قيمة الدورات التدريبية والتعليمية التي تلقوها خلال فترة دراستهم. بالتالي، كان هذا الحفل فرصة للاحتفال بإنجازاتهم والتعب الذي بذلوه خلال العام الدراسي.


أخبار قطر
منذ 2 أيام
- أخبار قطر
استضافة 1000 حاج وحاجة من ذوي الشهداء والأسرى والجرحى في فلسطين
بداية الحديث عن قرار الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بضيافة 1000 حاج وحاجة من ذوي الشهداء والأسرى والجرحى من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق لأداء مناسك الحج لهذا العام 1446هـ، يأتي هذا القرار ضمن برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة الذي تنفذه وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد. وقد رفع معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ شكره وتقديره للملك سلمان وولي العهد على هذه البادرة الكريمة التي تعكس اهتمام المملكة وقيادتها بأهمية دعم أبناء الشعب الفلسطيني وتعزيز الأخوة الإسلامية. في سياق متصل، أكد الشيخ آل الشيخ على أهمية البرنامج الذي استضاف منذ بدايته أكثر من 64 ألف حاج وحاجة من مختلف دول العالم، مؤكدًا على جهود قيادة المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين وتعزيز مكانتها كقلب للعالم الإسلامي. كما بدأت الوزارة بوضع خطة تنفيذية لتقديم التسهيلات والخدمات للحجاج الفلسطينيين بدءًا من مغادرتهم بلادهم وحتى عودتهم بعد أداء المناسك، وهذا يعكس الحرص المستمر على تيسير أداء مناسك الحج لهؤلاء الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة. في الختام، ندعو الله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على دعمهما السخي للأشقاء في فلسطين، ونسأل الله أن يديم على المملكة نعمة الأمن والنماء والاستقرار، وهذا يعكس الاهتمام الكبير بقضايا الأمة الإسلامية.

العرب القطرية
منذ 5 أيام
- العرب القطرية
معهد الدوحة للدراسات العليا يحتفل بتخريج الفوج التاسع من طلبة الماجستير
الدوحة - العرب احتفل معهد الدوحة للدراسات العليا، السبت 17 مايو 2025 بتخريج الفوج التاسع من طلبة الماجستير، بحضور ورعاية معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وبتشريف عدد من أصحاب السعادة الوزراء وكبار الضيوف، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا الدكتور عزمي بشارة وعدد من أعضاء المجلس. وابتدأت مراسيم الحفل بقيادة رئيس المعهد والعمداء، ومشاركة أعضاء الهيئة التدريسية والخريجين وانضمت إلى الحفل كذلك أسر الخريجين وأصدقائهم ونخبة من الضيوف. وقد شهد الحفل الذي أقيم في قاعة المؤتمرات بمركز قطر الوطني للمؤتمرات (QNCC) تخريج 220 طالباً وطالبة، منهم 150 في كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، و70 في كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة، يمثلون 28 جنسية ومن ضمنهم 95 خريجاً وخريجة بدعم من صندوق قطر للتنمية ضمن برنامج دولة قطر للمنح الدراسية للطلبة الدوليين. ويمثل عدد الخريجين القطريين 71 خريجًا وخريجة. استُهِل الحفل بالنشيد الوطني وآيات من القرآن الكريم، تلا ذلك كلمة ترحيبية ألقاها الدكتور عبد الوهاب الأفندي، رئيس المعهد قال فيها: "يصادف حفل التخرج لهذا العام مناسبة ذات مغزى كبير بالنسبة لكل أسرة المعهد ولقطر، وهي الاحتفالات باكتمال العام العاشر من عمر المعهد. لهذا؛ فإن تخرّج هذا الفوج يكتسب بدوره أهميةً خاصةً، حيث أصبح احتفالاً داخل احتفال. فالتهنئة لخريجي هذا العام، مع التهنئة لكل أسرة المعهد، ولدولة قطر قيادتها وشعبها بهذا الصرح المعرفي، والإنجاز الذي ينضم إلى إنجازات قطرية متلاحقة في مجال التعليم وصناعة المعرفة، وفي ميدان التنمية والبناء، وفي كل مجالات خدمة الإنسانية، التي أصبحت كلها مفاخر تباهي بها قطر الأمم". وأضاف رئيس المعهد: خريجو هذا الفوج، مثل أسلافهم ولاحقيهم بإذن الله هم أحد هذه المفاخر، ليس فقط لأنهم تفوقوا في المعارف والمهارات، ولزموا كرائم الأخلاق، بل لأنهم سيدخلون مباشرة في عمليات التنمية والبناء والتطوير التي تعجل بجعل رؤية قطر الوطنية 2030 واقعاً تراه العيون، وتنفع العالم والإنسانية. فالمعهد يساهم بقسط نعتز به في العديد من الميادين التي أصحبت بحمد الله من مفاخر قطر: تنمية العلم وبناء المعرفة، دعم الصحة والرفاه، قيادة البناء والتطور، السعي في صنع السلام وإطفاء الحروب، والسبق في ريادة العمل الإنساني، والشفافية والتطوير الإداري، وغير ذلك من ميادين التقدم". وشهد الحفل الذي قدّمه كلٌّ من الطالب محمد الخيارين من برنامج (العلوم السياسية والعلاقات الدولية)، وآية تلاحمة من برنامج (حقوق الإنسان) عرض فيديو عن مسيرة معهد الدوحة للدراسات العليا. وفي كلمته الاحتفالية بهذه المناسبة قال سعادة الشيخ الدكتور عبد الله بن علي بن سعود آل ثاني، نائب رئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات للعليا: "تُجسّد هذه الدفعةُ من خريجي معهد الدوحة للدراسات العليا وعدَ جيلٍ متمكِّنٍ من المعرفة، ومُزوَّدٍ بأدوات التفكير النقدي، والإبداع، والتعلُّم المستمر. وفي هذا العصر المتغيّر، يحملونَ إرثاً عريقاً من التميُّز الأكاديمي والمسؤولية المجتمعية، إرثاً متجذراً في التزام قطرَ الراسخ بالتعليم وتنمية الإنسان". وقد مثّل الخريجين في كلمتهم نواف الدوسري، خريج برنامج الإدارة العامة، ورغد أفغاني، خريجة برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني، عبّرا فيها عن مشاعر الامتنان والتطلعات التي يحملها زملاؤهم في هذه اللحظة المفصلية من مسيرتهم العلمية والإنسانية. حيث قال نواف الدوسري "ها نحن نصلُ إلى مرحلةٍ جديدة في حياتِنا، نُغلق باباً من أبواب الرحلة، ونفتح آخرَ. إنَّها مرحلةٌ يتحوّل فيها العِلمُ إلى مسؤوليةٍ، والمعرفةُ إلى أَثَر". وأكدّ على ما شكّلته هذه التجربة الأكاديمية من وعيٍ أعمق وفهمٍ أكثر نضجاً لمفهوم المعرفة". من جانبها، قالت رغد أفغاني: "نقفُ اليومَ على أعتابِ مرحلةٍ مفصليةٍ في حياتِنا؛ ننظر إلى الخلفِ لِنرى رحلةً من الجهدِ والمثابرة، وإلى الأمامِ نَلمحُ مسؤوليةً يحملها العلمُ على أكتافِنا. لم تكن هذه الرحلةُ مجردَ سنواتٍ أكاديميةٍ، بل كانت تجربةً صاغت وعينَا، ووسّعت آفاقنَا، وعمّقت فهمنَا لمعنى المعرفة؛ لا كغاية، بل كأداة للتغيير". وأضافت أفغاني: "لم يكن معهد الدوحة للدراسات العليا مؤسسةً تعليميةً فحسب، بل كان مختبراً فكرياً ومنارةً للعقول، وفضاءً امتزَج فيه الفكرُ بالنقدِ، والبحثُ بالشغفِ، والتجربةُ بالحكمة". قبل نهاية الحفل جرى عرض فيديو لخريجي الفوج التاسع يوثق قصص نجاحهم، ليتفضل بعدها معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية ورئيس مجلس أمناء المعهد الدكتور عزمي بشارة، والدكتور عبد الوهاب الأفندي رئيس المعهد وعمداء الكليات بتسليم الشهادات للخريجين، عقب ذلك التقاط صور تذكارية جماعية للخريجين مع ضيف وراعي الحفل. تجدر الإشارة إلى أن معهد الدوحة للدراسات العليا قد احتفل بتخريج ثمانية أفواج منذ تأسيسه، بعدد إجمالي وصل إلى 1419 خريجاً وخريجة. ويقدّم المعهد 19 برنامج ماجستير معتمدة دولياً في كليتين: كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية وكلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة. كما يطرح ثمانية برامج في مسار الدكتوراه هي: اقتصاديات التنمية، الإدارة العامة، العلوم السياسية والعلاقات الدولية، اللسانيات والمعجمية العربية، التاريخ، علم الاجتماع، الدراسات الإعلامية، الدراسات الأمنية النقدية.