
برنامج لوريال-اليونسكو "من أجل المرأة في العلم" يُكرّم 6 باحثاتٍ رائداتٍ من المشرق العربي، ويسلّط الضوء على دورهنّ المُلهم في بناءِ مُستقبلٍ مُستدام
أخبارنا :
بيروت ــ تحت شعار "العالم يحتاج إلى العلم، والعلم يحتاج إلى المرأة"، كرّم برنامج لوريال-اليونسكو "من أجل المرأة في العلم" في دورته الحادية عشرة، ست باحثات شابات متميزات من المشرق العربي، في حفلٍ أقيم في المركز التدريبي لشركة طيران الشرق الأوسط في بيروت، يوم الخميس 13 شباط 2025، برعاية وحضور معالي وزير الإعلام السابق، المهندس زياد المكاري.
تم اختيار هؤلاء العالمات الشابات، من بين حوالي 100 مرشحة، ليمثلن قوة المرأة في العلوم في المشرق العربي. بتمثيلهن لتخصّصاتٍ مُتنوّعة، من علم النفس إلى البيولوجيا الجزيئية، وتحديهن للصعاب في المنطقة، تُثبت هؤلاء الباحثات، القادمات من لبنان، الأردن، العراق، سوريا، وفلسطين، الدور المحوري للمرأة في تطوير العلوم والمعرفة، ويُلهمنَ الأجيال الصاعدة لبناء مستقبلٍ أفضل.
ألقى المهندس زياد المكاري كلمةً خلال الاحتفال، قال فيها: "نُكرّم اليوم نخبةً من ألمع العقول النسائية في المشرق العربي. إنّ جائزة 'لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم' تُسلّط الضوء على الدور المحوري للمرأة في تقدم العلوم في منطقتنا العربية. وهي تُشكّل منصّةً لتشجيع الابتكار وإيجاد حلولٍ لتحدياتٍ حيوية تُواجهُ مجتمعاتنا. أشيد بشكلٍ خاص بنجاح الباحثات اللبنانيات المُتكرّر في هذا البرنامج، الذي يُثبت، رغم التحديات الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، قدرة المرأة اللبنانية على التألق والصمود، ويُظهر أن لبنان، بمواهبه الطموحة، قادرٌ على تجاوز الأزمات، والريادة في مختلف الميادين. إنّ هذه الجائزة ليست مجرد تكريم، بل هي استثمارٌ في مستقبل منطقتنا العربية المُشرق، وشعلة أملٍ لجيلٍ جديدٍ من العالمات الرائعات."
يشكّل برنامج المشرق العربي جزءًا من مبادرة «لوريال - اليونسكو» العالمية من أجل المرأة في العلم، الّتي أطلقتها مؤسسة لوريال بالتعاون مع منظّمة اليونسكو سنة 1998، انطلاقًا من قناعتها الراسخة بأنّ " العالم يحتاج إلى العلم، والعلم يحتاج إلى المرأة". وقد كرّم البرنامج، على مدار الـ 26 سنة الماضية، أكثر من 4400 باحثة بارزة و132 فائزة بجائزة عالمية في أكثر من 140 دولة. تجدر الإشارة إلى أنّه من بين الفائزات الـ132 تمّ منح جائزة نوبل لسبع باحثاتٍ منهنّ عبر السنين.
وقد تمّ إطلاق هذا البرنامج في لبنان عام 2014 بالشراكة مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، بهدف تعزيز مكانة العالمات العربيات من بلدان المشرق العربي، والاعتراف بدورهنّ الأساسيّ في المساهمة في تطوّر المنطقة ككلّ. يهدف البرنامج كذلك إلى تشجيع الباحثات لتكنّ قدوة تُلهم الأجيال الصاعدة من العالمات العربيات، وخاصةً المتردّدات منهنّ في انتهاج البحوث العلمية كمهنة لهنّ. ومنذ إطلاقه تمكّن البرنامج من دعم أكثر من 60 باحثة شابة على مستوى الدكتوراه ومرحلة ما بعد الدكتوراه. فمن خلال تقدير وتعزيز وتشجيع النساء الشابات المتميزات في مساراتهنّ المهنية، يعمل البرنامج جاهدًا على تعزيز تمثيل المرأة في مجال العلوم، كما وترسيخ مشاركتها في المناصب العليا وصنع القرار.
خلال الاحتفال، هنّأت السيدة إميلي وهاب حرب، المديرة العامة للوريال لبنان، الفائزات قائلةً: "في ظلّ التحديات التي تواجهها منطقتنا، تُمثل هؤلاء العالمات الشابات شعلة أملٍ تُضيءُ طريقَ مستقبلٍ أكثر إشراقاً. يتمتّعنَ بمواهبٍ استثنائية غالبًا ما تغيب عن الأنظار، ويساهمنَ بشكلٍ أساسي في التقدّم العلمي. وكما حققت ألعاب باريس 2024 التكافؤ بين الجنسين، يجب أن يُصبح هذا المبدأ ركيزةً أساسيةً في مجال العلوم. برنامج، لوريال-اليونسكو 'من أجل المرأة في العلم'، لا يقتصر على تكريم إنجازاتهنّ، بل يمتدّ ليشمل تمكينهنّ ومساعدتهنّ على تخطّي العقبات، ليُصبحنَ قائداتٍ في مجال الابتكار في منطقتنا والعالم". واختتمت حديثها مؤكدةً: " الأمر لا يتعلق بالكفاءات، بل بالفرص المتاحة. نحن ملتزمون بجعل النوع الاجتماعي مصدر قوّةٍ ودافعًا، لا حاجزًا، في مسيرة التقدم العلمي"
من جهتها، شرحت معالي الوزيرة الدكتورة تمارا الزين، وزيرة البيئة والأمينة العامّة السابقة للمجلس الوطني للبحوث العلمية ورئيسة لجنة التحكيم، أنّ "تحليل واقع النساء في العلوم لا يجب أن يقتصر على المؤشرات الكميّة لنسبة مشاركة المرأة في البحث العلمي، بل يجب أن يتخطّاها للوصول إلى فهم تأثير انسحاب النساء من رأس المال العلمي على إمكانية الوصول لكل المعرفة الكامنة في العلوم، كما على نواتج البحوث من حيث شموليتها وأثرها على المجتمع بكل مكوناته. وعلينا أن لا نغرق في الأرقام، فقضية المساواة ليست في الأعداد، بل هي مسألة حقوقية بامتياز."
قدّمت الاحتفال الإعلامية رنيم بو خزام، وقد حضره حوالي 300 مدعوًّا، من بينهم شخصيات دبلوماسية واجتماعية واقتصادية، وممثلين عن مؤسسات أكاديميّة وعلميّة وبحثيّة، وأعضاء منظّمات غير حكوميّة وحشد من الإعلاميّين، إضافة الى فريق عمل شركة لوريال لبنان وشركائها.
نبذة حول الفائزات لهذا العام: تمّ اختيار6 باحثات صاعدات من بين حوالي 100 مرشّحة لنسخة هذا العام. إنّ تسليط البرنامج الضوء عليهنّ، وإيمانه بأنهنّ يشكلّن مثالًا أعلى لأجيال عديدة، يؤمّن مستقبلًا واعدًا للعلوم في المنطقة والعالم.
عن فئة "باحثات ما بعد الدكتوراه"
1. الدكتورة ميريم الخوري من لبنان: أستاذة مشاركة في الجامعة اللبنانية الأميركية في قسم علم النفس والتربية. تمّ تكريمها على أبحاثها التي ترتكز على دراسة المسار الدماغي المختلف للإجهاد ما بعد الصدمة، مقابل النمو ما بعد الصدمة بعد خمس سنوات من انفجار مرفأ بيروت.
2. الدكتورة أحلام زيد الكيلاني من الأردن: أستاذ مشارك وعميد كلية الصيدلة في جامعة الزرقاء. تمّ تكريمها لأبحاثها الرائدة في تطوير وتوصيف أنظمة إيصال الجسيمات النانوية المحمّلة بالميلوكسيكام عبر الجلد، كبديل مبتكر لطرق الإعطاء التقليدية، مما يسهم في تقليل الاثار الجانبية مثل ألم المعدة. ويوفر حلولًا فعالة لإيصال العلاج لكبار السن والفئات غير القادرة على تناول الأدوية عن طريق الفم
3. الدكتورة هێژا رسول من العراق: أستاذة مساعدة ومديرة العلاقات الأكاديمية الدولية في جامعة جرموو في السليمانية في العراق. تمّ تكريمها على أبحاثها التي امتدت على مدار العقد الماضي والتي ترتكز على اكتشاف جزيئات جديدة من مكونات النباتات لعلاج سرطان الثدي.
عن فئة "الدكتوراه"
1. الدكتورة ريم برجي من لبنان: مشرفة في قسم طب الأسنان الترميمي والتجميلي في جامعة القديس يوسف في بيروت. حازت على التكريم تقديراً لأبحاثها المتميزة التي تركز على تأثير تقنيات تطبيق مختلفة ودرجة حرارة تبخير الهواء الدافئ على كفاءة الالتصاق لأربعة أنظمة لاصقة للأسنان.
2. طالبة الدكتوراه السيدة أماني عوده من فلسطين: طالبة في برنامج علم الأحياء الخلوية والجزيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت. تمّ تكريمها على أبحاثها التي ترتكز على كشف آليات الدفاع المناعية التي تستخدمها بعوضة الملاريا الأفريقية لمحاربة الميكروبات وذلك بهدف إكتشاف جينات جديدة مضادة لطفيليات الملاريا.
3. طالبة الدكتوراه الآنسة رنيم اسماعيل الخليل من سوريا: طالبة دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية في جامعة ميسور في الهند. تمّ تكريمها على أبحاثها التي ترتكز على اكتشاف التأثيرات المضادة للالتهاب لعدّة مستقلبات ثانويّة من عدة نباتات مختلفة.
-انتهى-
مؤسسة لوريال: تدعم مؤسسة لوريال النساء وتمكّنهنّ من تشكيل مستقبلهن وإحداث فرق في المجتمع، مع التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية: البحث العلمي، والجمال الشامل، والعمل المناخي.
منذ عام 1998، عمل برنامج لوريال-اليونسكو من أجل المرأة في العلم على تمكين المزيد من العالمات من تجاوز العوائق التي تعيق تقدمهن والمشاركة في حل التحديات الكبرى في عصرنا، لما فيه مصلحة الجميع. على مدار 26 عامًا، دعم البرنامج أكثر من 4400 باحثة من أكثر من 140 دولة، مكافئًا التميز العلمي وملهمًا الأجيال الشابة من النساء لمتابعة مسيرتهن المهنية في مجال العلوم
مقتنعةً بأن الجمال يساهم في عملية إعادة بناء الحياة، تساعد مؤسسة لوريال النساء الضعيفات على تحسين ثقتهن بأنفسهن من خلال علاجات الجمال والعافية المجانية. كما تتيح للنساء المحرومات الوصول إلى فرص العمل من خلال تدريبات مهنية متخصصة في مجال الجمال. في المتوسط، يحصل حوالي 16,000 شخص على هذه العلاجات المجانية كل عام، كما شارك أكثر من 35,000 شخص في تدريبات مهنية في مجال الجمال منذ بداية البرنامج.
أخيرًا، لا تزال النساء يعانين من التمييز وعدم المساواة المستمرين القائمين على النوع الاجتماعي، والتي تفاقمت بسبب التغير المناخي. وعلى الرغم من أنهن في الخطوط الأمامية للأزمة، إلا أنهن لا يزلن ممثلات تمثيلًا ناقصًا في عملية صنع القرار المناخي. يدعم برنامج المرأة والمناخ التابع لمؤسسة لوريال بشكل خاص النساء اللواتي يطورن مشاريع عمل مناخي تعالج الأزمة المناخية العاجلة، كما يعمل على زيادة الوعي بأهمية الحلول المناخية الحساسة للنوع الاجتماعي.
اليونسكو: تساهم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، التي تضم 194 دولة عضوًا، في تعزيز السلام والأمن من خلال قيادة التعاون متعدد الأطراف في مجالات التعليم والعلوم والثقافة والاتصال والمعلومات. يقع مقرها الرئيسي في باريس، ولديها مكاتب في 54 دولة، ويعمل بها أكثر من 2300 موظف. تشرف اليونسكو على أكثر من 2000 موقع للتراث العالمي ومحميات المحيط الحيوي والمتنزهات الجيولوجية العالمية؛ وشبكات المدن الإبداعية والتعليمية والشاملة والمستدامة؛ وأكثر من 13,000 مدرسة ومنصب أكاديمي في الجامعات ومؤسسات تدريب وبحث. تشغل منصب المدير العام لليونسكو أودري أزولاي.
"بما أن الحروب تبدأ في عقول البشر، فإنه في عقول البشر يجب أن تُبنى دفاعات السلام" – دستور اليونسكو، 1945.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ 3 أيام
- صراحة نيوز
قصف صاروخي إيراني يُدمّر معهد 'وايزمان' العلمي في إسرائيل
صراحة نيوز- تعرض معهد وايزمان للعلوم في رحوفوت لأضرار جسيمة إثر قصف صاروخي إيراني فجر الأحد، استهدف مبنى يحتوي على مختبرات حساسة. ويُعتبر معهد وايزمان من أبرز مراكز البحث العلمي في إسرائيل، حيث يضم نحو 2500 باحث وطالب دراسات عليا، ويُعرف بتطويره لتقنيات متقدمة في مجالات متعددة تشمل الذكاء الاصطناعي، الطب، والعلوم الدقيقة. رغم دوره العلمي، يشهد المعهد احتجاجات أسبوعية من قبل موظفيه ضد سياسة الحكومة الإسرائيلية في الحرب على غزة، مطالبين بوقف العمليات العسكرية. وأفادت تقارير بأن الصاروخ الإيراني تسبب بحريق واسع في أحد مباني المعهد، متسبباً بأضرار كبيرة في جدرانه ونوافذه، بينما أُثيرت مخاوف من وجود أشخاص محاصرين داخله. وأوضح شهود عيان حجم الدمار والصدمة التي خلفها الانفجار، خاصة في مركز أبحاث السرطان التابع للمعهد. تاريخياً، تأسس المعهد عام 1934 تحت اسم 'دانيال سيف'، ثم أُعيد تسميته باسم حاييم وايزمان، أول رئيس لإسرائيل، وهو معهد رائد عالمياً في البحث العلمي مع جوائز نوبل وجوائز تورينغ التي حصل عليها عدد من علمائه. كما يرتبط المعهد بعلاقات وثيقة مع الجيش الإسرائيلي وشركات الصناعات الدفاعية، مما يجعله نقطة محورية في المنظومة الأمنية والعسكرية للدولة. الهجوم الصاروخي جاء رداً على العملية العسكرية الإسرائيلية 'الأسد الصاعد' في إيران، التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني وأسفرت عن مقتل قيادات بارزة وعلماء في الحرس الثوري. ورغم الحماية المشددة، نجح الصاروخ الإيراني في اختراق الدفاعات الإسرائيلية وضرب معهد وايزمان بشكل مباشر، ما يؤكد حساسية الموقع ودوره في الصراع المستمر بين البلدين.


أخبارنا
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
ثيودور مايمان.. إشعاع المعرفة وذكرى الانطلاقة الأولى لليزر
أخبارنا : يصادف غداً السادس عشر من مايو، اليوم العالمي للضوء، بوصفه مناسبة دولية تسلّط الضوء على أهمية العلوم البصرية والتقنيات المعتمدة على الضوء في حياة البشر. وتعود رمزية هذا اليوم إلى تاريخ حاسم في مسيرة العلوم الحديثة، حين نجح الفيزيائي الأمريكي ثيودور مايمان عام 1960، في تنفيذ أول عملية ناجحة لتوليد الليزر باستخدام بلورة الياقوت، فاتحاً بذلك آفاقاً غير مسبوقة في التطبيقات العلمية والطبية والتكنولوجية. ويُعد هذا الإنجاز علامة فارقة في القرن العشرين، حيث أحدث اختراع الليزر ثورة هائلة امتدت آثارها إلى جميع مناحي الحياة، من استخداماته الطبية الدقيقة في جراحات العيون والأسنان إلى دوره الحيوي في الاتصالات، والقياسات، والصناعة، والتقنيات العسكرية، وصولاً إلى الفنون والترفيه. ثيودور هارولد مايمان، هو فيزيائي ومخترع أمريكي وُلد في 11 يوليو 1927، وتوفي في 5 مايو 2007. يُعرف عالمياً بأنه مخترع أول ليزر عملي في التاريخ، الذي نجح في تشغيله لأول مرة في 16 مايو 1960 باستخدام بلورة من الياقوت. حصل مايمان، على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة ستانفورد، وعمل لاحقاً في مختبرات هيوز للأبحاث، حيث طور الليزر الياقوتي رغم الشكوك العلمية آنذاك حول إمكانية توليد ضوء مترابط بهذه الطريقة. وقد شكّل نجاحه نقطة تحول في العلوم التطبيقية، وأدى إلى فتح أبواب واسعة أمام تطبيقات الليزر في الطب والصناعة والاتصالات والعلوم العسكرية. نال مايمان خلال حياته عدة جوائز وتكريمات علمية مرموقة، ورُشح لاحقاً لجائزة نوبل. كما سُجّل اسمه في التاريخ كأحد أبرز العلماء الذين ساهموا في تغيير وجه التكنولوجيا الحديثة، عبر «أشعة الضوء المكثفة» التي أصبحت اليوم جزءاً من حياتنا اليومية. تأتي الذكرى السنوية لاختراع الليزر هذا العام لتؤكد أهمية دعم البحث العلمي وتعزيز الابتكار في مجالات الفيزياء والهندسة الضوئية، وإلهام الأجيال الجديدة لدراسة العلوم وتطويعها لخدمة الإنسان. كما يشكّل اليوم العالمي للضوء فرصة لتقدير جهود العلماء والمخترعين الذين أضاؤوا الطريق نحو عالم أكثر تطوراً ودقة.


العرب اليوم
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العرب اليوم
اصطياد الأدمغة لا يكفي!
وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نداءً إلى العلماء المهددين في أميركا، قائلاً إن أوروبا كلها باتت ملجأ لهم، مستلهماً نموذج ماري كوري، البولندية التي بنت مجدها في المختبرات الفرنسية. وأصبحت أول امرأة تنال «نوبل». 500 مليون يورو خصصها الاتحاد الأوروبي لهذه الغاية، ومائة مليون من فرنسا، وتسنّ دول أخرى أسنانها على رأسها كندا وبريطانيا، لتخطف العقول الهاربة من الجامعات الأميركية، باعتبارها فرصة لن تتكرر. وهي أدمغة في غالبيتها ليست بأميركية، بل زبدة البحاثة الذين حتى الأمس القريب كانت أميركا حلمهم، والوصول إليها غاية مطامحهم. المثير، أن الدول التي تطلق نداءات، وتنظّر لقيمة العلم، لم تكن بالحماسة نفسها قبل أشهر، وعرف عنها أنها بيئات طاردة للبحث العلمي، بسبب فقر مختبراتها. أيقظت المعضلات الأميركية الدراماتيكية شهوة مستجدة للمعرفة. مع أن الجامعات الفرنسية تعاني نقص الميزانيات، وانخفاض عدد الأساتذة نسبة للطلاب، وشح في تمويل الأبحاث، وتململ وهجرة. التنافس في الخير فضيلة. ألمانيا خصصت أكثر من 15 مليون يورو في برنامجين مختلفين، لإنجاز عقود مع الباحثين الجدد. كندا أخرجت من الأدراج مشروعاً يسمح بالحصول على تصاريح عمل خلال أسبوعين، للمتخصصين في مجال الهندسة والرياضيات والتكنولوجيا. سنغافورة تقدم منحاً بحثيةً في الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع كوريا الجنوبية ونيوزيلندا. بريطانيا مبادراتها الإغوائية سخية، وصلت إلى 50 مليون جنيه، لاستقطاب أصحاب الاختصاص في الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء. وإسرائيل تعض أصابع الندامة لأنها في وضع لا يسمح لها بإطلاق أكثر من 3 ملايين دولار، غير كافية، لتعوض أولئك الذين هجروها منذ أخذت الديكتاتورية المتطرفة تتوطن، بفضل إصلاحات نتنياهو القضائية. هجرة العقول تعود إلى 2010 وبدء التوتر بين الصين وأميركا واندلاع ازمة شركة «هواوي». شعر العلماء من أصول صينية، أن المناخات لم تعد مواتية. غادر سنوياً بين ألف وألفي عالم عائدين إلى بلادهم. استغلت الصين الفرصة عام 2018 وأطلقت مبادرة لاسترجاعهم، فتسارعت الهجرة، ومن تبقى منهم يقولون إنهم يفكرون جدياً في المغادرة. أجرت مجلة «نيتشر» دراسة أثارت صدمة. 75 في المائة من العلماء المستطلعين يفكرون في ترك الولايات المتحدة. غالبيتهم من الذين يبدأون حياتهم المهنية أو على مشارف الحصول على دكتوراه، ومفضلاتهم، كندا وألمانيا وأستراليا. القمع الذي تعرض له الطلاب كان سبباً، ثم تسريح أساتذة لمواقف أو حتى لعدم اتخاذ موقف. منهم من فقدوا وظائفهم بسبب خفض المساعدات الحكومية، ومن تململ لتهاوي سقف الحرية. ثمة كتب أصبحت ممنوعة، مفردات محظورة، صور تحذف، حقائق علمية يشكك بها. لم يعد غريباً الحديث عن أن الأرض مسطحة، وأن أزمة المناخ بدعة. لكن ما هدد بسحبه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من «جامعة كولومبيا» وحدها 400 مليون دولار، وما جمد لـ«جامعة هارفرد»، فخر الجامعات العالمية، مليارات الدولارات. مبالغ تفوق كل ما خصصته الدول الراغبة في جذب العلماء الهاربين مجتمعة. تذهب الذاكرة إلى العلماء الذين هربوا من القمع من أوروبا إلى أميركا، خلال الحرب الثانية. هؤلاء بنوا أميركا، ساهم بعضهم في صناعة القنبلة الذرية، وتطوير الصناعات، والنهضة التكنولوجية. تذكر اليوم هجرة آينشتاين بكثير من الحسرة. حينها فقدت ألمانيا ربع فيزيائييها، 11 منهم حاز «نوبل» قبل أو بعد ذلك. دروس التاريخ ملغومة. ترمب يجد حلول التدهور الاقتصادي والصناعي الحاليين بالعودة إلى نموذج الرئيس هربرت هوفر الذي فرض ضرائب جمركية لحل الكساد الكبير عام 1930، فوقع في المحظور. الأوروبيون يعتقدون أنه يكفي أن يخصصوا بضعة ملايين، ليسترجعوا «عصر الأنوار»، ويكتب لهم الفتح العظيم الذي نالته أميركا على يد مهاجريهم الأفذاذ قبل مائة عام. ما يخسره العالم بتشظي مراكز البحث الأميركية، أكبر مما يتم تصويره. ثمة انهيارات عمودية في مراكز جمعت زبدة طلاب الكوكب، وفرت لهم الثروات، وأمنت لهم التثاقف، وحرية البحث، مع تثمير النتائج بوضعها على تماس مع من يستطيع تنفيذها، والترويج لها. منظومة علمية خلاّقة متكاملة، من تهجين الفكرة وتوليدها وصولاً إلى تحويلها منتجاً، وتسويقها حول العالم، وهو ما يستحيل تعويضه. دافيد جايز، باحث فرنسي، يعتقد أن كل ما يثار حول الفائدة الأوروبية المرتجاة، من هذا الانهيار الكبير، يحجب غابة من الابتكارات العلمية التي تنمو في الصين بسرعة مذهلة. يذكّر أن دراسة أسترالية حديثة بينت أن 37 من أصل 44 مجالاً تكنولوجياً دقيقاً، تقدمت فيه الصين على اميركا، وأوروبا ليست على الخريطة. المسافة شاسعة بين القمة المرتفعة التي يقف عليها كل من القطبين أميركا والصين، وما وصلت إليه كل الدول الأخرى. القادم مثير للغاية، وما نعاينه يبقى سوريالياً. الجميع تحت هول الصدمة، وعلى رأسهم أهل العلم والمعرفة.