
كيف تحول المغرب إلى محطة عبور رئيسية لمستحضرات التجميل المزيفة؟
رغم أن المغرب لا يعد من بين الدول الصناعية الكبرى، إلا أن موقعه الجغرافي وانخراطه المتزايد في سلاسل التوريد جعلاه اليوم في مرمى تجارة عالمية غير مشروعة تدر مليارات الدولارات سنويا. وفقا للتقرير الصادر حديثا عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والمكتب الأوروبي للملكية الفكرية، بشأن خريطة التجارة العالمية في السلع المقلدة لعام 2025، فقد أصبح المغرب ضمن المسارات النشطة في التجارة غير المشروعة للمنتجات المقلدة، خصوصا مستحضرات التجميل.
صنف التقرير المشترك المغرب ضمن الدول الثلاثين الأكثر تورطا في هذه التجارة غير المشروعة، محتلا المرتبة 24 عالميا عام 2020، ومشيرا إلى دوره المتنامي كوجهة عبور أو منشأ ثانوي لسلع مقلدة موجهة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي ضوء ذلك، يطرح السؤال حول قدرة المملكة على احتواء هذه الظاهرة المعولمة التي لا تهدد فقط الأسواق المحلية، بل تمس أيضا الأمن الصحي والاقتصادي وحقوق الملكية الفكرية.
ويؤكد التقرير أن المغرب يعد من بين الدول التي سجلت ضمن وجهات أو نقاط عبور للسلع المقلدة، خصوصا من حيث القيمة الإجمالية للمصادرات. ففي الفترة ما بين 2020 و2021، ظهر المغرب في بيانات منظمة التعاون الاقتصادي ضمن قائمة الدول ذات الحصص البارزة في مصادرات الجمارك من حيث عدد الشحنات وكذلك من حيث قيمتها، إلى جانب دول مثل ألمانيا، لبنان، ومصر، ما يضع المملكة أمام تحديات حقيقية على مستوى حماية الأسواق المحلية من اختراق السلع المزيفة والملوثة.
وبالاستناد إلى مؤشر GTRIC-e وهو مؤشر مركب يستخدم لقياس احتمالية أن تكون دولة معينة مصدرا للسلع المقلدة بناء على نسبة هذه السلع ضمن صادراتها الكلية، فإن المغرب سجل 0.21 في قطاع الملابس، و0.175 في قطاع الأحذية، وهي نسب أقل بكثير من دول مثل لبنان (1.00)، سوريا (1.00)، وتركيا (1.00)، لكنها تظل مؤشرا على حضور ملموس للمغرب في شبكة التهريب العالمية. وتعد هذه النسبة دالة على إمكان تورط فاعلين اقتصاديين ضمن سلاسل التوريد في إدخال أو إنتاج سلع مزيفة على التراب الوطني، أو مروره ضمن سلسلة توزيع إقليمية.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن تجارة السلع المقلدة باتت تستهدف أكثر من 50 فئة من المنتجات، لكن التركيز الأكبر لا يزال موجها نحو السلع ذات القيمة المرتفعة مثل الملابس، الأحذية، الإلكترونيات، ومستحضرات التجميل. وفيما يتعلق بقطاع مستحضرات التجميل والعطور، سجل المغرب نسبا أدنى (غير مدرجة ضمن الدول ذات المؤشرات المرتفعة في هذا المجال)، إلا أن طرق التهريب تشمل تدفقات من الصين إلى دول شمال إفريقيا مثل المغرب، وهو ما يفسر إدراج المغرب ضمن المسارات 'غير التقليدية' لهذه السلع، كما ورد في الشكل 3.8 من التقرير الأصلي.
ويحذر التقرير من أن المهربين باتوا يعتمدون على استراتيجيات جديدة للتخفي، منها اللجوء إلى تجزئة الشحنات واعتماد مسارات التوزيع عبر الطرود البريدية الصغيرة، والتي يصعب على سلطات الجمارك مراقبتها بدقة. ففي عامي 2020-2021، شكلت الشحنات التي تحتوي أقل من 10 سلع نسبة 79 بالمائة من إجمالي المصادرات، مقارنة بـ61 بالمائة خلال الفترة من 2017 إلى 2019، وهو ما يعكس اتجاها متزايدا نحو استعمال طرق أقل لفتا للانتباه في توزيع السلع المقلدة.
وبالرغم من أن حجم التجارة العالمية انخفض سنة 2020 نتيجة جائحة كوفيد-19، إلا أن تجارة السلع المقلدة لم تتراجع بالوتيرة ذاتها، لأن معظمها مرتبط بالمنتجات المصنعة، لا بالمواد الأولية التي شهدت طفرة في التداول بعد الجائحة. وبلغت القيمة العالمية لتجارة السلع المقلدة في 2021 حوالي 467 مليار دولار، ما يعادل 2.3 بالمائة من مجمل الواردات العالمية، مقابل 464 مليار دولار في 2019، التي مثلت آنذاك 2.5 بالمائة من التجارة الدولية. أما داخل الاتحاد الأوروبي، فقد بلغت قيمة السلع المقلدة المستوردة 117 مليار دولار، أي 4.7 بالمائة من مجمل وارداته، في تراجع طفيف عن النسبة المسجلة سنة 2019.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من نصف السلع المقلدة المضبوطة والمتجهة نحو الاتحاد الأوروبي مصدرها الصين، تليها تركيا بنسبة 22 بالمائة، ثم هونغ كونغ بنسبة 12 بالمائة، في حين يتوزع الباقي بين عدد من الدول الواقعة في الشرق الأوسط وإفريقيا. وعلى هذا النحو، يظهر المغرب كدولة على الهامش من حيث الحجم الكلي للمصادرات، لكنه لا يزال معنيا بشكل مباشر بالتحولات الجغرافية في تجارة السلع المقلدة، لاسيما في ظل توسع المهربين نحو وجهات وممرات أقل مراقبة وأقل تكلفة في ما يعرف بتكتيك 'التوطين' الذي يهدف إلى إنتاج أو تجميع السلع المزيفة بالقرب من السوق المستهدف.
ويعزو التقرير هذا التوسع في استخدام دول مثل المغرب إلى مجموعة من العوامل، أبرزها وجود مناطق تجارة حرة تخضع لرقابة ضعيفة نسبيا، وإمكانية استيراد مكونات غير مجمعة أو تغليفات منفصلة تستعمل لاحقا في تجميع أو تزوير المنتج النهائي، وهو ما يصعب مهمة السلطات الجمركية، ويستدعي تطوير استراتيجيات جديدة للكشف والردع.
وخلص التقرير إلى أن مكافحة تجارة السلع المقلدة تتطلب تعاونا دوليا وثيقا وتبادل معلومات بين مختلف الجهات، من سلطات الجمارك إلى أصحاب الحقوق التجارية والشركات الناقلة، بما فيها خدمات البريد. فغياب التنسيق وضعف الموارد والتحديات التنظيمية تشكل ثغرات رئيسية يستغلها المهربون. وفي السياق المغربي، فإن وجود المملكة على خارطة التهريب العالمي، ولو بشكل نسبي، يدعو إلى تعزيز مراقبة الحدود وتحديث آليات المراقبة الجمركية، لا سيما في ظل اتساع التجارة الإلكترونية وتفشي الطرود الصغيرة التي تعبر دون تدقيق.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغربية المستقلة
منذ 3 ساعات
- المغربية المستقلة
إسبانيا تترقب مشروع أنبوب الغاز الذي سيربطها بنيجيريا عبر المغرب يرسم خريطة الطاقة بين إفريقيا وأوروبا
المغربية المستقلة : تترقب إسبانيا بشغف كبير مشروع أنبوب الغاز الذي سيربطها بنيجيريا عبر المغرب، والذي بات أقرب من أي وقت مضى إلى أن يصبح واقعا استراتيجيا يعيد رسم خريطة الطاقة بين إفريقيا وأوروبا. ويقدر الغلاف الاستثماري لهذا المشروع الضخم بحوالي 25 مليار دولار (ما يعادل 22.3 مليار يورو)، وسيمتد عبر عشر دول إفريقية من خلال كابل بحري يبلغ طوله 6,000 كيلومتر، ليشكل بذلك أطول أنبوب غاز في العالم. وقد أكد المغرب، على لسان وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن الدراسات الخاصة بالجدوى والمسار والهندسة الأولية قد اكتملت، مشيرة إلى أن 'المغرب ونيجيريا بصدد تأسيس شركة مشتركة من أجل اتخاذ القرار النهائي للاستثمار قبل نهاية العام الجاري'. وأضافت بنعلي أن المشروع يشكل دعامة تنموية متعددة الأبعاد، إذ يمثل 'محفزا للنمو الاقتصادي والصناعي والرقمي، ويعزز من فرص التشغيل، ويكرّس دور المغرب كممر استراتيجي للطاقة بين إفريقيا وأوروبا وحوض الأطلسي'. وفي هذا السياق، وصفت صحيفة THE OBJECTIVE المشروع بـ'المحوري' بالنسبة للحكومة الإسبانية، التي تراهن عليه وعلى تقنيات الهيدروجين من أجل ضمان انتقال طاقي سلس، لا سيما مع اعتزام البلاد إغلاق محطاتها النووية بحلول سنة 2035. وفي المقابل، تلقى المشروع النيجيري-المغربي دفعة إضافية بعد تراجع مشروع أنبوب الجزائر-نيجيريا، الذي كان يهدف إلى إيصال الغاز عبر النيجر نحو شمال إفريقيا، غير أن التحديات الأمنية في منطقة الساحل، خاصة بعد توتر العلاقات بين الجزائر وبلدان مثل النيجر ومالي، أدت إلى تعثر الطموحات الجزائرية في هذا المجال. وبينما تستعد مدريد لمرحلة جديدة من الشراكة الطاقية مع الرباط وأبوجا، يرى مراقبون أن المشروع سيفتح الباب أمام إعادة تشكيل النفوذ الطاقي في غرب البحر الأبيض المتوسط، ويمنح المغرب موقعا استراتيجيا غير مسبوق في معادلة الطاقة الدولية.


العالم24
منذ 3 ساعات
- العالم24
دونالد ترامب.. جولتنا إلى منطقة الخليج كانت استثنائية بكل المقاييس
خلال كلمته التي ألقاها من مركز كينيدي الثقافي في العاصمة الأمريكية، وصف الرئيس دونالد ترامب جولته الأخيرة إلى منطقة الخليج بأنها كانت 'استثنائية بكل المقاييس'، مؤكداً على عمق العلاقات التي تربط بلاده بكل من قطر والسعودية والإمارات. وقد سلط الضوء على الأثر الاقتصادي الكبير لهذه الزيارة، والتي اعتبرها واحدة من أنجح الجولات الدبلوماسية في التاريخ الحديث. وفي هذا السياق، قال ترامب: 'قمنا بزيارة قطر والسعودية والإمارات، وتمكنا من جلب استثمارات بقيمة تقارب 5.1 تريليون دولار، وهذا رقم غير مسبوق.' مشيرًا إلى أن الأرقام التي تم تحقيقها على صعيد الاستثمارات تتراوح، في بعض الحالات، بين 1.4 تريليون و2 تريليون دولار، وهي نتائج وصفها بأنها لم تكن في الحسبان، ولم يُسبق أن تم الإعلان عن مثيل لها. وأشاد ترامب بما تم التوصل إليه من تفاهمات وصفقات خلال هذه الجولة، معتبرًا إياها دليلاً على الثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين، وعلى نجاح النهج الاقتصادي والدبلوماسي الذي تبنته إدارته خلال تلك المرحلة.


عبّر
منذ 3 ساعات
- عبّر
المغرب يستعد لإنتاج أول أسمدة خضراء في العالم بحلول 2027
يُواصل المغرب خطواته الريادية في مجال الاقتصاد الأخضر، مع إعلان مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) عن استعدادها لإنتاج أول أسمدة خضراء بدون انبعاثات كربونية على مستوى العالم بحلول سنة 2027، في سابقة عالمية تعكس تحولاً استراتيجياً في القطاع الصناعي المغربي. إنتاج 3 ملايين طن من الأسمدة الخضراء وقال أحمد مهرو، المدير العام لوحدة الأعمال الاستراتيجية للتصنيع بالمجموعة، في حديث لقناة 'الشرق'، إن المشروع سيكون ثمرة لبرنامج استثماري طموح انطلق عام 2023 ويمتد لأربع سنوات، مؤكداً أن عملية إنتاج 3 ملايين طن من الأسمدة الخضراء في المغرب ستعتمد بالكامل على الطاقات المتجددة ومياه البحر المحلاة، دون أي انبعاثات كربونية، وهو ما يُعد إنجازًا عالميًا غير مسبوق في هذا القطاع. استثمار ضخم بقيمة 130 مليار درهم في إطار هذا التحول الصناعي، تعتزم مجموعة OCP استثمار 130 مليار درهم لتعزيز إنتاجها من الفوسفات والأمونيا، إلى جانب تطوير مشاريع تحلية مياه البحر، بما يساهم في تأمين الموارد المائية للمصانع والمدن المحيطة بها، ويكرس ريادة المجموعة في الاقتصاد المستدام. 'هذه الزيادة ستضاف إلى الإنتاج الحالي من الأسمدة، والذي يبلغ نحو 15 مليون طن سنويًا، لتصبح المجموعة في موقع قيادي عالمي في إنتاج الأسمدة الخضراء'. المغرب: قوة عالمية في سوق الفوسفات يمتلك المغرب أكثر من 70% من الاحتياطي العالمي للفوسفات، وتُعد مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط الذراع الأساسية للدولة في استخراج ومعالجة وتصدير هذه المادة الحيوية، سواء على شكل خام أو منتجات صناعية مثل الأسمدة. وخلال العام الماضي، سجلت المجموعة أرباحًا صافية بلغت 20.4 مليار درهم (نحو 2.1 مليار دولار)، بدعم من زيادة الطلب الدولي وارتفاع الأسعار، رغم تراجع نسبي مقارنة بأرباح عام 2022 الاستثنائية. تحلية المياه: دعامة إضافية للانتقال الأخضر يمثل توفير المياه أحد الأعمدة الرئيسية في التحول نحو الأسمدة الخضراء في المغرب. وتبلغ قدرة OCP الحالية على تحلية مياه البحر نحو 200 مليون متر مكعب سنويًا، مع خطط توسعية تهدف إلى بلوغ 600 مليون متر مكعب في أفق 2030، لتلبية الطلب المتزايد من طرف الوحدات الصناعية والمناطق المجاورة. OCP: أكثر من فوسفات بعيدًا عن الفوسفات، تستثمر مجموعة OCP في قطاعات متعددة تشمل التعليم، والفلاحة، والطاقة، والمياه، والسياحة، والاستثمار الجريء، مما يجعلها لاعبًا استراتيجيًا في التنمية الاقتصادية الشاملة للبلاد. هذا، ويمثل مشروع الأسمدة الخضراء في المغرب نقلة نوعية في صناعة الأسمدة عالميًا، ويعكس التزام المملكة بتعزيز الاقتصاد الأخضر والابتكار البيئي. وبفضل رؤيتها الاستثمارية واستغلالها الذكي للموارد الطبيعية والطاقة النظيفة، يقترب المغرب من ترسيخ مكانته كقوة صناعية بيئية على الساحة الدولية.