
تقرير العيد في غزة.. لا خراف ولا فرحة (صور)
غزة/ أدهم الشريف:
في أحد أزقة حي الدرج وسط مدينة غزة، ينهمك الحاج حامد الشيخ في تنظيف أدواته بصمتٍ ثقيل، داخل المذبح الذي يملكه، ويُعد واحدًا من المذابح القليلة التي ما زالت تعمل في غزة في زمن الحرب. لا صياح للخراف، ولا أصوات للمشترين، ولا حتى صدى لتكبيرات الأطفال في محيط المذبح، كما اعتاد في مثل هذه الأيام. فقط صوت الحرب ومشاهد الموت، وهدير المقاتلات الحربية التابعة لجيش الإبادة الإسرائيلي، ورائحة الدم المنبعثة، ليس من الأضاحي فحسب، بل من طوابير الشهداء.
في الجهة المقابلة لمحله، يُشعل الشيخ (61 عامًا) موقدًا حجريًا يحتضن بين جنباته مجموعة من الأخشاب المشتعلة، ضمن مهمة يومية لإعداد شوربة "المرقة"، المصنوعة من الماء، ودهن الخروف، وبعض عظامه، المختلطة بأنواع مختلفة من البهارات. يحرص أبناؤه على إعدادها بعدما أصبحت وجبة مفضلة تلقى إقبالاً متزايدًا.
هذا المشهد يتكرر للعام الثاني على التوالي في قطاع غزة، حيث يُحرم المواطنون، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، من الأضاحي واللحوم وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، في ظل الحصار المطبق الذي رافق حرب الإبادة الممتدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أمام أحد الأوعية المعدنية الممتلئة بالمرقة، وقف هاشم محمود يتأمل قطع الدهن العائمة على سطحها، قبل أن يطلب من البائع أن يضع له لترًا منها داخل ظرف صغير.
كان هاشم يمسك بيد طفله، وقد تعلقت عيناه بقطع من العظم داخل وعاء الطبخ. سأله الطفل: "ستحضر لنا أضحية؟" ولم يجد الأب جوابًا.
محمد عارف، رب أسرة نازحة من شمال القطاع إلى مدينة غزة، وقف قرب بائع المرقة يتأمل لافتة مكتوب عليها: "اللتر بـ7 شواكل." ابتسم بمرارة وقال: "هذا ما نقدر عليه. لم نعد نحلم بالخروف. فقط نشتري بعض المرقة، ونتخيل أن فيها لحمًا، ونرضي أطفالنا برائحة الأضحية لا أكثر."
الحرب على غزة لم تكن دموية بحق البشر فحسب، بل إن القصف الإسرائيلي دمّر مزارع الماشية، وأدى إغلاق المعابر إلى منع دخول الخرفان والعجول، فيما صارت الأسعار كابوسًا يطارد المواطنين الغزيين.
فقد حامد الشيخ، المكنى بـ"أبو أمين"، مزرعته خلال الحرب. كانت تضم المئات من رؤوس الماشية، من خرفان وعجول، وتقع بالقرب من سوق السيارات في حي الزيتون المُدمَّر، جنوبي مدينة غزة، حيث تتمركز قوات الاحتلال.
وكان ذلك سببًا رئيسيًا في ارتفاع أسعار اللحوم بشكل جنوني، إلى درجة أن الغالبية العظمى من سكان غزة لم يتناولوا وجبة لحم واحدة منذ ما يزيد على عام ونصف.
يقول الشيخ لصحيفة "فلسطين": "ثمن الخروف الواحد قبل الحرب كان يتراوح بين 1200 و1500 شيكل، والآن ارتفع السعر أضعافًا مضاعفة حتى صار يتراوح بين 12 و15 ألف شيكل. هذا الرقم لا يقدر على دفعه أحد إلا أصحاب رؤوس الأموال."
الملحمة التي يملكها الشيخ يزيد عمرها على 36 عامًا، اعتاد خلالها على ذبح خروف واحد على الأقل يوميًا، وفي موسم العيد كان يبيع قرابة 60 عجلًا و90 خروفًا. لكنه حاليًا بالكاد يذبح خروفًا واحدًا كل أسبوع، إن توفر، في ظل الحصار والعجز الحاصل في المواشي.
أما عن موسم الأضاحي، فيقول إنه معدوم تمامًا؛ فلا يتوفر لدى التجار ما يكفي من رؤوس الماشية، والناس ليس بإمكانهم شراء اللحوم لافتقارهم القدرة الشرائية.
يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف إلى 450 شيكلًا، فيما يلجأ البعض إلى ذبح الجمل في عمر يتراوح بين عام وعام ونصف، ويُسمى "قاعود"، إن توفر، ويبلغ سعر الكيلوغرام منه قرابة 200 شيكل.
في غزة، لا أحد ينتظر لحم الأضحية؛ فقط الناس يأملون ألا يُحمَلوا على الأكتاف أو يُدفَنوا تحت ركام الحرب، كضحايا للإبادة الإسرائيلية.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 18 ساعات
- فلسطين أون لاين
600 يوم من الحرب... كيف عجزت (إسرائيل) عن كسر المقاومة في غزَّة؟
غزة/ محمد الأيوبي: بعد مرور أكثر من 600 يوم على اندلاع الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة وفاعلة، في حين تتكشف مؤشرات فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أيٍّ من أهدافه العسكرية أو السياسية، وسط أزمات متفاقمة داخليًا وخارجيًا تُضعف قدرته على مواصلة الحرب أو فرض إرادته. وفي قراءتهما للمشهد بعد أكثر من عام ونصف العام من حرب الإبادة الإسرائيلية، يُجمع خبيران عسكريان على أن الاحتلال أخفق استراتيجيًا وميدانيًا، وأن المقاومة حققت مكاسب تكتيكية وسياسية حالت دون انتصار الاحتلال أو فرض معادلاته. كبح الاندفاع الصهيوني يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن "الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق أي من أهدافه المعلنة في قطاع غزة، رغم مرور 600 يوم من القتال، ورغم تصريحات بنيامين نتنياهو بأنه يقاتل على ست جبهات وسيغيّر وجه الشرق الأوسط". ويقول أبو زيد لصحيفة "فلسطين": "منذ بداية الحرب، أعلن الاحتلال ثلاثة أهداف رئيسية: القضاء على المقاومة، ونزع سلاحها، واستعادة الأسرى بالقوة. لكن بعد كل هذا الوقت، ما تزال المقاومة تطلق الصواريخ، ولم تُجرد من سلاحها، كما أن استعادة الأسرى لم تتحقق إلا عبر صفقات تبادل، لا من خلال القوة". ويضيف: "لم نرَ علمًا أبيض يُرفع من أي مقاوم، رغم كل المجازر. الاحتلال لم يخُض قتالًا حقيقيًا، بل مارس تدميرًا وقتلًا ممنهجًا بحق المدنيين، وجيشه جيش قتل لا جيش مقاتلين. لذا يمكن القول إن المقاومة منعت الاحتلال من تحقيق النصر، وهذا بحد ذاته يُعدّ انتصارًا لها". ويُبرز أبو زيد أثر الحرب على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، قائلًا: "وفق الإحصاءات الإسرائيلية، هاجر أكثر من 250 ألف إسرائيلي خلال الحرب، وسط تصاعد الأزمات الاقتصادية والسياسية. كما بدأ الرصيد الدولي لـ(إسرائيل) يتآكل، فقد وجهت دول مثل بلجيكا وأستراليا وأيرلندا، وأخيرًا ألمانيا، انتقادات صريحة لسياساتها في غزة، في مؤشر واضح على تراجع مكانتها الدبلوماسية في الغرب". ويرى أن المقاومة الفلسطينية حققت مكاسب استراتيجية وتكتيكية مكّنتها من الصمود طيلة هذه المدة، مضيفًا: "نتنياهو تحدث عن تغيير وجه الشرق الأوسط، لكن ما غيّر معادلات المنطقة فعلًا هو يوم 7 أكتوبر، لا سياساته المتطرفة". وختم أبو زيد بالقول: "لولا عملية طوفان الأقصى، لواصل نتنياهو عنجهيته في فرض الأدبيات الصهيونية ليس فقط في فلسطين المحتلة، بل على كامل المنطقة. لكن المقاومة كبحت جماح المشروع الصهيوني بعد 600 يوم من القتال، وأعادت رسم معادلات جديدة على الأرض". (إسرائيل) لا تعبأ بجنودها من جانبه، يرى الخبير العسكري ناجي ملاعب أن الحرب الإسرائيلية على غزة أكدت مجددًا أن (إسرائيل) لا تُعير أهمية لمواطنيها أو جنودها، بل تعتبر الحرب غاية قائمة بذاتها، لا وسيلة للسياسة. وقال ملاعب لـ"فلسطين": "(إسرائيل) سبق أن اجتاحت بيروت عام 1982 بذريعة اعتداء على أحد عناصر سفارتها في بريطانيا، لكن تبيّن لاحقًا أن المزاعم غير صحيحة. ما جرى حينها وما يجري اليوم يُثبت أن (إسرائيل) لا تهتم بجنودها أو بمواطنيها، وأنها ما تزال متمسكة بنظرية جابوتنسكي الصهيونية". وتابع: "فلاديمير جابوتنسكي، أحد منظري الصهيونية، كتب عام 1926 أن اقتلاع شعب من أرضه لا يكون إلا بالحرب، ثم الحرب، ثم الحرب. هذا ما نراه اليوم. كل الحكومات الإسرائيلية، وليس فقط اليمينية، تؤمن بأن الحرب هي المدخل إلى السياسة، وليس العكس. ولهذا تستمر الحرب دون أهداف واضحة". وأوضح ملاعب أن المجتمع الإسرائيلي نفسه بدأ يشعر بعبثية الحرب، وهو ما عبّر عنه بعض وزراء الكابينت الذين طالبوا بوضع أهداف محددة، مثل غانتس وأيزنكوت اللذين استقالا لاحقًا، في حين صمت رئيس الأركان السابق هاليفي بعدما صرّح بأن "الجيش حقق أهدافه ويجب الانسحاب". أما عن الشارع الإسرائيلي، فقال: "المظاهرات التي خرجت لم تكن حاسمة، لأن المعارضة لم تدعمها بقوة، وكانت محصورة في أهالي الأسرى. وبالتالي، سقطت مقولة أن العنصر الإسرائيلي مهم لدى حكومته". وأشار إلى أن المقاومة، وتحديدًا حركة حماس، أثبتت قدرة تنظيمية وقيادية عالية، ظهر ذلك في دقة التنسيق أثناء وقف إطلاق النار، ما يعكس تماسكًا داخليًا لم يستطع الاحتلال زعزعته. ويرى ملاعب أن استمرار المقاومة يعود إلى قوة شبكة الأنفاق تحت الأرض، قائلاً: "(إسرائيل) لم تنجح في القضاء على شبكة الأنفاق، وهي أحد أبرز أسباب صمود المقاومة. هناك غزة أخرى تحت الأرض. وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن حماس أعادت بناء قوتها بشكل كبير، وتضم اليوم نحو 40 ألف مقاتل، وتستفيد حتى من الذخائر غير المنفجرة لإعادة التذخير". وأضاف: "رغم السيطرة الجوية والبرية والنارية للاحتلال، ما تزال المقاومة تطلق الصواريخ وتنفذ كمائن مركبة عالية التنظيم. وهذا يدل على تطور كبير في قدراتها العسكرية". وعلى الصعيد الدولي، يؤكد ملاعب أن الاحتلال ما زال يحظى بدعم غربي واسع، قائلًا: "الولايات المتحدة وافقت مؤخرًا على دعم عسكري بقيمة 3 مليارات دولار، منها 300 مليون لتمويل جرافات تُستخدم في تدمير غزة. لكن رغم هذا الدعم السياسي والعسكري والمالي، فشلت (إسرائيل) في تحقيق حسم عسكري". وختم ملاعب قائلًا: "المقاومة ما زالت قائمة، وستبقى الأرض في يدها مهما حاول الاحتلال نزعها بالقوة. الدعم الخارجي لم يُغيّر الحقائق على الأرض، بل على العكس، أظهر فشل الاحتلال رغم تفوقه التكنولوجي والعسكري". المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 19 ساعات
- فلسطين أون لاين
تقرير مفقودون لم يعودوا من "مصائد الموت"... لا قبر ولا خبر
غزة/ يحيى اليعقوبي: "قبلها بيوم ما كانش في بيتي أي شيء".. ما قالته زوجة ضياء فيصل صيام (45 عامًا)، هو ما أجبره على التوجه إلى مركز توزيع المساعدات بمحافظة رفح جنوب قطاع غزة، صباح الخميس الماضي الموافق 29 مايو/ أيار 2025، مصطحبًا طفله محمد (12 عامًا). في تلك اللحظة وعد أطفاله الثلاثة الآخرين أن يعود "بما يسد رمق الجوع"، لكنه لم يعد. توجه صيام نحو طريق ميراج، ويومها وصل لعائلته خبر بفتح نقطة مساعدات تديرها مؤسسة أمريكية في تلك المنطقة. رافقه أحد جيرانه، ومع مرور الساعات دون عودته ظهر اليوم ذاته، بدأ القلق يزحف إلى قلب زوجته، التي بدأت بالاتصال على أشقاء زوجها وشقيقاته واحدًا تلو الآخر، لتصل إلى قناعة بحدوث شيءٍ أخّره عن القدوم. بصوت مليء بالقهر والحسرة، تحكي زوجته لصحيفة "فلسطين": "بعد العصر توجهت لمشفى ناصر، وبحثت بين سجلات المصابين والشهداء فلم أجده، تجولت في كل الأقسام على أمل أن يكون فيها، وفي اليوم الثاني عدت مجددًا وانتظرت طويلًا ولم أجدهم، وأبلغت عن فقدانهم". لم يعد لأطفاله منذ ستة أيام، يكتوي قلب زوجته بنيران الغياب. توجهت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر دون أن تصل إلى أي معلومة تبرد قلبها وقلوب أطفالها الثلاثة. تقول بقلب يثقله الغياب المجهول: "ما كانش عنا أي شيء نأكله قبل بيوم، وقال لي إنه رايح لمركز المساعدات. كان مترددًا وخايف يصير شيء، لكنه قال لي: (أنا خايف أروح.. بس الأولاد كاسرين ظهري، ما فيش حاجة عنا!)". وعن مركز توزيع المساعدات الذي فُقد فيه زوجها، أضافت بنبرات غضب: "أعطوا الناس أمان أول يوم، وطلع استدراج للموت. كل يوم في عشرات الشهداء. كل ثانية بتمر مرهقة بدون معرفة مصيرهم. ولو رجعوا، ما رح أرسلهم هناك حتى لو متنا من الجوع". ما يمنحها بعض الأمل هو ما قاله جيرانهم، إنهم تواصلوا مع مصادر في الصليب الأحمر وأُبلغوا أن طفلها المعتقل لدى جيش الاحتلال، وتوضح: "جارنا في مخيم الإيواء اسمه عبد المعين حرز الله، وهو من رافق زوجي وابني، وأتمنى يكونوا مع بعض". أما والده، فيصل صيام، فإلى جانب فقدان آثار نجله وحفيده، فقد استُشهد شقيقه نضال أثناء محاولته الحصول على طرد غذائي من مركز المساعدات في رفح، تاركًا خلفه ستة أبناء. يقول لصحيفة "فلسطين": "وقعت عليّ مصيبتان. أخي أحضرنا جثمانه ودفناه، أما ابني فلم نعرف إن كان معتقلًا أم شهيدًا. ما يقلقني أنه لو استُشهد، قد يكون ملقى على الطريق لتأكله الكلاب الضالة، وفي هذه الحالة أريد مواراته الثرى". تركوه ينزف في حادثة فقد أخرى، دفع توجه العائلات والشبان والأطفال من مخيم البريج وسط القطاع إلى مركز المساعدات قرب جسر وادي غزة بمحور نيتساريم، الشاب عبد الله المغاري (37 عامًا)، والذي يعاني من ضمور في الدماغ ونوبات تشنج، إلى الانضمام للحشود الخميس الماضي الموافق 29 مايو/ أيار. مع توافد الآلاف، أطلقت ثلاث دبابات إسرائيلية النار بكثافة تجاههم، ما أدى لإصابة الفتى عبيدة أبو موسى (16 عامًا) برصاصة في بطنه، وإصابة المغاري بذراعه، لكنه رفض ترك جاره الفتى وحيدًا، وحاول حمله بمساعدة شاب آخر. ومع اشتداد الألم عليه، طلب من الشاب أن يتركهم ويبلغ عائلته أنه بقي مع الفتى ولم يتركه. في تلك اللحظة، كان المصوّر فضل المغاري يوثّق مشاهد الزحام، حين تلقى اتصالًا بإصابة شقيقه عبد الله. لم يستطع الوصول إليه بسبب تدافع الناس والغبار وكثافة إطلاق النار. يقول لصحيفة "فلسطين": "حاولت التقدم للأمام، لكن المدفعية والرصاص منعتني. بحثت عنه بين الناس ولم أجده". ويتابع: "أخي يعاني من ضمور دماغي، إدراكه مثل طفل بعمر عشر سنوات. سار خلف الناس واصطف معهم دون أن نعرف. وعندما أُصيب مع عبيدة، رفض تركه. الشاب الذي حاول مساعدتهما تركهما مع استمرار إطلاق النار وتقدم الدبابات، ثم أخبرنا بتفاصيل ما حدث". ويضيف: "لا نعرف إن كان جيش الاحتلال أخذهم أم تُركوا في المكان. تواصلنا مع الصليب الأحمر ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وأُجري تنسيق لعشر مرات للتوجه إلى الموقع الذي فُقد فيه أخي والفتى، لكن جيش الاحتلال رفض". ووفق شهود عيان، أعطى عنصر من الشركة الأمريكية إشارة انسحاب لعناصر الشركة، وإشارة استدعاء لقوات الاحتلال، فتقدمت ثلاث دبابات من ثلاث اتجاهات، ومعها طائرة مسيّرة (كواد كابتر) وأطلقت نيرانًا كثيفة على المحتشدين، وأُصيب أخوه والفتى. أب ينتظر عودة نجله منذ ستة أيام، لم يفارق الحاج جبر أبو موسى مدخل النصيرات. في كل يوم يحاول الوصول إلى النقطة التي فُقدت فيها آثار نجله عبيدة (16 عامًا). منذ لحظة إصابته، حمل الأب قطعة قماش بيضاء وتوجه إلى هناك، لكن دبابة إسرائيلية أطلقت النار عليه وأسقطت طائرة مسيّرة قنبلة باتجاهه، فاضطر للتراجع. يروي لصحيفة "فلسطين" ودموعه تنساب بحرقة: "كل وقتي أقضيه عند المدخل. لولا أولادي يرجعوني للبيت، لما عدت. لن أرتاح حتى أعرف: أين ابني؟ وماذا حصل معه؟". ويضيف: "لو أعرف أنه شهيد سأترحم عليه وأدعو الله أن يصبرنا على فراقه، وإن كانت جثته هناك، أريد أن أدفنه. وإن كان مصابًا نريد أن نعرف.. هذا حقنا". ويتابع بحرقة: "ابني ذهب مع إخوته، لكن مع شدة التدافع وقت إطلاق الرصاص، تفرق عنهم وأُصيب مع المغاري. وعندما عدت للمكان، ورفعت قطعة قماش بيضاء، أطلقوا الرصاص علي ومنعوني من الاقتراب. لكن ما يعطيني أمل أنني رأيت مروحية تحلق على علو منخفض.. هل كانت تنقل مصابين؟ لا نعرف". ويتساءل: "كيف تستدعي المؤسسة الأمريكية الناس، ثم يطلق عليهم جيش الاحتلال النار؟"، متهمًا إياها بتحويل المساعدات إلى "مصيدة واستدراج لأبناء الشعب"، لتصبح المساعدة طُعمًا للموت. دعوات للمحاسبة وشدّدت منظمة العفو الدولية على ضرورة رفض خطة المساعدات الإنسانية التي تستخدمها (إسرائيل) سلاحًا، واتهمت المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا بالسماح باستمرار الكارثة والإبادة. وأكدت أن إطلاق النار على فلسطينيين جياع قرب موقع للمساعدات هو "حدث مروّع" يستدعي تحقيقًا فوريًا ومستقلًا. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، بلغ إجمالي الشهداء 102 شهيد، و522 إصابة، و9 مفقودين منذ بدء العمل بالخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات في 27 مايو/ أيار الماضي. ويقول مدير المكتب د. إسماعيل الثوابتة: "ما يُسمى مراكز توزيع مساعدات تحولت إلى مصائد موت جماعي، يُستدرج إليها الناس المنهكون بالجوع، ليُطلق عليهم الرصاص بدمٍ بارد، في مشهد يفضح زيف المشروع الذي يُسوَّق بواجهة (إنسانية)، بينما يُدار أمنيًا من جيش الاحتلال وشركة أمنية أمريكية". وأوضح أن هذه المراكز تُقام في مناطق خاضعة كليًا للسيطرة العسكرية للاحتلال، وتُدار أمنيًا منها، ما يسقط أي ذريعة للارتباك أو الخطر المفاجئ. من جهته، قال الباحث في المركز الفلسطيني للمفقودين، غازي المجدلاوي: "في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المساعدات الإنسانية طوق نجاة، تحولت مراكز التوزيع الأمريكية إلى نقاط استهداف، وأصبحت واحدة من أبرز المشاهد التي تتكرر فيها حالات الفقد والاختفاء القسري". وأكد لـ"فلسطين" أن المركز يوثق تزايدًا ملحوظًا في عدد حالات الفقد بعد كل استهداف لهذه النقاط، حيث يُفقد الاتصال بالمواطنين دون القدرة على تحديد مصيرهم، في ظل غياب أي التزام من الجهات الفاعلة بتأمين هذه المناطق التي يُفترض أن تكون آمنة. وطالب المجدلاوي المنظمات الدولية بتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، وضمان عدم تحوّل المساعدات إلى أدوات موت ووسائل لتوسيع دوائر الألم. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ 19 ساعات
- فلسطين أون لاين
تقرير الحرب على غزَّة تدفع الاقتصاد الإسرائيليَّ نحو ركود تاريخيّ وفقدان الثِّقة
غزة/ رامي محمد: بعد أكثر من 600 يوم على اندلاع حرب الإبادة في قطاع غزة، يواصل اقتصاد دولة الاحتلال تراجعه الحاد، وسط مؤشرات متزايدة على أزمة شاملة تعصف بالمالية العامة، والدين العام، وثقة المستثمرين المحليين والدوليين. ويرى مراقبون اقتصاديون أن الحرب لم تعد أزمة عسكرية أو سياسية فحسب، بل تحوّلت إلى كارثة اقتصادية متفاقمة تهدد بنية الاقتصاد الإسرائيلي وتُضعف مكانته الإقليمية والدولية، حيث يقف على أعتاب ركود طويل الأمد، مع غياب أي حلول سياسية جادة. ويؤكد الخبير الاقتصادي د. سمير الدقران أن الاقتصاد الإسرائيلي يمر بمرحلة اضطراب بنيوي، إذ تجاوز العجز المالي 30 مليار دولار منذ بدء الحرب، في واحدة من أسوأ أزماته خلال العقود الأخيرة. وأوضح الدقران لصحيفة "فلسطين" أن تكاليف الحرب العسكرية وحدها تجاوزت 40 مليار دولار، وتشمل العمليات العسكرية، وتوسيع نطاق التجنيد، والتعويضات. وأشار إلى أن الإنفاق العسكري استنزف نسبة كبيرة من الموازنة العامة، ما دفع حكومة الاحتلال إلى تقليص الإنفاق على قطاعات حيوية كالتعليم، والصحة، والبنية التحتية، إضافة إلى تجميد العديد من المشاريع التنموية. وأضاف أن التداعيات الاقتصادية لم تقتصر على الخسائر المباشرة، بل امتدت لتشمل توقف آلاف المصانع والمنشآت الاقتصادية عن العمل كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى تراجع كبير في الإيرادات الضريبية، وتفاقم اختلال التوازن المالي. كما لفت إلى الآثار الاجتماعية المصاحبة للأزمة الاقتصادية، من بينها ارتفاع معدلات البطالة وتآكل الطبقة الوسطى، ما بدأ يثير احتقانًا شعبيًا قد يتطور إلى أزمات سياسية لاحقًا. وأشار أيضًا إلى تراجع الاستهلاك المحلي مقابل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية. ونوّه إلى أن وكالات التصنيف الائتماني العالمية بدأت بإطلاق تحذيرات بشأن مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، إذ خفّضت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية"، نتيجة تراجع النمو وغياب الرؤية السياسية والاقتصادية. من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. نائل موسى إن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش حالة إنهاك حقيقي، مشيرًا إلى أن الدعم الغربي والأمريكي لم يعد كافيًا لتعويض الخسائر الهائلة، التي تفوق بكثير ما شهده خلال الحروب السابقة. وأوضح موسى أن ثقة المستثمرين شهدت تراجعًا حادًا، حيث غادرت شركات عالمية وناشئة، خاصة في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، السوق الإسرائيلية، ونقلت مقارها إلى دول أخرى. وأضاف أن بعض هذه الشركات كانت ضمن قائمة أفضل 100 شركة تقنية في العالم. وبيّن أن نحو 46 ألف شركة أغلقت أبوابها حتى نهاية عام 2024، معظمها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وسط تقديرات تشير إلى ارتفاع العدد إلى 60 ألفًا بحلول نهاية عام 2025، ما ينذر بزيادة معدلات البطالة واتساع رقعة الفقر. وأشار إلى أن الحرب تسببت بأضرار جسيمة في قطاعات حيوية مثل السياحة، والتجارة، والطيران، حيث كانت السياحة تدرّ أكثر من 8 مليارات دولار سنويًا، لكنها باتت في حالة شلل شبه كامل، مع إغلاق عدد كبير من الفنادق، وتوقف عشرات شركات النقل ومكاتب السياحة. وأوضح موسى أن الإنفاق الحكومي المفرط خلال فترة الحرب أدى إلى ارتفاع الدين العام بشكل مقلق، متوقعًا أن يتجاوز 71% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وفقًا لبيانات وزارة المالية الإسرائيلية. وختم موسى بالتأكيد على أن استمرار الحرب دون أفق للحل من شأنه أن يفاقم عزلة دولة الاحتلال اقتصاديًا، في ظل تنامي دعوات المقاطعة العالمية ضد الشركات الإسرائيلية أو المتورطة في دعم الحرب، لافتًا إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر شهد تراجعًا بنسبة 38% مقارنة بما قبل اندلاع الحرب. المصدر / فلسطين أون لاين