
في مهب التحولات الجيوسياسية... بريطانيا تختبر مرونتها التجارية
شكّل سعي بريطانيا لإبرام اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالتزامن مع محاولاتها التقارب مع الصين، اختباراً حقيقياً لقدرتها على التكيّف مع النظام العالمي الجديد وغير المتوقع، الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
فبريطانيا، التي عُرفت تاريخياً بانفتاحها واعتمادها على التجارة العالمية، أبرمت عدداً من الاتفاقيات التجارية منذ أن أشعلت الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها ترمب شرارة حرب تجارية. فقد تفاوضت على اتفاقية تجارة حرة مع الهند، وحصلت على إعفاءات جمركية من واشنطن، وأعادت تموضعها لتكون أقرب إلى الاتحاد الأوروبي في مجالات الدفاع والطاقة والزراعة، وفق «رويترز».
أورسولا فون دير لاين وستارمر في مؤتمر صحافي عقب قمة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بلندن (إ.ب.أ)
ويرى محللون أن هذا النهج اختبر صبر الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، وهي ثلاث قوى تجارية كبرى تُشكّل مجتمعةً ثلثي تجارة بريطانيا، كما يُرجّح أن تستغرق أي فوائد اقتصادية ملموسة وقتاً لتتحقق.
وصرّح مارتن دونيلي، كبير موظفي الخدمة المدنية السابق في وزارة التجارة البريطانية، بأنه لا توجد «مكاسب سهلة أو زهيدة» في بيئة التجارة العالمية الحالية، محذراً من أن الحكومة قد تخاطر «بالعزل من قبل الكتل التجارية الثلاث الكبرى» إذا أخطأت في استراتيجيتها.
وفي عالمٍ متجزّئ، قال محللون تجاريون إن بريطانيا قبلت بدورها كدولة تابعة ضمن الفلك الأمني والتكنولوجي للولايات المتحدة، مما منح واشنطن نفوذاً أكبر في سلاسل التوريد وملكية قطاع الصلب البريطاني، وهو ما قد يُضعف العلاقات مع الصين.
ورغم الضغوط الأميركية لمنح مزيد من النفاذ إلى الأسواق الغذائية البريطانية، قاومت لندن هذه المطالب في محاولة للتقرب من بروكسل، وهي خطوة خفّف من حساسيتها رغبة الاتحاد الأوروبي في توثيق التعاون العسكري مع بريطانيا.
كما تسعى بريطانيا إلى تحسين علاقاتها مع الصين، بهدف جذب الاستثمارات الداخلية واستيراد السلع الاستهلاكية، بالإضافة إلى تسويق خدماتها المالية للنخبة الصينية، مع الحرص على تجنب مشاركة التقنيات الحساسة التي قد تُغضب الولايات المتحدة.
ستارمر يحضر اجتماعاً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو نوفمبر 2024 (رويترز)
وقال ماركو فورجيون، رئيس المعهد المُعتمد للتصدير والتجارة الدولية، إن بعضاً من الشركات البريطانية المُصدّرة، والبالغ عددها نحو 80 ألف شركة، تعمل على إعادة هيكلة سلاسل التوريد بهدف حماية القطاعات الحساسة، مثل الدفاع والذكاء الاصطناعي. وأضاف: «إنهم بحاجة إلى استراتيجية تُراعي جميع الأسواق الرئيسية»، مشيراً إلى أن التعامل مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين بشكل مختلف حسب القطاع قد يكون نهجاً منطقياً، «لكن فقط إذا بدا متماسكاً لا انتهازياً في أعين الشركاء».
وذكر مسؤول تجاري سابق عمل في لندن وبروكسل أن بريطانيا انتزعت من ترمب تنازلات لم يكن ليقدّمها لأوروبا، غير أنها قبلت أيضاً وضعاً تابعاً كان سيُرفض على الأرجح من قبل بروكسل. وأضاف أن التحدي المقبل يكمن في الحفاظ على دعم جميع الشركاء التجاريين.
أصبحت بريطانيا دولة تجارية مستقلة في عام 2020، بعد أربع سنوات من المفاوضات الصعبة التي أعقبت تصويتها على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكان مؤيدو «بريكست» قد وعدوا بأن الانفصال سيُمكّن البلاد من إبرام صفقات تجارية مع اقتصادات أكثر نمواً، لا سيما في آسيا. كما راهنوا على الروابط الأمنية المتينة مع الولايات المتحدة لتوسيع التجارة الثنائية، خاصة في الأغذية والسلع، إلا أن هذه التطلعات لم تتحقق بالكامل.
ويُقدّر مكتب الموازنة البريطاني أن ضعف التجارة بعد «بريكست» سيؤدي إلى تراجع الإنتاجية الاقتصادية المحتملة بنسبة 4 في المائة خلال 15 عاماً مقارنة بما كان يمكن أن تكون عليه لو بقيت بريطانيا في الاتحاد.
وفي ظل دين عام يبلغ 2.8 تريليون جنيه استرليني (3.7 تريليون دولار)، واقتصاد يعاني من تباطؤ النمو، تسعى بريطانيا إلى بناء تحالفات جديدة لتعزيز النمو وضمان الأمن في عالم يسوده الغموض.
وقال بول دريشلر، عضو مجلس إدارة وزارة الأعمال والتجارة البريطانية وأحد قادة القطاع الخاص، إن الاتفاقيات الأخيرة تُمثل خطوة في بناء الثقة، مضيفاً: «نحن نمرّ بفترة بالغة الأهمية على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، وعلينا اتخاذ إجراءات تُعيد الزخم إلى التجارة».
وكانت بريطانيا أول دولة تحصل على تخفيضات في الرسوم الجمركية الأميركية في عهد ترمب، من خلال صفقة محدودة خفّضت الرسوم على السيارات والصلب، رغم إبقاء واشنطن على التعريفة الأساسية البالغة 10 في المائة، رغم توازن ميزان التجارة بين البلدين.
دونالد ترمب يصافح السفير البريطاني بيتر ماندلسون بعد إعلان اتفاق تجاري في المكتب البيضاوي (رويترز)
وأشارت يانكا أورتيل، مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن هذه الصفقة ربما أغضبت الاتحاد الأوروبي واليابان ودولاً أخرى كانت تفضل جبهة موحدة في مواجهة ترمب.
كما قد تُعقّد هذه الصفقة العلاقات مع الصين، خاصةً بالنظر إلى البنود الأمنية المتعلقة بقطاع الصلب، التي تمنح واشنطن صلاحيات يمكن أن تُستخدم لاستبعاد الصين من صناعة الصلب البريطانية.
ومنذ تولي حكومة كير ستارمر السلطة في يوليو (تموز) الماضي، جعلت تحسين العلاقات مع الصين أولوية في سياستها الخارجية، بعد أن شهدت العلاقات مع بكين توتراً خلال فترة الحكومات المحافظة المتعاقبة، بسبب قضايا حقوق الإنسان وهونغ كونغ والاستثمارات والمخاوف الأمنية.
وصرّح متحدث باسم السفارة الصينية في لندن أن الاتفاقيات بين الدول ينبغي ألا تُوجّه ضد أطراف ثالثة، مشدداً على أن الصين مستعدة للرد «عند الضرورة».
من جانبها، قالت يانكا أورتيل إن بريطانيا قد تجد نفسها في موقف حرج إذا قررت الصين ممارسة «ضغوط قوية على المملكة المتحدة بهدف ردع الآخرين عن توقيع مثل هذه الاتفاقيات».
وأضافت: «ما قامت به المملكة المتحدة فعلياً هو تحويل نفسها إلى حقل تجارب، ولست واثقة بأن هذا وضع يمكن وصفه بالمريح».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدينة
منذ 2 ساعات
- المدينة
الاتحاد الأوروبي يوافق على رفع كل العقوبات المفروضة على سوريا
أعلنت مصادر دبلوماسيَّة، أمس، أنَّ «الاتحاد الأوروبي وافق على رفع كل العقوبات المفروضة على سوريا».وأشارت المصادر إلى أنَّ «سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القاري، توصَّلوا لاتفاق مبدئي بهذا الشأن»، لافتة إلى أنَّ مسؤولة السياسة الخارجيَّة في الاتحاد، كايا كالاس، قالت إنَّها تريد أنْ تدور عجلة الحياة في سوريا، وتريد منح الشعب السوري فرصة لإعادة البناء».وقبيل الاجتماع قالت كايا كالاس، إنَّها تأمل أنْ يتمكَّن وزراء خارجيَّة التكتل، المجتمعون في بروكسل، من التوصُّل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصاديَّة عن سوريا.وأضافت: «من الجليِّ أنَّنا نريد توافر الوظائف، وسبل المعيشة لشعب سوريا؛ كي يصبح بلدًا أكثر استقرارًا».وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن -في وقت سابق- في الرياض، رفع جميع العقوبات الأمريكيَّة المفروضة على سوريا، بعد أكثر من 4 عقود من القيود الاقتصاديَّة والسياسيَّة المشدَّدة.وقال البيت الأبيض: إنَّ الرئيس ترامب أبلغ رئيس الحكومة السوريَّة المؤقَّتة أحمد الشرع، خلال اللقاء الذي جمعهما في السعوديَّة، بضرورة مساعدة الولايات المتحدة، في منع عودة تنظيم «داعش» الإرهابيِّ المحظور في روسيا، وعدة دول أُخْرى، وطلب منه الانضمام للاتفاقيَّة الإبراهيميَّة مع إسرائيل.ومن جانبه أكَّد وزير الخارجيَّة الأمريكيِّ روبيو -في تصريح عقب لقائه بنظيره السوري الشيباني- أنَّ الحكومة السوريَّة الجديدة تريد السلام مع إسرائيل.ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تدعو الإدارة السوريَّة الجديدة المجتمع الدولي لإسقاط العقوبات التي كانت فرضت على النظام السابق؛ لإنعاش الاقتصاد المنهك جرَّاء النزاع الذي بدأ عام 2011.وتأتي هذه الخطوة الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، بعد خطوة أُولى في فبراير تمَّ فيها تعليق بعض العقوبات على قطاعات اقتصاديَّة سوريَّة رئيسة.وقال مسؤولون إنَّ هذه الإجراءات قد يُعاد فرضها إذا أخلَّ قادة سوريا الجُدد بوعودهم باحترام حقوق الأقليَّات، والمضي قُدمًا نحو الديمقراطيَّة.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
فرنسا وبريطانيا وكندا تتجه للاعتراف بدولة فلسطين.. و"بايرو": هذا التحرك لن يتوقف
أكد رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو، أمس الثلاثاء، أن التحرك الدولي للاعتراف بدولة فلسطين "لن يتوقف"، مشيراً إلى أن فرنسا وبريطانيا وكندا قررت الاعتراف معاً بالدولة الفلسطينية، في موقف موحد يعكس تغيراً إستراتيجياً في تعاطي الدول الغربية مع القضية الفلسطينية. وقال بايرو، في كلمة له أمام مجلس النواب الفرنسي، إن هذه الدول الثلاث "ستعترض معاً على ما يحدث في قطاع غزة، وستعترف بدولة فلسطين"، مضيفاً: "هذا التحرك الذي انطلق، لن يتوقف". جاءت تصريحات بايرو رداً على مداخلة للنائبة ماتيلد بانو، زعيمة كتلة حزب "فرنسا الأبية"، التي تساءلت: "هل تنوون الاعتراف بدولة فلسطين بعدما لم يتبق هناك من فلسطينيين؟"، في إشارة إلى الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في غزة. وفي السياق ذاته، نقلت "العربية نت" عن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو تأكيده، في مقابلة إذاعية مع "فرانس إنتر"، أن باريس عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين، مشيراً إلى أن هذا الاعتراف "يخدم مصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء"، وأنه "خطوة باتجاه التوصل إلى حل سياسي دائم". وأكد الوزير أن فرنسا "لا يمكنها أن تترك لأطفال غزة إرثاً من العنف والكراهية"، داعياً إلى وقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة ودون عوائق، معتبراً أن "الوضع في غزة لا يُحتمل، وتحولها إلى ما يشبه المقبرة انتهاك صارخ للقانون الدولي". وأشار إلى أن فرنسا ستعلن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين خلال مؤتمر دولي سيُعقد في الفترة من 17 إلى 20 يونيو (حزيران) المقبل، بهدف إحياء الحل السلمي القائم على حل الدولتين. من جانبه، قال فابيان روسل، رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي، إن حزبه سيستقبل وفداً كبيراً من منظمة التحرير الفلسطينية في 4 يونيو لإطلاق حملة أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وكان قادة فرنسا وبريطانيا وكندا قد أصدروا بياناً مشتركاً، أمس الإثنين، أكدوا فيه أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء ما وصفوه بـ"الأفعال المشينة" التي ترتكبها حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، ولوّحوا باتخاذ إجراءات ملموسة ما لم يتم وقف العدوان والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية فوراً. وأكد بايرو في ختام حديثه أن "ما حدث في 7 أكتوبر كان مأساوياً، لكنه لا يبرر الوضع الإنساني غير المقبول في غزة"، في إشارة إلى هجوم حماس الذي استغلته إسرائيل لتبرير تصعيدها العسكري العنيف ضد القطاع.


أرقام
منذ 2 ساعات
- أرقام
مسؤول فنلندي يدعو رجال الأعمال القطريين للاستثمار في بلاده
دعا سعادة السيد يارنو سيريالا نائب الوزير للتجارة الدولية في جمهورية فنلندا رجال الاعمال القطريين للاستثمار في بلاده، لافتا الى ان مستوى التبادل التجاري بين البلدين ما يزال دون مستوى الطموحات، وان فنلندا تسعى الى تعزيز علاقات التعاون التجاري مع قطر. جاء ذلك خلال اجتماعه اليوم في مقر غرفة قطر مع السيد راشد بن حمد العذبة النائب الثاني لرئيس غرفة قطر بحضور سعادة السيد بيكا فوتيلاينن سفير جمهورية فنلندا لدى الدولة، وعدد من رجال الاعمال القطريين. وجرى خلال الاجتماع مناقشة سبل تطوير التعاون بين البلدين في المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية، وكذلك استعراض مناخ الاستثمار والفرص المتاحة، ومدى إمكانية تعزيز التعاون والتقارب بين رجال الاعمال القطريين ونظرائهم الفنلنديين، بما يسهم في اقامة استثمارات مشتركة ومتبادلة. والتطرق لأهم المحفزات الاستثمارية التي توفرها كل من قطر وفنلندا لجذب الاستثمارات الاجنبية. وأشاد السيد راشد بن حمد العذبة بالعلاقات الطيبة والمتطورة بين دولة قطر وجمهورية فنلندا، مشيراً الى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 338 مليون ريال قطري في العام 2024، من بينها صادرات قطرية الى فنلندا بقيمة 230 مليون ريال، وواردات بقيمة 108 ملايين ريال. وأشار العذبة الى وجود 5 شركات فنلندية مسجلة في غرفة قطر وتعمل في السوق القطري من بينها شركة واحدة براس مال فنلندي كامل واربع شركات تعمل بالشراكة مع شركات قطرية، لافتا الى ان السوق القطري يرحب بالمزيد من الشركات الفنلندية الراغبة بالاستثمار في الدولة، كما ان العديد من المستثمرين القطريين يرغبون بالتعرف على فرص الاستثمار المتاحة في فنلندا.