
تصفيق الجمهور... عندما يُقاس الفن بالدقائق
جرت العادة على أن يكون التصفيق الحار والوقوف الطويل علامتان على الإعجاب، والتقدير الكبير للعمل، وهي عادة قديمة ترجع للعصر الروماني. لكن مع الدورة الـ78 من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، عادت دقائق التصفيق الطويلة لتشغل المشهد، وتتصدر عناوين الأخبار السينمائية، تعبيراً عن احتفاء الجمهور بالفيلم، مما يفتح باب التأمل في الدلالة الكامنة وراء هذا الضجيج، خاصة أن التصفيق المفرط والمتواصل بإمكانه أن يُرسخ سمعة فيلم، أو يُفككها.
وحتى اليوم، ما زال فيلم Pan's Labyrinth للمخرج غييرمو ديل تورو، الصادر عام 2006، صاحب أطول وصلة تصفيق على الإطلاق، بمدة قُدرت بـ22 دقيقة، رغم غياب السجلات الرسمية التي تؤكد ذلك، حيث تُقاس مدة التصفيق غالباً من قبل وسائل الإعلام، وقد تختلف التقديرات بين مصدر وآخر، إلا أن التصفيق تحوّل من تعبير عفوي إلى أداة تسويقية تُستخدم في الترويج للفيلم بغض النظر عن تقييمه الفني.
فيلم Die My Love يحظى بأطول مدة تصفيق في مهرجان «كان» الحالي (الشركة المنتجة)
من «كان» إلى السعودية
ولم تعد وصلة التصفيق المطوّل حكراً على مهرجان «كان»، بل أصبحت ظاهرة ملحوظة في الكثير من المهرجانات السينمائية، من بينها مهرجان أفلام السعودية الذي يُقام سنوياً في مدينة الظهران. ورغم أنه مهرجان محلي الطابع والهوية، فإن التصفيق الحار بعد العروض بات يُنظر إليه بوصفه إشارة مبكرة على نجاح الفيلم، واستحسان الجمهور. وهذا ما يدفع صنّاع الأفلام إلى توثيق هذه اللحظات، ومشاركتها على منصات التواصل الاجتماعي، من باب التسويق للفيلم، والتأكيد على جاذبيته الجماهيرية.
والأمر ذاته في مهرجان «البحر الأحمر» السينمائي الدولي بجدة، وعدد من المهرجانات العربية التي أصبحت تعد التصفيق علامة على الاحتفاء بالفيلم، وتقدير صُناعه، ومن مهرجان «كان»، إلى مهرجان «البندقية»، ومهرجان «برلين»، ومهرجان «تورونتو» وغيرها من مهرجانات سينمائية كبرى صارت تراهن على مستوى ضجيج القاعة بعد عرض الفيلم.
تصفيق الجمهور يصبح عرفاً سينمائياً سعودياً للتعبير عن الإعجاب بالفيلم (الشرق الأوسط)
أرقام 2025
في مهرجان «كان» السينمائي لهذا العام، تصدّر فيلم Die، My Love للمخرجة لين رامزي، وبطولة كل من جينيفر لورانس وروبرت باتينسون، قائمة الأفلام من حيث مدة التصفيق، حيث حظي بتصفيق استمر 9 دقائق بعد عرضه الأول. أما فيلم Eddington للمخرج آري أستر، فقد صفق الجمهور لمدة تراوحت بين 5.67 إلى 7 دقائق، حسب مصادر مختلفة. وظهر بطل الفيلم، خواكين فينيكس، متأثراً بتفاعل الحضور، وذكرت تقارير إعلامية أنه «ذرف الدموع» أثناء وقوفه على المسرح.
هل هناك تصفيق مفتعل؟
وكثيراً ما يُطرح التساؤل: هل يتم استئجار جمهور للتصفيق؟ ولا توجد إجابة شافية على ذلك، إلا أنه ورغم عدم وجود أدلة موثقة حول مدى صحة هذا الاعتقاد، يرى بعض النقاد أن التصفيق في المهرجانات قد لا يكون دائماً عفوياً، بل يُحتمل أن يكون منظماً، أو مدفوعاً بعوامل خارجية، مثل وجود نجوم كبار في القاعة، أو رغبة بعض الجهات في دعم فيلم معين.
من جانبه، دافع مدير مهرجان «كان» السينمائي، تيري فريمو، عن هذه الظاهرة، وقال في تصريح له عام 2022 إن تشجيع التصفيق جزء من عمله، مضيفاً: «أتابع العرض بدقة، وأهتم بمتى أُبقي القاعة مظلمة، هل أقطع التترات أم لا؟ ومتى أشعل الأضواء؟ إلى غير ذلك. كل عرض هو احتفال، ومشاركة الجمهور تجعل هذا الاحتفال أفضل. الناس يريدون أن يشاركوا!».
جدوى التصفيق
ولا يعني التصفيق الطويل بالضرورة أن الفيلم جيد، ففي حين أن بعض الأفلام التي حظيت بتصفيق طويل حققت نجاحاً نقدياً، وجماهيرياً، إلا أن أخرى لم تحظَ بنفس المصير. على سبيل المثال، فيلم The Paperboy تلقى تصفيقاً دام 15 دقيقة في مهرجان كان عام 2012، ولم يحصد إشادة نقدية كبيرة آنذاك. والأمر ذاته في شباك التذاكر، فبينما يُنظر للتصفيق بوصف أنه دليل على الإعجاب، يراه البعض أداة تسويقية بحتة، فكلما طالت مدة التصفيق؛ زادت التغطية الإعلامية، مما يُعزز الحضور الجماهيري للفيلم، دون أن يكون لذلك علاقة بجودته، أو نجاحه التجاري.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 34 دقائق
- الرجل
جودي فوستر من مهرجان كان: التمثيل ليس غاية.. بل وسيلة لنقل قصة حقيقية (فيديو)
في مقابلة حديثة أجرتها مع مجلة Variety على هامش مهرجان كان السينمائي 2025، أبدت النجمة الأمريكية جودي فوستر، البالغة من العمر 62 عامًا، دهشتها من اندفاع بعض الممثلين الشباب إلى القبول بأي دور، حتى إن كان في فيلم "سيئ" أو بمحتوى ضعيف، معتبرة أن التمثيل لا يجب أن يكون هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لنقل القصص القوية فقط. قالت فوستر: "أرى كثيرًا من الشباب يقولون: لا يهمني إن كان الحوار ضعيفًا أو الدور تافهًا. هم فقط يريدون الظهور". وأضافت بوضوح: "لو لم أمثل مجددًا، لن أهتم. ما أريده هو أن أكون أداة تُستخدم لصالح القصة". شغفها لا يزال قائمًا.. لكن بشروط رغم تاريخها الطويل في هوليوود، أشارت فوستر إلى أن شغفها بالتمثيل ما زال قائمًا، ولكن "بشروط صارمة". إذ أكدت أن مشاركتها في الفيلم الفرنسي الجديد Vie Privée جاءت فقط لأنه "المادة المناسبة" التي تحدثت إليها، مشيرة إلى أن الشخصية والدور كانا على مستوى من العمق يتناسب مع تطلعاتها الفنية. انتقادات لاذعة للجيل الجديد في جانب آخر من الحوار، لم تُخفِ فوستر انتقاداتها للجيل الجديد من الممثلين وخصوصًا جيل "Z"، موضحة أنهم "يفتقرون للانضباط"، وقالت: "أرسل إليهم ملاحظات على البريد الإلكتروني لأني أجد رسائلهم غير مدققة لغويًا، فيجيبون: 'لماذا أدقق؟ أليس ذلك تقييدًا لحريتي؟'". رغم ذلك، أوضحت فوستر أنها تبذل جهدًا للتواصل مع بعض المواهب الشابة مثل بيلا رامزي، لدعمهم وإرشادهم في مرحلة التكوين الفني، قائلة: "الأجمل من أن تكون بطلة القصة، هو أن تساعد الآخرين على إيجاد صوتهم الخاص". من النجومية المبكرة إلى الإلهام يُذكر أن جودي فوستر بدأت رحلتها الفنية منذ الطفولة، ورُشحت لجائزة الأوسكار في سن الـ14 عن دورها في Taxi Driver، قبل أن تفوز لاحقًا بجائزتين عن The Accused وThe Silence of the Lambs. وقد نالت ترشيحًا جديدًا للأوسكار مؤخرًا عن فيلم Nyad، إلى جانب ترشيحها لإيمي عن دورها في مسلسل True Detective: Night Country.


الرجل
منذ ساعة واحدة
- الرجل
سكارليت جوهانسون تُبهر جمهور كان بفيلمها "Eleanor the Great" (فيديو)
في لحظة سينمائية بارزة خلال الدورة الـ78 من مهرجان كان السينمائي الدولي، حظيت الممثلة والمخرجة الأمريكية سكارليت جوهانسون بتصفيق حار استمر خمس دقائق، عقب العرض الأول لفيلمها الإخراجي الأول "Eleanor the Great". الفيلم ينافس رسميًا في قسم "نظرة ما" (Un Certain Regard)، وشهد حضورًا لافتًا من صناع السينما والنقاد في قاعة العرض. قصة إنسانية من بطولة جون سكويب الفيلم من بطولة الممثلة القديرة جون سكويب، إلى جانب تشيويتيل إيجيوفور وإيرين كيليمان، ويروي قصة تمسّ القلوب عن الكرامة والمقاومة الإنسانية. وقد عبّرت جوهانسون خلال الكلمة التي أعقبت العرض عن إعجابها العميق بأداء سكويب، ووصفتها بأنها "امرأة ملهمة بحق"، مؤكدة أن العمل معها منح المشروع طابعًا إنسانيًا نادرًا. حضور لافت للنجوم والداعمين رافقت جوهانسون إلى العرض شخصية بارزة في صناعة الترفيه، وهو وكيلها ومدير وكالة CAA براين لورد، بينما حضر زوجها كولين جوست، نجم فقرة "Weekend Update" في برنامج Saturday Night Live، بشكل منفصل، وظهر في أحاديث ودية مع مسؤولي Sony Pictures Classics. كما حضر النجم أدريان برودي، الفائز بجائزة أوسكار لأفضل ممثل، برفقة شريكته جورجينا تشابمان، وحرص على تبادل الأحاديث مع الحضور. اقرأ أيضاً سكارليت جوهانسون تخوض أولى تجاربها الإخراجية بداية واعدة لمسيرة إخراجية يشير الاستقبال الحماسي للفيلم إلى بداية قوية لمسيرة سكارليت جوهانسون خلف الكاميرا، بعد سنوات من النجاح في التمثيل. ويبدو أن "Eleanor the Great" لا يلفت الأنظار فقط كفيلم مستقلّ ذي طابع إنساني، بل أيضًا كبوابة عبور لجوهانسون نحو موقع جديد في عالم السينما.


مجلة هي
منذ ساعة واحدة
- مجلة هي
خاص "هي": متعة سرد الحكايات.. مسلسلات خليجية كسرت الحواجز وأحدثت تأثيرا خارج الحدود
الاستمتاع بسرد القصة وروايتها جعل لفن الحكي سطوة آسرة على القلوب والوجدان والعقول. وعلى مدى عشرات السنين صنع المشاهدون ذكريات مع مسلسلات خليجية من العلامات التي لا تنسى، وحمل نجوم كثر على عاتقهم الصعود بهذا الفن الصديق للعائلات والأكثر تفضيلا في الحقيقة إلى أعلى المستويات من خلال قصص هي ابنة المجتمع، وتشبه وتحاكي ما يشعر به أفراده بمختلف الطبقات، ولكن لا شك في أن السنوات الأخيرة شكلت منعطفا حقيقيا في الوصول إلى جمهور أكثر اتساعا واختلافا وتباينا، ولكن المفاجأة هي أن الحكايات ذات النكهة المحلية الخالصة، والتي تعبر عن خصوصية المجتمع في دول الخليج لا تزال هي الأكثر جذبا، حيث يبدو أن القطاع الأعرض من محبي الدراما يبحثون عن الأصالة والتنوع والثيمات التي تقدم صراعات ورومانسية وقضايا اجتماعية لا تقلد أحدا، بل تنتصر لتراثها وتقاليدها وهمومها الخاصة. ولهذا كان لوجود منصات العرض الإلكتروني يد طولى في إيصال هذا المحتوى لجماهير متعددة، حيث تصدرت كثير من الأعمال الدرامية في هذا الصدد منصات المشاهدة عالميا، وترجمت ودبلجت لعشرات اللغات، وهو ما جعل الدراما أيضا لغة عالمية وجسرا بين الشعوب، وما زال الطلب من هذه المؤسسات يزداد، ولكن قبل وسيلة العرض التي فتحت أبوابا وفرصا هناك تميز المنتج الإبداعي الذي يحمل في طياته خبرات طويلة ونجاحات متراكمة.. أربعة نقاد عرب يخبروننا من وجهة نظر متخصصة عن ملامح الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة، وكيف يمكن أن تستثمر خصوصية عالم حكاياتها الثري لإحداث تأثيرات متزايدة تتجاوز الحدود الجغرافية. تحولات جوهرية وثراء مدهش بداية يرى الدكتور علي زعلة الناقد السينمائي السعودي، أن لمنصات البثّ بالطبع أثرا كبيرا في إيصال المنتج الدرامي الخليجي إلى المتلقي العربي والإقليمي وأحيانا إلى العالمي، لكنها تظل مرحلة لاحقة لمراحل ما بعد الإنتاج، موضحا أن العامل الرئيس في وجهة نظره هو أن الدراما الخليجية تشهد تحولا جوهريا على مستوى التقنيات الإنتاجية والعمليات الفنية، وبوجه خاص على مستوى جودة النصوص وجدّتها، بمعنى أن هناك اتجاها أكثر تنوعا من ذي قبل، يذهب إلى ثيمات لم تكن مطروقة في المسلسلات المعتادة السابقة، أو معالجة موضوعات مطروقة ولكن من زوايا نظر مختلفة، تمثل منظورات الأجيال الجديدة. الناقد الفني الدكتور علي زعلة أستاذ الأدب والنقد وصاحب المؤلفات المتعددة، يعدد أسبابا كثيرة لهذا التميز، ضاربا المثل بالدراما السعودية، ومشيرا إلى أنها استوعبت التنوع الثقافي والاجتماعي والجغرافي للبيئات المحلية التي تتشكل منها الهُوية السعودية الكبرى، وأتاحت لهذا الثراء في جغرافيتها الشاسعة أن يطلّ بقضاياه وتاريخه وقضاياه عبر الشاشة، في حالة من المزاوجة بين القضايا التاريخية التي تستعيد إرثا في التاريخ الاجتماعي القريب، والقضايا الاجتماعية التي تعكس الحراك الاجتماعي ومتغيّراته المتصاعدة يوما بعد آخر. يضاف إلى ذلك بروز نجوم جدد على الساحة الدرامية، جعل الدراما السعودية تتصدر الدراما الخليجية، وتتفوق عليها لتنافس مثيلاتها على المستوى العربي إن لم تتفوق عليها في بعض الأحيان. وذلك لأنها تقدم حكاياتها الأصيلة النابعة من نبضها الثقافي والاجتماعي، ولعل ذلك برز جليّا في مسلسلات السنوات الأخيرة، مثل "العاصوف"، و"خيوط المعازيب"، و"شارع الأعشى". مسلسل شارع الأعشى حقق صدى كبير أجيال جديدة تدخل دائرة المنافسة فيما يعتقد الفني محمد عبد الرحمن أن الانفتاح في نمط المشاهدة إقليميا وعالميا ولّد رغبات قوية وتشوقا لدى محبي الدراما في الاطلاع على قصص متنوعة من مجتمعات شتى، وهي نقطة استفادت منها الدراما الخليجية بسبب الباع الطويل لصناعها، وكذلك لغنى الأفكار والحكايات. ولكن بالنظر إلى أعمال حققت تأثيرا إقليميا ودوليا في بعض الأوقات فيما يتعلق بتصدر قوائم المشاهدة عبر منصات العرض، وبينها "رشاش" و"الصفقة" و"اختطاف" و"شارع الأعشى" و"المنصة"، و"خريف القلب"، وغيرها، إذ لكل منها طبيعة مختلفة، ولكنها لا تزال تسرد سِيرا وأحداثا وقعت في الحيز الجغرافي ذاته، وهذا يعني أن الدراما الجاذبة ليست اجتماعية فقط. مسلسل الصفقة بموسميه من أبرز الأعمال الدرامية المهمة في الفترة الأخيرة يعود الناقد الفني محمد عبد الرحمن ليؤكد أن هناك أمورا عدة تضافرت معا، لإحداث هذا التأثير إضافة إلى تميز المستوى بالطبع. ومن بينها، وفق رأيه، الابتعاد عن ثيمات تقليدية بعينها، والاقتراب من موضوعات أكثر جرأة وعمقا، وإقدام الصناع على طرق جديدة في التناول والسرد، وحتى على مستوى مواقع التصوير التي كان بعضها مكررا، وكذلك دخول أجيال جديدة إلى دائرة المنافسة، مضيفا أن كل هذا تزامن مع انتشار وسائل عرض أكثر مرونة وأسهل في الوصول، فوجد المشاهد أن هناك بالفعل موضوعات مختلفة وتستحق المتابعة، فزادت نسبة الأعمال ذات الجودة والامتياز، وخاصة أن مستوى ذائقة الجمهور الدرامية أصبحت في تصاعد بسبب تنوع المصادر. قصص محلية تخاطب مشاهدي العالم لطالما شكلت الدراما التلفزيونية رافدا مهما بالنسبة للمشاهد العربي، ولكن هذه الثقافة تمر بتحولات كبرى الآن مع كل هذا التطور وكل هذه الوسائط، وبحسب الناقد البحريني طارق البحار يُقدَّر أن أكثر من 400 مليون عربي يقضون ما معدله 19 ساعة أسبوعيا في متابعة المسلسلات العربية، وعلى الرغم من تحفظه على بعض التوجهات الإنتاجية في المنطقة العربية التي لا تزال تدور في فلك الميلودراما، وتتوجه لفئات عمرية أكبر سنا بعكس التوجهات العالمية، فإنه على سبيل المثال يرى أن رمضان 2025 مثّل منعطفا مهمّا في هذا السياق، مع عرض مسلسل "وحوش" الكويتي والذي تناول جرائم واقعية بجرأة وجودة تنفيذ لافتة، حيث جمع العمل في رأيه بين حبكة قوية، وإنتاج فني عالي المستوى، ومواهب شابة أمام الكاميرا وخلفها. مسلسل خريف القلب جذب جمهور المنصات الإلكترونية وقد اعتبره كثيرون خطوة نوعية نحو تقديم دراما عربية تواكب تطلعات جمهور اليوم، وتحاكي في جودتها إنتاجات "نتفليكس" العالمية، مشددا أيضا على أن قطاع الإعلام والدراما في المملكة العربية السعودية، يشهد تحولا جذريا مدعوما برؤية طموحة. من أعمال درامية مثل "شارع الأعشى" و"يوميات رجل عانس"، إلى التعاونات مع صناع محتوى عالميين، تبدو السعودية في طليعة هذا التحول، حيث تهدف هذه التحركات إلى تقديم محتوى متنوع، يستهدف جمهورا أوسع، ويمنح الشباب قصصا تمثلهم وتعكس قضاياهم، مشيرا إلى أنه كي تكتب الاستمرارية للتغيير في صناعة الدراما الخليجية، لا بد أن يصاحبه تحول في البنية الإنتاجية ذاتها، وعلى رأسها: الاهتمام بكتّاب السيناريو، لأن بعضهم يعانون من متطلبات شروط الإنتاج في المنطقة العربية بشكل عام، مضيفا: هنا يأتي دور المنصات العالمية في فرض نموذج مختلف. "نتفليكس" مثلا، تمنح مساحة للتطوير المشترك، والمراجعة، والابتكار، وهو ما ينعكس على جودة العمل النهائي. وإذا ما أرادت الشركات الخليجية الكبرى أن تخلق تحولا حقيقيا، فعليها أن تنقل معها إلى المنطقة هذه الممارسات، التي تمكن الكتّاب من التعبير والإبداع من دون قيود، والحقيقة أنه على الرغم من هيمنة المنصات، لا يزال التلفزيون قادرا على التأثير العميق في المجتمع، وخاصة بين فئة الشباب، شرط أن يُصغى إلى أصوات الكتّاب، وأن يُمنحوا الأدوات والفرص التي تليق بمواهبهم، لأن الدراما ليست فقط وسيلة للترفيه، بل هي أيضا مرآة للواقع ومحفز للتغيير. عوالم أكثر جرأة وعمقا الناقد الفني السوري عامر فؤاد عامر يشير إلى أن التحول الذي أحدثته المنصات أثر في مستويات الدراما عالميا وعربيا بشكل عام، وليس فقط في منطقة الخليج. وأوضح أن المعايير الجديدة التي فرضتها هذه المعادلة جعلت المسلسلات الخليجية التي تُنتج بتقنيات وتفاصيل تضاهي نظيراتها العالمية في ازدياد، وهو ما رفع السقف أمام المشاهد والمبدع معا. وإضافة إلى التأكيد على أن المنصات منحت فرصا للمواهب الشابة وأبعدتهم عن شروط الاحتكار التي ربما كانت تفرض عليهم بسبب قلة مؤسسات الإنتاج والعرض، فإن الناقد الفني عامر فؤاد عامر يشير كذلك إلى التغييرات الملحوظة في النمط القصصي الدرامي فابتعدت بعض الأعمال عن النمط التقليدي، وجربت حقولا أخرى لم تكن شائعة من قبل، وبينها "الإثارة، والجريمة النفسية، والسير الذاتية". المعروف أن القصص المحلية هي الأكثر جذبا فيما يتعلق بالسرد القصصي، حيث يكون لدى الجماهير شغف دائم للغوص في أعمال المجتمعات التي لا تعرفها، ومن هنا يشدد عامر على أن منصات المشاهدة الجديدة بمكتباتها العامرة بالفعل وفّرت نافذة يطل منها المشاهد على الآخر، ليرى كيف يعيش، ويفكر، ويعاني، ويحب. ويتابع: "وهذا يعطي فرصة للعالم حتى يرانا هو بعيونه، بعدستنا العربية، وليس بعدسة غريبة". واعتبر عامر أن هناك الكثير من المسلسلات الخليجية التي قدمت مؤخرا تميزت بالطرح الذكي للقصة المحلية وإتقانها مع مخاطبة الجانب الإنساني، وهي من ضمن الأعمال التي تسهم في عبور هذه الصناعة نحو جمهورها العربي والعالمي، ومن بين الأعمال التي يجد أن هذه المواصفات تنطبق عليها المسلسل الإماراتي "المنصة" الذي نجح في استقطاب شريحة واسعة من جمهور غير محلي، لأن القصة فيها توتر واستلهام من واقع عربي معاصر في قالب التشويق والدراما الإنسانية، والمسلسل الكويتي "السجين النصاب"، إضافة إلى "دفعة بيروت" و"دفعة القاهرة". مسلسل دفعة القاهرة أثار جدلا واسعا