
خطة أوروبية لتفعيل آليات السوق الموحدة بعد سنوات من الجمود
تعاني «أوميكور»، الشركة متعددة الجنسيات التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها، كثيراً من تناقض الإجراءات البيروقراطية عند شحن النفايات داخل الاتحاد الأوروبي، إذ تجد نفسها مجبرة في إحدى الدول الأعضاء على إرسال مستندات التصاريح الرسمية عبر جهاز الفاكس، بينما تُلزمها دولة أخرى باستخدام الحبر الأزرق حصراً في التوقيعات، بدلاً من الأسود.
وهذه ليست سوى أمثلة محدودة على الكثير من العراقيل التي تواجهها «أوميكور» في مسعاها لجمع شحنات النفايات من مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي إلى منشأتها الصناعية الضخمة للتدوير في مدينة أنتويرب البلجيكية.
وتتزايد باستمرار قائمة المتطلبات المتباينة حتى غدت أشبه بطريق تجاري متشعب عبر «الرابطة الهانزية» التي ازدهرت في القرون الوسطى، وكانت تضم العديد من المدن التجارية في منطقة شمال ألمانيا والبلطيق، وليس مساراً داخل أكبر سوق موحدة في العالم والتي تأسست عام 1993.
وتضطلع شركة «أوميكور» بإعادة تدوير المواد الخام الحيوية المطلوبة بشدة، لا سيما من النفايات الإلكترونية المستهلكة، داخل أراضي الاتحاد الأوروبي، غير أن الموردين يفضلون أحياناً تصدير مخلفاتهم خارج الاتحاد بدلاً من شحنها داخل التكتل، نظراً للتعقيدات البيروقراطية الهائلة، كالتعامل مع مستندات بلغات متعددة وإدارة منظومة تراخيص متشعبة لا حصر لها.
ويقول بارت ساب، الرئيس التنفيذي لشركة «أوميكور»: «حين نقرر الانحراف عن المسار المخطط له مسبقاً بسبب تحديات لوجستية، نجد أنفسنا مضطرين لإعادة تقديم طلبات تصريح في جميع الدول الأعضاء المعنية من جديد».
وتُجسد سلسلة العقبات الإدارية التي تصطدم بها «أوميكور» مع كل شحنة حقيقة الوعود غير المكتملة للسوق الأوروبية الموحدة، حيث كان من المفترض أن يتيح هذا المشروع الطموح، الذي يضم 450 مليون مستهلك، انتقال الأفراد والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال بسلاسة عبر القارة العجوز، إلا أنه وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا تزال مئات الحواجز قائمة، فيما أسهم عجز الحكومات الأوروبية عن تجاوز مصالحها الوطنية الضيقة في إبطاء مساعي التكتل نحو تعزيز قدرته التنافسية.
وفي خضم هذا الواقع المتعثر، تذكي سلسلة الأزمات العالمية المتلاحقة عزيمة القادة الأوروبيين وإصرارهم على المضي قدماً، حيث يرون أن بقاء أوروبا اقتصادياً على المحك في عصر تتصاعد فيه الحروب التجارية والصراع على الهيمنة في شتى المجالات، من الذكاء الاصطناعي إلى التحول الأخضر.
كما أضافت الحرب في أوكرانيا، وتفاقم الاضطرابات في الشرق الأوسط، وتباطؤ عجلة الاقتصاد الأوروبي زخماً جديداً لهذا التوجه الإصلاحي.
ويصف دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى الوضع الراهن، قائلاً: «يشهد النظام التجاري الدولي حالة من الفوضى غير المسبوقة، فيما تغلق السوق الأمريكية أبوابها تدريجياً. لذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى تعزيز كفاءة السوق الموحدة لتعويض تداعيات هذه المتغيرات الخارجية».
ويعقد قادة الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون، اليوم الخميس، اجتماعاً حاسماً في بروكسل لبحث «التحديات الدولية الراهنة والأولويات الاقتصادية الداخلية، خاصة تعميق السوق الموحدة»، وفق ما جاء في الرسالة التي وجهها رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إليهم، وذلك عقب إعلان مفوض الصناعة الأوروبي ستيفان سيجورني في مايو الماضي عن استراتيجية جديدة للسوق الموحدة.
ويؤكد كوستا أن السوق الموحدة تُمثل «حجر الزاوية في القدرة التنافسية الأوروبية وأصلاً جيوسياسياً بالغ الأهمية»، مشدداً في تصريحات لصحيفة «فاينانشال تايمز» على أن «هذا ما يدفعنا لضرورة التحلي بالجرأة في مواصلة مسيرة التكامل وإزالة الحواجز الداخلية المتبقية».
وكانت المحاولات السابقة لتوحيد التكتل تصطدم غالباً بصخرة الحساسيات الوطنية وعجز المفوضية عن تمرير الإجراءات الضرورية في العواصم الأوروبية السبع والعشرين. لذلك، تُشكل ترجمة الزخم السياسي المتجدد إلى إصلاحات عملية ملموسة التحدي الأكبر أمام صناع القرار الأوروبيين.
وفي مفارقة لافتة، أشارت كبرى الشركات الأوروبية إلى أن إرسال موظف للعمل في الولايات المتحدة أو تايوان يتطلب إجراءات ورقية أقل مما تستلزمه عملية نقله داخل حدود الاتحاد الأوروبي نفسه. وقال وزير الصناعة الدنماركي مورتن بودسكوف: «لقد انتهى زمن الخطب الرنانة.
ونحن نعرف وجهتنا. وإذا لم نبادر بالتحرك الآن، فإن التحولات الهيكلية المتسارعة على الساحة العالمية لن تصب في مصلحة أوروبا بأي حال». وأكد أن كوبنهاغن ستتمتع بتأثير أكبر في صياغة السياسات الأوروبية عندما تتولى الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي في يوليو.
وتعود أهداف السوق الموحدة إلى البدايات الأولى للاتحاد الأوروبي حين كان يُعرف بالمجموعة الاقتصادية الأوروبية، إذ كان من بين أهدافها المحورية عند تأسيسها عام 1957 إنشاء منطقة موحدة تقوم على التدفق الحر للسلع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص - فيما بات يُعرف بـ«الركائز الأربع».
غير أن السوق الموحدة، التي انطلقت رسمياً عام 1993، ظلت رهينة المصالح الوطنية المتضاربة ومخاوف الدول الأعضاء من منح بروكسل صلاحيات واسعة، وها هي المفوضية الأوروبية تعاود المحاولة من جديد.
وتستند استراتيجية ستيفان سيجورني الجديدة للسوق الموحدة إلى تقارير رئيسي الوزراء الإيطاليين السابقين ماريو دراجي وإنريكو ليتا، حيث يتندر المسؤولون في بروكسل بأن هذه التقارير باتت بمثابة «كتب مقدسة» لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في فترتها الثانية، فلا يكاد يمر خطاب حول الصناعة أو الاقتصاد دون الاستشهاد بأحدهما أو كليهما.
وكان دراجي قد أطلق تحذيراً صارخاً في تقريره الصادر سبتمبر الماضي - قبل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض - مفاده أن الاتحاد الأوروبي سيواجه خطر «الموت البطيء» ما لم يعزز قدرته التنافسية الاقتصادية.
ومنذ ذلك الحين، ازدادت الصورة قتامة، حيث تخوض بروكسل مفاوضات شاقة مع واشنطن لتجنب حرب تجارية شاملة، فيما تسعى جاهدة لفتح أسواق جديدة عبر اتفاقيات تجارية تهدف إلى الترويج لمزايا السوق الموحدة الأوروبية حول العالم. ويقول سيجورني: «هذا أمر نتحكم فيه بالكامل، فعلى خلاف التجارة عبر الأطلسي، يمكننا اتخاذ قراراتنا بشأن السوق الموحدة بأنفسنا».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 15 ساعات
- الإمارات اليوم
بينها «تيك توك».. دعاوى قضائية جديدة ضد تطبيقات صينية في دول أوروبية
رُفعت دعاوى قضائية جديدة، أمس، في دول أوروبية ضد ثلاثة تطبيقات صينية، من بينها «تيك توك»، بتهمة عدم الاستجابة لطلبات تتعلق بمعالجة بيانات مستخدميها. وقالت المحامية في منظمة «نويب» Noyb غير الحكومية في فيينا، كليانثي سارديلي، التي رفعت الدعوى القضائية في بيان: «تحرص شركات التكنولوجيا على جمع أكبر قدر ممكن من البيانات عنكم، لكنها ترفض رفضاً قاطعاً منحكم حق الوصول الكامل إليها، كما يقتضي القانون الأوروبي». وكانت سارديلي رفعت دعاوى قضائية في يناير الماضي ضد ستة تطبيقات صينية نيابةً عن أفراد قلقين بشأن النقل غير القانوني لبياناتهم إلى بكين، وفي حين امتثلت شركتا التجارة الإلكترونية العملاقتان «شي إن» Shein و«تيمو» Temu، إضافة إلى تطبيق الإلكترونيات الاستهلاكية «شاومي» لطلبات المدعين، استمرت تطبيقات «تيك توك» و«علي إكسبرس» و«وي تشات» في انتهاك القواعد العامة لحماية البيانات (GDPR)، عبر تقديم ردود ناقصة أو تجاهل الطلب، بحسب «نويب»، لذلك قدّمت المنظمة ثلاث شكاوى إلى سلطات حماية البيانات في بلجيكا واليونان وهولندا لإجبار الشركات المستهدفة على الامتثال، كما تسعى إلى فرض غرامة إدارية تصل إلى 4% من إيراداتها العالمية «لمنع تكرار انتهاكات مماثلة في المستقبل». وتخضع «تيك توك» لانتقادات غربية منذ سنوات، بسبب مخاوف من احتمال استخدام بيانات مستخدميها لأغراض التجسس أو الدعاية.


الإمارات اليوم
منذ 15 ساعات
- الإمارات اليوم
الاتحاد الأوروبي يوقف تحقيقاً بشأن منصة «إكس»
قالت صحيفة «فاينانشال تايمز»، في تقرير نشرته أمس، إن المفوضية الأوروبية أوقفت أحد تحقيقاتها بشأن منصة التواصل الاجتماعي «إكس»، المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، لانتهاكها قواعد الشفافية الرقمية، وذلك في وقت تسعى إلى اختتام محادثات تجارية مع الولايات المتحدة. وذكر التقرير، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين مطلعين، أن المفوضية لن تلتزم بالموعد النهائي لإكمال تحقيقاتها في قضية «إكس»، الذي كان من المتوقع أن يكتمل قبل عطلتها الصيفية، وذكر التقرير أن من المرجح صدور قرار حول الأمر بعد وضوح الرؤية في ما يتعلق بمحادثات التجارة بين التكتل والولايات المتحدة.


البيان
منذ 17 ساعات
- البيان
ميرتس.. يرفض 2 تريليون يورو طرحتها موازنة الاتحاد الأوروبي
رفض المستشار الألماني فريدريش ميرتس المقترح الذي قدّمته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشأن إعداد موازنة مشتركة للاتحاد الأوروبي بقيمة 2 تريليون يورو. وخلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في شركة ايرباص بمدينة ستيفنيج شمال لندن اليوم الخميس، خص ميرتس بالرفض الاقتراح الخاص بفرض ضرائب من قبل الاتحاد الأوروبي على الشركات كما تقترحه فون دير لاين. وأضاف: "يمكنني أن أستبعد ذلك بالنسبة لألمانيا، نحن لن نشارك في سلوك هذا الطريق. نحن لن نفعل ذلك". يذكر أن السياسية الألمانية فون دير لاين والتي تنتمي إلى حزب ميرتس، المسيحي الديمقراطي، تسعى إلى زيادة كبيرة في الموازنة متعددة السنوات للاتحاد الأوروبي من أجل تمويل استثمارات إضافية في مجالي الأمن والدفاع. ووفقًا لما تريده المفوضية، فإن الموازنة للفترة من 2028 إلى 2034 ينبغي أن تبلغ حوالي 2 تريليون يورو، أي أكثر بنحو 700 مليار يورو من الميزانية الحالية للفترة الممتدة على سبع سنوات. كما يشمل اقتراح فون دير لاين فرض ضريبة على الشركات الكبرى التي تحقق مبيعات سنوية تتجاوز 100 مليون يورو. وقال ميرتس إنه لا بد من مناقشة مقدار تمويل الميزانية، معترفًا بأن المقترح المطروح على أقل تقدير "يُعيد توزيع النسب بين بنود الإنفاق المختلفة". وأضاف أن من الجيد "أننا عازمون على بذل المزيد من الجهود مع الاتحاد الأوروبي لاسيما في مجالي الدفاع والأمن".