logo
الودائع السّوريّة على خطّ 'التّوتّر المضبوط' مع لبنان

الودائع السّوريّة على خطّ 'التّوتّر المضبوط' مع لبنان

دخلت قضيّة المودعين السوريّين في البنوك اللبنانية على خطّ التوتّر المضبوط بين البلدين بعدما أثار الرئيس السوري أحمد الشرع القضيّة مرّتين خلال استقباله رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي والحالي نوّاف سلام، وشمل القضيّة في إعلان 'العمل على تشكيل لجان مشتركة' لحلّ القضايا العالقة.
يبقى حجم الودائع السورية في لبنان مسألة فيها نظر. فالرئيس المخلوع بشّار الأسد رمى في التداول أرقاماً شديدة التباين، تراوحت بين 20 و60 مليار دولار. إلّا أنّ التقديرات من المصادر المصرفية اللبنانية تراوح بين 8 و10 مليارات دولار، أي ما يقارب 10% من حجم الودائع في البنوك اللبنانية.
أيّاً يكن الرقم، وعلى افتراض أنّه أقرب إلى التقديرات الدنيا، يبدو أنّ كثيرين لا يدركون المعنى السياسي والاقتصادي لأن يكون لبنان، بالمفهوم الواسع، مديناً بما بين 8 و10 مليارات دولار، على أقلّ التقديرات، لسوريا، بالمفهوم الواسع. فالحكم الجديد في دمشق يمسك بالكثير من الأوراق التي لم تكن بيد النظام السابق، وهو متحرّر من الاعتبارات التي كانت تحول دون تحريك الملفّ، وليس أقلّها تداخل المصالح العابرة للحدود.
ترفض المصادر المصرفية في لبنان تسييس القضيّة، وترى أنّ مصير الوديعة السورية مربوط بالحلّ الشامل للأزمة النظاميّة، 'ولا يمكن إعطاء معاملة تفضيليّة للمودع السوري على حساب غيره لدواعٍ سياسيّة'.
أوراق ضغط
لكن في دمشق، كما في بيروت، هناك من يحذّر من أنّ المستوى السياسي اللبناني لا يقدّر وزن القضيّة في الملفّات الشائكة بين البلدين. في زيارة سلام لدمشق، طرح كلّ طرف ما لديه من أولويّات. أثار الوفد اللبناني ضبط الحدود والمعابر ومنع التهريب، وصولاً إلى ترسيم الحدود برّاً وبحراً، وعودة اللاجئين السوريين، ومصير المفقودين والمعتقلين في سوريا، والمطلوبين في قضايا إرهابية في لبنان، وملفّات اقتصادية ملحّة أهمّها فتح خطوط التجارة والترانزيت، واستجرار النفط والغاز، والنظر في خطوط الطيران المدني.
في كلّ هذه الملفّات يظهر ما لدى دمشق من أوراق ضغطٍ بدأ المودعون السوريون بالفعل المطالبة باستخدامها. وهذا ما بدا في البيان العالي اللهجة الذي أصدره اتّحاد المودعين السوريين في البنوك اللبنانية، والذي طالب بتقييد الاستثمارات اللبنانية في سوريا، وربطها باسترجاع الودائع السورية في البنوك اللبنانية. ويترافق ذلك مع تحرّكات من المودعين لمطالبة السلطات السوريّة بالضغط على لبنان عبر إقفال خطّ الترانزيت عبر سوريا، واتّخاذ إجراءات ضدّ عمل الشركات اللبنانية في سوريا، فيما يعمل بعض المودعين الكبار مع مكاتب محاماة لدراسة إجراءات ضدّ البنوك اللبنانية العاملة في سوريا، خصوصاً أنّ في بعضها مساهمات لبنانية مباشرة، وعلى 'طلب الحماية الدبلوماسية من الدولة السوريّة للمودعين لتصبح هي المسؤولة عن متابعة الملفّ مع السلطات اللبنانية'، على ما يكشف أحد العاملين على الملفّ في دمشق.
يُسأل رئيس اتّحاد المودعين السوريين هيثم صوان عن توقيت التحرّك الآن، ولماذا لم يبدأ قبل سقوط نظام الأسد، فيقول: 'ما حدا كان بيسترجي'. ويسرد واقعة محدّدة تعود إلى عام 2023، حين حاول بعض المودعين الكبار رفع دعوى ضدّ أحد البنوك اللبنانية في سوريا (مملوك لبنك لبنانيّ بنسبة 49%)، فأتت توجيهات مباشرة من الأسد بمنع أيّ تحرّك ضدّ البنوك اللبنانية العاملة في سوريا.
يشير صوان إلى أنّ المودعين تواصلوا مع الرئاسة السورية قبيل زيارة ميقاتي لدمشق في كانون الثاني الماضي، وتجاوب الشرع وأثار الموضوع في اللقاء مع ميقاتي وأمام الإعلام، ثمّ أكّدت وزارة الخارجية الأولويّة المعطاة لهذه القضيّة في البيان الذي صدر عقب الزيارة، وتمّ إدراج القضيّة في جملة الملفّات التي تمّ الاتّفاق على تشكيل لجان مشتركة لمعالجتها. وكرّر الشرع إثارة القضيّة خلال زيارة سلام في نيسان الماضي، وهذا ما يشير إلى الأولويّة التي تعطيها دمشق لها.
تجاهل لبنانيّ
في المقابل، كان الأسد يثير هذه القضيّة في الإعلام من وقت لآخر من باب تحريك الأوراق في ظروف سياسية معيّنة. لكنّ المعلومات الشائعة تشير إلى أنّ بنوكاً لبنانيّة أعادت ودائع بكاملها إلى نافذين في النظام السابق فيما كانت تغلق أبوابها بوجه المودعين اللبنانيين والسوريين.
يرى صوان أنّ حجم الودائع السورية أكبر بكثير من الأرقام المتداولة في لبنان، ويستدلّ على ذلك بأنّ لبنان كان المنفذ شبه الوحيد أمام التجّار السوريين لإجراء عمليّاتهم المصرفيّة، خصوصاً بعد عام 2011. غير أنّ كثيراً من السوريين لا يودعون بجنسيّاتهم السوريّة، بل بجنسيّات لبنانية أو أجنبيّة، خصوصاً أنّ البنوك اللبنانية بدأت تضيّق على الودائع المسجّلة بأسماء سوريّة اعتباراً من عام 2016، وتمنع تحويلها أو السحب منها بذريعة العقوبات. بل حتّى إنّها طبّقت إجراءات متشدّدة على أولئك الذين يحملون جوازات أخرى ما داموا من أصول سوريّة.
يشتكي المودعون السوريون من تجاهل لبنانيّ لهم، سواء على مستوى المصارف أو على المستوى الرسمي. بل إنّ المودعين يتحدّثون عن مضايقات لهم تحول دون متابعتهم لقضيّتهم. يذكر هؤلاء قصصاً كثيرة موثّقة لبنوكٍ قامت بإغلاق حسابات زبائنها السوريين، عبر تحرير شيكات مسحوبة على مصرف لبنان، وإيداعها كتاب العدل. بل إنّ أحد المودعين يروي كيف رفع البنك دعوى قضائية عليه لإلزامه بتسلّم الشيك، و'كلّ ذنبي أنّني طلبت كشف حسابٍ ورفضت توقيع الشروط التي أُرسلت إليّ لإصداره'.
يروي مودع آخر كيف تلقّى اتّصالاً عام 2020 من مدير فرع البنك الذي يتعامل معه، ليقنعه ببيع وديعته بأربعين في المئة من قيمتها، عبر إصدار 'شيك بانكير' بالوديعة مع تعهّد بتدبير زبون لشرائه. ثمّ تكرّر الاتّصال في الأعوام التالية مع تخفيض السعر المعروض مرّةً بعد أخرى. وبعدما رفض بدأت المضايقات، وصولاً إلى إصدار شيك بالرصيد القائم وإغلاق الحساب، بذريعة أنّ صاحب الحساب يثير المشاكل.
يتحدّث مودعون سوريون كبار عن 'التعامل المتعجرف' الذي يواجهونه، فلا أحد يستقبلهم أو يردّ على استفساراتهم. وأكثر ما يغضبهم أنّهم ممنوعون من دخول الأراضي اللبنانية إلّا بشروط معقّدة. ويشتبه بعضهم بأنّ الهدف من هذه الإجراءات منعهم من متابعة قضيّتهم.
ربّما يشكّل هذا الملفّ بذرة توتّر بين دمشق وبيروت، وربّما يشكّل حافزاً لتحريك المياه الراكدة. وقد يشكّل حافزاً لتسريع البحث في مصير الودائع كلّها في البنوك اللبنانية. فما يشتكي منه المودع السوري يشكو منه المودع اللبناني من باب أولى.
عبادة اللدن -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سلام: مشروع إعادة تشغيل مطار رينيه معوّض سيتحقّق!
سلام: مشروع إعادة تشغيل مطار رينيه معوّض سيتحقّق!

IM Lebanon

timeمنذ 16 دقائق

  • IM Lebanon

سلام: مشروع إعادة تشغيل مطار رينيه معوّض سيتحقّق!

أكد رئيس الحكومة نواف سلام، في كلمة له بمناسبة مرور مئة يوم على تشكيل الحكومة، أن مسار الإنقاذ في لبنان لن يتحقّق إلا من خلال إطلاق إصلاحات حقيقية واستعادة ثقة الأشقاء العرب، مشدداً على التزام الدولة ببسط سلطتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيدها. وأشار إلى أن الجيش اللبناني فكّك أكثر من 500 موقع عسكري في جنوب الليطاني، لكنّه شدد على أن الاستقرار لا يمكن أن يترسخ ما دامت الانتهاكات الإسرائيلية مستمرة وما دام مصير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية غير محسوم. وفي الشأن الداخلي، أوضح سلام أن حضور الدولة تعزّز في المرافق العامة، لافتاً إلى تغييرات ملموسة، خصوصاً في مطار بيروت، حيث تمّت إزالة الصور الحزبية وتوقيف المعتدين على القوات الدولية في محيطه، مؤكداً أن الحكومة مستمرة في اتخاذ خطوات لتسهيل العودة الآمنة للنازحين السوريين. وتطرّق إلى التقدّم الحاصل على المستوى الخدماتي، فأشار إلى تحسّن ملموس في الخدمات الطبية، مشدداً على أن الحكومة تمنح أولوية لإعادة الإعمار، موضحاً أنه تم تأمين قرض بقيمة 250 مليون دولار لهذا الغرض، والعمل جارٍ على مشاريع تتخطى قيمتها 350 مليون دولار لتشغيل قطاعات التعليم والصحة ضمن خطة تمتد لأربع سنوات. وكشف سلام عن الاستعداد لإطلاق مؤتمرين في الأسابيع المقبلة: الأول لإعادة الإعمار والثاني لجذب الاستثمارات، مشيراً إلى أن الحكومة بصدد تعيين الهيئات الناظمة، وإلى اتخاذ خطوات مهمة على صعيد استعادة المراسيم البحرية بهدف حماية المال العام. وفي ما خصّ الشأن القضائي، أعلن عن خطة لمعالجة أوضاع الموقوفين في السجون، كخطوة أولى لرفع الظلم، داعياً إلى رفع اليد عن القضاء، لا سيما في ما يتعلق بملف مرفأ بيروت. كذلك، أشار إلى مشروع إعادة تشغيل مطار رينيه معوّض، مؤكداً أنه سيتحقق وسيشكّل مصدر أرباح للبنان، وخصوصاً لمنطقة الشمال. أما في الشأن المالي، فأوضح أن الحكومة تعمل على إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، مؤكداً أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تتقدم، والاتفاق النهائي سيُوقَّع خلال فترة ولايته. وأعلن سلام إقرار قانون السرية المصرفية، الذي اعتبره أصبح عبئاً في الوضع الراهن، مشدداً على أن الهدف هو التأسيس لنظام مصرفي حديث ومتعافٍ، كاشفاً أن الحكومة بصدد إتمام قانون الفجوة المالية كخطوة لاستعادة ودائع المواطنين، وقال: 'أنا مع شطب فكرة شطب الودائع'.

أسعار الذهب تتراجع قبل صدور بيانات اقتصادية
أسعار الذهب تتراجع قبل صدور بيانات اقتصادية

بيروت نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • بيروت نيوز

أسعار الذهب تتراجع قبل صدور بيانات اقتصادية

تراجعت أسعار الذهب اليوم الخميس الخامس من يونيو حزيران، بعد تسجيل مكاسب في الجلسة الماضية بدعم من بيانات اقتصادية أميركية جاءت أضعف من المتوقع، وحفزت الطلب على أصول الملاذ الآمن، في حين يقيم المتعاملون استمرار حالة الضبابية الاقتصادية والسياسية عالمياً. ]]> وتراجعت العقود الآجلة للذهب بنحو 0.3% إلى 3387.5 دولار للأونصة، كما انخفض سعر التسليم الفوري للمعدن الأصفر بنحو 0.3% عند 3364.79 دولار للأونصة. (cnbc)

لمن يهمه الامر
لمن يهمه الامر

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 3 ساعات

  • القناة الثالثة والعشرون

لمن يهمه الامر

خبر يهم أصحاب الودائع التي هي ما دون 100 ألف دولار، وهو أن الإتجاه هو الى إرجاعها سريعاً عن طريق التعاميم التي قد يرتفع سقفها حتى ألف دولار في الشهر وربما أكثر بقليل. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store