
جرائم حرب موثّقة ارتكبت بحق مراسلين وإعلامييناستهداف الصحفيين.. «إسرائيل» تخشى الحقيقة
وأكدت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ) أن الحرب قتلت حتى 5 أغسطس 2025م ما لا يقل عن 186 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا في كل من غزة والضفة الغربية ولبنان، بينهم 178 فلسطينيًا، ورصدت اللجنة نمطًا متكررًا بأن الضربات الجوية الإسرائيلية كانت السبب الأبرز للوفيات، كما وثّقت 20 حالة قتل استهدافي مباشر لصحفيين تعتبرها "جرائم قتل" لمقاتلين غير شرعيين.
فيما رصد الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) 175 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا على الأقل قتلوا حتى 31 يوليو 2025م جراء الحرب، مؤكدًا أن غزة أصبحت منطقة الموت الأوسع للإعلاميين في العصر الحديث، وأشار الاتحاد إلى أن معظم الضحايا من الفلسطينيين، بينما هناك بضعة صحفيين أجانب ضمن القائمة.
وبيّن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) في بيانات أنه تحقّق من مقتل 227 صحفيًا فلسطينيًا في غزة منذ 7 أكتوبر2023م، ويعكس هذا الرقم المرتفع اتساع الكارثة ويشير إلى أن الأعداد قد تكون أعلى مع مرور الوقت، خصوصًا مع صعوبة التحقّق الميداني في ظل القصف والحصار، ويُرجِع المكتب اختلاف الأرقام بين الجهات إلى تباين تعريف "الصحفي/العامل الإعلامي" ومعايير التحقّق وسرعة تحديث البيانات.
سجلٌ من الاستهداف الممنهج
وتعد هذه الحرب امتدادًا لنمط طويل الأمد من استهداف الصحفيين وإفلات الجناة من العقاب، فقبل حرب 2023–2025م، وثّقت لجنة حماية الصحفيين عبر أكثر من عقدين ما لا يقل عن 20 حالة قتل لصحفيين بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي دون أي محاسبة تُذكر، وهذا السجل المروّع من الإفلات من العقاب تصدر الواجهة العالمية باغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة في مايو 2022م، حين خلصت تحقيقات مستقلة لمنظمات إعلامية وحقوقية منها ( نيويورك تايمز وواشنطن بوست وسي إن إن) إلى أن رصاصة جندي إسرائيلي هي التي أصابتها في مقتل.
ورغم ذلك، لم تُسفر التحقيقات الرسمية الإسرائيلية عن توجيه اتهام لأي فرد، الأمر الذي دفع المنظمات الصحفية الدولية إلى دعم عائلة شيرين وزملائها في رفع شكاوى إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) بشأن قضيتها، مؤكدين أن إسرائيل لا يمكنها أن تحقق مع نفسها في جرائمها.
وفي 13 أكتوبر 2023م تصاعدت الأدلة على هذا النمط الخطير عبر حدود غزة، وفي ذلك اليوم، ضربت قذيفة دبابة إسرائيلية مجموعة صحفيين في جنوب لبنان، مما أدى إلى مقتل مصوّر رويترز عصام عبد الله وإصابة ستة صحفيين آخرين من وكالات دولية، وأثبتت تحقيقات أجرتها وكالة رويترز ومنظمات كـالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن طاقم دبابة إسرائيلية أطلق قذيفتين متتاليتين على الصحفيين رغم ارتدائهم سترات وخوذ تحمل علامة "PRESS".
وخلصت المنظمات الحقوقية إلى أن هذا الهجوم بدا متعمدًا على مدنيين واضح تمييزهم كصحفيين؛ مما يجعله جريمة حرب وفق القانون الدولي، ورغم النفي الإسرائيلي المعتاد "نحن لا نستهدف الصحفيين"، لم يُفتح تحقيق شفاف أو تُحمّل أي جهة مسؤولية عن قتل عصام ورفاقه حتى اليوم.
إسكات البنية الإعلامية
ولم يقتصر الاستهداف على الأفراد، بل تعداه إلى الهياكل والمنابر الإعلامية نفسها، ففي 15 مايو 2021م خلال حرب غزة آنذاك، شنّت إسرائيل غارة جوية دمّرت برج الجلاء في مدينة غزة، والذي كان يضم مكاتب وكالة أسوشييتد برس (AP) وقناة الجزيرة وغيرها، وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي زعم حينها أن البرج كان يستخدم من حماس لأغراض عسكرية، لم يُقدَّم أي دليل علني مقنع يدعم هذا الادعاء، وطالبت AP بتحقيق مستقل في الغارة، مؤكدةً أن إسرائيل لم تُظهر أي إثبات يبرر تدمير مقرّ صحفي دولي بهذا الشكل، واعتُبر تفجير برج الجلاء رسالةً صارخة مفادها أن أي منصة تنقل الحقيقة قد تصبح هدفًا للصواريخ.
ولاحقًا، ومع ذروة حرب 2023–2025م، اتخذت إسرائيل خطوات قانونية وإجرائية لإسكات التغطية الإعلامية غير المرغوبة، فقد أقرت سلطات الاحتلال قانونًا جديدًا يتيح حظر وسائل الإعلام الأجنبية بحجة الأمن القومي، واستُخدم هذا القانون بشكل فوري تقريبًا ضد شبكة الجزيرة القطرية: ففي 5 مايو 2024م صوّتت الحكومة على إغلاق مكاتب الجزيرة في القدس وسحب اعتماد مراسليها، وقامت بمصادرة معدات البث ومنع بث قناتها وحجب مواقعها الإلكترونية.
وفي سابقة خطيرة أخرى، صادر مسؤولون إسرائيليون كاميرات ومعدات بثّ تابعة لوكالة AP الأمريكية، بحجة أن لقطاتها الحيّة من غزة تُستخدم من قبل الجزيرة، متهمين AP بخرق القانون الجديد، وندّدت وكالة AP بشدّة بهذه الإجراءات ووصفتها بأنها "استغلال تعسفي" للقانون بهدف التعتيم الإعلامي، وتحت ضغط الإدانات الدولية – بما فيها احتجاج رسمي من الولايات المتحدة – تراجعت الحكومة الإسرائيلية وأمرت بردّ معدات AP واستئناف بث الكاميرا الحيّة، وأبقت على قيودها الأخرى، ومثّلت هذه القرارات إطارًا قانونيًا خطيرًا لـتكميم الصوت وتقييد التغطية المستقلة، تمثل في الانتقال من تفجير مقارّ الإعلام في إلى منع الصحفيين الأجانب من دخول القطاع، في محاولة لعزل غزة إعلاميًا عن العالم الخارجي.
ماذا تقول المنظمات الدولية عن هذا النمط؟
ووصفت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) ما يجري بأنه "هجوم مباشر وغير مسبوق على حرية الصحافة"، ووثقت في بياناتها المتتابعة اعتقالات واعتداءات وتهديدات ممنهجة بحق الصحفيين إلى جانب القتل، وأكدت اللجنة أن معظم الصحفيين الفلسطينيين القتلى سقطوا بغارات إسرائيلية، وأن إسرائيل أخفقت في ضمان أدنى متطلبات سلامة الصحفيين العاملين في غزة.
وبعد استهداف طاقم الجزيرة بغزة في أغسطس 2025م، قالت سارة قدرة مديرة مكتب الشرق الأوسط في CPJ: "إسرائيل تقتل الرُسل، لقد أبادت فريقًا إخباريًا كاملًا.. ذلك قتل عمد بكل وضوح"، مضيفةً بأن العالم يجب أن يرى هذه الهجمات كمحاولة متعمدة وممنهجة للتغطية على أفعال إسرائيل في غزة، وشددت اللجنة على أن تعمد استهداف الصحفيين يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، مطالبةً بوقف هذا "المجزرة" ومحاسبة مرتكبيها.
فيما حذّر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) مرارًا من الاستهداف المتكرر للصحفيين في غزة، حتى داخل مرافق يفترض أنها محمية كالمستشفيات، فبعد قصف خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء بغزة (أغسطس 2025م) – والذي أدى لمقتل 5 من طاقم الجزيرة – أدان المكتب الأممي الحادث بوصفه "انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي"، مؤكدًا على أن تعمد استهداف المدنيين ومنهم الصحفيون محظور تمامًا، داعيًا إلى مساءلة كل من أمر أو نفّذ هذه الهجمات.
ويذكّر المكتب بأن الصحفيين يتمتعون بوضع المدنيين المحميين بموجب اتفاقيات جنيف طالما لم يشاركوا في الأعمال القتالية، وبالتالي فإن مهاجمتهم ترقى لجريمة حرب، وكذلك أصدر خبراء أمميون مستقلون بيانًا في فبراير 2024م يندد بقتل وإسكات الصحفيين في غزة، معتبرين أن عملية إسرائيل العسكرية منذ أكتوبر 2023م تحولت إلى "حرب على الشهود" يجب أن تتوقف.
وعلى الصعيد الرمزي، منحت منظمة يونسكو جائزتها العالمية لحرية الصحافة لعام 2024م إلى مجمل الصحفيين الفلسطينيين في غزة تكريمًا لشجاعتهم وتخليدًا لذكراهم، وصرّح رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر أثناء تسلّمه الجائزة في حفل رسمي بأن ما يتعرض له صحافيو غزة هو "أكثر الهجمات إمعانًا ودموية على حرية الصحافة في التاريخ".
وأكد أن الصحفيين واصلوا عملهم "كشهود على المجزر" رغم الثمن الفادح"، وأن هذا التكريم الأممي دليل على أن العالم لم ينسَ تضحياتهم في سبيل الحقيقة، ودعت منظمات كـمراسلون بلا حدود (RSF) إلى تحرّك دولي لحماية الصحفيين ومحاسبة جيش الاحتلال على جرائمه.
الحقيقة.. هدف عسكري
ويكشف هذا السجل الدموي أن الحقيقة أصبحت هدفًا عسكريًا، فعندما تُقصَف خيام يعتصم فيها مراسلو الحرب، وتُهدَم مقارّ إعلام دولية كاملة ، ويُمنَع دخول الصحافة الأجنبية إلى مسرح الأحداث، وتُسنّ قوانين لحظر قنوات بأعينها ، فإن الرسالة المهنية هي أن من يروي المأساة سيواجه مصير من يعيشها.
والأرقام الموثّقة تقول شيئًا واحدًا: إسرائيل لم تكتفِ بخنق المدنيين في غزة؛ بل سعت إلى خنق من يشهد على معاناتهم، وهذه الحقيقة المروعة تستلزم ما هو أكثر من بيانات الشجب العابرة، والمطلوب الآن تحقيقات دولية مستقلة وملاحقات قضائية وتعويضات للضحايا، والأهم ضمان وصولٍ آمنٍ ومستدام للصحفيين إلى الميدان في كل الظروف، فالصحافة ليست طرفًا في الحرب… بل هي الضمانة الأخيرة ضدّ محو الحقيقة.
وإن كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تخشى شيئًا حقًا، فهو صوت الصحفي وصورة الكاميرا التي تنقل جرائمها للعالم؛ لذلك واجهتهم بالرصاص والصواريخ، في محاولة يائسة لخنق الحقيقة التي ستبقى حيّة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق
- الشرق الأوسط
وزير الدفاع الإسرائيلي يبحث مع رئيس الأركان خطة السيطرة على مدينة غزة
ذكر موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي أن وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، بحث اليوم (الخميس) مع رئيس الأركان إيال زامير وقادة آخرين خطة السيطرة على مدينة غزة. ونقل الموقع عن مسؤولين قولهم إنه سيتم عقب المناقشات إعداد الخطة كاملة، ثم عرضها على وزير الدفاع لإقرارها يوم الأحد. وقال كاتس، خلال الاجتماع، إن الجيش يحشد جميع القوات ويستعد بقوة كبيرة لتنفيذ قرار مجلس الوزراء بالسيطرة على المدينة، بحسب «واي نت». وأفاد موقع «أكسيوس» الإخباري، في وقت سابق اليوم، بأن رئيس الموساد، دافيد بارنياع، أجرى محادثات مع رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة. ونقل الموقع عن مصدرين قولهما إن رئيس الموساد أكد خلال اجتماعاته في الدوحة أن قرار إسرائيل باحتلال مدينة غزة «ليس خدعة أو حرباً نفسية».


الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق
- الشرق الأوسط
إسرائيل ترسم منطقة عازلة بجنوب لبنان وترمي خرائطها للسكان
رسمت إسرائيل، للمرة الأولى منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، منطقة عازلة في جنوب لبنان، نشرت خرائطها متضمنة منطقة باللون الأحمر، تمنع السكان من الاقتراب منها. وألقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صباح الخميس مناشير تحذيرية فوق بلدة شبعا في جنوب شرقي لبنان، حددت فيها ما وصفته بـ«الخط الأحمر» على خرائط مرفقة، محذّرة من تجاوزه. وشملت المناشير مناطق محاذية لمزارع شبعا، وجاءت مصحوبة بخريطة ملوّنة تظلل المساحة المستهدفة باللون الأحمر. نسخة من الخريطة التي رمتها مسيّرات إسرائيلية فوق منطقة شبعا بجنوب لبنان صباح الخميس (متداول) وتُعد هذه الخطوة جزءاً من إجراءات إسرائيلية ميدانية تشهدها المنطقة الحدودية، وتتباين التفسيرات حول أهدافها بين اعتبارها إجراءً أمنياً بحتاً، وقراءتها محاولة لتكريس واقع جديد على الأرض. وجاء في نص المناشير: «يُمنع عبور الخط الأحمر باتجاه الحدود الإسرائيلية. كل من يدخل المنطقة الملوّنة بالأحمر يعرّض نفسه للخطر». ووفق مصادر ميدانية، فإن الخريطة تتطابق مع نطاق أمني جديد تحاول إسرائيل فرضه على طول القطاع الشرقي من الحدود. هذه السياسة سبق أن تجلت في يوليو (تموز) الماضي، حين ألقت إسرائيل منشورات على نحّالي شبعا تحذّرهم من نقل مناحلهم إلى مناطق تراها حساسة أمنياً. وقد سبق هذا التصعيد، قيام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، يوم الأربعاء، بجولة داخل جنوب لبنان، في خطوة أريد منها عكس الواقع الأمني الجديد على الحدود. ورأى اللواء المتقاعد من الجيش اللبناني الدكتور عبد الرحمن شحيتلي، أنّ «ما أقدمت عليه إسرائيل اليوم في مزارع شبعا، هو محاولة واضحة لفرض أمر واقع جديد على الحدود الجنوبية، وجعل هذا الخط بمثابة القسم الشمالي من خط وقف إطلاق النار الجديد المزمع بين لبنان وإسرائيل، وذلك بعد محاولة وضع خط هدنة مستحدث يبدأ من الناقورة وصولاً إلى جسر الغجر». واعتبر شحيتلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا المؤشر خطير للغاية، «بل أخطر من الخطير»، لأنه إذا قبل به لبنان، «فهذا يعني عملياً التنازل عن أراضٍ لبنانية مثبتة الملكية لأصحابها، وموثقة في الاتفاقات الرسمية الموقعة بين لبنان وسوريا». وقدّر شحيتلي أن «المساحة التي يشملها الإجراء الإسرائيلي الجديد تبلغ نحو 50 كيلومتراً مربعاً»، مؤكداً أن «هذه أراضٍ لبنانية بالكامل، ولا يساورنا أي شك في هويتها». قصف إسرائيلي على الجانب اللبناني في مزارع شبعا (أرشيفية - أ.ف.ب) وأوضح أن هذه الخطوة «تستهدف منع أصحاب الأراضي اللبنانيين من الوصول إلى أراضيهم وزراعتها، لتكريس الاحتلال بشكل تدريجي، على غرار ما فعلته إسرائيل في الجولان، حيث بدأت بفرض وقائع ميدانية قبل أن تقدم لاحقاً على ضمها». وأضاف: «هذا الخط المرسوم يغيّر الحدود المعترف بها، ويهدد بأن يتحول إلى أساس لأي تسويات أو اتفاقات مستقبلية، وهو ما يجب التصدي له فوراً». إثارة موضوع «الخط الأحمر» استدعت إلى الأذهان الخيمة التي نصبها «حزب الله» في يونيو (حزيران) 2023 قرب الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا (جبل دوف)، قبل حرب الإسناد التي اندلعت في خريف 2023. تلك الخيمة اعتُبرت يومها رسالة سياسية وعسكرية تختبر ما عرف في حينها بقواعد الاشتباك. فإدراج موقع الخيمة ضمن النطاق الملوّن اليوم يضفي بعداً إضافياً للتحذير الإسرائيلي، ويكشف سعي تل أبيب لإزالة أي تمركز رمزي أو فعلي لـ«الحزب» في نقاط متقدمة. استعاد شحيتلي خلفية ترسيم الحدود، مشدداً على أنه «لا يوجد أي خلاف حدودي بين لبنان وسوريا، فالموضوع حُسم منذ الأربعينات عندما وُقعت خريطة حدودية بين لجنة عقارية لبنانية وأخرى سورية، وأعيد تثبيتها في ستينات القرن الماضي وبداية السبعينات عبر اجتماعات رسمية، حيث ترأس الوفد اللبناني وزير الخارجية، وترأس الوفد السوري نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية. وقد وافق مجلسا الوزراء في البلدين على تقارير اللجان والخرائط المرفقة، ما جعل الحدود اللبنانية - السورية مرسمة نهائياً عام 1970». لافتة تشير إلى اتجاه مزارع شبعا على الحدود بين لبنان وإسرائيل وسوريا (المركزية) ولفت إلى أن «المشكلات التي طرأت لاحقاً لم تكن على خط الحدود، بل على الملكيات العقارية، إذ توجد أراضٍ للبنانيين داخل الأراضي السورية وأخرى لسوريين داخل الأراضي اللبنانية، وقد اتفق على تسويتها عبر قضاة عقاريين من البلدين». وفي ما يتعلق بمزارع شبعا، أوضح شحيتلي أن «إسرائيل احتلت الجزء الأول منها عام 1967 بعد حرب لم يشارك فيها لبنان، وكانت تلك المنطقة تضم قوات سورية واعتبرتها إسرائيل أراضي سورية. ثم توسعت إسرائيل بعد ذلك إلى مناطق أخرى بعد 1967، في فترة ما كان يُعرف بـ(فتح لاند) في العرقوب الذي كانت تتمركز فيه المنظمات الفلسطينية. أما المرحلة الثالثة فكانت بعد اجتياح 1982، وصولاً إلى احتلال أجزاء إضافية عام 1989». ودعا الحكومة اللبنانية إلى «اتخاذ موقف رسمي وعلني وفوري، وتسجيل اعتراض واضح لدى الأمم المتحدة على هذا الإجراء، والمطالبة بإزالته فوراً، لأنه يشكل تكريساً للاحتلال ويعطل أي شروط لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، كما يمهّد لمحاولة ضمها على غرار ما حصل في الجولان». وتزامن إلقاء المناشير مع إجراءات ميدانية إسرائيلية، بينها استهداف آلية مدنية في يارون، وإلقاء قنبلة على سيارة في شبعا، وقنبلة صوتية قرب أحد الرعاة، بعيد توغل قوة إسرائيلية في وادي هونين فجراً ودخول منزلين قرب العديسة تم خلع أبوابهما والعبث بمحتوياتهما. كما رصد تحليق للطيران الإسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت والبقاع والجنوب، في رسالة واضحة بأن التحذير الورقي مدعوم بجهوزية ميدانية.


الشرق الأوسط
منذ 6 دقائق
- الشرق الأوسط
الجيش الإسرائيلي يضع خطة تفصيلية لاحتلال غزة
في الوقت الذي تُبذَل فيه جهود ضخمة لإبرام صفقة تبادل جديدة توقف الحرب على غزة تماماً، ووصل فيه رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، إلى الدوحة؛ لمتابعة قضية الصفقة «وشؤون أخرى»، والكشف عن احتمال قوي لأن يقوم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بزيارة تل أبيب، أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي أنها وضعت خطة لاحتلال مدينة غزة والقطاع بالكامل. وعلى الرغم من أن الأجهزة الأمنية أبلغت الحكومة بأنها تعتقد أن احتلال غزة سيكون خطأ فادحاً، وقد يتحوَّل إلى مصيدة موت وكمين استراتيجي للجنود والضباط الإسرائيليين، خصوصاً في هذا الوقت الذي تُفتح فيه من جديد آفاقٌ للانفراج والعودة إلى المفاوضات، فإنها أعلنت أنها قررت الرضوخ لإرادة القيادة السياسية، التي تُعدُّ صاحبة القرار في الحرب والسلم. وأعدت خطة حربية لاحتلال بقية المناطق التي لم تُحتَل بعد في القطاع. وصاغت هيئة رئاسة الأركان أهداف العملية بالقول: «السيطرة على مدينة غزة وحسم (حماس)». جنديان إسرائيليان يحرسان المستشفى الأوروبي في خان يونس 8 يونيو 2025 (د.ب.أ) ولكن أوساطاً سياسية عدّت الخطة ناقصةً وترمي إلى احتلال غزة ببطء، وتنوي ردها إلى الجيش لوضع الأدوات والخطط اللازمة لتسريعها. وردت مصادر عسكرية على ذلك بالقول: «بعد نحو سنتين من القتال، فهموا في الجيش أن هذه الطريقة البطيئة هي الأكثر أماناً لسلامة مقاتلي الجيش المناورين. كما أن الجيش يفهم أنه لن يكون من الصواب بدء العمل من دون إخراج السكان كلهم (نحو 800 ألف نسمة وربما أكثر) من المنطقة المدنية، ونقلهم إلى مجالات في المواصي». وحتى لا يتهم الجيش بالتخلي عن عقيدة الإقدام والصدام، أعلن أنه باشر إجراء تجربة مهمة في الطريق لاحتلال غزة، بواسطة مهاجمة حي الزيتون في مدينة غزة. والهدف منها هو «خلق جاهزية للخطوة القوية المقبلة». وقال إن وتيرة التقدم يُفتَرض أن تكون بطيئة، بضعة أشهر على الأقل. وأوضح الجيش أن مطلب القيادة السياسية بتنفيذ العملية بـ«ضربة واحدة» سريعة وقوية، مع كثير من النار وكثير من القوات، غير واقعي. موقع عسكري إسرائيلي قرب الحدود مع قطاع غزة... الثلاثاء (رويترز) وكشف الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، اليوم، أنه «في الأيام القريبة المقبلة سيتلقى آلاف جنود الاحتياط (الأمر رقم 8)»، وهو أمر الاستدعاء الطارئ لقوات الاحتياط. ويُقدَّر، بحسب الناطق، أن يؤدي التقدم نحو مدينة غزة إلى تصعيد في القتال في ساحتين على الأقل (الضفة الغربية، والحوثيين في اليمن) ويُحتمل أيضاً ظهور محاولات للتحدي من ساحة أخرى. وهو الأمر الذي يستوجب تجنيد قوات احتياط إضافية، كي يتم تعزيز الكتائب والألوية، على جبهة الضفة والحدود الشرقية، وكذا منظومة الدفاع الجوي. وبحسب المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت» أحرونوت، يوآف زيتون، اليوم (الخميس)، فإن رئيس الأركان، الفريق أيال زامير، يرى أن احتلال غزة يحتاج إلى تجنيد بين 80 و100 ألف جندي احتياط، إضافة إلى قوات الجيش النظامي. وفي الأيام المقبلة ستواصل الوحدات المختلفة مداولات تفصيلية حول شكل احتلال غزة بأقل ما يمكن من الخسائر، ومن المتوقع أن تكون إجراءات تنفيذية لنظام قتالي مرتب في الفرق والألوية المشاركة في المناورة. كما أن القتال المتكرر في مدينة غزة، على أبراجها في الناحية الغربية، وحيال خلايا حرب عصابات تعدها «حماس»، مثلما هي المناورة أيضاً في بقية شمال القطاع، من المتوقع له أن يتواصل عميقاً إلى عام 2026. صورة من الطرف الإسرائيلي على الحدود لدخان يتصاعد فوق شمال غزة جراء القصف... الأربعاء (رويترز) وأكد زيتون أن هذه المداولات تجري وسط قلق هيئة الأركان، من تآكل معنويات الجنود، ما يجعله يشدد على أهمية «رفع كفاءة القوات، وعلى الجاهزية لتجنيد احتياط، في ظل تنفيذ إنعاش وإعطاء مساحة تنفس قبيل المهام التالية». كما تجري على خلفية النقص الحاد في القوى البشرية للجيش الإسرائيلي، وإنهاك القوات في الميدان، والذي حذر منه رئيس الأركان في جلسة للقيادة السياسية والعسكرية المشتركة، منذ الأسبوع الماضي. فقال إن احتلال القطاع، سيكون خطأ، وقد يتحول إلى كمين استراتيجي ومصيدة موت. لكن القيادة السياسية رفضت أقواله. واستغل نتنياهو احتفال السفارة الأميركية باليوم الوطني ليهاجم من ينتقدونه في هذا، وقال: «هناك جنرالات لا يعرفون معنى النصر الكامل». وقد فهم الجنرال زامير أن اللسعة موجهة إليه فقال، في أثناء خطاب له في مقر قيادة المنطقة الشمالية في صفد: «قتال الجيش يتواصل في كل الجبهات، وفي جهد متواصل في قطاع غزة. هذا واقع يومي من التضحية بالروح، يُنفَّذ بشجاعة وبتمسك بالهدف؛ لضمان أمن سكان الجنوب. تقويض حكم (حماس) حتى الأساس وإعادة كل المخطوفين إلى الديار، سواء بالدفن بكرامة أم إعادة التأهيل الكامل، هذه رسالة واضحة نطلقها إلى شعبنا، ومع الفرق لأعدائنا أيضاً: الجيش الإسرائيلي قوي، مبادر، مهاجم ومبيد التهديد، وهو في مراحل التشكل. الطوق الخانق الذي خنقنا على مدى سنين ينقلب ويتوثق حول أعدائنا. هذا واقع جديد ينفِّذه ليس بالأقوال، بل بالأفعال».