
بولوري.. صنصال والساكتون عن الحق
كل المؤشرات كانت تشير إلى صعود الخطاب المعادي للجزائريين والثقافة الجزائرية عموما في وسائل الإعلام الفرنسية، في السنوات الأخيرة، بعد هيمنة مشبوهة لأحد رجالات المال المغموس في بقع الفساد الإفريقي. فينسان بولوري الذي التهم الفضاء الإعلامي، وسيطر على أهم مفاصله 'قنوات تلفزية، إذاعات، صحف، دوريات ودور نشر'، مكن اليمين المتطرف، المعروف بأطروحاته النازية، من السيطرة على الرسالة الإعلامية الموجهة للفرنسيين، والتي استخدمت التشويه وترويج الأخبار الكاذبة والتغليط من أجل تنمية العداء لكل ما هو جزائري.
بولوري الكاثوليكي المتدين المتطرف الذي يدافع عن لائكية على مقاسه، استخدم الرعاع من اليهود ليقوموا بالدور، بداية من المنشط اليهودي التونسي الأصل سيريل حنونة، إلى اليهودي إيريك زمور الذي عاش آباؤه في الجزائر، وصاحبته سارة كنافو، اليهودية المغربية الأصول.
إمبراطورية الشر التي بناها من المال الفاسد، المنهوب من إفريقيا، كانت وعاء دعائيا رهيبا للكاتب الجزائري الذي تجنَّس منذ فترة قصيرة، بوعلام صنصال، إذ قادت حملة واسعة ضد الجزائر التي اعتقلته بعد أن تجاوز كل الخطوط الحمر وطعن في الدين والشهداء والعادات والوحدة الترابية للبلاد، وأدين بخمس سنوات حبسا نافذا، الخميس الفارط.
لقد اتخذت من عمالة هذا الكاتب، مادة دسمة لتغذية العداء للجزائر الثورية التي لا تزال غصة في حلق كل الذين يحنّون إلى العهد الاستعماري الفاشي الذي يفضح كل يوم زيف الحضارة الغربية ونزعتها العنصرية التي تقصي وتحيّد غيرها. ولا يبدو أن أهداف هذا الهجوم المركّز أصبح خافيا، لقد عمل بولوري كل ما في وسعه لحماية عملاء المشروع الصهيوني في المنطقة، وعلى رأسهم صنصال، وصديقه الوزير الفاسد الهارب من العدالة، بوشوارب.
وفي الوقت الذي تقوم إمبراطورية بولوري الإعلامية بالهجوم على كل ما هو جزائري وفلسطيني عبر الانخراط الكامل في السردية الصهيونية وتبرير الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في قطاع غزة مند قرابة سنة ونصف، فإن الهدف الذي لم يلتفت إليه الكثير، هو تمرير مشروع أوسع من مجرَّد الهجوم على المسلمين ومحاربة الإسلام والجزائر على وجه الخصوص، الذي يُنفَّذ عبر السيطرة على دور النشر المشهورة ومن ثمة الفضاء الأدبي الفرنسي، من أجل التمكين لأطروحات اليمين المتطرف وجعلها أدبيا مقبولة، وشرعنة كل تلك الأفكار العنصرية والنازية التي يحملها هذا التيار المتصهين، وهي أفكار قائمة على التحيز الجنسي والعرقي واحتقار الآخر وكل ما يضع العرق اليهودي والأوربي فوق الأعراق الأخرى عبر ما يسمى 'معاداة السامية'. وهذا التوجه رغم أنه يخالف تاريخيا وأدبيا إرث اليمين الأوربي الذي بني على كره اليهود أصلا، وهو انتقال في اتجاه كره كل ما هو عربي وإسلامي.
وقد تكون الأداة الأكثر قدرة على التمهيد لهذا التوجه الفكري والأدبي، تكمن في دعم الأدباء المنسلخين من هوياتهم الأصلية والمنخرطين في مخطط العمالة والدياثة والحركى من أمثال بوعلام صنصال الذي لا يجد حرجا في ألا يكون مسلما بحجة الإلحاد واللادينية، لكنه يقف ذليلا أمام حائط المبكى اليهودي وهو يلبس قلنسوة العار، وكمال داوود وغيرهما كثير.
هذه القراءات ليست محض خيال أو عنترية كتابية، لكنها قراءات تستند إلى وقائع سبق للإعلام الفرنسي نفسه -الذي ما يزال حرًّا مثل مديا بارث- أن كشف عن بعض معالمه وهو الأمر الذي يجعل محاولات بعض الكتاب الجزائريين، وضع سياقات الدفاع عن صنصال في متجر 'حرية التعبير الأدبي' تيهًا في أحسن أحوال حسن الظن، وخيانة وعمالة في مفهومها الواسع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 14 ساعات
- جزايرس
"بريكليس" يستهدف قيم الجمهورية الفرنسية
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. ❊ المخزن يورّط مسؤولين فرنسيين في قضايا فساد مالي وأخلاقي❊ محام يدفع ثمن كشفه حقيقة ابتزاز اللوبي المغربي للمسؤولين الفرنسيين خرجت النخب السياسية في فرنسا عن صمتها بعد الانحراف الذي كرّسه تيار اليمين المتطرّف على كافة الأصعدة، داقة ناقوس الخطر إزاء التهديدات التي من شأنها أن تعصف بقيم الجمهورية الفرنسية، بالنظر إلى الكم الهائل من العداء والكراهية التي تميز خطابات المتطرفين بقيادة برونو روتايو، الذي يسعى إلى ترجمة خطط الملياردير الفرنسي بيير إدوارد ستيرين صاحب مشروع "بريكليس"، الهادف إلى مساعدة صعود المتطرّفين إلى السلطة. أبانت المخاوف التي عبّر عنها عديد السياسيين الفرنسيين عن حجم الخطر الداهم لسياسة اليمين المتطرّف على مؤسّسات الدولة، والذي انعكس بشكل كبير على مصداقيتها على المستويين الداخلي والخارجي، ما أثار استياء شرائح كبيرة من الشعب الفرنسي الذي خرج بالآلاف إلى الشوارع تنديدا بالإجراءات الاجتماعية التعسفية التي أقرها روتايو، ما انعكس بشكل واضح على المستوى المعيشي المتدهور، فضلا عن العزلة التي باتت تعيشها باريس في محيطها الإقليمي. ويبدو أن خطة الملياردير الفرنسي المحافظ المنفي في بلجيكا والتي ترتكز على ضخ 150 مليون أورو لتمكين الانتصار الايديولوجي والانتخابي والسياسي لليمين واليمين المتطرف، لم تلق صداها على مستوى الراي العام الفرنسي، كونها حدّدت الهوية الفرنسية والليبرالية كمعايير، والاشتراكية والهجرة كأعداء معلنين وحزبي التجمّع الوطني والجمهوريين كشركاء محدّدين. فقد سارت الأفكار التي روّجها الحزب اليميني عكس التيار، حيث تفشت مظاهر الإسلاموفوبيا والكراهية ضد الأجانب في ظاهرة غير مسبوقة في فرنسا، غير أن التركيز انصب على الجزائر بالخصوص، ما انعكس جليا على العلاقات الثنائية، التي كشفت عن حجم الضعف الذي يعتري مؤسّسات الدولة الفرنسية بسبب طغيان الأفكار اليمينية على قرارات صناع القرار في باريس. كما يظهر أن الفكر اليميني يهدف من خلال إيديولوجيته الجديدة إحياء المجد الاستعماري القديم المتشبع بالنظرة الاستعلائية التي دفع ثمنها بالأمس غير البعيد في إفريقيا، والتي طردت منها فرنسا شرّ طردة، ما جعلها تحاول بعد فقدان بوصلتها استدراك الواقع المرّ بشنّ حملات عدائية على الجزائر بقيادة اليميني المتطرف روتايو الذي لا يمر يوم وإلا ذكر الجزائر في تصريحاته على أنها سبب مشاكل فرنسا. والواقع أن خرجات وزير الداخلية المتطرّف ما هي إلا محاولة لتحويل الأنظار عن حجم الفساد المالي الذي تورط فيه أشخاص محسوبون على هذا التيار في عديد شبكات التمويل المشبوهة، ووجود تحالف بين المال الفاسد مع الإيديولوجية المتطرّفة، فضلا عن الشعارات العدائية التي تستهدف الإسلام والمهاجرين. من جهة أخرى، لا نستغرب أن يتخذ نظام المخزن نفس توجّه اليمين المتطرّف الفرنسي في الابتزاز ودفع الرشاوى بالاعتماد على المال الفاسد لشراء الذمم، مثلما كان الأمر مؤخرا مع فضائح الجوسسة على مستوى قصر الإليزيه وتوريط المخزن عديد المسؤولين الفرنسيين في قضايا فساد مالي وأخلاقي. ودفع المحامي خوان برانكو ثمن كشفه حقيقة هذا الابتزاز الممارس من قبل اللوبي المغربي على المسؤولين الفرنسيين، حيث يتواجد حاليا في المستشفى بعد تعرّضه لتسمّم نتيجة التحقيق المعمّق الذي أجراه حول هذه القضية، علما أنه سبق وأن تعرّض من قبل لتهديدات عديدة بعد أن سلّط الضوء على حقيقة العلاقة المشبوهة بين الإليزيه ونظام المخزن، في حين فضّلت الاستخبارات الفرنسية الصمت لتجنّب ردة الفعل الشعبي. ويمكن القول إن سيطرة التيار اليميني على مؤسّسات الدولة الفرنسية قد أفرغها من محتواها، الأمر الذي يثير استياء السياسيين الفرنسيين المخضرمين، الذين حذّروا من انهيارها ووقوعها في يد قبضة من الرجعيين المتطرّفين الذين لا يفقهون في أبجديات العرف الدبلوماسي قيد أنملة.


الشروق
منذ 2 أيام
- الشروق
النفاثات في العقد
كل من قرأ كتاب الشيخ أحمد حماني 'الصراع بين السنة والبدعة'، أو كما سماه الراحل أيضا: 'القصة الكاملة للسطو بالإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس'، يلاحظ ما بذله رائد النهضة الجزائرية من جهد واجتهاد، لأجل أن يحرر العقول من الخزعبلات، التي عشّشت فيها، وساهم الاستعمار في ترسيخها، من خلال رفع قيمة وسلطة الطرقيين و'المرابطين' كما كانوا يُسمّون في ذاك الزمن التعيس. وبحسب رواية الراحل أحمد حماني، وهو تلميذ الشيخ ابن باديس، فإن رائد النهضة لم يتوقف عند الخطب والكتابة، فكان يطرق أبواب المشعوذين، فإن عجز عن منعهم عن النصب على عامة الناس، استعمل القوة لردعهم، وكان لا يرى أي نهضة ممكنة للأمة من دون أن تُكنس هذه الطائفة من مجتمعنا ويُكنس خصوصا ما عشّش في عقول الناس بأن هؤلاء بإمكانهم الإتيان بالأذى وأيضا بالخير، ويعتبر ذلك شركا يُبعد فاعله عن الإسلام الذي جاءت فرنسا لأجل قبره. يحزّ في النفس أن نقرأ في الصحف عن مشعوذ جمع أموالا قارونية في ظرف وجيز، ويحزّ في النفس أكثر عندما نعلم بأن من ضحاياه أو دعونا نقُل من 'المسلّمين المكتّفين' كل أطياف المجتمع بما في ذلك من حملوا شهادات جامعية، وحتى لا نترك الأمور تسير إلى الاتجاه الخطأ، فإن هذه الحملة التي نظمها بعض الشباب عن حسن نية لأجل تطهير المقابر، يجب أن تتوقف حالا، فمن غير المعقول أن يؤمن هؤلاء بأن الصور التي وُجدت مدسوسة في التراب أو الأقفال والتمائم بإمكانها أن تؤذي آمنا في بيته أو مسالِمة تعيش حياتها في هدوء. قرأنا كل النسخ الأصلية من صحف الشيخ ابن باديس، من 'المنتقد' إلى 'الشهاب'، وكل الافتتاحيات التي كان يتفضل بها الشيخ ابن باديس مع رعيله الفاضل وطائفة من علماء الجمعية الأجلاء، وكانت صحيفة 'الشهاب' تضع ركنا خاصا بالفتاوى يتولى رائد النهضة الإجابة فيه عن تساؤلات أبناء الجزائر منذ قرن من الزمان، فلم تستوقفنا قطّ حكايات عين الحسود والسحر المتمكّن أو الجن الساكن في الأجساد أو الرقية التي يجب أن تنقذ هذا الشعب البائس، الذي تتهاطل عليه الشرور من المسمى 'شمهروش'، حتى إنك تخال السنوات الأخيرة للشيخ ابن باديس كانت منيرة وأسّست لفكر علمي وثوري، أنجب فكر مالك بن نبي وعبد الرحمان شيبان وأحمد زبانة وعبد الحميد مهري والعربي بن مهيدي… أكيد، أن التشوّهات التي تطال أعضاء الموتى، من قطع أصابع وأيدٍ أو دسّ في تراب القبور للصور والمسامير والشعور، هو جريمة يُسأل عنها الفاعلون وحتى مصالح البلدية العاجزة عن حماية ميّت في قبره، لكن التشوّهات التي طالت عقول الأحياء، أكثر إيلاما، فالسحر لا يحقق مراده، وقد قال تعالى: 'ولا يفلح الساحر حيث أتى'، والغيب لا يمتلك مفاتيحَه غيرُ الله، وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: 'ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير'، والذين ينظّفون القبور، عليهم أن يقتنعوا بأنهم ينظفونها من الوسخ والرجس، وليس من أذى الناس، وإلا دخلوا دائرة المؤمنين بقوة السحرة.. دائرة الشرك.


إيطاليا تلغراف
منذ 3 أيام
- إيطاليا تلغراف
مغالطات وزير الأوقاف أحمد توفيق حول تأسيس الأحزاب الإسلامية
إيطاليا تلغراف الدكتور محمد عوام باحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة. المتتبع لتدبير الشأن الديني في بلدنا، يلحظ أن السياسة المتبعة لدى الوزير أحمد توفيق، هي المزيد من التضييق، وشد الوثاق، وتأميم المجال الديني، وفصل هذا المجال عن باقي المجالات، التي من طبيعة الشريعة الإسلامية أنها تؤطرها، ولها في ذلك كلمتها ومبادؤها وأصولها وقواعدها، أعني كل مجالات الحياة، الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والأسرية،…غير أن الوزارة أخذت على نفسها، أن تقصر مجال الشريعة وتحصره في الخطاب الوعظي الروحي، أو ما يتعلق بالعبادات دون التطرق إلى تناول باقي الموضوعات، ولو كانت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا أدل على ذلك، من توقيف بعض الخطباء والدعاة، لكونهم تحدثوا عن بعض المنكرات، كحديث أحدهم عن مهرجان موازين، وآخر عن الاحتفال بالسنة الميلادية، وآخر عن اليهود والنصارى. وهكذا ولائحة الموقوفين طويلة، وأسماؤهم مشتهرة. واليوم اطلع علينا الوزير توفيق بمنطق جديد، أو على حد تعبيره 'المسعى الجديد'، وخلاصته كما صرح بذلك 'أن بسبب الفراغ في المشيخة العلمية ظهرت الأحزاب السياسية الإسلامية' ولولا هذا الفراغ ما احتاج الناس أن يؤسسوا أحزابا باسم الإسلام، لأن الإسلام هو للأمة جمعاء،… ثم أثار اعتراضه على الذين سألوه عن خطة التبليغ بقوله لهم: 'لكنكم تسقطون في شبكة السياسة التي تفسد'. ونتعقب هذه الكلمات منه بما يلي: أولا: ينبغي التفريق بين الإسلام للجميع، والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فكل الأحزاب لها خلفية تصورية فكرية، ومقولات فلسفية، تمتح منها، وتعتبرها مرجعيتها الفكرية وخلفيتها العقدية، بها تحلل، وعلى ضوئها تقترح وتناقش وتعترض، وهذا ما نجده عند أعرق الأحزاب المغربية. فحزب الاستقلال -مثلا- المحافظ منذ تأسيسه كانت خلفيته محافظة وإسلامية. وبخاصة مع رعيله الأول وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي، وأبو بكر القادري وغيرهما رحمهم الله جميعا، وكذلك أستاذنا محمد بلبشير حفظه الله، وهذا ما تنطق به كثير من مواقفه، ومواقف مناضليه الكبار. وحزب الاتحاد الاشتراكي فخلفيته يسارية علمانية، تمتح من الماركسية وغيرها. وهكذا، لا تجد أي حزب كان وإلا وله هذه الخلفية التصورية. ولا يجد أصحابه غضاضة في أن يصرحوا بذلك، كما فعل مصطفى بن علي رئيس جبهة القوى الديمقراطية، وهو حزب يساري، لم يخف خلفيته ولا توجهه، كباقي الأحزاب، وهكذا كافة الأحزاب، فلها مرجعيتها وخلفيتها الفكرية، تظهر في برامجها، وبياناتها، واقتراحاتها، ونظرتها للإصلاح والتغيير. إذن ما العيب في وجود أحزاب سياسية، ذات مرجعية إسلامية؟ حلال على الآخرين أصحاب المرجعيات الدخيلة، والمناقضة للإسلام نفسه، كمن يمتح من الماركسية، أو الاشتراكية، أو الليبرالية العلمانية. وحرام على الإسلاميين من أن يؤسسوا أحزابهم بخلفية إسلامية. وإذا كان الوزير يقر بأن هناك فراغا، تسبب حسب رأيه في ظهور الأحزاب السياسية الإسلامية، فإن الحاجة والفراغ ما زال حاصلا، مما يستدعي أن تكون لدينا أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، لتناضل من أجل تثبيت الأحكام الشرعية، والدفاع عن حقوق الناس، وتسعى إلى خدمة بلدها. فالحاجة اليوم ملحة أمام تغول العلمانية واللادينية في البلد، والذي يتحاشى الوزير ذكرهما أو انتقادهما، لأنه يبدو ليس من اختصاصه مناكفة هؤلاء، وليسوا داخلين في مسعاه الجديد، ولو اقتحموا عقبة الثوابت، التي ما فتئ الوزير توفيق يلهج بذكرها كل حين. فالفراغ داؤه وعطبه قديم، حين رسمت للعلماء حدودا لا يتجاوزونها، فكان من الطبيعي أن تهب طائفة من الغيورين على دينهم ليملؤوا الفراغ، بل إن معظمهم من أهل الشأن. ثانيا: العمل السياسي في أمتنا عريق، منذ نشأتها وفتوتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين السلطة السياسية المتمثلة في تدبير شأن دولته بالمدينة، والسلطة الدينية المتمثلة في التبليغ والهداية وغيرها. ولا تناقض بين السلطتين، ولم يعرف المسلمون الانفصام بينهما، بل هما متكاملان متآزران، لا متناقضان ومتعارضان. ثم سار صحابته الكرام على ذلك، وهو ما جرى عليه من جاء بعدهم من حيث الإطار العام. فكثرت بعد ذلك التصانيف فيما سمي بالسياسة الشرعية أو الأحكام السلطانية. كل ذلك وقع والأمة مسلمة موحدة، لم يمنعها اجتماعها على الإسلام من أن تكون بها أحزاب وفرق سياسية، مما أغنى الفكر السياسي الإسلامي بنظريات كثيرة، عبر مساره التاريخي. ثالثا: إذا كان السيد الوزير يقر -لا ريب في ذلك- بتعدد المذاهب الفقهية، وتباين الاجتهادات بينها، بل قد يحصل الخلاف والتباين داخل المذهب الواحد، كما هو الشأن في المذهب المالكي، بناء على كيفية إعمال الأدلة، وقوة الاستنباط، فعندنا اجتهادات مالك، وابن القاسم، وابن رشد الجد، وغيرهم كثير. فلماذا لا يحصل مثله في الاجتهادات السياسية، فهي أيضا من قبيل الفقه، لأن كيفية تدبير الشأن العام، ليس إلهاما يحصل لبعض الناس دون آخرين، وليس بخاص بالتيارات العلمانية دون أن يكون للإسلاميين نظر واجتهاد، وإنما هو حاصل بقوة النظر. من هنا نقول بأن السيد الوزير لم يكن رأيه سديدا، ولا حكيما موفقا، لأنه حسب زعمه ظهور الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، إنما هو دخيل على الأمة، وأنه لا ينبغي تأسيس الأحزاب باسم الإسلام. فيلزم على كلامه أن لا تؤسس أحزاب باسم العلمانية، ولا باسم الاشتراكية، ولا الليبيرالية، ولا غير ذلك، لأجل أن مرجعيتها وخلفيتها مناقضة أصلا لثوابت المملكة، وعلى رأس الثوابت الإسلام، فضلا عن مناقضتها لمرجعية الأمة. وما أطلق عليه الوزير الإمامة العظمى، التي تؤطرها البيعة كما ذكر غير ما مرة، وهي مشروطة بتطبيق الشريعة وحفظ الحوزة، وهذا ما دأب عليه العلماء. إذن فما مسوغ وجود هذه الأحزاب ذات الخلفية والمرجعية المناقضة للإسلام. فإن قلت: ذلك في سياق التعددية التي تشهدها الدولة الحديثة. قلنا: فليكن كذلك الأمر مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فلماذا التفريق بينهم؟. هذا يجعلنا نجنح إلى أن الوزير توفيق، صاحب مشروع واستراتيجية، وهي إعادة تشكيل الحقل الديني، بتأميمه، ورسم الخطوط له، لا ينبغي أن يتجاوزها، ولو كانت من صميم الدين. وهذا يتماهى مع السياسة الفرنسية ونظرتها للشأن الديني زمن الحماية، كما يتماهى مع السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والحركات الإسلامية، التي تظهر جليا وواضحا من تقارير وتوصيات مؤسسة راند الاستخباراتية. رابعا: هل السياسة تفسد؟ أو هل السياسة فساد؟ مما جاء في كلمة الوزير توفيق، حينما سئل عن 'خطة تسديد التبليغ' معقبا على كلام السائلين، حسبما ذكر، 'لكنكم تسقطون في شبكة السياسة التي تفسد'. وهذا اعتراف صريح، لا يحتمل التأويل، بأن 'السياسة تفسد'، فهي فساد في فساد. وإذا كان هذا يعتبر دليلا عند الوزير لتسويغ عدم الحاجة إلى الأحزاب الإسلامية، فإنما هو دليل مناقض لما أراد الوزير، فهو يستعمل في المناقضة وإبطال كلام الوزير، ذلك أن المجال السياسي إذا كان فاسدا، أو شبكة السياسة تفسد، فهذا يعني أنه لا بد من إصلاح السياسة، ولا تنصلح إلا بتقديم نموذج إسلامي سياسي يدبر الشأن العام بمصداقية وأخلاق عالية، لأن السياسة في حقيقتها سوس وتدبير، وهذا التدبير وسياسة الأمور يحتاج إلى أمرين نص عليهما القرآن الكريم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، الذي تولى الولاية في ظل الحاكم الكافر، وهما: العلم بكيفية التدبير، والأمانة. قال تعالى: 'وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ ٱئۡتُونِي بِهِۦٓ أَسۡتَخۡلِصۡهُ لِنَفۡسِيۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِين قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم' [يوسف: 54-55]. لذلك اقترح يوسف عليه السلام نفسه للولاية، ليقوم بالمصالح، لما أحس من نفسه الأهلية لذلك. وهذا المعنى هو الذي بسط الكلام عنه العلامة ابن عاشور رحمه الله وغيره من العلماء. قال رحمه الله: 'واقتراح يوسف- عليه السلام ذلك إعداد لنفسه للقيام بمصالح الأمة على سنة أهل الفضل والكمال من ارتياح نفوسهم للعلم في المصالح، ولذلك لم يسأل مالا لنفسه ولا عرضا من متاع الدنيا، ولكنه سأل أن يوليه خزائن المملكة ليحفظ الأموال ويعدل في توزيعها ويرفق بالأمة في جمعها وإبلاغها لمحالها.' (التحرير والتنوير 13/ 8). والسعي في مصالح العباد، هي في حد ذاتها عبادة، وهذا ما نص عليه المحققون من العلماء. قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في (ميزان العمل): 'فاعلم أن مراعاة مصالح العباد من جملة العبادة، بل هي أفضل العبادات. قال عليه السلام: ' الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله'. والله عز وجل إنما بعث الأنبياء 'لإقامة مصالح العباد في المعاش والمعاد' (ميزان العمل 383). فليكن أتباعهم على هذا المنوال، وعلى رأسهم سيد الأنبياء. فلا جرم أننا اليوم في حاجة ماسة لتخليق الحياة السياسية خاصة، وبث فيها روح المصداقية والنزاهة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بتقديم نموذج إسلامي خالص، والأقدر على تمثيل ذلك هي الأحزاب الإسلامية، ولا ريب أنها أكدت ذلك، ويشهد لها التاريخ بذلك، بالرغم من المكائد العلنية والخفية، التي تصدر من القريب والبعيد. ولهذا فالسياسة تصير فاسدة بتصدر الفاسدين لها، وهيمنتهم على دواليبها، كما تصير نقية طاهرة بيضاء إذا ولجها الصالحون المصلحون أصحاب الهمة العالية والمصداقية. غير أن الوزير أشاح بنفسه عن هذا التفصيل، واستنكف عنه، لحاجة في نفسه وعند غيره، وهي المسكوت عنها، تفضي على لسان حالهم ومقالهم: 'إننا لسنا في حاجة إلى أحزاب إسلامية'، ونتعقب هذه المقالة: بأننا من باب أولى لسنا في حاجة إلى أحزاب تنسف ثوابت الإسلام، وتقضي على مقدرات البلد، وتبدد خيراته، وتعيده إلى التقهقر والتخلف سنوات. وإذا كان الوزير توفيق يرى العلمانية واللادينية قد اكتسحت الدولة المغربية، وهو في ذلك يلتزم الصمت، رغما عن الشعب المغربي المسلم، في الإعلام، والتعليم، والاقتصاد، والسياسة، وغير ذلك، وهو ممن يسعى جاهدا لترسيخ الثوابت، فإن ذلك لن يقع بتحنيط العلماء وإبعادهم عن الخوض في هذه المجالات، ورسم خطوط حمراء لا يمكنهم تجاوزها، وإنما تقع المحافظة على الثوابت وصيانة المجتمع المغربي من التغريب والتخريب بوجود أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية، لتعيد للدولة المغربية أصالتها ومجدها وتاريخها. اللهم إلا إذا كان لا يعنيه أمر الثوابت إلا في سياق التسويق الداخلي، ورفع سيفها ضد من يعتبرهم خصوما، فهذا شيء آخر، ولا إخاله يبتغي ذلك. والحق أن الثوابت لا تستقر وتثبت إلا بقرار سياسي فعال وذي مصداقية، لا بشقشقة الكلام في المساجد، والواقع في كل المجالات بعيد عن هذه الثوابت. وختاما فإن وجود الأحزاب السياسية الإسلامية، ضرورة شرعية، وضرورة واقعية. أما كونها ضرورة شرعية فالله أمر بالإصلاح في عشرات الآيات الكريمات، ونهى عن الفساد، منها قوله تعالى: 'إِنۡ أُرِيدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ' [هود: 88]، وقوله جل شأنه 'وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ' [الأعراف: 85]. ودعوة الأنبياء عليهم السلام دعوة إصلاح وتجديد الدين. وأما كونها ضرورة واقعية، لأن الواقع اليوم تكتسحه أحزاب ذات مشارب وعقائد وأفكار مخالفة تماما لثوابت الأمة، فوجب التدافع معها من منحى مرجعي، وكما يقال: فالطبيعة تأبى الفراغ، فإما أن يملأها الصالحون الربانيون، وإما أن يسودها الطالحون المفسدون. والعاقبة للمتقين. إيطاليا تلغراف السابق الجفاف يهدد القمح السوري والأمم المتحدة تحذر من خسائر كارثية