
أوروبا بحاجة إلى تغيير قواعد اللعبة ودعم شركاتها الدفاعية الناشئة
ريتشارد ميلن
فرضت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تحديات غير مسبوقة على صناعة الدفاع، تتمثل بصفة خاصة في المفارقة بين كلفة الأسلحة المستخدمة، والأهداف التي تُواجهها، إذ لماذا تُستخدم صواريخ باهظة الثمن لإسقاط طائرات مسيّرة منخفضة التكلفة، لا سيما حين تُطلق بالمئات دفعة واحدة؟.
ويقر قادة عسكريون وساسة في مختلف أنحاء أوروبا، بطبيعة الحرب الجديدة التي كشفتها المواجهات في أوكرانيا. ويقول أندرس فوغ راسموسن الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي، إن «الحرب في أوكرانيا تمثل مزيجاً غريباً من تكتيكات الخنادق التقليدية، التي شهدناها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ونمط جديد من الحروب، يعتمد بشكل متزايد على الطائرات المسيّرة».
وهذا الواقع الجديد، يفرض الحاجة إلى تكنولوجيا جديدة، إلى جانب توسيع القدرات العسكرية بشكل جوهري. ويتمثل التحدي الأكبر في الجانب الثاني، لا سيما في عدد الجنود المطلوبين، خصوصاً في ظل الاستخفاف الصريح بالخسائر البشرية، باعتبار أنه ينظر إلى موسكو على أنها الخصم الرئيس المحتمل لمعظم دول أوروبا.
غير أن التحدي لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل أيضاً طبيعة الأسلحة المطلوبة لمواجهة هذا النوع الجديد من الحروب. وقد كشفت أوكرانيا عن القوة الكبيرة التي تنطوي عليها حرب الطائرات المسيرة، وكان آخر ما حدث، وأكثره جرأة، استهدافها لعدد من الطائرات الروسية، وتفجيرها في عمق الأراضي الروسية.
وفي مختلف أنحاء أوروبا، بدأت شركات ناشئة عديدة بالظهور لمعالجة هذه المسألة، في وقت يتدفق فيه كل من روح المبادرة ورأس المال الاستثماري إلى قطاع الدفاع. ويقول كثير من هذه الشركات، إن الحاجة لا تقتصر على الطائرات المسيرة فحسب، بل تشمل أيضاً أنظمة دفاع جوي مضادة لها، تكون فعالة، دون أن تتسم بتكلفة باهظة.
ويقول كوستي سالم الرئيس التنفيذي لشركة «فرانكنبورغ تكنولوجيز» الناشئة في إستونيا: «نسبة التكلفة إلى القدرة التدميرية كارثية. فأنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى المضادة للطائرات المسيرة، يمكن أن تصل تكلفتها إلى 500 ألف يورو، في حين لا تتجاوز تكلفة الطائرة المسيرة الواحدة 20 ألف يورو».
في الوقت نفسه، فإن صناعة الدفاع في أوروبا تعاني من تشرذم كبير، إذ تمتلك العديد من الدول شركة وطنية واحدة أو أكثر، تُعد بمثابة «بطل قومي» في هذا القطاع. و
قد تكون هذه الشركات بارعة في تصنيع أنظمة كبيرة ومعقدة ومرتفعة التكلفة، مثل الطائرات المقاتلة والغواصات، وبعض أنظمة الدفاع الصاروخي، لكن أوروبا تحتاج بشدة إلى الشركات الناشئة الجديدة، وإلى ما قد توفره من أسلحة أرخص ثمناً وأسرع إنتاجاً، وإذا كانت القارة تريد فعلاً أن تُشكل قوة ردع في مواجهة روسيا، خصوصاً في ظل تحذيرات العديد من الوزراء الأوروبيين من احتمال أن تُحول موسكو اهتمامها إلى دول «الناتو»، في غضون فترة قد تتراوح بين 3 - 10 سنوات.
وإذا كانت أوكرانيا قد باتت ماهرة للغاية في خوض حروب الطائرات المسيرة، فإن روسيا أصبحت كذلك، هي الأخرى. أما أوروبا، باستثناء أوكرانيا، فلا تزال متأخرة كثيراً في هذا المجال.
ومن بين الشركات الناشئة الأخرى في هذا المجال، شركة «نورديك إير ديفنس» السويدية، التي تسعى إلى تصنيع منظومة منخفضة التكلفة لاعتراض الطائرات المسيرة، ويمكن استخدامها للأغراض العسكرية والمدنية، على حد سواء. ويقول كارل روزاندر الرئيس التنفيذي للشركة، إن قذيفة المدفعية الواحدة باتت حالياً تُكلف أكثر من ثمانين ضعف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كما أصبح من شبه المستحيل الحصول سريعاً على كميات كبيرة من صواريخ الدفاع الجوي.
ويضيف: «ماذا لو دخلنا في حرب، واضطررنا إلى رفع وتيرة الإنتاج بشكل ضخم؟ نحن عاجزون حالياً عن ذلك. كما أننا بحاجة في الوقت نفسه إلى أنظمة دفاعية توازي تكلفة الطائرات الميسرة تقريباً»، مشيراً إلى أن الحل الذي تقترحه شركته -والمقرر أن يدخل حيز الإنتاج العام المقبل- يجب أن يكون بتكلفة تُعادل عُشر التكلفة الحالية.
وهذا هو المستوى ذاته الذي تسعى إليه أيضاً شركة «فرانكنبورغ». إذ يقول كوستي سالم: «المشكلة الكبرى في قطاع الصناعات الدفاعية، سواء في أوروبا أو في أمريكا، بسيطة: الأسلحة المنتجة حالياً باهظة الثمن بشكل فاضح، وكمياتها ضئيلة للغاية. ونحن بحاجة إلى إنتاج كميات أكبر، بمعدل يتراوح بين 10 إلى 100 ضعف، وبتكلفة أقل بعشر مرات». ويضيف أن شركته تستهدف طرح صواريخ قصيرة المدى، بتكلفة تقل بكثير عن 50 ألف يورو.
أما راسموسن، الذي شغل أيضاً منصب رئيس وزراء الدنمارك سابقاً، فيرى أن الدول الأوروبية تحتاج إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بشكل جذري، ليصل إلى نحو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع استثمارات في «كم هائل من المقاتلات والدبابات والمعدات الثقيلة». لكنه يشدد كذلك على أهمية ضخ استثمارات خاصة، تدعم الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا الجديدة، مثل الطائرات المسيرة.
ويبقى السؤال هو: ما إذا كان هذا التوجه سيؤثر بمرور الوقت في صناعة الدفاع القائمة. يرى سالم أن هذه الصناعة «بحاجة إلى تغيير جذري على كافة المستويات»، مشيراً إلى أن الشركات الكبرى القائمة، عادةً ما تطرح منتجاً جديداً يتفوّق بنسبة ضئيلة فقط على سابقه، لكن بتكلفة أعلى بكثير. ويضيف: «التحدي الحقيقي يتمثل في إنتاج سلاح قد يكون أداؤه أضعف بنسبة 10 %، لكن تكلفته أقل بنسبة 50 %، ويمكن تصنيعه بكميات مضاعفة مئات المرات».
وتُعد هذه المهمة هي الأكثر إلحاحاً بالنسبة لأوروبا، إذ إن كلاً من روسيا والصين، جعلت من تكنولوجيا الطائرات المسيرة أولوية استراتيجية. وعلى أوروبا أن تُطلق العنان لشركاتها الناشئة، كي تحذو حذوهما.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
هجوم روسي كبير بطائرات مسيّرة يستهدف كييف وأوديسا
وتأتي الهجمات في أعقاب أكبر هجوم روسي بطائرات مسيرة على أوكرانيا الإثنين في إطار عمليات مكثفة قالت موسكو إنها إجراءات انتقامية على هجمات كييف الأخيرة داخل روسيا. وقال رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو على تطبيق تيليغرام إنه تم استدعاء مسعفين إلى أربعة أحياء في كييف بعد منتصف ليل الثلاثاء، بما في ذلك حي بوديل التاريخي. وأضاف كليتشكو مخاطبا سكان كييف: "ابقوا في ملاجئكم! الهجوم الضخم على العاصمة مستمر"، مشيرا إلى احتراق مبنى. وأفاد الجيش الأوكراني بأن الغارات لا تزال مستمرة، وحثّ الناس على البحث عن ملاجئ، دون الكشف عن الحجم الكامل للهجوم. وسمع شهود من رويترز سلسلة من الانفجارات المدوية في جميع أنحاء المدينة. وفي أوديسا بجنوب أوكرانيا، قال أوليه كيبر، حاكم المنطقة في منشور على تيليغرام إن هجوما "هائلا" بطائرات مسيرة استهدف مبنى طبيا للطوارئ وقسما للولادة، بالإضافة إلى مبان سكنية. وذكرت مصادر أوكرانية أن قتيلا و4 جرحى على الأقل، سقطوا في الهجوم الجوي الروسي على أوديسا.


الإمارات اليوم
منذ 3 ساعات
- الإمارات اليوم
والد ماسك: إيلون ارتكب خطأ «تحت الضغط».. والغلبة ستكون لترامب
قال إيرول ماسك، والد الملياردير إيلون ماسك، لوسائل إعلام روسية في موسكو إن الخلاف بين نجله، الرجل الأكثر ثراء في العالم، وبين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقع بسبب معاناة كل منهما من الضغوط، لافتاً إلى أن إيلون أخطأ بتحديه العلني لترامب. وبدأ ماسك وترامب تبادل الانتقادات الحادة، الأسبوع الماضي، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين انتقد ماسك مشروع قانون قدمه ترامب لخفض الضرائب والإنفاق، ووصفه بأنه «قبيح ومقزز». وقال إيرول ماسك لصحيفة «إزفستيا» خلال زيارة للعاصمة الروسية: «كما تعلمون فقد تعرضا لضغط كبير طوال خمسة أشهر، لنمنحهما استراحة، إنهما منهكان ومجهدان للغاية، لذا يمكن أن نتوقع شيئاً كهذا»، وأضاف: «الغلبة ستكون لترامب، فهو الرئيس وقد انتُخب للمنصب، لذا كما تعلمون أعتقد أن إيلون ارتكب خطأ، لكنه متعب ومتوتر». وأشار إيرول ماسك أيضاً إلى أن الخلاف «مجرد شيء صغير وسينتهي غداً». ولم يتسن الحصول على تعليق من البيت الأبيض ولا من ماسك خارج ساعات العمل في الولايات المتحدة. وقال ترامب، السبت الماضي، إن العلاقات مع ماسك الذي تبرع لحملته الانتخابية انتهت، وتوعد بـ«عواقب وخيمة» إذا موّل ماسك ديمقراطيين في مواجهة الجمهوريين الذين سيصوتون لمصلحة قانون ترامب الشامل لخفض الضرائب والإنفاق.


صحيفة الخليج
منذ 5 ساعات
- صحيفة الخليج
روسيا وأوكرانيا تتبادلان أسرى عسكريين تحت سن 25 عاماً
تبادلت روسيا وأوكرانيا مجموعة من الأسرى المصابين والأحدث سناً، غداة استهداف روسيا أوكرانيا ليلاً بعدد قياسي من المسيّرات وقد دمرت القوات الجوية الروسية قاعدة جوية غرب أوكرانيا ينشط فيها مدربون من حلف شمال الأطلسي «الناتو» وأعلنت القوات الروسية السيطرة على مزيد من الأراضي في وسط شرق أوكرانيا وإنشاء «منطقة عازلة» وعُلِّق العمل في مصنع روسي للمكونات الإلكترونية بعد سقوط مسيرتين أوكرانيتين وفيما قال مسؤول بالكرملين: إن الرئيس فلاديمير بوتين أقر إعادة هيكلة كبيرة للبحرية الروسية، كما أعلنت شركة رينو أن فرنسا تطلب منها المساعدة في إنتاج طائرات مسيرة بأوكرانيا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا أعادت أول مجموعة من العسكريين الروس الأسرى ممن أعمارهم دون 25 عاماً بموجب اتفاق إسطنبول وأشارت إلى أنه تم تسليم عدد مماثل من أسرى القوات الأوكرانية مقابل ذلك وأوضحت أن جميع العسكريين الروس موجودون حالياً على أراضي بيلاروسيا، حيث يتلقون المساعدة النفسية والطبية اللازمة. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: إن بلاده استقبلت أول مجموعة من الأسرى من روسيا وإن إتمام عملية التبادل سيستغرق أياماً وتابع: «العملية معقدة جداً مع العديد من التفاصيل الحساسة والمفاوضات مستمرة كل يوم نظرياً نعتمد على التطبيق الكامل للاتفاقات الإنسانية التي توصلنا لها خلال اجتماع إسطنبول». ولم يفصح أي من الجانبين عن العدد المحدد للأسرى الذين تم تبادلهم، لكن وزارة الدفاع الروسية ذكرت في بيان أن الطرفين سلَّما عدداً متساوياً من الجنود وكشف فلاديمير ميدينسكي المستشار بالكرملين في مطلع الأسبوع عن تسليمهم أوكرانيا قائمة أولى تضم 640 أسيراً. من جهة أخرى، أطلقت روسيا عدداً قياسياً من المسيّرات باتّجاه أوكرانيا بلغ 479 وفق ما أعلنت كييف الاثنين وأفادت موسكو الاثنين بأن ضرباتها تأتي في إطار ردّها المتواصل على هجوم أوكراني استهدف قاذفات تابعة لها في عمق الأراضي الروسية وألحقت الهجمات الروسية التي وقعت ليلاً أضراراً بعدد من المناطق الأوكرانية ولم ترد تقارير عن سقوط قتلى أو عدد كبير من الضحايا. وأفاد سلاح الجو الأوكراني: «سُجّلت ضربات جوية للعدو في عشرة مواقع» وأفاد الحاكم الإقليمي لريفني أولكسندر كوفال بأن 70 مبنى، بينهم منازل خاصة وحضانة، تضرروا في الهجوم. وذكرت روسيا أنها استهدفت قاعدة جوية قرب قرية دوبنو في منطقة ريفني وأفاد سيرغي ليبيديف منسق العمل السري في جنوب أوكرانيا بتدمير القوات الروسية قاعدة جوية حساسة في ريفني غرب أوكرانيا، استخدمها «الناتو» لتدريب طياري كييف وتخزين الذخائر الجوية والصواريخ وأشار إلى أن القاعدة الجوية التي كانت تستخدم لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى، تضم مستودعاً ضخماً للصواريخ والذخائر الغربية. وقال الجيش البولندي: إن طائراته وطائرات من قوات حليفة حلقت في وقت مبكر من صباح الاثنين لحماية المجال الجوي للبلاد. من جانبها، أعلنت أوكرانيا تنفيذ ضربة خلال الليل على مصنع للإلكترونيات ينتج جزءاً من المسيرات الروسية في مدينة تشيبوكساري في منطقة شوفاشيا، على بعد نحو 600 كم شرق موسكو وأفاد مسؤولون روس بأن المنشأة اضطرت لتعليق الإنتاج مؤقتاً بعد الهجوم. من جهة أخرى، قالت وزارة الدفاع الروسية أمس الاثنين: إن قواتها سيطرت على مزيد من الأراضي في منطقة دنيبروبتروفسك الواقعة في شرق وسط أوكرانيا وذكر الكرملين أن العمليات القتالية هناك تهدف جزئياً إلى إنشاء «منطقة عازلة». وأفاد رئيس جمهورية دونيتسك دينيس بوشيلين بأن القوات الأوكرانية تتكبد خسائر فادحة في المعارك حول مدينتي كراسنوأرمييسك (بوكروفسك) ودزيرجينسك، مشيراً إلى أن القوات الأوكرانية تقوم بنقل احتياطياتها إلى المنطقة في محاولة للتمسك بمواقعها، وأكد أن المعارك مستمرة في تشاسيف يار، واصفاً الأوضاع بالصعبة. (وكالات)