logo
الأردن يحتضن مرضى سرطان من قطاع غزة برحلة علاج إنسانية

الأردن يحتضن مرضى سرطان من قطاع غزة برحلة علاج إنسانية

أخبارنا٢٩-٠٧-٢٠٢٥
أخبارنا :
في ظل التحديات الصحية التي يواجهها قطاع غزة، قدم الأردن الدعم والمساعدة للأشقاء الفلسطينيين من المرضى، خاصة مرضى السرطان الذين أصبحوا يتوقون للحصول على رعاية طبية تراعي أبسط حقوق الانسان بتلقي العلاج عند الإصابة بالمرض.
وبعد بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023 ولغاية الآن، استقبلت مؤسسة ومركز الحسين للسرطان 142 مريض سرطان من القطاع معظمهم من الأطفال، بالإضافة إلى 250 من ذويهم كمرافقين بعد أن اضطروا لمغادرة بيوتهم تحت وطأة الحرب باحثين عن الأمان والعلاج.
يأتي ذلك تزامنا مع إعلان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عن بدء الأردن باستقبال 2000 طفل من غزة من المرضى والمصابين لاستكمال رحلة علاجهم على نفقة الأردن، وإيمانا بدور الأردن وبتجسيد حقيقي لرسالته في احتضان الإنسان أينما كان.
أطفال مصابون بالسرطان وأهاليهم تحدثوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن حجم المعاناة والألم التي لحقت بهم جراء الحرب، حيث لم يعودوا يجدون أبسط مقومات الرعاية الصحية بسبب نقص الإمكانيات والعلاجات المخصصة لهم.
وثمنوا عاليا جهود الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الذي أمر بمكرمة ملكية لعلاج أطفال السرطان من غزة، داعين الله أن يديم نعمة الأمن والأمان على الأردن ملكا وحكومة وشعبا، مؤكدين أن الأردن رسم أسمى معاني الكرم والمروءة، حيث كان الحضن الدافئ لمرضى غزة في محنتهم.
تقول والدة الطفلة رهف كسكين "11 عاما" المصابة بسرطان الغدة النخامية بالدماغ وفقدت بصرها نتيجة ضغط الورم على العصب البصري نظرا لموقعه الحساس عند التقاطع البصري، لـ(بترا)، إن تشخيص ابنتها بالسرطان كان بعد بدء الحرب بشهر واحد فقط نتيجة انتكاسة صحية مفاجئة ومتسارعة، ولم يكن هناك صور ملونة ولا تحاليل صحية في مستشفى ناصر بخانيونس، ما جعل علاجها صعبا، حيث كانت المسكنات تسكن ألمها لفترة وجيزة ويعود مرة أخرى.
وأشارت الى أن ابنتها غادرت معها إلى مصر دون وثائق نتيجة نزوحهم المفاجئ بتنسيق بين وزارة الصحة الفلسطينية ومؤسسة سانجود الأميركية لدعم مرضى السرطان من الأطفال، حيث تم إجراء عملية استئصال 40 بالمئة من الورم فقط وأنه تم إعطاء ابنتها جرعتين من الكيماوي في مصر، حيث تم تحويلها بعد ذلك إلى الأردن لاستكمال العلاج بمركز الحسين للسرطان، الذي عملت كوادره على إعادة تشخيص مرض رهف بالكامل، واستكملت بالمركز جرعات الكيماوي و16 جلسة اشعاع للدماغ وحاليا أمورها الصحية مستقرة ولا أثر لوجود الورم بعد تلك الجلسات بعد أن استجابت لها، وتتابع مراجعاتها في المركز وتعطى العلاج اللازم لها من أدوية وفيتامينات وهرمونات.
من جهته، تحدث والد يوسف صبوح "9 أعوام" عن التفاصيل المؤلمة التي عاشها طفله الذي يعاني من سرطان الدم "اللوكيميا" منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، فقد وصل الى الأردن ضمن قوائم المكرمة الملكية وهو يشكو من ارتفاع حاد بدرجات الحرارة، حيث كان يحصل على علاجه الكيماوي عبر جهاز مزروع في صدره، إلا أن الجهاز تعطل نتيجة حدوث التهابات حادة وكانت السبب الرئيس بارتفاع الحرارة.
وأشار الى أن ابنه انقطع عن العلاج لمدة شهرين في غزة قبل وصوله الأردن، لعدم توفر العلاج وتدمير مستشفى الرنتيسي بالكامل جراء القصف الاسرائيلي، قبل أن يخرج به إلى مستشفى 57 في مصر، المستشفى أكد بدوره أن علاج يوسف غير متوافق مع بروتوكول العلاج بغزة، وقال: " بهذه الفترة جاء السفير الأردني وزارنا في المستشفى وبشرنا بالتنسيق المباشر لخروجنا من مصر إلي الأردن للعلاج في مركز الحسين للسرطان"، مبينا أن زيارة السفير الأردني كانت بارقة الأمل التي نقلت يوسف ووالده وجدته إلى بر الأمان في الأردن.
وقال والد يوسف: "عند وصولنا الى الأردن استقبلنا مركز الحسين للسرطان أفضل استقبال وبعد يومين فقط من وصولنا زارتنا جلالة الملكة رانيا في مركز الحسين واطمأنت علينا جميعا واستفسرت عن حالتنا الصحية والنفسية وعن ما يقدم لنا من عناية وعلاج".
وأضاف، إن هناك مجموعة من المدارس في الأردن تكفلت في تعليم الأطفال من مرضى السرطان القادمين من غزة، أي أن أطفالهم لم يجدوا فقط العلاج في الأردن بل أيضا هم يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وعلى المستوى الذي يليق بطفولتهم.
وأوضح أن الأردن يقوم بدور كبير ورائع في توفير العلاج للأطفال، وأن هذا ليس غريبا ولا جديدا على بلد النشامى الذين يساندون أشقاءهم ويقفون وقفة مشرفة في جميع الأوقات.
ولفت إلى أن وضع يوسف الصحي تحسن بشكل كبير وأصبح يمارس حياته اليومية بشكل عادي، إلا أنه يحتاج الى رعاية واهتمام بنفس الوقت لأنه يأخذ أدوية وجرعات كيماوي بين فترة وأخرى، وفي بعض الأحيان تكون الجرعات صعبة تسبب له التقيؤ والدوخة والهزلان.
بدورها، أكدت مدير عام مؤسسة الحسين للسرطان نسرين قطامش لـ(بترا)، أن الأردن احتضن مرضى السرطان من قطاع غزة في رحلة علاجهم الإنسانية، بتوجيهات من جلالة الملك وباشراف سمو الأميرة غيداء طلال رئيسة هيئة أمناء مؤسسة الحسين للسرطان.
وقالت إن المؤسسة استحدثت "صندوق غزة" لتمكين المرضى القادمين من القطاع من استكمال رحلة علاجهم بكرامة ولتأمين الدعم الكامل لهم ولعائلاتهم من تغطية علاجية شاملة داخل مركز الحسين للسرطان وإقامة كاملة للمريض ومرافقيه مع ثلاث وجبات يوميا وكوبونات شهرية للمواد الغذائية والملابس، بالإضافة إلى مصروف مالي شهري ومنح دراسية مدرسية وجامعية للمرضى والمرافقين في مؤسسات تعليمية خاصة وتغطية الحالات الطبية الطارئة للمرافقين وتأمين مقدمي رعاية في المركز أوأماكن الإقامة حسب الحاجة بكلفة تجاوزت حتى الآن 7 ملايين دينار أردني.
وأشارت قطامش إلى أن مؤسسة ومركز الحسين للسرطان تواصل تنسيق الجهود مع الجهات المعنية لتسهيل عمليات الإخلاء الطبي لمرضى القطاع وضمان استكمال رحلة علاجهم بأمان وإنسانية ضمن رعاية طبية شاملة وبيئة آمنة.
وأضافت، إن المركز يجري تقييما نفسيا لكل مريض قادم من غزة ومرافقيه فور وصولهم الأردن، حيث يتم تحويلهم للمتابعة مع الأخصائيين النفسيين بسبب ما عانوه من ويلات الحرب والألم الذي يتجرعوه كل لحظة.
يشار الى أن الرعاية الطبية النفسية للمرضى تشمل العلاج المتكامل بما فيه العلاج التلطيفي والعلاج المنزلي في حال الحاجة، كما يتم تأمين مقدمي الرعاية لمرضى غزة بالذات في حال الحاجة لوجودهم مع المريض او المرافقين في الفندق او في المركز بحسب توصيات الأطباء.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بشار جرار : حرارة الإيمان
بشار جرار : حرارة الإيمان

أخبارنا

timeمنذ 14 ساعات

  • أخبارنا

بشار جرار : حرارة الإيمان

أخبارنا : كلما صادفت شاكيا من حر أو متذمرا من برد، همست بأذنه: لا عليك، ما هي إلا «حرارة الإيمان وبرود اليقين». عادة ما أقدّم شطرا على الآخر حسب الموسم -صيفا أم شتاءً- فالرسالة واحدة. الشاكي من الطبيعي زيادة على الحدود المقبولة اجتماعيا، يشار إليه بتهمة شائعة موغلة في القدم في بعض المجتمعات أو أفراد بعينهم موجودين في محيطنا الاجتماعي، أينما كان حلنا وترحالنا. ثمة أناس مهووسون بالشكوى، مدمنون على التذمر، «لا يعجبهم العجب، ولا الصيام برجب»! من يقفون على النقيض ليسوا بأفضل حال، بعضهم يهوّن الأمر بتفسيرات وتأويلات «ما أنزل الله بها من سلطان»، وكأن القائل مازال طالبا في علوم الأحياء أو الطبيعة، يجيب على سؤال: «علل ما يلي»! فيهوّن الحر القاتل بضرورات إنضاج البطيخ والتين والصبر (الصبّار)! ويقلل من خطورة البرد الذي «يقصّ المسمار»، بالحاجة إلى القضاء بالتبريد والانجماد على البكتيريا والفيروسات والطُُّفَيْليّات، فضلا عن تنشيط الدورة الدموية وإطالة العمر، حيث يحرص المبررون على الإشارة إلى أن سكان المناطق الباردة والجبلية أطول عمرا وأكثر صحة وعافية، حتى يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فيشطح مقتحما على «مونتسِكيو» نظريته بأن سكان المناطق الباردة أقل ميلا إلى العنف رغم ما عانته البشرية من ويلات «الفايكينغز» والمغول بكل أهوالها وفظائعها من بينهم، الطاغية الدموي هولاكو الذي يرى فيه البعض «بطلا مغوارا»، على جرائم الحرب وفساد الحكم الذي طبعت عهده البائد. سواء أكان الأمر مجرد أحوال طقس أو حتى تغيرا مناخيا، تعامل أجدادنا مع قسوة كل منها باقتدار. الحل ليس «بالمكيّف» بل بالقدرة على التكيف الشامل والنوعي والمستدام، وتلك ميزة أصيلة لدى الإنسان الذي جبله الله سبحانه على الحرص على البقاء وبقاء النوع والاستمرار في الحياة، وسخّر له جلت قدرته الأشياء كلها لخدمته. من مشاهدات بسيطة بالإمكان القول ودون حاجة إلى دراسات وخلوات ومؤتمرات، بأن بعض الأمور بحاجة إلى إعادة نظر لغايت التكيف مع الواقع، سواء أكان ما نشهده عالميا تحولات مناخية، أم مجرد تغيرات عابرة بالإمكان التكيف معها، وقتيا ومكانيا. عرف أجدادنا كيف يطورون مساكنهم ومدنهم وأزياءهم بما يتكيف مع الطقس والمناخ معا، وإلا لما بقينا ولما احتفظنا بتراثنا العريق حتى يومنا هذا، في عصر التنظير والعمل نحو مدن ذكية! كل واقيات الشمس من مراهم وألبسة خاصة، ومكيفات السيارات والمباني، لن تكون فعالة والأهم صحية، لو لم نحسن التعامل مع ما يعرف بالطقس المتطرف «إكستريم وذر». التطرف -بردا، حرا، غبارا، عواصف رعدية، أمطارا طوفانية، سيولا جارفة- أيا كان يتطلب وعيا فرديا، فمجتمعيا، فمؤسسيا. الكثير من الأمور مرتبطة بالتعزيل الموسمي. فلكل موسم أثاثه، ولبسه ومأكله ومشربه. هذا ليس ترفا ولا علاقة لمستوى الدخل به. ليس المقصود أثاثا شتويا وآخر صيفيا، المقصود أن إبان الجو الحار من المفيد تقليل محتويات المنزل -العفش غير الضروري- بما فيها تلك الأشياء الصغيرة التي يستهان بها، سيما ذات الأسطح والألوان القابضة للحرارة، لا العاكسة لها. كذلك استخدام التهوية الطبيعية بتأمين جريان مناسب للهواء والترطيب المتكرر البطيء بالمياه عبر منديل أو «بشكير»، وتفادي السكريات والنشويات، وإلى آخره من الأمور التوعوية التي تعلمناها من الدفاع المدني وإعلامنا الوطني ومدارسنا في مقتبل العمر. لكن العجيب هو إصرار البعض على التمسك بنمط من البناء مثلا الذي لم يعد عمليا حتى لا نقل ذكيا! لم الإصرار على السطح المسطح للمنازل، ما مشكلة البعض مع المثلثات بكرميد أم بالاسمنت المسلّح ذي السطح الانزلاقي، بحيث لا تتراكم المياه وتتسلل من الأعلى فتنخر الرطوبة و»تعشعش» في السقوف والأساسات والرئتين؟! ما المشكلة لدى البنّائين الأخيار في اعتماد الشقق الطابقية عوضا عن الإفراط في عددها بتشطيباتها «السوبر ديلوكس» إلى حد خسارة ميزات لا يمكن تعويضها أهمها حسن التهوية الطبيعية؟ ما ضير نقل تجربة من زاروا مدنا تعج وتضج بناطحات سحاب التي تعتليها -على أسطحها- حدائق أو بيوت بلاستكية للزراعة المنزلية نقلها إلى منازلنا الفارهة والمتواضعة على حد سواء؟ لم لا يعود بنا الحنين إلى بناء «الحوش» -الفِناء أو الساحة الداخلية- والسور الذي يحفظ الخصوصية و»تنكات السَّمنة» التي يعاد تدويرها لزراعة كل ما يلزم البيت ويسر ناظري أهله وزواره؟ مرة أخرى، ليس بالضرورة أن يكون المال عائقا. يفترض أن تقوم البنوك خاصة الوطنية بتشجيع البناء الذكي في مملكتنا العامرة، وقد كان لدينا وزارة اسمها «الإنشاء والتعمير». البناء الإنساني والعمراني هو الغاية، وليس الاسمنتي ولا السيبراني الافتراضي! اللهم حرارة الإيمان وبرود اليقين.. و»عَمِّرْها» بصوت الراحل النجم اللبناني الكبير وديع الصافي، رحمة الله عليه.

السكوت في مواضع الجهل حكمة .. والصمت عما لا نعلمه علم
السكوت في مواضع الجهل حكمة .. والصمت عما لا نعلمه علم

عمون

timeمنذ 15 ساعات

  • عمون

السكوت في مواضع الجهل حكمة .. والصمت عما لا نعلمه علم

في عالمٍ تتسابق فيه الأخبار لتصل إلى شاشاتنا قبل أن نلتقط أنفاسنا، تصبح المعلومة مثل شرارة صغير، إما أن تضيء الحقيقة أو تشعل نار الشائعات، وبين الحقيقة والزيف، يقف وعيك كخط الدفاع الأول، فالتأكد من صحة ما نسمع أو نقرأ قبل مشاركته ليس مجرد خيار، بل هو مسؤولية تحمي بها نفسك ومجتمعك من فوضى المعلومات المضللة حيث باتت الكلمات تُقال دون تدبر، والآراء تُطلق دون علم، والتصريحات تنتشر دون وعي بعواقبها، ومن هنا تبرز أهمية المثل العربي القديم "لا تهرف بما لا تعرف"، وهو تحذير صريح من إطلاق الأحكام أو الخوض في مواضيع لا نملك عنها المعرفة الكافية، إن هذه المقولة ليست مجرد حكمة شعبية، بل هي دعامة أساسية من دعامات التفكير النقدي، واحترام العقول، والمسؤولية الاجتماعية، وهذه العبارة تمنحك درسًا عميقًا في التواضع الفكري والصدق مع الذات أولا وثانيا مع الآخرين، وتعني بشكل مختصر أن لا تتكلم في ما تجهله، ولا تدّعِ المعرفة فيما ليس لك به دراية، وهي دعوة صريحة لأن يتحرى الإنسان الصدق فيما يقول، وأن يُحجم عن الخوض في أمور ليست من اختصاصه أو لا يملك عنها معرفة كافية. كثيرون يخلطون بين الحق في إبداء الرأي، والقدرة على تقديم المعرفة، فلكل إنسان الحق في أن يعبر عن مشاعره ومواقفه بالشكل الذي يراه مناسبا. وهناك أبعاد متعددة للمقولة وأثرها على المجتمعات، فعلى سليل المثال الفضاء الرقمي، والذي يعد ساحة مفتوحة للجميع، حيث يمكن لأي شخص أن يكتب أو يعلّق أو يُصدر أحكامًا حتى في أدق المواضيع كالصحة، والدين، والسياسة، والاقتصاد، وهنا تكمن الخطورة. فكم من شائعة بدأت بتغريدة؟ وكم من معلومة مغلوطة أدت إلى أزمة؟ أما في الحياة اليومية، فكثيرًا ما نسمع آراءً في المجالس أو الأحاديث العامة من أشخاص يتحدثون بثقة في مجالات لم يدرسوها، وكأنهم خبراء بها، فتجد من يصف دواءً، أو يحلل موقفًا سياسيًا، أو يُشخّص حالة نفسية، دون أي خلفية علمية، فمن المحزن جدا أن يكون هؤلاء الأشخاص بيننا. أما عن بيئة العمل فالموظف الذي يتحدث عن قرارات إدارية دون فهم، أو ينتقد سياسات دون تحليل منطقي، قد يسبب الإرباك وينشر السلبية بكل مكان ، فمن المهم جدا أن يعرف الشخص متى تنتهي حدوده ليتوقف حينها. وقال رسول الله ﷺ: "كفى بالمرء كذبًا أن يُحدّث بكل ما سمع"، وهذا الحديث الشريف يُجسد روح المثل: لا تتحدث إلا بما تعلم، ولا تردد إلا ما تثق بصدقه، وهو مبدأ أخلاقي رفيع يحث على الصدق والتحري. هناك أسبابا كثيرة للهرف دون معرفة، فالكثير يرغب في الظهور والتميز، التقليد الاجتماعي أو ضغط المجموعة، الجهل المركب (وهم المعرفة)، عدم التمييز بين الرأي والمعلومة، الثقة الزائدة بالنفس أو الغرور. أما عن النتائج السلبية للهرف تتمثل بنشر الجهل والشائعات، الإساءة للآخرين ، ضياع الحقيقة وسط الزيف والتشكيك، تشويه سمعة أشخاص أو مؤسسات، إضعاف ثقة المجتمع بالمصادر الحقيقية. إن مقولة "لا تهرف بما لا تعرف" ليست مجرد نصيحة، بل هي أسلوب حياة، في زمن امتلأ بالضجيج المعلوماتي، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تحكيم العقل، والتحقق من كل كلمة قبل أن نطلقها، فالسكوت في مواضع الجهل حكمة، والصمت عن ما لا نعلمه علم، ودعونا نعيد لهذه القاعدة مكانتها، ونعلّمها للأجيال، ليكون حديثنا مبنيًا على علم، ونقاشاتنا قائمة على فهم، وكلامنا مرآة لعقولنا لا مجرد صدى لأهوائنا.

حرارة الإيمان
حرارة الإيمان

الدستور

timeمنذ 16 ساعات

  • الدستور

حرارة الإيمان

كلما صادفت شاكيا من حر أو متذمرا من برد، همست بأذنه: لا عليك، ما هي إلا «حرارة الإيمان وبرود اليقين». عادة ما أقدّم شطرا على الآخر حسب الموسم -صيفا أم شتاءً- فالرسالة واحدة.الشاكي من الطبيعي زيادة على الحدود المقبولة اجتماعيا، يشار إليه بتهمة شائعة موغلة في القدم في بعض المجتمعات أو أفراد بعينهم موجودين في محيطنا الاجتماعي، أينما كان حلنا وترحالنا. ثمة أناس مهووسون بالشكوى، مدمنون على التذمر، «لا يعجبهم العجب، ولا الصيام برجب»! من يقفون على النقيض ليسوا بأفضل حال، بعضهم يهوّن الأمر بتفسيرات وتأويلات «ما أنزل الله بها من سلطان»، وكأن القائل مازال طالبا في علوم الأحياء أو الطبيعة، يجيب على سؤال: «علل ما يلي»! فيهوّن الحر القاتل بضرورات إنضاج البطيخ والتين والصبر (الصبّار)! ويقلل من خطورة البرد الذي «يقصّ المسمار»، بالحاجة إلى القضاء بالتبريد والانجماد على البكتيريا والفيروسات والطُُّفَيْليّات، فضلا عن تنشيط الدورة الدموية وإطالة العمر، حيث يحرص المبررون على الإشارة إلى أن سكان المناطق الباردة والجبلية أطول عمرا وأكثر صحة وعافية، حتى يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فيشطح مقتحما على «مونتسِكيو» نظريته بأن سكان المناطق الباردة أقل ميلا إلى العنف رغم ما عانته البشرية من ويلات «الفايكينغز» والمغول بكل أهوالها وفظائعها من بينهم، الطاغية الدموي هولاكو الذي يرى فيه البعض «بطلا مغوارا»، على جرائم الحرب وفساد الحكم الذي طبعت عهده البائد.سواء أكان الأمر مجرد أحوال طقس أو حتى تغيرا مناخيا، تعامل أجدادنا مع قسوة كل منها باقتدار. الحل ليس «بالمكيّف» بل بالقدرة على التكيف الشامل والنوعي والمستدام، وتلك ميزة أصيلة لدى الإنسان الذي جبله الله سبحانه على الحرص على البقاء وبقاء النوع والاستمرار في الحياة، وسخّر له جلت قدرته الأشياء كلها لخدمته.من مشاهدات بسيطة بالإمكان القول ودون حاجة إلى دراسات وخلوات ومؤتمرات، بأن بعض الأمور بحاجة إلى إعادة نظر لغايت التكيف مع الواقع، سواء أكان ما نشهده عالميا تحولات مناخية، أم مجرد تغيرات عابرة بالإمكان التكيف معها، وقتيا ومكانيا.عرف أجدادنا كيف يطورون مساكنهم ومدنهم وأزياءهم بما يتكيف مع الطقس والمناخ معا، وإلا لما بقينا ولما احتفظنا بتراثنا العريق حتى يومنا هذا، في عصر التنظير والعمل نحو مدن ذكية!كل واقيات الشمس من مراهم وألبسة خاصة، ومكيفات السيارات والمباني، لن تكون فعالة والأهم صحية، لو لم نحسن التعامل مع ما يعرف بالطقس المتطرف «إكستريم وذر». التطرف -بردا، حرا، غبارا، عواصف رعدية، أمطارا طوفانية، سيولا جارفة- أيا كان يتطلب وعيا فرديا، فمجتمعيا، فمؤسسيا.الكثير من الأمور مرتبطة بالتعزيل الموسمي. فلكل موسم أثاثه، ولبسه ومأكله ومشربه. هذا ليس ترفا ولا علاقة لمستوى الدخل به. ليس المقصود أثاثا شتويا وآخر صيفيا، المقصود أن إبان الجو الحار من المفيد تقليل محتويات المنزل -العفش غير الضروري- بما فيها تلك الأشياء الصغيرة التي يستهان بها، سيما ذات الأسطح والألوان القابضة للحرارة، لا العاكسة لها. كذلك استخدام التهوية الطبيعية بتأمين جريان مناسب للهواء والترطيب المتكرر البطيء بالمياه عبر منديل أو «بشكير»، وتفادي السكريات والنشويات، وإلى آخره من الأمور التوعوية التي تعلمناها من الدفاع المدني وإعلامنا الوطني ومدارسنا في مقتبل العمر.لكن العجيب هو إصرار البعض على التمسك بنمط من البناء مثلا الذي لم يعد عمليا حتى لا نقل ذكيا! لم الإصرار على السطح المسطح للمنازل، ما مشكلة البعض مع المثلثات بكرميد أم بالاسمنت المسلّح ذي السطح الانزلاقي، بحيث لا تتراكم المياه وتتسلل من الأعلى فتنخر الرطوبة و»تعشعش» في السقوف والأساسات والرئتين؟! ما المشكلة لدى البنّائين الأخيار في اعتماد الشقق الطابقية عوضا عن الإفراط في عددها بتشطيباتها «السوبر ديلوكس» إلى حد خسارة ميزات لا يمكن تعويضها أهمها حسن التهوية الطبيعية؟ ما ضير نقل تجربة من زاروا مدنا تعج وتضج بناطحات سحاب التي تعتليها -على أسطحها- حدائق أو بيوت بلاستكية للزراعة المنزلية نقلها إلى منازلنا الفارهة والمتواضعة على حد سواء؟ لم لا يعود بنا الحنين إلى بناء «الحوش» -الفِناء أو الساحة الداخلية- والسور الذي يحفظ الخصوصية و»تنكات السَّمنة» التي يعاد تدويرها لزراعة كل ما يلزم البيت ويسر ناظري أهله وزواره؟ مرة أخرى، ليس بالضرورة أن يكون المال عائقا. يفترض أن تقوم البنوك خاصة الوطنية بتشجيع البناء الذكي في مملكتنا العامرة، وقد كان لدينا وزارة اسمها «الإنشاء والتعمير». البناء الإنساني والعمراني هو الغاية، وليس الاسمنتي ولا السيبراني الافتراضي!اللهم حرارة الإيمان وبرود اليقين.. و»عَمِّرْها» بصوت الراحل النجم اللبناني الكبير وديع الصافي، رحمة الله عليه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store