logo
خطة إسرائيلية لاقتطاع 40% من غزة وتحويل رفح إلى "معتقل غوانتانامو"

خطة إسرائيلية لاقتطاع 40% من غزة وتحويل رفح إلى "معتقل غوانتانامو"

الجزيرةمنذ يوم واحد
في تطور خطير يعيد رسم جغرافيا قطاع غزة تحت غطاء التهدئة، كشفت خرائط الانسحاب الإسرائيلي التي جرى طرحها خلال المفاوضات غير المباشرة في العاصمة القطرية الدوحة عن خطة واسعة للسيطرة على ثلث مساحة القطاع، بدءا من جباليا وبيت لاهيا شمالا، وصولا إلى مدينة رفح جنوبا.
وبحسب ما أوردته مصادر للجزيرة، فإن هذه الخريطة الإسرائيلية تبقي كامل مدينة رفح تحت الاحتلال، في خطوة تُمهّد لجعلها منطقة تركيز للنازحين ودفعهم لاحقا إلى التهجير نحو مصر أو عبر البحر.
وأوضحت المصادر أن الخريطة تستحوذ على مساحات واسعة بعمق يصل في بعض المناطق إلى 3 كيلومترات بمحاذاة حدود القطاع، وتشمل أجزاء كبيرة من مدينة بيت لاهيا وقرية أم النصر ومعظم بيت حانون وكل بلدة خزاعة.
كما تقترب من شارع السكة في أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون، وتمتد حتى قرب شارع صلاح الدين في دير البلح والقرارة.
وبحسب التقديرات، فإن خريطة إعادة التموضع تقضم ما يقارب 40% من مساحة قطاع غزة، وتحرم نحو 700 ألف فلسطيني من العودة إلى منازلهم بهدف تجميعهم في مراكز النزوح في رفح.
"معتقل غوانتانامو"
وأثارت هذه الخرائط المثيرة للجدل موجة واسعة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي بين المغردين، وسط تحذيرات من خطورتها وما تحمله من نوايا مبيتة لرسم حدود جديدة للاحتلال وفرض وقائع تهجير جماعي طويل الأمد.
ووصف مغردون الخطوة بأنها محاولة صريحة لتقليص مساحة قطاع غزة وتحويله إلى ما يشبه "معتقل غوانتانامو"، في إشارة إلى السجن الأميركي سيئ السمعة داخل القاعدة العسكرية في شرق جزيرة كوبا، بما يعكس حجم القيود والعزلة التي تسعى إسرائيل لفرضها على سكان القطاع.
وأشار آخرون إلى أن هذه الخريطة تكشف نوايا الاحتلال المبيّتة لما بعد الـ60 يوما من التهدئة، وتمثل محاولة مكشوفة لإعادة رسم حدود الاحتلال وإفراغ مناطق واسعة من سكانها.
خطة لتجميع وتهجير السكان
واعتبر مغردون أن ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام هو "خريطة احتلال جديدة" وليست خطة انسحاب، وأنها تكشف النية لتحويل غزة إلى معسكرات اعتقال يعيش فيها الفلسطينيون على المعونات دون قدرة على الإنتاج الزراعي أو الصناعي.
ولفت آخرون إلى أن هذه الخريطة تكرّس فكرة تحويل رفح إلى منطقة عازلة تحكمها العصابات والمليشيات، على غرار تجربة " قوات لحد" التي أقامها الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان.
ورأى بعض المغردين أن سيناريو تجميع الناس في منطقة المواصي والمناطق الساحلية المحاذية للبحر فقط، من شمال القطاع حتى الحدود المصرية، هو خطوة منهجية لجعل خيار التهجير خارج غزة "الفرصة الأخيرة" أمام السكان.
بينما أوضح آخرون أن الخريطة تؤكد مطامع إسرائيلية قديمة تجاه الموقع الإستراتيجي لقطاع غزة، وفكرة استغلال أراضيه لمشاريع إقليمية وعابرة للدول.
مشروع تهجير دائم وسجن رفح الكبير
ورأى آخرون أن ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه في أكثر من 21 شهرا من القتال، تمكنت من إنجازه عبر عدد من العصابات والمليشيات والعشائر، معتبرين أن السيناريو المراد لرفح يقوم على توسيع المنطقة التي يسيطر عليها ياسر أبو شباب، من منطقة "الشوكة" إلى كامل مدينة رفح، وهو سيناريو جُرب سابقا في مدينة الخليل نهاية السبعينيات وفشل فشلا ذريعا.
وأكد بعضهم أن خارطة الانسحاب التي قدمها الاحتلال الإسرائيلي تُخفي خريطة احتلال جديدة، ليست سوى محاولة لشرعنة السيطرة وتثبيت التهجير الجماعي من خلال تحويل رفح إلى منطقة تجميع للنازحين، تمهيدا لتهجيرهم نحو سيناء أو البحر.
ولفتوا إلى أن اتفاقية الهدنة المصرية-الإسرائيلية الموقعة عام 1949 (اتفاقية رودس) سبق أن اقتطعت نحو 200 كيلومتر مربع من مساحة غزة التاريخية، لتصبح مساحة القطاع 360 كيلومترا مربعا، مؤكدين أن الاحتلال اليوم يسعى لاقتطاع 40% من المساحة المتبقية تحت ذريعة "إقامة منطقة آمنة".
وكتب أحدهم "هذه ليست تسوية بل إعادة ترسيم لخريطة الاحتلال وتثبيت لواقع التهجير، ومحاولة خبيثة لاستغلال المفاوضات لتكريس نتائج الإبادة والعدوان".
ويرى مغردون أن هذه الخريطة تشكل تهديدا بالغ الخطورة يفتح الباب أمام مزيد من التجويع والتهجير الجماعي، وفرض وقائع ديموغرافية وسياسية جديدة على حساب الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأشار آخرون إلى أن إسرائيل تحاول فرض واقع جديد من خلال عمليات إخلاء غير مسبوقة، لتنفيذ مشروع "سجن رفح الكبير" على الحدود المصرية، وهو ما يعني خسارة ربع مساحة القطاع.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحرب على غزة مباشر.. 70 شهيدا خلال 24 ساعة والاحتلال يواصل قصف خيام النازحين
الحرب على غزة مباشر.. 70 شهيدا خلال 24 ساعة والاحتلال يواصل قصف خيام النازحين

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

الحرب على غزة مباشر.. 70 شهيدا خلال 24 ساعة والاحتلال يواصل قصف خيام النازحين

في اليوم الـ649 من حرب الإبادة على غزة ، واصلت إسرائيل غاراتها على القطاع، واستشهد 70 فلسطينيا خلال الـ24 ساعة الماضية، بينهم 49 في مدينة غزة، إثر الغارات المتواصلة على منازل وخيام النازحين وتجمعات لمنتظري "المساعدات".

ترامب أكد أنه بات قريبا.. لماذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة؟
ترامب أكد أنه بات قريبا.. لماذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

ترامب أكد أنه بات قريبا.. لماذا لم يتم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة؟

بينما تواصل قوات الاحتلال قتل الفلسطينيين في مصايد المساعدات، لا يزال الغموض مسيطرا على مفاوضات وقف إطلاق النار، الذي أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرارا أنه بات قريبا. فبعد أسبوعين من حديث ترامب عن قرب التوصل لاتفاق، قال المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري إن المفاوضات لا تزال مستمرة دون جمود، وإن هناك أفكارا متجددة على الطاولة. هذا الحديث عن عدم جمود المباحثات لا يعني بالضرورة وجود تقدم فيها، وهو يعزز فرضية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – يواصل شراء الوقت عبر طرح مزيد من الشروط لعرقلة التوصل لاتفاق. وتعطي تصريحات الأنصاري مؤشرا إيجابيا، لكنها لا تعطي إجابة واضحة بشأن ما وصلت إليه المباحثات، مما يزيد من حالة الغموض التي تكتنفها، كما قال المحلل السياسي أحمد الحيلة لبرنامج "مسار الأحداث". ويواجه الاتفاق المحتمل خلافات بشأن آلية تقديم المساعدات وحجم وطريقة انتشار القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال الهدنة، وخصوصا في المحاور الحدودية. نقاط يمكن حلها ومن المتوقع أن يتفاهم الطرفان بشأن آلية تقديم المساعدات التي تحاول إسرائيل السيطرة عليها وتحويلها لأداة قتل وتهجير، لكن الخلاف الكبير ربما يتمحور حول وجود قوات الاحتلال بالقطاع. ولا تبدو "المدينة الإنسانية" التي تحدثت تل أبيب عن إقامتها على أنقاض رفح جنوب القطاع قابلة للتحقق، بسبب رفضها حتى من الجيش الإسرائيلي الذي قال إنها تتطلب كثيرا من الوقت والمال. وواجهت الفكرة انتقادات أممية وداخلية، حتى إن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يسرائيل زيف، وصفها بأنها "أكبر معسكر اعتقال في التاريخ"، وقال إنها "جريمة جرب كاملة". لذلك، فإن مشكلة المفاوضات الأساسية هي خرائط انتشار قوات الاحتلال، وليست طريقة تقديم المساعدات، التي يقول المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك إن إسرائيل لا تقدمها بالشكل المفروض عليها كقوة احتلال ملزمة بإطعام الناس. ففي حين تتمسك المقاومة باتفاق يمهد لانسحاب كامل من القطاع ويضمن عودة الناس لبيوتها والتنقل بحرية، يتمسك نتنياهو بالبقاء في محاور فيلادلفيا وموراغ وصلاح الدين بما يضمن له تحقيق هدفه الإستراتيجي المتمثل في فرض واقع أمني جديد ودائم، برأي الخبير في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى. نتنياهو يحاول شراء الوقت ومن خلال تمسكه بإبقاء السيطرة العسكرية على مدينة كاملة ذات أبعاد إستراتيجية مستقبلية، يحاول نتنياهو شراء الوقت حتى لا يفشل الصفقة من جهة وحتى لا يغضب اليمين المتطرف من جهة أخرى، لأنه يقاتل من أجل الوصول إلى إجازة الكنيست نهاية الشهر الجاري، التي يقول مصطفى إنها ستضمن له بقاء الحكومة حتى لو انسحبت منها أحزاب اليمين. لكن واريك يقول إن ترامب قد يضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات بشأن الخرائط الأمنية، لأنه لن يقبل بالظهور كرئيس ضعيف، وسيتعامل بحسم مع محاولة نتنياهو الواضحة لشراء الوقت، كما فعل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير أن كلام واريك، لا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية عما تقوم به إسرائيل، لأنها توفر لها الدعم السياسي والعسكري لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، رغم حديثها الدائم عن ممارسة الضغوط التي يقول الحيلة إنها تنتهي في كل مرة بتقديم مقترحات تضمن لنتنياهو السيطرة على مساحات تجعله قادرا على تهجير سكان القطاع مستقبلا. وقد أكدت المقررة الأممية المعنية بالحق في الصحة تلالنغ موفوكينغ أن السلوك الذي تمارسه إسرائيل وحلفاؤها في قطاع غزة ، والأراضي الفلسطينية المحتلة عموما، يمثل فصلا عنصريا وسعيًا ممنهجا لمحو الشعب الفلسطيني. وفي مقابلة مع الجزيرة، أمس الثلاثاء، قالت موفوكينغ إن قوات الاحتلال عملت بشكل ممنهج وتحت حماية من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، على تدمير القطاع الصحي في غزة، وتجويع الناس وإرهاقهم بما يمثل إبادة جماعية واضحة. ولم يسبق للعالم أن شاهد هذا التدمير الذي تمارسه إسرائيل ضد مقومات الحياة بغزة، وتحديدا القطاع الصحي، في أي نزاع سابق، مما يعني -وفق المقررة الأممية- أن تل أبيب حصلت على دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى بعدم المعاقبة.

فشل انقلاب تركيا الأخير ونهاية عهد الدولة المسروقة
فشل انقلاب تركيا الأخير ونهاية عهد الدولة المسروقة

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

فشل انقلاب تركيا الأخير ونهاية عهد الدولة المسروقة

مرّت تسع سنوات على آخر انقلاب شهده تاريخ تركيا الحديث؛ ذلك الانقلاب الذي مهّد السبيل لثورة تجلّت في 16 يوليو/ تموز 2016، حين أكد الشعب التركي حضوره كأمّة تملك دولة، بعد أن كان حتى اليوم حتى اليوم السابق لتلك المحاولة الانقلابية مجرد شعب ومجتمع تمسك الدولة بزمامه، ولمّا يكتسب بعد صفة "الأمة". في 15 يوليو/ تموز 2016، ولأول مرة في تاريخ الانقلابات، وقفت الأمة تدافع عن إرادتها في مواجهة الانقلابيين. وعبر دفاعها الحازم عن الحكومة التي اختارتها بنفسها، لم تنقذ الأمة دولة كانت في حوزتها أصلًا، بل أثبتت استحقاقها امتلاكَ دولة فعلية. حتى ذلك الحين، كانت مراكز القوى الحاكمة في تركيا قد ثبّتت سيطرتها عبر طبقات من العسكر والبيروقراطية والأوليغارشية، وكانت الانقلابات أداة لضبط التوازن وإعادة "تنظيم" الشعب متى انفلت من السيطرة في ساحة الديمقراطية. وهذا التقليد لم يبدأ مع انقلاب 27 مايو/ أيار 1960، كما يقال عادة، بل تعود جذوره إلى سنة 1909، ومنذ ذلك الوقت أصبح وسيلة لاستدامة نظام السلطة في تركيا. دولة مسروقة من شعبها لم تكن الانقلابات في تركيا مجرد نتاج لصراع داخلي تقليدي على السلطة، بل كانت أيضًا أداة للتدخل الإمبريالي ووسيلة لإعادة ضبط التوازن السياسي بما يخدم مصالح خارجية فرضت على تركيا بعد الحرب العالمية الأولى. لقد وجدت تركيا نفسها أسيرة دولة مسروقة من شعبها، تطبّق سياسات بعيدة عن روح الأمة، وعن عقيدتها وهويتها، ولا تولي ولاءها للأمة، بل لعبت دور الحارس على أبواب المصالح الإمبريالية، تحاول تطويع الشعب وفق قوالب تخدم تلك المصالح. وسعت تلك الدولة لعزل تركيا عن هُويتها وثقافتها وتاريخها وعمقها، وفرضت عليها بالقوّة ملامح أعدائها التاريخيين الذين حاربتهم لقرون. وإن فهم هذه السياسة الجبرية التي صنعت غربة تركيا عن ذاتها لا يمكن إلا عبر تحليل السياق الإمبريالي. على امتداد ثلاثين عامًا من حكم الحزب الواحد، فُرضت السياسات كلها "رغمًا عن الشعب" دون إجراء انتخابات. وكانت حجة مصلحة الشعب غطاء بسيطًا ومخادعًا لتمرير السلطة إلى منفذي السياسات. ولم تُراعَ في تلك السياسات الرحمة أو مصلحة الشعب أو حتى مجرد فهمه، بل تعرّض المواطن للإهانة والاضطهاد والإيذاء والعقاب القاسي، لأن السياسات لم تكن تنبع من وجدان الناس ولا من أعماق المجتمع، ولم تكن تهدف حقيقة لخدمة الشعب. ولا يمكن فهم منطق إذلال الشعب أمام أمم حاربها طويلًا أو السعي لتقليده أعداءَه إلا في إطار الاحتلال والإمبريالية. طبيعة الانقلابات الاستعمارية منذ انقلاب 27 مايو/ أيار 1960، ارتبطت تقريبًا كل الانقلابات التركية بالمصالح الإمبريالية ذاتها. فقد كان لضباط ذلك الانقلاب وما بعده صلات وثيقة بالولايات المتحدة، وتولوا إدارة البلاد بدعم مباشر من واشنطن، وتعهدوا بحكمها كأنها مستعمرة أميركية، وهو نمط سياسي لم يكن جديدًا عليهم. وكشف رئيس الوزراء السابق بولنت أجاويد لاحقًا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) كانت تدفع رواتب جهاز الاستخبارات التركي طويلًا. وكانت تحية الانقلابيين فورًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة بعد نجاح الانقلاب ليست مجرد مجاملة عابرة، بل إعلانًا عن الولاء، ولم يكن يعنيهم مساءلة الشعب أو تبرير ما جرى بحقه. وبعد انقلاب 12 مارس/ آذار 1971 وانقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980، كان عنوان انقلاب 28 فبراير/ شباط 1997 "ما بعد الحداثة" أيضًا: "الغرب". إذ كان مركز القيادة هو "مجموعة العمل الغربية". هؤلاء فرضوا هُوية الغرب الإمبريالي ونمط حياته بالقوة على أبناء وطنهم، دون مراعاة أو احترام لهذا الشعب، لأنهم لم يكونوا يومًا جزءًا من هذه الأمة ولا من تراب هذا الوطن. وتحول عداؤهم العلني لقيم الأمة إلى عملاء لأعداء الأمة ضد شعبها. أما منفذو انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016، فقد انتموا في الظاهر إلى جماعة دينية، في تجلٍ لقدرة الانقلابيين غير الوطنيين على التلون والمراوغة. ولم يكن ولاء هؤلاء للشعب التركي في نهاية المطاف. حتى شعار بيان الانقلاب: "السلام في الوطن، السلام في العالم" لم يكن إلا شفْرة ولاء للإمبريالية. أليست تركيا فُرض عليها التمسك بهذا الشعار عقودًا، وفقًا للحدود التي رسمها الاستعمار بعد إسقاط الدولة العثمانية؟ انقلاب تركيا وإجهاض الربيع العربي كشفت الأحداث العالمية في السنوات التسع الأخيرة عن حجم التحول الذي شهدته تركيا كأمة تملك دولة. فتركيا بلد لا يُحاصر داخل حدود رسمت له، وكلما حاولت استعادة مجالها الطبيعي، اصطدمت بقوى داخلية وخارجية تسعى لكبحها وتخويفها وإرهاقها. كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016 محاولة لتضييق الحيز الجغرافي والروحي الذي تحركت فيه تركيا بعد الربيع العربي. وقُمعت الثورات التي انطلقت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بين 2011 و2013 بانقلابات مضادة. كانت تركيا الدولة الوحيدة التي منحت تلك الثورات الأمل وشجعتها بوجودها وانفتاحها، الأمر الذي هدد النظام الإمبريالي القائم منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى. وقد أعيدت تلك الدول بسرعة إلى مسارها القديم بواسطة الانقلابات، بينما شهدت تركيا محاولات عدة لتجفيف منابع الإلهام فيها: بدأت بأحداث "جيزي" 2013، وتبعتها محاولة انقلاب قضائي في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وعندما لم تفلح تلك المحاولات، وقع الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو/ تموز 2016، غير أن الشعب التركي صحا وانتفض تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية. منذ ذلك اليوم، وعلى مدار تسع سنوات، استمرت تركيا في الصعود باعتبارها الدولة التي تملك استقلالًا فعليًا. ولم يكن التقدم في الصناعات الدفاعية والأمن والسياسة الخارجية مجرد إنجاز عابر، بل هو قصة انتزاع السيادة وبناء دولة تُعبّر عن إرادة الأمة. وبفضل هذه الرؤية، أصبح مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" واقعًا ممكنًا اليوم. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، اكتملت الثورة في سوريا وانضمت إلى ثورة 16 يوليو/ تموز. وينبغي أن يُعد نضال الأبطال في غزة، الذين يُمثّلون "القوات الوطنية"، امتدادًا لثورة 16 يوليو/ تموز، فغزة ستلتحم في النهاية بنفس الروح، بروح الصحوة والمقاومة. لقد حدث عكس ما خُطط له في 15 يوليو/تموز 2016، كما يحدث عكس ما يُخطط له اليوم في سوريا وأفغانستان وغزة. {ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين}.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store