logo
أبو بكر الديب يكتب: القاهرة والرياض.. "تحالف الضرورة"

أبو بكر الديب يكتب: القاهرة والرياض.. "تحالف الضرورة"

البوابةمنذ 11 ساعات
في مشهد إقليمي معقد، باتت تحكمه التحالفات المتغيرة والمصالح المتشابكة، تبرز العلاقات بين مصر والسعودية، بوصفها واحدة من أعمدة التوازن العربي، لكنها لم تعد تقف عند حدود الدعم التقليدي والمواقف المتقاربة، بل دخلت مرحلة أكثر عمقا وتعقيدا، عنوانها الشراكة الانتقائية والمصالح المحسوبة، وبينما تمضي الرياض بثبات في تنفيذ رؤيتها الطموحة للنهضة الاقتصادية، تسعى القاهرة إلى تثبيت مكانتها كقوة سياسية وجغرافية لا يمكن تجاوزها، وفي هذا السياق تتقاطع الخطوط وتتداخل الحسابات، لتصنع شكلًا جديدًا من التحالف لا يشبه ما قبله، تحالف لا يقوم على العواطف أو التاريخ، بل على معادلات دقيقة من الاستقرار، والمكاسب، والنفوذ المتبادل.
وبالأمس، استقبل الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في مدينة العلمين، حيث عقد الوزيران جلسة مباحثات عكست متانة العلاقات بين القاهرة والرياض، وعمق الروابط التاريخية والأخوية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.
وأكد الوزيران، أن العلاقات المصرية السعودية، تشهد تطورا غير مسبوق، مدفوعة بتوجيهات القيادة السياسية في البلدين، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، بهدف ترسيخ دعائم الشراكة الاستراتيجية وتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات.
وأشاد الجانبان، بالزخم المتنامي الذي تشهده العلاقات الثنائية، والذي تجسد في تأسيس مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي، كآلية رفيعة المستوى لتوحيد الرؤى وتعزيز الشراكة في الملفات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، بما يلبي تطلعات الشعبين ويدفع باتجاه تحقيق التنمية المستدامة.
وفي سياق متصل، شدد الوزير عبد العاطي، على الرفض القاطع لأي محاولات مشبوهة من بعض المنصات الإلكترونية التي تسعى للنيل من متانة العلاقات المصرية السعودية، أو بث الشكوك حول صلابتها، وأكد أن العلاقة بين القاهرة والرياض تتجاوز أطر التحالف التقليدي، وهي نسيج متكامل من التاريخ والمصالح والمصير المشترك.
وتشهد العلاقات المصرية السعودية، تحولا لافتا في طبيعتها خلال عام 2025، حيث انتقلت من نمط التحالف التقليدي القائم على الدعم المالي والمساندة السياسية إلى نموذج أكثر تعقيدا يقوم على تبادل المصالح ومشروعات إنتاجية مشتركة قائمة على الجدوى الاقتصادية والحوكمة.
وتشير بيانات رسمية، إلى أن حجم الاستثمارات السعودية المباشرة في مصر تجاوز 33.2 مليار دولار، حتى منتصف العام الجاري، موزعة على أكثر من 6800 شركة، تتركز في قطاعات العقارات بنسبة 40%، والسياحة بنسبة 18%، والزراعة والصناعات الغذائية بنسبة 16%، والخدمات المالية والطاقة والتكنولوجيا بنسبة 26%.
وعلى المستوى السياسي، يستمر التنسيق الهادئ بين القاهرة والرياض، في عدد من الملفات الإقليمية الحساسة، أبرزها الأمن في البحر الأحمر، ومستقبل السودان، والمسار الليبي، وملف أمن الملاحة.
وعلى صعيد المشاريع المشتركة، دخل مشروع الربط الكهربائي السعودي المصري بقيمة 1.8 مليار دولار مراحله الأخيرة تمهيدا للتشغيل الجزئي نهاية 2025، إلى جانب توسعات لوجستية في الموانئ ومحاور التجارة بين البحرين الأحمر والمتوسط، وتسعى القاهرة والرياض إلى إطلاق مدينة طبية استثمارية في صعيد مصر بتمويل سعودي يصل إلى 400 مليون دولار.
والعلاقة المصرية السعودية، تمر حاليا بمرحلة إعادة تعريف، لم تعد فيها المساعدات المالية وحدها أساس التحالف، بل أصبحت الشراكة مشروطة بالنتائج وقائمة على تبادل المنفعة وتوازن المصالح، وتبدو القيادة السعودية أكثر ميلًا لاستخدام أدوات السوق والاستثمار طويل الأجل، بينما تحاول القاهرة الحفاظ على موقعها كشريك استراتيجي لا غنى عنه في معادلات الأمن العربي، ويمثل عام 2025 نقطة تحول لهذا التحالف، ليتحول إلى نموذج عربي جديد من الشراكة الذكية.
والعلاقة بين القاهرة والرياض لم تتراجع، بل تطورت من منطق "الدعم غير المشروط" إلى "الشراكة المشروطة بالنتائج"، ورغم تباينات الرؤى في بعض الملفات، فإن ما يجمع البلدين أكثر بكثير مما يفرقهما، خصوصا في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة من البحر الأحمر إلى الخليج وشرق المتوسط.
وتشهد العلاقات المصرية السعودية تحولا لافتا في بنيتها وأهدافها، مع انتقالها من مرحلة "التحالف التقليدي" إلى مرحلة أكثر واقعية وبراجماتية، تقوم على تنسيق المصالح، فبعد سنوات من الدعم المباشر والاستثمارات الضخمة، تسعى المملكة اليوم إلى تمكين استثماراتها في مصر ضمن أطر إنتاجية واضحة، بينما تركز القاهرة على تثبيت موقعها كلاعب محوري في الأمن الإقليمي ومعبر استراتيجي بين الخليج وشرق المتوسط.
وفي النصف الأول من عام 2025، تكثفت اللقاءات الثنائية بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين، خاصة في ملفات الاستثمار والطاقة والأمن الإقليمي. وتزامنت هذه التحركات مع تقدم مفاوضات سعودية مصرية لإعادة تقييم بعض المشروعات المتعثرة، وطرح مشروعات جديدة قائمة على الإدارة المشتركة والعوائد الواضحة، في ربط واضح بين الجدوى والحوكمة والربح.
واقتصاديًا، لا تزال السعودية من أكبر المستثمرين في مصر، لكن النهج تغير، فالمملكة تسعى لأن تكون شريكا في الإنتاج وسلاسل التوريد، خاصة في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة، اللوجستيات، وصناعة الأغذية، وبالمقابل، تبحث مصر عن شركاء قادرين على دعم استقرارها المالي من خلال قنوات مستدامة، وبينما تتحرك السعودية بسرعة نحو أهداف رؤية 2030، تسعى مصر لضمان موقع فاعل في ترتيبات الإقليم الجديد، دون أن تتخلى عن استقلالية قرارها.
الرسالة الواضحة، هي أن القاهرة والرياض تدركان أن مستقبلهما مرتبط بتحالف ذكي لا يقوم على الاندماج المطلق، بل على التفاهم العميق والندية المحسوبة، وهو ما يفتح المجال لتأسيس نموذج عربي جديد في العلاقات الثنائية، يقوم على الواقعية والشراكة، لا على المجاملات السياسية أو الرهانات المفتوحة.
كما تشهد العلاقات المصرية السعودية، تحولا نوعيا يترجم في سلسلة من التحركات السياسية والاقتصادية التي تكشف عن ميلاد مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي القائم على المصالح المتبادلة، فخلال الأشهر الماضية برزت مؤشرات قوية على إعادة هيكلة العلاقة عبر أدوات عملية تبدأ من مشاريع الربط الكهربائي بقيمة تتجاوز 1.8 مليار دولار مرورا باتفاقيات كفاءة الطاقة وتأسيس مجلس تنسيق أعلى وصولًا إلى تعزيز التبادل التجاري الذي ارتفع بنسبة تفوق 32٪ خلال 2024 فقط، ليبلغ 6.5 مليار دولار، وهو ما يعكس نقلة نوعية من منطق الدعم الثنائي إلى منطق التكامل الإنتاجي والمنافسة الإقليمية المشتركة.
المشهد الإقليمي بدوره يفرض تحديات كبرى تدفع القاهرة والرياض إلى توحيد المواقف في ملفات مثل غزة وليبيا والسودان، حيث تعمل العاصمتان ضمن تنسيق صامت لكن فعال لبناء موقف عربي متماسك يتعامل مع تداعيات ما بعد الحرب ويتصدى لأي ترتيبات إقليمية تستهدف تقويض الدور العربي.
أما داخليًا فقد دخلت الاستثمارات السعودية في مصر مرحلة التمكين المؤسسي عبر اتفاقات الحماية والتسهيلات وتفعيل آليات التحكيم المشترك مما يضعها ضمن الدول الخمس الأكبر استثمارًا في السوق المصري، في المقابل فتحت السعودية المجال أمام شركات مصرية كبرى للعمل في مجالات الطاقة والصحة والبنية التحتية بدعم حكومي مباشر، ما يؤكد أن العلاقة لم تعد مشروطة بالتحولات السياسية بل محكومة بقواعد الحوكمة والمصالح المتبادلة إن هذا التحول يضع العلاقة بين البلدين في مسار هندسي جديد يمكن تسميته بتحالف الإنتاج لا المساندة، وشراكة الضرورة لا المجاملة، ومرحلة التحرك الصامت نحو صياغة توازنات إقليمية مستدامة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سعر الذهب اليوم.. «النفيس» يرتفع مع انخفاض الدولار
سعر الذهب اليوم.. «النفيس» يرتفع مع انخفاض الدولار

العين الإخبارية

timeمنذ 33 دقائق

  • العين الإخبارية

سعر الذهب اليوم.. «النفيس» يرتفع مع انخفاض الدولار

ارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة في ظل انخفاض الدولار واستمرار التوتر الجيوسياسي، لكن انحسار المخاوف بشأن استقلال مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) وصدور بيانات أمريكية قوية حدا من المكاسب. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.4% إلى 3350.87 دولار للأوقية (الأونصة) بعد انخفاضه 1.1% في الجلسة السابقة. وتراجعت أسعار الذهب 0.1% منذ بداية الأسبوع. وفقا لرويترز، زادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 0.3% إلى 3356.70 دولار. وانخفض الدولار 0.4% مقابل العملات المنافسة اليوم، لكنه يتجه لتحقيق مكاسب للأسبوع الثاني على التوالي. ومن شأن ارتفاع الدولار أن يجعل الذهب المسعر بالعملة الأمريكية أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى. وتوصل الاتحاد الأوروبي اليوم إلى اتفاق على فرض حزمة العقوبات الثامنة عشرة على روسيا، والتي تتضمن إجراءات تهدف إلى تشديد القيود على قطاعي النفط والطاقة، بسبب الحرب في أوكرانيا. وقال هان تان كبير محللي السوق في نيمو ماني "يرتفع الذهب مع انخفاض الدولار، لكنه لا يزال متأثرا بالبيانات الأمريكية التي صدرت هذا الأسبوع ودعمت الاعتقاد بأن أكبر اقتصاد في العالم لا يزال متينا". وأضاف "العقوبات الأوروبية الجديدة على روسيا تذكر المشاركين في السوق بأن تأثير المخاطر الجيوسياسية لا يزال واضحا على الركود العالمي". وقال مصدر لرويترز في وقت سابق من الأسبوع إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منفتح على إقالة جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي قبل أن يقول ترامب إنه لا يعتزم إقالته، لكنه جدد انتقاده لسياسة المجلس بشأن أسعار الفائدة. وأظهرت بيانات أمس الخميس أن مبيعات التجزئة الأمريكية ارتفعت بأكثر من المتوقع في يونيو/ حزيران. وجاءت بيانات أعداد المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانة البطالة في الولايات المتحدة أفضل من المتوقع. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفع البلاتين في المعاملات الفورية 0.3% إلى 1461.77 دولار للأوقية ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أغسطس/ آب 2014. وقفز البلاديوم 4% إلى 1329.88 دولار ليسجل أعلى مستوى منذ أغسطس/ آب 2023. وصعدت الفضة 0.5% إلى 38.31 دولار. aXA6IDgyLjI3LjI0My43OCA= جزيرة ام اند امز GR

خبير سوري لـ "سبوتنيك": غراهام يعمل مع الدولة العميقة والأوليغارشية الأوكرانية للإضرار بروسيا
خبير سوري لـ "سبوتنيك": غراهام يعمل مع الدولة العميقة والأوليغارشية الأوكرانية للإضرار بروسيا

سبوتنيك بالعربية

timeمنذ 4 ساعات

  • سبوتنيك بالعربية

خبير سوري لـ "سبوتنيك": غراهام يعمل مع الدولة العميقة والأوليغارشية الأوكرانية للإضرار بروسيا

خبير سوري لـ "سبوتنيك": غراهام يعمل مع الدولة العميقة والأوليغارشية الأوكرانية للإضرار بروسيا خبير سوري لـ "سبوتنيك": غراهام يعمل مع الدولة العميقة والأوليغارشية الأوكرانية للإضرار بروسيا سبوتنيك عربي قال الدكتور علاء الأصفري، المحلل السياسي السوري، أن السيناتور ليندسي غراهام من الصقور والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، ويحمل آراء متطرفة، حيث يمثل الدول... 18.07.2025, سبوتنيك عربي 2025-07-18T13:20+0000 2025-07-18T13:20+0000 2025-07-18T13:20+0000 ليندسي غراهام روسيا أخبار أوكرانيا حصري الولايات المتحدة الأمريكية وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن الأوليغارشية الأوكرانية تتحرك وفق هذه الدول العميقة من أجل الإضرار بمصالح روسيا، حيث تريد الدولة العميقة أن تهمين على العالم بأي طريقة، وزيلينسكي لا يمكنه اتخاذ أي قرار بشكل منفردا، بعيدًا عن الدولة التي تسيطر على جوانب كثيرة في الاقتصاد الأمريكي والعالمي.وأكد أن السيناتور ليندسي غراهام يدعم الطبقة الفاسدة في أوكرانيا، التي تسعى لمحاولة إضعاف روسيا واستنزاف الطاقات الروسية، ضد رغبة ترامب الذي يعمل خارج هذه المنظومة في الدولة العميقة، لذلك سوف يحارب وهناك تنبؤات عن اغتياله قريبا.وأوضح أن السيناتور الأمريكي يحمل خطابات متطرفة دائما، حتى طالب بأن تقصف إيران و"حماس" و"حزب الله" بالقنابل النووية، لذلك الدولة العميقة هي من تحرك هذا السيناتور والأجندة العالمية، باتجاه تسريع الاصطدام المباشر بين الغرب والشرق، وهو ما يؤثر سلبا على علاقات السلام في العالم.وقال إن هذه الخطط تفسر الدعم غير المحدود من السيناتور الأمريكي لأوكرانيا، ورفضه الدائم لأي محاولات تفاوض بين روسيا وأوكرانيا، ورفضه للسلام في المنطقة، هم يريدون التصعيد مع روسيا، وكثير من الساسة الغربيين يتم استدراجهم حتى يصبحوا في المواجهة مع روسيا.وأوضح أن هذه التحركات تخالف خطط ترامب للسلام، حيث تحاول الأوليغارشية الأوكرانية والأوروبية دعم مسار الحرب ضد روسيا، لمزيد من الاستنزاف أو لتخرج روسيا عن حكمتها وتهاجم بشكل عنيف تمهيدا لتسريع الاصطدام.ويشار إلى أن غراهام معروف بتأييده القوي للسياسات الأمريكية التي تستهدف السيطرة على الموارد الطبيعية والاقتصادات في مناطق عدة، وهو ما يتضح في عدة ملفات.فيما يتعلق بالملف الأوكراني قال غراهام، في عام 2022، إنه مع الأسلحة والأموال الأمريكية، ستقاتل أوكرانيا حتى آخر أوكراني.ولاحقًا، اعترف غراهام بأن هذه الحرب تدور حول المال، وأضاف: "أوكرانيا هي "منجم ذهب" بموارد معدنية حيوية بقيمة 12 تريليون دولار، والتي لا يستطيع الغرب تحمل خسارتها".والجدير بالذكر أن السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، مدرج في قائمة الإرهابيين والمتطرفين في روسيا. الولايات المتحدة الأمريكية سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي ليندسي غراهام, روسيا, أخبار أوكرانيا, حصري, الولايات المتحدة الأمريكية

الطائرات المسيّرة.. هل تراجع الأميركيون؟
الطائرات المسيّرة.. هل تراجع الأميركيون؟

الاتحاد

timeمنذ 10 ساعات

  • الاتحاد

الطائرات المسيّرة.. هل تراجع الأميركيون؟

الطائرات المسيّرة.. هل تراجع الأميركيون؟ في براري ألاسكا الشاسعة، أجرت وزارة الدفاع الأميركية تجارب على طائرات مسيّرة هجومية تُستخدم لمرة واحدة، في إطار جهود عاجلة لتحديث القدرات العسكرية للقوات. وانطلقت الطائرات، التي تُشغلها شركات مصنعة للطائرات المسيّرة تم التعاقد معها من قِبل وحدة خاصة تابعة لوزارة الدفاع، لرصد أهداف مبرمجة وتحطيمها عن طريق الاصطدام بها، إلا أن بعضها أخطأ، أو تحطم أثناء التجربة. واستمرت الاختبارات أربعة أيام، بينما استخدم الجنود معدات إلكترونية لمحاكاة التصدي للطائرات. وكان الهدف من التمرين مساعدة مقاولي الدفاع والجنود الأميركيين على تحسين مهاراتهم في حروب الطائرات المسيّرة، إلا أنه كشف عدم استعداد الجيش الأميركي. فوفقاً لأكثر من 12 مسؤولاً عسكرياً أميركياً وخبيراً في صناعة الطائرات المسيّرة، تتأخر الولايات المتحدة عن روسيا والصين في تصنيع هذه الطائرات، وتدريب الجنود على استخدامها، والدفاع ضدها. وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث يرى بأن بلاده متأخرة في مجال الطائرات المسيّرة، وأعلن عن سلسلة من السياسات والاستثمارات الجديدة لسد الفجوة، مشيراً إلى أن القوانين القديمة والروتين البيروقراطي جعلا من الصعب على القادة شراء الطائرات وتدريب الجنود، في وقت أنتج فيه الخصوم ملايين الطائرات المسيّرة زهيدة الثمن. هذا الموقف الذي أفصح عنه هيغسيث جاء في أعقاب أمر تنفيذي وقعه الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي بعنوان «إطلاق العنان للهيمنة الأميركية على الطائرات المسيّرة»، والذي يُوجه الوكالات الفيدرالية لتسريع الموافقات على تصنيع الطائرات، وحماية سلسلة توريدها من «التأثير الأجنبي غير المبرر». لكن بناء صناعة محلية قادرة على تلبية احتياجات الجيش يتطلب وقتاً واستثمارات ضخمة، فرغم تفوق أميركا في تصنيع طائرات متقدمة تكلف الواحدة عشرات الملايين من الدولارات مثل «بريديتور»، و«ريبر»، إلا أن الحروب الحديثة تعتمد على طائرات صغيرة ورخيصة، وتنتج غالبية هذه الطائرات بمكونات صينية. وأصبحت الطائرات المسيّرة السلاح المفضل في الحروب الحديثة، كما ظهر في أوكرانيا حين استخدم الجنود طائرات درون تجارية من نوع «مافيك» المُعدلة التي تُنتجها شركة «دي جيه آي» الصينية، أكبر شركة مُصنعة للطائرات المسيرة عالمياً، وتُباع بأسعار تتراوح بين 300 و 5000 دولار حسب الطراز. وتسيطر الشركة الصينية، ومقرها في مدينة شنتشن، على نحو 70% من سوق الطائرات المسيّرة الترفيهية والصناعية عالمياً، وتبيع منتجاتها في الولايات المتحدة أيضاً، إلا أن القوانين الأميركية تحظر على الجيش شراء طائرات صينية بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ورفضت الشركة الكشف عن بيانات إنتاجها، لكن خبراء الصناعة يؤكدون أنها تتفوق بشكل ساحق على جميع المنافسين، كما أنها تُصنع ملايين الطائرات سنوياً، أي أكثر بمئة مرة من قدرة أي شركة أميركية. ورغم أن «دي جيه آي» ليست شركة عسكرية، وقد صرحت بأنها تقطع التعامل مع العملاء الذين يستخدمون طائراتها في النزاعات المسلحة، إلا أن هيمنتها شبه الكاملة على سوق الطائرات المسيرة ومكوناتها أثارت قلقاً في واشنطن، حيث يُريد بعض المشرعين حظر منتجاتها لتطوير الصناعة المحلية، إلا أن جعل هذا التطوير قادراً على تلبية احتياجات الجيش الأميركي سيستغرق وقتاً ومالاً. واقتحم مستثمرو وادي السيليكون المجال بضخ أموال طائلة في شركات الطائرات المسيّرة الأميركية، متوقعين أن تُبرم وزارة الدفاع الأميركية عقوداً ضخمة لشراء طائرات محلية الصنع. واستثمر صندوق مؤسسي «بيتر ثيل» أكثر من مليار دولار في شركة «أندوريل إندستريز»، وهي شركة أميركية متخصصة في تكنولوجيا الدفاع وأنظمة التحكم الذاتي. كما انضم دونالد ترامب الابن العام الماضي إلى مجلس إدارة شركة «أنيوجوال ماشينز»، وهي شركة أميركية أخرى لصناعة الطائرات المسيّرة، العام الماضي. ولدى الولايات المتحدة نحو 500 شركة ناشئة، دون سجل إنتاجي أو تجاري، تُصنّع طائرات مسيرة في الولايات المتحدة، لكن إنتاجها السنوي لا يتجاوز 100 ألف طائرة. ويتنافس المؤسسون على فرص لعرض منتجاتهم أمام الوحدات العسكرية التي بدأت مؤخراً في إدخال الطائرات المسيّرة إلى عملياتها. ويُتوقع أن تزيد المنافسة بعد التعديلات التي أعلن عنها وزير الدفاع بيت هيغسيث يوم الخميس الماضي، والتي تسهّل على العسكريين شراء هذه الطائرات. لكن التدريب في ألاسكا أظهر مدى صعوبة تطوير قدرات الطائرات المسيرة محلياً. وشهد أول يومين من الاختبار سلسلة من الإخفاقات. وكانت شركتان تختبران نماذج أولية لطائرة مسيّرة بعيدة المدى يمكنها التحليق لساعات، والملاحة دون الحاجة إلى نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) أو مشغل بشري، والاصطدام بهدف مُدرب على تمييزه. وكانت الشركتان من بين أربع شركات وصلت إلى المرحلة النهائية من بين أكثر من 100 شركة تقدمت للحصول على تمويل وحدة ابتكار الدفاع لتطوير الأنظمة. وكانت شركتان أخريان على وشك اختبار نماذجهما الأولية في أوكرانيا. وفي حين أن العديد من الطائرات المسيّرة الصغيرة تُدار يدوياً عبر مشغلين بشريين، تسعى وحدة الابتكار الدفاعي إلى تطوير أنظمة شبه مستقلة يمكن تدريبها بواسطة الذكاء الاصطناعي للتعرف على أهداف العدو ومهاجمتها حتى في حال انقطاع الاتصال مع المشغل البشري، وهي القدرات التي يؤكد الخبراء حاجة أميركا إليها، إلا أنهم يرون أن هناك تحديات تكنولوجية صعبة لا تزال قائمة. *كاتبة أميركية حائزة جائزة بوليتزر في فئة التعليق الصحفي . ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store