
عيد سعيد يا عرب.. عيد شهيد يا غزة
لم يكن صباح عيد في غزة؛ بل بقايا ليل لم يتوقف فيه عواء المدافع.. المآذن مُلقاة على الأرض في حلقها، تنزف بقايا تكبيرات ذُبحت قبل أن تصل إلى السماء.
العيد في غزة صباحٌ آخر من مواكب الشهداء والأحزان والدموع والجوع؛ أطفال يصبحون أيتامًا.. فجأة، تختلط زفة الشهيد مع تكبيرات العيد.. الوالد يخرج يبحث لعائلته عن كيس طحين، فيعود لأطفاله في كيس الجثث.
في غزة، يتحول يوم العيد إلى أخبار عاجلة، لا شيء سوى اللون الأحمر.. على شاشة الأخبار، وعلى بقايا جدار! بجرعة زائدة من الحقد تزداد شهية جيش الاحتلال للقتل، ترتفع بورصة أعداد الشهداء والجرحى والمحروقين. مراسل الأخبار يكرر النداء الأخير قبل أن يقع هو على الأرض جوعًا.. وحزنًا على فقدان عائلته.
قُم.. قل لهم يا مراسل الأخبار إننا بشر، إننا نموت جوعًا وقصفًا ..قل لهم إن الحياة ممنوعة علينا؛ وكلُّنا جنائز مؤجلة.. انقل لهم حفلة الذبح الجماعي على الهواء مباشرة؛ أطفالنا لا يريدون العيد، يريدون أبًا وأمًا فقط، فهل هذا كثير علينا؟
في محاولة للفرح.. قام بعض الأطفال يلعبون لعبة الحرب كما في الأعياد السابقة.. لكن، في لحظة غادرة قرر ضابط الدبابة أن يلعب معهم بقذيفة حوّلتهم إلى خليط من أشلاء وتراب ودماء
هنا، العيد مفقود! كل شيء في غزة مفقود: الحلوى، تكبيرات العيد، الابتسامة، الأقارب ولَـمّة العيد.. لا ضحكات صاخبة، ولا ملابس جديدة.. لا موائد ولا حلوى، ولا "فسيخ".. السمك المملح الموجود هنا دمار وقصف ووجوه شاحبة.. وفي كل بيت تفاصيل مؤلمة من الفَقد.
إعلان
ما أثقل التهاني على ألسنة الغزيين! لا أحد يجرؤ أن يقول "كل عام وأنتم بخير".. لا مساجد لأداء صلاة العيد.. لا زيارات، ولا تجمُّع لأطفال العيد في الحارات.. السماء تتلبد بطيارين يستمتعون بصيد الأبرياء في العيد، يعشقون تحويل صلاة العيد إلى صلاة جنازة.
وفي محاولة للفرح.. قام بعض الأطفال يلعبون لعبة الحرب كما في الأعياد السابقة.. لكن، في لحظة غادرة قرر ضابط الدبابة أن يلعب معهم بقذيفة حوّلتهم إلى خليط من أشلاء وتراب ودماء.
في زنزانة منفردة، رطبة كجِراح تعذيب لا تندمل، كان الأسير "هشام" يكبّر تكبيرات العيد.. دخل عليه سجّانان، وضعا على رقبته دعامة حديدية، وجلس كل منهما على طرف منها، يقهقهان..
على مسمار أقدم من الاحتلال علّقت الجدة "أم إسماعيل" كوفية زوجها الذي أسره جيش الاحتلال في العيد الماضي.. تنظر في الكوفية عميقًا علّه يعود من طياتها.. ترى في ظاهر يدها تجاعيد النكبة والتغريبة والحصار، وحروبًا لا تتوقف.. تحدّق في يدها الأخرى في تتابع حبّات السُّبحة.
كانت ساهمة تستذكر وتعدّ الغائبين بدل التسابيح.. كانت تحدث نفسها: يا حسرتي، أي عيد هذا؟! وأيُّ حرب ستكون بعده؟! أي عيد ثقيل سيمرُّ في ذاكرة الطبيبة "آلاء النجار" التي استهدف العدو بيتها، وقتل وأحرق تسعة من أطفالها، وكذلك والدهم الدكتور حمدي النجار.. وصارت مقياسًا ومَثلًا للصبر عند عرب كانوا يقولون: "يا صبر أيوب"، وصاروا يقولون: "يا صبر آلاء النجار"!
أي عيد أليم ستعيشه طفلة الحريق "وردة"، الناجية من حريق هولوكوست غزة، بعد أن رأت النيران تشوي أهلها أمامها؟ كم سنة سيظلّ قلبها ينزف حزنًا على كل من قضوا أمامها حرقًا في خيام الإيواء؟
"أم عمر" تسمع ترويدة جارتها التي فقدت عقلها وجميع أبنائها منذ أسبوع، وهي تغني بصوت يقطع الأكباد :
"العيد مش للي ضلّوا.. العيد للي راحوا.. راحوا.. ليش تركتوني يَمّا".
جلست "أم إبراهيم" تنظر إلى الكراسي الخالية والصحون المُغبرّة.. تتمتم: "سامحني يا أبو إبراهيم، لا عندي قهوة عيد، ولا كعك عيد، ولا ظل حدا من الأولاد يفتح الباب إذا إجا الجيران.. الله يرحمكم يُمّه.. عيد شهيد يُمّه".
من أسلاك الكهرباء المقطّعة صنع "ياسر" أرجوحة لأخته الصغيرة.. كانت ترى مشهد الدمار من مكان أعلى، كانت تقول له: "طيّرني فوق.. بدي أغمّض، ما بدي أشوف الحرب، طيّرني فوق".. كان يصفق لها بنصف يد قطعتها قذيفة، ويقف على بقايا رجل بُترت دون تخدير. فجأة، أوقف الأرجوحة.. قال لها: "بخاف لو طرتي كتير يشوفك قناص إسرائيلي".. لحظات، وأغمضت عينيها.. إلى الأبد!
في زنزانة منفردة، رطبة كجِراح تعذيب لا تندمل، كان الأسير "هشام" يكبّر تكبيرات العيد.. دخل عليه سجّانان، وضعا على رقبته دعامة حديدية، وجلس كل منهما على طرف منها، يقهقهان.. يشتمان دينه ويطلبان منه أن يشتم نَبيّه! بصوت خفيض يردد: "الله أكبر كبيرا، أحَدٌ أحَد".. تلاشى صوته، تكوّر جسدُه النحيل، ابتسم وكأنه رأى نهاية أخرى في عالمٍ آخر.. ثم صمت إلى الأبد.
غزة التي كانت مليئة بمآذن تصدح بتكبيرات العيد، وكانت تضج بالتهليل والأهازيج، وكانت مع آخر طبق من الكعك تنتظر العائدين من موسم الحج، وتزيّن بوابات الدور ومداخل الحيّ بسعف النخيل والمصابيح.. غزة هذه أصبحت وأمست بلا مآذن ولا مودعين، ولا زوار ولا قهوة، ولا كعك ولا هدايا الحجيج، ولا بوابة لبيت، ولا بيت لبوابة تستقبل أو تودع.. ولا صلة رحم؛ فقد فرّقتهم الحرب، وتوزّعتهم التغريبات والنزوح بلا توقف .
غزة التي اعتادت أن تعيش أعيادًا باتت فرِحةً حزينة.. أعياد البطولة والأحزان معًا! كانت أغنيةُ "أبو عرب" وِردًا للشعب الفلسطيني منذ نصف قرن، يسمعونها يوم العيد:
يا يُمّا لو جانا العيد
آاخ يا يما
سألتو وين الغوالي
شيل من الردم أطفالي
يا يما لو جاني العيد
شو بينفع العيد للي مفارق حبابو؟. يا يا يُمّا!
راح أبو عرب، وراح العرب، وراح العيد والغوالي؛ بسبب العرب..
عيد سعيد يا عرب.. عيد شهيد يا غزة!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
إعلان

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 40 دقائق
- الجزيرة
23 شهيدا بغزة معظمهم باستهداف الاحتلال مركزي توزيع مساعدات
استشهد 23 فلسطينيا في مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر اليوم الاثنين، جراء القصف المتواصل الذي تنفذه قوات الاحتلال، معظمهم باستهداف الاحتلال مركزي توزيع مساعدات جنوبي القطاع ووسطه. وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) باستشهاد 8 فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح جنوبي قطاع غزة جراء إطلاق قوات الاحتلال النار على المواطنين المجوّعين قرب مراكز توزيع المساعدات. وأكد مستشفى العودة وصول 28 مصابا بعد استهداف إسرائيلي طال منطقة قرب مركز توزيع مساعدات في محيط حاجز نتساريم وسط قطاع غزة كان الاحتلال استهدفه أمس الأحد أيضا، مما أدى إلى استشهاد وإصابة فلسطينيين. وأمس الأحد، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة ارتفاع عدد ضحايا ما وصفه بـ"فخاخ المساعدات الأميركية الإسرائيلية" إلى 125 شهيدا و736 مصابا و9 مفقودين منذ 27 مايو/أيار الماضي، بعد استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة 153 آخرين في هجومين قرب مركزي توزيع مساعدات أمس. وأوضح المكتب الحكومي أن هذه المراكز المقامة في مناطق عسكرية مفتوحة وخاضعة بالكامل لسيطرة الاحتلال وشركات أمنية أميركية خاصة أصبحت "فخاخا دموية تُستدرج إليها الحشود الجائعة ليتم استهدافها بالرصاص المباشر والمتفجر". استمرار المجازر وفي تطورات ميدانية أخرى قال مصدر طبي بالمستشفى المعمداني إن 11 شهيدا سقطوا في قصف إسرائيلي متواصل على حيي الشجاعية والزيتون بغزة منذ فجر اليوم. وفي خان يونس ، قال مصدر في مجمع ناصر الطبي إن فلسطينيا استشهد في قصف مسيرة إسرائيلية بلدة عبسان الكبيرة شرقي المدينة. كما أكد مصدر طبي بالمستشفى المعمداني إصابة فلسطيني في قصف إسرائيلي على حي الشجاعية شرقي مدينة غزة. وكانت مصادر في مستشفيات غزة قد قالت إن 44 فلسطينيا استشهدوا أمس الأحد، 5 منهم في قصف على خيام للنازحين بمنطقة المواصي غربي مدينة خان يونس، ومن بين الشهداء الخمسة طفلتان. وأفاد مصدر طبي في مستشفى العودة باستشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف استهدف مخيم النصيرات وسط القطاع. بدوره، قال مراسل الجزيرة إن القصف المدفعي الإسرائيلي استهدف المناطق الشرقية والجنوبية من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وفي شمال القطاع شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارات عنيفة على مناطق سكنية بمنطقة جباليا البلد. وأفاد مراسل الجزيرة بأن قوات الاحتلال تواصل قصفها لجباليا البلد منذ أيام عدة، مما أسفر عن ضحايا وإلحاق دمار واسع بالممتلكات. في غضون ذلك، نقل مراسل الجزيرة في قطاع غزة عن مصادر طبية فلسطينية قولها إن فلسطينييْن استشهدا وأصيب آخرون في غارة من مسيّرة إسرائيلية استهدفت مجموعة من الفلسطينيين بشارع الشفاء غربي مدينة غزة. وفي استهداف جديد لمراكز إيواء النازحين أفاد مصدر طبي في مستشفى المعمداني بإصابة عدد من الفلسطينيين في قصف إسرائيلي على محيط مدرسة الرافعي بجباليا البلد. واستهدف جيش الاحتلال المدرسة بصواريخ عدة، مما أدى إلى دمار واسع في المبنى والمناطق المحيطة به، وتؤوي المدرسة آلاف النازحين من مناطق مختلفة في شمال القطاع. في هذه الأثناء، استشهد الطفل محمد زامل متأثرا بجراح بليغة أصيب بها قبل أسبوع في قصف إسرائيلي على منزل عائلته بجباليا البلد شمالي قطاع غزة. والطفل محمد هو وحيد عائلته، وُلد عبر عمليات لتعزيز الإخصاب والحمل بعد 15 عاما من الانتظار، وتنقّل والداه بين دول عدة من أجل العلاج. وخلّفت الإبادة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 181 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
نتنياهو يمثل اليوم للمرة الـ38 أمام المحكمة للرد على تهم فساد
مَثُل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الاثنين أمام المحكمة المركزية في تل أبيب ضمن جلسات الاستجواب بملفات الفساد الموجهة ضده. وقالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن نتنياهو طلب تقليص مدة شهادته بدعوى ارتباطه بمكالمة سياسية مهمة. وقبل 5 أيام مَثُل نتنياهو المطلوب من محكمة العدل الدولية للمرة الـ37 أمام المحكمة نفسها للرد على تهم الفساد الموجهة إليه في ما تعرف بـ"قضايا الآلاف". وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت حينئذ أن الجلسة الثانية سوف تستكمل فيها النيابة طرح أسئلة على نتنياهو وعرض الأدلة بشأن اتهامات موجهة إليه بالفساد، بسبب تلقيه هدايا من رجال أعمال مقابل تقديم خدمات شخصية لهم من خلال منصبه رئيسا للوزراء. ويهدف الاستجواب إلى كشف التناقضات وأوجه التضارب في تصريحات نتنياهو، والتحقق من مصداقية روايته. وبدأت جلسات استجواب نتنياهو في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ يواجه اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الأمانة في ما تعرف بـ"ملفات 1000 و2000 و4000″، وقدّم المستشار القضائي السابق للحكومة أفيخاي مندلبليت لائحة الاتهام المتعلقة بها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ونتنياهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، كما تتهمه المعارضة الإسرائيلية بمواصلة الحرب على قطاع غزة استجابة للجناح اليميني الأكثر تطرفا في حكومته لتحقيق مصالحه السياسية الشخصية، ولا سيما الاستمرار في السلطة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مظاهرات بمدينة روتردام الهولندية رفضا للحرب على غزة
دعا متظاهرون في مدينة روتردام الهولندية حكومة بلادهم لاتخاذ موقف أكثر وضوحا وحزما حيال الضغط على إسرائيل. كما طالب المحتجون بوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات إلى القطاع. المصدر: الجزيرة