
الدرسان الكبيران
ما الاستنتاجات النهائية التي تطالعنا في مرحلة التحوّل التي يعيشها الشرق الأوسط، من عملية «طوفان الأقصى» إلى الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الدائرة رحاها الآن؟
فضلاً عن الاستنتاجات السوسيولوجية الكبرى التي تقول إن الثابت الوحيد في التاريخ المجتمعي هو التحوّل، وإن الحاضر، كل حاضر، هو أكثر هشاشة بكثير مما يبدو عليه، وإن كل تغيير هو بالضرورة نتاج تلاقي العوامل الداخلية والعوامل الخارجية في ظرف معيّن، يطالعنا الدرسان الاستراتيجيان الكبيران التاليان:
الدرس الأوّل، عن الصراع بين التكنولوجيا والديموغرافيا. كنت أخشى، في كتاباتٍ لي قبل عشرين عاماً، أن يصطدم النمو السكاني البالغ، على المدى البعيد، بالسلاح النووي. لكن ما حدث في الحقيقة كان أمراً آخر. لقد رافق تصدير الثورة الخمينية إلى دول المنطقة خلال نصف القرن المنصرم، تحوّلٌّ بارز، من التكاثر السكّاني الكمّي إلى الارتقاء العسكري النوعيّ، إنْ في المركز الإيراني أم في أذرعه في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزّة. باتت هذه القوى الصاعدة، تحت شعار تحرير فلسطين ورفض الغرب، من القوّة الحربية بمكان، بحيث شكّلت أمراً واقعاً هائلاً، وصل إلى ذروته في «طوفان الأقصى» الذي هزّ أركان الدولة العبرية. كان يُخشى أن تصطدم هذه القوة الصاعدة، في شكلٍ ما، بالسلاح النووي الإسرائيلي، كسبيل مواجهة أوحد. لكنّ ذلك لم يحدث. برزت ظاهرة أخرى مفاجئة، لم تتبيّنها التوقّعات: ظهر فارق نوعيّ بالغ بين التطوّر التكنولوجي العسكري الإيراني المستند إلى تقنيات القرن العشرين، من جهة، والتطوّر التكنولوجي الإسرائيلي - الغربي المرتكز على تقنيات القرن الحادي والعشرين المتقدّمة، من جهة أخرى. وهذا الفارق النوعي الكبير هو الذي أتاح للجانب الإسرائيلي - الغربي إضعاف الأذرع الإيرانية في المنطقة وشلّ فاعليتها. وهو الذي تتوسّله الدولة العبرية الآن في حربها الشاملة على إيران.
الدرس الثاني، عن خطورة الرهان على جماعة مذهبية محدّدة في مجتمع الجماعات، الذي تتشكّل منه دول الشرق الأوسط، التي ما زالت بعيدة جداً عن مجتمع الأفراد - المواطنين. كذلك خطورة الرهان على التنظيم التسلطي القمعي لتحقيق الأهداف طويلة الأمد. وقد وقع النظام الإسلامي الإيراني في هذين الخطأين اللذين أوصلاه في نهاية المطاف إلى الحال الراهنة. لقد راهنت الثورة الخمينية في نشرها دعوتها على تأليب الجماعات المذهبية المتعاطفة معها في دول المنطقة، وتنظيمها وتسليحها وتمويلها. وعلى الرغم من حدوث ذلك تحت شعار تحرير القدس وفلسطين، فقد شعرت الجماعات الأخرى في هذه البلدان بأن التأليب الفئوي المسلّح، الخارج عن الدولة الوطنية، إنما يهدف إلى تطويقها وإخضاعها ووضعها في مرتبة دنيا داخل مجتمعاتها، مما أدّى إلى تأجيج التناقضات الداخلية، وإلى حالة الهشاشة والارتياب والخوف في هذه المجتمعات، فضلاً عن تفكّك دولها، وانتشار الفساد والفقر والعوز فيها، ضارباً مناعتها الوطنية في كل جوانبها.
والتقى هذا المنحى بمنحى آخر صبّ في الاتجاه نفسه. فالتأليب المذهبي الذي حدث، جرى عبر تنظيمات آيديولوجية دينية صارمة تَدين بالولاء المطلق للزعيم الأعلى الأوحد. ولا تفسح هذه التنظيمات المجال لأي رأي آخر داخل بيئتها، مهما كان معزولاً، معتمدةً وسائل الترهيب والتخوين والقمع. وقد أدّت هذه الأحادية المفرطة بدورها إلى تفشي استغلال النفوذ ضمن هذه التنظيمات، وانتشار روحيّة الإفادة والاستفادة، والطمع بمصادر ربح غير مشروعة، وتناقضات المصالح، والنزاعات الشخصية، والضغائن المكبوتة، مما سهّل على أجهزة الدولة العبرية التغلغل الخطير فيها.
وقد كان للاختراقات الاستخبارية العبرية دورها كبير الفاعلية، إلى جانب التفوّق التكنولوجي العسكري الإسرائيلي - الغربي، في إضعاف المحور الإيراني في المنطقة وتفكيكه، إنْ على مستوى الأذرع، كما يحدث منذ صيف 2024، أم على مستوى المركز، كما يجري الآن.
في ضوء هذين الدرسين الاستراتيجيين الكبيرين، يبقى التساؤل حول حقيقة موقف الشرق الصيني والروسي من احتمال انهيار المحور الإيراني في المنطقة، كون الشرق كان على الدوام هو الحليف السرّي أو العلني لهذا المحور، وكانت له إسهاماته الدائمة في تخطي العقوبات الأميركية على طهران للتخفيف من عزلتها الاقتصادية والسياسية، كما الإسهام الفعّال في تطوير قدراتها النوعية، إنْ على مستوى التكنولوجيات النووية، أم في مجال الصواريخ والمسيّرات.
حتى الآن لم يُبدِ الشرق الصيني والروسي ردود فعل بارزة على تراجع المحور الإيراني. هل يبقى على هذه الحال إذا اشتدّ انهيار المحور، أم يحاول رسم تسوية ما، تكون هي خطّه الأحمر الأخير؟ وهل ما زال قادراً على ذلك؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 18 دقائق
- الشرق الأوسط
المخابرات الأميركية تعتقد أن الضربات الإسرائيلية أخّرت برنامج إيران النووي «لبضعة شهور فقط»
نقلت شبكة «سي إن إن» عن مصادر مطلعة قولها، اليوم الثلاثاء، إن تقديرات المخابرات الأميركية قبل بدء الهجمات الإسرائيلية على إيران كانت تشير إلى أن طهران لا تسعى بقوة لامتلاك سلاح نووي، على خلاف تقديرات إسرائيل التي رأت أن إيران تقترب بسرعة من امتلاكه. وذكرت المصادر، التي لم تسمها الشبكة الإخبارية، أن المخابرات الأميركية رأت في تقديراتها أن إيران أمامها ما يصل إلى ثلاث سنوات قبل اكتسابها القدرة على إنتاج سلاح نووي. وأضاف أحد المصادر، وهو مسؤول أميركي، أن المخابرات الأميركية تعتقد أن الضربات الإسرائيلية على إيران ربما أخرت برنامج طهران النووي لبضعة شهور فقط. وأفادت الشبكة الأميركية، نقلاً عن مصدر مطلع، بأن تقديرات القيادة المركزية الأميركية قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران كانت تشير إلى أن بمقدور طهران امتلاك سلاح نووي بشكل أسرع مما تتوقعه المخابرات إذا سارعت الخطى نحو تحقيق هذا الهدف. في السياق ذاته، أشارت «سي إن إن» إلى أن بعض القادة العسكريين الأميركيين، ومن بينهم قائد القيادة المركزية مايكل كوريلا، طلبوا المزيد من الموارد لدعم إسرائيل. وفي وقت سابق اليوم، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب لشبكة «سي بي إس» إن إيران «قريبة جداً» من امتلاك سلاح نووي، مشيراً إلى أن بلاده تعمل على مساعدة الأميركيين على مغادرة الشرق الأوسط، في ظل القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران منذ يوم الجمعة الماضي.


الشرق الأوسط
منذ 25 دقائق
- الشرق الأوسط
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال «رئيس أركان الحرب» الإيراني... وطهران تنفي
أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الثلاثاء)، أنه «قضى للمرة الثانية على رئيس أركان الحرب في إيران، وأرفع قائد عسكري للنظام الإيراني»، وهو ما نفته إيران لاحقا. وقال المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، عبر «إكس»: «في أعقاب معلومات استخبارية دقيقة، هاجمت طائرات حربية لسلاح الجو مقرَّ قيادة مؤهل في قلب طهران، وقضت على المدعو علي شادماني رئيس أركان الحرب في إيران، وأعلى قائد عسكري، والأكثر قرباً إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي». #عاجل جيش الدفاع قضى للمرة الثانية على رئيس أركان الحرب في إيران وأرفع قائد عسكري للنظام الإيرانيفي اعقاب معلومات استخبارية دقيقة وانتهاز فرضة عاجلة خلال ساعات اللي الماس هاجمت طائرات حربية لسلاح الجو مقر قيادة مؤهل في قلب طهران وقضت على المدعو علي شإدماني رئيس أركان الحرب... — افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) June 17, 2025 وأضاف: «شغل شادماني رئيس أركان الحرب الإيرانية، وقائد قيادة الطوارئ للقوات المسلحة، وقد أشرف على (الحرس الثوري) وعلى الجيش الإيراني، وفي بداية الحرب عيِّن لقيادة القوات المسلحة الإيرانية بعد أن تمَّ القضاء على سلفه غلام علي رشيد خلال الضربة الافتتاحية للعملية». وفي قت لاحق، نفت مقتل اللواء شادماني في غارة إسرائيلية. إلى ذلك، واصل الجيش الإسرائيلي، اليوم، تنفيذ سلسلة غارات ضد أهداف عسكرية في غرب إيران، في اليوم الخامس من التصعيد بين العدوَين اللدودًين. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان: «استكملت طائرات سلاح الجو الحربية، الليلة الماضية، شنَّ سلسلة موجات من الغارات استهدفت عشرات الأهداف العسكرية التابعة للنظام الإيراني في غرب إيران». وأضاف: «خلال الغارات قصف سلاح الجو عشرات البنى التحتية لتخزين وإطلاق صواريخ أرض - أرض، بالإضافة إلى مواقع لتخزين المسيَّرات، ومنصات صواريخ أرض - جو في غرب إيران». وأرفق الجيش البيان بمقاطع مُصوَّرة قال إنها تُظهر لحظة استهداف منصات إطلاق صواريخ أرض - جو، وأرض - أرض. بعد عقود من حروب بالوكالة، باشرت إسرائيل، الجمعة، حملة ضربات مفاجئة ضد أهداف في أنحاء إيران، التي ردَّت بموجات من الصواريخ على إسرائيل، ما أثار مخاوف من اندلاع نزاع إقليمي أوسع. وضربت إسرائيل، أمس، مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية، وخلفت الضربة 3 قتلى. وأسفرت الضربات الإسرائيلية، التي استهدفت طهران خصوصاً، عن مقتل 224 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من ألف آخرين في إيران، بحسب حصيلة رسمية أُعلنت أول من أمس. في المقابل، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الاثنين، مقتل 24 شخصاً في الردود الصاروخية الإيرانية، منذ الجمعة.


العربية
منذ 25 دقائق
- العربية
الحرس الثوري مستعد لحرب طويلة.. ويلوح بـ"بقدراته الصاروخية"
أكد الحرس الثوري الإيراني، اليوم الاثنين، استعداده لحرب طويلة في مواجهة إسرائيل ، مشيرا إلى أنه لم يستخدم قدراته الصاروخية بشكل استراتيجي بعد. وقال مستشار قائد الحرس الثوري الإيراني العميد أحمد وحيدي، إن طهران مستعدة لحرب طويلة وشاملة، مشيرا إلى إدخال "ابتكارات جديدة" إلى الميدان قريبا، وفق ما نقلته وكالة "تسنيم" للأنباء. كما أضاف خلال تصريحات للوكالة: "درسنا جميع الاحتمالات، وأعددنا أنفسنا لأي ظروف في الحرب". وتعليقاً على ما يعلنه الإسرائيليون حول تقليص مخزون الصواريخ الإيرانية، رد بالقول "طهران لم توظف قدراتها الصاروخية استراتيجيًا بشكل كافٍ بعد". وأشار إلى أن إيران تعتزم إدخال معداتها الحديثة إلى الميدان متى ما رأت ذلك مناسبا، لافتا إلى إمكانية الاستعانة بصواريخ جديدة. وتابع "في المستقبل القريب سيرى الجميع ما هي القدرات والقوة التي تمتلكها القوات المسلحة الإيرانية في مختلف المجالات". "الرد بقوة أكبر" بدوره، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اليوم، إن بلاده "سترد بقوة أكبر" في حال لم تكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل، وفق ما نقلته "إرنا" للأنباء. ودخلت المواجهات بين إسرائيل وإيران يومها الرابع، وذلك بعدما شنت إسرائيل عملية "الأسد الصاعد" ليلة 13 يونيو، ضد البرنامج النووي الإيراني، قاصفة مواقع عسكرية، فضلا عن منشآت نووية، ومبان للشرطة ووزارة الخارجية في العاصمة طهران. كما اغتالت عشرات القادة العسكريين الكبار، فضلا عن علماء نوويين. لترد إيران بعد أقل من 24 ساعة بهجوم مضاد، مطلقة مئات الصواريخ.