logo
الحضارة الغربية: أنطولوجيا السيطرة وفقدان الإنسانية

الحضارة الغربية: أنطولوجيا السيطرة وفقدان الإنسانية

الجزيرةمنذ 2 أيام
تتميز الحضارة الغربية بنظام معرفي وأنطولوجي يقوم على تقديس العقلانية الآلية، الفردانية، والسيطرة على الطبيعة والإنسان. هذا النظام، الذي تبلور عبر قرون من الاستعمار والرأسمالية، يختزل الوجود الإنساني إلى أداة في خدمة التقدم المادي.
يمكننا أن نرى في دعم القوى الغربية للكيان امتدادا لهذا النظام، حيث يجسد الكيان مشروعا استعماريا استيطانيا يهدف إلى إعادة تشكيل العالم العربي وفقا لقيم السيطرة والاستغلال.
"طوفان الأقصى" ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي لحظة أنطولوجية تعيد طرح السؤال عن معنى الوجود الإنساني في عالم ينكر حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها
مارتن هايدغر، في كتابه الوجود والزمان (1927)، يحذر من "نسيان الوجود" في الحداثة الغربية، حيث يصبح الإنسان أداة في نظام تكنولوجي يهيمن على كل شيء. في هذا السياق، يمثل الدعم الغربي للكيان نسيانا للوجود الفلسطيني، إذ يختزل الشعب الفلسطيني إلى مجرد "مشكلة أمنية" تبرر القمع ضدها.
هذا الاختزال يكشف عن أزمة أنطولوجية في الحضارة الغربية: عدم قدرتها على الاعتراف بالإنسان ككائن يحمل كرامة جوهرية، خاصة عندما يتعارض ذلك مع مصالحها الإستراتيجية.
إن هذه الأزمة تتجلى في التناقض بين القيم المعلنة للحضارة الغربية، مثل الحرية وحقوق الإنسان، وممارساتها الفعلية، التي تتجاهل القمع المنهجي ضد الفلسطينيين، من حصار اقتصادي إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية. هذا التناقض ليس سياسيا فحسب، بل هو انهيار أخلاقي يسائل قدرة الحضارة الغربية على الحفاظ على إنسانيتها في ظل منطقها الهيمني.
"طوفان الأقصى" ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي لحظة أنطولوجية تعيد طرح السؤال عن معنى الوجود الإنساني في عالم ينكر حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها.
هذه العملية، تجسد رفضا لاختزال الفلسطينيين إلى ضحايا سلبيين، وتؤكد على إرادتهم كفاعلين أخلاقيين وسياسيين. إنها لحظة تتحدى منطق السيطرة الغربي، الذي يبرر القمع باسم الأمن، وتعيد صياغة الصراع كصراع على الكرامة الإنسانية.
إعلان
في هذا السياق، يمكننا أن نرى في "طوفان الأقصى" فعلا وجوديا يشبه ما وصفه جان بول سارتر في الوجودية -مذهب إنساني- بالحرية كجوهر للوجود الإنساني.
المقاومة الفلسطينية، من خلال هذه العملية، تؤكد على حريتها في مواجهة القمع، ليس فقط من خلال القوة، بل من خلال إبداع إستراتيجي كشف هشاشة النظام الأمني للكيان.
هذا الفعل ليس مجرد تحدٍّ مادي، بل هو إعلان عن أن الوجود الفلسطيني هو وجود أخلاقي يرفض الخضوع لمنطق الإبادة الثقافية والمادية.
إن التعاطف الغربي المتزايد مع القضية الفلسطينية يشير إلى أن المقاومة نجحت في تحويل الصراع إلى سؤال إنساني عالمي: كيف يمكن للإنسانية أن تتعايش في عالم يحترم الكرامة بدلا من الهيمنة؟
صدمة الغرب: التعاطف الشعبي كإجازة للطوفان
إحدى أعمق إجازات "طوفان الأقصى" هي الصدمة التي أصابت النخب الغربية نتيجة التعاطف المتزايد من مواطنيها مع القضية الفلسطينية. هذا التعاطف، الذي تجلى في مظاهرات حاشدة في عواصم مثل باريس، لندن، ونيويورك، وفي الحركات الشعبية التي دعت إلى وقف العنف ضد الفلسطينيين، يشكل تحديا أنطولوجيا للخطاب الغربي المهيمن.
إن هذه الظاهرة تظهر أن المواطنين الغربيين، وخاصة الشباب والمثقفين، بدؤوا يرفضون الرواية الرسمية التي تصور المقاومة الفلسطينية كـ"إرهاب"، ويدركون السياق التاريخي للقمع الذي يواجهه الفلسطينيون.
هذا التعاطف ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو انعكاس لأزمة أخلاقية داخل المجتمعات الغربية. إنه يبرز وجود صدع في المنظومة الأيديولوجية الغربية، حيث بدأ المواطنون يسائلون تناقضات قيمهم المعلنة.
على سبيل المثال، كيف يمكن لمجتمعات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن تبرر دعم كيان يمارس قمعا منهجيا؟ إن هذه الصدمة تظهر أن "طوفان الأقصى" نجح في اختراق الحواجز الثقافية والأيديولوجية، مما جعل القضية الفلسطينية قضية إنسانية عالمية تتحدى منطق الهيمنة الغربية.
تقدم المقاومة الفلسطينية، و"طوفان الأقصى" كتجلٍّ لها، رؤية أنطولوجية بديلة تستند إلى قيم التضامن، الصمود، والعدالة. هذه الرؤية تتحدى المنطق الغربي الذي يختزل الوجود إلى السيطرة المادية، وتؤكد على أن الإنسانية تقاس بقدرتها على الدفاع عن الكرامة في وجه الظلم. إن هذه القيم، التي تتجذر في التراث العربي والإسلامي، تجسد مفهوما للوجود يرفض الفردانية المادية ويعزز التكافل الجماعي.
يمكننا أن نرى في هذه الرؤية تأثيرا لفكرة إيمانويل ليفيناس في الكلية واللانهائية، حيث يؤكد على أن الأخلاق تبدأ من الاعتراف بالآخر ككائن يستحق الاحترام المطلق.
المقاومة الفلسطينية، من خلال "طوفان الأقصى"، تجسد هذا الاعتراف بأن الكرامة الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الإنسانية. إنها ترفض اختزال الفلسطينيين إلى تهديد وتطالب بإعادة تعريف العلاقة بين الذات والآخر بعيدا عن منطق الهيمنة.
علاوة على ذلك، تظهر العملية نضجا أنطولوجيا في قدرتها على تحدي التفوق المادي للكيان وداعميه. من خلال كشف هشاشة النظام الأمني، أعادت المقاومة صياغة الصراع كسؤال عن معنى الوجود في ظل القمع. هذا النضج يعكس تحولا من المقاومة كفعل دفاعي إلى مشروع حضاري يقدم رؤية لعالم يحترم الكرامة بدلا من القوة.
طوفان الأقصى أثبت أن المقاومة قادرة على إحداث تأثير أنطولوجي عميق، من خلال إلهام حركات شعبية عالمية وكشف تناقضات النظام الغربي.
إن التعاطف الغربي المتزايد مع القضية الفلسطينية يشير إلى أن المقاومة نجحت في تحويل الصراع إلى سؤال إنساني عالمي: كيف يمكن للإنسانية أن تتعايش في عالم يحترم الكرامة بدلا من الهيمنة؟
في المستقبل، يمكن أن تشكل هذه اللحظة بداية لتحول حضاري أوسع، حيث تلهم المقاومة الفلسطينية شعوبا أخرى لرفض منطق السيطرة وبناء عالم يقوم على العدالة. لكن هذا يتطلب استمرار الصمود، وتوحيد الجهود الداخلية، واستثمار التعاطف الدولي لخلق ضغط أخلاقي وسياسي على النظام العالمي.
إن "طوفان الأقصى" ليس مجرد حدث، بل هو لحظة أنطولوجية تعيد طرح السؤال عن معنى الإنسانية في عالم تهيمن عليه الحضارة الغربية بمنطقها السيطري.
من خلال تحديها للكيان وداعميه، وإلهامها لتعاطف عالمي غير مسبوق، تبرز المقاومة الفلسطينية تناقضات النظام الغربي وتقدم رؤية بديلة تستند إلى الكرامة والعدالة.
هذه اللحظة تذكرنا بأن المقاومة، في جوهرها، هي فعل وجودي يسعى إلى استعادة المعنى في عالم فقد بوصلته الأخلاقية. إن "طوفان الأقصى" ليس نهاية الصراع، بل بداية لتأمل عميق في إمكانية بناء عالم يحترم الإنسان كغاية في ذاته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خبراء أمميون: إسرائيل تستخدم التجويع "كسلاح وحشي" لإبادة غزة
خبراء أمميون: إسرائيل تستخدم التجويع "كسلاح وحشي" لإبادة غزة

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

خبراء أمميون: إسرائيل تستخدم التجويع "كسلاح وحشي" لإبادة غزة

ندد فريق من خبراء الأمم المتحدة، الخميس، بتصعيد إسرائيل حملة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ودعوا المجتمع الدولي إلى إنهاء "تواطئه" في مواجهة الفظائع الإسرائيلية في ظل استمرار محادثات وقف إطلاق النار دون إحراز تقدم. وقال الخبراء في بيان "إن أوامر التهجير الصادرة عن السلطات الإسرائيلية استهدفت آخر معاقل الاستجابة الإنسانية الدولية في غزة، إلى جانب الهجمات المباشرة مثل الغارة الجوية القاتلة الأخيرة على جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني"، معتبرين أن إسرائيل استخدمت التجويع سلاحا وحشيا في الحرب، وهو ما يعد جريمة بموجب القانون الدولي. وأضافوا أن أكثر من 500 ألف شخص، أي ربع سكان غزة، يواجهون المجاعة، وأن باقي السكان يعانون مستويات طوارئ من الجوع، لافتين إلى أن كل الأطفال، البالغ عددهم 320 ألفا، ممن دون سن الخامسة، يواجهون خطر الإصابة بسوء تغذية حاد. وأوضح الخبراء أن هذه الجرائم تحدث في وقت "يموت فيه سكان غزة وعلى رأسهم الأطفال، جماعيا جراء الجوع، وانعدام الوصول إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى". وتابعوا: "إن ما تسمى بالوقفات الإنسانية والإسقاطات الجوية غير كافية لمعالجة أزمة بهذا الحجم"، وأكدوا على ضرورة السماح بدخول "مساعدات إنسانية غير مقيدة وغير منقطعة إلى غزة". وشدد الخبراء على أن القيود غير القانونية التي تفرضها إسرائيل على المساعدات الإنسانية قد أوجدت "ظروف حياة تفضي فعليا إلى التدمير الجسدي للشعب الفلسطيني في غزة"، وأشاروا إلى أن هذا الأمر يشكّل "فعلا يُعاقب عليه بموجب القانون الدولي بوصفه إبادة جماعية، كما هو الحال مع القتل والتجويع الجماعي للفلسطينيين في القطاع". كما سجل الخبراء أن إسرائيل تعمل على "إبادة سكان غزة بكل الوسائل الممكنة"، مبرزين قتل أكثر من ألف فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية أثناء اصطفافهم للحصول على المساعدات الإنسانية. وأشار الخبراء إلى أن 70% من هذه الوفيات وقعت في مواقع أنشأتها ما يسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، مؤكدين أن هذه الوفيات تضاف إلى أكثر من 59 ألف فلسطيني قُتلوا و140 ألفا جُرحوا خلال الهجوم العشوائي الإسرائيلي على غزة. وحذر الخبراء من أن أوامر التهجير أجبرت كامل السكان الناجين في غزة على التكدس في ما لا يتجاوز 12% من أراضي القطاع. وقالوا "إن المقترحات الإسرائيلية لنقل سكان غزة قسرا إلى ما يسمى بـ'مدينة إنسانية' على الحدود مع مصر لا يمكن اعتبارها سوى محاولة لإنشاء معسكر اعتقال بظروف قاسية تجبر الغزيين في نهاية المطاف على مغادرة وطنهم". ودعا الخبراء المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات طال انتظارها لحماية الفلسطينيين ومحاسبة إسرائيل. وزادوا موضحين أن الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني "مُمكنة بفضل تواطؤ الدول التي تواصل حماية إسرائيل من العواقب السياسية والدبلوماسية لأفعالها، وتختار بدلا من ذلك قمع حرية التعبير لمواطنيها الذين ينددون بهذه الجرائم المروعة، بينما تستمر في تزويد إسرائيل بالسلاح والتجارة والدعم الاقتصادي". وتابع الخبراء الأمميون منتقدين المجتمع الدولي ومؤسساته، حيث قالوا "لم تقدِم الأمم المتحدة حتى الآن على توصيف الوضع في غزة بوضوح كإبادة جماعية، على الرغم من وجود أدلة دامغة على أن إسرائيل ترتكب أفعالا محظورة ومتعددة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى التصريحات العلنية الصادرة عن القيادة الإسرائيلية التي تدعو إلى استمرار تجويع غزة". كما أشاروا إلى أن الاتحاد الأوروبي "أخفق في اتخاذ أي إجراءات لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكها لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". واختتم فريق الخبراء الأمميين موقفهم بالقول "من دون تحرّك دولي عاجل، فإن عبارة 'لن يتكرر ذلك أبدا' لن تشير إلى منع الإبادة الجماعية، بل إلى انتهاء وجود الحياة الفلسطينية في غزة".

هولندا تستبعد الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الراهن
هولندا تستبعد الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الراهن

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

هولندا تستبعد الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الراهن

استبعدت الحكومة الهولندية، اليوم الخميس، الاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت الراهن رغم تزايد القلق العام بشأن قطاع غزة، لكنها اعتبرت أن ما يحدث في القطاع الذي مزقته الحرب "يقوض أمن إسرائيل". وقال وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب في مناقشة برلمانية عاجلة بشأن غزة بعد استدعاء المشرعين من عطلتهم الصيفية إن بلاده "تعطي الأولوية للمشتريات المحلية ومن الاتحاد الأوروبي قبل التوجه إلى دول ثالثة، رافضا في هذا الصدد دعوات تعليق واردات الأسلحة من إسرائيل. واستدرك فيلدكامب قائلا إن هولندا "اتخذت بالفعل "خطوات مهمة، بما في ذلك حظر السفر على وزيرين إسرائيليين، مضيفا أن "هذه الحرب لم تعد حربا عادلة وصارت تقوض أمن إسرائيل وهويتها" ويأتي موقف هولندا على النقيض مع مواقف بعض الدول في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأبرزها فرنسا ، التي أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول المقبل. كما أعلنت بريطانيا أنها ستفعل الأمر نفسه ما لم توافق إسرائيل على وقف لإطلاق النار في غزة وعلى خطوات لتخفيف المعاناة في القطاع الذي يتفشى فيه الجوع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store