logo
«كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (2 – 3)

«كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (2 – 3)

مصراوي٢٨-٠٤-٢٠٢٥

وصل غسان كنفاني إلى لبنان واستقر فيها سنة 1960م، حيث بدأت حياة الاستقرار النسبي تحلّ أوّلًا بأول، ونقصد بكلمة (النسبي)؛ أن حياة ناشطٍ سياسي مثل غسان كنفاني في تلك المرحلة لا يمكن أن تسلم مُراقبةٍ ورصدٍ لكل سكناتهِ وحركاته، فما أن وصل (بيروت) حتى عمل في الصحافة، وظل يعمل فيها حتى استشهاده، فقد عمل محررًا في جردية (الحرية) الناطقة باسم حركة القوميين العرب (1960 – 1963م).
ثم عمل في جريدة (المحرر) الناصرية، ورأس فيها ملحقها الأسبوعي (فلسطين)، من سنة 1963 إلى 1967م، وبعد ذلك في جريدة (الأنوار) من سنة 1967 إلى 1969م، وأخيرًا رأس تحرير مجلة (الهدف) الأسبوعية الناطقة باسم الجبهة لشعبية لتحرير فلسطين، عند تأسيسها وظهور العدد الأول منها في 26 يوليو سنة 1969م، حيث بقى فيها حتى استشهاده يوم 8 يوليو 1972م. وخلال هذه الفترة كان غسان مزودًا برؤية أيديولوجية تتبنى المنهج الماركسي اللينيني، وبقى على اتصال مع أهم الحركات الثورية في العالم، محاولًا أن يجعل الفعل الثوري صاحب الكلمة الأولى في كل ما كتب.
لقد سمحت مرحلة بيروت لغسان بهدوء وسع عن طريقه نشاطاته السياسية والأدبية، وزاد من قراءاته لأعلام الفلسفة الوجودية، فاهتم بسارتر، وقد ساعده على فهمه تمكنه من اللغة الفرنسية، مما أتاح له فرصة الاطلاع على الأدب الأجنبي، خصوصًا السوفياتي منه؛ لأنه رأى فيه تعبيرًا عما كان يشاهده في الواقع.
إلا أننا نجد وسط المحطات الكثيرة التي مر بها كنفاني، واحدة من أهم محطاته، ألا وهي المحطة السياسية – إن جاز لنا التعبير – ويمكن اختصارها إلى:
ما قبل نكسة يونيو سنة 1967م، وتميز الأدب فيها بالحديث حول النكبة والأبعاد السياسية. وما بعد نكسة يونيو سنة 1967م. ولا تكمن أهمية غسان كنفاني في أنه يرسم الروح في هوانها وسقوطها، أي يؤرخ نفسانيًا لتطور هذه الروح في متاهة ترديها، فقط، بل تأتي أهميته كذلك من أنه أول كاتب عربي استطاع أن ينقل الكارثة الفلسطينية إلى حيز الرواية التي يتحقق لها تكامل الشروط الفنية، وفي أنه كان أول من قدّم فهمًا تطبيقيًا عميقًا للتراجيديا، فجوهر الرواية لدية – بل والأقصوصة أيضًا – أنها تخضع التاريخ للمحاكمة وأنها تدينه لا كعدوانٍ فحسب، بل وكخنوعٍ أيضًا، تدينه في طرفيه النافي والمنفي.
كانت القضية الفلسطينية بالنسبة لكنفاني، قضية عاشها مناضلا حتى الشهادة فكرًا وسلوكًا، ولكنها لم تكن قضية خاصة به وحسب، بل كانت قضية شعب بأكمله. إنها قضية الأرض، هي قضية شعب يحرمُ منها رويدًا رويدًا. ولقد مارس غسان كنفاني عبارة قالها (ماركيز) من قبل في روايته (مئة عام من العزلة) حين قال: "احترق لتضيء"، وقد شكلت حياته تجسيدًا كاملًا لهذه الفكرة، وكانت أولوية لا يمارسها سوى ابن بار يحترق من أجل سعادة آلاف غيره من أبناء أرضه.
كما يعد كنفاني من أوائل الذين وضعوا مصطلح "أدب المقاومة" في كتابتهم النقدية، وذلك في كتابه (الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948م – 1968م). وما علاقة المرأة بأدب كنفاني؟ إجابتنا عن هذا التساؤل ستكون موضوع مقالنا القادم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (2 – 3)
«كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (2 – 3)

مصراوي

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • مصراوي

«كنفاني».. شهيد القضية الفلسطينية (2 – 3)

وصل غسان كنفاني إلى لبنان واستقر فيها سنة 1960م، حيث بدأت حياة الاستقرار النسبي تحلّ أوّلًا بأول، ونقصد بكلمة (النسبي)؛ أن حياة ناشطٍ سياسي مثل غسان كنفاني في تلك المرحلة لا يمكن أن تسلم مُراقبةٍ ورصدٍ لكل سكناتهِ وحركاته، فما أن وصل (بيروت) حتى عمل في الصحافة، وظل يعمل فيها حتى استشهاده، فقد عمل محررًا في جردية (الحرية) الناطقة باسم حركة القوميين العرب (1960 – 1963م). ثم عمل في جريدة (المحرر) الناصرية، ورأس فيها ملحقها الأسبوعي (فلسطين)، من سنة 1963 إلى 1967م، وبعد ذلك في جريدة (الأنوار) من سنة 1967 إلى 1969م، وأخيرًا رأس تحرير مجلة (الهدف) الأسبوعية الناطقة باسم الجبهة لشعبية لتحرير فلسطين، عند تأسيسها وظهور العدد الأول منها في 26 يوليو سنة 1969م، حيث بقى فيها حتى استشهاده يوم 8 يوليو 1972م. وخلال هذه الفترة كان غسان مزودًا برؤية أيديولوجية تتبنى المنهج الماركسي اللينيني، وبقى على اتصال مع أهم الحركات الثورية في العالم، محاولًا أن يجعل الفعل الثوري صاحب الكلمة الأولى في كل ما كتب. لقد سمحت مرحلة بيروت لغسان بهدوء وسع عن طريقه نشاطاته السياسية والأدبية، وزاد من قراءاته لأعلام الفلسفة الوجودية، فاهتم بسارتر، وقد ساعده على فهمه تمكنه من اللغة الفرنسية، مما أتاح له فرصة الاطلاع على الأدب الأجنبي، خصوصًا السوفياتي منه؛ لأنه رأى فيه تعبيرًا عما كان يشاهده في الواقع. إلا أننا نجد وسط المحطات الكثيرة التي مر بها كنفاني، واحدة من أهم محطاته، ألا وهي المحطة السياسية – إن جاز لنا التعبير – ويمكن اختصارها إلى: ما قبل نكسة يونيو سنة 1967م، وتميز الأدب فيها بالحديث حول النكبة والأبعاد السياسية. وما بعد نكسة يونيو سنة 1967م. ولا تكمن أهمية غسان كنفاني في أنه يرسم الروح في هوانها وسقوطها، أي يؤرخ نفسانيًا لتطور هذه الروح في متاهة ترديها، فقط، بل تأتي أهميته كذلك من أنه أول كاتب عربي استطاع أن ينقل الكارثة الفلسطينية إلى حيز الرواية التي يتحقق لها تكامل الشروط الفنية، وفي أنه كان أول من قدّم فهمًا تطبيقيًا عميقًا للتراجيديا، فجوهر الرواية لدية – بل والأقصوصة أيضًا – أنها تخضع التاريخ للمحاكمة وأنها تدينه لا كعدوانٍ فحسب، بل وكخنوعٍ أيضًا، تدينه في طرفيه النافي والمنفي. كانت القضية الفلسطينية بالنسبة لكنفاني، قضية عاشها مناضلا حتى الشهادة فكرًا وسلوكًا، ولكنها لم تكن قضية خاصة به وحسب، بل كانت قضية شعب بأكمله. إنها قضية الأرض، هي قضية شعب يحرمُ منها رويدًا رويدًا. ولقد مارس غسان كنفاني عبارة قالها (ماركيز) من قبل في روايته (مئة عام من العزلة) حين قال: "احترق لتضيء"، وقد شكلت حياته تجسيدًا كاملًا لهذه الفكرة، وكانت أولوية لا يمارسها سوى ابن بار يحترق من أجل سعادة آلاف غيره من أبناء أرضه. كما يعد كنفاني من أوائل الذين وضعوا مصطلح "أدب المقاومة" في كتابتهم النقدية، وذلك في كتابه (الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948م – 1968م). وما علاقة المرأة بأدب كنفاني؟ إجابتنا عن هذا التساؤل ستكون موضوع مقالنا القادم.

تحليل: الجنوب العربي (3)
تحليل: الجنوب العربي (3)

المشهد العربي

time٠٨-٠٤-٢٠٢٥

  • المشهد العربي

تحليل: الجنوب العربي (3)

الجنوب العربي (3) ثابت حسين صالح* بعد خروجهم من صنعاء عام 1918 أثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى...سلم الأتراك الحكم لعاملهم يحيى حميد الدين الذي أعلن تلك المنطقة دولة سماها المملكة المتوكلية الهاشمية، قبل أن يضيف لها في وقت لاحق كلمة "اليمن" بناءا على نصائح الكتاب الجيوسياسيين الذين نفخوا فيه روح العظمة والاطماع التوسعية تجاه الجنوب وتجاه نجد والحجاز وحتى عمان. الجدير بالذكر أن تلك المنطقة التي سماها الإمام يحيى سياسيا "اليمن" ظلت تحت الاحتلال العثماني لحوالي أربعة قرون منذ 1538م. وبسهولة ويسر سيطر الإمام يحيى على المناطق الشافعية من اليمن تعز وإب والبيضاء...الخ. لم تكن علاقة الجنوبيين ودية مع نظام الائمة الزيديين جميعا وخاصة بيت حميد الدين، بل كانت عدوانية من جانب الأئمة تخللتها أزمات وحروب طاحنة. لذلك تطوع العديد من أبناء القبائل الجنوبية للمشاركة في الدفاع عن انقلاب أو "ثورة 26 سبتمبر 1962" ضد الإمام يحيى، التي دعمتها مصر. بعد عودة هؤلاء الشباب إلى قراهم وبالذات في ردفان حدثت اشتباكات مسلحة مع مجموعة من القوات البريطانية...فاستغلت الجبهة القومية هذا الحادث لإعلانه يوم انطلاق ثورة 14 أكتوبر 1963م بقيادتها هي. ولطالما ظل الجنوبيون يقاومون الاحتلال البريطاني منذ احتلاله لعدن عام 1839م بكل الأشكال والوسائل الممكنة، فقد أيدوا ثورة 14 أكتوبر التي دعمتها ايضا مصر في حكم عبدالناصر. لكن الجبهة القومية التي تشكلت من سبع فصائل جنوبية هيمنت عليها حركة القوميين العرب التي تعمدت انتهاج سياسة يمننة الجبهة من خلال تغيير اسم الجبهة من الجبهة القومية لتحرير الجنوب العربي إلى الجبهة القومية لتحرير "جنوب اليمن". وتجدر الإشارة إلى أن تأسيس اتحاد الجنوب العربي 11 فبراير 1959 كان قد قوبل بهجمة شرسة من جانب متبني المشروع اليمني، ولأن الاتحاد كان سيؤسس لدولة جنوبية فيدرالية بعد خروج المستعمر البريطاني، من المهرة شرقا وحتى باب المندب غربا. استعدت الجبهة القومية كل سلاطين وأمراء ومشائخ الجنوب وكبار الضباط والموظفين وحتى عقال المناطق والقرى واعتبرتهم "عملاء"، وافشل الجناح المتطرف في الجبهة القومية برئاسة عبدالفتاح إسماعيل كل المحاولات الجنوبية والمصرية لتوحيد فصائل العمل الوطني بما فيهم سلاطين وأمراء الجنوب من خلال تشكيل منظمة التحرير وعقد مؤتمر توحيدي بينهم في الإسكندرية عام 1966م نتج عنه تشكيل جبهة التحرير . حيث أعلن هذا الجناح المتشدد في اجتماع عقده في منطقة جبلة لواء إب عن رفضه لاتفاق الاسكندرية...ومهد هذا الإعلان لحرب أهلية طاحنة داخل مناطق الجنوب، مما ادى إلى سيطرة العناصر المتطرفة والمستهترة على حساب العناصر الناضجة والحريصة على وحدة وتماسك الجنوب. أثناء مفاوضات الاستقلال مع الوفد البريطاني في جنيف نوفمبر 1967 كان ضغط الجناح المتطرف والمتشدد في الجبهة القومية يسير نحو تضييق الخناق على الجناح المعتدل ويتجه إلى خلق عزلة مطبقة للجنوب مع دول الخليج ومع الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا. لم يكن هذا بدافع النفس الثوري المتطرف فحسب، بل لعزل الجنوب وإجباره على اليمننة والتوجه الاشتراكي. وبدلا من تسمية دولة الاستقلال بجمهورية الجنوب العربي كما كان يجب، تم تسميتها بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. وما هو اخطر على الجنوب حدث بعد لك...ولنا حديث آخر بإذن الله.

تحليل : الجنوب العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا (1)
تحليل : الجنوب العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا (1)

المشهد العربي

time٠٣-٠٤-٢٠٢٥

  • المشهد العربي

تحليل : الجنوب العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا (1)

"الجنوب العربي" ماضيا وحاضرا ومستقبلا (1) مناسبة كتابة هذا الموضوع مرتبطة بالقراءات وردود الأفعال المتنوعة والمتباينة بين الترحيب والتحفظ والتشكيك تجاه قرار الرئيس عيدروس الزُبيدي بتشكيل اللجنة التحضيرية لمجلس شيوخ الجنوب العربي... لن اذهب هنا إلى الرد ومناقشة مبررات كل من المرحبين أو المتحفظين أو المشككين. لكن أرى من المهم أولا البحث السريع عن الخلفية التاريخية لهذا القرار ودوافعه وأهميته. من أجل ذلك علينا التذكير بالتاريخ القريب ما قبل إعلان استقلال الجنوب العربي عن الاحتلال البريطاني 30 نوفمبر 1967م. كان الجنوب عبارة عن سلطنات وإمارات ومشيخات ومكاتب...الخ، حتى تم إعلان الاستقلال الوطني وتقسيم الجنوب إلى ست محافظات اعتمدت في البداية الأرقام ثم الأسماء من المحافظة الأولى (عدن) إلى السادسة (المهرة)...في إطار نظام سياسي قائم على المركزية المطلقة. هذا النظام كان حصيلة فعلية لرؤى وأفكار وسياسات وممارسات هي خليط من القومية الى اليمنية (حركة القوميين العرب وثورة 23 يوليو 1952 في مصر وتنظيمات يمنية) والاشتراكية (ثورة أكتوبر في روسيا) والغربية (التاج البريطاني)، وتحويل الثورة من ثورة تحررية من الاحتلال البريطاني إلى عمليات قيصرية عنيفة لاستهداف وتدمير النسيج الاجتماعي الجنوبي برمته. بمعنى آخر كان هناك من هدف - ونجح مع الاسف - في توسيع رقعة وعدد الأعداء في الداخل لتشمل السلاطين والأمراء والمشائخ والعقال والمقادم والمناصب وضباط الجيش وكبار الموظفين بما فيهم التكنوقراط، وفي الخارج لتشمل دول الجوار الخليجي والعالم الرأسمالي. شهدت أربعينات وخمسينات وستينات القرن العشرين نشاطا محموما وبعضه مريبا لتوليد وتفريخ المكونات السياسية والتي تمحورت حول ثلاثة مشاريع سياسية متصارعة : 1- عدن للعدنيين (سلخ عدن تماما عن الجسم الجنوبي) واللافت أن قادة هذا المشروع كان بعضهم من أصول غير عدنية وغير جنوبية. 2- مشروع الجنوب العربي كما هو لكل أبناءه (من عدن حتى المهرة) الذي تبنته سياسيا رابطة أبناء الجنوب العربي. 3- المشروع الذي رفع شعارات قومية، لكن بأحندات يمنية خالصة هدفها يمننة الجنوب وضمه لليمن. وكان لكل من هذه المشاريع أجنداتها وأدواتها وآليات ووسائل وأساليب عملية للوصول إلى أهدافها. فكيف وإلى أين أوصلت الجنوب هذه المشاريع عشية الاستقلال 30 نوفمبر 1967م وما بعدها؟ هذا ما سنحاول لاحقا باذن الله تعالى قراءته بشكل موضوعي ومكثف ومركز. والله ولي التوفيق والسداد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store