خطاب الملك: خارطة للضمير العالمي
شكل خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ، خارطة طريق للضمير العالمي وإحياء للتوازن الأخلاقي في العلاقات الدولية، في وجه الكوارث والنكبات التي تهز النظام الدولي، وانهيار البوصلة الأخلاقية للنظام العالمي، وسط الاضطرابات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية وتفاقم الصراعات الجيوسياسية على أكثر من صعيد من حيث الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الأوروبية، علاوة الانفجار الإقليمي في الشرق الأوسط نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة وامتدادها إلى إيران بالإضافة إلى تآكل منظومة القيم الدولية وتراجع فاعلية القانون الدولي.
الخطاب الملكي الذي جاء من قلب الشرق الأوسط حيث لهيب الصراعات المشتعلة، أبرز فلسفة الملك السياسية التي تستند إلى قيم العدالة والاعتدال، في مقابل صعود الأيديولوجيات المتطرفة والخطابات الشعبوية التي تمزق المجتمعات وتشرعن العنف، وبين ثلاثية الملك العالمية من حيث أنه "لا سلام بلا عدالة، ولا استقرار بلا قيم، ولا إنسانية بلا موقف"، في بداية تسعى وتنبه إلى ضرورة استعادة الصوت الأخلاقي والإنساني الذي افتقده العالم طويلًا.
كما تضمن الخطاب تساؤلات جوهرية حول صمت المجتمع الدولي إزاء المجازر في غزة: كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمرا اعتياديا؟ أن تسمح باستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال؟ أو أن تسمح باستهداف العاملين في القطاع الصحي والصحفيين والمدنيين الذين يبحثون عن الملجأ في المخيمات؟
بهذه التساؤلات، انتقد الملك ازدواجية المعايير الغربية تجاه حقوق الإنسان والقانون الدولي، خاصة في سياق القضية الفلسطينية، ولم يكتفِ الملك بتوصيف المأساة الإنسانية، بل كشف عن عمق الفجوة بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية على أرض الواقع محمّلا الضمير العالمي، وتحديداً أوروبا، مسؤولية أخلاقية عن القبول بهذا الانحدار.
كما وظف الملك التاريخ الأوروبي وتحديداً تجربة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كنموذج عالمي لاختيار السلام بدل الانتقام، والتعاون بدل الصراع، واستنتاج أوروبا في أعقاب الحرب أن الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبدا، وما أراده الملك في هذا التوظيف التأثير في البرلمان الأوروبي ومخاطبة القيم التي أسس عليها الاتحاد الأوروبي، من حيث أن النجاح الداخلي لأوروبا في بناء السلام الداخلي على أساس القيم، قد يحقق للعالم السلام إن سلك الطريق المماثل لذلك لكن هذا يتطلب توحيد الجهود السياسية والإرادة الجماعية والشجاعة الأخلاقية.
كما أكد الملك أن الأردن شريك لأوروبا في مسارين الأول تنموي إقليمي والثاني تعزيز الأمن العالمي، مذكّرا من أن تجاهل جذور الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، المستمر منذ ثمانية عقود، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، كما هو حاصل الآن مع امتداد الحرب إلى إيران، مشدداً على أن الحق في الحرية والسيادة وإقامة الدولة ليس مطلباً فلسطينياً فقط، بل استحقاق أخلاقي وإنساني يتقاطع مع جوهر القانون الدولي.
وبناءا على ما سبق نجد أن خطاب جلالة الملك رد الإعتبار إلى البُعد القيمي في السياسة الخارجية، وأشار إلى مساعدة الشعوب كافة، وخاصة الشباب، على إيجاد الأمل والفرص، وتأطر ضمن مدرسة "الواقعية الأخلاقية" في العلاقات الدولية، إذ أنه لم ينفِ الصراعات والنزاعات كواقع إنساني، لكنه دعا إلى ضبطها ضمن أطر القيم والعدالة الدولية، وجاء متوازناً جمع بين الصراحة الأخلاقية والحكمة السياسية، حافلاً بالرسائل السياسية، الموجهة إلى صناع القرار والرأي العام الأوروبي والدولي على حد سواء، وأعاد تموضع الأردن كفاعل إقليمي عقلاني متزن، يعتمد على القيم لا على أدوات القوة الخشنة، كما تضمن الخطاب تحذير استراتيجي من أن التوسع الإسرائيلي ضد إيران يُنذر بصراع إقليمي واسع يصعب ضبطه، في إشارة إلى أن عدم ضبط الأزمة الفلسطينية سيدفع المنطقة إلى انفجار غير قابل للسيطرة!.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
فصل الخطاب
في ظل تراجع دور المؤسسات الدولية التي تصون حزمة القيم العالمية التي اتفقت البشرية على قدسيتها بعد مئات السنين من الصراعات العبثية والحروب والاحتكاك الانساني، جاءت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي. "هذا التراجع الحضاري والإنساني والقيمي الذي يدفع بتسارع مضطرد نحو تصدع منظومة التفاعل الإنساني التي تربط الشعوب، وقبل وقوع الكارثة العالمية لا قدر الله وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ ليس للدفاع عن الأردن والمنطقة العربية فحسب، بل ليوقظ الضمير العالمي ليصحو من سباته قبل أن يسقط القانون الدولي الجامع للأمم الحرة وقبل أن تنهار منظومة السلم العالمي. فجاء الخطاب بتوقيته الحرج ليضع الدول القادرة على صنع القرار الدولي امام مسؤولياتها الاخلاقية والقانونية، فالجميع مسؤول عن حالة الفوضى والدمار التي تعيشها منطقتنا،وان الجميع مسؤول عن انهاء هذه الفوضى. قبل أن تتسع دوائر النار لتلتهم كل شيء، فهذا الصمت المريب هو ما يحول المجتمع الدولي الى شريك بالجريمة كما أشار جلالته عندما قال: "إذا فشل مجتمعنا العالمي في التصرف بشكل حاسم، فإننا نصبح متواطئين في إعادة تعريف معنى أن تكون إنساناً". لقد جاء هذا الخطاب المفصلي في ظل ظروف اقليمية ودولية عاصفة جعلت الدول المؤثرة تنكفيء على ذاتها وتنعزل عن المحيط العالمي. لذلك شاهدنا جميعاً كيف أن صوت جلالة الملك عبدالله الثاني كان ينطق باسم جميع الشعوب التي غاب صوت من يمثلها ، وهو ذات السبب الذي دفع المجتمع الغربي للبحث صوت الحكمة في إقليم ملتهب وفي ظرف استثنائي كان الجميع يبحث فيه عن منارة وسط الأمواج المتلاطمة من الأزمات، فالجميع كان يبحث بين كلمات جلالة الملك عن خارطة طريق لتجاوز الحالة المستعصية التي نعيشها جميعاً. حيث أعاد جلالته للوعي العالمي الأسس التي تجمعنا في ظل انتشار خطاب الموت والكراهية والاقصاء والجشع، مذكراً أن السلام هو أساس البناء الإنساني : 'أن الحضارات لم تُبنَ بالحروب، بل بالقيم والمبادئ". والسلام لا يُفرض بالقوة، بل يجب أن يقوم على العدالة واحترام القانون الدولي وهنا ذكر اصحاب الدار كيف عادت أوربا للحياة بعد الحرب العالمية الثانية التي ابتعلت عشرات ملايين الضحايا وبنائها للسلام على أسس التعاون والكرامة الإنسانية، وهنا بين للجميع أن الخيار السهل هو الحرب وأن السلام الذي اختاره الأردن هو الطريق الوعر والاصعب ويحتاج الى الشجاعة 'لقد سلكنا طريق السلام من قبل، ويمكننا أن نسلكه مجددًا إذا تحلّينا بالشجاعة". لقد كان حديث جلالة الملك عبدالله الثاني أكبر من خطاب فقد ارتقى ليكون مرافعة تاريخية شملت كل قضايا المرحلة وشخصت الحالة بدقة وقدمت دعوة صريحة لكل الأطراف لتضطلع بدورها الحقيقي والتحرك الجاد نحو إيقاف الفوضى قبل أن تبتلع الجميع.


جفرا نيوز
منذ ساعة واحدة
- جفرا نيوز
الملك في ستراسبورغ
جفرا نيوز - فيصل الشبول لم تشهد قارة في العالم قتلاً ودماراً شاملاً مثلما شهدته أوروبا في القرن الماضي. على مدى نحو ثلاثين عاماً، وعبر حربين عالميتين، ومزيدٍ من مشاعر الحقد والكراهية والاستخدام الكارثي للقوة، قُتل الملايين، ودُمّرت المدن، وتوقفت عجلة الاقتصاد، وانتشرت المجاعات والأمراض. أمام أحفاد المتحاربين، الذين صفقوا وقوفاً وطويلاً احتراماً لضيفهم الكبير، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمس مخاطباً برلمانيي أوروبا في ستراسبورغ، ليُذكّرهم بالإنجاز الحضاري الأوروبي الكبير، عندما استبدل آباؤهم الحرب بالسلام، والحقد بالتسامح، فنهضت أوروبا الحضارية وأشعلت النور بعد ليلها الطويل، الذي امتد حتى منتصف القرن الماضي تقريباً. الخليفة الراشدي العادل عمر بن الخطاب كان هناك أيضاً. جلالة الملك ذكّر الأوروبيين بالعهدة العمرية لمسيحيي القدس، ووصاياه لجنده بألا يقتلوا كاهناً، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا شيخاً. هي العهدة التي ورثها الهاشميون في رعايتهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. هي المثال على العيش المشترك على مدى 14 قرناً في مهد السيد المسيح. صوت جلالة الملك مسموع في العالم، لأنه يمثل صوت الحكمة والحق والاعتدال. أوروبا تستمع لجلالته جيداً، وتحترم مواقفه المستندة إلى شرعية العدالة والحقوق المشروعة والمبادئ الإنسانية والأخلاقية. صوت قائدٍ عربيٍّ مسلمٍ إنسانيٍّ موثوقٍ عالمياً. القوة لا تُنشئ حقاً، ولا سلاماً لأحد، بدليل ما شهدته أوروبا في القرن الماضي، وبدليل ما تشهده منطقتنا اليوم. أما المبادئ الأخلاقية والإنسانية، فقد أصبحت على المحك اليوم، بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، فاستهدفت المنشآت الصحية في غزة 700 مرة، وأصبح قتل الفلسطينيين وتجويعهم أمراً اعتيادياً أمام المجتمع الدولي: أيُّ مجتمعٍ عالميٍّ لا يتحرك ضميره أمام كل هذه الجرائم الوحشية؟ القيم الإنسانية المشتركة على المحك حين ينظر العالم إلى الجرائم الإسرائيلية من دون أيّ حراكٍ مؤثرٍ في مسار الأحداث، وحين تنكر إسرائيل حقوق الفلسطيني، بدءاً من حقهم في الحياة، وانتهاءً بحقهم في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وعاصمتها القدس الشريف. يراهن جلالته على الدور الأوروبي، رغم تراجع هذا الدور مؤخراً، في العودة إلى تبنّي القيم الأخلاقية والقيم المشتركة للإنسانية. أوروبا هي الجار الأقرب للشرق الأوسط، والأعرف بشؤونه، رغم الانحياز الغربي، وبشكل عام، لإسرائيل. دقّ جلالته ناقوس الخطر في ستراسبورغ أمس، وكعادته في الاستشراف، فقد حذّر من تجاوز الانفلات حدود العالم كله انطلاقاً من منطقتنا... عندما يفقد العالم قيمه، فإنه يفقد التمييز بين الحق والباطل. بعد الحرب العالمية الثانية، والدمار الشامل الذي انتهت إليه باستخدام السلاح النووي، أنشأ المجتمع الدولي هيئة الأمم المتحدة لتكون مظلة للسلام والعدل الدوليين. في ستراسبورغ، طرح جلالة الملك السؤال بوضوح عمّا تبقى من العدل والسلام وحقوق الإنسان في عالمٍ يسوده منطق القوة فحسب.


عمون
منذ ساعة واحدة
- عمون
الصدى الدبلوماسي العالمي لخطاب الملك امام البرلمان الاروبي
كان خطاب الملك عبد الله الثاني خطابًا شاملاً استهلّه بالتعريف بأزمة فقدان القيم، ثم نبه إلى خطورة تمدد الصراع إلى إيران، ومضى ليؤكد على شرعية الشعب الفلسطيني ودور الأردن التاريخي، جاءت الخطوة محسوبة بدبلوماسية راقية، موسومة بالواقعية والقيم، وكانت بمثابة إنذار لبروكسل كي تلعب دورًا أكثر فاعلية، التأثير ظهر فورًا، دوليًا وإقليميًا: تحذير للمتشددين، وتحفيز لأوروبا على اللعب برؤية سياسية لا أمنية فقط، ومن ابرز ماجاء بالخطابات التاريخية مايلي : فقدان البوصلة الأخلاقية العالمية وصف جلالة الملك العالم بأنه «ضائع بلا جاذبية أخلاقية»، مستشهداً بتسلسل الأزمات المستعصية، بدءًا من الحرب على غزة، وتعاظم التدخلات بين إسرائيل وإيران، إلى انتشار المعلومات المضللة وهذه دعوة صريحة لأوروبا لاعتماد نهج يرتكز على القيم الدولية العليا وليس على المصالح المؤقتة. التحذير من التوسع في الحرب لفت جلالة الملك إلى تصاعد العمليات الإسرائيلية إلى إيران، مشيرا إلى أنه لا يمكن تحديد نطاق هذه المواجهة «الآن ذلك ، سينال من الجميع»، مما يزيد خطر التصعيد الإقليمي وهذا بمثابة إنذار لمستقبل مجهول ما لم تُعالج الأزمة بنظرة ضابطة ومسؤولة. التأكيد على الدولة الفلسطينية المستقلة كما شدّد جلالة الملك على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة وإقامة دولة مستقلة ، مشيراً إلى أن ما يجري «ينافي القانون الدولي» . و هذه رسائل واضحة بأن الشرعية الدولية هي الأساس لأي حل دائم. النهج القيمي كحل دائم شدّد جلالة على أن «الأمن لا يَكمن في القوة العسكرية ، بل في القيم المشتركة»، وبيّن أن أوروبا بعد الحرب العالمية أعادت البناء على قيم من اهمها: كرامة الإنسان، القانون، والتعاون ، ودعوة لاستلهام تجربة الاتحاد الأوروبي في بناء سلام مستدام. الدور التاريخي للأردن كما سلّط الضوء على دور الأردن كحافظ لتنوّع الديني في القدس الشريف ومكانتها، بوصفه حارسًا للمقدسات المسيحية والإسلامية ، وترسيخ موقع الأردن كطرف معتدل وموثوق في المنطقة. ما الصدى الدبلوماسي العالمي لخطاب جلالة : ففي أوروبا: ردود فعل دبلوماسية لافتة، إذ وصفت صحف ومحللون الخطاب بالواقعي والصريح، مطالبين باتخاذ موقف أوروبي أقوى تجاه الأزمات. •اماعربيا: أعيد تسليط الضوء على الأردن كفاعل محوري بين الغرب والعرب، مساندة للقانون الدولي والناطق باسم القضية الفلسطينية. •ودوليا: بدا الخطاب وكأنه محاولة لتغليب العقل على العنف في ظل مخاوف من اتساع رقعة الحرب لتشمل إيران ودول أخرى. اما أثر خطاب جلالة الملك على الصراع الإسرائيلي– الإيراني بلورة هشّة للتحذير الدولي: التوسع قد يبدأ بإسرائيل وإيران لكنه «سيطال الجميع»، يعيد الملك جرس الإنذار إلى الساحة الدولية ومسؤولي رعاية الاستقرار، دعوة اقتصادية وسياسية لأوروبا : وهذه رسائل مؤثرة للتعجيل بالتدخل السياسي مقابل النموذج الأوروبي، خصوصًا في ظل احتمالات ضخّ السلاح أو الدعم ليس فقط دبلوماسيا بل أيضاً عسكريا ، تعزيز مكانة الاردن كوسيط :تعزز الأردن بموقعه المتوازن كمنصة لحوار لا عسكري، يمكن أن يكون له دور فعّال في كبح التصعيد، وبخاصة قبل أي ضربة محتملة لإيران مثل منشآت فردو. وهكذا يعيد الاردن بقيادة جلالة الملك دوره كلاعب مهم في المنطقة بخطوات محسوبة بدبلوماسية راقية، موسومة بالواقعية والقيم، وكانت بمثابة إنذار لبروكسل كي تلعب دورًا أكثر فاعلية و التأثير ظهر فورًا، دوليًا وإقليميًا: تحذير للمتشددين، وتحفيز لأوروبا على اللعب برؤية سياسية لا أمنية فقط .