logo
"إسرائيل" الكبرى.. بين الحقيقة والوهم!

"إسرائيل" الكبرى.. بين الحقيقة والوهم!

الميادينمنذ 20 ساعات
منذ تأسيس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وعلى امتداد تاريخ هذه الحركة القديم والحديث، لم يسبق أن مرّ عليها قائد أو زعيم حالم ومُشتبه كما هي حال رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي يُفاخر بكسر الرقم القياسي كأطول رئيس حكومة بقاء على سدّة الحكم في "الدولة" العبرية.
وعلى الرغم من أن مؤسسي هذه الحركة وقياداتها التاريخيين من أمثال جابوتنسكي وهرتزل وبن غوريون وغولدا مائير ورابين وبيرس وغيرهم قد حملوا أفكاراً متشدّدة ومتطرّفة تجاه كل سكّان المنطقة وحكوماتها، ورفعوا شعارات أقل ما يمكن أن يُقال عنها إنها شاذّة وغير واقعية، وتفتقر إلى كل مبادئ احترام حقوق الإنسان وحسن الجوار، فإنهم لم يبلغوا ما بلغه مجرم الحرب "بنيامين نتنياهو"، الذي على الرغم من كونه زعيماً براغماتياً من الدرجة الأولى، يبحث في المقام الأول عن مصالحه بشتّى الطرق والوسائل، التي في معظمها غير مشروعة ومخالفة للقانون، وهو الأمر الذي جعله مُطارداً من القضاء الإسرائيلي بتهم فساد متعدّدة.
نتنياهو على مستوى الطموح الإقليمي تجاوز أسلافه بمراحل، وبات يعتقد كما تشير تصريحاته وأفعاله بإمكانية تحقيق ما عجز عنه كل قادة الكيان السابقين، والذين وإن حاول بعضهم تحويل شعار من النيل إلى الفرات من صورة مرفوعة على مدخل البرلمان الصهيوني إلى أمرٍ واقع، وشنّوا العديد من الحروب على بعض الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، فإنهم كانوا يفعلون ذلك في إطار خطة الدفاع عن "دولتهم " الوليدة، والتي كانت تشعر بخطر وجودي كما سمّاه " ديفيد بن غوريون" أول رئيس حكومة في الكيان الصهيوني، غير أن ما يقوم به "نتنياهو"، مدعوماً من ائتلاف يميني متطرّف هو محاولة للتوسّع الطولي والعرضي في اتجاه جغرافي أوسع بكثير من محيطه القريب، محاولاً بسط هيمنة "دولته" المارقة على عموم المنطقة، حتى على بعض الدول التي كان مجرد الوصول إلى حدودها يُعدّ حلماً بعيد المنال.
من وجهة نظر قوى اليمين المتطرّف في "إسرائيل"، فقد باتت أحلام السنين الماضية مُتاحة، وأوهام الزمن الغابر مشروعة، كيف لا وهم يعيشون في عهد "الساحر" نتنياهو، الذي يملك دون سواه العصا السحرية التي بإمكانها ان تُحيل الأوهام إلى حقائق، والأحلام إلى وقائع، بل وتجعل من المعجزات التي كانت مستحيلة في يوم من الأيام أمراً قابلاً للحدوث، حتى وإن اعترضت طريقها عوائق شتى، وصعوبات جمّة.
في حقيقة الأمر، يمكن لنا أن نُقرّ ونعترف بأن "إسرائيل" في زمن "نتنياهو" تحديداً قد بلغت ما لم تبلغه في أيٍّ من عصورها حتى "الذهبية منها، وذهبت بعيداً في سعيها لـ "تأديب" كل أعدائها القريبين والبعيدين كما يقول وزير حربها الحالي "يسرائيل كاتس "، بل وتعلن من دون خوف أو وجل أنها ماضية في تغيير وجه المنطقة حسب ما تقتضيه مصلحتها، وبطبيعة الحال مصلحة كل محور الشر في العالم، والذي يقف إلى جوارها بكل ما أوتيَ من قوة وبأس، ضارباً بعرض الحائط كل شعاراته الكاذبة التي يتحدث فيها عن سيادة الدول، وحق الشعوب في الحياة الحرة والكريمة.
من أجل الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي طويل المدى، والذي يحمل بين جنباته مروحة واسعة من الأهداف الثانوية والتكتيكية، قام الكيان الصهيوني بحملات عدوانية على العديد من الساحات، ونفّذ بدعم وحماية من محور الشر الأميركي حملات عسكرية واسعة ضد العديد من الساحات، بدءاً من قطاع غزة الفقير والمحاصر، والضفة الغربية المحتلة والمستباحة، مروراً بالعدوان على لبنان واليمن والعراق، وصولاً إلى حرب الاثني عشر يوماً على الجمهورية الإسلامية في إيران.
في كل هذه الهجمات التي تميّزت بشراستها وعدوانيّتها غير المسبوقتين، بذلت "إسرائيل" كل ما في استطاعتها لتغيير العديد من الوقائع، ولإسقاط كثير من الخطوط الحمر، مستخدمة مروحة واسعة من أدوات القتل والإجرام، ومتسبّبة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية حسب تصنيف المحاكم الدولية المختصة، غير عابئة بسيل الانتقادات التي وُجّهت إليها من معظم دول العالم، وضاربة عرض الحائط بكل القوانين الأممية التي تُعنى بحماية المدنيين في أوقات الحرب.
في خضم هذه الأحداث التي فاجأت كثيرين في المنطقة وحول العالم، لا سيّما أولئك الذين كانوا يُبشّرون بإمكانية تحقيق "السلام" مع هذه "الدولة" اللقيطة، اعتقد قادة الكيان الصهيوني أن مساعيهم قد نجحت، وأن جهودهم التي تم التخطيط لها منذ زمن بعيد قد وصلت إلى خواتيمها السعيدة، بل إن ما حقّقوه من "إنجازات" قد تجاوز بمراحل ما كان يدور في خلدهم، وهذا ما عبّرت عنه كثير من التصريحات التي صدرت عن نتنياهو وكاتس وبن غفير وغيرهم، إذ تباهوا في عديد المرات بأنهم نجحوا في تغيير وجه الشرق الأوسط، وأن قتالهم على الجبهات السبع قد آتى أُكله، وأن أعداءهم قد تلقوا هزيمة مُنكرة لم يسبق لها مثيل.
على أرض الواقع، تبدو كل هذه التصريحات مجرّد بروباغندا سوداء لا تمت للحقيقة بصلة، فهي وعلى الرغم من تحقيق بعض الإنجازات التكتيكية في بعض الساحات، فإنها كشفت عن عيوب وثقوب هائلة في جسد هذه "الدولة" المُصطنعة، وعن إخفاقات غير مُتوقعة دفعتها إلى الاستنجاد بكل قوى الشر في العالم، والتي سارعت في عديد المناسبات إلى استنفار كل قدراتها العسكرية لإنقاذ الكيان من ضربات قوى المقاومة، لا سيّما أثناء المواجهة الأخيرة مع إيران، والتي ظهرت فيها "إسرائيل" في أضعف حالاتها، وتعرّضت لخسائر جسيمة ما زال الجزء الأكبر منها محجوباً بقرار من الرقابة العسكرية الإسرائيلية. اليوم 09:34
12 تموز 11:31
في المواجهة مع إيران، بدت "إسرائيل" كمن هاجم الدب في عرينه، إذ اكتشفت، ولكن بعد فوات الأوان، أن كل قدراتها الدفاعية التي كانت تتباهى بها منذ عقود لم تعد قادرة على التصدّي للغضب الإيراني، والذي انهال على قواعدها العسكرية ومؤسساتها البحثية، ومراكزها المالية كالإعصار الكاسح، موقعاً خسائر بشرية ومادية فادحة، لم يسبق أن دفعها الكيان في أي استحقاق سابق.
في هذه المواجهة، طلبت "إسرائيل" الحماية والدعم المباشر من حليفتها الأكبر أميركا، ومن كل محور الشر في المنطقة والعالم، وهو ما كشف زيف ادّعاءاتها بأنها "دولة" قوية ومُقتدرة، وأن بمقدورها أن تهاجم متى تشاء، وتضرب من تشاء.
في اليمن، تُثبت الوقائع كل يوم أن الحلول التي حاولت "الدولة" العبرية اجتراحها من أجل ثني الأحرار في اليمن عن مساندة غزة قد فشلت، وأن ما تم شنّه من غارات عدوانية على الأعيان المدنية اليمنية مثل الموانئ وشركات الكهرباء والمطارات لم تنجح في تحقيق الهدف منها، وهو الأمر الذي لا مجال لنكرانه أو نفيه، إذ إن استمرار القصف اليمني للمواقع الاستراتيجية في الكيان الصهيوني، والذي يتكرر كل عدّة أيام يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن كل الجهود الإسرائيلية، وما سبقها من جهود أميركية وبريطانية قد ذهبت أدراج الرياح، وأنها لم تحقّق الهدف المنشود من ورائها حتى لو بشكل جزئي.
على الساحة اللبنانية التي تشهد تعافياً واضحاً لأهم قوة غير نظامية في المنطقة، والذي بداً واضحاً في نتائج الانتخابات البلدية قبل أسابيع، تبدو كل المحاولات الإسرائيلية للضغط على حزب الله سواء من خلال بعض الأحزاب اللبنانية المنصاعة لأوامر بعض السفارات الغربية والعربية، أو من خلال التهديد بتجدّد الحرب مرة أخرى، كأنها عاصفة من غبار سرعان ما تتلاشى في الهواء، وهي وعلى الرغم من تكرار عملياتها العدوانية منذ التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، والتي تقوم من خلالها بعمليات اغتيال من الجو ضد كوادر المقاومة اللبنانية، وبعض التوغلات في أطراف القرى الجنوبية، فإنها فشلت حتى الآن في إقناع معظم سكّان المستوطنات الشمالية في العودة إلى مستعمراتهم المهجورة، والتي تحوّلت إلى خرائب ينعق فوق أنقاضها البوم والغربان.
في غزة والضفة، اللّتين تعرضتا لحرب شعواء لم يسبق لها مثيل، أدّت إلى خسائر مادية وبشرية هائلة، تجاوزت كما يشير كثير من الإحصائيات حاجز الستين ألف شهيد، إلى جانب أكثر من مئة وعشرين ألفاً من المصابين والجرحى، ودمار وخراب فاقا كل التوقّعات، غير أن كل الأهداف التي رُفعت من المستويين السياسي والعسكري في "الدولة" العبرية قد سقطت، ولم يتحقّق منها إلا النُّذر اليسير، بل وعلى الرغم من استخدام "جيش" الاحتلال كل ما في جعبته من إمكانيات عسكرية حديثة، فإنه ما زال حتى اليوم عاجزاً عن فرض أي سيطرة حقيقية على الأرض، باستثناء تلك التي حوّلتها آلته العسكرية إلى أرض محروقة كما حدث في رفح وشرق خان يونس وشرق غزة وبيت حانون وجباليا.
في غزة، ما زالت المقاومة الفلسطينية تسجّل إنجازات لافتة وهامة، وهي وعلى الرغم مما تعرّضت له من ضربات قاسية، وخسائر لا مجال لإنكارها أو التقليل من شأنها، فإنها تستمر في تحقيق نجاحات كان البعض يعتقد باستحالة حدوثها، لا سيّما بعد هذا الوقت الطويل من العدوان والحصار.
حتى في تلك المناطق التي عدّها الاحتلال مناطق سيطرة عملياتية لقواته، وأعلن مراراً وتكراراً أنها باتت مناطق آمنة، فوجئ أكثر من مرة كما حدث في بيت حانون وخان يونس والشجاعية أن المقاومة ما زالت قادرة على القتال فيها، بل وتكبيد قواته خسائر فادحة في كمائن نوعية لم يكن أمام جنوده فيها سوى الصراخ والعويل.
في الضفة أيضاً ما زالت المقاومة تضرب في أوقات وأماكن غير مُتوقّعة، وهي على الرغم مما تعرّضت له من عدوان واسع خصوصاً في مخيماتها الشمالية مثل جنين وطولكرم ونابلس، فإنها تنجح بين الفينة والأخرى في توجيه صفعات قاسية لقوات الاحتلال ومستوطنيه كما حدث قبل يومين قرب الخليل، وهذه العمليات رغم ندرتها مؤخراً فإنها تُعطي مؤشراً مهماً على استمرار جذوة المقاومة مشتعلة في مدن الضفة المحتلة، رغم الإطباق الأمني والعسكري لقوات الاحتلال.
كل ما سبق وغيره كثير مما لا يتّسع المجال لذكره، يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن الادعاءات الإسرائيلية حول النجاح في تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية في المنطقة هو مجرد هراء، الهدف منه كما يقول الكثير من الخبراء والمحللين الصهاينة هو التغطية على جملة الإخفاقات التي مُنيت بها "الدولة" العبرية خلال الشهور الماضية، والتي كشفت أن هذه "المستوطنة " التي أُنشئت على أنقاض شعب آخر من دون وجه حق قابلة للهزيمة، وأن امتلاكها إمكانيات عسكرية متطوّرة وحديثة، وحصولها على دعم سياسي ومالي وإعلامي من أكبر إمبراطوريات العالم لا يعني أنها قادرة على حسم المعركة مع أصحاب الأرض في فلسطين والمنطقة.
لقد كشفت الأشهر الواحد والعشرون الأخيرة، أن بمقدور القوى الحيّة في الأمة تحقيق ما عجزت عنه كل الأنظمة الرجعية في العالمين العربي والإسلامي طوال ستة وسبعين عاماً خلت، وأن ضعف الإمكانيات المادية والعسكرية لن يحول دون تحقيق الانتصار على قوى الشر والعدوان، المهم أن يملك أبناء هذه الأمة الإرادة والتصميم، والإيمان بعدالة قضيتهم، وأن ينفضوا عن كاهلهم كل مشاعر الدونية والضعف والهوان التي كبّلت سواعدهم الفتيّة خلال السنين الماضية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يعرب عن أمله في التوصل إلى "تسوية" بشأن غزة خلال الأسبوع المقبل
ترامب يعرب عن أمله في التوصل إلى "تسوية" بشأن غزة خلال الأسبوع المقبل

LBCI

timeمنذ ساعة واحدة

  • LBCI

ترامب يعرب عن أمله في التوصل إلى "تسوية" بشأن غزة خلال الأسبوع المقبل

أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحد، عن أمله في التوصل إلى "تسوية" الاسبوع المقبل بشأن النزاع في غزة، رغم تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس المنعقدة في الدوحة. وقال ترامب مكررا تصريحات متفائلة بشأن غزة أدلى بها في 4 تموز: "نحن نجري محادثات ونأمل أن نصل إلى تسوية خلال الأسبوع المقبل".

اتفاقيات أبراهام لماذا لم تصل إلى السلام؟
اتفاقيات أبراهام لماذا لم تصل إلى السلام؟

الجمهورية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجمهورية

اتفاقيات أبراهام لماذا لم تصل إلى السلام؟

في رسالته إلى لجنة نوبل النرويجية، وصف نتنياهو اتفاقيات عام 2020، التي توسّط فيها ترامب، بأنّها «اختراقات» أدّت إلى «إعادة تشكيل الشرق الأوسط»، محقّقةً «تقدّماً تاريخياً نحو السلام والأمن والاستقرار الإقليمي». لكنّ الشرق الأوسط لم يظهر أنّه مدرك لأي من هذا التقدّم. فحتى في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يلتقي في واشنطن الأسبوع الماضي بترامب ومسؤولين أميركيِّين آخرين، كانت القوات الإسرائيلية تواصل قصفها المدمِّر لقطاع غزة، وهاجم الحوثيّون في اليمن سفينتَين تجاريّتَين في البحر الأحمر، فيما استمرّت حرب أهلية وحشية في السودان. وقبل أسابيع فقط، كانت إسرائيل والولايات المتحدة تقصفان إيران، التي كانت تردّ بإطلاق الصواريخ. ولا تزال القوات الإسرائيلية على الأرض في كل من لبنان وسوريا، في أعقاب حروب انتهت قبل أشهر فقط. خلال السنوات الـ5 تقريباً التي انقضت منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، ما انفكّ ترامب ونتنياهو ومسؤولون أميركيّون وإسرائيليّون آخرون يصفون الاتفاقات المبرمة مع الإمارات والمغرب والبحرين بأنّها «اتفاقات سلام». لكنّ الباحثين المتخصِّصين في المنطقة يرَون أنّها مجرّد صيغة بلاغية، تتجاهل حقيقة أنّ إسرائيل لم تكن في حالة حرب، أو أي نوع من العنف، مع الإمارات أو البحرين على الإطلاق. كما أنّ المغرب بقيَ بمعزل عن الصراع العربي-الإسرائيلي، باستثناء إرساله قوة رمزية إلى حرب عام 1973، أي قبل أكثر من 50 عاماً. أكّد حسين إبيش، الباحث البارز المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وهو مركز بحثي، أنّ الاتفاقيات: «ليس لها علاقة بالسلام. السلام كان الطريقة التي جرى تسويقها بها. لكن هذا لا يعني أنّ لذلك أي معنى. لم تكن هذه اتفاقية تنهي حرباً». في جوهرها، تجاوزت الاتفاقيات الصراع المركزي، وهو الصراع بين إسرائيل والفلسطينيِّين، وأعلنت التوافق بين أطراف لم تكن تتقاتل أصلاً. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عبارة «السلام الإقليمي» غامضة ومحل جدل في الشرق الأوسط، بحسب عبد العزيز الغشيان، الباحث السعودي والزميل غير المقيم البارز في منتدى الخليج الدولي. وأضاف الغشيان، أنّه وجد نفسه يسأل مؤيّدي اتفاقيات أبراهام: «مَن هي الأطراف المعنية في هذا السلام الإقليمي؟». وتبيّن له أنّ البعض يعتبر هذا المفهوم قائماً على «تجاهل تام للقضية الفلسطينية». في بيان لـ»نيويورك تايمز»، دافع البيت الأبيض عن إرث الاتفاقيات، معتبراً أنّ الحروب في المنطقة لا علاقة لها بفعاليّتها «ولا يمكن لأي قدر من التلاعب بالتاريخ أو التضليل من النشطاء الليبراليِّين ومموّلي الحزب الديمقراطي أن يمحو اتفاقيات أبراهام التاريخية والتحويلية التي أبرمها الرئيس ترامب وجلبت السلام إلى الشرق الأوسط. فقط الرئيس ترامب كان قادراً على تأمين هذه الاتفاقيات، ويستحق جائزة نوبل للسلام على كل ما قام به لإنهاء الحروب والنزاعات التي لم يتمكن أي زعيم عالمي آخر من إنهائها». قدّم المسؤولون والمشرّعون الأميركيّون من كلا الحزبَين اتفاقيات أبراهام على أنّها نقطة تحوّل قادرة على تغيير الشرق الأوسط، لأنّها سمحت للسيّاح والمستثمرين الإسرائيليِّين بالتوافد على دبي، أكبر مدن الإمارات، وأُبرمت اتفاقيات جديدة في مجالَي التكنولوجيا والطاقة. كانت إسرائيل وبعض دول الخليج قد بدأوا بالفعل تعاوناً تجارياً وأمنياً سرّياً من تحت الطاولة. فنقلت الاتفاقيات التعاون إلى العلن وسمحت له بالتوسّع. لكن هذا لم يكن الشكل الذي قدّم به الموقّعون على الاتفاقيات تلك. عند الإعلان عن الاتفاقيات، أكّد نتنياهو من شرفة البيت الأبيض: «إنّ بركات السلام الذي نصنعه اليوم ستكون هائلة. وفي النهاية، يمكن أن ينهي الصراع العربي-الإسرائيلي مرّة واحدة وإلى الأبد». وأضاف ترامب في الحفل، أنّ الاتفاقيات تُشكّل «فجر شرق أوسط جديد»، وتحدّث عن مستقبل يعيش فيه «الناس من جميع الأديان والخلفيات معاً في سلام وازدهار». لكن بعدما أُطفئت كاميرات الأخبار، لم يعمّ السلام والازدهار أرجاء الشرق الأوسط بطبيعة الحال. تعمّقت السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بدلاً من أن تخفّ، كما كان المسؤولون الإماراتيّون يأملون عند توقيعهم للاتفاق. وأعضاء من حكومة نتنياهو يدعون الآن إلى احتلال طويل الأمد لقطاع غزة. وآفاق قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، تكون القدس عاصمتها، وهو هدف طالما نادت به الدول العربية، تبدو الآن أبعد من أي وقت مضى. قامت اتفاقيات أبراهام على فكرة التعاون العربي-الإسرائيلي مع تجاوز القضية الفلسطينية، لكنّ «ذلك كان خطأً منذ البداية، ولم يكن مفاجئاً أن تُظهر غزة أنّه كان خطأ»، برأي مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، مضيفاً: «ربما صُدم البعض، لكن ما كان ينبغي أن يصدمهم». ويوضّح الغشيان، أنّ المسؤولين السعوديِّين والعرب لطالما أكّدوا أنّ القضية الفلسطينية «متفجّرة، ولا يمكن للمنطقة أن تمضي قُدماً من دون حلّها. قبل 7 أكتوبر، كانت مصدر قلق نظري. الآن، بات ملموساً». أمّا الخبر الوحيد المحتمل أن يكون إيجابياً في ما يخصّ النزاعات في الشرق الأوسط أخّيراً، فهو من سوريا، حيث انتهت الحرب الأهلية أخيراً بإطاحة المتمرّدين بالديكتاتور السوري بشار الأسد. لكنّ النصر لا علاقة له باتفاقيات أبراهام، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيؤدّي إلى سلام واستقرار دائمَين داخل سوريا، أو إلى سلام مع إسرائيل. كثيراً ما عبّر المسؤولون الأميركيّون والإسرائيليّون عن رغبتهم وتوقّعاتهم بانضمام دول أخرى، وفي مقدمتها السعودية، إلى الاتفاقيات. لكنّ ذلك لم يتحقق. سنوات من المحاولات لإقناع السعودية بالانضمام إلى الاتفاقيات باءت بالفشل. وتبنّت إدارة بايدن هذا المسعى بحماس، وسعت إلى صفقة تقوم على منح الولايات المتحدة مزايا كبرى للمملكة. لكنّها لم تُثمر، إذ يعتقد محلّلون أنّ الحرب في غزة جعلت هذا الاحتمال أقل ترجيحاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store