
غزة.. والعباءة الاستعمارية
علينا أن نتذكر أن نتنياهو في الأسابيع والأشهر الأولى من حربه على أهل غزة وما على أرضها من حجر وبيوت ومرافق ونبات كان يردد عبارة مفتاحية مهمة في خطاباته وهي أن طبيعة الحرب الوحشية المتجاوزة لما وراء كل حدود للتوقع إنما هي «دفاع عن الحضارة الغربية». الحضارة الغربية؟ ما هي علاقتها بتدمير غزة كمكان يعيش عليه مجتمع وما هي العلاقة مع إبادة أهلها؟
من المؤكد أن مفهوم نتنيناهو للحضارة الغربية إنما هو التراث والثقافة والعقلية الاستعمارية. تلك العقلية التي تعتقد بالتفوق العنصري والتي تنظر عامة إلى الأراضي التي تهمها وترغب فيها على أنها بلا شعوب حتى ولو كانت مكتظة بالناس مثل غزة.
الأرض والاستيلاء عليها كانت السر كله في قضية فلسطين. واليوم يقود نتنياهو أو يعّبر في الحقيقة بطريقته عن موجة جديدة من النهم الاستعماري على مستوى العالم أكثر شراسة في طلبه للأراضي التي أصبحت هي اللازمة الأهم فيما يأخذ صفة الاستعمار الاقتصادي. غادر الاستعمار القديم من باب ليعود في القرن الواحد والعشرين من باب الاستيلاء الشرس والواسع النطاق التي تقوم فيه الشركات الغربية الكبرى بابتلاع أجود الأراضي في القارة السمراء وفي آسيا وأمريكا اللاتينية ودفع ثمن بخس للغاية لذلك.
غزة هي الموقع على الخارطة الأرضية، حيث تسنّ سكين الاستعمار القديم والجديد وتغرس في اللحم الغزي، وحيث تدور رحى حرب التكنولوجيا الوحشية بمنهجية واضحة على جبهتين: الإبادة البشرية، والوصول إلى سرقة الأرض كاملة عبر التدمير الممنهج للبيئة المبنية.. الإبادة والتدمير كليهما يخدمان الهدف الاستعماري الأهم وهو سرقة الأرض.
لم ير البعض في أرض غزة الجريحة إلا خطوط انحناءات شواطئها، فهي هكذا صالحة لاستثمار اقتصادي تجاري جيد، حيث بنك فوق ركام بيوتها نشر رسوماً لأبراج اسطوانية تحمل عناوين الاستثمار العقاري. وما بين تهيئة البيئة المكانية من خلال تدميرها، وبين انتظار الفتح العقاري الاستثماري الذي بظنهم لن يترك شيئاً من تاريخ غزة، لا القديم فحسب، بل المعاصر، ثمة شيئ مهم. هذا الشيء هو الرعب من أن يقف الغزيون ويرفعوا شارات النصر عند أقرب هدنة. وهو فعلاً كان سيعتبر انتصاراً بكل المقاييس العسكرية والتاريخية، كما سيبدو إعلامياً حقيقة كانتصار. وبطبيعة الحال، فإن هذا الرعب مشترك مع دائرة الغربيين الذين لم يتوقفوا أبداً عن تموين المجازر بالسلاح ولا عن التواطؤ بالسكوت.
لأن غزة ما زالت تمتلك خزيناً ربانياً من الصبر والصمود كان ذلك الاتفاق الضمني على ألاّ يسمح لها أن تخرج منتصرة من خلال صمودها. وفي المرحلة الأخيرة من الحملة على غزة يفعل نتنياهو ما يفعله في القطاع ضمن أريحية الغطاء الواسع للإرث الاستعماري الغربي.
وهو يقدم طابعاً دموياً مقيتاً خاصاً به ودفعة لا سابق في الاختراق والإيغال في الوحشية وذلك باستخدام كامل القوة والسلاح التكنولوجي الذي لا يبارى لكي يشعر الغزيون بأنهم في الرمق الأخير بقتلهم وهم جوعى وبالقضاء على أطفالهم بشكل ممنهج، بحيث يقتل منهم كل يوم ما يعادل عدد طلاب فصل دراسي، هذا إلى رؤيتهم لأرضهم وهي تفقد كل ملامحها بالتدمير.. لا يراد لأهل غزة رفع شارة النصر وإنما بالتأكيد القبض على أوعية طعام الذل الشحيح. وحتى بعد هذا لا يقول الإعلام الغربي شيئاً إلا فيما ندر.
يكتب أحد رؤوس الاستخبارات الإسرائيلية السابقين في مقال له بصحيفة «نيويورك تابمز» بأن استخدام هذا الكم الهائل من القوة العسكرية من إسرائيل ضد أعدائها شيء نادر في التاريخ وقلما حدث. وقال إن هذه القوة قد أثبتت في النهاية أنها ليست لصالح مستقبل الدولة الصهيونية، وأن لها آثاراً كارثية على الرأي العام العالمي الذي لا يقف ضد إسرائيل فحسب، بل كل ما هو إمبريالية وحكومات غربية.
الذين صمدوا في غزة تحت وطأة هذا الثقل العسكري لم يكن صمودهم سدى بالتأكيد، وهذا ما يؤكده صداه عالمياً، حيث ترسم خطوط مستقبل مختلف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 24 دقائق
- البيان
نحو مدرسة فلسطينية للاعنف
اليوم توارت حمائم هذا المعسكر، وخلت الساحة الإسرائيلية بشكل بارز للصقور اليمينيين المتعطشين، بقيادة نتنياهو، لفرض رؤيتهم لتسوية لا مكان فيها للاعتراف بالحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين.. وذلك باستخدام كل الوسائل غير المشروعة، دون استثناء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وربما يسجل باسمه أيضاً النجاح في ترسيخ مبادئه والترويج لها، حتى ليمكن اعتباره صاحب مدرسة ومنهجية فلسطينية بهذا الخصوص.. هي المهيمنة راهناً على مؤسسات صناعة القرار، والعقل السياسي الفلسطيني المتنفذ. بريادة أبو مازن، ومباركة الزعيم الراحل ياسر عرفات، انتقلت هذه المؤسسات من منهجية الكفاح المسلح إلى المقاومة المدنية.. ومع ذلك، ليس ثمة ما يؤكد أن أنصار هذه النقلة النوعية يستحوذون علي إطار نظري ودليل عملي لدفوعهم ومحاجاتهم. لا يوجد حتى الآن بناء فكري مشفوع بالتفصيلات، يعرض لكيفية اجتراح المقاومة المدنية الفلسطينية يأخذ بعين الاعتبار محدداتها وبيئتها وطبيعة الصراع! لكن ظاهر الحال وباطنه، لا يوحي بذلك، فاللاعنفيون ما زالوا يلوكون أحاديثهم، مستلهمين نماذج الآخرين بلا تدبر في الفروق. وأهم من هذه النقيصة، إغفالهم للسياق الموضوعي المحيط بتجربتهم بين مرحلة وأخرى من مراحلها وأطوارها. النظرية تشير إلى مدى وفرة المؤسسات التي تتركز فيها مواضع القوة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ومستوى صلابتها ووحدتها، وتدفق الاتصال داخل كل مؤسسة منها، وفي ما بينها جميعاً.. كما أن وحدة القيادة، على مستوى صناعة القرار وطرح المطالب وتوزيع المهام والأعباء الميدانية، شروط لا غنى عنها، لمجتمع يتطلع إلى مقاومة مدنية واعدة.


سكاي نيوز عربية
منذ 24 دقائق
- سكاي نيوز عربية
مظاهرات في تل أبيب بعد فيديو "الرهائن الجوعى"
وأظهرت مقاطع الفيديو التي نشرتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي هذا الأسبوع الرهينتين الإسرائيليين إيفياتار ديفيد و روم براسلافسكي في حالة ضعف واضحة. وتم عرض لقطات ديفيد غير المؤرخة بجانب صور لأطفال فلسطينيين يعانون من الجوع. وهما من بين خمسين رهينة لا يزالون في القطاع، ويُعتقد أن 20 منهم على الأقل على قيد الحياة. أصدرت الفصائل المسلحة مقاطع الفيديو في ظل تعثر محادثات وقف إطلاق النار، وفي وقت يواجه فيه الفلسطينيون أزمة جوع متصاعدة في القطاع. ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، حضر الساحة العامة يوم السبت وسط الاحتجاجات، وذلك بعد يوم من زيارته لموقع مثير للجدل لتوزيع المساعدات في قطاع غزة تدعمه الولايات المتحدة. وقال مصدر حضر الاجتماع لشبكة CNN إن ويتكوف عقد في وقت لاحق "اجتماعًا عاطفيًا للغاية" استمر ما يقرب من ثلاث ساعات مع حوالي 40 ممثلاً عن عائلات الرهائن. خلال الاجتماع، قال ويتكوف إن مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يجب أن تكون "الكل أو لا شيء"، مع إعادة جميع الـ 50 رهينة في غزة إلى إسرائيل دفعة واحدة، وفقًا لما نقله عنه "منتدى عائلات الرهائن والمفقودين". ونُقل عن ويتكوف قوله: "الخطة ليست توسيع الحرب، بل إنهائها. نعتقد أن المفاوضات يجب أن تتغير لتصبح (الكل أو لا شيء). أنهوا الحرب وأعيدوا جميع الـ 50 رهينة إلى الوطن في نفس الوقت - هذه هي الطريقة الوحيدة". ووفقًا للمنتدى، قال ويتكوف إنه "سيتحمل شخص ما المسؤولية" إذا لم يعد الرهائن الأحياء المتبقون إلى إسرائيل وهم لا يزالون على قيد الحياة. ووفقًا للمنتدى، قال ويتكوف إن الولايات المتحدة "ستعيد أطفالكم إلى الوطن وستحاسب حماس على أي أفعال سيئة من جانبها" و "ستفعل ما هو صواب من أجل سكان غزة". وأضاف وفقًا للتقارير: "لدينا خطة لإنهاء الحرب وإعادة الجميع إلى الوطن". دعت عائلات الرهائن - التي قالت مرارًا إن القتال المستمر في غزة يعرض أحباءهم للخطر - يوم السبت إلى إنهاء الحرب في القطاع والتوصل إلى "اتفاق شامل" من شأنه أن يطلق سراح الرهائن المتبقين. وقالت عائلات الرهائن الإسرائيليين في بيان: "على خلفية اللقطات المروعة والتقارير القاسية حول حالة الرهائن، ستصرخ عائلات الرهائن هذا الصباح في قلب تل أبيب". "نناشد الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية - انظروا في أعين أحبائنا - وعيوننا". وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء إيال زامير، يوم الجمعة إن القتال سيستمر "بلا هوادة" في غزة إذا لم يتم التوصل إلى صفقة للرهائن. وأضاف: "أعتقد أننا في الأيام المقبلة سنعرف ما إذا كنا سننجح في التوصل إلى اتفاق جزئي لإطلاق سراح أسرانا. وإذا لم يكن كذلك، فسيستمر القتال بلا هوادة". ويوم الجمعة، نشر الجناح المسلح لحماس مقطع فيديو غير مؤرخ يظهر فيه ديفيد، البالغ من العمر 24 عامًا - الذي تم أسره من مهرجان نوفا الموسيقي في 7 أكتوبر 2023 - وهو محتجز في زنزانة ضيقة. في البداية، حذّر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين من استخدام صور من الفيديو، لكنه قال لاحقًا إن عائلة ديفيد سمحت بنشر صورة ثابتة، بحسب شبكة سي إن إن الأميركية. ويوم السبت، نشرت حماس مقطع فيديو جديدًا يظهر فيه ديفيد، ويبدو أنه نسخة أطول من الفيديو الذي تم نشره يوم الجمعة. وقالت عائلة براسلافسكي في بيان: "الناس يتحدثون كثيرًا عما يحدث في غزة، عن الجوع، وأريد أن أسأل كل من تحدث عن الجوع: هل رأيتم روم ابننا؟ إنه لا يتلقى طعامًا، ولا يتلقى دواءً. لقد نُسي هناك ببساطة". وأضافت العائلة: "نطلب من ويتكوف مشاهدة هذا الفيديو. ونوجه نداءً عاجلاً للرئيس ترامب: أعد ابننا إلى الوطن". في وقت سابق من هذا الأسبوع، حذّرت وكالة تابعة للأمم المتحدة للأمن الغذائي من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة" يتكشف في غزة، وهو أقوى تحذير حتى الآن في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل ضغوطًا دولية متزايدة للسماح بدخول المزيد من الغذاء إلى القطاع. وقالت وزارة الصحة في غزة يوم السبت إن سبعة أشخاص ماتوا بسبب سوء التغذية خلال الـ 24 ساعة الماضية، بينهم طفل واحد، مما يرفع إجمالي عدد الوفيات بسبب الجوع منذ بدء الصراع في عام 2023 إلى 169. بالإضافة إلى ذلك، أضافت الوزارة أن ما لا يقل عن 39 شخصًا قتلوا وأصيب أكثر من 800 في نفس الفترة أثناء انتظار المساعدات في أجزاء مختلفة من القطاع.


صحيفة الخليج
منذ 43 دقائق
- صحيفة الخليج
«في البدء كان الكلمة» في لبنان
ليس أقدم من إشكاليات العلاقات بين السلطات الرسمية والصحافة ووسائل الإعلام بشكل عام وخصوصاً في بلد متحيِّر يبحث عن ملامح مستقبله تحت لحظٍ دقيقٍ للعيون العالمية وخصوصاً العربية والفرنسية والأمريكية، بل قُل بالحبر الواضح للعيون الشقيقة الخليجية. هناك صعوبات هائلة جديدة أو متجددة في بقاء الكلمة في لبناننا «صاحبة الجلالة» الحرّة المحورية الحكيمة والبسيطة الصريحة الباحثة عن المستقبل السليم والمريح والحضاري، بعيداً من كوارث الدماء والقذائف والحروب، لا يمكن أن تتحمَّل الكلمة مسؤولية قصف ظهر البعير كي لا نقول قصف ظهر الوطن وجرّه نحو الحروب الداخلية، للكلمة أن تأخذ طريقها نحو الصورة المشرقة لهذا الوطن الصغير، الذي ذاق ويذوق في تاريخه المُعاصر ما لا تتسع له الكتابات وأذواق الصحافة. لماذا هذه المقدّمة؟ لأنَّ تكرار الصحفي وليد عبّود (وهو بالمناسبة كان من طلاّبي البارزين في كليّة الإعلام والتوثيق) لمقدمة البرنامج الحواري بعنوان: «سجال بين لبنانين» عبر شاشة تلفزيون لبنان الرسمي وفيها استعاد: «حلّوا عنّا أنتم وسلاحكم ومسيراتكم وأبواقكم.. ومحوركم.. نريد أن نعيش..» قالها غسّان تويني يوماً في الأمم المتّحدة: «دعوا شعبي يعشْ» كادت المقدمة لمئة سبب وأسف أن تُشعل النيران في محيط محطة «تلّة الخيّاط» ولبنان لولا نباهة الصديق القانوني الدكتور بول مرقص وزير الإعلام اللبناني وحكمته الذي أمرَّ بوقف البرنامج. سبق أن بثّ عبّود الحلقة عبر برنامجه على شاشة ال«أم تي في» لكنها سرعان ما تحوَّلت عبر التلفزيون الرسمي إلى مادة ملتهبة غصّ بها لبنان ووسائل التواصل ونسي الرأي العام الأحداث الضخمة والخطِرة والحروب الهائلة التي كانت تفتح العيون المحلية والعالمية على الحروب الصاروخية والفضائية الهائلة. صحيح أن ردود الأفعال وترهيب أصحاب الرأي مرفوض، لكنّ وسائل التواصل الاجتماعي قفزت بحرية لبنان بلا ألف ولام نحو تشويه المناخات العامة وتدفق الغرائز الطائفية المكبوتة في وطنٍ لبناني لا حدود فيه للتعبير ولا نوافذ أو أبواب ولا حتى بدايات أو نهايات بل الاستغراق في الصراعات، دار بيني وبين وزير الإعلام حوار سريع عاقل وموزون درءاً لردود الأفعال واتّفقنا بأن لبنان سيبقى عريقاً بنظامه الديمقراطي مع أنّ حرّية الإعلام في لبنان علامة فارقة سبقت ربّما وسائل التواصل قبل أن يتبوأ أعقد وزارة لبنانية وكلانا ومعظمنا يعرف أنّ الفيلسوف «مونتسكيو» حدّد الأنظمة الديمقراطية للثورة الفرنسية بسلطات أربع «البرلمانية والتنفيذية والقضائية وجاءت الإعلامية في المرتبة الرابعة». سؤال: لماذا البحث عن رأس مونتسكيو وقد قطعت الحرية رأسه في عصر الفضاء؟ باسم ماذا ومن؟ باسم الحرية.. المطلقة. نعم! وإلى أين من هنا؟ ألم تتابع العيون العالمية أخيراً سلوك زوجات بعض رؤساء الدول العظمى مع أزواجهن الرؤساء في أمريكا وفرنسا إذ نُشرت الصور الفضائية الصادمة فوراً، لكأنّ العيون العالمية مقيمة في شاشات أجهزة التواصل؟ ألا نكابد المرارة حيال أولادنا وأحفادنا يتمرسون بأصابعهم الطرية الحرية المطلقة التواصلية بلا ألف ولام نقطع أي رأس أو لسان أو نص لا يحلو لنا لكأن مشاعية التصوير والتعبير صارت هم السلطات الثلاثة المطلقة؟ أذكّر بالقائد نابليون بونابرت وعلى سبيل الطرفة والظرافة فقط، إذ كان شديد الوعي والانتباه لسلطات الصحافة يُتابعها وقد كان يثير غضبه أي نقد بسيط. تصوروا أنّ نابليون بعث يوماً برسالة إلى «جوزيف فوشيه» وزير البوليس الإداري في فرنسا وفيها: «اقمع الصحف.. لا شيء يُثير قلقي ويؤلمني أكثر مما تفعله الصحافة»، بعيدون في لبنان عن نابليون أضعاف ابتعادنا عن «فرنسا الحنونة» مع أنّنا نتباهى أبداً بفرادتنا وحرياتنا لكأننا رحم أول للحريات المختلفة. نتباهى بوطننا الديمقراطي الجامع والرائد والمانع الرصين والمعروف ب«الميديا ستيت» لكننا لا نتباهى بتأبط ميزان الحكمة في القول والفعل عند تدفّق الكوارث والحروب العابرة للقارات، ضماناً للسلام المعقول والطمأنينة وإنجاح الانطلاقة نحو المستقبل، الذي بات ينتظره اللبنانيون في الخارج أقوى من الداخل كما تنتظره وتعمل له معظم دول العرب المحبة للبنان والعالم. اللبنانيون يعيشون الخطورة ملتمسين الحكمة في تاريخنا المعاصر لا يعنيهم سوى المستقبل السلمي والعمراني يكابدون تفكيك عقد المخاطر الشديدة المستوردة والمربكة بل المتجددة مذهبيّاً مسكونين عبر هذا الزمن الخطِر بحماية حريات الإعلاميين التعبير والنشر بهدف التغيير إذ «في البدء كان الكلمة».