
يخالف العرف الاقتصادي.. أوروبا ترى في صعود اليورو مقابل الدولار فرصة وليس تهديداً
تمثل قوة العملة الوطنية، في العرف الاقتصادي، تحديًا كبيرًا للدول المصدرة، حيث يجعل ذلك منتجاتها أغلى في الأسواق الخارجية ويضعف تنافسيتها. لكن رئيسة
البنك المركزي الأوروبي
كريستين لاغارد ترى الأمر بشكل مختلف. ففي تصريحات لها يوم السبت مع صحيفة "لا تريبيون ديمانش" الفرنسية، وصفت لاغارد صعود اليورو مقابل
الدولار
بأنه "فرصة وليس تهديدًا"، مؤكدة أن هذه القوة تعكس استقرار منطقة اليورو وجاذبيتها ملاذًا آمنًا في زمن الأزمات العالمية.
لاغارد لم تكتفِ بهذا الوصف، بل أوضحت أن هذا الارتفاع في قيمة اليورو يأتي نتيجة فقدان الثقة بالسياسات الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل أكثر استقرارًا، وجعل اليورو وجهتهم المفضلة.
وقالت لاغارد للصحيفة الفرنسية: "من المدهش أن نرى في فترة من عدم اليقين، عندما كان ينبغي أن نشهد ارتفاعًا كبيرًا للدولار، حدث العكس، وارتفع اليورو مقابل الدولار". وأوضحت: "هذا الأمر يبدو غير منطقي، لكنه مبرر بسبب حالة عدم اليقين وفقدان الثقة بالسياسات الأميركية بين بعض قطاعات الأسواق المالية".
وأكدت لاغارد أن هذه التطورات تمثل "فرصة أكثر من كونها تهديدًا" وأن على القادة الأوروبيين تسريع عملية تعميق الاتحاد الأوروبي. وأضافت: "في وقت نرى فيه أن سيادة القانون والنظام القضائي وقواعد التجارة تتعرض للطعن في الولايات المتحدة، حيث أصبحت حالة عدم اليقين دائمة ومتجددة يوميًا، تُعتبر أوروبا بشكل مبرر منطقة اقتصادية وسياسية مستقرة، مع
عملة قوية
وبنك مركزي مستقل".
وسلطت لاغارد الضوء على "اليورو الرقمي" وسوق رأس المال الموحد قائلة: "هناك موجة أساسية أقوى من أي شيء رأيته في ست سنوات من عملي في هذا المنصب في كلا المجالين". وأضافت: "نحتاج أيضا إلى تحقيق توحيد الرقابة كما فعلنا في النظام المصرفي".
ليست لاغارد الوحيدة بين صانعي السياسات في البنك المركزي الأوروبي التي ترى أن أوروبا واليورو يعيشان فترة إيجابية. فقد قال نائبها لويس دي غويندوس إن اليورو يمكن أن يصبح بديلًا للدولار بوصفه عملة احتياط إذا كثفت أوروبا جهودها للتكامل. وبالمثل، قالت عضو المجلس التنفيذي إيزابيل شنابل يوم السبت: "لدينا الآن فرصة تاريخية لتعزيز الدور الدولي لليورو".
وفي ما يتعلق بحالة الاقتصاد الأوروبي، قالت لاغارد إنها "ليست متشائمة على الإطلاق". وأضافت: "التوظيف مستقر، القوة الشرائية تتحسن، والتضخم يتراجع". وأكدت أن "الاستهلاك والاستثمار يجب أن ينتعشا، حتى لو أن حالة عدم اليقين الناتجة عن إعلانات الإدارة الأميركية تثقل على الثقة وتبطئ من هذا التعافي".
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
نمو اقتصاد منطقة اليورو فاق التوقعات في الربع الأخير من 2024
لماذا تعتبر قوة اليورو فرصة؟
وارتفع اليورو بنسبة 10% مقابل الدولار منذ بداية عام 2025، مسجلًا أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات. وفي 22 إبريل/نيسان 2025، بلغ سعر صرف اليورو مقابل الدولار 1.1510، وهو أعلى مستوى له خلال العام. وسجل اليورو أفضل أسبوع له في مارس/آذار 2025، بارتفاع بنسبة 4%، مدفوعًا بإعلان ألمانيا عن خطة استثمارية بقيمة 500 مليار يورو. ويرى خبراء أن ارتفاع قيمة اليورو يجعل السلع المستوردة أرخص، ما يخفف من التضخم ويزيد من القوة الشرائية للمستهلكين الأوروبيين. ومع ارتفاع قيمة اليورو، تصبح واردات الطاقة والمواد الخام أرخص، ما يساعد الشركات الأوروبية على خفض تكاليف الإنتاج.
كما أن استقرار العملة الأوروبية يعزز من جاذبية منطقة اليورو للمستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن بعيدًا عن تقلبات الأسواق العالمية، خاصة في ظل التقلبات السياسية في الولايات المتحدة. قوة اليورو تشير إلى استقرار اقتصادي، ما يجذب المستثمرين. ويرى خبراء أن اليورو قد يصبح بديلًا محتملًا للدولار بوصفه عملة احتياطية عالمية إذا استمرت أوروبا في تعزيز تكاملها الاقتصادي. في إبريل/نيسان 2025، خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس، ليصل سعر الفائدة على الإيداع إلى 2.25%. وأكد البنك استمراره في مراقبة التضخم لضمان استقرار الأسعار، مع الحفاظ على هدف التضخم عند 2%.
نمو منطقة اليورو
وفي الربع الأوّل من العام، كان النمو الاقتصادي في منطقة اليورو أقل بقليل من المتوقع مع تقدم إجمالي الناتج المحلي 0,3% مقارنة مع الربع السابق، وفق ما أفادت به وكالة "يوروستات". وفي تقديرات أولى نشرت في 30 إبريل، أفاد المكتب الأوروبي للإحصاءات (يوروستات) بنموّ نسبته 0,4% للبلدان العشرين في منطقة اليورو. وبقيت النسبة على حالها (0,3%) في كامل الاتحاد الأوروبي (27 دولة). ويبدو أن هذا الأداء المتين، مع أنه أتى أقل من التوقعات، عائد إلى مشتريات مسبقة من الولايات المتحدة قبل دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ في مارس/آذار وإبريل/نيسان، بحسب "فرانس برس". لكن الآفاق تبقى قاتمة للعام بمجمله.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
لاغارد تدعو الأوروبيين للتعامل مع ترامب بـ"استراتيجية دفتر الشيكات"
وقد تسبّبت الرسوم الجمركية التي أعلن ترامب في تباطؤ النموّ الأميركي. وشهد إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة تراجعًا مفاجئًا في الربع الأول من العام بنسبة 0,1% مقارنة بالربع السابق. وتجري المفوضية الأوروبية مفاوضات مع واشنطن في مسعى لإلغاء الرسوم الجمركية التي تبلغ 25% على السيارات والألومينيوم والفولاذ و10% على المنتجات الأخرى. وتشهد أوروبا منذ سنتين ركودًا اقتصاديًا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا. وسيكون انتعاش النشاط المتوقع هذه السنة محدودًا جدًا.
وفي 22 إبريل، خفض صندوق النقد الدولي بـ0,2 نقطة توقعات النمو لمنطقة اليورو إلى 0,8% في سنة 2025، بعد 0,4% في 2024، بفعل التوتّرات التجارية. ويتقلص الفارق مع الولايات المتحدة التي تشهد منذ سنوات أكبر نموّ عالمي، إذ من المتوقّع أن ينكمش نشاطها الاقتصادي.
وخفّض صندوق النقد الدولي توقّعاته لأكبر اقتصاد في العالم بواقع 0,9 نقطة إلى 1,8% سنة 2025، في مقابل 2,8% العام الماضي. وتصدر المفوضية الأوروبية غدا الاثنين أحدث توقعاتها للنمو في منطقة اليورو للعامين 2025 و2026.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
الاتحاد الأوروبي يوافق على مساعدة مالية لمصر بقيمة 4 مليارات يورو
أعلن الاتحاد الأوروبي أنّه سيقدّم إلى مصر مساعدة مالية بقيمة أربعة مليارات يورو بعد اتفاق بهذا الشأن توصّلت إليه دوله الأعضاء الـ27 والبرلمان الأوروبي. وقال مجلس الاتّحاد الأوروبي في بيان إنّ هذه المساعدة المالية الكلّية ستكون على شكل قروض وستمكّن مصر بمساعدة من صندوق النقد الدولي ، من تغطية جزء من احتياجاتها التمويلية. وأوضح البيان أنّ صرف أيّ شريحة من هذه المساعدات سيتمّ ربطه بمدى تحقيق القاهرة "تقدّما مرضيا" في تنفيذ البرنامج الذي وضعه صندوق النقد الدولي لخطته لمساعدتها مالياً خلال الفترة 2024-2027. ولا يزال هذا الاتفاق بحاجة لأن تصادق عليه رسمياً الدول السبع والعشرون الأعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبي. والمساعدات المالية الكلية هي مساعدات يقدّمها الاتحاد الأوروبي للدول التي تواجه مشاكل خطرة في ميزان مدفوعاتها لتكمّل بذلك مساعدات يقدّمها لها صندوق النقد الدولي. ووقّع الاتحاد الأوروبي ومصر في مارس/ آذار 2024 اتفاق "شراكة استراتيجية" بمبلغ إجمالي قدره 7.4 مليارات يورو، بما في ذلك مساعدات مالية كلّية بقيمة 5 مليارات يورو. اقتصاد عربي التحديثات الحية مصر ترحب باعتماد البرلمان الأوروبي شريحة دعم بقيمة 4 مليارات يورو وفي الأول من إبريل/ نيسان الفائت، أعربت مصر عن تقديرها البالغ لاعتماد البرلمان الأوروبي، في جلسته العامة، القراءة الأولى لقرار إتاحة الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي الكلي المقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة بقيمة أربعة مليارات يورو، وذلك بأغلبية 452 عضواً من أصل 720 عضواً. وقالت وزارة الخارجية المصرية إنّ قرار إتاحة الشريحة الثانية من حزمة الدعم "يعبّر عن التقدير الذي يكنه الاتحاد الأوروبي ومؤسساته للشراكة الاستراتيجية مع مصر، التي وقّع عليها في القاهرة الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، في مارس/ آذار 2024، وما تلاها من عقد النسخة الأولى من مؤتمر الاستثمار المصري – الأوروبي في يونيو/ حزيران". واعتماد البرلمان الأوروبى القراءة الأولى لقرار إتاحة الشريحة الثانية جاء عقب الانتهاء من إجراءات صرف الشريحة الأولى بقيمة مليار يورو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبعد مداولات مطولة للجان الميزانية والشؤون الخارجية والتجارة الدولية على مدى ستة أشهر. ويرى محللون أن الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع مصر تتعلق بأسباب "جيوسياسية"، نظراً إلى الأهمية التي تمثلها مصر بصفتها دولة مركزية في المنطقة، والدور الذي تؤديه في مجالات منع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال لعب دور الوسيط في عملية وقف إطلاق النار في قطاع غزة. (فرانس برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
أمّا وقد رفعت العقوبات... هل تلتقط سورية الفرصة؟
في تحوّل غير مسبوق على المستويين السياسي والجيوسياسي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض، يوم 14 مايو/ أيار الجاري، عن رفع العقوبات المفروضة على سورية، في خطوة جاءت بعد أكثر من عام من التحرّكات الدبلوماسية المعقّدة. هذا الإعلان ضوء أخضر لبداية مرحلة جديدة في المنطقة. من المهم، لفهم هذا التحوّل أن نتجاوز مجرّد التوصيف السياسي للقرار ونتعمّق في فلسفة هذا التحوّل الجيوسياسي. رفع العقوبات عن سورية في جوهره تعبير عن تغير عميق في العقل السياسي الدولي، الذي يتحرّك بعيداً عن القوى الصلبة مثل العقوبات والضغط العسكري، لصالح معادلاتٍ أكثر تعقيداً تتعلق بالتفاهمات السياسية والتوازنات الاقتصادية. ولكن ماذا يعني ذلك؟ يجب أن نتذكّر أن التحولات السياسية الكبرى على مستوى العالم غالباً ما تكون نتاج تفاعل عدة عوامل، كالانتقال من الهيمنة الأحادية إلى التعدّدية القطبية، نمو الانقسامات الداخلية في القوى العظمى، وتأثيرات القوة الناعمة التي تطغى اليوم على القوة الصلبة. يتوازى هذا التحول في الموقف الأميركي تجاه سورية مع تطور الفكر الاستراتيجي الذي يتجه نحو البحث عن حلول غير تقليدية للصراعات الدولية، ويؤسّس لحالة انكماش في السياسة الخارجية الأميركية وعدم الاستطالات الزائدة والمبالغ بها طوال العقود السابقة وأن الهيمنة الأميركية والتحكم في الاقتصاد العالمي عبر طبع مزيد من أوراق الدولار لم تعد تجدي نفعاً، فهناك أكثر من 40% من التجارة العالمية خارج سيطرة الدولار. وعليه، لا بديل عن سياسات التحالفات الاقتصادية والإقليمية. الواقع الجيوسياسي الجديد: من الجمود إلى التحوّل إنّ لحظة سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024، ليست مجرد نهاية لحقبة سياسية، بل هي انهيار لإرث طويل من العنف البنيوي والاستعصاء السياسي، الذي تمكّن بفعل تحالفات دولية وإقليمية، وشرعيات متآكلة، وأساليب قمع ممنهجة. ومع هذا السقوط، لا ينفتح فقط أفق سياسي جديد، بل يتبدّى سؤال فلسفي عميق: هل كان النظام الاستبدادي صنيعة الداخل وحده؟ أم نتاج منظومة دولية تواطأت بالصمت تارة، وبالعقوبات تارّة أخرى، من دون أن تقدّم بديلاً إنسانياً حقيقياً؟ تُظهر التجربة السورية، كما كتب أمارتيا سن في تحليله العقوبات ومخرجاتها، أن الجوع والقمع لا ينتجان فقط عن الأنظمة الشمولية، بل أحياناً عن سياسات دولية "غير مبالية أخلاقياً"، حيث العقوبات تُفرض باسم القيم، لكنها تصيب المواطن لا النظام، وتعمّق هشاشة المجتمع بدل تغييره. وإن رفع العقوبات، كما أُعلن عنه في "الرياض"، يُقدّم لنا ليس فقط فرصة سياسية، بل اختباراً أخلاقياً وفلسفياً للفاعلين الدوليين والإقليميين: هل هو اعتراف ضمني بفشل سياسة العزلة والضغط القصوى؟ هل بات يُنظر إلى سورية كـ 'كيان يجب احتواؤه" لا "كخصم يجب تجويعه"؟ وهل أضحى الانفتاح والتكامل الاقتصادي هما الأداتان البديلتان عن الهيمنة والاحتلال العسكري؟ السياق الجديد الذي ترسمه قوى إقليمية كالسعودية وتركيا بشكل رئيس، وقطر والامارات ثانياً، والذي يجد صداه في تصريحات إدارة أميركية تبحث عن "توازن ذكي" بدل الصدام، يعكس ما يمكن وصفه "التحول من صراع الإرادات إلى هندسة الشرعيات". أي أن التحوّل الحقيقي لا يكمن في تغيير الوجوه، بل في إعادة صياغة العلاقة بين الداخل والخارج، بين السيادة والانفتاح، وبين المصالح الوطنية والحسابات الجيوسياسية. لكن هذا الانفتاح لن يكون بلا ثمن. التحدّي الأكبر أمام الحكومة السورية الجديدة ليس فقط في إعادة الإعمار المادي، بل في إعادة إنتاج عقد اجتماعي جديد، يستعيد ثقة الناس في الدولة كمؤسسة، لا أداة قمع. وهنا، تصبح الأسئلة أكثر تعقيداً. هل يستطيع النظام الجديد أن يبني دولة لا ترتكز على الولاء الأمني، بل على الكفاءة والمساءلة؟ هل سيكون رفع العقوبات منصّة للإصلاح العميق، أم مجرد "هدنة" تُستخدم لإعادة إنتاج السلطة بصيغة ناعمة؟ وهل نحن أمام لحظة تحوّل حقيقي، أم إعادة تموضع في بنية جيوسياسية تتغير باستمرار؟ في ضوء التحوّلات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط النهج الترامبي جاء القرار الأميركي جزءاً من سعي مستمر إلى إعادة صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، حيث بدأ الرئيس ترامب في تبنّي نهج بعيد عن التدخل العسكري المباشر، مع تعزيز الأدوات الدبلوماسية والاستراتيجية. هذا التغيير لا يعكس فقط مصلحة أميركية ضيقة، بل يعبر عن تقييم أعمق لدور الولايات المتحدة في النظام الدولي الجديد الذي يتسم بتعدّد مراكز القوى، حيث يتطلب الوضع الدولي اليوم تبني سياسات مرنة ومتوازنة. ومن خلال هذا التحول، يمكن فهم التوجه الأميركي تجاه سورية، ورفع العقوبات كجزء من هذا التحوّل، يعكس نقلة فلسفية عميقة في التفكير السياسي الأميركي، من سياسة العصا العسكرية إلى سياسة الجذب والتكييف السياسي. وهذا يضع القوى الإقليمية، خاصة في الخليج وبلاد الشام، أمام واقع جديد يتطلب إعادة تعريف التحالفات والأدوار بعيداً عن منطق الحرب، بل نحو منطق التأثير السياسي والاقتصادي. والتكامل بدل التناذر، ولعل ذلك يمكن فهمه من خلال خطة الاتفاقات الابراهيمية التي يجري تداولها في هذا السياق. التحوّلات الخليجية: إعادة صياغة المعادلات الإقليمية في ضوء التحولات الكبرى في السياسة الدولية تجاه سورية، تأتي التحولات الخليجية جزءاً من مشهد إعادة تشكيل المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط، فالدول الخليجية لم تعد تكتفي بدور المموّل أو الوسيط، بل بدأت تلعب أدواراً أكثر استقلالية واستراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: الأمن الإقليمي، التوازن مع القوى الكبرى، وإعادة تموضع سياسي واقتصادي في مرحلة ما بعد الصراعات. السؤال الذي يطرحه التحوّل في السياسة الأميركية هو: كيف تتفاعل القوى الإقليمية الكبرى مع هذه التغيرات؟ دور الدول الخليجية، في هذا السياق يتجاوز التحولات السياسية، ليحمل أبعاداً فلسفية تتطلب التأمل العميق. ففي نهاية المطاف، تتشكل السياسات الخليجية بناء على قدرة هذه الدول على "الحفاظ على الاستقرار"، وهو مفهوم يُحاكي القوة التقليدية التي اعتمدت على هيمنة عسكرية وسياسية مباشرة، لكن مع انفتاح تدريجي نحو تفاعلات سياسية جديدة. هذا التوجّه يكشف عن استعداد هذه الدول لتبني سياسات أكثر مرونة وتعدّدية، ما يعكس تحولاً في العقلية السياسية الإقليمية، ويعطي فرصة لسياسات صفر المشكلات أن تكون الحاكم في نهاية المطاف. تتجاوز علاقة دول الخليج مع سورية كونها مجرد علاقة بين دول متجاورة، فهي جزء من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تشكيل نوع جديد من التحالفات القابلة للتكيّف مع المتغيّرات المستمرّة في المنطقة. لا يقتصر هذا المشروع على مواجهة إيران فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى محاولة إعادة صياغة النظام الإقليمي ككل. مثّل رفع العقوبات عن سورية فرصة تاريخية نادرة، لكن استثمار هذه اللحظة لا يكون بالخطاب العاطفي أو الانتظار السلبي، بل بقراءة دقيقة للواقع الجديد الذي فُرض (أو صِيغ) بفعل ضغوط اقتصادية خانقة وتبدّلات في خرائط التحالفات. وبالتالي، ليست أولى الخطوات المطلوبة الاستجابة المطلقة لشروط الخارج، بل إعادة تعريف الداخل السوري وفق متطلبات المرحلة، مع إدراك أن الانخراط في نظام دولي جديد لا يعني التنازل عن الثوابت، بل إدارة الشروط بما يخدم المصالح الوطنية. في هذا السياق، لا بد من توسيع هامش القرار السيادي من دون كسر الخطوط الحمراء الإقليمية، وهو ما يتطلّب من الإدارة السورية أن تكون فاعلاً لا مُداراً، وأن تقدّم نموذجاً سياسياً واقتصادياً جديداً يُقنع الداخل قبل الخارج، ويُشرك أطرافاً وطنية كانت مُقصاة لعقود، لا لأن ذلك شرط دولي، بل لأن المرحلة تتطلبه. كذلك، فإن التحوّل في الخطاب السياسي الخارجي لا يجب أن يُنظر إليه خيانةً لمحور أو تخلٍّ عن مبدأ، بل كإعادة تموضع ضمن واقع استراتيجي متغير، حيث لم تعد الشعارات تكفي لحماية الدولة، ولا البقاء في محور مغلق يحقّق المصلحة العليا. من هنا، ليس الانتقال من "المحور" إلى "التموضع" ضعفاً، بل هو إقرارٌ بأن قوة سورية اليوم تُبنى بالاقتصاد والعلاقات المتعدّدة، لا بالشعارات فقط. من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسسات الدولة داخلياً، المطلوب ليس فقط رفع القبضة الأمنية، بل إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، عبر سياسات اجتماعية واقتصادية تُعالج تدهور الحياة اليومية وتُعيد التوازن إلى العقد الاجتماعي الذي تهشّم. هذه ليست ترفاً سياسياً، بل شرطاً لبقاء الدولة واستقرارها في مرحلة ما بعد الحصار. وما يبدو اليوم كـ"شروط" دولية، يمكن تحويله إلى أوراق تفاوض ذكية تخدم الدولة ولا تُفككها، إذا ما أحسنت القيادة السورية صياغة المشهد القادم: بحكمة لا تبعية، وببراغماتية لا ارتباك. أحد الشروط التي فرضتها القوى الدولية لرفع العقوبات يتعلق بضرورة إجراء إصلاحات سياسية داخلية. وهذا يشمل الانفتاح على المعارضة السياسية وإعطاء فرص أوسع للمشاركة السياسية. يشير اشتراط القوى الدولية بإجراء إصلاحات سياسية داخلية – كشرط لرفع العقوبات – إلى تصادم بين منطقين: (منطق السيادة التقليدية: حيث ترفض الدولة أي تدخل خارجي في تحديد شكل النظام السياسي. منطق الحوكمة الدولية: الذي بات يربط بين التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، ويضع شروطاً تتعلق بالديمقراطية، الشفافية، وحقوق الإنسان مقابل المساعدات أو رفع القيود. في هذا السياق، يصبح السؤال المطروح: هل الإصلاح السياسي قرار سيادي أم استجابة للإكراه الخارجي؟ من منظور علم الاجتماع السياسي، هذه العلاقة ليست ثنائية أو تناقضية بالضرورة، بل يمكن أن تكون جدلية؛ حيث قد تستفيد النخبة الحاكمة من الضغوط الخارجية لتمرير إصلاحات قد تكون مرغوبة داخلياً، ولكن يصعب فرضها لولا الضغط الخارجي. مع رفع العقوبات عن سورية، تبرز تساؤلاتٌ مهمّةٌ حول قدرة المؤسسات الحكومية السورية على الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية. يفتح هذا القرار أمام سورية أبواباً جديدة لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي، ولكنه، في الوقت نفسه، يضع الإدارة السورية أمام اختبار حاسم. هل ستتمكّن هذه المؤسّسات المترهلة والتي تعاني من الفساد والتدهور الإداري من الاستفادة من هذا التحوّل؟ وهل يمكن لها أن تتكيف مع البيئة السياسية والاقتصادية الجديدة لتحقيق التقدم؟ يعكس رفع العقوبات عن سورية، بعد سنوات من الحصار، تحوّلاً جوهرياً في المعادلات السياسية والاقتصادية. لكن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن المؤسّسات الحكومية السورية، التي عانت من ضعف الأداء الإداري والفني بسبب الحروب والعقوبات المستمرّة، والفساد الكبير التي تعاني منه، قد تجد نفسها أمام تحدّياتٍ ضخمة، فعديد من هذه المؤسّسات تفتقر إلى الكفاءات والقدرة على جذب الاستثمارات، كما تعاني من قلة الشفافية والمساءلة، ما يشكّل عائقاً كبيراً أمام تحفيز النمو الاقتصادي. من أجل أن تتمكّن الحكومة السورية من الاستفادة الحقيقية من رفع العقوبات، يجب أن تُنفَّذ إصلاحات هيكلية جذرية في جميع مؤسّسات الدولة، فالمؤسّسات الحكومية، التي تعاني من الترهل وضعف الأداء الإداري، بحاجة إلى تعزيز قدرتها على العمل المؤسسي الفعّال من خلال إدخال مفاهيم جديدة تركز على الفعالية والشفافية. لا يقتصر هذا التغيير على تعديل النظم الإدارية فحسب، بل يتطلب أيضاً إعادة هيكلة ثقافة العمل داخل هذه المؤسسات بحيث تصبح أكثر كفاءة ومرونة. أولاً، الانتقال إلى نموذج كفؤ ومرن من الضروري أن تنتقل الحكومة السورية من نموذج تقليدي يعتمد على البيروقراطية الثقيلة إلى نموذج حديث يتمتع بالكفاءة والمرونة في اتخاذ القرارات. تحتاج المؤسّسات التي ظلت أسيرة لهيكل إداري قديم تتسم بتعقيد الإجراءات تطوير أنظمة جديدة تسرّع اتخاذ القرارات وتسهّل تنفيذ السياسات بشكل أكثر فعالية. يتطلب ذلك تدريب الموظفين على كيفية التعامل مع التحديات المعاصرة وتحسين مهاراتهم الإدارية والفنية، ما يعزّز قدرة المؤسّسات على التفاعل بشكل أسرع مع الظروف المتغيرة. ثانياً، تعزيز الشفافية والمساءلة واحدة من أبرز العوامل التي تعيق فعالية الحكومة السورية غياب الشفافية والمساءلة. لتحقيق الإصلاح المنشود، على الحكومة أن تنفذ آليات لضمان الشفافية في جميع الإجراءات المالية والإدارية، وأن توفر آلية مستقلة لمراقبة العمليات الحكومية. في هذا السياق، يجب تطبيق سياسات تحارب الفساد وتعزز المساءلة على جميع المستويات، بدءاً من أعلى السلطات وصولاً إلى الوحدات المحلية. ثالثاً، سياسة حكم رشيدة لجذب الاستثمارات من دون وجود سياسة حكم رشيدة، سيكون من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية التي تعدّ أساساً لإعادة بناء الاقتصاد السوري. لذلك، يجب أن تتبنّى الحكومة السورية سياسات اقتصادية تستند إلى مبادئ الشفافية والعدالة في التعامل مع المستثمرين، مع التأكيد على حماية حقوق المستثمرين المحليين والدوليين. كما يجب أن تكون هناك ضمانات قانونية لتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل، وتوفير بيئة قانونية مستقرة تحمي حقوق المستثمرين من أي تقلبات سياسية أو اقتصادية. ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية هبة سورية الجديدة ليس رفع العقوبات قراراً سياسياً فقط، بل هو أيضاً تحوّل في أخلاق السياسة، فالعقوبات، كما عرّاها أمارتيا سن، ليست مجرّد أدوات ضغط، بل هي أنظمة إنتاج للمعاناة. يحمل إعلان ترامب في الرياض عن رفع العقوبات في طيّاته ما يُشبه التحوّل الأنطولوجي في كيفية فهم الدول لمصادر القوة: من الإكراه إلى التعاون، من السيطرة إلى الحوافز، من الغلبة إلى التكيّف. وإن رفع العقوبات عن سورية لا يمكن قراءته فقط منحة دولية أو نتيجة لتغير المزاج السياسي في العواصم الغربية، بل ينبغي فهمه في سياق أوسع من التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة والعالم، حيث تعيد القوى الكبرى ترتيب أولوياتها، وتُفسح المجال لسياسات أكثر براغماتية قائمة على تقليل الكلفة الأمنية والانخراط عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية. من هذا المنطلق، ليس رفع العقوبات نهاية الصراع، بل اختبار لمدى قدرة الدولة السورية على التكيّف، ولقدرتها على إعادة بناء شرعيتها الداخلية بمقاييس جديدة تعتمد على الكفاءة، الشفافية، والتشاركية، بدلاً من السرديات الأيديولوجية التقليدية. والأهم أن هذا التحول لا يعني بالضرورة الخروج من محور والانخراط في آخر، بل استثمار اللحظة السياسية بحنكة، بما يضمن مصالح الشعب السوري أولاً، ويحفظ السيادة الوطنية دون أن يُغلق الأبواب أمام التفاهمات الإقليمية والدولية. إن اللحظة الراهنة هي لحظة مفصلية في التاريخ السوري الحديث: إما أن تُقرأ برؤية مستقبلية تُحوّل الضغط إلى فرصة، أو تُفهم بوصفها مجرّد هدنة مؤقتة سرعان ما تنقلب إذا لم تُدعّم بإصلاح داخلي حقيقي. فكما قال أحد المراقبين في The National Interest: "الأنظمة التي تنجو من العزلة لا تفوز فقط بالبقاء، بل بتجديد أدوات بقائها". والسؤال الآن ليس عما إذا كانت العقوبات قد رُفعت، بل هل ستُستثمر هذه الفرصة لصياغة سورية جديدة، أم تُهدر كما أُهدرت فرص تاريخية من قبل؟


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
رئيس وزراء إسبانيا: يجب استبعاد إسرائيل من مسابقة يوروفيجن الغنائية الأوروبية
أكد رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز ، أمس الاثنين، ضرورة استبعاد إسرائيل من مسابقة يوروفيجن الغنائية الأوروبية، مشدداً على ضرورة إظهار "التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من عبثية الحرب والقصف". وقال بيدرو سانشيز: "لا يمكن أن نطبق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالثقافة"، معتبراً أنه إذا استُبعدت روسيا من المنافسة بعد غزو أوكرانيا، فإن إسرائيل "لا ينبغي" أن تشارك أيضاً. تضامن إسباني مع الفلسطينيين اعترفت إسبانيا بدولة فلسطين في 28 مايو/أيار 2024، مع أيرلندا والنرويج، وبرزت في الأشهر الأخيرة أحد أكثر الأصوات انتقاداً في الاتحاد الأوروبي لحكومة بنيامين نتانياهو و العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، الذي خلّف حتى اليوم الثلاثاء 53 ألفاً و475 شهيداً، و121 ألفاً و398 مصاباً، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأكد سانشيز أن "التزام إسبانيا بالقانون الدولي وحقوق الإنسان يجب أن يكون ثابتاً ومتسقاً كما ينبغي أن يكون الحال بالنسبة لأوروبا بأكملها"، مضيفاً أنه من الضروري "التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من عبثية الحرب والقصف". أحداث بداية الحرب الأميركية الإسبانية 25 إبريل 1898 الإعلام الإسباني ضد إسرائيل في "يوروفيجن" بالإضافة إلى التصريحات السياسية، عبّر الإعلام الإسباني الرسمي كذلك عن رفضه إسرائيل في "يوروفيجن" بطرق عدة، إذ وجّهت الهيئة العامة الإسبانية للإذاعة والتلفزيون RTVE رسالة إلى اتحاد البث الأوروبي، الذي ينظم المسابقة، "لطلب فتح نقاش" بشأن مشاركة دولة الاحتلال في المسابقة. وخلال البث المباشر لنهائي "يوروفيجن" في بازل السويسرية السبت الماضي، عرض التلفزيون الإسباني رسالة تضامن مع الفلسطينيين، كما تحدّث المذيعان الإسبانيان، توني أغيلار وجوليا فاريلا، عن الأزمة الإنسانية التي خلّفها العدوان خلال الحلقة. وهي خطوات تحدّت الغضب الإسرائيلي وكذلك تحذيرات اتحاد البث الأوروبي وتهديداته بفرض عقوبات. (فرانس برس، العربي الجديد)