
إعادة التشكيل بقلم ترمب
محللون وأكاديميون وإعلاميون يرون لعبة التقسيم والتفتيت بدءاً من سوريا، مع أن أميركا "لا تثق بالدول الصغيرة" كما كان يقول الدكتور هنري كسينجر، وتفضل التعامل مع قائد واحد يستطيع اتخاذ القرارات من دون تأخير أو مع قادة كبار. وأساتذة في مدرسة "الواقعية" يعتقدون أن اللعبة الإقليمية بإشراف أميركا لا تزال بين إسرائيل وتركيا وإيران المنحسر نفوذها، وأن اللاعب العربي الذي كان مغيباً أو غائباً دخل إلى الملعب أخيراً بقوة.
لكن الشرق الأوسط اليوم يبدو في وضع أخطر مما كان عليه بعد انهيار السلطنة العثمانية وتنصل بريطانيا من وعودها للشريف حسين قبل قيام الثورة العربية. فهو اليوم طائفي ومذهبي وإثني أكثر من أي وقت مضى. أيام المد القومي العربي صارت وراء العرب. وأيام الإسلام السياسي المتطرف والسلفي أنتجت ما هو أخطر من "داعش" و"القاعدة". في سايكس- بيكو لم يكن لأهل المنطقة العرب رأي في التقسيمات التي قالوا في الخطاب إنهم ضدها ثم صاروا يتمسكون بها ويرفضون أي مس بها.
إلا أن الخريطة البريطانية- الفرنسية تركت مكاناً مفترضاً لدولة يهودية بموجب وعد بلفور. أما الخريطة الأميركية التي لم تكتمل، فإن الأتراك والإسرائيليين وحكام الدول العربية المهمة لهم رأي في تشكيلها. وأما المفترض في الخريطة الجديدة، فإنه تحديد الأدوار والوظائف لدول المنطقة في إطار نظام أمني بإشراف أميركي.
صحيح أن خطوط سايكس- بيكو بقيت ثابتة مع تغيرات جزئية. لكن الصحيح أيضاً أن ثبات الجغرافيا لم يمنع التغييرات الدراماتيكية داخل الدول. فلا سوريا اليوم هي سوريا. ولا لبنان هو لبنان. لا العراق هو العراق قبل الغزو الأميركي الذي أدى، بالقصد أو بالخطأ، إلى انهيار السد العربي الذي كان يمنع وصول المد الإيراني إلى العراق وسوريا ولبنان. ولا ما بقي من فلسطين في يد أهلها يكفي لقيام دولة في حدود الخامس من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. أما الأردن، فإن سلامه مع إسرائيل لم يضمن له التوقف الإسرائيلي عن التخطيط لتهجير السكان من الضفة الغربية إلى الشرقية على أساس أن يكون الأردن هو البديل من فلسطين.
لكن السؤال المهم والملح هو، هل هناك بالفعل تصور لإعادة تشكيل المنطقة لدى ترمب الذي يغير مواقفه يومياً وأحياناً أكثر من مرة في يوم واحد، ويكره قراءة المطولات وبحث الأمور في العمق؟ والجواب هو أن الرجل ارتجالي وانفعالي. ففي كتاب "ذاكرة ملك" يتحدث الملك الحسن الثاني عن أيامه في رئاسة الوزراء في عهد والده الملك محمد الخامس، ويقول، "أدركت خطورة القلم في يد رئيس الوزراء".
وفي تلفزيون الواقع الذي يدير منه ترمب سياسته بدا الرئيس الأميركي مبهوراً بقوة القلم في يده. تصور أنه يستطيع فعل أي شيء يريده من أميركا والعالم بالقلم. يستطيع تجاوز الدستور بأمر تنفيذي. يستطيع القفز من فوق القضاء. وهو أخذ وقتاً ليكتشف أن الرئيس فلاديمير بوتين يتلاعب به، وأن وقف حرب روسيا على أوكرانيا أشد تعقيداً من تصوراته البسيطة ومفاخرته بأنه يستطيع صنع تسوية باتصال هاتفي. لا بل أوحى أنه بجرة قلم يقيل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي رفض طلب خفض الفائدة، قبل أن يعترف بأن الإقالة تحدث اضطراباً في الأسواق.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في كتاب تحت عنوان "الخداع الكبير: صعود الطموح وهبوطه في الشرق الأوسط"، يقول ستيفن سايمون وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي الأميركي إن "السياسة الأميركية في الشرق الأوسط كانت خداعاً مفبركاً في تركيب مستمر لأفكار كبيرة يصفي بعضها بعضاً بواسطة صانعي سياسة ومقتنعين بمقاصدهم النبيلة تجاه منطقة يعرفون عنها القليل ويهتمون بها أقل".
وليس أمراً قليلاً للدلالات أن كثراً من قادة العالم باتوا يتجنبون الذهاب إلى البيت الأبيض بسبب الإهانات التي ألحقها ترمب بالقادة الذين يجتمعون به أمام الكاميرات والميكروفونات المفتوحة. فالرجل جاء إلى البيت الأبيض مع اقتناع بأن التحالفات التي بنتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية هي عبء على بلاده. وهو، في حرب الرسوم والتجارة، كان أقسى على الحلفاء منه على الخصوم. إذ "لا أحد يضاهي ترمب في إحراق الجسور" كما تقول كوري شاكي من مؤسسة "إنتربرايز" في مقال نشرته "فورين أفيرز" تحت عنوان "أميركا في ما بعد العالم الأميركي". ومختصر ما تراه هو أن أميركا انتقلت مع ترمب من "بلد لا يستغنى عنه" إلى "بلد لا يطاق". لا بل إن مايكل بكلي رأى أن أميركا صارت "قوة عظمى مارقة، ليست عالمية ولا انعزالية بل عدائية قوية تعمل لنفسها".
وليس الشرق الأوسط استثناء من القاعدة في سياسة ترمب. فمن يعاقب حلفاء بلاده في أوروبا لن يعطي كثيراً من وقته للشرق الأوسط بعدما عجز على مدى أشهر عن ترتيب هدنة في حرب إسرائيل على غزة. ومن لا يمانع ضم نتنياهو للضفة الغربية إلى إسرائيل من دون اعتبار إلى خطورة ذلك على العالم العربي وحتى على سياسة أميركا ومصالحها، لم يجد حرجاً في القول إنه يريد ضم كندا وغرينلاند وقناة بنما إلى أميركا. ولولا إسرائيل والمال والنفط لترك الشرق الأوسط للصراعات الدائمة من أجل التركيز على الشرق الأقصى حيث الثروة والقوة والتنافس مع الصين. فما هي الصورة الجيوسياسية والاستراتيجية للشرق الأوسط الجديد؟ وأين يبدأ نتنياهو وينتهي ترمب؟ رئيس وزراء فرنسا السابق دومينيك دو فيلبان يرى أن ترمب "رجل من القرن الـ19 لكنه مرتبط بناس من القرن الـ22" مع أنهم في القرن الـ21. وفي القرن الـ19 كان الشرق الأوسط عثمانياً مع نفوذ أوروبي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
جولة مفاوضات متوقعة اليوم بين موسكو وكييف وبكين تحتج لشملها بالعقوبات
يُتوقّع أن تبدأ مفاوضات سلام بين الروس والأوكرانيين الأربعاء في تركيا في محاولة لإيجاد حل دبلوماسي للحرب المستمرة بين البلدين منذ أكثر من ثلاث سنوات. وفيما أعلنت أوكرانيا مساء الاثنين أن هذه المفاوضات ستجري الأربعاء، اكتفت روسيا بالقول إنها تأمل بأن "تُعقد الجولة الجديدة هذا الأسبوع". وستعقد الجولة الثالثة من المحادثات المباشرة بين الطرفين في إسطنبول بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أمهل روسيا 50 يوما للتوصل إلى اتفاق مع كييف وإلا فستواجه عقوبات صارمة. لكن يبدو أن احتمال إحراز تقدم يذكر ما زال محدوداً إذ إن مواقف الجانبين متعارضة بشكل كبير. ونظمت جولتان من المحادثات في أيار/مايو وحزيران/يونيو في إسطنبول لكنهما فشلتا في تحقيق أي اختراق لإنهاء الحرب، لكنّ البلدين اتفقا على إطلاق سراح مئات الأسرى من كل جانب وإعادة جثث جنود. وأشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أم الثلاثاء إلى أنه يتوقع مناقشة عمليات تبادل جديدة مع موسكو وإعادة أطفال أوكرانيين نُقلوا قسراً إلى روسيا، معرباً عن رغبته في "التحضير لاجتماع" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل "وضع حد فعلي لهذه الحرب". احتجاج صيني في الموازاة، قدم وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو "احتجاجات رسمية" للاتحاد الأوروبي بعد إدراج مصرفَين صينيَين في العقوبات التي فرضتها الكتلة على روسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، وفق ما أعلنت بكين الأربعاء. وأوضحت وزارة التجارة الصينية في بيان أن "وانغ قدم احتجاجات رسمية في شأن إدراج مؤسستين ماليتين صينيتين في الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا" خلال محادثات أجراها مع المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش أمس الثلاثاء. ميدانياً قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الأربعاء على تطبيق تيلغرام للمراسلة إن أنظمة الدفاع الجوي دمرت 33 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل في ست مناطق. مقاتلات ميراج في الموازاة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده فقدت، أمس الثلاثاء، أولى مقاتلاتها الفرنسية من طراز "ميراج 2000" في حادثة تحطم تمكن خلاله الطيار من القفز من الطائرة بسلام. وقال زيلينسكي في خطاب بثه موقع الرئاسة، فجر اليوم الأربعاء، "للأسف، فقدنا إحدى طائراتنا المقاتلة. طائرة فرنسية، فعالة للغاية، إحدى مقاتلاتنا الميراج"، مؤكداً أن "الطيار تمكن من القفز، ولم يُسقطها الروس". أنظمة "باتريوت" صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، أمس، بأن حلفاء أوكرانيا يتطلعون إلى معرفة ما إذا كان بإمكان بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تزويد أوكرانيا بخمسة أنظمة دفاع صاروخي من طراز "باتريوت"، التي ترغب ألمانيا في تمويل اثنين منها. وقال بيستوريوس، إن ألمانيا على استعداد لإعطاء منظومتين لأوكرانيا لكنها تحتاج إلى طمأنة بأن بإمكانها استبدالهما في غضون ستة إلى ثمانية أشهر. وأضاف "نبحث حالياً عن حلول تتيح لنا الوقوف على وضع أنظمة باتريوت في الدول الأعضاء بأوروبا". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) واستطرد قائلاً "الأمر ليس مستحيلاً، لكن الشرط الأساسي هو أن تكون الدول التي تمتلكها مستعدة لتسليمها فوراً حتى يتمكن الآخرون من دفع ثمنها ويمكن أن تذهب إلى أوكرانيا". جونسون لا يتوقع فرض عقوبات على روسيا قريباً قال رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون الثلاثاء، إنه لا يعتقد أن الكونغرس يجب أن ينظر في فرض عقوبات على روسيا إلا بعد انتهاء مهلة الـ50 يوماً التي حددها الرئيس دونالد ترمب لموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وأضاف جونسون، وهو جمهوري ونائب عن ولاية لويزيانا، خلال مؤتمر صحافي "كنا نتحدث عن فرض عقوبات على روسيا". وتابع "لكنني أعتقد أن مجلسي النواب والشيوخ متفقان على أنه بعد أن منح البيت الأبيض مهلة الـ50 يوماً، علينا أن نسمح للقائد الأعلى للقوات المسلحة والإدارة ووزير الدفاع والبنتاغون بالقيام بما سيفعلونه، وسنرى كيف سينتهي الأمر". ويضغط بعض أعضاء الكونغرس من أجل فرض عقوبات صارمة على روسيا، بما في ذلك مشروع قانون في مجلس الشيوخ يدعمه 85 عضواً من الحزبين من شأنه أن يفرض رسوماً جمركية 500 في المئة على الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم وغيرها من الصادرات الروسية. وتستحوذ الصين والهند على نحو 70 في المئة من صادرات الطاقة الروسية، والتي تساعد في تمويل مجهودها الحربي. ومع ذلك، قال زعماء جمهوريون في مجلسي الشيوخ والنواب إنهم لن يطرحوا أي تشريع مرتبط بالعقوبات للتصويت من دون موافقة ترمب. وكان ترمب هدد في 14 يوليو (تموز) بعقوبات صارمة على روسيا والدول التي تشتري النفط الروسي، لكنه أمهل موسكو 50 يوماً للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار. ودعا جونسون إلى إنهاء الحرب قائلاً "نحن بحاجة إلى السلام هناك. لقد طال أمد الحرب. الكثير من الأبرياء يموتون. ولا نريد مزيداً من التدخل الأميركي في هذا الأمر على الإطلاق".


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
ترمب: قد أزور الصين قريبا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه قد يزور الصين قريباً في رحلة تاريخية للحد من التوتر التجاري والأمني المتصاعد بين القوتين العظميين المتنافستين. وأضاف ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض أمس الثلاثاء، "دعاني الرئيس شي (جينبينغ) إلى الصين، ومن المحتمل أن أقوم بذلك في المستقبل القريب". وذكرت "رويترز" نقلاً عن مصدرين مطلعين أن مساعدي ترمب وشي ناقشوا إمكان عقد اجتماع بين الرئيسين خلال رحلة يقوم بها الرئيس الأميركي إلى آسيا خلال العام الجاري. وعلق ترمب على اللقاء بالمحتمل بشي خلال اجتماع مع الرئيس الفليبيني فرديناند ماركوس جونيور، وهو حليف رئيس في منطقة المحيط الهادي. وقال ترمب "ربما كانت (الفيليبين) تميل نحو الصين لفترة من الزمن، ولكننا أنهينا ذلك بسرعة كبيرة جداً". وأضاف ترمب، "لا أمانع في أن يتوافق (الرئيس الفيليبيني) مع الصين لأننا نتوافق مع الصين بشكل جيد للغاية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وسعى ماركوس الذي تولى منصبه في عام 2022، لسنوات إلى الحصول على دعم الولايات المتحدة مع تفاقم نزاعات بلاده البحرية مع الصين. وسعت الفيليبين إلى تجنب المواجهة المباشرة مع جارتها الأكبر، التي تطالب بالسيادة على معظم بحر الصين الجنوبي.


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
ترمب يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري ضخم مع اليابان
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثلاثاء أن الولايات المتحدة توصلت إلى اتفاق تجاري مع اليابان ينص خصوصاً على فرض رسوم جمركية أميركية بنسبة 15 في المئة على البضائع اليابانية. وفي منشور على منصته "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي، قال ترمب "لقد أبرمنا لتونا اتفاقية ضخمة مع اليابان، ربما تكون أكبر اتفاقية على الإطلاق"، مشيراً إلى أنه بموجب هذه الاتفاقية "ستستثمر اليابان، بتوجيه مني، 550 مليار دولار في الولايات المتحدة التي ستحصل على 90 في المئة من الأرباح". ولم يقدم الرئيس الجمهوري مزيداً من التفاصيل عن هذه الاتفاقية لكنه أكد أنها "ستخلق مئات الآلاف من فرص العمل". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضاف "لعل الأهم من ذلك هو أن اليابان ستفتح بلادها للتجارة، بما في ذلك السيارات والشاحنات والأرز وبعض المنتجات الزراعية الأخرى، وغيرها. اليابان ستدفع رسوماً جمركية متبادلة للولايات المتحدة بنسبة 15 في المئة". وتعرض ترمب لضغوط لإبرام اتفاقيات تجارية مع شركاء بلاده التجاريين بعد أن وعد بدفق من هذه الاتفاقيات قبل الأول من أغسطس (آب)، الموعد النهائي الذي حدده قبل زيادة الرسوم الجمركية على الدول التي لا يتم التوصل لاتفاق معها. وتأتي هذه الاتفاقية في أعقاب اتفاقات تجارية أخرى أبرمتها الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة مع الفيليبين وإندونيسيا وبريطانيا وفيتنام. كما تأتي هذه الاتفاقية بعد أن واجه رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا انتخابات صعبة في نهاية الأسبوع الماضي تركت ائتلافه بدون أغلبية في مجلس الشيوخ.