logo
الجفاف الحاد يؤثر على مياه الأنهار والينابيع في لبنان

الجفاف الحاد يؤثر على مياه الأنهار والينابيع في لبنان

الجزيرة٠٢-٠٧-٢٠٢٥
في ظاهرة غير مسبوقة خلال فصل الصيف الحالي، شهدت عدة ينابيع في لبنان جفافا حادا يعد الأسوأ منذ 65 عاما، ما ينذر بأزمة مائية غير معهودة تخلف تداعيات إنسانية وبيئية خطيرة في البلاد.
ومن أبرز هذه الينابيع، نبع البياضة بمدينة بعلبك شرق لبنان، أحد أقدم ينابيع المنطقة الذي تحول إلى أرض قاحلة بعد آلاف السنين من تدفق المياه العذبة منه. ووفق اللبنانيين فإن بعلبك هي هبة نبع البياضة، الذي شكّل على مر العصور مصدرا أساسيا للمياه والزراعة ومهدا للحضارات التاريخية.
وحسب المصادر التاريخية، فإن نبع البياضة كان الدافع الأساسي وراء اختيار الإمبراطورية الرومانية (31 قبل الميلاد – 476 ميلادي) في القرنين 6 و5 قبل الميلاد مدينة بعلبك مركزا لبناء معابدهم المتمثلة حاليا بهياكل بعلبك.
وباعتباره مصدرا أساسيا للمياه في تلك الحقبة، جرى إنشاء قناة لجر المياه إلى داخل المعابد التاريخية، وبات النبع مرتبطا أيضا بهياكل بعلبك الأثرية حتى اليوم. وعلى ضفافه تشكّل أكبر متنزه سياحي طبيعي في لبنان، فضلا عن كونه مصدرا حيويا لري البساتين الزراعية وتأمين المياه للمنازل.
ومع الانحسار السريع لمياهه وصولا للجفاف، انقلب المشهد الحيوي هذا والمزدهر بالحياة رأسا على عقب، حيث تحول النبع إضافة إلى بركة البياضة ونهر رأس العين اللذين يتغذيان منه إلى أرض قاحلة.
ونتيجة لذلك انعدمت الحياة البرية في البركة والنهر حيث اختفت الأسماك وطيور الإوز والبط. وبحسب تقارير محلية، فإن بعلبك تشكو من انقطاع المياه عن المنازل لأسابيع في بعض الأوقات، ومن غياب العدالة بتوزيع المياه، ما يدفع بالكثيرين إلى شراء المياه من أماكن غير آمنة.
أزمة الجفاف
ويُرجع مراقبون جفاف الينابيع إلى حالة الجفاف العامة التي يعاني منها لبنان جراء تراجع كميات هطول الأمطار والثلوج، فضلا عن غياب الخطط المائية المستدامة، والاستهلاك العشوائي للمياه الجوفية، إضافة إلى آثار التغير المناخي.
وفي مقابلة مع الأناضول، قال المهندس الجيولوجي محمود الجمّال إن هذا النبع كان السبب الرئيسي الذي شجع الرومان لبناء هياكل بعلبك، ووصف جفاف النبع بأنه كارثة، نظرا لما يشكله من حرمان للمدينة من أهم مورد مائي فيها، على مرّ التاريخ.
وللإشارة إلى أهميته، لفت الجمال إلى أن الرحالة الشهير ابن بطوطة (1304م – 1378م) زار بعلبك، وقال إن المدينة ببساتينها ونبع رأس العين، لا يضاهيها في المنطقة، إلا غوطة الشام في سوريا.
وأضاف أن قلعة بعلبك ورأس العين توأمان لا ينفصلان عن بعضهما، فلولا رأس العين لما وجدت هياكل بعلبك. وأكد خلال حديثه أن عددا آخر من الينابيع في المنطقة تعرض للجفاف منها نبع الشيليش، وعين وردة.
من جانبه، قال رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي إن نبع البياضة ورأس العين شكّلا معلما سياحيا وأثريا في بعلبك (..) فكما مصر هي هبة النيل، فإن بعلبك هي هبة البياضة ورأس العين.
وحذّر الطفيلي من آثار سلبية على قطاعي السياحة والزراعة جراء جفاف نبع البياضة، وطالب بتحرك سريع من أجل استعادة مياه هذا النبع، لافتا إلى صعوبة هذا الأمر الذي يحتاج إلى مشاريع وتمويل.
عجز مائي
بحسب التقرير السنوي لعام 2025 الصادر عن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (أكبر نهر في لبنان) التابعة لوزارة الطاقة، فإن العجز المائي في البلاد يتفاقم سنويا بسبب غياب مشاريع تطوير الموارد والمحافظة على النوعية.
ووفقا للمصلحة ذاتها، فإن سوء إدارة الموارد المائية والتلوث يخفضان الكمية القابلة للاستخدام إلى أقل من ربع المتاح. وأفادت المصلحة بأن لبنان يعاني من الاستنزاف العشوائي والمفرط للمياه الجوفية، فضلا عن غياب الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
وفي مشهد مقلق، انخفضت مياه بحيرة القرعون -الأكبر في لبنان- إلى أدنى مستوى لها منذ إنشاء سد القرعون عام 1959، حيث أظهرت المشاهد تراجع مخزون المياه في البحيرة إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب تقرير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.
ووفق التقرير، فإن كمية المياه الوافدة من نهر الليطاني إلى بحيرة القرعون تدنت خلال عام 2025 وبلغت 43 مليون متر مكعب، في حين الحد الأدنى بلغ سابقا 63 مليون متر مكعب، أما المعدل العام فيبلغ 233 في السنوات المطرية.
هذا التراجع الحاد في كمية المياه، تسبب بتوقف محطة عبد العال لتوليد الكهرباء التابعة لوزارة الطاقة اللبنانية والتي تعمل على الطاقة الكهرومائية بواسطة المياه الوافدة من بحيرة القرعون، وفق ما أعلنت عنه الوزارة في بيان سابق.
وتعليقا على ذلك، أصدرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بيانا في 16 يونيو/حزيران الماضي أرجعت فيه الانخفاض الحاد في منسوب المياه إلى شحّ الأمطار، والاستخدام المفرط وغير المنظم لمياه الري والصناعة، وغياب السياسات المستدامة لإدارة الموارد المائية.
إجهاد مائي
وفي مشهد يعكس تفاقم الأزمة المائية التي تتعرض لها البلاد، شهد نبع عنجر في قضاء زحلة بمحافظة البقاع شرق لبنان، جفافا أرجعته مصادر رسمية إلى عدة أسباب أبرزها شح الأمطار.
وكان هذا النبع يشكل مصدرا أساسيا لتغذية المياه الجوفية والسطحية في تلك المنطقة القريبة من الحدود السورية. وفي 20 يونيو/حزيران، قالت مصلحة الليطاني إن الجفاف سببه شح الأمطار، إضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وغياب الإدارة المتكاملة للموارد المائية.
وحذرت المصلحة من أنّ هذا الواقع يُهدد الأمن المائي والبيئي والزراعي في المنطقة، ويؤشّر إلى خطورة الوضع الهيدرولوجي (الموارد المائية) الذي بدأ يطال الينابيع الأساسية التي كانت تاريخيا تُعرف بغزارتها.
ويعاني لبنان هذا العام 2025 أسوأ أزمة جفاف حاد منذ أكثر من 65 عاما، وفق بيان لمصلحة الليطاني صدر في مارس/آذار، وسط تخوفات من تداعيات سلبية تنعكس على القطاعات الحيوية، وأبرزها الزراعة والصحة والغذاء والطاقة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق
الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

الجفاف يعصف بألمانيا.. غذاء مهدد واقتصاد في مأزق

لم تعد تأثيرات تغير المناخ في ألمانيا مجرد تحذيرات نظرية، بل تحولت إلى واقع ملموس تتجلى آثاره في تراجع الأمطار، وتصحر الحقول، وتدهور الغابات. ففي مناطق واسعة من البلاد، غابت الأمطار لأيام وأسابيع، وهذا ألحق أضرارا مباشرة بالمحاصيل الزراعية، وأثر على حركة الشحن النهري، وسط تحذيرات متزايدة من تداعيات اقتصادية وخدمية مقلقة. الزراعة والمياه في مواجهة الخطر الدكتور يورغ ريشينبيرغ، رئيس قسم المياه والأراضي في الهيئة الاتحادية للبيئة، أوضح في حديثه لموقع "الجزيرة نت" أن تداعيات الجفاف لا تقتصر على تراجع نمو النباتات، بل تمتد إلى فقدان التربة لخصوبتها. وأضاف: "إذا انخفضت احتياطيات المياه في التربة نتيجة فترات جفاف سابقة، فإن أي نقص جديد في الأمطار يؤدي إلى خسائر فادحة في المحاصيل الزراعية". كما حذر من تعرية التربة بفعل الرياح، والتي تتسبب في فقدان الطبقة العلوية الغنية بالمواد العضوية. وأشار ريشينبيرغ إلى أن تغير أنماط هطول الأمطار وتراجع منسوب المياه الجوفية والسطحية يُخلّ بالتوازن بين العرض والطلب على المياه. ونتيجة لذلك، تزداد حدة التنافس بين القطاعات المختلفة مثل الطاقة، الزراعة، الصناعة، وإمدادات مياه الشرب، بالإضافة إلى تأثيرات ذلك على استقرار الأنظمة البيئية. وتراجع منسوب المياه الجوفية والسطحية يعني أن الكميات المتاحة لا تكفي لتلبية الحاجات اليومية، وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في توفير المياه للمزارع والمنازل والمصانع، خاصة في أوقات الذروة. الغابات تحترق.. والقيود تتوسع تزايد الجفاف جعل الغابات، خصوصا في شرق ألمانيا، أكثر عرضة لخطر الحرائق. وتُعد ولاية براندنبورغ، ذات الغطاء الكثيف من غابات الصنوبر وتربتها الرملية الخفيفة، من أكثر المناطق تهديدا. وفي خطوة احترازية، فرضت السلطات المحلية قيودا صارمة على سحب المياه من الأنهار والبحيرات والآبار في 8 مقاطعات ببراندنبورغ، فضلا عن مناطق أخرى في ولاية ساكسونيا أنهالت. أندريه بيرغر، المدير العام للرابطة الألمانية للبلديات، شدد على أن هذه الإجراءات ضرورية لتفادي فرض حظر شامل على استخدام المياه، قائلا: "بهذه الطريقة فقط يمكننا منع اتخاذ تدابير أكثر صرامة في المستقبل". الراين يجف.. وقلق في قلب الصناعة ويعد نهر الراين شريانا اقتصاديا رئيسيا في ألمانيا، إذ يربط موانئ الشمال بالمراكز الصناعية في الجنوب. ومع تراجع منسوب مياهه إلى مستويات حرجة، تصاعدت المخاوف من انعكاسات اقتصادية جسيمة. نيلس يانزن، رئيس قسم التحليل الاقتصادي في معهد كيل للاقتصاد العالمي (IfW)، حذر في تصريحات لصحيفة "هاندلسبلات" من التبعات، قائلا: التجارب السابقة أظهرت أن انخفاض منسوب مياه الراين لفترة طويلة قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة تصل إلى 1% شهريا. في حين اعتبرت وزيرة الاقتصاد في ولاية شمال الراين-وستفاليا، منى نويباور أن الوضع أصبح مقلقا للغاية، مشيرة إلى أن مارس/آذار الماضي كان من أكثر الشهور جفافا منذ بدء تسجيل بيانات المناخ، وفقا لهيئة الأرصاد الألمانية. خسائر تتكرر.. وشركات تتألم ولا تزال تجربة عام 2018 حاضرة في الذاكرة الاقتصادية، عندما أدى انخفاض منسوب الراين إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.4%. كما تكبدت شركات كبرى مثل "باسف" للصناعات الكيميائية خسائر كبيرة نتيجة تعطل سلاسل الإمداد. وفي عام 2022، ارتفعت أسعار الوقود بشكل ملحوظ في جنوب البلاد بسبب تعطل حركة الشحن النهري، إذ لم تتمكن السفن من نقل الوقود من موانئ الشمال إلى مناطق الجنوب. وتشير بيانات القياس في مدينة كاوب إلى أن بقاء منسوب المياه تحت مستوى 78 سنتيمترا لأكثر من 30 يوما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة 1%. وهو ما يعني أن النهر يصبح غير صالح للملاحة الكاملة عندما ينخفض منسوب المياه إلى أقل من هذا الحد، وهذا يعيق مرور السفن التجارية التي تحمل البضائع الثقيلة. وقال الخبير الاقتصادي جوزيف لابشوتس في حديثه لموقع "الجزيرة نت": "إذا استمر انخفاض منسوب المياه، فستعاني المصانع من نقص في المواد الخام، وقد تضطر إلى خفض الإنتاج أو حتى إيقافه مؤقتا". داعيا الحكومة الألمانية إلى تحرك عاجل لمعالجة هذا التهديد المتفاقم. حلول مؤجلة.. المال وحده لا يكفي شركات مثل "باسف" بدأت بالفعل بالبحث عن حلول بديلة، من بينها شراء سفن ذات تصميم خاص للإبحار في المياه الضحلة. إلا أن هذه الإجراءات تبقى حلولا مؤقتة، إذ إن الموقع الصناعي الرئيسي للشركة في لودفيغسهافن يستقبل يوميا حوالي 15 سفينة، وهي كميات لا يمكن تعويضها بسهولة عبر الشحن البري أو السكك الحديدية. ورغم أن الحكومة الألمانية السابقة وضعت خطة لتعميق مجرى نهر الراين بنحو 20 سنتيمترا في مناطق ضيقة تمتد لمسافة 50 كيلومترا، فإن المشروع لا يزال متعثرا بسبب التعقيدات البيروقراطية. وعلّق وزير النقل السابق فولكر فيسينغ بالقول: "المال وحده لا يكفي لحل مشاكل البنية التحتية، بل نحتاج إلى سرعة في التنفيذ". الوقاية أولا.. رؤية إستراتيجية مفقودة ويرى الخبير في مواجهة الكوارث المناخية، جوزيف لابشوتس أن ما يجري اليوم هو إدارة لأعراض الأزمة، وليس معالجة لأسبابها الجذرية. ويضيف: "على مدى السنوات الماضية، تم اتخاذ العديد من الإجراءات على المستويات الأوروبية والألمانية، وتم تعزيز التعاون الأوروبي من خلال برامج مثل "كوبرنيكوس" التي تقدم الدعم للدول عندما تعجز عن المواجهة منفردة". ويشدد لابشوتس على أن الوقاية طويلة الأمد هي الأساس في التصدي لهذه الكوارث المتكررة. ويقول: "يجب إعادة تشجير الغابات وتغيير أنماط إدارتها، واستخدام تقنيات حديثة مثل أجهزة الاستشعار لمراقبة الغطاء النباتي، إلى جانب أنظمة إنذار مبكر، والمراقبة عبر الأقمار الصناعية". ويختم بالقول: "لا بد أن تكون هذه الجهود شاملة وعادلة اجتماعيا. تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ضرورة لا يمكن التخلي عنها، وهي مسؤولية جماعية تقع على عاتق الحكومات، والشركات، والمجتمع المدني". أزمة متشابكة تنتظر إرادة سياسية الجفاف في ألمانيا لم يعد ظاهرة عابرة، بل تحول إلى أزمة مركبة تمس الأمن الغذائي، واستقرار الاقتصاد، وسلامة النظم البيئية. وبينما تتخذ السلطات تدابير مؤقتة لاحتواء الآثار، تظل المعالجة الجذرية معلقة بين بطء التنفيذ وضعف الإرادة السياسية. ما يحتاجه الوضع ليس فقط تمويلا أو معدات، بل رؤية متكاملة طويلة الأمد تضع البيئة في قلب السياسات الاقتصادية، وتمنح الاستدامة أولوية تتناسب مع حجم الخطر.

أبرز 5 أسباب لتفاقم أزمة الشح المائي في الأردن
أبرز 5 أسباب لتفاقم أزمة الشح المائي في الأردن

الجزيرة

time٠٨-٠٧-٢٠٢٥

  • الجزيرة

أبرز 5 أسباب لتفاقم أزمة الشح المائي في الأردن

عمّان- في بلد يُصنَّف بأنه الأفقر مائيا على مستوى العالم، يواجه الأردن أزمة خانقة تهدد استقراره المائي، مما يزيد من معاناة مواطنيه، إذ يلوح في الأفق شبح أزمة مائية متفاقمة بعد موسم مطري يُعد من الأضعف خلال السنوات الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض مخزون السدود وتراجع تغذية مصادر المياه الجوفية. وسجلت كميات الأمطار معدلات منخفضة بشكل مقلق خلال الشتاء الماضي، مما ينذر بآثار خطيرة على الموارد المائية المحدودة أصلا، ويهدد بتفاقم أزمة الشح المائي التي تعاني منها المملكة، مع تزايد الدعوات لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، لمواجهة تحديات الأمن المائي وسط تغيرات مناخية تضرب المنطقة بقسوة. ولم تعد الانعكاسات مقتصرة على الاستخدامات المنزلية، بل امتد أثر الشح المائي ليطال القطاع الزراعي، إذ يعبّر مختصون ومزارعون عن قلقهم من المستقبل، لا سيما في ظل استمرار الجفاف، وتراجع مخزون السدود. تأثير الطقس وأكدت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) أن ظروف الطقس وقلة الأمطار أثرت سلبا على الإنتاج الزراعي في الأردن، الذي شهد في العام الحالي ظروفا مناخية جافة وارتفاعا في درجات الحرارة، مما أثر سلبا على إنتاج الحبوب، خاصة في محافظات إربد ، وجرش، ومادبا. وبيّنت المنظمة الأممية أن كميات الأمطار كانت أقل من نصف المعدل الطبيعي، مما يُتوقع أن يقلل من إنتاجية القمح والشعير وبعض محاصيل الحبوب الأخرى، فيما تشير بيانات وزارة المياه والري إلى تراجع حاد في تخزين السدود، حيث انخفض بنسبة 26.24% بين عامي 2023 و2024. وبلغ حجم التخزين الكلي في السدود نحو 87.5 مليون متر مكعب العام الماضي، مقارنة بـ118.6 مليون متر مكعب في سنة 2023، في ظل تفاقم الفجوة بين كميات المياه الداخلة إلى السدود وتلك الخارجة منها، ويتخوف مختصون من تأثير الأزمة المائية على استقرار إمدادات مياه الشرب للمناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة، لا سيما في العاصمة عمّان ومحافظة الزرقاء ، مع توقعات بفرض برامج توزيع وتقنين أكثر تشددا في الصيف المقبل. وتعود أسباب تفاقم أزمة المياه في الأردن -وفقا لخبراء- إلى التالي: موسم مطري ضعيف للغاية هذا العام، تسبب في تراجع تغذية السدود والآبار. تغير المناخ أدى إلى تقلبات حادة في الهطول المطري وزيادة فترات الجفاف. الاستهلاك المرتفع للمياه مع زيادة عدد السكان واللاجئين. التعديات على مصادر المياه، والحفر الجائر للآبار الجوفية. ضعف البنية التحتية وتزايد فاقد المياه نتيجة التسرب والاعتداءات. أزمة حادة من جانبه، أكد الناطق باسم وزارة المياه والري عمر سلامة أن أزمة المياه والتحديات التي تواجهها البلاد مزمنة، مشيرا إلى أن المملكة تُعد من أفقر دول العالم مائيا، حيث لا تزيد حصة الفرد لكافة الاستخدامات عن 61 مترا مكعبا سنويا، وتعتمد بشكل كبير على إدارة المصادر المحدودة والعدالة في التوزيع، وسط تفاقم الضغوط الناتجة عن النمو السكاني واللجوء والتغير المناخي والاعتداءات. وقال سلامة للجزيرة نت إن عجز مياه الشرب في الأردن خلال هذا الصيف يبلغ نحو 30 إلى 40 مليون متر مكعب، ويتركز في مناطق الوسط والشمال تحديدا، إذ إن تخزين السدود كان ضعيفا هذا العام، ولم يزد على 40% مما أثر على بعض الينابيع. وتعمل وزارة المياه -وفقا له- على إدارة المياه المتوفرة وتوزيعها بمسؤولية عالية، مشيرا إلى أن كمياتها المتوفرة محدودة، وعمليات الضخ والتوزيع تنفد وفق أدوار أسبوعية أو شبه أسبوعية، باستخدام برامج محوسبة تراعي احتياجات كل منطقة، حيث يخصص لكل اشتراك ما بين 4 و6 أمتار مكعبة في كل دور مائي، بحسب التوزيع الجغرافي وحاجة المنطقة. وبشأن أبرز المشكلات المائية التي تواجه الأردن، لفت سلامة إلى تراجع المياه الجوفية، موضحا أن الخطط والبرامج المنفذة وجهود خفض الفاقد وتأمين مصادر غير تقليدية واستخدام التكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي في توزيع المياه، حسّنت من رفع كفاءة عمليات التزويد بشكل كبير في معظم المناطق، وكذلك الشراكة مع المواطنين من خلال حملات التوعية. بدوره، دعا الخبير في شؤون المياه دريد محاسنة، الحكومة إلى التحرك العاجل من خلال حفر آبار جديدة، وتعزيز استخراج المياه الجوفية، وتكثيف الرقابة على سرقات المياه، وتنظيم عمل صهاريج المياه التي يعتمد عليها المواطنون وقت الأزمات. حلول وقال الخبير محاسنة للجزيرة نت إن "المواطن لا يحصل على كميات كافية من المياه حتى في أفضل المواسم، فكيف سيكون الحال مع تراجع كبير في المخزون؟"، مضيفا أن هناك مناطق عديدة في عمّان ومحافظات أخرى تعاني من ضعف أو انقطاع المياه، وإن "وصلتها فهي لا تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للأسر". وطالب بالتقليل من الزراعات الموسمية هذا الصيف وتوجيه الموارد المائية للتزويد المنزلي، مؤكدا أن عمليات "سرقة" المياه تضعف العدالة في التوزيع وتزيد من العبء على المواطنين الملتزمين. كما دعا إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الخاصة في مشاريع تحلية المياه، مع ضمان الرقابة الحكومية على أسعار المحطات الخاصة لمنع استغلال حاجة المواطنين. وتبلغ حصة الفرد من المياه في الأردن نحو 60 مترا مكعبا سنويا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 500 متر مكعب، بحسب وزارة المياه. ونتيجة لتأخر هطول الأمطار وربما انحباسها الموسم الحالي، فإن حصة الفرد مرشحة للانخفاض إلى أقل من 30 مترا مكعبا خلال السنوات المقبلة، وربما أقل من ذلك، إضافة إلى الآثار التي ستلحق بالقطاع الزراعي وتراجع مساحات الأراضي المزروعة. ومن أهم الخيارات المتاحة لمواجهة هذه الأزمة حفر آبار مياه جوفية في عدة مناطق للأغراض الزراعية والاستخدامات المنزلية، وفق الوزارة. وكان الأردن قد وقّع عقد إنشاء مشروع تحلية ونقل المياه العقبة-عمان (مشروع الناقل الوطني) مع تحالف مستثمرين تقوده شركتا "ميريديام" و"سويز"، يهدف إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من مياه البحر سنويا من خليج العقبة، وإيجاد حلول مستدامة لنقص المياه، ضمن خطة للتحديث الاقتصادي تتبناها المملكة.

الجفاف يتصاعد في لبنان.. هل دخل زمن شحّ المياه الدائم؟
الجفاف يتصاعد في لبنان.. هل دخل زمن شحّ المياه الدائم؟

الجزيرة

time٠٦-٠٧-٢٠٢٥

  • الجزيرة

الجفاف يتصاعد في لبنان.. هل دخل زمن شحّ المياه الدائم؟

البقاع- بخطى بطيئة تمر "أم علي" قرب بحيرة البياضة بمنطقة رأس العين في بعلبك (شرقي لبنان) التي جفت مياهها وتشققت أرضها، تتأمل المشهد بصمت قبل أن تقول للجزيرة نت: رحم الله تلك الأيام.. كانت البحيرة عامرة بالماء والبط، لا تجفّ ولا تهدأ، كنّا نأتي للاستمتاع بجمالها، كانت معلما سياحيا وأقرب إلى القلب، ولنا فيها ذكريات لا تُنسى. لكنها اليوم لم تعد سوى أطلال ذكريات". وغير بعيد، يجلس أبو حسين على مقعد إسمنتي يطل على البحيرة الغائبة، وبين تنهيدة وأخرى، يسترجع مشاهد الطفولة والشباب "كنا نجتمع هنا، فالمكان كان مجهزا بمقاعد وأشجار وارفة، ومراجيح للأطفال. كنا نرتاح تحت ظلّها، ونستمتع ببرودة المياه في عزّ الصيف". ويتابع حديثه للجزيرة نت "لم نخسر فقط مَعلما جميلا في بلدتنا، بل إن شحّ المياه أثّر على حياتنا اليومية، بتنا نشتري المياه بعدما كانت البحيرة مصدر فخر وارتواء". يؤكد رئيس بلدية بعلبك أحمد الطفيلي -في حديث للجزيرة نت- أن "جفاف بحيرة البياضة" يعد مؤشرا خطيرا على تفاقم الأزمة المناخية بالمنطقة، في ظلّ تراجع كميات المتساقطات. وقال إن توقف تدفق مياه البحيرة أدى إلى انقطاع نهر رأس العين الذي يُعد الشريان الحيوي لري بساتين بعلبك، مما يهدد الموسم الزراعي، ويزيد من أعباء المزارعين. وحذر من أن تداعيات الجفاف تتجاوز القطاع الزراعي، لتطال الاستخدامات اليومية للمياه، مشيرا إلى أن السكان مهددون بالعطش خلال أسابيع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، خاصة في ظل صيف قاس يلوح في الأفق. وأكد الطفيلي ضرورة التحرك العاجل لحفر آبار جديدة وتوفير مصادر بديلة، داعياً إلى تدخل الوزارات المعنية -خصوصا مؤسسة مياه البقاع ووزارتي الطاقة والزراعة- إلى جانب الجهات الدولية المانحة لمواجهة ما سماها "مرحلة شديدة الخطورة". كما كشف أن المواطنين باتوا يشترون المياه من مصادر بعيدة، مما يضاعف أعباءهم المعيشية في ظل أوضاع اقتصادية خانقة، داعيا الأهالي إلى ترشيد استهلاك المياه والابتعاد عن الهدر. وختم الطفيلي بتوجيه رسالة إلى الجهات الرسمية والدولية، محذرا من أن جفاف البحيرة لا يهدد فقط معلما أثريا وسياحيا له رمزية خاصة في وجدان أبناء بعلبك، بل يمسّ حياة الناس وكرامتهم بشكل مباشر. مناخ يتغيّر من جانبه، يحذر رئيس حزب البيئة العالمي والخبير البيئي دوميط كامل من أن لبنان يقف اليوم على حافة تحول مناخي وبيئي خطير، ينذر بمستقبل مائي وزراعي قاتم، وسط غياب سياسات فاعلة وتخطيط مستدام. وفي حديثه للجزيرة نت، قال كامل "ما نعيشه اليوم ليس أزمة مفاجئة، بل نتيجة مسار بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي، والخوف الأكبر أن الأسوأ لم يأتِ بعد". ويربط كامل بين الاحترار العالمي واختلال التوازن المناخي، مشيرا إلى أن تراكم الحرارة في الطبقات الجوية بات يتجاوز قدرة المحيطات والكتل الهوائية والغطاء الحرجي على امتصاصها، مما أثّر مباشرة على حركة الغيوم ونسبة المتساقطات. ويضيف أن "لبنان ودول الجوار شهدت تراجعا مقلقا في معدل الأمطار وصل إلى الثلث، في حين باتت الثلوج شبه غائبة عن المناطق التي تقلّ عن 1400 متر، بعدما كانت تغطي ارتفاعات لا تتجاوز 200 متر مطلع القرن الحالي". ويكشف الخبير البيئي عن معطى أكثر خطورة، إذ تظهر الدراسات دخول حشرات استوائية إلى لبنان، في مؤشر واضح على انتقال المناخ من نمط "معتدل بارد" إلى "معتدل حار" يقترب تدريجيا من النمط الصحراوي. وقد انعكس هذا التحول المناخي مباشرة على المزارعين، حيث يشير كامل إلى أن محاصيل أساسية مثل المشمش والكرمة واللوز لم تعد قادرة على النمو تحت ارتفاع 800 متر، في حين بدأت النباتات البرية تذبل وتختفي تدريجيا بسبب موجات الحر الشديد. ويؤكد أن لبنان سجل العام الماضي أكثر من 225 يوما من الجفاف التام، مقارنة بأقصى حد تاريخي لم يكن يتجاوز 70 يوما، في حين تقلص الموسم المطري الذي كان يمتد من أكتوبر/تشرين الأول حتى يونيو/حزيران إلى أمطار خفيفة ومتقطعة انتهت كليا مع مطلع مايو/أيار. وفي قراءة قاتمة لواقع المياه، يشير كامل إلى أن معظم الأنهار اللبنانية تشهد تراجعا حادا، من بينها نهر الإبراهيم في جبل لبنان قضاء جبيل، والذي كان يغذّي محطات الطاقة الكهرومائية بأكثر من 560 مليون متر مكعب سنويا، لكنه جفّ هذا العام بشكل شبه تام. ويضيف "لطالما حذرنا من تحويل الأنهار إلى مصبات للصرف الصحي، لكن الدولة لم تتحرك، واليوم نرى نهر بيروت وقد تحول إلى مجرور مفتوح يمر أمام وزارة الطاقة، من دون أي معالجة تُذكر". تحذير من انهيار ويحذر كامل من انهيار شامل في المنظومة البيئية والمائية في لبنان، مشددا على أن البلاد تواجه "خطرا وجوديا" في ظل تواطؤ السلطات مع واقع التلوث والانهيار البيئي. ويقول "أزمة المياه لم تعد نقصا في الموارد، بل تحولت إلى تهديد مباشر لصحة الإنسان والحياة الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي للمياه الملوثة وغياب أي رقابة". ويكشف أن نحو 130 ألف بئر ارتوازية تُستخدم للتخلص من مياه الصرف الصحي، إلى جانب أكثر من 7 آلاف مصدر تلوث تصبّ في نهر الليطاني وحده، وهو النهر الأطول والأكبر في لبنان، وينبع من غرب بعلبك في سهل البقاع ويصب في البحر المتوسط شمال مدينة صور. وحمّل كامل الدولة مسؤولية التلوث المباشر للمجاري المائية، مضيفا "نحن أمام كارثة صحية مكتملة الأركان، معظم المزروعات في لبنان تروى بمياه المجارير، الخضار التي تصل إلى موائد اللبنانيين، من خس وبقدونس وجزر وبطاطا، تُسقى من مصادر ملوثة، وتشكل خطرا حقيقيا على الصحة العامة". ويختم حديثه بانتقاد حاد للقيادات السياسية، واصفا إياها بـ"الجاهلة" ويقول "الناس تأكل خضارا من المجارير دون أن تدري، والقيادات نفسها تأكل من هذه المزروعات، وتُقتل ببطء، من دون وعي أو مساءلة".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store