تيار اليمين الديني السياسي: صراع الاعتدال والاعتزال
من يتدبر هذا المعنى يدرك أن الإسلام ليس حكرًا على طقوس جامدة، بل مشروع حضاري شامل يعبر عن صلة بين الخالق والمخلوق من خلال الحوار، والإيمان، والعمل.
وقد خُلق الإنسان مميزا بملكة التفكير وحرية الاختيار و قدرات التدبير ، ليكون قادرًا على التفاعل مع متغيرات الحياة و تحدياتها، ولكن تبقى الفطرة رهينة بصفاء النفس أو عكر هواها . وهنا يظهر الانقسام: فبينما ترى بعض الفئات في الإسلام مشروعًا حضاريًا مفتوحًا على الثقافات والحضارات، في حين اختزله البعض الآخر في ممارسات مغلقة وطقوس منغلقة، جعلته سجنًا فكريًا لا يسمح بالتفاعل ولا بالحوار، بل يقدس الجمود ويخاصم التجديد ، و هو ذاته عند باقي اتباع الديانات التي ترى فيها نصوص للقراءة لا للفعل و العمل و الهداية.
المقدمة لا تعكس هوية مقال عن حوالي الأديان انما هو توطأة ، لظاهرة ما يُعرف بـ"اليمين الديني السياسي" و هي ظاهرة ليست عربية محلية فقط، بل ظاهرة عالمية ، عابرة للقارات ، تمددت و تشعبت ، للتفرع منها قوى سياسية تحت عباءات مذهبية طائفية ، احتكرت الاحكام و القرارات بحكم وصاية و تفويض الخلافة الربانية .
منطقتنا العربية شهدت أسوأ تجليات صور هذا التيار ، سواء في نسخته الإسرائيلية ذات الطابع التلمودي التوراتي المتطرف المحرفة الذي يدعي مظلومية المحرقة التي تعرض لها و يحرم إنكارها بينما يقر حاخاماته جوازها لغيرهم ، أو تلك العربية المتمثلة في نسخة التنظيمات ذات الخلفية الإخوانية، التي دخلت المجال السياسي تحت راية الدين ، رافضة التعددية و اي رأي يخالفها .
السؤال الجوهري: ماذا قدم هذا التيار؟
اين المنجزات و عوائد المشاريع نفعا للإنسان المنطقة على الأقل ؟
حين نتأمل سجل هذه التيارات بعد وصولها إلى السلطة، نجد أن الحصيلة كانت كارثية ومؤلمة. فبدلًا من تحقيق نهضة حضارية أو إصلاح سياسي، تورطت هذه التيارات في إدارة المؤامرات المؤلمة التي عمقت الأزمات وإثارة الصراعات و اعاقة في كافة الملفات السياسة الخارجية أو الداخلية الاقتصادية أو التعليمية أو الثقافية.
ولفهم ذلك، يكفي النظر إلى ما حدث طول قرن :
نكبة و نكسة و مجازر بالجملة ، حرب أفغانستان والشيشان وكوسوفو، حيث تم تشكيل جماعات جهادية وُظفت كأدوات في صراعات القوى الكبرى.
ليبيا واليمن والعراق ولبنان وسوريا، حيث ساهمت هذه التيارات في تعميق الانهيار والفوضى.
غزة، التي تحولت إلى منصة لحصان طروادة لهندسة جيوسياسية جديدة للمنطقة، بدلًا من أن تكون نموذجًا للمقاومة الراشدة.
في المحصلة، خسرنا على كل المستويات: انكمش حضورنا الدولي، وتراجعت مكانتنا، وازداد الاحتقان الشعبي، وضعف الاقتصاد .
رغم أن العالم العربي يملك كل مقومات النهضة الحضارية والعلمية والاقتصادية، إلا أن التيارات السياسية اليمينية وضعت هذه الإمكانيات في خدمة أجندات غير وطنية، عبر
خطاب ديني مشحون بالعاطفة والشعارات، يخاطب العامة دون مساءلة أو مراجعة.
لقد تحول الدين إلى وسيلة لخلق رأي عام غير مدرك، تسيره العواطف لا العقول، ويجعل من الخطاب الديني أداة لحشد الجمهور في اتجاهات تخدم قوى خارجية، تستثمر في الفوضى وتعميم الصراع، سواء بين الدول أو داخلها.
جميع التنظيمات المتطرفة على اختلاف مذاهبها وأيديولوجياتها لا تملك هوية فرعية تميزها، بل يجمعها فكر واحد: فكر ضال، يقوم على الحقد والتشدد والانتقام. كوادر هذه التنظيمات تمّت تعبئتها نفسيًا وفكريًا بطريقة مغلقة ومشحونة، تفتقر إلى الوعي الحضاري أو الأفق الإنساني، وترى العالم من زاوية حرجة ضيقة.
التقت مصالح هذه التنظيمات مع مصالح قوى دولية أو إقليمية، فتم تمويلها وتوظيفها لتفجير المجتمعات من الداخل، تحت شعارات زائفة عن الشريعة أو الثورة، فيما الحقيقة أنها كانت أدوات في مشاريع أكبر منها.
اليمين الإسرائيلي المتطرف واليمين العربي الإخواني يلتقيان في رؤية متطرفة للعالم: كلاهما يؤمن أن قيام الساعة مشروط بإبادة الطرف الآخر. و كأنهما يعلمان الغيب! يعملان معًا، سرا و علنا على تغذية الصراع بدلا من إطفائه، و كأنهما يجهلان قول الله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي" (الأعراف: 187).
في المقابل، كان العرب الأقحاح أهل مروءة: "الشجاع هو آخر من يطلب الحرب"، أما اليوم، فكثير من الزاعقين أول من يطلبها، ثم ينسحب منها، و يخترع المبررات لإخفاقه.
التيار الديني السياسي، رغم لبوسه الديني، لم يكن يومًا مشروعا إصلاحيا حقيقيًا. بل كان غطاءً لفشل سياسي، وأداة لتصفية الحسابات، وتمزيق المجتمعات، وخدمة أجندات خارجية. والخاسر الأكبر هو المواطن، الذي ضيّعته الشعارات، وأتعبه الفقر و ضياع العمر و القهر ، تغرقه صوت ضوضاء المزايدات ، تمزقه المذهبية ، تتقاسمه المشاريع تعيده إلى جاهلية التبعية الرمزية العباد بدلا من الاتجاه إلى رب العباد .
ختاما اذا ما سألنا من فينا الرابح؟
هو من وضع مصلحة وطنه وأمته فوق كل اعتبار، وعرف أن الدين رسالة إصلاح لا منصة صراع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
الحزب المصري الديمقراطي: لا لتشويه الحقائق.. الاحتلال هو المسئول الوحيد عن معاناة غزة
نشر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بيانًا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، قال خلاله إنه وسط مجاعة وإبادة جماعية يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل على يد قوات الاحتلال، تطل جماعة انتهازية ضيقة المصالح برأسها لتمنح المحتل فرصة للهروب من مسؤولياته، عبر محاولات بائسة لتشتيت الأنظار عن جرائمه المستمرة في غزة والضفة الغربية، وتبرئته من مسؤولية الحرب والتجويع والترويع. تظاهرات أمام السفارات المصرية.. عبث سياسي وخدمة مجانية للاحتلال يرى الحزب أن الدعوة للتظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب ليست فقط تصرفًا عبثيًا وغباءً سياسيًا، بل تعكس الطبيعة التخريبية لتيارات الإسلام السياسي، التي تقدم للمحتل خدمات مجانية، وتطعن الشعب الفلسطيني في مقتل عبر محاولات التغطية على جرائم الاحتلال. تحميل مصر المسؤولية.. انحراف عن الحقيقة وتشويه للوقائع وقال الحزب إن توجيه أصابع الاتهام نحو مصر هو محاولة خبيثة لتحميلها مسؤولية ما يحدث في غزة، وهي محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن الجاني الحقيقي. وفي الوقت الذي تواصل فيه مصر جهودها لوقف العدوان، تُطلق هذه الجماعات دعوات مشبوهة لإغلاق السفارات المصرية، متجاهلة دور مصر التاريخي والداعم للقضية الفلسطينية. مواقف مزدوجة وخدمة لأجندات مشبوهة وأضاف الحزب أن هؤلاء الذين يرفعون شعارات دعم فلسطين اليوم، هم أنفسهم من دعموا أنظمة سلطوية ومارسوا التمييز، وساهموا في التطبيع مع الاحتلال دون شروط، ويسعون حاليًا إلى جر الدولة المصرية لمواجهات عسكرية يعلمون جيدًا خطورتها على أمن واستقرار المنطقة. تضامن مع الشعب الفلسطيني ودعوة لإجراءات واضحة يحيي الحزب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، ويؤكد إدانته الكاملة لجرائم الاحتلال المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا، ويشدد على أن مصر، شعبًا وحكومة، ليست طرفًا في معاناة الفلسطينيين، بل كانت دومًا سندًا وداعمًا حقيقيًا لهم، خاصة في الأزمة الأخيرة. وفي هذا الإطار، يدعو الحزب السلطات المصرية إلى: 1. مواصلة الضغوط السياسية والدبلوماسية لوقف المجازر في غزة فورًا. 2. الإفراج الفوري عن جميع المواطنين المصريين المحبوسين على خلفية تضامنهم السلمي مع الشعب الفلسطيني. 3. اتخاذ خطوات جادة لتعليق كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال حتى وقف العدوان ومحاسبة المجرمين.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
من فرويد إلى ماركيز.. القرن العشرون في ثلاثين كتاباً
من "تفسير الأحلام" لسيغموند فرويد إلى "في الشعر الجاهلي" ل طه حسين ، ومن "عوليس" لجيمس جويس و"1984" لجورج أورويل، و"الغريب" لألبير كامو، إلى "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، و"الصخب والعنف" لويليام فوكنر، و"الخطيئة والتكفير" لعبد الله الغذامي. هي أعمال أدبية وفكرية تنتمي إلى سياقات وتيارات متباينة، وقد لا تجمعها قواسم موضوعاتية واضحة. لكن ما يوحّدها جميعاً هو أنها صدرت خلال القرن العشرين. فهل يمكن، إذاً، قراءة هذا القرن وتحولاته الكبرى من خلال ثلاثين كتاباً شكّلت ملامحه الفكرية والجمالية؟ أعمال شكّلت وعي العالم "ما وراء الأغلفة.. روائع القرن العشرين" عنوان كتاب صدر حديثاً للشاعر السعودي إبراهيم زولي عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، يرصد فيه ثلاثين عملاً أدبياً وفكرياً صدرت خلال القرن الماضي، لنستكشف معاً كيف شكّلت هذه الأعمال وعي العالم، وكيف استحالت إلى جسور تربط بين الشرق والغرب، والأدب والفلسفة، والفرد والمجتمع، من الرواية إلى الشعر، ومن الفلسفة إلى النقد الاجتماعي والسياسي. يرى زولي في مقدمة كتابه أن "القرن العشرين كان بمثابة مختبر للأفكار"، إذ شهد صعود الأيديولوجيات الكبرى وانهيارها، وتفكك الإمبراطوريات، وولادة حركات التحرر في العالم الثالث. وبحسب الكاتب، فإن أهمية هذا القرن لا تكمن فقط في غنى إنتاجه الفكري والأدبي، بل في كونه فترة تحوّل جذري. ففيه ظهرت الحداثة وما بعد الحداثة، وتعرّضت الأطر التقليدية في الرواية والشعر والفلسفة للتفكيك وإعادة البناء، بما عكس التحولات العميقة في الوعي الإنساني والعلاقات الاجتماعية والسياسية. ينطلق المؤلف من العالم العربي مع "زينب" لمحمد حسين هيكل، أول رواية عربية بالمعنى الحديث، ثم يعبر إلى روسيا مع "الأم" لمكسيم غوركي، أحد أبرز أعمال الأدب الاشتراكي. من هناك، يتوقف في اليونان مع "زوربا" لنيكوس كازانتزاكي، وهي رواية تحتفي بالحرية والروح الإنسانية، قبل أن يصل إلى المكسيك مع "بدرو بارامو" لخوان رولفو، العمل الذي ألهم تيار الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية. آداب التحديثات الحية قوائم صيفية للجوائز الفرنسية.. روايات عن العنف والذاكرة هويات ثقافية وفكرية متنوعة في "المسخ" لفرانز كافكا، نجد انعكاساً حاداً للاغتراب الفردي في عالم يزداد جموداً وتجريداً، بينما يقدم جيمس جويس في "عوليس" مغامرة لغوية وفكرية تعيد تعريف شكل الرواية الحديثة ومعناها. ومن جهة أخرى، يعبّر عمل "الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار عن صوت المرأة في مواجهة التمييز البنيوي، في حين تجسّد رواية "محبوبة" لتوني موريسون مأساة العبودية وآثارها النفسية والاجتماعية العميقة عبر أجيال متعاقبة. ولا تقتصر القائمة على الأعمال الأدبية، بل تمتد لتشمل نصوصاً فكرية أثارت جدلاً وتحولات كبرى، مثل "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، و"الاستشراق" لإدوارد سعيد، و"تكوين العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، بوصفها محاولات لإعادة فحص الهوية الثقافية والفكرية في مواجهة الاستعمار والحداثة، فيما يقدم ميشيل فوكو في "تاريخ الجنون" تأملاً عميقاً في كيفية تعامل المجتمعات مع الآخر، سواء كان المجنون أو المنبوذ أو المهمّش. من الكتب التي يقف عندها زولي أيضاً: "الأرض اليباب" لإليوت، و"في انتظار غودو" لصمويل بيكيت، و"المياه كلها بلون الغرق" لإميل سيوران، و"اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، و"مائة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز. بطاقة شاعر وكاتب سعودي من مواليد مدينة ضمد في منطقة جازان عام 1968. حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها. عمل في التدريس. صدرت له تسع مجموعات شعرية، من بينها: "رويداً باتجاه الأرض" (1996)، و"رجالٌ يجوبونَ أعضاءنا" (2009)، و"قصائد ضالّة: كائنات تمارس شعيرة الفوضى" (2010)، و"من جهة معتمة" (2013)، و"حرس شخصي للوحشة" (2015). تُرجم عددٌ من نصوصه إلى الإنكليزية والفرنسية.


الأسبوع
منذ 2 ساعات
- الأسبوع
مرصد الأزهر: «الاعتراف بالتعددية المذهبية والفكرية واحترامها ضرورة لفهم التاريخ الإسلامي»
أكد الدكتور إيهاب شوقي، المشرف بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الاعتراف بالتعددية المذهبية والفكرية واحترامها يمثل ضرورة لفهم التاريخ الإسلامي بشكل علمي وواقعي. وقال خلال حلقة برنامج "فكر"، المذاع على قناة الناس، اليوم الجمعة، إن "تاريخ الإسلام ليس رواية واحدة"، مشيراً إلى استحالة تقديم التاريخ الإسلامي من منظور أحادي، لأن التعدد يمنحنا فهماً أعمق وأكثر تنوعاً للأحداث والوقائع. وأوضح شوقي أن دراسة آراء العلماء عبر العصور ضرورة لا غنى عنها، بدلاً من الاكتفاء بقراءة واحدة "مترفة" أو انتقاء الروايات التي توافق الهوى فقط، مضيفاً أن كثيراً من الأحداث التي يستند إليها المتطرفون لا تمتلك رواية واحدة متفقاً عليها. وشدد على أن "قولنا إن التاريخ الإسلامي ليس له رواية واحدة لا يعني إنكار الأحداث أو التشكيك في التراث، بل دعوة للبحث العلمي المنهجي والانفتاح على الأصوات المختلفة داخله". وأشار إلى أهمية مبدأ التجرد والموضوعية في تناول التاريخ، موضحاً أن الاستفادة الحقيقية لا تتم إلا عبر قراءة محايدة للأحداث، بعيدة عن التوظيف السياسي أو الأيديولوجي، والاعتراف بالسلبيات كما الإيجابيات. ولفت إلى أن التاريخ الإسلامي لا ينبغي أن يُختزل في الجانب العسكري فقط، بل يجب إبراز بعده الحضاري، بما يشمل الفنون والعلوم والفلسفة والعمران وقيم التعايش والتسامح. كما دعا شوقي إلى استخلاص الدروس من التاريخ دون تقديس الأحداث، مبيناً أن الهدف ليس التمجيد أو البكاء على مجد ضائع، بل الفهم والتحليل للاستفادة في واقعنا المعاصر، كما فعل ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، التي أصبحت مرجعاً لعلم الاجتماع الحديث. ولفت شوقي بأن المنهج العلمي في دراسة التاريخ الإسلامي يقوم على التدقيق والنقد وفهم السياقات والمقارنة، بعيداً عن النقل السطحي أو التلقين. مؤكداً أن "القراءة العلمية الواعية تحوّل التاريخ الإسلامي من مادة للصراع إلى مصدر إلهام حضاري يضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل".