
من فرويد إلى ماركيز.. القرن العشرون في ثلاثين كتاباً
طه حسين
، ومن "عوليس" لجيمس جويس و"1984" لجورج أورويل، و"الغريب" لألبير كامو، إلى "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، و"الصخب والعنف" لويليام فوكنر، و"الخطيئة والتكفير" لعبد الله الغذامي. هي أعمال أدبية وفكرية تنتمي إلى سياقات وتيارات متباينة، وقد لا تجمعها قواسم موضوعاتية واضحة. لكن ما يوحّدها جميعاً هو أنها صدرت خلال القرن العشرين. فهل يمكن، إذاً، قراءة هذا القرن وتحولاته الكبرى من خلال ثلاثين كتاباً شكّلت ملامحه الفكرية والجمالية؟
أعمال شكّلت وعي العالم
"ما وراء الأغلفة.. روائع القرن العشرين" عنوان كتاب صدر حديثاً للشاعر السعودي
إبراهيم زولي
عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، يرصد فيه ثلاثين عملاً أدبياً وفكرياً صدرت خلال القرن الماضي، لنستكشف معاً كيف شكّلت هذه الأعمال وعي العالم، وكيف استحالت إلى جسور تربط بين الشرق والغرب، والأدب والفلسفة، والفرد والمجتمع، من الرواية إلى الشعر، ومن الفلسفة إلى النقد الاجتماعي والسياسي.
يرى زولي في مقدمة كتابه أن "القرن العشرين كان بمثابة مختبر للأفكار"، إذ شهد صعود الأيديولوجيات الكبرى وانهيارها، وتفكك الإمبراطوريات، وولادة حركات التحرر في العالم الثالث. وبحسب الكاتب، فإن أهمية هذا القرن لا تكمن فقط في غنى إنتاجه الفكري والأدبي، بل في كونه فترة تحوّل جذري. ففيه ظهرت الحداثة وما بعد الحداثة، وتعرّضت الأطر التقليدية في الرواية والشعر والفلسفة للتفكيك وإعادة البناء، بما عكس التحولات العميقة في الوعي الإنساني والعلاقات الاجتماعية والسياسية.
ينطلق المؤلف من
العالم العربي
مع "زينب" لمحمد حسين هيكل، أول رواية عربية بالمعنى الحديث، ثم يعبر إلى روسيا مع "الأم" لمكسيم غوركي، أحد أبرز أعمال الأدب الاشتراكي. من هناك، يتوقف في اليونان مع "زوربا" لنيكوس كازانتزاكي، وهي رواية تحتفي بالحرية والروح الإنسانية، قبل أن يصل إلى المكسيك مع "بدرو بارامو" لخوان رولفو، العمل الذي ألهم تيار الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية.
آداب
التحديثات الحية
قوائم صيفية للجوائز الفرنسية.. روايات عن العنف والذاكرة
هويات ثقافية وفكرية متنوعة
في "المسخ" لفرانز كافكا، نجد انعكاساً حاداً للاغتراب الفردي في عالم يزداد جموداً وتجريداً، بينما يقدم جيمس جويس في "عوليس" مغامرة لغوية وفكرية تعيد تعريف شكل الرواية الحديثة ومعناها. ومن جهة أخرى، يعبّر عمل "الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار عن صوت المرأة في مواجهة التمييز البنيوي، في حين تجسّد رواية "محبوبة" لتوني موريسون مأساة العبودية وآثارها النفسية والاجتماعية العميقة عبر أجيال متعاقبة.
ولا تقتصر القائمة على الأعمال الأدبية، بل تمتد لتشمل نصوصاً فكرية أثارت جدلاً وتحولات كبرى، مثل "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، و"الاستشراق" لإدوارد سعيد، و"تكوين العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، بوصفها محاولات لإعادة فحص الهوية الثقافية والفكرية في مواجهة الاستعمار والحداثة، فيما يقدم ميشيل فوكو في "تاريخ الجنون" تأملاً عميقاً في كيفية تعامل المجتمعات مع الآخر، سواء كان المجنون أو المنبوذ أو المهمّش.
من الكتب التي يقف عندها زولي أيضاً: "الأرض اليباب" لإليوت، و"في انتظار غودو" لصمويل بيكيت، و"المياه كلها بلون الغرق" لإميل سيوران، و"اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، و"مائة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز.
بطاقة
شاعر وكاتب سعودي من مواليد مدينة ضمد في منطقة جازان عام 1968. حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها. عمل في التدريس. صدرت له تسع مجموعات شعرية، من بينها: "رويداً باتجاه الأرض" (1996)، و"رجالٌ يجوبونَ أعضاءنا" (2009)، و"قصائد ضالّة: كائنات تمارس شعيرة الفوضى" (2010)، و"من جهة معتمة" (2013)، و"حرس شخصي للوحشة" (2015). تُرجم عددٌ من نصوصه إلى الإنكليزية والفرنسية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
من فرويد إلى ماركيز.. القرن العشرون في ثلاثين كتاباً
من "تفسير الأحلام" لسيغموند فرويد إلى "في الشعر الجاهلي" ل طه حسين ، ومن "عوليس" لجيمس جويس و"1984" لجورج أورويل، و"الغريب" لألبير كامو، إلى "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، و"الصخب والعنف" لويليام فوكنر، و"الخطيئة والتكفير" لعبد الله الغذامي. هي أعمال أدبية وفكرية تنتمي إلى سياقات وتيارات متباينة، وقد لا تجمعها قواسم موضوعاتية واضحة. لكن ما يوحّدها جميعاً هو أنها صدرت خلال القرن العشرين. فهل يمكن، إذاً، قراءة هذا القرن وتحولاته الكبرى من خلال ثلاثين كتاباً شكّلت ملامحه الفكرية والجمالية؟ أعمال شكّلت وعي العالم "ما وراء الأغلفة.. روائع القرن العشرين" عنوان كتاب صدر حديثاً للشاعر السعودي إبراهيم زولي عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان، يرصد فيه ثلاثين عملاً أدبياً وفكرياً صدرت خلال القرن الماضي، لنستكشف معاً كيف شكّلت هذه الأعمال وعي العالم، وكيف استحالت إلى جسور تربط بين الشرق والغرب، والأدب والفلسفة، والفرد والمجتمع، من الرواية إلى الشعر، ومن الفلسفة إلى النقد الاجتماعي والسياسي. يرى زولي في مقدمة كتابه أن "القرن العشرين كان بمثابة مختبر للأفكار"، إذ شهد صعود الأيديولوجيات الكبرى وانهيارها، وتفكك الإمبراطوريات، وولادة حركات التحرر في العالم الثالث. وبحسب الكاتب، فإن أهمية هذا القرن لا تكمن فقط في غنى إنتاجه الفكري والأدبي، بل في كونه فترة تحوّل جذري. ففيه ظهرت الحداثة وما بعد الحداثة، وتعرّضت الأطر التقليدية في الرواية والشعر والفلسفة للتفكيك وإعادة البناء، بما عكس التحولات العميقة في الوعي الإنساني والعلاقات الاجتماعية والسياسية. ينطلق المؤلف من العالم العربي مع "زينب" لمحمد حسين هيكل، أول رواية عربية بالمعنى الحديث، ثم يعبر إلى روسيا مع "الأم" لمكسيم غوركي، أحد أبرز أعمال الأدب الاشتراكي. من هناك، يتوقف في اليونان مع "زوربا" لنيكوس كازانتزاكي، وهي رواية تحتفي بالحرية والروح الإنسانية، قبل أن يصل إلى المكسيك مع "بدرو بارامو" لخوان رولفو، العمل الذي ألهم تيار الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية. آداب التحديثات الحية قوائم صيفية للجوائز الفرنسية.. روايات عن العنف والذاكرة هويات ثقافية وفكرية متنوعة في "المسخ" لفرانز كافكا، نجد انعكاساً حاداً للاغتراب الفردي في عالم يزداد جموداً وتجريداً، بينما يقدم جيمس جويس في "عوليس" مغامرة لغوية وفكرية تعيد تعريف شكل الرواية الحديثة ومعناها. ومن جهة أخرى، يعبّر عمل "الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار عن صوت المرأة في مواجهة التمييز البنيوي، في حين تجسّد رواية "محبوبة" لتوني موريسون مأساة العبودية وآثارها النفسية والاجتماعية العميقة عبر أجيال متعاقبة. ولا تقتصر القائمة على الأعمال الأدبية، بل تمتد لتشمل نصوصاً فكرية أثارت جدلاً وتحولات كبرى، مثل "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، و"الاستشراق" لإدوارد سعيد، و"تكوين العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، بوصفها محاولات لإعادة فحص الهوية الثقافية والفكرية في مواجهة الاستعمار والحداثة، فيما يقدم ميشيل فوكو في "تاريخ الجنون" تأملاً عميقاً في كيفية تعامل المجتمعات مع الآخر، سواء كان المجنون أو المنبوذ أو المهمّش. من الكتب التي يقف عندها زولي أيضاً: "الأرض اليباب" لإليوت، و"في انتظار غودو" لصمويل بيكيت، و"المياه كلها بلون الغرق" لإميل سيوران، و"اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، و"مائة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز. بطاقة شاعر وكاتب سعودي من مواليد مدينة ضمد في منطقة جازان عام 1968. حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها. عمل في التدريس. صدرت له تسع مجموعات شعرية، من بينها: "رويداً باتجاه الأرض" (1996)، و"رجالٌ يجوبونَ أعضاءنا" (2009)، و"قصائد ضالّة: كائنات تمارس شعيرة الفوضى" (2010)، و"من جهة معتمة" (2013)، و"حرس شخصي للوحشة" (2015). تُرجم عددٌ من نصوصه إلى الإنكليزية والفرنسية.


القدس العربي
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- القدس العربي
طه حسين ومحنة التراث: قراءة في كتاب «الشعر الجاهلي»
يعد كتاب «في الشعر الجاهلي» لطه حسين من أبرز المؤلفات التي أثارت جدلاً واسعا في تاريخ الأدب العربي الحديث، وقد شكّل لحظة فاصلة في تطور الفكر النقدي العربي. ظهر هذا العمل في سياق ثقافي كان يقدّس الموروث، ولا يجرؤ على مساءلته، فجاء طه حسين ليكسر هذا الصمت، ويطرح أسئلة جذرية حول أصالة الشعر الجاهلي، وصحة نسبه، وقيمته الأدبية الحقيقية. ولعلّ أهمية الكتاب لا تقتصر فقط على محتواه النقدي، بل تمتد إلى الطريقة التي استُقبل بها، والجدل العميق الذي أثاره، والذي لا يزال حياً حتى اليوم في دراسات الأدب والتراث. حين أصدر طه حسين كتابه «في الشعر الجاهلي» لم يكن غافلا عن طبيعة ردود الفعل التي سيثيرها عمله، فقد صرّح في مقدمته قائلاً: هذا نحو من البحث عن تاريخ الشعر العربي جديد، لم يألفه الناس عندنا من قبل. وأكاد أثق أن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه، وأن فريقا آخر سيُزْوِرّون عنه ازورارا» . هذه العبارة تكشف وعيه بمدى زعزعة أفكاره لثوابت المؤسسة الثقافية العربية، وإدراكه أن المشروع الذي يقدّمه سيواجه برفض وجداني، قبل أن يُمحّص عقلانياً. كان طه حسين حريصاً على الوضوح التام في طرحه النقدي، حيث أعلن صراحة، «أحب أن أكون واضحا جليا، وأن أقول للناس ما أريد أن أقول دون أن أضطرهم إلى أن يتأولوا ويتمحلوا، ويذهبوا مذاهب مختلفة في النقد والتفسير والكشف عن الأغراض التي أرمي إليها». وهذا الإصرار على الوضوح هو ما جعل أسلوبه مباشرا وصادماً، وهو ما ساهم أيضا في حدة الجدل الذي رافق صدور الكتاب. في تحليله للشعر الجاهلي، اتخذ طه حسين من القرآن الكريم معيارا للمقارنة، معتبرا إياه المرجع الأدق لتمثّل الروح الدينية للعرب في الجاهلية، قائلاً: «فالقرآن إذن أصدق تمثيلاً للحياة الدينية عند العرب من هذا الشعر الذي يسمونه الجاهلي». وفي هذا الطرح، نجد محاولة لإزاحة الشعر الجاهلي عن موقع الوثيقة التاريخية المطلقة، وإخضاعه للمراجعة النقدية. كما شكك في أصالة اللغة التي نُسب بها هذا الشعر إلى الجاهليين، فكتب: «نقول إن هذا الشعر الجاهلي لا يمثل اللغة الجاهلية، ولنَجْتهدْ في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي». لم يكن طه حسين يقصد نفي وجود الشعر الجاهلي تماما، بل أراد التأكيد على أن ما وصلنا لا يمكن اعتباره دائما ممثلا صادقا للواقع اللغوي والتعبيري الجاهلي، خاصة إذا وضعناه في ضوء التطورات اللغوية التي طرأت بعد الإسلام. ويزيد تأكيده على هذا حين قال: «ولست أنكر أن اختلاف اللهجات كان حقيقة واقعة بعد الإسلام، ولست أنكر أن الشعر استقام للقبائل كلها رغم هذا الاختلاف، ولكن أظن أنك تنسى شيئا يحسن ألا تنساه، وهو أن القبائل بعد الإسلام اتخذت للأدب لغة غير لغته». بهذا المعنى، يؤسس طه حسين لفرضية أن الشعر الجاهلي، في شكله المتداول، قد صيغ بلغة أدبية موحدة استُحدثت بعد الإسلام، ما يطعن في نسبته الزمانية إلى الجاهلية الحقيقية. وفي معرض حديثه عن القوى التي قد تكون ساهمت في اختلاق الشعر ونسبته إلى الجاهليين، يتساءل طه حسين بذكاء نقدي: «والشعوبية، ما رأيك فيهم وفيما يمكن أن يكون لهم من الأثر القوي في انتحال الشعر والأخبار وإضافتها إلى الجاهليين؟». يفتح هذا السؤال الباب أمام تأويلات سوسيولوجية وتاريخية أعمق، حيث يشير إلى احتمال تدخل بعض التيارات الفكرية بعد الإسلام، مثل الشعوبية، في إعادة تشكيل التراث الأدبي الجاهلي بما يتناسب مع صراعات الهوية والانتماء في العصر العباسي على وجه الخصوص. وقد أثار هذا الطرح موجة من الردود المتباينة، فبينما رأى فيه البعض فتحا جديدا في مجال النقد، واتجاها نحو التحرر من سلطة الماضي، هاجمه آخرون بعنف، متهمين إياه بالتشكيك في التراث الإسلامي والطعن في صدقية الشعر العربي. من بين هؤلاء النقاد من رأى أن طه حسين اعتمد في كثير من أطروحاته على مقارنات غير دقيقة، أو أهمل السياق الشفهي الذي كانت تُروى فيه القصائد، وهو ما قد يفسر بعض التناقضات في الأسلوب أو المضمون. ومع ذلك، فإن أصواتا نقدية شابة في ذلك الوقت رأت في مشروع طه حسين لحظة تأسيسية لقراءة جذرية ومتحررة للتراث، ودعت إلى تبني المنهج العلمي في دراسة الأدب العربي، كما يحدث في الآداب الأوروبية. أحدث الكتاب، إذن، زلزالا في النقد العربي، وفرض نفسه مرجعا لا يمكن تجاوزه في أي نقاش حول الشعر الجاهلي. كما أنه مهّد الطريق أمام مقاربات نقدية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الظروف السياسية والاجتماعية التي رافقت جمع وتدوين الشعر القديم، ولا تكتفي بالتعامل معه بوصفه انعكاسا نقيا لروح العصر. وقد أسهم هذا التحول في ولادة اتجاهات نقدية عربية أكثر عقلانية وصرامة في التعامل مع الموروث الأدبي، بما فيها الاتجاه التاريخي، والنقد البنيوي، والنقد الثقافي. رغم ما أثاره من جدل واتهامات، يبقى الشعر الجاهلي عملاً استثنائيا في تاريخ الأدب العربي، لأنه أرغم القرّاء على مساءلة ما اعتادوا قبوله، وفتح أمامهم آفاقا جديدة لفهم النصوص القديمة. لقد بيّن طه حسين، بأسلوبه الواضح وأفكاره الجريئة، أن التراث ليس كتلة صماء، بل بناء تاريخي واجتماعي وثقافي يجب فحصه بعين ناقدة. ومن هنا، فإن الكتاب لا يزال يحتفظ بقيمته المعرفية، ويُعد مدخلا ضروريا لكل باحث يرغب في دراسة الشعر العربي القديم بموضوعية وتجدد. وفي الختام، يمكن القول إن طه حسين لم يكن يسعى إلى تقويض التراث، بقدر ما كان ينشد تحريره من طابع القداسة الزائفة. لقد أراد أن يُخضع الشعر الجاهلي، وغيره من الموروث، لمنهج علمي يميز بين التاريخي والمتخيل، وبين الوثيقة والأسطورة. وإذا كانت أفكاره قد أزعجت بعض الأصوات التقليدية، فإنها، في المقابل، أسست لنقلة نوعية في مسار النقد العربي الحديث، وجعلت من التفكير العقلاني أداة مشروعة، بل ضرورية في التعامل مع تراث غني، لكنه معقّد، ويحتاج إلى قراءة متأنية لا تغفل السياقات ولا تسقط في التبجيل، إنه كتاب لا يُقرأ من أجل الإجماع، بل من أجل التفكير. كاتب مغربي


العربي الجديد
٢٥-٠٦-٢٠٢٥
- العربي الجديد
"نبضات القرآن".. ثمانية مسارات عن حياة النص المقدس
يعدُّ معرض "نبضات القرآن: حياة الكتاب المقدّس بين المدجنين والموريسكيين"، الذي افتتحته جامعة غرناطة بالتعاون مع المجلس الأعلى للبحث العلمي (CSIC) يوم الأربعاء الفائت، محاولة بحثية وتاريخية لاستعادة الدورة الحياتية للقرآن الكريم كما عاشها المسلمون الذين ظلوا في شبه الجزيرة الإيبيرية بعد سقوط الأندلس، الذين عرفوا لاحقاً باسم المدجنين ثم الموريسكيين. يهدف المعرض المقام في قاعة لا كبييلا، والذي يتواصل حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، إلى إحياء ذاكرة ثقافية منسية، وتسليط الضوء على حضور النص المقدس للإسلام في البيئات التي حوصر فيها وأُجبر معتنقوه على التخفّي أو التنصّر القسري. يُقسم المعرض إلى ثمانية محاور موضوعية تشكّل ما يشبه مساراً لحياة القرآن، هي: فاتحة القرآن، والمدجنون والمورسكيون، والقرآن ونصوص أخرى، ومهنة القلم، وحفظ كلمة الله، والقرآن بين الحياة والموت، والقرآن في أيدي المسيحيين، والمنفى والإخفاء. توثّق هذه المحاور الجوانب المتعددة للعلاقة بين المسلمين والقرآن في ظل أوضاع التقييد والملاحقة الدينية، بدءاً من عمليات النسخ والتعليم السرّي، مروراً بالاستخدامات الطقسية والسحرية، وصولاً إلى ترجمات المستشرقين المسيحيين وإخفاء المخطوطات داخل الجدران قبيل النفي، وانتهاءً بما عُثر عليه من تلك النصوص في العصور اللاحقة. من بين أبرز المعروضات: نسخة "قرآن طليطلة" (1606) التي تجمع بين العربية والعجمية، وقرآن أرندا دي مونكايو، أحد أقدم الشواهد على الترجمة الثنائية للنص، و"قرآن سيغوربي" الذي استُخدم في الطقوس الروحية. كما يُعرض ما يُعرف بـ"الرسالة الجنائزية" أو "جواز المرور إلى العالم الآخر" إلى جانب أدوات الكتابة التقليدية، وأمثلة على التعليم الديني السري في بيوت الموريسكيين بعد حظر الإسلام. أكثر من 40 قطعة أصلية مأخوذة من مؤسسات ومجموعات أرشيفية مختلفة لا يغفل المعرض أيضاً العلاقة المعقدة بين القرآن والمجتمع المسيحي، حيث يُعرض مصحف من القرن السابع عشر احتوى على تعليقات لاتينية كتَبها راهب يسوعي من غرناطة في سياق الجدل الديني ومحاولات التنصير القسري. كما يضم المعرض تسجيلات صوتية تفاعلية لتلاوات قرآنية، وأدوات تعليمية من مدارس سرّية مثل المدرسة اليوسفية، ووثائق من محاكم التفتيش توضح كيف جرت مراقبة هذا التراث ومحاولة محوه. تستند محتويات المعرض إلى نتائج مشاريع بحثية تهدف جميعها إلى تحليل حضور القرآن في السياقات الثقافية والدينية الأوروبية خلال العصور الوسطى والعصور الحديثة المبكرة، مع التركيز على شبه الجزيرة الإيبيرية باعتبارها مجالاً غنياً للفهم والتمثيل. إلى جانب ذلك كله، يضم المعرض أكثر من 40 قطعة أصلية مأخوذة من مؤسسات ومجموعات أرشيفية مختلفة على المستوى الوطني، من أبرزها: جامعة غرناطة، ومتحف الحمراء، ومكتبة طليطلة، ومكتبة إكستريمادورا، والمدرسة العليا للدراسات العربية، وأرشيف محكمة غرناطة، وبلدية سيغوربي، والأكاديمية الملكية للتاريخ. آداب التحديثات الحية "القرآن الأوروبي".. توسيع الحدود الدينية والثقافية لفكرة "أوروبا"