
مكافحة الإرهاب أم دعمه ورعايته؟
لنلاحظ في هذه الفترة (يوليو/ تموز الجاري)، أن الأنباء من غزّة تزايدت عن مُجوَّعين سقطوا، إمّا من الجوع الشديد المصحوب بإعياء تام (المسغبة)، أو برصاص الجنود الإسرائيليين، أو برصاص مرتزقة ما سُمّيت "مؤسّسة غزّة الإنسانية"، وهم مجموعة من القتلة الأميركيين ومتعدّدي الجنسيات، يعملون بإشراف حكومة نتنياهو. وقد اشتدّت ظاهرة التجويع منذ مطلع العام الحالي (2025)، وتزامنت مع استبشار أركان حكومة نتنياهو بعودة ترامب إلى البيت الأبيض. وبينما يطلق المبعوث ستيف ويتكوف، منذ ما لا يقل عن عشرين أسبوعاً، تصريحات متكرّرة عن جهود مستمرّة لإنجاح المفاوضات، فإن الحرب في الأثناء تستمرّ بوتيرة خاصّة، فهي تركّز في المدنيين العزّل المنكوبين في الخيام أو مراكز الإيواء، مرفوقةً بتضييق الحصار، ومنع المساعدات الخارجية عبر بوابة رفح.
لا يلاحظ الرئيس ترامب، ولا مبعوثه ويتكوف، أن حرب نتنياهو تركّز في الأطفال والنساء، ويبدي أركان هذه الإدارة حرصاً تاماً (وحرفياً) على عدم إبداء أيّ تعاطف مع الضحايا وذويهم، ممّن يسقطون بالعشرات يومياً، وقد حدث أن وصف ترامب الحرب بأنها وحشية، من دون أن يحدّد من هم الوحوش ومن هم الضحايا. ومن دون أن تبدُر عن إدارته أيّ دعوة علنية لنتنياهو وجنرالاته إلى الكفّ عن قتل المدنيين، فما شأن قتل الأطفال والنساء والعائلات بالجملة وبوحشية مفرطة في الحرب "بين إسرائيل وحماس"؟
واقع الحال أن لا علاقة لهذه الجرائم المقزّزة بالحرب، فهي وقائع قائمة بذاتها، وذات أهداف مستقلّة ترمي (في القرن الحادي والعشرين) إلى محو الكتلة البشرية في غزّة، ومن السخف الشديد، واللؤم الأشدّ، تصويرها ضغطاً عسكرياً، فاستهداف المدنيين ليس نشاطاً عسكرياً، بل هو نشاط إرهابي بغيض، يستحقّ مرتكبوه سوقهم إلى العدالة، كما حدث من قبل مع مرتكبي الجرائم في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفو في البلقان في أواخر القرن الماضي ومطلع الألفية الثالثة.
اقترفت إدارة ترامب خطيئةً علنيةً بسماحها لما تسمّى "مؤسّسة غزّة الإنسانية" باحتكار توزيع المساعدات
وقد اقترفت إدارة ترامب خطيئةً علنيةً بسماحها لما تسمّى "مؤسّسة غزّة الإنسانية" باحتكار توزيع المساعدات، إذ يترافق هذا التوزيع مع اقتراف مرتزقة هذه المؤسّسة جرائم قتل يومية، بالتعاون والتنسيق مع جيش الاحتلال. وزادت إدارة ترامب الموقف سوءاً حين وجّهت عقوبات غاشمة إلى المحامية الإيطالية، المبعوثة الخاصّة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز، لأنها واظبت على كشف جرائم الاحتلال وتوثيقها، وكأنّ واشنطن مصمّمة على نيل "شرف" المشاركة في حرب الإبادة، وبهذا تنتقل من سياسة مكافحة الإرهاب إلى دعمه ورعايته.
قد تتعثر المفاوضات ويتأخّر التوصل إلى وقف إطلاق النار، لكن لماذا المواظبة على قتل الأطفال والنساء والعائلات بصورة يومية وروتينية؟ ولماذا لا تتّخذ أميركا والصين وروسيا ما يلزم من إجراءاتٍ لوقف هذه الفظائع؟... يوم الأربعاء الماضي، أصدر الوسيط غير الرسمي بين "حماس" والإدارة الأميركية، وهو الأميركي الفلسطيني بشارة بحبح، بياناً أخذ فيه على "حماس" تأخّرها في الردّ على مقترحات جديدة، واعتبر ذلك غير مبرّر، وأنه يكلّف الشعب الفلسطيني عشرات الضحايا كلّ يوم. ويجد المرء نفسه متفقاً مع بحبح بأن "حماس" تتباطأ أحياناً في الردّ على الوسطاء، وهو بطء غير مبرّر ومرفوض، وأنه يتعيّن الضغط على الطرفين، حركة حماس وحكومة نتنياهو، للمسارعة إلى وقف الحرب، ولكن ما علاقة ذلك كلّه بأن يتمتّع نتنياهو ووزراؤه وجنرالاته بارتكاب مجازر يومية، ومنع الكميّات الكُبرى من الطعام والماء والدواء من الوصول إلى سكّان غزّة؟ وقد شاءت ربّما المصادفات أن تلقّت "حماس" ملاحظات بحبح، فسارعت في اليوم نفسه (قبل ثلاثة أيام) بتسليم ردّها إلى الوسطاء. وقد تنجح جهود ويتكوف وبحبح وجهود الوسطاء هذه المرّة، وقد تخيب كما تفيد خبرة الفترة الدامية الطويلة الماضية. ولكن، ما العلاقة بين مواصلة محتملة للمواجهة المسلّحة بين إسرائيل و"حماس" وبين إبادة البشر التي ينشط بها الاحتلال؟
وصف ترامب الحرب في غزّة بأنها وحشية، من دون أن يحدّد الوحوش والضحايا
لقد دمج نتنياهو بين حربه على غزّة و"حماس" وحربه القذرة على الأطفال والمسنيّن والمرضى والنساء والعائلات، فكيف يمكن للضمير الإنساني والسياسي وكيف يمكن لبشر أسوياء طبيعيين أن يرتضوا هذا الدمج الصفيق، وأن يتعاموا عنه، وتؤدّي واشنطن الدور الرئيس في التعمية والتعتيم على هذا الإرهاب، وصرف الأنظار عنه، ثمّ الحفاوة في واشنطن بمجرمي حرب مطلوبين للعدالة الدولية، فيما تُرهب ناشطة محترمة في مجال حقوق الإنسان لأنها كشفت (بالوقائع والحقائق والأرقام) طبيعة الحرب الدائرة، التي تمثّل بحقّ وصمة عار على جبين صانعي السياسة الدولية.
من مصلحة أميركا التطهّر من هذا العار ووقف هذه الحرب الغاشمة، والتكفير عن الدعم السخي الذي يتلقّاه عتاة السفّاحين من واشنطن، كما من مصلحة بقية دول مجلس الأمن وضع حدّ لهذه الوحشية المقزّزة التي طال أمدها واتّسع نطاقها وتضاعف عدد ضحاياها، وإلا فليكفَّ الجميع عن ادّعاءاتهم بالتمدّن والانتماء إلى عالم واحد وعائلة بشرية واحدة، وليعلنوا أنهم لم يقطعوا روابطهم مع إرث حروب الإبادة ضدّ السكّان الأصليين، وقد ذهب ضحيتها عشرات الملايين من الأبرياء، ومع إرث حروب المستعمرات وحروب الرقيق والتطهير السياسي والأيديولوجي، وهذا السجلّ الأسود كلّه ممّا يندى له الجبين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 36 دقائق
- العربي الجديد
ترامب يلعب الغولف في اسكتلندا ومئات يحتجون على تعامله مع غزة وقضية إبستين
ابتعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الأنظار في ملعب الغولف الذي يملكه في اسكتلندا اليوم السبت قبل اجتماعاته مع كبار القادة البريطانيين والأوروبيين، وذلك في وقت تحوم فيه تساؤلات في بلاده عن علاقاته بجيفري إبستين الذي أدين بارتكاب جرائم جنسية قبل وفاته. ووصل ترامب، أمس الجمعة، في زيارة أثارت احتجاجات في اسكتلندا حيث اصطف المئات في شوارع العاصمة إدنبره وهم يلوحون بلافتات مكتوب عليها: "ليس رئيسي". وقال الرئيس الأميركي للصحافيين لدى وصوله إنه سيزور منتجعين للغولف يملكهما في اسكتلندا، أحدهما في ترنبري على الساحل الغربي حيث يمارس الرياضة اليوم والآخر قرب أبردين. ومن المقرر أن يلتقي ترامب مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والزعيم الاسكتلندي جون سويني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين التي وصفها بأنها "امرأة محترمة للغاية". ومع غضب ترامب من الأسئلة المستمرة حول تعامل إدارته مع ملفات التحقيق المتعلقة بالاتهامات الجنائية الموجهة إلى إبستين ووفاته في السجن عام 2019، طلب من الصحافيين التركيز على قضايا أكبر وأشخاص آخرين. وقال ترامب: "أنتم تضخمون الأمور وتحولون شيئا غير مهم إلى قضية كبيرة". وأضاف "لا تتحدثوا عن ترامب. ما يجب أن تتحدثوا عنه هو حقيقة أننا شهدنا أعظم ستة أشهر في تاريخ الرئاسة". رصد التحديثات الحية "بوليتيكو": خلاف بين ستارمر ووزارة الخارجية بشأن الاعتراف بفلسطين وشوهد ترامب في ملعب الغولف صباح اليوم، ولكن لم تكن لديه أي مناسبات عامة في جدول أعماله. وجرى إبعاد المراسلين والمؤيدين من خلال تعزيزات أمنية مشددة. وقال البيت الأبيض إن ترامب كان يلعب الغولف مع نجله إريك ترامب والسفير الأميركي لدى بريطانيا وارن ستيفنز ونجله. وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت في الملعب أيضا. وقال مصدران مطلعان لوكالة "رويترز" إن مسؤولي البيت الأبيض يأملون أن يؤدي الابتعاد عن الأضواء لبعض الوقت إلى تهدئة الجدل الدائر حول قضية إبستين. مخاوف إزاء التعامل مع غزة بعيدا عن ملعب الغولف، تجمع مئات المحتجين المناهضين لترامب أمام القنصلية الأميركية في إدنبره، ورفع بعضهم لافتات تحمل صورا لترامب مع إبستين. وحمل آخرون في الحشد لافتات مؤيدة للفلسطينيين. وقالت كات كتمور (31 عاماً)، وهي من سكان إدنبره، إنها شعرت بضرورة الاحتجاج على زيارة ترامب لمخاوفها البالغة حيال تدهور الوضع في غزة بعد حرب مستمرة منذ 21 شهراً وما تعتبرها هجمات الرئيس الأميركي على المبادئ الديمقراطية. وأضافت: "هناك مرحلة ستكون فيها متواطئاً إذا فرشت السجادة الحمراء لشخص وضع مواطني بلده وطالبي اللجوء في معسكرات الاعتقال". ومن المقرر أن يفتتح ترامب في هذه الزيارة ملعبا للغولف قرب أبردين يحمل اسم والدته ماري آن مكلاود التي ولدت وترعرعت في جزيرة اسكتلندية قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة. وقال غابرييل نيغرو، وهو إيطالي يعمل في جامعة إدنبره، إنه شارك في الاحتجاج لإرسال إشارة إلى أنه مثل الآخرين لا يتفق مع سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة وموقفه من غزة. رصد التحديثات الحية "أكسيوس": إدارة ترامب تراجع سياساتها بشأن غزة بعد 6 أشهر من الفشل من ناحية أخرى، قال ترامب، اليوم السبت، إنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع زعيمي كمبوديا وتايلاند للضغط من أجل وقف إطلاق النار في ظل استمرار القتال على طول الحدود بين البلدين لليوم الثالث. وكتب ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال": "انتهت المكالمة مع زعيم كمبوديا، لكن من المتوقع أن أتصل به مجدداً بشأن وقف إطلاق النار بناء على موقف تايلاند. أحاول تبسيط موقف معقد!". (رويترز، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
"أكسيوس": إدارة ترامب تراجع سياساتها بشأن غزة بعد 6 أشهر من الفشل
قال موقع "أكسيوس" الإخباري إنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعكف حالياً على مراجعة سياساتها بخصوص غزة ، مشيراً إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ذكر "نحن بحاجة ماسة إلى إجراء عملية إعادة تفكير جدية"، وذلك نقلاً عن مصدرين حضرا لقاءاً عقده، أمس الجمعة، مع مجموعة من عائلات المحتجزين الإسرائيليين بعد إعلان واشنطن عن انهيار محادثات وقف إطلاق النار، وإلقائها باللوم في ذلك على حركة حماس. ولفت " أكسيوس " إلى أنه "بعد مضي نحو ستة أشهر على عودته إلى البيت الأبيض أصبح ترامب أكثر من أي وقت مضى أبعد من التوصل إلى إنهاء الحرب في غزة"، وذلك وسط تفاقم أزمة التجويع التي وصلت إلى مستويات لم تشهدها من قبل، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة عن ارتفاع العدد الإجمالي لوفيات التجويع وسوء التغذية إلى 127 حالة وفاة، من بينهم 85 طفلاً. وأضاف التقرير الإخباري أن تل أبيب وواشنطن "أصبحتا أكثر فأكثر في عزلة على الصعيد الدولي"، بسبب استمرار حرب الإبادة، مستحضراً أن ترامب جعل إنهاء الحرب وإعادة المحتجزين الإسرائيليين أحد أبرز عناوين حملته الانتخابية قبل وصوله إلى الرئاسة مجدّداً، وأضاف أنه "بينما تتواصل (الحرب)، وتنتشر صور الفلسطينيين الذين يعانون الجوع في مختلف أنحاء العالم، بدأت تبرز انشقاقات في قاعدة ترامب "ماغا"، بسبب دعمه لحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشاملة على غزة". واعتبر موقع "أكسيوس" أن "انهيار محادثات وقف إطلاق النار" في غزة "يمكن أن يكون نقطة تحوّل على صعيد سياسة الإدارة" الأميركية. وقالت حركة حماس، اليوم السبت، إن تصريحات ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف التي زعمت رفض الحركة التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار "تتعارض مع تقييم الوسطاء ولا تنسجم مع مجريات المسار التفاوضي الذي كان يشهد تقدماً فعلياً". وزعم الرئيس الجمهوري أن حماس "لم تكن ترغب حقاً في إبرام اتفاق"، وذلك خلال تصريح أدلى به للصحافيين قبيل توجهه أمس إلى اسكتلندا في زيارة خاصة، زعم خلاله أيضاً "أعتقد أنهم يريدون أن يموتوا. وهذا أمر خطير للغاية". وأضاف "لقد وصلنا الآن إلى آخر الرهائن (المحتجزين الإسرائيليين)، وهم يعلمون ما سيحدث بعد استعادة آخر الرهائن. ولهذا السبب تحديداً، لم يرغبوا في عقد أيّ اتفاق"، وتابع ترامب "قلت لكم... سيكون من الصعب جداً على حماس إبرام اتفاق لأنها ستفقد درعها وغطاءها"، وأكدت حماس مراراً استعدادها لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء حرب الإبادة، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة. من ناحية أخرى، لفت "أكسيوس" إلى أن المسؤولين الإسرائيليين ليسوا متأكدين تماماً إن كانت تصريحات ترامب "مجرد تكتيك في عملية التفاوض أو إنّها تحولٌ لافت في موقفه"، معتبراً أنه إن كان تحولاً فعلياً فهو "ضوء أخضر" لنتنياهو "للمضي باتخاذ إجراءات عسكرية أكثر تطرفاً". وأضاف نقلاً عن مسؤول إسرائيلي تأكيده أن ترامب أخبر نتنياهو خلال معظم المحادثات الهاتفية واللقاءات بينهما "بالقيام بما عليك فعله في غزة". وفي بعض الحالات، يقول المسؤول ذاته "ذهب إلى حد تشجيع نتنياهو على استهداف حماس على نحوٍ أكثر ضراوة". تقارير عربية التحديثات الحية تهديدات ترامب لـ"حماس".. انقلاب أميركي إسرائيلي على مباحثات غزة وبالعودة إلى الاجتماع الذي عقده روبيو مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين في مقرّ وزارة الخارجية أمس، أوضح تقرير "أكسيوس" نقلاً عن مصادره أن وزير الخارجية كرّر مرات عدّة بأن الإدارة بحاجة إلى "إعادة النظر" في استراتيجيتها بخصوص غزة "وتقديم خيارات جديدة للرئيس".


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
غوتيريس ينتقد "انعدام الإنسانية" بحق غزة: الكلمات لا تُشبع الجائعين
استنكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الصورة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أنطونيو غوتيريس سياسي ودبلوماسي برتغالي، ولد في مدينة لشبونة البرتغالية في 30 إبريل/ نيسان عام 1949، شغل منصب رئيس وزراء البرتغال من عام 1995 إلى عام 2002، ومنصب المفوض السامي للأمم المتحدة بين 2005 و2015، ويشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة منذ عام 2017، وهو الشخص التاسع الذي يحمل هذا اللقب في تاريخ المنظمة ، الجمعة، انتفاء "الإنسانية" و"التعاطف" مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذي لا يعاني من أزمة إنسانية فحسب، بل "أزمة أخلاقية تشكل تحدياً للضمير العالمي"، وذلك مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وأزمة الجوع المميتة. وقال في كلمة عبر الفيديو لمنظمة العفو الدولية: "لا أستطيع تفسير مدى اللامبالاة والتقاعس الذي نراه من كثر في المجتمع الدولي. انعدام التعاطف. انعدام الحقيقة. انعدام الإنسانية". وأضاف: "هذه ليست مجرد أزمة إنسانية، بل هي أزمة أخلاقية تشكّل تحدياً للضمير العالمي. سنواصل رفع الصوت في كل فرصة". وكانت منظمات إغاثة قد حذّرت من ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد في قطاع غزة، الذي أحكمت إسرائيل حصاره، ومنعت إدخال المساعدات إليه في مارس/ آذار في خضم حرب الإبادة التي تشنّها على القطاع. وأصبحت المساعدات التي تدخل القطاع خاضعة لسيطرة "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، لتحل مكان نظام التوزيع الذي كانت تديره الأمم المتحدة. ورفضت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة العمل مع هذه المؤسسة، متهمة إياها بمواءمة الأهداف العسكرية الإسرائيلية. وقال غوتيريس إنه دان منذ البداية عملية طوفان الأقصى التي شنّتها حركة حماس فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن "لا شيء يمكن أن يبرر ارتفاع عدد الوفيات والدمار منذ ذلك الحين... حجمهما ونطاقهما يتجاوزان أي شيء رأيناه في عصرنا الحديث". وتابع: "يتحدث الأطفال عن رغبتهم في الذهاب إلى الجنة لأنهم يقولون إنه يوجد طعام هناك على الأقل. نجري مكالمات فيديو مع عاملينا الذين يتضورون جوعاً أمام أعيننا... لكن الكلمات لا تُشبع الأطفال الجائعين". وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة: "يواصل موظفونا الأبطال عملهم في ظروف لا تصدق. كثير منهم في حالة ذهول وإرهاق شديدين، لدرجة أنهم يقولون إنهم لا يشعرون بأنهم أموات ولا أحياء". ودان غوتيريس أيضاً استشهاد أكثر من ألف فلسطيني في أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية منذ 27 مايو/ أيار، عندما بدأت "مؤسسة غزة الإنسانية" عملياتها. وقال: "نحن نحتاج إلى أن نتحرك: وقف إطلاق نار فوري ودائم، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ووصول الإغاثة على نحو فوري ومن دون عوائق". وأضاف أن الأمم المتحدة مستعدة "لزيادة العمليات الإنسانية بشكل كبير" في غزة إذا توصلت إسرائيل و"حماس" إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. الصليب الأحمر الدولي: لتحرك جماعي عاجل بدورها، دعت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش الجمعة إلى "تحرك جماعي عاجل". وأكدت في بيان أنه "لا يوجد أي مبرر لما يحدث في غزة. إن حجم المعاناة الإنسانية وانتهاك الكرامة الإنسانية تجاوزا منذ فترة طويلة أي شيء مقبول قانونياً وأخلاقياً". وتابعت سبولياريتش: "يجب أن تنتهي هذه المأساة الآن، فوراً وبحزم. أي تردد سياسي، وأي محاولة لتبرير الفظائع المرتكبة أمام أعين المجتمع الدولي، ستُعتبر إلى الأبد فشلاً جماعياً في إنقاذ البشرية من الحرب"، وأشارت إلى 350 عضواً في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة يكافح الكثير منهم أيضاً "لتوفير ما يكفي من الغذاء والمياه الصالحة للشراب". "أوتشا": الأنظمة والخدمات في غزة على وشك الانهيار من جهته، قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، الجمعة، إن الظروف الكارثية بالفعل في غزة تتدهور بسرعة، مع تفاقم أزمة الجوع المميتة، وسط العمليات العسكرية التي تجلب الموت والدمار. وأوضح "أوتشا" أن "الحياة تتعرض للاستنزاف من غزة، حيث أصبحت الأنظمة والخدمات على وشك الانهيار، وبالأمس فقط، أعلنت السلطات الصحية المحلية وفاة شخصين آخرين بسبب الجوع". أخبار التحديثات الحية احتجاج أمام منزل مدير "مؤسسة غزة" في فيرجينيا الأميركية: مجرم حرب وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الجوع وسوء التغذية يزيدان من خطر الإصابة بأمراض تضعف جهاز المناعة، خصوصاً بين النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة أو الأمراض المزمنة. وقال: "يمكن أن تتحول العواقب إلى الوفاة بسرعة، ندرة الغذاء تؤثر كثيراً أيضاً في النساء الحوامل والمرضعات، حيث تزداد احتمالية ولادة أطفالهن بمضاعفات صحية". وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن الإمدادات القليلة التي تدخل قطاع غزة لا تكفي بأي حال من الأحوال لتلبية الاحتياجات الهائلة. وقال المكتب: "يواجه عمال الإغاثة خطراً مستمراً، والمعابر غير موثوقة، والعناصر الحيوية تُحظَر بشكل روتيني... وإذا فتحت إسرائيل المعابر، وسمحت بدخول الوقود والمعدات، وسمحت للموظفين الإنسانيين بالعمل بأمان، فإن الأمم المتحدة ستسرع في تقديم المساعدات الغذائية، والخدمات الصحية، والمياه النظيفة، وإدارة النفايات، وإمدادات التغذية، ومواد المأوى". وأشار المكتب إلى أن القيود المختلفة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على إيصال المساعدات لا تزال تعرقل قدرة العاملين في المجال الإنساني على الاستجابة، مؤكداً أنه مع استمرار قيود الوصول، من بين 15 محاولة لتنسيق التحركات الإنسانية داخل غزة يوم الخميس، رُفضَت أربع محاولات مباشرةً، بينما عُرقلَت ثلاث محاولات أخرى. واختتم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بيانه بالقول: "كميات الوقود التي تدخل غزة لا تزال غير كافية للحفاظ على المرافق الحيوية". "أونروا": المجاعة في غزة متعمّدة إلى ذلك، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا "، مساء الجمعة، إن المجاعة الجماعية في قطاع غزة "مدبّرة ومتعمّدة"، حيث يخدم نظام توزيع المساعدات المسمى بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المدعوم إسرائيلياً وأميركياً أهدافاً "عسكرية وسياسية". وأضافت الوكالة الأممية، في بيان: "مجاعة جماعية مُدبّرة ومُتعمّدة. مات اليوم المزيد من الأطفال، وأجسادهم منهكة من الجوع". وأكدت أن "نظام توزيع المساعدات الخاطئ المسمى بمؤسسة غزة الإنسانية غير مُصمّم لمعالجة الأزمة الإنسانية". وشددت "أونروا"، على أن هذا النظام "يخدم أهدافاً عسكرية وسياسية"، واصفة إياه "بالقاسي لأنه يُزهق أرواحاً أكثر مما يُنقذ أرواحاً". وأوضحت أن إسرائيل وفق هذا النظام، تُسيطر على "جميع جوانب وصول المساعدات الإنسانية، سواء خارج غزة أو داخلها". وذكرت "أونروا" أنها خلال فترة وقف إطلاق النار الذي سرى في وقت سابق من عام 2025 (بدأ في يناير/ كانون الأول الماضي، وتهربت إسرائيل منه في مارس/ آذار الماضي)، نجحت في "عكس مسار الجوع المُتفاقم". وتابعت: "اليوم، لدى "أونروا" وحدها ما يُعادل 6 آلاف شاحنة من المساعدات الغذائية والطبية عالقة في مصر والأردن". ومراراً، طالبت "أونروا" بإعادة تفعيل نظام توزيع المساعدات الذي تشرف عليه الأمم المتحدة من أجل التخفيف من وطأة المجاعة في القطاع. ومنذ 2 مارس الماضي، تغلق إسرائيل معابر قطاع غزة أمام شاحنات مساعدات إغاثية وإنسانية وغذائية وطبية مكدسة على الحدود. وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد 9 فلسطينيين بينهم طفلان، خلال 24 ساعة، جراء سياسة التجويع الإسرائيلية، ما يرفع عدد الوفيات الناجمة عن التجويع وسوء التغذية إلى 122 منذ 7 أكتوبر 2023 بينهم 83 طفلاً، وفق تصريح أدلى به مدير العام للوزارة منير البرش، لوكالة الأناضول. (فرانس برس، أسوشييتد برس، الأناضول، العربي الجديد)