logo
خاص لـ"هي": الفنانة سلمى جوراني تروض الألوان وتكسر الصورة النمطية للتراث المغربي

خاص لـ"هي": الفنانة سلمى جوراني تروض الألوان وتكسر الصورة النمطية للتراث المغربي

مجلة هي٢٨-٠٧-٢٠٢٥
في مشهد بصري تتكرّر فيه الصور النمطية حول التراث، تطل الفنانة المغربية سلمى جوراني على الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوب قائم على إعادة التفكير في المرجعيات والرموز، وفي العلاقة بين الماضي والحاضر.
تعمل سلمى جوراني في تقاطع التصوير الفوتوغرافي والفن البصري، حيث تستخدم الصورة كوسيلة للتفكير في قضايا مرتبطة بالهوية، والذاكرة، والمرأة، والتراث المغربي. في أعمالها، لا تُعيد تمثيل الماضي كما هو، بل تعيد صياغته بأسلوب بصري لافت يجمع بين الألوان الصاخبة، والرموز العائلية، والسريالية العابثة.
تصوّر سلمى جدتها، لا لتأطيرها في سياق نوستالجي، بل لمنحها حضورًا حيًّا ومستقلاً في الصور.
في هذا اللقاء، تتحدث "هي" مع الفنانة المغربية سلمى جوراني عن علاقتها بالتراث والذاكرة، وكيف تستخدم التصوير الفوتوغرافي كوسيلة لتفكيك الصور النمطية المرتبطة بالمرأة والهوية الثقافية. نستعرض معها حضور جدتها في أعمالها، واستخدامها للألوان الصارخة، في بناء مشهد بصري يُعيد التفكير في معنى الارتباط بالذاكرة.
هوية فنية تنطلق من خصوصية العائلة
ترى سلمى أن بداية الوعي البصري لديها لم تنفصل عن البيئة التي نشأت فيها، وعن العلاقة المعقّدة بالتراث والأنوثة والذاكرة. ولهذا تفتتح حديثها لـ"هي" من خلال تعريفها بذاتها: "اسمي سلمى جوراني، فنانة بصرية مغربية أستخدم التصوير وسرد القصص لاستكشاف مفاهيم مثل التراث، والذاكرة، والأنوثة، والمقاومة."
وتكمل الحديث:" كثير من أعمالي تنبع من عائلتي، وخاصة النساء فيها، ومن رغبتي في إعادة التفكير في كيفية حملنا للماضي. أستخدم السريالية، والألوان الجريئة، والتناقض كأدوات لطرح الأسئلة، والاحتفاء، وتعقيد الروايات التي ورثناها."
تفكيك الرؤية الرومانسية للتراث
بالنسبة لسلمى، لا يمكن التعامل مع التراث بوصفه مادة ساكنة أو مريحة بصريًا. بل هو حيّ، متوتّر، متشابك، ويجب أن يُقدَّم بهذا الشكل. توضح: "في أعمالي البصرية، أسعى إلى كسر الصورة النمطية التي تقدم التراث كعنصر رقيق، رومانسي، أو جامد. كثيرًا ما تُعرض التقاليد من منظور خارجي بلغة باهتة ومبسطة."
تقول جوراني: " أعمالي تنبع من عائلتي، وخاصة النساء فيها، ومن رغبتي في إعادة التفكير في كيفية حملنا للماضي."
وتكمل الحديث:" أما بالنسبة لي، فالتراث تجربة معقدة، تتقاطع فيها مشاعر الفخر مع ثقل المسؤولية، وتمتزج فيها لحظات البهجة بتوترات الواقع. أستخدم الألوان القوية، بل والمزعجة أحيانًا، لأعكس هذا التداخل، وأُذكّر بأن التقاليد لا تعني دائمًا الهدوء أو السكينة، بل قد تكون أيضًا مساحة للحيوية، للصدام، ولإعادة التشكيل."
الجدة ليست رمزًا... بل شريكة في التكوين
من خلال عدستها، تصوّر سلمى جدتها، لا لتأطيرها في سياق نوستالجي، بل لمنحها حضورًا حيًّا ومستقلاً في الصورة. تقول: "في البداية، كان حضور جدتي في صوري أمرًا عفويًا، فهي كانت شخصية محورية في حياتي. ومع تطوّر مشروع الفني، بدأت أعي أن وجودها أمام الكاميرا، موقفًا من الطريقة النمطية التي تُصوَّر بها الجدات العربيات، كشخصيات رمزية، أو عاطفية."
وتكمل الحديث :"جدتي كانت حادة الذكاء، واضحة التعبير، ومفعمة بالحياة. أردت أن أُقدّمها كما عرفتها: امرأة ذات حضور قوي، وروح مرحة، وحتى بعد رحيلها، ما زالت تمثّل النواة الحيّة لأعمالي، ورفيقة مستمرة في هذا البناء الفني."
خصوصية العائلة وحدود التمثيل
تعترف سلمى بأن تصوير العائلة يتطلب حساسية إضافية، وأن الجدة لم تكن "موضوعًا" بل صوتًا فاعلًا داخل التجربة. تقول: "أتعامل مع هذا الأمر بجدية. مع جدتي، كان الأمر تعاونياً دائماً. لم تكن مجرد موضوع للتصوير؛ بل كانت جزءاً من العملية الإبداعية."
وتكمل الحديث:" كانت تتفاعل، تبدي رأيها، وتضحك أحياناً على أفكاري. هذا التبادل أبقى العمل صادقاً. وبعد رحيلها، أصبحت أكثر حرصًا على تمثيلها بروحها الحقيقية—بلا تمجيد أو تبسيط، بل بنفس تعقيدها وتناقضها الجميل."
تقول سلمى: "المغرب بالنسبة لي يتشكل من الأنوثة، والانتماء، والذاكرة، والفقد الشخصي، والخيال. لا أحاول شرحه لأحد، بل وأعيد تخيله من الداخل."
اللون كلغة تحدٍّ لا تزيين
الألوان في أعمال جوراني لا تأتي لتجميل المشهد، بل لتفكيكه. الألوان الصارخة لديها تفتح حوارًا غير مريح بالضرورة، لكنها صادق. توضح: "أتعمد استخدام الألوان الصارخة كرفض لفكرة تنميط الماضي وتجميله. لا أريد للتراث أن يُقدَّم كذكرى صامتة أو مادة أرشيفية؛ بل كشيء نابض بالحياة."
وتكمل الحديث:" أستخدم هذه الألوان لتوقيف النظرة العابرة، ولجعل المتلقي يعيد التفكير، بفكرة التقاليد حيث يمكن أن تكون صاخبة، متقلبة، بل وحتى مربكة. ليست دائمًا ساكنة؛ بل قد تكون أيضًا مليئة بالحيوية، بالتناقض، وبالاحتمالات المفتوحة."
لحظات جريئة ومربكة
في لحظات كثيرة، تلجأ جوراني إلى إدخال عناصر عبثية تُربك التلقي المعتاد للصورة، لكنها تفتح احتمالات جديدة. تقول: "من أكثر اللحظات جرأة كانت حين جعلت جدتي ترتدي معطفاً ضخماً من الفرو الصناعي، ونظارات شمسية حمراء كبيرة، وتضع معها إكسسوارات لا علاقة لها بالتقاليد."
وتكمل الحديث:" هذا الأسلوب فتح شيئاً جديداً؛ سمح لها بأن تُرى بشكل مختلف تماماً. ليس فقط كـ'جدة مغربية'، بل كشخص يحمل السريالية، والدعابة، والقوة معاً."
تعبر جوراني:" التفاصيل المغربية جزء من لغتي، لكن الإحساس الذي أريد تركه أعمق من ذلك بكثير"
التلقي: ما بين الشكل والمضمون
تتباين ردود الفعل تجاه أعمالها، لكنها تعلّق أهمية أكبر على ما تتركه الصورة من أثر داخلي. تقول سلمى: "يعتمد ذلك على من ينظر. البعض ينجذب أولاً إلى الأقمشة أو المجوهرات أو الرموز. وآخرون يشعرون بثقل المشاعر قبل أن ينتبهوا للعناصر الثقافية."
وتكمل الحديث:" لكن بالنسبة لي، ما يهم أكثر هو 'المقاومة الشعورية' التمرد، الدعابة، الحزن، والسيطرة. التفاصيل المغربية جزء من لغتي، لكن الإحساس الذي أريد تركه أعمق من ذلك بكثير. ولهذا أتجنب الألوان التي تبدو محايدة جدًا أو نوستالجية، إلا إذا استخدمتها بسخرية. أريد من المتلقي أن يتساءل عمّا يراه، لا أن يبتلعه بسهولة."
هوية متعدّدة لا تمثيلية
وأخيراً لا تسعى جوراني إلى تقديم نسخة "معتادة" عن المغرب، بل ترى أن دورها هو التعبير عن التجربة الشخصية بصدق. توضح: "مسؤوليتي هي أن أكون صادقة عاطفيًا. المغرب بالنسبة لي يتشكل من الأنوثة، والانتماء الطبقي، والذاكرة، والفقد الشخصي، والخيال. لا أحاول شرحه لأحد، بل أتكلم من داخله، وأسأله، وأعيد تخيله من الداخل."
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من ضواحي الشرقية إلى ميلانو .. سعوديات يقلبن المشهد الثقافي
من ضواحي الشرقية إلى ميلانو .. سعوديات يقلبن المشهد الثقافي

الاقتصادية

timeمنذ 3 ساعات

  • الاقتصادية

من ضواحي الشرقية إلى ميلانو .. سعوديات يقلبن المشهد الثقافي

في فترة زمنية قصيرة جدا، تحولت السعودية - التي لطالما صورها الخيال الغربي كأرض مليئة بالواحات وأبراج النفط - إلى دولة حيوية في سباق سريع مع الوقت نحو الحداثة. من مدينة نيوم العملاقة على البحر الأحمر وبرج جدة الذي يبلغ ارتفاعه كيلومترا، إلى استثمارات في تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي. وفي ظل رؤية 2030، تعمل السعودية على تنويع اقتصادها المحلي بسرعة، وتهدف في الوقت نفسه إلى إعادة تشكيل صورتها في الخارج كقوة عملاقة مبتكرة، مع التركيز على التنمية التكنولوجية والحضرية، بحسب مجلة Wallpaper البريطانية. لكن هذا ليس كل ما في السعودية. تقول سارة العمران، قيّمة فنية ومستشارة منذ فترة طويلة لمؤسسات إقليمية ودولية: "هناك تركيز كبير على التنمية. لكن لدينا أيضا تاريخ عريق". ولدت العمران ونشأت في المنطقة الشرقية الريفية في المملكة، وتعرف المناطق الأكثر هدوءا والأقل تحضرا في البلاد. إلى جانب مجموعة كبيرة من الفنانين والمصممين الحرفيين، أسهمت العمران في قلب المشهد الثقافي السعودي، بالتركيز هذه المرة على المجتمع والبيئة والتراث. بالتعاون مع مهندسة المناظر الطبيعية لولو المانع، التي تلقت تدريبها في أمريكا والمقيمة في لندن، شاركت العمران أخيرا في تنظيم أول جناح سعودي في معرض ترينالي ميلانو 2025. يحمل الجناح عنوان "مغرس: مزرعة تجريبية"، ويستمر عرضه حتى 9 نوفمبر. يمثل هذا العمل نظرة متعمقة على المجتمع الزراعي، حيث نشأت العمران، ودعوة مؤثرة للحفاظ على تقاليده - الموسيقى والحرف اليدوية وثقافة الأطعمة - في مواجهة الظروف الاقتصادية والمناخية المتغيرة. تقول المانع: "يبدو الجناح بذرة لتجديد المجتمع في حد ذاته (...) إنه يقدم الكثير". بالنسبة إلى مجموعة المبدعين التي نظمت الجناح، فإن إبراز الجوانب الأخرى من السعودية كان مسعى طويل الأمد. تقول المصممة لين عجلان، التي قدمت تحليلا دقيقا لتقنيات الزراعة الصحراوية إلى معرض ميلانو: "إنه مشروع كنت أعمل عليه منذ 3 أعوام". تلقت عجلان تعليمها في المملكة المتحدة، وتعمل حاليا ضمن فريق علامة الأزياء العالمية COS ، وترى أن عملها المستقل ينبع من الروابط الشخصية التي كونتها مع المزارعين والحرفيين الذين يشكلون جوهر بحثها. وتسير تارا الدغيثر على مسار مماثل، حيث تدرس المجتمعات الزراعية في السعودية من خلال شكل فريد: فن الصوت. تقول: "ما يثير اهتمامي هو الصوت والجسد والذاكرة. كيف يمكن لهذه العناصر أن تتفاعل؟". ومثل العمران، تنحدر الدغيثر أيضا من المنطقة الشرقية، وقد استخدمت موهبتها في "الإنصات العميق"، كما وصفتها، لإيصال البيئة السمعية لضواحي السعودية البعيدة إلى العالم. يتفق جميع القيّمين الفنيين والمشاركين على أنه مع تنامي الثقافة الرسمية السعودية الطموحة، لا تزال هناك شبكة دعم قوية تحتضن أعمال الباحثين والمفكرين ذوي التوجهات التأملية والفضولية. تعمل عجلان حاليا على سلسلة من مشاريع المساحات العامة التي سيُعلن عنها قريبا في أنحاء الشرق الأوسط، وتقول "إن الفنانين ذوي التوجهات المشابهة لطالما كانوا حاضرين، وإن لم يكن تمثيلهم واضحا بشكل كاف". أما الدغيثر، التي عرضت أخيرا عملا فنيا في بينالي الشارقة، فتلاحظ أن هذا الاتجاه يكتسب زخما متزايدا، مشيرة إلى أن الأجيال الجديدة تواصل ما بدأته أجيال سابقة من نماذج التنظيم الذاتي والعمل المستقل. ولتعزيز هذا التطور الاجتماعي الإبداعي، يعمل منظمو "مغراس" على تحويل جناحهم إلى مشروع كتاب، تقول المانع "إنه سيسلط الضوء على التجارب المشتركة لعدد أكبر من أصدقائهم وزملائهم، ما يعزز الروابط داخل المجتمع الفني السعودي، ويوسع نطاقه ليتجاوز المدن الكبرى في البلاد، ليشمل قراها ومزارعها ومناظرها الطبيعية التاريخية". وكما تقول العمران: "هدفنا هو توسيع الدائرة".

هنا كتب شعراء العالم قصائدهم .."مقهى الحافة" في طنجة
هنا كتب شعراء العالم قصائدهم .."مقهى الحافة" في طنجة

الشرق السعودية

timeمنذ 15 ساعات

  • الشرق السعودية

هنا كتب شعراء العالم قصائدهم .."مقهى الحافة" في طنجة

ما يزال مقهى "الحافة" في مدينة طنجة المغربية، محافظاً على طرازه التأسيسي الأوّل، منذ إنشائه عام 1921 في حيّ المرفأ، بهدف توفير مكان هادئ حينها، للتواصل المحلي بين أهل المدينة. احتفظ المقهى على مدى قرن من الزمن، بمظهره البسيط ونمطه التقليدي، رافضاً العروض التجارية السياحية الضخمة، متمسكاً بروح المكان الأوّل. بُني المقهى على جرف صخري يطلّ مباشرة على مضيق جبل طارق، ما يمنحه إطلالة خلابة على البحر الأبيض المتوسط حتى جنوب إسبانيا. يتألف من 5 طبقات مدرّجة ومنحدرة من السطح حتى المستوى الخامس، فيها طاولات صغيرة من الزليج المغربي (السيراميك)، وأحواض فخارية مملوءة بالنباتات، توحي بجو بسيطٍ وأصيل. لا يتّبع المقهى موضةَ الفخامة، بل يجذب الزائرين إحساساً بالطبيعة والبحر، إلى جانب تقديم أنواع شاي بالنعناع والفطور البلدي المغربي. شعراء أميركا في طنجة شكّلت طنجة منذ منتصف القرن العشرين، فضاء فريداً للكُتّاب والفنانين الأجانب، أبرزهم بول بولز (1910–1999)، الروائي والشاعر الأميركي الذي استقر في المدينة منذ عام 1947 حتى وفاته، وجعل من مقهى الحافة، ملتقى أدبياً وعودة إلى الحلم كما قال:" أعود إلى مقهى الحافة وأواصل الحلم. غيّر الزمن كل شيء ما عدا هذا المكان، بقي سرّياً وهادئاً، كما كان في الماضي؛ ساحراً جيلاً بعد جيل". جعل بولز من طنجة موطناً دائماً له، ومركزاً للأدب العالمي، حيث ترجم أعمالاً مغربية مهمة، مثل رواية "الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري، من مدينة طنجة، وسجّل الموسيقى الشعبية المغربية، كما كتب روايته الأشهر "السماء الواقية" التي كرّست صورته كرمز في الأدب الأميركي الحديث. شهد المقهى أيضاً حضور الكاتب الأميركي ويليم بوروز (1914–1997)، أحد أبرز رموز جيل "البيت"، الذي عاش في طنجة بين 1954 و 1958 وأنجز فيها أجزاءً من روايته "الغداء العاري"، التي غيّرت تقنيات السرد عبر أسلوب مونتاج روائي (قطع وتركيب) . كما زار المقهى الشاعر ألن غينسبرغ (1926–1997) بدعوة من بول بولز عام 1961، وهو شاعر قصيدة "عواء" الشهيرة التي أصبحت أيقونة لحرية التعبير. جعل هؤلاء الأدباء مقهى الحافة المطلّ على البحر، مكاناً مفضلاً للقاءاتهم وتأملاتهم، فصار رمزاً لحرية الفكر وفضاء للانفتاح الإبداعي، حيث مثّلوا الثقافة المضادّة الأميركية في أوجها، ووجدوا في طنجة فضاء للحرية بعيداً عن القيود الغربية، ما جعل المدينة حاضنة عالمية للإبداع، ومكاناً يتقاطع فيه الأدب والموسيقى والشعر، مع تجارب إنسانية متحررة. في السينما الوثائقية يظهر المقهى في الفيلم الوثائقي بعنوان "بول بول: الغريب الكامل"، فضلاً عن مشاهد من المدينة، ويتحدث فيه بول بولز عن اللقاءات مع الكاتب المغربي الشفاهي محمد مرابط، وألن غينسبرغ، وغيرهما داخل المقهى. كما وصف المكان في كتابه مدينة "الألف والأضواء" قائلاً: "هنا يلتقي لاعبو الشطرنج، والشعراء، والكتّاب، والفنانون". أغنية للمقهى أهدى الفنان الإسباني لويس إدواردو أوتي (1943–2020)، قصيدة للمقهى بعنوان "مقهى الحافة" ضمن ألبومه الموسيقي الصادر بين عامي (1992–1993). يصف الصحفي الإسباني خيسوس كاباليرو الأغنية بأنها تستحضر: "مقهى الحافة الذي سيُكمل بعد عام قرناً من الوجود". كما تضمن نصّ الأغنية إشارات أدبية وصوراً شاعرية مرتبطة بالمكان، مثل جملة "عندما أحببتك، على شرفات مقهى الحافة". نال مقهى الحافة في طنجة اهتمام عدد من الصحفيين والكُتّاب الأجانب، الذين اعتبروه رمزاً للذاكرة الثقافية المغربية. وتناولت مقالات في الصحافة العالمية تاريخه الممتد منذ عام 1921، وإطلالته على مضيق جبل طارق، ودوره كملتقى لكُتّاب عالميين. كما نُشر مقال خاص عن مقهى الحافة في تموز 2025، على موقع "إم دبليو إن لايف ستايل"، وهي منصّة تابعة لمجلة "موركو وورلد نيوز"، مركزّاً على تاريخ المقهى وأجوائه وارتباطه بالكُتّاب العالميين، بينما تناول الكاتب الاسباني خوان غويتيسولو المقهى في روايته "كونت جوليان". عبر الزمن، حافظ المقهى على سماته الفريدة، فضاء مفتوحاً، كتاباً، بحراً، ذاكرة، وشاهداً على عبور الأجيال وتحوّلات الفنّ والأدب في طنجة. كما تحوّل إلى أحد المعالم السياحية البارزة في المدينة، التي تشكّل جزءاً من الهوية العمرانية والثقافية، إلى جانب ما تزخر به من مواقع تاريخية أخرى. يستقطب المقهى زوّاراً متنوّعين، سواء القادمين للإقامة في طنجة أو العابرين منها نحو وجهات مغربية أخرى، لما يوفّره من بيئة هادئة، تتيح فرصة الاسترخاء والاستمتاع بطابع المكان التقليدي. تمّ إدراج المقهى ضمن لائحة الآثار الوطنية، بموجب قرار صادر عن وزارة الثقافة المغربية، إلى جانب مجموعة من المواقع التاريخية المصنّفة. ويقضي القرار بعدم السماح بإحداث أي تغيير في فضائه، إلا بعد إشعار الجهات المعنية. أيقونة تاريخية غير أن هذا الزخم الثقافي الذي ميّز المقهى منذ عشرينيات القرن الماضي، بدأ يتراجع تدريجياً مع مطلع سبعينياته. تغيّرت البنية الاجتماعية والثقافية للمدينة، وانتقل النشاط الإبداعي إلى فضاءات أكثر تنظيماً، مثل دور الثقافة والمراكز الأكاديمية الجديدة، ما أفقد المقهى دوره التقليدي بوصفه نقطة التقاء للكُتّاب والفنانين والشعراء. لم يكن هذا التراجع معزولاً عن التحوّلات الكبرى التي شهدتها طنجة نفسها، من مدينة ذات طابع كوزموبوليتي مفتوح على التيارات الفكرية العالمية، إلى فضاء يتجه تدريجياً نحو السياحة الثقافية، بوصفها أولوية اقتصادية. ونتيجة لذلك، اقتصرت وظيفة المقهى على استقطاب الزوّار المحليين والأجانب الذين يبحثون عن تجربة اجتماعية أو مشهد بانورامي يطلّ على البحر، بعيداً عن تلك اللقاءات الأدبية والفنية التي شكّلت في السابق جزءاً من هويته. يجسّد المقهى ذاكرة حيّة لعصر ثقافي مضى، ورمزاً للحنين إلى زمن شهد حضور شخصيات أدبية وفنية بارزة ، لكنه في الوقت نفسه يعكس تحوّل المدينة ذاتها من مركز للنقاش الثقافي، إلى مقصد سياحي، يسعى إلى استثمار رمزيته الماضية. هكذا تحوّل من فضاء للعنفوان الأدبي، إلى معلم سياحي تاريخي، يحمل الذاكرة الثقافية، أكثر مما يسهم في صناعة الحاضر الإبداعي.

استعراض أنشطة التراث أمام سعود بن جلوي
استعراض أنشطة التراث أمام سعود بن جلوي

الرياض

timeمنذ 19 ساعات

  • الرياض

استعراض أنشطة التراث أمام سعود بن جلوي

استقبل صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي مُحافظ جدة في مكتبه أمس، مدير فرع هيئة التراث بمنطقة مكة المكرمة زياد ياسين فدا. واستمع سموه خلال الاستقبال إلى شرح عن برامج وأنشطة الهيئة بالمحافظة، ودور الهيئة في دعم الحِرف اليدوية، والتراث العمراني. كما اطلع على الفعاليات التراثية والثقافية التي تنظمها الهيئة بالمحافظة لتسليط الضوء على التراث الثقافي ونقلِه للأجيال القادمة، إلى جانب إبراز أهم العادات والتقاليد التي عُرفت في المجتمع السعودي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store