
"سوريكان" رواية المأساة الكردية في الحرب السورية
"إن كان الكرد فعلاً يتامى العالم، فإن كرد سوريا هم يتامى الكرد. لا صاحب لهم. مساكين بلا أصدقاء أو ناطقين أو مسؤولين، بلا مؤسسات، بلا هويات أو إقامات. قراهم طينية. بيوتهم من أحجار الطوب. متفرقون، وعلاوة على ذلك لاجئون" (ص 192). وهكذا يقول الكاتب السوري الكردي سيرو في أحد مقاطع روايته "سُورْيَكان" الصادرة حديثاً عن دار النهضة العربية في بيروت، بتعريب جوان تتر.
نعت كردي
وإذا كانت هذه الأعطاب تلقي بوطأتها الثقيلة على الشعب الكردي الموزع على أربع دول متجاورة، من دون أن تكون له دولته القومية الخاصة به، فإن هذه الوطأة تغدو أثقل حين تقع على الأكراد السوريين في زمن الحرب السورية. وهو ما نتلمسه من مسارات شخوص الرواية المتعثرة ومصائرها القاتمة. وبالدخول إلى الرواية من عتبة العنوان، نشير إلى أن كلمة "سُورْيَكان" نعت كردي يطلقه أهل كردستان العراق على الكرد السوريين اللاجئين، في معرض اتهامهم بالجبن والفساد والإفساد، دون أن يشفع لهم الانتماء إلى القومية نفسها. وهو ما يتم تفسيره في المتن الروائي بالممارسات التي تقع على هؤلاء اللاجئين، من تنمر واحتقار وتضييق وفوقية وغيرها.
رواية المأساة الكردية السورية (دار النهضة العربية)
تجري أحداث الرواية بين عامي 2021 و2015، على المستوى الزماني، وبين محافظة الحسكة السورية ومنطقة أربيل العراقية، على المستوى المكاني. ويدخل فيها مجموعة قليلة من الشخوص الذين يرتبطون بعلاقات القرابة أو الصداقة أو الحب، ويرزحون تحت وطأة الحرب السورية، فيلازم بعضهم قريته، ويتهجر بعضهم الآخر، وتوصد دونهم الأبواب، وتقطع بهم السبل، وبذلك، يقعون ضحية الهوية الكردية الضائعة، من جهة، وضحية الحرب، من جهة ثانية. وفي هذا الفضاء الروائي، يشكل العام إطاراً للخاص، ويرخي بثقله عليه، فتغدو الشخوص مُسيَّرة أكثر منها مُخيَّرة، وتدفع الأثمان الباهظة لانتمائها المزدوج.
ذلك أن علاقة الحب بين شيخو، حفيد البارزاني والناشط الحزبي المقيم في ريف كركى لكى، والشابة الجميلة بيال، المقيمة في مدينة الحسكة، تشكل السلك الخاص الذي ينتظم الأحداث في الفضاء الروائي العام، ويقع تحت تأثيره السلبي الذي يبلغ حد الانقطاع، في مرحلة لاحقة من مجرى الأحداث. على أنه لا بد من الإشارة إلى أنماط أخرى من العلاقات تحف بعلاقة الحب المحورية في الرواية، وتتفاعل معها بصورة أو بأخرى لتشكيل الحكاية الروائية.
علاقة حب
يشعل اللقاء الصدفة نهايات عام 2021 بين الشابة بيال التي يصفها النص بأنها "حورية غير مرئية من جنة السماء، غزالة شردت عن قطيعها، حمامة شذت عن سربها" (ص 7)، والشاب شيخو، خلال حلوله مع أخيه ضيفاً على بعض الأصدقاء، شرارة الحب بينهما، ويشكل بداية علاقة بين الطرفين، تنمو على الزمن، من خلال الاتصالات الهاتفية واللقاءات الميدانية، وتبلغ الذروة في انتظامهما في علاقة حميمية يعرف معها موقع كل شامة في جسدها، ويتعاهدان على الارتباط حين تصبح الظروف مناسبة.
غير أن وقائع معينة تتعلق بكل منهما تترك تأثيرها في مجرى العلاقة، وتؤدي إلى انقطاعها، في نهاية المطاف، ذلك أن وجود شقيق شيخو الكبير باران في سجن الحسكة من دون مبرر، والحكم عليه 15 عاماً، وممانعة أهله ارتباطه بالفتاة لأسباب اجتماعية، من جهة، وتهجير بيال من مدينتها، وتطلعها إلى الارتباط برجل غني يقيها غائلة الفقر، من جهة ثانية، تلقي بثقلها على العلاقة النامية، حتى إذا ما تعرض الحبيبان لهجوم بعض الأشباح الذين قاموا بضرب شيخو وتكبيله وحاولوا اغتصاب بيال، ذات لقاء بينهما، تشكل الواقعة نقطة تحول في مجرى العلاقة بين الإثنين، فتتردى هي في حال من الغضب والصمت، ويؤول هو إلى حال من القلق وانشغال البال، وحين يراها بأم العين تشبك يدها بيد رجل غني، أسود البشرة، كبير الجمجمة، يكبرها بـ10 سنوات، في حديقة الأخير، تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، يفيق من بحرانه، ويدرك متأخراً أن هاجسها المال لا الحب، ويشعر بطعنة الخيانة، وتنقطع العلاقة بين الطرفين.
أعطاب مختلفة
وعليه تجتمع على شيخو الشخصية المحورية في الرواية، توحش النظام وبشاعة الحرب وقسوة الهجرة ومرارة اللجوء وغدر الحبيبة وضياع الحقوق وسجن الأخ ومرض الأم وشظف العيش، ما يجعله يعكف على ذاته، ويعتزل الناس، ويغرق نفسه في التدخين والشراب والعمل والنوم، ولا تفلح محاولات أصدقائه في إخراجه من حالته، غير أن تلقيه اتصالاً هاتفياً من أخته، يعلمه بوجود أمه في المستشفى، يشكل نقطة تحول أخرى في مجرى حياته، فيتدبر أمر الخروج من كردستان العراق مع آخرين، بواسطة مهرب محترف، نحو تركيا، من دون أن تصرح الرواية بوجهته النهائية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل انتهاء الرواية بوصية المهرب للهاربين بالقول: "فلتستعدوا، سنتسلق هذا الجبل الآن، ولكن انتبهوا من السقوط وإن مشيتم انحنوا، فإن رآكم الجنود الأتراك سيقتلونكم على الفور، وإن ألقى البيشمركة القبض عليكم سيعيدونكم إلى سوريا" (ص 201)، يشكل عوداً على بدء، ويشي بوقوع الكردي السوري التائه بين قسوة الطبيعة وتربص الأعداء وتواطؤ الأصدقاء وجهل المصير ليبقى تائهاً تحت كل سماء. ومن خلال هذه الحكاية الروائية ووقائعها القاسية، يطرح كريان سيرو المسألة الكردية وما يحف بها من أسئلة الحرب والحب والاستبداد والأقليات والهجرة واللجوء وغيرها، في لحظة تاريخية حرجة مفتوحة على كل الاحتمالات.
هذه الحكاية يضعها سيرو في 50 وحدة سردية، تتفاوت أطوالها بين صفحة واحدة، في الحد الأدنى (الوحدات 14، 20، 21)، و11 صفحة، في الحد الأقصى (الوحدات 1، 31، 35). ويسند مهمة رويها إلى راوٍ عليم، فيصادر حق الشخوص في الروي، ويتماهى مع لحظة تاريخية قاسية، في عالم مرجعي لم يعترف يوماً في حق الفرد والجماعة، في التفكير والتعبير. وإذا كانت هذه التقنية تدخل في باب التقليد، عبر التاريخ الروائي، فإن تقنية الانتقال بين المشاهد السردية أو بين الوقفات الحوارية أو بين الأمكنة الروائية أو بين الأزمنة المختلفة التي يمارسها الكاتب، ببراعة ويسر، بين هذه الثنائيات المختلفة، تدخل في باب التجديد الروائي، وقد تتعدد النقلات ضمن الصفحة الواحدة.
غير أن عدم وجود فواصل طباعية إخراجية بينها من شأنه أن يربك القارئ ويستنفر انتباهه لكي يميز فيما بينها. وإذا كانت اللغة رشيقة تتحرك في منزلة بين منزلتي الأدبية والتقريرية، مع غلبة الثانية على الأولى، فإن كثرة الأخطاء اللغوية، النحوية والإملائية، إلى حد أننا نقع على ثمانية أخطاء في صفحة واحدة (ص 45)، من شأنها أن تنعكس سلباً على اللغة الروائية، ولعل ذلك يعود إلى كردية المعرب الذي ينقصه الإلمام الكافي بقواعد اللغة العربية. ومع هذا، إن تناول الرواية موضوع حساس في لحظة تاريخية حرجة، وإلقاء الضوء على المسألة الكردية، ومن خلالها، على مسألة الأقليات في العالم العربي، في ضوء انفجار الأصوليات الدينية المختلفة، والعواقب المدمرة على الحضارة والإنسان، يجعلها جديرة بالقراءة، ولن يعود قارئها من الغنيمة بالإياب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
منذ 17 ساعات
- سودارس
الحزن يخيم على مواقع التواصل الاجتماعي بالسودان بعد استشهاد المصور والناشط "شيخو" إثر هجوم بمسيرة تابعة لمليشيا الدعم السريع على منطقة جبال الإبياتور بسهل البطانة
نشر في كوش نيوز خيم الحزن على صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وعدد من المواقع الأخرى بعد نبأ استشهاد أحد النشطاء الشباب البارزين على السوشيال ميديا. وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد لقي الناشط والمصور السماني سعد الدين, الشهير باسم "شيخو", مصرعه أمس الأحد, مع مجموعة من شباب قوات درع السودان. واستشهد شيخو, ورفاقه إثر هجوم بمسيرة تابعة لمليشيا الدعم السريع, في منطقة جبال الإبياتور بسهل البطانة وسط السودان. ونعى عدد كبير من الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي المصور "شيخو", حيث عددوا محاسنه منها دفاعه عن الوطن في حرب الكرامة. انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.


Independent عربية
منذ 7 أيام
- Independent عربية
"سوريكان" رواية المأساة الكردية في الحرب السورية
"إن كان الكرد فعلاً يتامى العالم، فإن كرد سوريا هم يتامى الكرد. لا صاحب لهم. مساكين بلا أصدقاء أو ناطقين أو مسؤولين، بلا مؤسسات، بلا هويات أو إقامات. قراهم طينية. بيوتهم من أحجار الطوب. متفرقون، وعلاوة على ذلك لاجئون" (ص 192). وهكذا يقول الكاتب السوري الكردي سيرو في أحد مقاطع روايته "سُورْيَكان" الصادرة حديثاً عن دار النهضة العربية في بيروت، بتعريب جوان تتر. نعت كردي وإذا كانت هذه الأعطاب تلقي بوطأتها الثقيلة على الشعب الكردي الموزع على أربع دول متجاورة، من دون أن تكون له دولته القومية الخاصة به، فإن هذه الوطأة تغدو أثقل حين تقع على الأكراد السوريين في زمن الحرب السورية. وهو ما نتلمسه من مسارات شخوص الرواية المتعثرة ومصائرها القاتمة. وبالدخول إلى الرواية من عتبة العنوان، نشير إلى أن كلمة "سُورْيَكان" نعت كردي يطلقه أهل كردستان العراق على الكرد السوريين اللاجئين، في معرض اتهامهم بالجبن والفساد والإفساد، دون أن يشفع لهم الانتماء إلى القومية نفسها. وهو ما يتم تفسيره في المتن الروائي بالممارسات التي تقع على هؤلاء اللاجئين، من تنمر واحتقار وتضييق وفوقية وغيرها. رواية المأساة الكردية السورية (دار النهضة العربية) تجري أحداث الرواية بين عامي 2021 و2015، على المستوى الزماني، وبين محافظة الحسكة السورية ومنطقة أربيل العراقية، على المستوى المكاني. ويدخل فيها مجموعة قليلة من الشخوص الذين يرتبطون بعلاقات القرابة أو الصداقة أو الحب، ويرزحون تحت وطأة الحرب السورية، فيلازم بعضهم قريته، ويتهجر بعضهم الآخر، وتوصد دونهم الأبواب، وتقطع بهم السبل، وبذلك، يقعون ضحية الهوية الكردية الضائعة، من جهة، وضحية الحرب، من جهة ثانية. وفي هذا الفضاء الروائي، يشكل العام إطاراً للخاص، ويرخي بثقله عليه، فتغدو الشخوص مُسيَّرة أكثر منها مُخيَّرة، وتدفع الأثمان الباهظة لانتمائها المزدوج. ذلك أن علاقة الحب بين شيخو، حفيد البارزاني والناشط الحزبي المقيم في ريف كركى لكى، والشابة الجميلة بيال، المقيمة في مدينة الحسكة، تشكل السلك الخاص الذي ينتظم الأحداث في الفضاء الروائي العام، ويقع تحت تأثيره السلبي الذي يبلغ حد الانقطاع، في مرحلة لاحقة من مجرى الأحداث. على أنه لا بد من الإشارة إلى أنماط أخرى من العلاقات تحف بعلاقة الحب المحورية في الرواية، وتتفاعل معها بصورة أو بأخرى لتشكيل الحكاية الروائية. علاقة حب يشعل اللقاء الصدفة نهايات عام 2021 بين الشابة بيال التي يصفها النص بأنها "حورية غير مرئية من جنة السماء، غزالة شردت عن قطيعها، حمامة شذت عن سربها" (ص 7)، والشاب شيخو، خلال حلوله مع أخيه ضيفاً على بعض الأصدقاء، شرارة الحب بينهما، ويشكل بداية علاقة بين الطرفين، تنمو على الزمن، من خلال الاتصالات الهاتفية واللقاءات الميدانية، وتبلغ الذروة في انتظامهما في علاقة حميمية يعرف معها موقع كل شامة في جسدها، ويتعاهدان على الارتباط حين تصبح الظروف مناسبة. غير أن وقائع معينة تتعلق بكل منهما تترك تأثيرها في مجرى العلاقة، وتؤدي إلى انقطاعها، في نهاية المطاف، ذلك أن وجود شقيق شيخو الكبير باران في سجن الحسكة من دون مبرر، والحكم عليه 15 عاماً، وممانعة أهله ارتباطه بالفتاة لأسباب اجتماعية، من جهة، وتهجير بيال من مدينتها، وتطلعها إلى الارتباط برجل غني يقيها غائلة الفقر، من جهة ثانية، تلقي بثقلها على العلاقة النامية، حتى إذا ما تعرض الحبيبان لهجوم بعض الأشباح الذين قاموا بضرب شيخو وتكبيله وحاولوا اغتصاب بيال، ذات لقاء بينهما، تشكل الواقعة نقطة تحول في مجرى العلاقة بين الإثنين، فتتردى هي في حال من الغضب والصمت، ويؤول هو إلى حال من القلق وانشغال البال، وحين يراها بأم العين تشبك يدها بيد رجل غني، أسود البشرة، كبير الجمجمة، يكبرها بـ10 سنوات، في حديقة الأخير، تكون القشة التي تقصم ظهر البعير، يفيق من بحرانه، ويدرك متأخراً أن هاجسها المال لا الحب، ويشعر بطعنة الخيانة، وتنقطع العلاقة بين الطرفين. أعطاب مختلفة وعليه تجتمع على شيخو الشخصية المحورية في الرواية، توحش النظام وبشاعة الحرب وقسوة الهجرة ومرارة اللجوء وغدر الحبيبة وضياع الحقوق وسجن الأخ ومرض الأم وشظف العيش، ما يجعله يعكف على ذاته، ويعتزل الناس، ويغرق نفسه في التدخين والشراب والعمل والنوم، ولا تفلح محاولات أصدقائه في إخراجه من حالته، غير أن تلقيه اتصالاً هاتفياً من أخته، يعلمه بوجود أمه في المستشفى، يشكل نقطة تحول أخرى في مجرى حياته، فيتدبر أمر الخروج من كردستان العراق مع آخرين، بواسطة مهرب محترف، نحو تركيا، من دون أن تصرح الرواية بوجهته النهائية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولعل انتهاء الرواية بوصية المهرب للهاربين بالقول: "فلتستعدوا، سنتسلق هذا الجبل الآن، ولكن انتبهوا من السقوط وإن مشيتم انحنوا، فإن رآكم الجنود الأتراك سيقتلونكم على الفور، وإن ألقى البيشمركة القبض عليكم سيعيدونكم إلى سوريا" (ص 201)، يشكل عوداً على بدء، ويشي بوقوع الكردي السوري التائه بين قسوة الطبيعة وتربص الأعداء وتواطؤ الأصدقاء وجهل المصير ليبقى تائهاً تحت كل سماء. ومن خلال هذه الحكاية الروائية ووقائعها القاسية، يطرح كريان سيرو المسألة الكردية وما يحف بها من أسئلة الحرب والحب والاستبداد والأقليات والهجرة واللجوء وغيرها، في لحظة تاريخية حرجة مفتوحة على كل الاحتمالات. هذه الحكاية يضعها سيرو في 50 وحدة سردية، تتفاوت أطوالها بين صفحة واحدة، في الحد الأدنى (الوحدات 14، 20، 21)، و11 صفحة، في الحد الأقصى (الوحدات 1، 31، 35). ويسند مهمة رويها إلى راوٍ عليم، فيصادر حق الشخوص في الروي، ويتماهى مع لحظة تاريخية قاسية، في عالم مرجعي لم يعترف يوماً في حق الفرد والجماعة، في التفكير والتعبير. وإذا كانت هذه التقنية تدخل في باب التقليد، عبر التاريخ الروائي، فإن تقنية الانتقال بين المشاهد السردية أو بين الوقفات الحوارية أو بين الأمكنة الروائية أو بين الأزمنة المختلفة التي يمارسها الكاتب، ببراعة ويسر، بين هذه الثنائيات المختلفة، تدخل في باب التجديد الروائي، وقد تتعدد النقلات ضمن الصفحة الواحدة. غير أن عدم وجود فواصل طباعية إخراجية بينها من شأنه أن يربك القارئ ويستنفر انتباهه لكي يميز فيما بينها. وإذا كانت اللغة رشيقة تتحرك في منزلة بين منزلتي الأدبية والتقريرية، مع غلبة الثانية على الأولى، فإن كثرة الأخطاء اللغوية، النحوية والإملائية، إلى حد أننا نقع على ثمانية أخطاء في صفحة واحدة (ص 45)، من شأنها أن تنعكس سلباً على اللغة الروائية، ولعل ذلك يعود إلى كردية المعرب الذي ينقصه الإلمام الكافي بقواعد اللغة العربية. ومع هذا، إن تناول الرواية موضوع حساس في لحظة تاريخية حرجة، وإلقاء الضوء على المسألة الكردية، ومن خلالها، على مسألة الأقليات في العالم العربي، في ضوء انفجار الأصوليات الدينية المختلفة، والعواقب المدمرة على الحضارة والإنسان، يجعلها جديرة بالقراءة، ولن يعود قارئها من الغنيمة بالإياب.


الشرق الأوسط
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
خطة حكومية لتنظيم الامتحانات في مناطق سيطرة الأكراد شمال سوريا
كشف مصدر تربوي رفيع في وزارة التربية السورية أنها بصدد الإعلان عن اتفاق لتنظيم امتحانات الشهادتين الثانوية العامة والأساسية، في مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهي تحالف يُعتبر الأكراد عماده الأساسي، لإتاحة الفرصة للطلبة وأبناء هذه المناطق للتقديم لامتحاناتهم النهائية في مناطقهم الأصلية. وبحسب هذه المصادر سيتم الإعلان عن افتتاح 4 مراكز امتحان في مدن القامشلي، والحسكة، والرقة، وريف دير الزور، على أن يشرف عليها بشكل مشترك مسؤولون من وزارة التربية الحكومية، وهيئة التربية لدى «الإدارة الذاتية» التي تدير مناطق يقطنها أكراد في شمال وشمال شرقي سوريا. كما ستشارك منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» على أنها طرف مراقب، ومحايد. ويشمل هذا الاتفاق أكثر من 25 ألف طالب وطالبة من المسجلين لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي، والثانوية العامة، ويتحدرون من محافظة الحسكة، ومدنها فقط؛ إلى جانب وجود آلاف الطلبة في محافظة الرقة، وريف محافظة دير الزور الشمالي والشرقي، كانوا يرتادون مدارس حكومية، وتعلموا من خلال مناهج رسمية في مربعات أمنية قبل سقوط النظام السابق نهاية العام الفائت. ويترقب أهالي الطلبة بفارغ الصبر ما ستؤول إليه المناقشات بين دمشق والقامشلي لتنظيم الامتحانات، مع قرب موعد بدئها بداية الشهر المقبل. وأوضحت مصادر في وزارة التربية أن الذين سجّلوا أبناءهم في محافظات دمشق والداخل السوري، ستتاح لهم إمكانية نقل سجلاتهم إلى المراكز الجديدة داخل مناطقهم قبيل موعد انطلاق الامتحانات، كما ستمدد التربية الحكومية فترة التسجيل، وستترك الأبواب مفتوحة مجدداً لأولئك الذين لم يتمكنوا من التسجيل حتى تاريخ اليوم، نظراً لتدهور الأوضاع المعيشية، والاقتصادية، ونتيجة تقلبات المشهد الميداني، والتطورات العامة في المنطقة. وقال خلف المطر، رئيس هيئة التربية والتعليم في «الإدارة الذاتية»، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إنهم ينتظرون جواباً رسمياً من دمشق لتنظيم عملية الامتحانات في مناطق نفوذ الإدارة، مشدداً على أن الهيئة «بذلت جهوداً مكثفة لضمان حقوق الطلاب من خلال التواصل مع منظمة (اليونيسيف) ووزارة التربية الحكومية» في دمشق. طالبات كرديات يتعلمن بمناهج وكتب كردية في مدرسة بمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط) وطالب هذا المسؤول التربوي باعتراف وزارة التربية في دمشق بمناهج «الإدارة الذاتية» التعليمية، ومدارسها القائمة، بعدما ربطت هذه الإدارة على مدار سنوات الحلقات الدراسية بدءاً من المرحلة الابتدائية الأولى إلى المرحلة المتوسطة والمرحلة الجامعية بها. ويطالب مسؤولو «الإدارة الذاتية» حكومة دمشق بتخصيص دروس باللغتين الكردية والسريانية لمن يرغب من الطلاب في تعلمها، وترك حرية الاختيار للأهالي والطلاب، والاعتراف الرسمي بجامعات «الإدارة الذاتية» وهي 3: «روج آفا» بالقامشلي، و«الشرق» بالرقة، و«كوباني» في مدينة عين العرب («كوباني») بريف حلب الشرقي، أسوة ببقية الجامعات الخاصة في مدينتي إدلب وحلب، بعد سقوط النظام المخلوع، والاعتراف بها. وتأتي هذه التحركات التعليمية بعد عقد رئيس المخابرات العامة حسين السلامة جلسة تفاوضية رابعة مع قائد قوات «قسد» مظلوم عبدي، في حقل العمر النفطي بريف دير الزور في 5 من الشهر الحالي، لتطبيق الاتفاق الذي وقّعه الأخير مع الرئيس السوري أحمد الشرع في مارس (آذار) الماضي. ويقضي الاتفاق بدمج قوات «قسد» ومؤسساتها المدنية ومجالس الحكم المحلية في هياكل الدولة السورية. وكان وزير التربية السوري محمد تركو تحدث الشهر الماضي عن التوصل إلى تفاهمات أولية مع سلطات «الإدارة الذاتية» حول ملف التعليم والتربية. يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) حذرت من تأثير الحرب، والصراع على التعليم في سوريا، وأشارت في تقرير لها إلى أن آلاف الأطفال يواجهون تعطلاً حاداً في تعليمهم نتيجة الصراعات، والحروب التي دمرت البنية التحتية التعليمية، ومن العواقب طويلة الأمد، واحتمال حدوث ما وصفته المنظمة بكارثة «عابرة للأجيال» إذا لم تتخذ السلطات الحاكمة إجراءات عاجلة وسريعة لإنقاذ المستقبل التعليمي للطلاب السوريين.