logo
النظرية الأمنية الإسرائيلية

النظرية الأمنية الإسرائيلية

جزايرسمنذ 4 أيام
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تغيراتها وانعكاساتها الإقليمية ج.3بقلم: أ. د. محسن محمد صالحالتغيرات في النظرية الأمنية بعد عملية طوفان الأقصى4. الاتجاه للجاهزية نحو الحرب طويلة الأمد،في ضوء فشل مبدأ "الحسم" السريع، الذي كان ركنًا في "الثالوث الأمني" منذ تأسيس الكيان.وكان الجيش الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 قد خفف في تعامله مع التنظيمات وفصائل المقاومة، ولأسباب عملية، من فكرة "النصر المطلق" إلى فكرة "النصر الكافي"، بما يضمن فترات من "الهدوء" والاحتواء المانع للتهديد قدر الإمكان.غير أن معركة طوفان الأقصى وطول أمدها، وقوة أداء المقاومة، دفعت باتجاه الحرب طويلة الأمد، لكنها أعادت في الوقت نفسه فكرة الحسم أو النصر المطلق بغض النظر عن المدى الزمني.5. تعزيز الضربات الاستباقية، وتوسيع دائرة الاغتيال المستهدف؛ والتساهل في الضوابط والاعتبارات السياسية والأمنية والأخلاقية التي تمنع ذلك.
6. تقوية النفوذ والهيمنة الإقليمية، من خلال فرض خريطة أمنية جديدة للمنطقة، وفرض مناطق عازلة (كما في لبنان وسوريا...)، وتفعيل التحالفات مع دول التطبيع لتنفيذ أجندات أمنية وفق المعايير الإسرائيلية؛ والظهور بشكل مكشوف ك"شرطي للمنطقة"، وك"عصا غليظة" فوق الرؤوس. وكان نتنياهو قد كرر مرات عديدة فكرة الهيمنة و"تغيير وجه الشرق الأوسط"، وتحقيق "الازدهار عبر القوة".
إذ ترى القيادة الإسرائيلية أن حسم الملف الفلسطيني والقضاء على قوى المقاومة، لا يتحققان إلا بتغيير الواقع الأمني في المنطقة، وخنق البيئة التي تتنفس منها المقاومة؛ لضمان الأمن المستقبلي للأجيال الصهيونية في فلسطين المحتلة. 7. التركيز على الأمن الداخلي: من خلال السعي لبناء "حصانة وطنية"، والاستعداد للصدمات المستقبلية، وتعبئة المجتمع الصهيوني وقدرته على التكيُّف، خصوصًا في ضوء تزايد مخاطر الضربات الصاروخية والاختراق الحدودي؛ وفي ضوء تزايد الرغبات في الهجرة المعاكسة لدى المجتمع الاستيطاني اليهودي بسبب الظروف الأمنية.
ويندرج تحت ذلك أيضًا مواجهة "التهديد السكاني الفلسطيني" بعد أن تجاوزت أعدادُ الفلسطينيين أعدادَ اليهود في فلسطين التاريخية؛ وبالتالي إدراج ملفات الضم والتهجير وإيجاد البيئات الطاردة لهم في الأجندة الإسرائيلية. 8. المزاوجة بين الاعتماد على الذات والاعتماد على الحلفاء: فبالرغم من التطور الكبير للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وصعودها ضمن أعلى مصدري الأسلحة وتقنيات التجسس في العالم، وبالرغم من الجهود المتواصلة للوصول إلى فكرة "الاعتماد على الذات"، وتحقيق تفوق كبير على الدول في البيئة الإستراتيجية المحيطة، فإن هذا المفهوم اهتز في معركة طوفان الأقصى؛ حيث ثبت أنه غير كافٍ لتحقيق الانتصار.
كما أثبت الحاجة الماسة لوجود حلفاء إستراتيجيين كبار دائمين كالولايات المتحدة، التي ظهرت الحاجة إليها في التزويد بالأسلحة النوعية، وفي مواجهة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، ومواجهة إيران، وفي الدفاعات المضادة للصواريخ، وفي توفير الغطاء السياسي والأمني والإعلامي الدولي، وممارسة الضغوط على دول المنطقة.
9. تحقيق الردع النفسي و"كي الوعي"، وذلك بشكله الأقسى والأعنف، من خلال ما حصل في غزة من مجازر وإبادة جماعية وتهجير وتجويع وتدمير، ليتكرس في الوعي الجمعي الخوفُ من الاحتلال الإسرائيلي وعدم اللجوء للمقاومة.أثبت مفهوم "السياج الذكي" المتعلق بالدفاعات الحدودية وحماية المستوطنات، أنه لم يكن كافيًا، وبالتالي يجب تعزيز الدفاعات البشرية والمادية، و"الحرس الوطني" للتعامل مع المخاطر المحتملة.انعكاسات التغير في النظرية الأمنية على البيئة الإقليميةبناء على ما سبق، فإن التغيرات في النظرية الأمنية ستنعكس على شكل سلوك وسياسات إسرائيلية أكثر عدوانية في البيئة الإقليمية، تتمثل فيما يلي:1. توسيع نطاق العمل العسكري والأمني الإسرائيلي إقليميًا، ومحاولة فرض حالة هيمنة مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط.
2. الانتقاص من مفهوم السيادة لدى عدد من دول المنطقة، مثل سوريا ولبنان.
3. مزيد من الضغوط على الأنظمة لتنفيذ أجندات أمنية والالتزام بالمعايير الإسرائيلية، بحجة محاربة الإرهاب، وبالتالي مزيد من قمع الحريات، وقمع الاتجاهات الداعمة للمقاومة ولفلسطين، وتيارات "الإسلام السياسي" والقوى الوطنية والقومية المعادية للمشروع الصهيوني، ومواجهة مشاريع النهضة والوحدة.والضغط على أنظمة المنطقة باتجاه "أمننة" الحياة المدنية، من خلال تعميم النموذج الإسرائيلي، بحيث يُعامَل كل تهديد سياسي أو شعبي ك"قضية أمنية"، بما يؤدي إلى تآكل حقوق الإنسان، وتَغوُّل أجهزة المخابرات.في المقابل، فإن السلوك الإسرائيلي المتعجرف قد يؤدي إلى:1. أن تلجأ بعض الدول الكبيرة في المنطقة لحماية أمنها القومي، والدخول في سباق تسلُّح مع "إسرائيل".2. غير أن الجانب الأهم، هو أن هذا السلوك الإسرائيلي المتعجرف، عندما يتعامل مع بيئة عربية وإسلامية ويحاول فرض عصاه الغليظة المباشرة على شعوب عريقة تعتز بدينها وتراثها وتاريخها وهويتها الحضارية؛ فهو إنما يقوم فعليًا بتوسيع دائرة الصراع ودائرة التحدي ضده، وتوسيع دائرة السخط والغضب في البيئة الإستراتيجية، ويتسبب بتسريع قيام "ربيع عربي" جديد يكون الخاسر الأكبر فيه هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه، والأنظمة الحليفة معه.3. سيعاني الجانب الإسرائيلي في سبيل تحقيق نظريته، من حالة فرط التمدد، وهو ما قد يتسبب له بحالة إنهاك تفوق طاقاته وإمكاناته، وهو أحد المؤشرات المهمة على تراجع وسقوط الدول عبر التاريخ.
وأخيرًا، فثمة فجوة كبيرة بين ما يريده الاحتلال الإسرائيلي، وبين ما يستطيع تنفيذه على الأرض، وما زالت الأمة وشعوبها تتمتع بإمكانات مذخورة هائلة، قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني ودحره.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

طريقة إنزال القط من الشجرة
طريقة إنزال القط من الشجرة

الشروق

timeمنذ 4 ساعات

  • الشروق

طريقة إنزال القط من الشجرة

فيما تتوالى ضربات المقاومة في غزة ضد فلول 'عربات جدعون' الخرافية، وتتباكي أمهات المجرمين في حق شعب أعزل توّاق لحريته وأرضه ومستعد للنزال إلى آخر حجر، يبدو الخلاف قويا بين إدارة البيت الأبيض ورئيس وزراء الكيان بشأن طريقة الصفقة والحل مع الجيران، الذي يعني 'التطبيع'. الزيارة الأخيرة لنتن ياهو للولايات المتحدة ولقاءه الثاني مع ترامب خلال 24 ساعة، يؤكد أن ترامب يستعجل حلًّا في غزة عبر صفقة شاملة ولو على شكل مرحلتين: وقف إطلاق نار مؤقت يمهد لوقف إطلاق نار دائم. هذا المسار، لا يرى فيه نتن ياهو، وهو مكبَّل اليدين والقدمين من خلاف بحبال أهدافه المعلنة المبالغ فيها، والتي لا يستطيع التراجع عنها بسهولة بعد كل هذه الخسائر التي لحقت بكيانه في كل من حرب غزة ولبنان وإيران، وعليه أن يجد مخرجا وسلّما غير مكشوف العتبات، للنزول من على الشجرة من دون أن يتفطن جمهوره من اليمين واليسار والمستوطنين، وهذا في حد ذاته حلمٌ آخر، لكابوس مشهور في وجهه. رئيس وزراء الكيان، في وضع لا يحسد عليه: إما قبول الصفقة كما تريدها المقاومة، وبالتالي خسارته للحرب ولكرسيه ولتحالفه ولمستقبله السياسي برمّته، وانتحار فظيع له، أو أن يقبل بحل وسط في صيغة لا رابح ولا خاسر التي تحاول إدارة ترامب أن توفّرها له في شكل رابح بالنقاط وليس بالضربة القاضية، كون مطلب نتن ياهو بتجريد المقاومة من سلاحها بات وهمًا أمام الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة وحتى نتن ياهو نفسه، خاصة بعد الضربات الموجعة للمقاومة في الدقائق الأخيرة من نهاية المواجهة. الولايات المتحدة والوسطاء، يعملون على حل خلافات تقنية، يبدو أنها تنال موافقة الجميع، لكن مسألة نزع السلاح، تبقى الخط الأحمر الأكثر قوة وإصرارا عليه من طرف المقاومة، حتى ولو قبلت حماس أن تترك الساحة السياسية لسلطة محلية توافقية، لكن السلاح خط أحمر في ظل احتلال الكيان وعدوانه، وفي ظل قانون دولي يبيح للمقاومة الدفاع عن نفسها في ظل الاحتلال. هذه النقطة بالذات هي حجر عثرة في طريق أي تسوية سريعة. ذلك أن كل أحلام نتن ياهو وتصوراته وادعاءاته بأنه سيحقق 'النصر المطلق'، ليس على صعيد غزة والضفة فحسب، بل ضمن جغرافيا الشرق الأوسط كله، باتت أمام المحك بعد أن فشلت كل مخططات التهجير والترويع والتجويع والإبادة أمام شعب يفضِّل الموت على ترك الأرض ورفع الراية البيضاء. هذه القناعة وصل إليها الراعي الأمريكي، كما وصل إليها نتن ياهو ذاته، إنما المكابرة، والبحث عن البقاء في السلطة إلى آخر جندي ومستوطن صهيوني، ولو عبر إشعال المنطقة كلها، يجعل رؤية ترامب المتماهية تماما مع المشروع الصهيوني، تتعارض في طريقة الإخراج. وهذا ما يجعل ترلمب يضغط على نتن ياهو، ليس حبا فيه، بل خوفا على الكيان من رئيس وزراء، كبَّل نفسه بأغلال الوهم اليميني المتطرف المتمسك به والماسك له في السلطة على حين. هذا الحين، هو ما يحاول نتن ياهو اللعب عليه، ولو أدى ذلك إلى إفساد مشروع ترامب في المنطقة من تسويات وتطبيع وصفقات مع العرب خوفا من التنين الصيني والدب الروسي، ودعما لاقتصاده الذي بدأ يتأثر بما اقترفت يداه من حرب اقتصادية على العالم بأسره. التعارض في الطريقة لا في الأهداف، ونتن ياهو بات حجرا في حذاء ترمب، وقد نشهد تحولات قريبة، تسمح بإنزال 'القط العالق من فوق الشجرة'.

أسرى التاريخ والأوهام!
أسرى التاريخ والأوهام!

الشروق

timeمنذ 7 ساعات

  • الشروق

أسرى التاريخ والأوهام!

أسرى جمع أسير، وهو المتحكَّم فيه من جهة ما بشعور ومن دون شعور: كأنه عبد مملوك، أو أسير حرب، أو سجين، ولكن هناك نوعا من الأسْر غير هذا الذي تظهر فيه هيمنة الغالب على المغلوب، وهو أسْر الفكرة والعادة والتقليد وإلى ما هنالك من المؤثرات النفسية والعقدية والاجتماعية. والأسرى كثّر، منهم أسير التاريخ وأسير المعتقد وأسير العادة… ويمكن جمع هذه النماذج كلها في بوتقة واحدة هي: أسرى الأوهام، وأسوأ هذا النوع من الأسرى أسرى التاريخ، الذين توقّفوا عند حدث معين من التاريخ تحوّل مع الأيام إلى معلم رئيسي في حياتهم، إذ أصبح هذا الحدث هو المرجع والمصدر لهدايتهم وهداية غيرهم، بل وأصل أصيل في تصوراتهم للهاديات التي يبحثون عنها، وهم ثلاثة أصناف: صنف أسرى لمعتقدات دينية، وأسرى لعادات وتقاليد اجتماعية وأسرى لوقائع سياسية. والأسرى لمعتقدات دينية، هم الذين يجترّون معتقدات دينية تاريخية، ويعتبرونها أصلا في حياتهم اليومية، ويبنون عليها ما لا نهاية له من الآراء والمواقف، مثل التيار السلفي ومواقف الشيعة من غيرهم من المسلمين، فينطلقون في بناء تصوراتهم وفهومهم وعلاقاتهم مع غيرهم من المسلمين من وقائع تاريخية لها حكمها الزمني. التيار السلفي بنى تصوراته على فهوم معينة لنصوص وعمَّمها على الكليات التصورية للتدين والسلوك والتعامل مع الناس، فقول الرسول صلى الله عله وسلم 'خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم'، هل المراد من هذا التفضيل وتزكية المنهجية التي تعاملت بها هذه الطبقات الثلاث مع الواقع والوحي، أم المقصود استنساخ أفعالهم وإعادتها كما هي؟ وهل الاختلاف في النصوص المحتملة تقتضي الموالاة والبراءة كما هو الأمر مع القضايا الكلية والأصلية؟ وهل يمكن لفرع فقهي أن يكون حَكَما على الأصول، كما يقول بعضهم الموقف من البدعي أسوأ وأشد من الكافر الأصلي، إذ يمكن أن نتعامل مع الكافر أما البدعي فلا بدَّ من مقاطعته! أما الشيعة فجميعُ تصرفاتهم وتعاملهم اليوم مع غيرهم من المسلمين ينطلق من موقف سياسي من الانقلاب على الخلافة الإسلامية من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، التي كانت سببا في منع الإمام علي رضي الله عنه من حقه في قيادة الأمة. انحراف السلطة السياسية لبني أمية تاريخ، وخروج الخوارج تاريخ، ونشأة الشيعة وخياراتهم السياسية والثقافية تاريخ، ومقاومة الإمام علي لخصومه تاريخ، ومقاومة الحسين حتى الاستشهاد تاريخ، واختلاف الحسن عن الحسين رضي الله عنهما تاريخ، فلماذا يبقى الناس أسرى لهذا التاريخ الذي ولّد فينا أوهاما لا علاقة لها بالنهضة والإصلاح ومقاومة الاستكبار الغربي؟ وهذه الحادثة مهما قلنا فيها من انحراف المنهج السياسي وما فيها من أخطاء أو حتى جرائم على مذهب إخواننا الشيعة، فهي تاريخٌ وغير قالب للتصحيح، قد ذهب بخيره وغيره، ولا حيلة لنا في التعامل معه إلا النظر فيه واستنطاقه والاستفادة منه في مسيرتنا الحياتية حاضرا ومستقبلا، وسواء كانت الخلافة لعلي أو لمعاوية، أو كانت حقا أو باطلا، أو اجتهادا أو جريمة، فهي تاريخ لا علاقة له بواقعنا… ولكن الشيعة انطلقوا من هذا الخطأ السياسي وجعلوا منه موقفا رئيسيا في تصنيف الناس وتسجيل الموقف منهم، ابتداء من تصنيف الصحابة للتفريق بينهم من كان مع علي ومن كان معارضا له؟ رضي الله عنهم جميعا، وشقّ طريق جسد الأمة، لتتميز شيعة علي عن غيرهم من الناس، وبنوا مذهبا بسلسلة من الأئمة لهم مواصفات معينة، وبقي الشيعة برمّتهم أسرى لهذا الخط إلى اليوم، وقد أثّر ذلك على طريقتهم في التعامل مع الوحي والإسلام عموما، فعلماؤهم غير علماء غيرهم، وكتبهم في الحديث غير كتب غيرهم، وكتبهم في الفقه وعلم الكلام غير كتب غيرهم؛ بل يوجد لبعض المغالين منهم 'قرآنٌ' غير قرآن غيرهم… وهذا في الحقيقة كله لا قيمة له، إذا جرّدناه من الخلفية التاريخية التي هي تاريخ، لا أكثر ولا أقلّ، فانحراف السلطة السياسية لبني أمية تاريخ، وخروج الخوارج تاريخ، ونشأة الشيعة وخياراتهم السياسية والثقافية تاريخ، ومقاومة الإمام علي لخصومه تاريخ، ومقاومة الحسين حتى الاستشهاد تاريخ، واختلاف الحسن عن الحسين رضي الله عنهما تاريخ، فلماذا يبقى الناس أسرى لهذا التاريخ الذي ولّد فينا أوهاما لا علاقة لها بالنهضة والإصلاح ومقاومة الاستكبار الغربي؟ هل من المعقول أن تبقى الأمة حبيسة موقف سياسي في التاريخ وتجمّد كل ما يتعلق بالواقع والمستقبل؟ وهل من المعقول أن يُستحضر عمل الحسين ووالده الإمام علي رضي الله عنهما، وتُستبعد بطولات آخرين في التاريخ الإسلام يعدّون بالملايين؟ إن من آثار هذا الأسْر بقاء الحزن مخيما على المجتمع الشيعي إلى اليوم، بلطم الخدود وجلد الأجسام وسيل الدماء في عاشوراء وغير عاشوراء، حزنا على الحسين وأتباعه، ناسين أو متناسين بطولات وشهداء بالملايين تضاهي ما قام به الحسين ووالده رضي الله عنها في العالم الإسلامي. ويوجد هذا 'الأسْر' أيضا في بعض الطرق الصوفية المنغلقة على نفسها وبعض الجماعات المتطرفة التي اتخذت من المسائل الفقهية الخلافية قواعد لها في بناء المواقف والآراء من غيرهم المخالفين لهم، ونسي الجميع أن من انطلق من قضية جزئية وجعلها حَكَمًا على من يخالفهم ويخالفونه، مصيره التطرُّف والطائفية؛ لأنه يعتقد في نهاية المطاف أن كل من لم يكن على رأيه ومذهبه فهو خارجٌ عن الصواب ومصيره الخراب. أما الأسْر لعادات وتقاليد اجتماعية، فهم أيضا أسرى لأوهام؛ لأن العادات والتقاليد ليست دائما تستحقّ البقاء، بوصفها قيمة زمنية اقتضتها مرحلة زمنية معينة، ثم فقدت مبررات بقائها، ومن ثم فهي ليست جديرة بالبقاء والتعلق بها. وكل من يتعامل مع العادات والتقاليد بمعزل عن قوانين النفس والاجتماع الإنساني، والاقتصاد والسياسة، ومقتضيات الوحي ومقرّرات المصالح والمفاسد، مصيره الانغلاق على النفس والوقوع في مخاطر تعميق التخلّف والتطرّف والانحراف. وأخيرا أسرى الوقائع السياسية، الذين ربطوا أنفسهم بوقائع ومواقف وآراء سياسية معينة، وساروا عليها في جميع مراحل حياتهم، فلم يلمحوا فضيلة في خصومهم السياسيين، كما يرون في أنفسهم من فضائل الكلام وإدراك الحقائق. ويحضرني هنا مثالٌ لمحمد بوضياف رحمه الله عندما جلبوه في 16 جانفي 1992 لسد فراغ دستوري، لينصَّب رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، وهو واحدٌ من مفجري الثورة كما هو معلوم، وكان من بقايا خصومه السياسيين التاريخيين الأستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله، الذي تحوّل إلى معارضة السلطة الجديدة، وقد كان في الحركة الوطنية التاريخية، من المركزيين عند اندلاع الثورة ولم يكن له علاقة بها يومها، فلم يجد محمد بوضياف رئيس المجلس الأعلى للدولة، ما يعيّر به مهري المعارض للسلطة إلا هذه الواقعة التاريخية، وهي أنّه عندما اندلعت الثورة لم يكن من بين مفجِّريها! وأخطر ما في هذه الفئات من 'أسرى الأوهام'، هم أسرى المعتقدات الدينية التاريخية والمواقف والآراء السياسية، لتأثيرهم المباشر على الصور الذهنية للناس ببناء آراء ومواقف على أوهام لا سندَ علميًّا لها، فعندما تحُدِّث شيعيًّا في واقع العلاقات بين إيران وجيرانها مثلا، أو سنِّيا في موقفه من الشيعة، ينتقلان بك رأسا إلى الأصول التاريخية لهذا الخلاف، رغم أن التاريخ تاريخ لا يمكن إعادته كما أشرنا، والحقيقة الماثلة بيننا هي أن الشيعة وخصومهم الذين نرى ونشاهد اليوم لا علاقة لهم بما مضى من التاريخ وحقائقه، فلا شيعة اليوم هم أنصار علي، ولا غيرهم يمثلون بني أمية. وكذلك في الجانب السياسي فلا تزال الأمة أسيرة الجماعات والتنظيمات السياسية، من إسلاميين ويساريين وليبراليين وقوميين، رغم أن الواقع غير الواقع والزمن غير الزمن، ومن ارتضى لنفسه أن يبقى رهينة للوقائع والأحداث التاريخية، دينية كانت أو سياسية أو اجتماعية، لا حظَّ له في البقاء والاستمرار في العيش؛ لأنه ربط نفسه بمراحل تاريخية وتحجَّج ببعضها أو حاول استنساخها والاهتداء بهديها، وطريقه إلى مزبلة التاريخ في تقديري أقربُ إليه من مرضاة الله يوم القيامة.

جثمان المجاهد خير شبيرة يوارى الثرى بمقبرة أولاد جلال
جثمان المجاهد خير شبيرة يوارى الثرى بمقبرة أولاد جلال

جزايرس

timeمنذ 11 ساعات

  • جزايرس

جثمان المجاهد خير شبيرة يوارى الثرى بمقبرة أولاد جلال

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. وقد جرت مراسم تشييع جنازة الفقيد الذي توفي صباح اليوم بمستشفى، عاشور زيان بأولاد جلال، بحضور منتخبي المجلس الشعبي البلدي لذات الجماعة المحلية وإطارات مديرية المجاهدين وذوي الحقوق وجمع من المواطنين.واستنادا لذات المصدر، فإن المجاهد الراحل خير شبيرة المولود في 3 أكتوبر 1938 بأولاد جلال، كان عضوا في المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني. وجاء في نص تعزية وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي: "ببالغ الحزن والأسى، تلقيت نبأ وفاة المجاهد خير شبيرة تغمده الله برحمته الواسعة ولا يسعني في هذا المصاب الجلل إلا أن أتقدم إلى عائلته الكريمة ورفاقه في الجهاد بأخلص التعازي داعيا الله أن يتغمده برحمته الواسعة ويتقبله إلى جوار النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store