logo
بخلاف الصورة النمطية.. 6 مناطق في الصومال تستحق الزيارة

بخلاف الصورة النمطية.. 6 مناطق في الصومال تستحق الزيارة

الجزيرة١٣-٠٤-٢٠٢٥

لطالما ارتبط اسم الصومال بكونه واحدا من أخطر البلدان في العالم للسفر والسياحة، مما جعل البلاد دائما تتصدر قوائم الدول الخطيرة. ورغم هذه الصورة النمطية التي تلاحق الصومال منذ أمد بعيد، لم تستطع تلك الصورة أن تثني عشاق المغامرة والاكتشاف عن البحث في خبايا هذه البلد الغامض، حيث تزخر أرضه بأماكن جميلة ومختلفة.
قد لا تكاد تجد اسم الصومال ضمن الواجهات السياحية المفضلة لدى كبرى شركات السياحة في العالم، إلا أن هذا البلد يحتوي على مناطق يمكن أن تجذب الزوار ومحبي الترحال، ومن ذلك السواحل المترامية الأطراف بمياهها الصافية، فضلا عن أرض الصومال الخصبة التي تغذيها روافد الأنهار.
ربما لم يكن الوضع في الماضي مشجعا على السياحة في الصومال، لكن الأمور بدأت تتغير، فالعاصمة مقديشيو التي دفعت ثمنا باهظا بسبب الحروب والصراعات، استعادت عافيتها وأصبحت تنبض بالحياة والاستقرار، في حين تزخر مناطق الوسط والشمال في البلاد بمناظر ساحرة تلبي تطلعات الباحثين عن المغامرة والراغبين في اكتشاف مناطق نائية، والتي لم تنل بعد حقها من الترويج كوجهة سياحية.
في هذا التقرير تصطحبكم "الجزيرة نت" في جولة بـ 6 مناطق في الصومال ستثير فضول عشاق السفر.
ساحل ليدو: عروس المحيط الهندي
يثير الفضول الناجم عن كثرة الحديث عن هذا الساحل في مناسبات مختلفة رغبة كل زائر للصومال في اكتشافه، لقد اشتق اسم ليدو من الكلمة الإيطالية التي تعنى "الشاطئ"، حيث يجمع هذا المكان بين عراقة تعود لآلاف السنين وجمال السواحل.
ورغم التحديات التي مرت بها البلاد، لم تفقد ساحل ليدو في العاصمة الصومالية مقديشيو زوارها يوما حتى في أوقات الصراعات، فهي ليست مجرد وجهة، بل اصبحت في السنوات الأخيرة ملاذا للمصطافين، حيث يجدون في نسمات البحر العليلة ودغدغة الامواج متنفسا لتصفية الأرواح والتخفيف من هموم الحياة وأعبائها.
ويتميز هذا الساحل بمقومات تجذب الزوار، فهو صرح ثقافي يمتد تاريخه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، كما يضم مجموعة متنوعة من المرافق الترفيهية من فنادق ومطاعم إلى الأكشاك التي تقدم أشهى الأطباق الصومالية ذات الطابق الشعبي الفريد.
عند وصولك إلى ليدو فإنه لا شي يضاهي روعة السير بمحاذاة البحر، والاستمتاع بصوت الأمواج التي تعانق الشاطئ، فتأسرك زرقة مياهه الصافية ورماله البيضاء الناعمة، ليكون الواجهة المثالية لعشاق الاسترخاء والأجواء المشمسة.
جوب وين ملتقى النهر بالبحر
في قلب مدينة كسمايو جنوبي الصومال، يحتضن نهر جوبا المحيط الهندي في مشهد أخاد، تتجلى منطقة جوب وين كواحة من الجمال الطبيعي وملاذ للحياة البرية، حيث تلتقي الحيوانات البرية والبحرية في تناغم فريد.
ويطلق سكان المنطقة على متنزه جوب وين لقب "جنة الله على الأرض"، فهو المكان الأمثل للهروب من ضجيج الحياة وصخب المدينة، يجد الزائر نفسه محاطا بتنوع بيولوجي إذ تمتزج أصوات الطيور بأمج البحر الهادرة، بينما تتراقص أشجار الغابات على نسمات الطبيعة العليلة.
ويضم المنتزه بين أحضانه حديقة كسمايو الوطنية التي تمتد على مساحات شاسعة، وهي موطن لمجموعة من الحيوانات البرية النادرة، بينما تملأ الأفق أسراب الطيور المهاجرة التي تضيف سحرا على هذا المكان.
ولاتكتمل زيارة جوب وين دون تذوق فواكهها وخضارها، حيث يمكن للزائر التلذذ بأشهى الفواكه الطازجة مثل المانغو والموز والبطيخ وجوز الهند، كما يمكنه الانطلاق في رحلة بالقوارب عبر روافد النهر، أو التمتع بجولة عل امتداد المحيط الهندي، لمشاهدة الحياة البحرية عن قرب، والاستمتاع بالمشهد الذي يأسر القلوب قبل العيون.
مدينة أيل حيث التاريخ والجمال
في قلب ولاية بونتلاند شمالي البلاد، تتربع مدينة أيل كواحدة من أبرز الوجهات في الصومال، فهناك يمتزج عبق التاريخ بجمال الطبيعة بين الجبال الشاهقة والسواحل الجميلة، والكثبان الممتدة، والمباني القديمة، فهذه المدينة تروي فصولا من الحكايات مجسدة تاريخا يمتد لقرون مضت.
تحيط بمدينة أيل سلاسل جبلية مغطاة بالشعاب، تتناغم مع الأمواج المتلاطمة التي تعانق الرمال الذهبية، مما يوفر للزائرين فرصة للاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة، ويمكن لعشاق البحر أن يسيروا على طول الشواطئ في جو هادئ، حيث لا يسمع سوى هدير الأمواج وصوت الحصى المتحرك تحت الأقدام، كما يمكن السباحة في شواطئ تعكس زرقة السماء.
ولمحبي اجواء المشمسة، فتنتظرهم الكثبان الرملية التي تمتد على مساحات شاسعة، حيث يمكنهم الاسترخاء أو الإنطلاق في مغامرة التزلج على الرمال الناعمة، ومن بين تقاليد أهل المدينة دفن أجسادهم في الرمال الساخنة لساعات، اعتقادا منهم بقدرتها على تخفيف آلام العظام والمفاصل.
بالإضافة إلى سحر الطبيعة، تزخر المدينة بمعالم تاريخية تشهد على ماضيها ومن أبرزها قلعة وقصر داود، والذي كان مقرا للمناضل محمد سيد عبدالله في كفاحه ضد الاستعمار الغربي، وتتمتع قلعة وقصر داود بإطلالة بانورامية رائعة على مدينة أيل، حيث تبدو متألقة بين زرقة البحر وصفرة الرمال.
بلدة مرعانيو منجم الفراعنة
في أقصى مدينة رأس عسير في ولاية بونتلاند، توجد بلدة مرعانيو ذات التاريخ العريق، فهي احتضنت في حقبة سحيقة إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض وهي حضارة الفراعنة، حيث اشتهرت مرعانيو بإنتاج البنط والبخور والصمغ العربي، وهي سلع ثمينة كانت تضطلع بدور أساسي في التجارة القديمة.
تحيط بالبلدة جبال عالية تمتد في الأفق، تزينها مناطق زراعية خصبة وسواحل خلابة، ويجد الزائر نفسه أمام خيارات متعددة ما بين التجول في المواقع الأثرية وبين التعرف على المزارع المنتشرة، أو الاستمتاع بأيام العطل على شواطئها البكر.
وتتمتع هذه البلدة الساحلية بأكبر مزرعة للتمر في القرن الأفريقي، حيث تصدر أجواد أنواعه للدول المجاورة وأيضا لباقي الأقاليم الصومالية، مما يجعلها مركزا زراعيا وتجاريا بارز.
أرخبيل زيلع جوهرة مخبأة
على بعد ست كيلومترات من مدينة زيلع التاريخية، في إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، ينبسط أرخبيل زيلع كجوهرة مخبأة في قلب البحر، ويتألف من ست جزر، تتصدرها جزيرتا سعد الدين وعيبات، واللتان تتميزان بمناظر تشد إليها الأبصار.
ويتمتع الأرخبيل -وخاصة جزيرتا سعدالدين وعيبات- بجمال نادر، حيث الكهوف المتناثرة والنباتات الفريدة التي تمتد حتى تلامس مياه البحر مشكلة لوحة من الجمال الطبيعي، تكتمل هذه الصورة بالشعاب المرجانية المتنوعة، التي تضفي على مياه البحر ألوانا زاهية.
على ساحل ميناء زيلع، تنتظر القوارب السياح لتنقلهم إلى هذه الجزر التي تبدو وكأنها فردوس مخفي وسط الأمواج، وما إن يصل الزائر حتى تستقبله ممرات مائية تتسلل عبر غابة كثيفة، حيث تتناغم الطبيعة مع هدوء تام.
ويشكل الأرخبيل ملاذً للحياة البرية، إذ يعد موطنا للطيور والأسماك وأما سواحله فتتميز برمال نقية ومياه فيروزية صافية تسمح برؤية الكائنات وهي تسبح في أعماقها.
ولشدة جمال الأرخبيل، يحرص السياح على نصب الخيام على شواطئه لقضاء يوم في أحضان الطبيعة، وعلى رغم من موقعه الإستراتيجي يفتقر الأرخبيل إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير السياحة، إذ لا توجد فنادق أو مطاعم تلبي احتياجات الزوار.
لاس جيل حكاية قبل الميلاد
تعد منطقة لاس جيل من أشهر المواقع الأثرية في الصومال، وذلك في موقع غير بعيد عن الحدود الشمالية مع إثيوبيا، وتحتضن المنطقة مجموعة من الكهوف التاريخية المذهلة، وتقع في ضواحي مدينة هرجيسا، تتزين جدران تلك الكهوف بواحدة من أقدم النقوش الصخرية في قارة أفريقيا، مما يجعلها وجهة ملهمة لعشاق التاريخ والراغبين في تتبع أثر المجتمعات القديمة.
واكتشف فريق من علماء الآثار الفرنسي بأن أحد كهوف لاس جيل يعود تاريخه إلى ما بين 9 آلاف و10 آلاف عام قبل الميلاد، حيث عثر الفريق فيه على ما يقرب من 20 ملجأ صخريا أو كهفا تكونت بشكل طبيعي بأحجام مختلفة، يبلغ أكبرها عشرة أمتار طولا وخمس أمتار من العمق.
ويتمتيز هذا الموقع الأثري التاريخي بوجود ما يقرب من 350 نقشا وتمثيلا لحيوانات وبشر، إلى جانب قطع أثرية تسلط الضوء على تفاصيل من حياة الإنسان القديم.
ومن أكثر ما يدهش الزوار في لاس جيل، تلك المجموعة الفريدة من الرسومات الملونة التي تصور البشر والحيونات مزخرفة بألوان مثل البني والأحمر والأصفر، وهي ألوان قلما تجدها في الفن الصخري القديم.
وقبل اكتشاف المؤرخين لهذا الموقع، كان الاعتقاد السائد لدى الصوماليين بأن لاس جيل مكان محظور تسكنه ما يسمى بالأرواح الشريرة، إلا أن هذا الاعتقاد تغير تماما، وأصبح المكان أحد أبرز الوجهات في الصومال، والذي يجذب زوار من الخارج.
المناخ وكلفة الرحلة
تقع الصومال في منطقة القرن الأفريقي، مما يعني أن مناخها استوائي ولكنه جاف، ويبقى أفضل وقت لزيارة البلاد هي الفترة ما بين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الثاني، إذ تكون درجات الحرارة أكثر اعتدالا ويقل سقوط الأمطار، ولا تتجاوز درجات الحرارة في أقصاها 30 درجة مائوية، كما توفر المناطق الساحلية مناخا أكثر برودة قليلا بسبب نسيم البحر.
وتختلف أسعار تذاكر السفر إلى الصومال حسب بلد المغادرة، فعلى سبيل المثال يتراوح سعر التذكرة من كينيا وإثيوبيا المجاورتين للصومال بين 200 و250 دولار، وأما التنقل داخل البلاد فتتراوح أسعار الرحلات الجوية المحلية بين 100 و150 دولار، وتتفاوت أسعار الفنادق في الصومال تبعا لموقعها ومستوى الخدمات المقدمة، وتترواح بين 30 و100 دولار.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بخلاف الصورة النمطية.. 6 مناطق في الصومال تستحق الزيارة
بخلاف الصورة النمطية.. 6 مناطق في الصومال تستحق الزيارة

الجزيرة

time١٣-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

بخلاف الصورة النمطية.. 6 مناطق في الصومال تستحق الزيارة

لطالما ارتبط اسم الصومال بكونه واحدا من أخطر البلدان في العالم للسفر والسياحة، مما جعل البلاد دائما تتصدر قوائم الدول الخطيرة. ورغم هذه الصورة النمطية التي تلاحق الصومال منذ أمد بعيد، لم تستطع تلك الصورة أن تثني عشاق المغامرة والاكتشاف عن البحث في خبايا هذه البلد الغامض، حيث تزخر أرضه بأماكن جميلة ومختلفة. قد لا تكاد تجد اسم الصومال ضمن الواجهات السياحية المفضلة لدى كبرى شركات السياحة في العالم، إلا أن هذا البلد يحتوي على مناطق يمكن أن تجذب الزوار ومحبي الترحال، ومن ذلك السواحل المترامية الأطراف بمياهها الصافية، فضلا عن أرض الصومال الخصبة التي تغذيها روافد الأنهار. ربما لم يكن الوضع في الماضي مشجعا على السياحة في الصومال، لكن الأمور بدأت تتغير، فالعاصمة مقديشيو التي دفعت ثمنا باهظا بسبب الحروب والصراعات، استعادت عافيتها وأصبحت تنبض بالحياة والاستقرار، في حين تزخر مناطق الوسط والشمال في البلاد بمناظر ساحرة تلبي تطلعات الباحثين عن المغامرة والراغبين في اكتشاف مناطق نائية، والتي لم تنل بعد حقها من الترويج كوجهة سياحية. في هذا التقرير تصطحبكم "الجزيرة نت" في جولة بـ 6 مناطق في الصومال ستثير فضول عشاق السفر. ساحل ليدو: عروس المحيط الهندي يثير الفضول الناجم عن كثرة الحديث عن هذا الساحل في مناسبات مختلفة رغبة كل زائر للصومال في اكتشافه، لقد اشتق اسم ليدو من الكلمة الإيطالية التي تعنى "الشاطئ"، حيث يجمع هذا المكان بين عراقة تعود لآلاف السنين وجمال السواحل. ورغم التحديات التي مرت بها البلاد، لم تفقد ساحل ليدو في العاصمة الصومالية مقديشيو زوارها يوما حتى في أوقات الصراعات، فهي ليست مجرد وجهة، بل اصبحت في السنوات الأخيرة ملاذا للمصطافين، حيث يجدون في نسمات البحر العليلة ودغدغة الامواج متنفسا لتصفية الأرواح والتخفيف من هموم الحياة وأعبائها. ويتميز هذا الساحل بمقومات تجذب الزوار، فهو صرح ثقافي يمتد تاريخه إلى ثلاثينيات القرن الماضي، كما يضم مجموعة متنوعة من المرافق الترفيهية من فنادق ومطاعم إلى الأكشاك التي تقدم أشهى الأطباق الصومالية ذات الطابق الشعبي الفريد. عند وصولك إلى ليدو فإنه لا شي يضاهي روعة السير بمحاذاة البحر، والاستمتاع بصوت الأمواج التي تعانق الشاطئ، فتأسرك زرقة مياهه الصافية ورماله البيضاء الناعمة، ليكون الواجهة المثالية لعشاق الاسترخاء والأجواء المشمسة. جوب وين ملتقى النهر بالبحر في قلب مدينة كسمايو جنوبي الصومال، يحتضن نهر جوبا المحيط الهندي في مشهد أخاد، تتجلى منطقة جوب وين كواحة من الجمال الطبيعي وملاذ للحياة البرية، حيث تلتقي الحيوانات البرية والبحرية في تناغم فريد. ويطلق سكان المنطقة على متنزه جوب وين لقب "جنة الله على الأرض"، فهو المكان الأمثل للهروب من ضجيج الحياة وصخب المدينة، يجد الزائر نفسه محاطا بتنوع بيولوجي إذ تمتزج أصوات الطيور بأمج البحر الهادرة، بينما تتراقص أشجار الغابات على نسمات الطبيعة العليلة. ويضم المنتزه بين أحضانه حديقة كسمايو الوطنية التي تمتد على مساحات شاسعة، وهي موطن لمجموعة من الحيوانات البرية النادرة، بينما تملأ الأفق أسراب الطيور المهاجرة التي تضيف سحرا على هذا المكان. ولاتكتمل زيارة جوب وين دون تذوق فواكهها وخضارها، حيث يمكن للزائر التلذذ بأشهى الفواكه الطازجة مثل المانغو والموز والبطيخ وجوز الهند، كما يمكنه الانطلاق في رحلة بالقوارب عبر روافد النهر، أو التمتع بجولة عل امتداد المحيط الهندي، لمشاهدة الحياة البحرية عن قرب، والاستمتاع بالمشهد الذي يأسر القلوب قبل العيون. مدينة أيل حيث التاريخ والجمال في قلب ولاية بونتلاند شمالي البلاد، تتربع مدينة أيل كواحدة من أبرز الوجهات في الصومال، فهناك يمتزج عبق التاريخ بجمال الطبيعة بين الجبال الشاهقة والسواحل الجميلة، والكثبان الممتدة، والمباني القديمة، فهذه المدينة تروي فصولا من الحكايات مجسدة تاريخا يمتد لقرون مضت. تحيط بمدينة أيل سلاسل جبلية مغطاة بالشعاب، تتناغم مع الأمواج المتلاطمة التي تعانق الرمال الذهبية، مما يوفر للزائرين فرصة للاستمتاع بمجموعة متنوعة من الأنشطة، ويمكن لعشاق البحر أن يسيروا على طول الشواطئ في جو هادئ، حيث لا يسمع سوى هدير الأمواج وصوت الحصى المتحرك تحت الأقدام، كما يمكن السباحة في شواطئ تعكس زرقة السماء. ولمحبي اجواء المشمسة، فتنتظرهم الكثبان الرملية التي تمتد على مساحات شاسعة، حيث يمكنهم الاسترخاء أو الإنطلاق في مغامرة التزلج على الرمال الناعمة، ومن بين تقاليد أهل المدينة دفن أجسادهم في الرمال الساخنة لساعات، اعتقادا منهم بقدرتها على تخفيف آلام العظام والمفاصل. بالإضافة إلى سحر الطبيعة، تزخر المدينة بمعالم تاريخية تشهد على ماضيها ومن أبرزها قلعة وقصر داود، والذي كان مقرا للمناضل محمد سيد عبدالله في كفاحه ضد الاستعمار الغربي، وتتمتع قلعة وقصر داود بإطلالة بانورامية رائعة على مدينة أيل، حيث تبدو متألقة بين زرقة البحر وصفرة الرمال. بلدة مرعانيو منجم الفراعنة في أقصى مدينة رأس عسير في ولاية بونتلاند، توجد بلدة مرعانيو ذات التاريخ العريق، فهي احتضنت في حقبة سحيقة إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض وهي حضارة الفراعنة، حيث اشتهرت مرعانيو بإنتاج البنط والبخور والصمغ العربي، وهي سلع ثمينة كانت تضطلع بدور أساسي في التجارة القديمة. تحيط بالبلدة جبال عالية تمتد في الأفق، تزينها مناطق زراعية خصبة وسواحل خلابة، ويجد الزائر نفسه أمام خيارات متعددة ما بين التجول في المواقع الأثرية وبين التعرف على المزارع المنتشرة، أو الاستمتاع بأيام العطل على شواطئها البكر. وتتمتع هذه البلدة الساحلية بأكبر مزرعة للتمر في القرن الأفريقي، حيث تصدر أجواد أنواعه للدول المجاورة وأيضا لباقي الأقاليم الصومالية، مما يجعلها مركزا زراعيا وتجاريا بارز. أرخبيل زيلع جوهرة مخبأة على بعد ست كيلومترات من مدينة زيلع التاريخية، في إقليم أرض الصومال (صومالي لاند)، ينبسط أرخبيل زيلع كجوهرة مخبأة في قلب البحر، ويتألف من ست جزر، تتصدرها جزيرتا سعد الدين وعيبات، واللتان تتميزان بمناظر تشد إليها الأبصار. ويتمتع الأرخبيل -وخاصة جزيرتا سعدالدين وعيبات- بجمال نادر، حيث الكهوف المتناثرة والنباتات الفريدة التي تمتد حتى تلامس مياه البحر مشكلة لوحة من الجمال الطبيعي، تكتمل هذه الصورة بالشعاب المرجانية المتنوعة، التي تضفي على مياه البحر ألوانا زاهية. على ساحل ميناء زيلع، تنتظر القوارب السياح لتنقلهم إلى هذه الجزر التي تبدو وكأنها فردوس مخفي وسط الأمواج، وما إن يصل الزائر حتى تستقبله ممرات مائية تتسلل عبر غابة كثيفة، حيث تتناغم الطبيعة مع هدوء تام. ويشكل الأرخبيل ملاذً للحياة البرية، إذ يعد موطنا للطيور والأسماك وأما سواحله فتتميز برمال نقية ومياه فيروزية صافية تسمح برؤية الكائنات وهي تسبح في أعماقها. ولشدة جمال الأرخبيل، يحرص السياح على نصب الخيام على شواطئه لقضاء يوم في أحضان الطبيعة، وعلى رغم من موقعه الإستراتيجي يفتقر الأرخبيل إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير السياحة، إذ لا توجد فنادق أو مطاعم تلبي احتياجات الزوار. لاس جيل حكاية قبل الميلاد تعد منطقة لاس جيل من أشهر المواقع الأثرية في الصومال، وذلك في موقع غير بعيد عن الحدود الشمالية مع إثيوبيا، وتحتضن المنطقة مجموعة من الكهوف التاريخية المذهلة، وتقع في ضواحي مدينة هرجيسا، تتزين جدران تلك الكهوف بواحدة من أقدم النقوش الصخرية في قارة أفريقيا، مما يجعلها وجهة ملهمة لعشاق التاريخ والراغبين في تتبع أثر المجتمعات القديمة. واكتشف فريق من علماء الآثار الفرنسي بأن أحد كهوف لاس جيل يعود تاريخه إلى ما بين 9 آلاف و10 آلاف عام قبل الميلاد، حيث عثر الفريق فيه على ما يقرب من 20 ملجأ صخريا أو كهفا تكونت بشكل طبيعي بأحجام مختلفة، يبلغ أكبرها عشرة أمتار طولا وخمس أمتار من العمق. ويتمتيز هذا الموقع الأثري التاريخي بوجود ما يقرب من 350 نقشا وتمثيلا لحيوانات وبشر، إلى جانب قطع أثرية تسلط الضوء على تفاصيل من حياة الإنسان القديم. ومن أكثر ما يدهش الزوار في لاس جيل، تلك المجموعة الفريدة من الرسومات الملونة التي تصور البشر والحيونات مزخرفة بألوان مثل البني والأحمر والأصفر، وهي ألوان قلما تجدها في الفن الصخري القديم. وقبل اكتشاف المؤرخين لهذا الموقع، كان الاعتقاد السائد لدى الصوماليين بأن لاس جيل مكان محظور تسكنه ما يسمى بالأرواح الشريرة، إلا أن هذا الاعتقاد تغير تماما، وأصبح المكان أحد أبرز الوجهات في الصومال، والذي يجذب زوار من الخارج. المناخ وكلفة الرحلة تقع الصومال في منطقة القرن الأفريقي، مما يعني أن مناخها استوائي ولكنه جاف، ويبقى أفضل وقت لزيارة البلاد هي الفترة ما بين مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الثاني، إذ تكون درجات الحرارة أكثر اعتدالا ويقل سقوط الأمطار، ولا تتجاوز درجات الحرارة في أقصاها 30 درجة مائوية، كما توفر المناطق الساحلية مناخا أكثر برودة قليلا بسبب نسيم البحر. وتختلف أسعار تذاكر السفر إلى الصومال حسب بلد المغادرة، فعلى سبيل المثال يتراوح سعر التذكرة من كينيا وإثيوبيا المجاورتين للصومال بين 200 و250 دولار، وأما التنقل داخل البلاد فتتراوح أسعار الرحلات الجوية المحلية بين 100 و150 دولار، وتتفاوت أسعار الفنادق في الصومال تبعا لموقعها ومستوى الخدمات المقدمة، وتترواح بين 30 و100 دولار.

المغامرة والرومانسية من قصور زاكورة إلى بحيرة إريقي المغربية
المغامرة والرومانسية من قصور زاكورة إلى بحيرة إريقي المغربية

الجزيرة

time٢٧-٠٣-٢٠٢٥

  • الجزيرة

المغامرة والرومانسية من قصور زاكورة إلى بحيرة إريقي المغربية

زاكورة – إذا كنت تبحث عن وجهة تجمع بين سحر الرومانسية وشغف المغامرة، فالمسار الذي يعبر بين مناطق زاكورة ومحاميد الغزلان وشقاقة في الجنوب الشرقي للمغرب يقدم لك هذه التجربة الاستثنائية. ويقبل على هذا المسار عدد متزايد من المسافرين في السنوات الأخيرة، فما سر جاذبية كثبانه الرملية وواحاته الخضراء وقصوره التاريخية؟ تنقلك "الجزيرة نت" بالتعاون مع الباحث في المجال السياحي الزبير بوحوت إلى هذه الوجهة السياحية غير التقليدية في المملكة، حيث يلتقي سحر الصحراء بجمال الواحات الخضراء. أسرار ساحرة في رحلتك عبر طريق الجنوب الكبير، تنكشف لك أسرار الصحراء المغربية الساحرة في قلب وادي درعة، حيث تبدأ رحلتك من مدينة زاكورة، الجوهرة التي تخبئ بين رمالها كنوزا من التاريخ والثقافة والطبيعة الخلابة. في قلب زاكورة، يتردد صدى تاريخ التجارة الصحراوية العظيم، حيث تشير لافتة "تمبكتو 52 يوما" إلى أهمية المدينة كونها كانت مركزا لعبور القوافل التجارية. ففي عام 1590، انطلقت من هنا بعثة تاريخية بأمر من السلطان الموحدي أحمد المنصور الذهبي إلى تمبكتو وجاو، مؤكدة دور زاكورة المحوري في حركة القوافل عبر الصحراء. وعلى مقربة من المدينة، ينتظرك قصر تامنوكالت (مكان اللقاء باللغة الأمازيغية)، فهو تحفة معمارية تأسست منذ أكثر من ثلاثة قرون في القرن السادس عشر، وهو يحكي تاريخ المنطقة وتجارتها عبر مناظر خلابة تبدو للناظر من أسوار القصر. تجول في أزقة القصر شبه المغطاة، واستكشف مبانيه التاريخية المزينة بزخارف عريقة، وانغمس في عالم الماضي حيث توفر المنازل العائلية المتصلة بممرات مغطاة نضارة وخصوصية. داخل إحدى القصبات، يكشف القصر/المتحف عن أسرار الحياة اليومية القديمة، بينما يحيي موسم "اللامة" تقليد اللقاء السنوي بين سكان القرى المجاورة، ليجسد تامنوكالت سحره الخالد. بالقرب من زاكورة أيضا، يقع قصر تيسيركيت، الذي يعود تاريخه إلى خمسة قرون وتم ترميمه عام 1968، ليقدم لك تجربة فريدة في قلب الهندسة المعمارية التقليدية لوادي درعة. تأمل منازل قصر تيسيركيت المصطفة على طول محور رئيسي ومخازنه، واستكشف متاهة أزقته الضيقة المغطاة التي تجسد عبقرية التهوية الحرارية المتكيفة مع حرارة الصيف الشديدة. داخل منزل قديم، يحتضن تيسيركيت متحف الفنون والتقاليد في وادي درعة، الذي يتتبع الحياة التقليدية للسكان المحليين عبر معارض تبرز فيها المجوهرات التقليدية والأزياء والأدوات الزراعية، لتتيح لك جولة إرشادية فرصة استيعاب أصالة هذا المكان، وتقدم لك تجربة ثقافية ثرية. منارة علم في الطريق الى الصحراء تجد قرية تمكروت، محطة القوافل الصحراوية سابقا، حيث تقع الزاوية الناصرية، منارة العلم والروحانية التي أسسها الشيخ أبو حفص الأنصاري في القرن السادس عشر، لتشع بنور المعرفة والثقافة في منطقة درعة. تأمل في ضريح الشيخ الأنصاري واطلع على كنوز مكتبته التي تضم مخطوطات نادرة تعود للقرن الحادي عشر، وهي تغطي مواضيع متنوعة من اللاهوت إلى الطب، شاهدة على إرث المكتبة الوطني والعالمي. استمر في رحلتك الاستكشافية بزيارة ورشات الفخار في تامكروت، حيث يصنع الفخار الأخضر الزمردي بأساليب تقليدية متوارثة عبر القرون، ليجسد تحفا فنية فريدة من نوعها، تباع في أرجاء المغرب وتصدر إلى أوروبا، شاهدة على عراقة الحرفة والتراث الثقافي لدرعة. قرية "نقوب" وعلى مقربة من تامكروت، تأسرك "نقوب" وهي قرية الـ 45 قصبة، بإطلالاتها البانورامية على الواحات وجبال صغرو، وسوقها الأسبوعي النابض بالحياة، وإنتاجها الوفير من الحناء عالية الجودة. انطلق في مغامرة بين واحاتها وكثبانها الرملية الذهبية ومحاجر الرخام الأحفوري، ومواقع النقوش الصخرية التي تعود إلى العصر الحجري الحديث. وعلى بعد 120 كيلومتر شمال زاكورة، بالقرب من منطقة تازارين، يقع موقع آيت أوازيك الأثري، وهو يضم نقوشا صخرية ترجع للعصر الحجري الحديث أيضا، أي قبل نحو 6 آلاف عام، وهي تجسد الحياة اليومية في منطقة كانت خضراء آنذاك، مع تنوع حيواناتها. تخيل نفسك تعود بالزمن إلى الوراء، متأملا هذه النقوش الأصيلة والغامضة المنتشرة على مساحة واسعة، مستمتعا بإطلالة بانورامية رائعة من المسار المتعرج عبر الوادي. توغل في الصحراء ولا تكتمل الزيارة دون تجربة سحر الكثبان الرملية المتناظرة في عرق شقاقة (الشقيقان) على بعد 50 كيلومترا غرب محاميد الغزلان. تخيل نفسك تمشي حافيا على الرمال الذهبية الناعمة، أو راكبا جملا ضمن قافلة طويلة، تحت سماء الصحراء الصافية المرصعة بالنجوم. يمكنك الاستمتاع بلحظات من الهدوء والتأمل، بعيدا عن صخب الحياة. ويمكن الوصول إلى هذه الكثبان الشاهقة، التي يصل ارتفاعها إلى 70 مترا، بواسطة سيارات الدفع الرباعي ثمنها لا يتعدى 80 دولار لليوم الواحد، وينصح دائما بالاستعانة بمرشد محلي معتمد للاستمتاع بتجربة آمنة وممتعة. توفر عرق شقاقة تجربة صحراوية أصيلة، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهدة شروق الشمس وغروبها، وقضاء ليال ساحرة تحت سماء الصحراء البعيدة عن التلوث الضوئي والسمعي. يمكنك ممارسة أنواع متعددة من الرياضات الميكانيكية، مثلا ركوب الدراجات النارية بعجلتين أو بأربع عجلات (سكواد)، والسيارات الرباعية الدفع، وأيضا ركوب الرمال عبر "السكيت بورد" (لوح التزلج). وإذا توغلت أكثر في الصحراء فستجد الحديقة الوطنية إيريقي، وهي ملاذ للحياة البرية ومحطة للطيور المهاجرة بفضل البحيرة التي توجد داخلها. وقد تأسست الحديقة عام 1994 بهدف حماية التنوع البيولوجي وإعادة توطين الأنواع الصحراوية المهددة، وتوفر الحديقة تجربة بيئية فريدة، حيث يمكن للزوار، برفقة مرشدين محليين، مشاهدة الغزلان والنعام والضباع، بالإضافة إلى نباتات صحراوية مميزة. أطباق محلية هذه التجربة فرصة نادرة للانفصال عن صخب الحياة اليومية، سواء كنت مع العائلة أو مع الأصدقاء. تناول العشاء تحت النجوم المتلألئة، وشاهد غروب الشمس فوق الكثبان الذهبية، أو التمس الهدوء في بساتين النخيل في الواحة. ويعرف سكان الصحراء بكرم ضيافتهم وحسن استقبالهم، وبالمشاركة في ورش العمل الحرفية، مثل صناعة الفخار أو نسج السجاد، وهي طريقة رائعة للانغماس في الثقافة المحلية، وخلق ذكريات فريدة من نوعها لكل من يزور المنطقة. كما أن المطبخ الصحراوي هو احتفال بالنكهات، تذوق الكسكسي بدقيق الشعير، وهو من الأطباق المحلية الشهية، أو الطاجين المحلي بلحم الإبل أو الماعز والخضار الطازجة، مع خبز "الملة" الذي يعد على الرمال الساخنة. أو دلل نفسك بالحلويات المصنوعة من التمور الطازجة المزروعة محليا، كما أن احتساء الشاي بالنعناع تحت خيمة بدوية هو تجربة لا ينبغي تفويتها. لا تنسى طلب عصير "تصبونت" اللزج الذي تعلوه رغوة سميكة، حيث يمزج التمر بالماء الذي تخمر فيه الأعشاب الطبية المتنوع، وهو مشروب يروي عطشك ويمدك بالطاقة. ميزانية معقولة تعتبر مسار زاكورة ثم محاميد الغزلان ثم شقاقة وجهة مناسبة لقضاء عطلة لا تنسى بميزانية معقولة، فسواء كنتم تبحثون عن إقامة تقليدية ساحرة في "رياض" (البيت التقليدي المغربي) أصيل، أو تفضلون الاستمتاع بالفخامة المطلقة في فنادق فاخرة، فإن هذا المسار يقدم لكم خيارات إقامة متنوعة، تناسب جميع الأذواق والميزانيات، وتضمن لكم قضاء عطلة رومانسية. وتتراوح أسعار الإقامة في الفنادق أو الخيام بين 40 و70 دولار لليلة الواحدة، حسب توفر وسائل الراحة، وتتضمن وجبتي الفطور والعشاء. في حين يبلغ سعر المأكولات الصحراوية الأصيلة في المطاعم المحلية ما بين 10 إلى 15 دولار فقط للوجبة. ويمكن أن تصل الى زاكورة عبر الطائرة، لكن ينصح أن تأتي لها من مدينة مراكش عبر السيارة، لتستمع بالمناظر الجيولوجية الفريدة والواحات الخلابة الممتدة على طول الطريق. إعلان

ما الذي جرى لليابان بعد أن اكتشفت الإسلام؟
ما الذي جرى لليابان بعد أن اكتشفت الإسلام؟

الجزيرة

time٢٣-٠٣-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ما الذي جرى لليابان بعد أن اكتشفت الإسلام؟

في وقت كتابة هذا المقال عن الثقافة اليابانية يكون موسم تفتح أزهار الكرز قد بلغ أوجه، موسم "الساكورا" الذي يعني بداية الفصول الجديدة. وربما يلخص الكرز ذلك الولع الياباني بفلسفة الأشياء، وفهم الطبيعة، وحل أسرارها، فهو يرمز للطبيعة السريعة الزوال، في جو مليء بالتغيرات العاصفة، وأمة ناهضة بقوة مشغوفة بالاكتشاف والتجريب علميا، واكتشاف جواهر الأشياء فلسفيا، وربما يكون موسم الساكورا مناسبا لنشر مقال عن الإسلام واليابان وتفتح اليابان عليه دينا وثقافة وقضايا، على أن الخيط الناظم لتعرف اليابان على الإسلام مرتبط بالرحلة والرحالين والمكتشفين.. فكيف كان ذلك؟ طوالسي لغز رحلة ابن بطوطة المحير لا تبدأ القصة مع اليابان بصورة تقليدية، بل تبدأ بلغز يحتاج إلى حلّ، هذا اللغز يصادفنا في نص رحلة ابن بطوطة، الذي برزت في رحلته إلى الصين بلاد طوالسي التي أرسى في أحد مراسيها الكبيرة، والتقى أميرتها المحاربة التي تتحدث التركية، وحدثته عن الحروب المتصلة بين طوالسي والصين، التي انتصرت فيها طوالسي على الصين ، وكل هذه التفاصيل أثارت نقاشا بين الباحثين حول ماهية بلاد طوالسي هذه، فهناك من يرى أنها اليابان، أو الفلبين، وهناك من يرى أنها منطقة تشامبا في فيتنام التي بدأت تدين بالإسلام بعد عصر ابن بطوطة بقرن كامل. ولم يترجح لأحد حتى الآن رأي قاطع حتى بعد بحث عبد الهادي التازي المستفيض واستعانته بمراجع آسيوية متنوعة في هذا الباب، وإن كان عبد الهادي التازي رحمه الله يشير إلى لقاء جمع وزيرا مغربيا بنظيره الياباني، وأن الوزير الياباني رحب بنظيره المغربي قائلا: أهلا بالمغربي الثاني الذي يزور بلادنا بعد زيارة السيد ابن بطوطة. ويستند القائلون بأن طوالسي هي اليابان إلى أن الصراع الطوالسي الصيني كان فعلا قائما في تلك الفترة، وأن اليابان عرفت في تاريخها اشتباكات وتنافسا مع الصين قبيل زيارة ابن بطوطة بأربعين عاما بالتقريب، فهل كانت طوالسي هي اليابان حقا؟ اليابان المغلقة.. كيف عرفت الإسلام؟ في كل الأحوال وبغض النظر عن سبق ابن بطوطة، وهو أحد أعظم رحالي التاريخ إلى اليابان أو عدمه، فإن اليابان عرفت الرحالة والتجار والمبشرين الأوروبيين بعد رحلات ابن بطوطة إلى الشرق بقرنين تامين، ولذلك قررت اليابان في عهد شوغون التوكوغاوا إغلاق البلاد عام 1639م، فمنع الدخول أو الخروج من اليابان، بل ومنع اليابانيين من العودة حماية للبلاد والنظام والشنتو ، فالساموراي تمتعوا بميزات عالية لم يرغبوا في خسارتها. وبعد قرنين، وبسبب التنافس التجاري في مجالات صيد الحيتان وغيرها حول المياه اليابانية، أرسلت أمريكا أسطولها بقيادة الكابتن بيري عام 1854م، وألزمت الشوغونية بتوقيع اتفاقات تجارية، اعتُبرت مهينة، وكان الشوغون يدرك أن وضعه لا يساعده على القتال ضد المدافع فأخبار الصين وضعفها أمام الأوروبيين كانت تصل إليه. انتهت سياسة العزلة بهذا الاقتحام، وبدأ حكم الشوغون يضعف بسبب سخط الناس من عدم قدرته على المقاومة، وظهرت جماعات تطالب بعودة السلطة السياسية إلى الإمبراطور، وهو ما حدث في شكل حركات متعددة، أدت في النهاية إلى استقالة الشوغون من منصبه وتكوين الإمبراطوري ميتسوهيتو الملقب بميجي لحكومة جديدة في 3 يناير/كانون الثاني 1868 فبدأ عهد الإصلاح. وقفة مع إصلاح ميجي كانت اليابان على موعد مع فرصة أخرى لاكتشاف الإسلام بسبب إصلاحات ميجي، فقدرها في اكتشاف الإسلام مرتبط بالرحلة والرحالة، فلم يكن إلغاء العزلة كافيا للسماح بتعرف كاف على الإسلام، فبرغم وجود مجتمعات مسلمة في الصين فإن اليابانيين كانوا مشغولين للغاية بمشروعهم النهضوي، الذي ارتبط بالنظام الإمبراطوري، وديانة الشنتو، والإصلاح الداخلي اقتصاديا، وعسكريا. فقد ترافق إصلاح ميجي مع إرسال البعثات بداية من 1871 إلى الخارج للاطلاع على أحدث التجارب في المجالات المختلفة، من الصناعة إلى التجارة، والمؤسسات الحكومية، فقد كان الإمبراطوري ميجي مشغولا بمشروعه الإصلاحي للغاية، حيث بدأ تغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي، وساعده على ذلك أن مؤيدي حق الإمبراطور في الحكم كانوا أصلا أبناء طبقات متواضعة ولم يكن الترتيب الطبقي إبان حكم الشوغون يسمح لهم بالترقي. ولكنهم مع العهد الجديد تمكنوا من تشكيل الحكومة، وكانت أعمارهم ما بين نهاية العشرينيات ومطلع الأربعينيات، وكانوا ينتمون لمناطق محددة في اليابان، وظلت هذه المناطق ترفد الطبقة الحاكمة بالكوادر، وفي المقابل كان طموح هؤلاء أن تصبح بلادهم قوة اقتصادية وعسكرية ناهضة ولو على النموذج الغربي، وقد حظيت ديانة الشنتو التقليدية بالتقدير خلافا للبوذية. ومن أبرز التغيرات التي حدثت إلغاء الإقطاع، ونظام الطبقات الاجتماعي، وامتيازات الساموراي، وأعيد توزيع الأراضي، كما انتقل الإمبراطور من كيوتو إلى إيدو التي سميت طوكيو أو العاصمة الشرقية. ولكن هذا كله لم يشغل اليابانيين عن السفر، والبعثات، فقد غادرت اليابان بعثات متنوعة، تمكنت من فهم الواقع والمشهد الدولي، ونقل انطباعات متنوعة عن العالم الخارجي، ومن بينها انطباعات عن الإسلام. ولأن اليابان بنت نهضتها بناء على شروط المواجهة مع الغرب، والظروف الدولية التي عانت منها منذ 1854، الذي كان عام حرب القرم التي خسرتها الدولة العثمانية، وشهد موجة من الضغوط الأوروبية عليها، لهذا كانت إسطنبول محطة توقف واهتمام من الدبلوماسيين حتى الرهبان البوذيين. ففي عام 1871م، مرت بعثة المستشار الإمبراطوري إيواكورا اليابانية بإسطنبول في طريقها إلى أوروبا، وتميزت تقارير الدبلوماسي غينيتشيرو فوكوتشي بالدقة والاستفاضة خاصة في الحديث عن وفرة البضائع التركية في المعارض الأوروبية، كما سجل الراهب موكوراي شيماجي انطباعاته وانبهاره بالمجتمع الإسلامي، وكانت البعثة في طريقها إلى أوروبا والولايات المتحدة للاطلاع على التجارب المدنية والمؤسسية هناك. وبعد سبع سنوات من زيارة فوكوتشي وتقريره وصلت سفينة حربية يابانية بقيادة الكابتن سياكي، حيث التقى المقدم إينوي بالسلطان عبد الحميد الثاني الذي قال له: سأرسل سفينة حربية لنقل تحياتي للإمبراطور، وأرجو أن تبلغ تحياتي للإمبراطور. في عام 1880 وصلت بعثة دبلوماسية يابانية غير رسمية برئاسة الأمير هيبي أحد أقارب الإمبراطور، واستقبلت بحفاوة، وفي عام 1887م وصل الأمير كوماتسو في بعثة دبلوماسية ومعه ميداليات تكريم من الإمبراطور للسلطان عبد الحميد. وفي مقابل ذلك كان السلطان عبد الحميد الثاني يرغب في التواصل مع مسلمي جنوب آسيا وتقديم نفسه خليفةً للمسلمين تحت مسمى الجامعة الإسلامية، فوجد في إرسال مدمرة عثمانية باسم والد مؤسس الدولة أرطغرل فرصة مناسبة للتواصل مع اليابان باعتبارها حليفا محتملا، وفي الوقت نفسه، التواصل مع مسلمي جنوب آسيا. فانطلقت السفينة أرطغرل عام 1889 بقيادة علي عثمان باشا أحد قادة البحرية العثمانية البارزين، ووصلت بعد 11 شهرا، ومعاناة شديدة وحوادث، وأرست في اليابان يوم 13 يونيو/حزيران 1890م، وبهذا يكون أول مسلم يطأ أرض اليابان هو التركي علي عثمان باشا مع كامل تقديرنا لابن بطوطة وجولاته وبقاء احتمال سبقه. وبقيت السفينة وطاقمها في ضيافة يابانية مميزة طوال ثلاثة أشهر، وقدم الباشا أرفع الأوسمة السلطانية للإمبراطور الياباني، ووقع هناك وباء الكوليرا ليموت به 15 شخصا من البحارة، ورغم التحذيرات من الأعاصير والرياح فإن السفينة أبحرت يوم 14 سبتمبر/أيلول 1890م من يوكوهاما، وواجهت إعصارا شديدا يوم 16 سبتمبر وقاومت يومين متواصلين. ثم غرقت في التاسعة والنصف مساء الخميس 18 سبتمبر 1890م، حيث استشهد 581 بحارا ونجا 69 بحارا فقط بمعونة سكان الشواطئ القريبة، وأرسلتهم الحكومة اليابانية على متن السفينة هيبي وكونغو التابعتين للبحرية اليابانية، وانطلقوا إلى إسطنبول يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 1890م، وتضمنت هذه الرحلة كذلك مجموعة من الباحثين للتعرف على الإسلام وأساليب التعليم المتبعة في العالم الإسلامي. وهنا أسلم الياباني نودا شوتاروا الذي توفي لاحقا عام 1904 في اليابان، وكان ضمن من ذهبوا لمساعدة الناجين من البحارة الأتراك، وقد أقام في إسطنبول بين 1891 و1893م، وعلم اليابانية في الأكاديمية البحرية العثمانية، ثم عاد إلى اليابان وترك هناك طريقة الحياة الإسلامية بصورة عامة. اليابان والاتجاه نحو آسيا لكن زخما آخر أضيف إلى الاهتمام بالإسلام، فالتوسع نحو آسيا دفع النخبة اليابانية لفهم الإسلام، فقد توسعت اليابان باتجاه كوريا بسبب حادثة تعرض دبلوماسيين يابانيين للهجوم أثناء صراع داخلي كوري؛ مما دفع اليابان للهجوم على كوريا والاستيلاء عليها بعد صراع مع الصين، ثم انتصرت على الصين، ثم على روسيا في الحرب اليابانية الروسية. هنا اكتشفت أجهزة الدولة في اليابان وجود المجتمعات المسلمة في الصين وروسيا تباعا حسب الحروب والاحتكاكات مع البلدين، وبدأ جمع المعلومات عن المجتمعات المسلمة في هذين البلدين، وظروفها، خاصة أنها تواجه مشاكل في التعامل مع الإدارة الصينية والروسية، فقد وجدت اليابان في نفسها الثقة بعد انتصارها على البلدين بحيث تستطيع التوسع بهدوء. وفي المسار الأكاديمي كان قسم التاريخ قد افتتح بجامعة طوكيو على يد البروفيسور الألماني لودفيج برايس، وفي عام 1890م بدأ تدريس تاريخ اليابان، وفي عام 1989 افتتح قسم التاريخ الشرقي مركزا لتاريخ الصين. عبد الرشيد إبراهيم شيخ الإسلام في اليابان: تضيف الرحلات والرحالة بمختلف أوصافهم وأسبابهم فرصا جديدة دائما إلى فرص اكتشاف الإسلام في اليابان، فبوصول الشيخ عبد الرشيد إبراهيم عام 1903 وتكرار زياراته سنحت فرص متنوعة ليس فقط لاكتشاف الإسلام، بل والدعوة إليه، فقد كان الشيخ إبراهيم شخصية بارزة بين المسلمين التتر في مناطق الأورال ووسط روسيا، وهو علامة متمكن، وتجول في العالم الإسلامي من قازان إلى إسطنبول مرورا بالقاهرة وانتهاء بالصين، واليابان. ووجد الشيخ إبراهيم الأفكار الآسيوية قد نضجت لدى اليابانيين، فتحمس لها، ووجد أملا في اليابان للتحالف بين المسلمين واليابانيين للحصول على استقلال المسلمين في روسيا ووحدتهم، ثم خرج من اليابان مواصلا تجواله للغرض ذاته ليعود لاحقا تاركا بصمته، فقد عاد مرتين، إذ عاد عام 1908، لكن السفارة الروسية طلبت طرده بسبب انتقاداته لروسيا. وفي عام 1910م عاد مجددا بصورة رسمية، وكثف لقاءاته التي وصلت إلى مستوى رئيس الوزراء، حيث تأسست جمعية آجيا غيكاي، وأسلم على يده تاكيوشي أوهارا العسكري الذي سمى نفسه أبا بكر وكان جزءا من أنشطة عموم آسيا بصورة عامة. وكذلك متستارو يامأوكا الذي أسلم وسمى نفسه عمر وأدّى فريضة الحج. ثم غادر عبد الرشيد اليابان ليواصل جولاته في العالم الإسلامي. بعد الحرب العالمية الأولى بدأت الحكومة اليابانية الاستفادة من جهود الباحثين لدراسة الإسلام والمسلمين والعرب عموما لتجيّش مسلمي الصين وإندونيسيا لصالح أهدافها في مواجهة الغرب، وفي العشرينيات وصلت مجموعات من التجار التتر إلى اليابان مع عوائلهم للتجارة، والاستقرار هربا من روسيا، وحصلوا على استثناءات للإقامة، وبنوا مساجد صغيرة لهم، بينما ترجم كينإتشي ساكاموتو القرآن الكريم إلى اليابانية عن ترجمات إنجليزية. وفي تلك الحقبة أسلم أما إيبي تاناكا وسمى نفسه نور محمد، لقد كان تاناكا مفكرا وسياسيا وشاعرا يابانيا نشأ بوذيا، واهتم بالأفكار القومية الآسيوية كمجال لعمل اليابان، وقيادتها للأمم الآسيوية، وأمضى وقتا طويلا في الصين، حيث رأى أن المسلمين الصينيين قدموا الإسلام لأنفسهم كما قدموا الكونفشيوسية ولهذا فإن تاناكا أسلم وبقي يمارس عبادات شنتوية وبوذية لفترة، لكنه لاحقا اعتبر أن نموذج الإسلام الصيني مناسب جدا، ثم أدى فريضة الحج، وتعلق كثيرا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبياتا شعرية جميلة: لا يمكن أن أكتب أشعاري على ظهر الناقة وسط الصحراء المحرقة حين أنظر إلى الصبي الذي يمسك بزمام ناقتي يرشدني إلى بيت الله تأتي إلى مخيلتي ملامح الرسول العربي عندما كان صبيا صغيرا بهذه الروح الشفافة كتب تاناكا شعره ملهما. وهكذا كان قدر الإسلام مرتبطا حقا بالرحلة والرحالين، لكن هذه المرة رحلات اليابانيين إلى الخارج، واكتشافهم إياه، وهنا اختلفت الطبيعة عليهم، حتى إن كثيرا من حجاج الصين والقلة التي ذهبت من اليابان عانت من المرض، والضعف ومات أكثرهم. غادر عبد الرشيد إبراهيم اليابان، ثم عاد مجددا عام 1933م ليستقر في اليابان بصورة نهائية، وترك أثره في توشيهيكو إيزوتسو الذي سيصبح مهتما بالدراسات الإسلامية، حيث عرفه بالإسلام، وبدأ تدريسه العربية، ثم علم إبراهيم بقدوم موسى جار الله بيغييف التتري المعروف، فجمعه بإيزوتسو، وانبهر إيزوتسو بحفظ بيغييف لآلاف الصفحات، وقد قال بيغييف لإيزوتسو في أول لقاء بينهما في منزل إيزوتسو وغرفته المليئة بالكتب: كم تحفظ؟ فرد إيزوتسو: لا شيء. يذكرنا هذا بالغزالي رحمه الله حينما كان في رحلته لطلب العلم، فقطع اللصوص الطريق عليه، فطلب الغزالي أن لا يأخذوا دفتره ففيه علمه كله، فأعطاه اللص إياه، وقال له: لو أخذناه لبقيت بلا علم؟ وتعجب، فبدأ الغزالي يحفظ كل ما في الدفتر. لقد أعرب إيزوتسو عن اندهاشه بوجود أشخاص من هذا النوع في العالم، وكان معجبا بطريقة تدريسهما للطلاب المسلمين، واجتهادهما رغم فقرهما الشديد، وأنهما أحيانا لا يجدان ما يأكلان، وقد اهتم إيزوتسو بفلسفة اللغة، والقواعد مستندا إلى حفظ بيغييف لآلاف الصفحات، وهو ما سيترك أثره في إيزوتسو حتى نهاية حياته، حيث سيصبح إيزوتسو أبرز اسم تنجبه اليابان في الدراسات الإسلامية. نجحت آجيا غيكاي في إزالة التوجس من الإسلام فجعلت الإسلام جزءا من المشهد السياسي والاقتصادي، وحديث عبد الرشيد إبراهيم عن المساواة جعل الإسلام أكثر قربا، وبدعم من عدد من الشركات اليابانية بُني مسجد طوكيو عام 1938م. الدراسات الإسلامية في اليابان في الثلاثينيات: أدركت النخبة اليابانية الحاكمة حاجتها إلى مراكز بحثية مكثفة، خاصة مع حاجتها إلى التوسع في آسيا، فتكثفت الدراسات الإسلامية في الثلاثينيات، حيث تأسس أول مركز للدراسات الإسلامية عام 1932 على أيدي إيدا تادسومي نيتو تومهيدو وأوكوبا كوجي وكابايوشي هاجيما وأسموه مركز أبحاث الثقافة الإسلامية، وأصدر مجلة الثقافة الإسلامية، وانقسم المركز إلى مجموعتين، مجموعة أوكوبا كوجي وهاجيما وميتسودا هيساو، وأسسوا مركزا عام 1935 سموه إيزورامو غاكاي، والمجموعة الأخرى شكلت مركز الثقافة والعالم الإسلامي عام 1937. وهذا المركز ترأسه وزير الداخلية إندو ريسوكو، ووزير البحر سواس تانيتسوغو ووزير الخارجية كاساما أكيو إضافة إلى نايتو تومهيدو، وأصدر مجلة الإسلام – الثقافة الإسلامية، ثم أغلق المركز عام 1939 بعد أن أصدر ستة أعداد من المجلة، وظهر مركز جديد باسم: اتحاد اليابان الإسلامي الكبير، برئاسة رئيس الوزراء السابق: سنجارو هاياشي. كوجي أوكوبو أسس عام 1938م مركز أبحاث العالم الإسلامي، مع هيساو وهاجيما، وبتمويل الأمير: توغوكاوا إيماساو ولاحقا صار ضمن تمويل جمعية الجوار الجيد. وزارة الخارجية اليابانية أصدرت مجلة بعنوان قضايا إسلامية بين عامي 1938 و1941م موجهة للمسلمين واليابانيين، وصدرت ترجمة القرآن الثانية على يد غورو تاكاشي، وكانت أيضا عن أصل غير عربي، وكانت كترجمة ساكاموتو ترجمة نخبوية ضخمة الحجم، كما افتتح مسجد طوكيو عام 1938م، بدعم من الشركات اليابانية، وأسس أوكاوا شوميي مركز أبحاث آسيا الشرقية الاقتصادي، وكان يهدف لدراسة الأوضاع العامة في شرق آسيا. أوكوبو كوجي مثلا تخصص في الدراسات التركية، وكان هناك قسم للتاريخ الإسلامي أُنشِئ في جامعة طوكيو، وقد درس أوكوبو كوجي التاريخ الإسلامي في كلية التاريخ الشرقي في طوكيو، ثم أُرسل ملحقا ثقافيا إلى تركيا، وكتب بإحدى الصحف أن تركيا واليابان عمودا آسيا وأن اليابانيين يحترمون أتاتورك، وعبر هو نفسه عن إعجابه بالأتراك وعملهم الجاد، وكان يخطط لنشر مقالات صحفية وأكاديمية، وبعد تأسيسه لمركزه نجح في استقطاب باحثين أكاديميين متمكنين مثل إيزوتسو وغامو رييتشي ونوهارا شيرو. بتوجيه من كوجي كتب أيزوتسو كتبه الأولى في الفكر الإسلامي وأبحاثه، كانت رؤية أوكوبو تتضمن أنه لتفهم آسيا يجب أن تفهم غرب آسيا أيضا وليس فقط الصين والهند، من جانب آخر فإن إيزوتسو كانت له علاقة وثيقة بأوكاوا شوميي الذي كان خبيرا في الإسلام وثقافته، بل دعا إلى دراسة المذهب الشافعي السائد في جنوب آسيا لفهم التعامل مع المسلمين هناك، واستمر المركز ومجلته حتى 1944م، وأغلقت تلك المراكز جميعها عام 1945 بعد نهاية الحرب، وبلغ عدد الأبحاث المنشورة عبر هذه المراكز جميعها 16000 بحث فيما بين 1930 و1945م. أما أوكوبو كوجي فحاول العمل على الترجمة وترجم ثلاث سور وتوقف بسبب مرضه، ثم توفي، ولكن أوكاوا شوميي عمل على إنجاز ترجمة من أصول إنجليزية وصينية وفرنسية، وأكد أن ترجمة القرآن إلى اليابانية يجب أن تكون من الأصل العربي وأن المترجم يجب أن يكون مسلما. ومع الخمسينيات بدأ اتجاه لدى الباحثين لدراسة الحركات التحررية الشرق أوسطية والإسلامية، مع تاكويو ناكتاني، وبدأت مراكز الأبحاث الاقتصادية والسياسية والشرق أوسطية في الجامعات اليابانية في الستينيات ليبرز اسم توشيهيكو إيزوتسو في السبعينيات وتترجم أعماله إلى الملايوية والتركية والعربية لاحقا. ثم قدم نوبوأكي نوتوهارا العرب بعيون يابانية، عبر دراسات معمقة في البادية والصحراء العربية، وحلل الروايات والقصص المتعلقة بها. وحول ذلك كتب نوبوأكي نوتوهارا: "ثقافة الصحراء هي الثقافة البرية، وتلك الثقافة أوجدت المخلوقات التي تعيش في الصحراء: الإنسان والحيوان والنبات والمكان. إنني أتساءل، هل توجد صفة جوهرية لكلِّ المخلوقات في برية الصحراء؟ وهل نستطيع أن نجد قلب الإنسان أيضا؟ نحن خرجنا منذ زمن بعيد من الثقافة البرية، وأقمنا نظاما أخلاقيا جديدا، ولكن أخشى ما أخشاه، أن يقودنا نظامنا هذا إلى نهاية مأساوية؛ ألا تعلمنا الحيوانات البرية أنّ هناك حياة جوهرية مشتركة بين كلّ المخلوقات؟ على أيِّ حال، أعتقد أنَّ هنالك ما أُسميه كرامة الحيوانات التي تُعبِّر بسلوكها عنه، وهذه الكرامة التي أعنيها موجودة في حيوانات برية. إنني هنا أفكر في مصدر عالم الحياة، حيث تصدر المخلوقات كلّها". هنا أعود إلى أول هذا المقال، فأزهار الكرز المعبرة عن الطبيعة المزدهرة والمتغيرة التي تعبر عن فلسفة اليابانيين في البحث عن جواهر الأشياء، والتوثق منها، ربما كان نقيضها نباتات الصحراء التي تبقى قادرة على التكيف، وتضطر إلى اتخاذ أصعب الخيارات للبقاء؛ مما يجعل الياباني ابن ظلال الأشجار والخضرة والجبال المثلجة في حالة انبهار بهذا البقاء، ويدفعه لطرح السؤال مجددا عن جواهر الأشياء. رحلة ورحالون ابن بطوطة كان جوالا لغاية ما لم نعرفها، وربما يكون قد وطئ أرض اليابان وسماها لنا طوالسي، وليس في هذا كله شيء غريب، ولكن في المقابل، يزور اليابانيون اليوم البلاد العربية، وتركيا وغيرها، ويطلعون على ثقافاتها، وأعرف شخصيا صديقي الياباني محمد تاكيشي فوكوشيما المنغمس في الثقافة العربية، وإن كان يعمل بدقة الحاسوب، وهدوئه الطويل، وحكمته، وفي هذا الزحام كله، يبقى لدينا جميعا حنين غامض للعودة إلى البدء الأول، حيث كنا بعيدا عن منجزات الحداثة التي حالت بيننا وبين الكون الفسيح، ربما هذا ما يجمع لغز رحلاتنا جميعا.. من ابن بطوطة حتى نوتوهارا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store