
الذّكرى الثلاثون للتطهير العرقي في البَلْقَان!الطاهر المعز
من منطقة 'كريينا' الصربية 1995 إلى غزة 2025
الطاهر المعز
صادف الرابع من أغسطس الذكرى الثلاثين لعملية العاصفة ( 04 آب/أغسطس 1995)، وهي حملة عسكرية نفّذتها قوات كرُواتيا ضد المدنِيِّين الصِّرْب ( كانت صربيا وكرواتيا أهم مكونات يوغسلافيا الإتحادية السابقة وكان السّكّان يستقرون في أي منطقة من مناطق يوغسلافيا الإتحادية، يختارونها أو يجدون بها عملا، وكان الزواج مختلطا بين جميع مكونات البلاد)، وكانت هذه العملية هجومًا خطّط له حلف شمال الأطلسي، ونفّذته قواتٌ كرُواتية مُسلّحةٌ ومدربةٌ أمريكيًا، بتنسيقٍ مباشرٍ مع قوى 'غربيةٍ' أخرى، أدّى إلى إحدى أكبر عمليات التّطهير العرقي وقتل مئات الآلاف من الصّرب خلال أيام قليلة، بزعامة قائد فاشي كرواتي مدعوم من الولايات المتحدة، وفق الوثائق التي رُفِعت عنها السِّرِّيّة مُؤَخّرًا، وبينما أيّدت واشنطن علنًا السلامَ التفاوضي، شجعت المليشيات الفاشية الكرواتية سرًا على إظهار أقصى درجات العدوانية، ولو أدّى ذلك إلى اختفاء جميع السكان الصِّرْب للبلاد، وبعد المجازر التي نفّذتها قوات تتبنّى الإيديولوجية الفاشية علنًا – وهي وريثة المليشيات التي تعاونت مع الإحتلال الفاشي خلال الحرب العالمية الثانية – أكد الدّبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبروك، وكيل وزارة الخارجية في إدارة الرئيس وليام كلينتون، مُخاطبا الرئيس الكرواتي ( الذي تعاون مع ألمانيا النازية في شبابه وأسس مليشيا أعاد إحياءها خلال تلك الحرب الأطلسية لقتل المواطنين الصرب والمسلمين) : 'لقد أعلنا في وسائل الإعلام وفي الإجتماعات الدّولية[…] أننا نشعر بالقلق، ولكن في الخفاء، كنتم تعلمون ما نريده ' ( أي القضاء على الصّرب الذين عارضوا المخططات الأمريكية والأطلسية في أوروبا الشرقية)، وكتب أحد مستشاري هولبروك في مذكرة حجبها الدبلوماسي لاحقًا: 'قد استُخْدِمَت القوات الكرواتية كحراس أمن لواشنطن لتدمير يوغوسلافيا' وانطلقت الحملة العسكرية التي أفضت إلى إبادة جماعية بِطَرْد جميع السكان الصرب من كرواتيا، بقوة السلاح ووصف السياسي السويدي كارل بيلت هذه العملية بأنها 'أكثر عمليات التطهير العرقي فعالية التي شهدناها في البلقان'، حيث اجتاحت القوات الكرواتية المناطق المحمية من قبل الأمم المتحدة في جمهورية كرايينا الصربية المعلنة من جانب واحد، نهبًا وحرقًا واغتصابًا وقتلًا أثناء تقدمها عبر الإقليم، وفَرّ ما حوالي 350 ألفًا من السكان، غالبًا سيرًا على الأقدام، ولم يعودوا أبدًا، كما تم إعدام الآلاف بإجراءات موجزة، تحت أنظار 'قوات حفظ السلام' التابعة للأمم المتحدة، المكلفة بحماية كرايينا، وأنكر قادة الولايات المتحدة أن تكون هذه المجازر والنزوح الجماعي بمثابة جرائم حرب أو تطهير عرقي، وأعلن عقيد بريطاني من قادة قوات الأمم المتحدة: ' إن الخطة العسكرية الكرواتية كانت من تصميم خرّيجي الكُلِّيّات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في أمريكا الشمالية أو أوروبا الغربية '، وأظهرت الوثائق التي تم رفع السّرّيّة عنها إن الجيش الأمريكي خطّط للحرب الخاطفة لقتل أكثر ما يمكن من السكان الصّرب وترويع النّاجِين من المجازر لكي يفرّوا بأسرع وقت ممكن، مثلما حصل في فلسطين إبّان النّكبة، وتباهى قادة كرواتيا بسفك الدماء والقضاء على السكان الصرب في كرواتيا تمامًا، بدعم أمريكي وأطلسي مباشر، وأعلنوا اجتماع المسؤولين الكرواتيين مع مسؤولين أمريكيين للاحتفال بانتصارهم.
بعد طرد السكان الصرب من كرواتيا وانفصالها عن يوغسلافيا، اعتمد النظام الكرواتي حديث التأسيس على هذا النظام لفرض الهيمنة الأمريكية والألمانية، ليس فقط على البلقان، بل على جميع أنحاء أوروبا، ولا تزال التوترات العرقية التي يغذيها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة مُسْتَعِرَة، وتم استغلالها لتبرير احتلال دائم، ولا تزال يوغوسلافيا السابقة تعاني من ندوب عميقة جراء عمليات القتل الجماعي والتّطهير العرقي، فيما اعتبر حلف شمال الأطلسي هذه العملية ( التي سُمِّيت 'عملية العاصفة') نموذجًا لحروب الوكالة والهجمات العسكرية اللاحقة، وقد كررت الولايات المتحدة استراتيجية استخدام المقاتلين الأجانب المتطرفين كقوات ضاربة في مختلف مسارح العمليات، من سوريا إلى أوكرانيا.
الدّعم الإمبريالي للفاشيين الكرواتييين ومخطط 'النّقاء العِرْقي' المزعوم
كانت يوغسلافيا جمهورية اتّحادية بعد تحريرها من الإحتلال الفاشي ( الإيطالي والألماني) خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت صربيا وكرواتيا أهم إقْلِيمَيْن بها، وسَرّعَت وضاعفت القوى 'الغربية، بزعامة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والفاتيكان، طوال ثمانينيات القرن العشرين، دعمها الفكر القومي الشوفيني، وخصوصا من مُخلّفات الفكر الفاشي الذي كان سائدًا في كرواتيا قبل تأسيس يوغوسلافيا الإتحادية، وتمكنت القوى 'الغربية' من تأجيج تفكك الاتحاد متعدد الأعراق، وكان ممثلها في كرواتيا، فرانيو تودجمان، أصوليًا كاثوليكيًا وعضوًا في جماعات انفصالية متطرفة، تمتد أصولها إلى النّازية، وشنت هذه الفصائل الفاشية حملة إرهابية في أوائل السبعينيات من القرن العشرين، ومن بينها اختطاف وتفجير طائرات تجارية، ومهاجمة البعثات الدبلوماسية اليوغوسلافية في الخارج، واغتيال فلاديمير رولوفيتش، سفير بلغراد في السويد، سنة 1971…
بعد تجدد العنف الانفصالي الكرواتي في يوغوسلافيا، سُجن تودجمان ( آذار/مارس 1972) مع شريكه المقرب ستيبان ميسيتش بسبب البروباغندا والمُمارسات الفاشية، وبعد ثمانية عشر عامًا، عندما أجرت أول انتخابات متعددة الأحزاب منذ الحرب العالمية الثانية، فاز الاتحاد الديمقراطي الكرواتي (HDZ)وهو الحرب الفاشي الذي يتزعمه تودجمان وميسيتش، بأغلبية الأصوات والمقاعد في البرلمان، وبذلك أصبح تودجمان رئيسًا، وميسيتش رئيسًا للوزراء، ومع صعود الفاشية الكرواتية، تم طَرْد المواطنين من أصُول صربية من كافة المؤسسات العامة، ولم يتنكّر فرانيو تودجمان وستيبان ميسيتش لماضيهما الفاشي، بل تم إحياؤه وتحديثه، وأبْدى توجمان، خلال الحملة الانتخابية 'احترامه الكبير لدولة كرواتيا المستقلة'، الكيان الدمية الذي أنشأه النازيون وحكمه المتعاونون المحليون بوحشية من نيسان/ابريل 1941 إلى أيار/مايو 1945، واصفًا هذا الكيان الفاشي بأنه 'تعبير عن التَّطَلُّعَات التاريخية للشعب الكرواتي'، وفي سياق آخر، أعلن صراحةً: 'الحمد لله، زوجتي ليست صربية ولا يهودية'.
عكست هذه التصريحات استراتيجيةً وحشيةً رسمها فرانيو تودجمان خلال شهر شباط/فبراير 1990 في اجتماعٍ عامٍّ عُقد في كليفلاند، أوهايو ( الولايات المتحدة)، عندما تولّى الاتحاد الديمقراطي الكرواتي السلطة، وأوضح تودجمان أن 'هدفنا الأساسي […] هو فصل كرواتيا عن يوغوسلافيا إذا وصلنا إلى السلطة، ففي غضون 48 ساعةً الأولى، وبينما لا تزال النشوة تسود، من الضروري أن نُحاسب جميع من يعارضون كرواتيا (…) لقد وُضعت قوائم بأسماء هؤلاء الأشخاص بالفعل، يجب إلغاء الكنيسة الأرثوذكسية الصربية…'، ورغم هذه التصريحات والإفتخار بالإنتماء الفاشي، اعترف الإتحاد الأوروبي، الذي كان يسمى آنذاك الجماعة الاقتصادية الأوروبية، بكرواتيا الإنفصالية والفاشية بعد عامين من الدّعم شبه السّرِّي من قِبل ألمانيا والفاتيكان والولايات المتحدة وبريطانيا…
أَسّس الفاشيون من عُملاء ألمانيا النازية ميليشيا 'الأوستاشا' وكان العديد من أنصار تودجمان يُقدّسون الأوستاشا الفاشيين الذين حكموا دولة كرواتيا المستقلة خلال الحرب العالمية الثانية ( وهي دُوَيْلة عميلة لألمانيا النازية التي تحتل مجمل بُلدان أوروبا) وتراوحت جرائمهم بين إعدام مئات النساء وكبار السن بقطع الرؤوس أو الغرق، وإدارة شبكة من معسكرات الإبادة في يوغوسلافيا التي احتلتها دول المحور ( إيطاليا وألمانيا)، مع وحدات متخصصة باختطاف الأطفال، وأثارت وحشية مليشيات الأوستاش تجاه الصّرب والغجر والمسلمين واليهود استياء حتى من قِبَل رُعَاتِهِم النازيين، بعد قَتْلِ مئات الآلاف على يد الأوستاشا، الذين كان من بين ضباطهم شقيق ووالد وزير دفاع تودجمان، غويكو سوساك ( في حكومة 1990)
ظلت هذه الأحداث المُرَوِّعَة محفورة في ذاكرة سكان إقليم كرايينا الصربي التاريخي، المُلحق إداريًا بجمهورية كرواتيا اليوغوسلافية الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية، وتلقى حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي تمويلًا من منفيي حركة أوستاشا في الدول الغربية، وعند وصوله إلى السلطة، أعاد تسمية ساحة ضحايا الفاشية الشهيرة في العاصمة زغرب باسم 'ساحة النبلاء الكروات'، بينما كانت الوحدات شبه العسكرية الكرواتية تلوح بفخر بشعارات ورموز حركة أوستاشا، وأجّجَت حكومة تودجمان الكراهية العرقية علنًا، وبدأ الصرب في الدولة الناشئة يستعِدُّون لحرب أهلية.
في أعقاب اندلاع الاشتباكات العرقية في كرواتيا خلال شهر آذار/مارس 1991، نُشرت وحدات من جيش الشعب اليوغوسلافي لحماية كرايينا، حيث أعلن السكان قيام جمهورية صربية مستقلة إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام دولي، وصرّح الرئيس اليوغوسلافي آنذاك، بوريسلاف يوفيتش، قبل وفاته بأن الهدف هو 'حماية الأراضي الصربية حتى التوصل إلى حل سياسي'، ودامت المفاوضات من أجل التّوصّل إلى حل سياسي أربع سنوات، وبحلول شهر آب/أغسطس 1995، بدا أن 'الحل السياسي' على وشك التحقق، وعقدت مجموعة اتصال خاصة تابعة للأمم المتحدة مفاوضات سلام في جنيف بين سلطات كرايينا ( منطقة صربية داخل كرواتيا) وزغرب (عاصمة كرواتيا) واتفق الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة على مقترح مُشترك لإنهاء الصراع في كرواتيا، وأَقَر الإتفاق بين جميع الأطراف ( يوم الثالث من آب/أغسطس 1995) بقاء المناطق ذات الأغلبية الصربية في كرواتيا جزءًا من البلاد، مع قدرٍ من الحكم الذاتي، وفي اليوم نفسه، أكد غالبريث على التلفزيون المحلي الاتفاق على إعادة دمج المناطق الصربية في كرواتيا، وفي الوقت نفسه، أعلن الوسطاء الأمريكيون في جنيف أنه، نظرًا للتنازلات الكبيرة التي قدّمها الصرب تمهيدًا لسلام تفاوضي، 'لم يكن هناك سببٌ لدخول كرواتيا في حرب'، وأعلن قادة صرب كرايينا المتفائلون أنهم تلقوا ضمانات من واشنطن بالتدخل لمنع أي عمل عسكري كرواتي ضد كرايينا إذا قبلوا بنودتلك الخطّة، لكن قبل نهاية اليوم، رفض القادة الكروات الخطّة وتخلوا عن المفاوضات، وبدأت عملية التطهير العرقي المُسمّاة 'العاصفة' صباح اليوم التالي، تحت شعار 'اضربوا الصّرب حتى يختفوا عمليا' مشاركة كرواتيا في مفاوضات جنيف كانت خدعة صُممت لخلق وهم بأن كرواتيا تسعى إلى تسوية دبلوماسية، بينما تُطوّر سرًا خططًا 'لهزيمة العدو تمامًا'، وفق وثائق محضر اجتماع عُقد يوم 31 تموز/يوليو 1995 بين تودجمان وكبار قادته العسكريين في القصر الرئاسي بجزر بريوني، وأبلغ تودجمان الحاضرين: 'يجب أن نوجه ضربات قاضية تُجبر الصرب على الاختفاء عمليًا… سأذهب إلى جنيف للتّظاهر باهتمامنا بالسلام، ولدحض جميع الحجج التي تُشير إلى أننا نُشعل حربا أثنية وعرقية ودينية، ولإخفاء خططنا التي سوف ننفذها قريبًا…'
لم تقتصر هذه التصريحات، التي تُشكل دليلاً واضحاً لا لبس فيه على نية الإبادة الجماعية، على الرئيس وحده، فقد أقرّ أنتي غوتوفينا، وهو جنرال رفيع المستوى عاد إلى يوغوسلافيا لإدارة عملية العاصفة بعد فراره في أوائل سبعينيات القرن العشرين، بحتمية التطهير العرقي. وأعلن غوتوفينا أن الهجوم الحاسم والمستمر على كرايينا سيعني لاحقاً 'أنه لن يكون هناك الكثير من المدنيين، بل فقط أولئك الذين سيضطرون للبقاء، أولئك الذين لا يملكون إمكانية المغادرة'، ومن الغريب إن محكمة دولية يهيمن عليها الغرب قد بَرَّأت القائد السابق للفيلق الأجنبي الفرنسي، الذي عمل سابقاً مرافقاً للفاشي الفرنسي جان ماري لوبان، وقاد مليشيات هاجمت المُضْرِبِين من عمال ينتمون إلى الإتحاد العام للعمالفي فرنسا (CGT)، من دوره القيادي في عملية 'العاصفة' بكرواتيا…
اقترح تودجمان شن حملة دعائية ضخمة تستهدف الصرب المحاصرين في جيب عرقي معادٍ، مع توزيع منشورات تُعلن 'انتصار الجيش الكرواتي، بدعم من المجتمع الدولي'، وتحث الصرب على عدم الفرار، في محاولة واضحة لإضفاء طابع شامل على اقتراحه بتهجير السكان المدنيين قسرًا، قال: 'هذا يعني توفير مخرج لهم، مع التظاهر بضمان حقوقهم المدنية… باستخدام الإذاعة والتلفزيون، ولكن أيضًا المنشورات'، وناقش القادة العسكريون استراتيجيات دعائية أخرى لتبرير الهجوم، بما في ذلك عمليات 'الراية الكاذبة'، وبما أن 'كل عملية عسكرية لا بد أن يكون لها مبرر سياسي'، أكد تودجمان أن الصرب 'كان عليهم أن يقدموا لنا ذريعة ويستفزونا' قبل بدء الهجوم، واقترح أحد المسؤولين 'اتهامهم بشن هجوم تخريبي ضدنا… ولهذا السبب اضطررنا للتدخل'، واقترح جنرال آخر التسبب في 'انفجار كما لو أنهم هاجمونا بقواتهم الجوية' ( الوَهْمِيّة)…
الضوء الأخضر الأمريكي للمذبحة
صوّر جهاز المخابرات اليوغوسلافي سرًا وزير الدفاع الكرواتي مارتن سبيغلج وهو يتآمر لطرد السكان الصرب من كرواتيا وقال لزميله في أحد التسجيلات ( أواخر سنة 1990) 'إن أي شخص يعارض استقلال كرواتيا يجب قتله على الفور، في الشارع، في المصنع، في الثكنات، في أي مكان …'، وتوقع 'حربًا أهلية بلا رحمة على أحد، لا نساء ولا أطفال، وسَتُدَمَّرُ منازل الصرب بقنابل يدوية بسيطة'، وذلك قبل أن يدعو سبيغلج علنًا إلى 'مذبحة لحل' مشكلة كنين، عاصمة كرايينا، بإزالتها نهائيا' وتباهى قائلًا: 'لدينا اعتراف دولي بهذا'، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي كانت قد 'عرضت كل المساعدة الممكنة، وتقديم آلاف المركبات العسكرية القتالية والتسليح الكامل لنحو مائة ألف جندي كرواتي مجانًا لكي لا يعود الصرب إلى كرواتيا أبدًا (… )سننشئ دولة مهما كلف الأمر، حتى لو لزم إراقة الكثير من الدماء'.
قال توجمان خلال اجتماع مع قادته العسكريين يوم 31 تموز/يوليو 1995 بشأن الدعم 'الغربي' لخُططات التصفيات والإبادة والتّطهير العرقي: 'إن ألمانيا صديق يدعمنا دون قيد، شرط إبلاغها وإبلاغ حلف شمال الأطلسي مسبقًا بالهجمات وبأهدافنا كما نَحْظَى بدَعم الولايات المتحدة'، كما ورَد في مجلة دير شبيغل الألمانية سنة 2006، حيث كتبت: ' إن المجازر تحمل بصمات واشنطن'، وأكّدت مصادر عسكرية كرواتية تلقيها 'دعمًا مباشرًا، وإن كان سريًا، من وزارة الحرب الأمريكية ومن وكالة المخابرات المركزية في تخطيط وتنفيذ هجوم العاصفة'، وتلَقّى جنود وضُبّاط كرواتيون تدريبًا في قاعدة فورت إروين بولاية كاليفورنيا، وساعد البنتاغون في التخطيط للعملية، وفقًا لما ذكرته المجلة، وتجاوز الدعم الأمريكي بكثير ما تم الإقرار به علنًا، أي أن القوات الكرواتية شاركت ببساطة في تدريبات أجرتها شركة إم بي آر آي العسكرية الأمريكية الخاصة، ' التقى نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جورج تينيت، بنجل غوتوفينا وتودجمان، الذي كان آنذاك رئيسًا للمخابرات الكرواتية، لإجراء مشاورات أخيرة، قبل الهجوم بمشاركة الطائرات الأمريكية التي دمرت مراكز دفاع جوي واتصالات صربية، ونقل البنتاغون المعلومات التي جُمعت عبر الأقمار الصناعية إلى القوات الكرواتية'، وفق نفس المصدر…
وجب التّذكير إن التّدخلات العسكرية الأمريكية تتم في ظل الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حدّ السواء، فقد احتفلت الإدارة الدّيمقراطية لوليام كلينتون سنة 1995 بانتصار المليشيات الفاشية الكرواتية التي نفّذت عمليات الإبادة الجماعية، حيث عُقدت قمة رفيعة المستوى يوم 18 آب/أغسطس 1995، في القصر الرئاسي بزغرب ( عاصمة كرواتيا) بين زعماء كروات ودبلوماسيين أمريكيين يقودهم ريتشارد هولبروك، أحد أركان مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، المهووس بالتدخل في يوغسلافيا وتفكيكها ووصف التذهير العرقي ب'العمل المَشْرُوع'، وفق موقع 'ذا غراي زون' ( 04 آب/أغسطس 2025) الذي كتب 'لقد أقرّ هولبروك علنا بدعم الإدارة الأمريكية عمليات الإبادة الجماعية'…
استمر الدّعم الأمريكي والأوروبي لجمهورية كرواتيا واستمرت قوات حلف شمال الأطلسي في تدمير البلاد وتفتيتها إلى دويلات غير قابلة للعيش ( الجبل الأسود وكوسوفو والبوسنة…) لتسهيل السيطرة عليها وتحويلها إلى قواعد أطلسية، ورغم وجود أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب خطيرة، وفق الوثائق المُفْرج عنها مؤخرا، لم تُوجّه المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، الممولة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أي اتهام لأي مسؤول عن عملية العاصفة حتى سنة 2008، بينما لاحقت الإستخبارات الأمريكية الزعماء الصّرب واتهمتهم بالفاشية وألقت القبض عليهم، وتم محاكمتهم وسجنهم ظُلما، فيما انتظرت الولايات المتحدة وفاة العديد من الضباط المذنبين من كبار السّن، بمن فيهم تودجمان، ولم تتم محاكمة سوى ثلاثة قادة عسكريين كروات سنة 2011، تم تبرئة أحدهم وأُدِين إثنان قبل إلغاء القرار خلال جلسات محكمة الإستئناف سنة 2012، ولم تتم إدانة الحكومة الكرواتية ولا جيشها المُشبع بالإيديولوجيات العنصرية والفاشية الذي طرد بالقوة كافة الصّرْب من كرواتيا.
خاتمة
يهدف التّذكير بهذه المذبحة، بعد ثلاثة عُقُود من تنفيذها إلى تزامنها مع انهيار الإتحاد السوفييتي ومع العدوان الثّلاثيني على العراق (بداية سنة 1991) والتّذكير بأن ما يحدث اليوم في فلسطين هو جزء من مخطط صهيوني بدأ تنفيذه منذ أكثر من قَرْن، وإن الولايات المتحدة – رأس حرْبَة الإمبريالية والعدوان على الشعوب – خطّطت العديد من المجازر والإنقلابات الدّموية وعمليات الإبادة التي تنفذها القوات الأمريكية مباشرة، أو قوات وكيلة (مُتعاقدة من الباطن) وإن ما يقوله ويكتبه بعضنا اليوم يُصنف ضمن 'نظريات المؤامرة' في حين أظهرت الوثائق المُفرج عنها صحّة ما كان يقوله الصّرب منذ سنة 1990 بشأن إحياء الفكر الفاشي والمليشيات الفاشية في كرواتيا بدعم أمريكي وألماني وبريطاني ( وأطلسي بشكل عام) فضلا عن دعم علني من قِبَل الفاتيكان…
هناك أوجه شبه بين ما حدث في يوغسلافيا وما يحدث في أوكرانيا من إحياء المليشيات الفاشية التي ساعدت الجيش الألماني لاحتلال أراضي الإتحاد السوفييتي ( من بينها أراضي أوكرانيا نفسها) خلال الحرب العالمية الثانية، وأشارت صحيفة 'كييف بوست' ( أيلول سبتمبر 2022) : ' يُعَدّ الهجوم المضاد غير المتوقع لجيش أوكرانيا في خاركوف ضدّ الجيش الروسي بمثابة عملية العاصفة (الكرواتية) التي تُبشِّرُ باستسلام روسيا الوشيك'. وللتذكير فإن هذا الهجوم المُضاد الذي خطط له وأشرف على تنفيذه حلف شمال الأطلسي، حظِيَ بتبجيل كبير من قِبَل الأوساط العسكرية الأطلسية، مع الحديث عن تنفيذ مثل هذه الخطط في مناطق صراع أخرى، بتحالف بين المليشيات الفاشية والإستخبارات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي، مثلما يحدث في غزة حيث تُشارك شركات التكنولوجيا والإتصالات في المجازر بدعم من الجيش والكونغرس والرئيس الأمريكييين…
لا غرابة إذًا أن ينفّذ الكيان الصهيوني عمليات الإبادة في ظل الحصار والتّجويع مع توسيع رقعة العدوان إلى سوريا ولبنان واليمن وإيران، بدعم أمريكي مُطلق وأوروبي مَشْرُوط، ولا غرابة في قَمْع أي حركة احتجاج على عمليات الإبادة، ولا يجب أن ننتظر ثلاثة عقود لاكتشاف الوثائق التي تثبت مُشاركة كافة القوى الإمبريالية والسلطات العربية في هذه الحلقة الجديدة من النّكبة، بل وجب التّصدّي لها الآن قبل فوات الأوان…
وردت المعلومات بموقع 'المنطقة الرمادية' ( The Gray Zone ) بتاريخ الرابع من آب/أغسطس 2025، بعنوان:
(leader US backed cleaning of serbs , top diplomat secretly tol croat )
2025-08-14
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ 34 دقائق
- الزمان
إمبراطور اليابان يعبر عن ندم عميق بعد 80 عاما على الحرب العالمية الثانية
طوكيو (أ ف ب) – تحدى عشرات آلاف الأشخاص الحر الشديد لزيارة ضريح ياباني مثير للجدل، في وقت عبّر الامبراطور ناروهيتو عن 'ندم عميق' في الذكرى الثمانين لاستسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية. وكان وزيران في الحكومة اليابانية من بين الزوار الذين توافدوا على ضريح ياسوكوني في طوكيو الذي يحيي ذكرى 2,5 مليون جندي غالبيتهم من اليابانيين قضوا منذ أواخر القرن التاسع عشر، لكنه يكرم أيضا مدانين بجرائم حرب. ولطالما أثارت زيارات المسؤولين الحكوميين إلى الضريح غضب دول عانت فظائع ارتكبها الجيش الياباني، خصوصا الصين وكوريا الشمالية. وقال ناروهيتو إنه يشعر بـ'حزن عميق ومتجدد' في كلمة مؤثرة ألقاها وإلى جانبه الإمبراطورة ماساكو داخل قاعة مغلقة في وسط العاصمة اليابانية، حيث تم تنكيس العلم الوطني في الخارج. وأضاف الإمبراطور البالغ 65 عاما 'أفكاري مع العدد الكبير من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم الثمينة في الحرب الأخيرة ومع عائلاتهم الثكلى'. أضاف 'ومن خلال التأمل في ماضينا واستحضار مشاعر الندم العميق، آمل بألّا تتكرر مآسي الحرب مجددا'. كما ألقى رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا كلمة في المراسم تعهد فيها 'الحفاظ على الذكريات المؤلمة للحرب… ونقلها عبر الأجيال، والسعي إلى اتخاذ خطوات نحو سلام دائم'. ولم يزر أي رئيس وزراء ياباني الضريح منذ العام 2013 حين أثارت زيارة قام بها رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي غضب بكين وسيول، وتسببت في توجيه الولايات المتحدة حليف طوكيو الوثيق، توبيخا دبلوماسيا نادرا لطوكيو.


ساحة التحرير
منذ 4 ساعات
- ساحة التحرير
قمة ألاسكا: مصير أوكرانيا على جليد هش!سعيد محمد
قمة ألاسكا: مصير أوكرانيا على جليد هش! تتجه الأنظار إلى أنكوريج في أقصى شمال العالم حيث يسعى ترامب لعقد صفقة شخصية مع بوتين تنهي حرب أوكرانيا، فيما يتوجس الأوروبيون والأوكران من تسوية تتم على حسابهما. سعيد محمد* تتجه أنظار العالم غداً الجمعة إلى أنكوريج، في ولاية ألاسكا، حيث اكتملت الاستعدادات لقمة ثنائية طارئة تجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في أحدث محاولة للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب في أوكرانيا. وبينما يلوّح ترامب بـ 'عواقب وخيمة جداً' إذا رفض بوتين وقف القتال، يسود قلق عميق في العواصم الأوروبية وكييف من أن هذه القمة، التي تم ترتيبها على عجل وبغياب الخبراء وبمعزل عن الحلفاء الرئيسيين، قد تتحول إلى 'يالطا جديدة' – تربط يالطا في الذاكرة السياسية بتقسيم العالم بين القوى الكبرى إشارة إلى قمة 1945 التي جمعت ستالين وروزفلت وتشرشل (بريطانيا) لمناقشة ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية -، يبرم فيها مصير أوكرانيا، ومستقبل أمن أوروبا كلها دون حضورهما. وتأتي القمة في لحظة تقاطع حرجة، حيث يتبنى الرئيس الأمريكي نهجاً دبلوماسياً شخصياً ومتقلباً، ويواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أزمات داخلية وعسكرية خانقة، بينما يحقق الجيش الروسي تقدماً بطيئاً لكن مضطرداً على الأرض ويجد القادة الأوروبيون أنفسهم محشورين في دائرة انعدام التأثير، ويكاد دورهم يقتصر على الجعجعة بشروط انتصار موهوم للغرب. من وجهة نظر الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض، تمثل القمة فرصة لإثبات فعالية أسلوب الرئيس القائم على عقد الصفقات الشخصية. فبعد أشهر من التعبير عن الإحباط من استمرار الحرب، يعتقد ترامب أن لقاءً وجهاً لوجه مع بوتين قد يكسر الجمود. وقد صرح للصحفيين بأنه سيعرف 'في أول دقيقتين' ما إذا كان التوصل إلى اتفاق ممكناً، واصفاً الاجتماع تارة بأنه 'جلسة استكشافية'، وتارة أخرى مهدداً بعواقب لم يحددها إذا لم يحصل على ما يريد. وتتلخص رؤية الرئيس الأمريكي في أن استمرار الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا عبء يجب التخلص منه، وأن الحل يكمن في جلوس الأطراف المتصارعة على طاولة المفاوضات، حتى لو كان الثمن تنازلات مؤلمة. وهو لا يرى في بوتين العدو الذي يتحدث عنه الكثيرون في الغرب، بل يعتبره لاعباً براغماتياً يمكن التوصل معه إلى تفاهمات. وفي حساباته الذاتية، فإن تحقيق السلام، حتى لو كان منقوصاً، سيقدمه للناخب الأمريكي كـ 'صانع سلام' قوي، على نقيض الإدارات السابقة التي اتهمها بإطالة أمد الصراعات. على أنّ هذا النهج يثير قلقاً بالغاً في دوائر السياسة الخارجية التقليدية في واشنطن. فالقمة تفتقر إلى التحضير الدبلوماسي المعتاد الذي يقوده مجلس الأمن القومي، بل وشهد المجلس ووزارة الخارجية موجة من عمليات التسريح والاستقالات التي أفرغت الإدارة من المتخصصين في الشأن الروسي والأوكراني. ويقود المفاوضات من الجانب الأمريكي شخصيات مثل ستيف ويتكوف، سمسار العقارات المفتقر للخبرة في السياسة الخارجية، ما يترك ترامب معزولاً عن المشورة المتخصصة في مواجهة مفاوض مخضرم مثل بوتين. ويشير دبلوماسيون سابقون إلى أن الرئيس الروسيّ، المعروف بتمكنه من التفاصيل وقدرته على استغلال نقاط ضعف محاوريه، قد يجد في ترامب خصماً سهل الإقناع. وتزيد من هذه المخاوف سابقة قمة هلسنكي عام 2018، حين بدا أنه يتبنى رواية بوتين بشأن عدم تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية على نقيض استنتاجات أجهزته الاستخباراتية – ثبت لاحقاً أنها استنتاجات مسيسة ولا أساس لها من الصحة -. ويزعم الساسة الديمقراطيون في واشنطن أن الجمع بين حاجة وشهيّة ترامب لتحقيق 'نصر' دبلوماسي سريع تزامناً مع فراغ الخبرة المحيط به يخلق وصفة مثالية لمخاطرة كبرى قد تكون نتائجها عكسية على المصالح الأمريكية والأوكرانية. من الجانب الآخر، يدخل فلاديمير بوتين القمة في موقع قوة تكتيكي. فالرئيس الروسي ليس يائساً لإنهاء الحرب، بل يريد حسمها سلماً أو حرباً وفق شروطه التي تضمن له مكاسب استراتيجية دائمة. ولعل هدفه الأول من قبول المشاركة في القمة كسر العزلة الدولية التي فُرضت على روسيا، والظهور بمظهر الند للرئيس الأمريكي، متجاوزاً بذلك أوروبا وأوكرانيا. ويبدو أن عقد القمة على أرض أمريكية يعد بالفعل وبغض النظر عن نتائجها انتصاراً دعائياً بالنسبة لموسكو. ويقدّر الخبراء بأن بوتين سيسعى إلى تثبيت مكاسبه العسكرية على الأرض. إذ يسيطر الجيش الروسيّ على مساحات واسعة من شرق وجنوب أوكرانيا، وأي اتفاق يجمّد خطوط التماس الحالية، أو يعترف بـ 'الواقع على الأرض'، سيكون بمثابة إعلان نصر للكرملين. وسيهدف إلى الحصول من ترامب على ضمانات أمنية طويلة الأمد، وعلى رأسها حياد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يعتبر توسعه شرقاً تهديداً وجودياً لروسيا. ومن المرجح أن استراتيجية بوتين التفاوضية ستتركز على محاولة تقديم صفقة ترضى غرور ترامب. وتشير تسريبات عشية القمة إلى أن موسكو طرحت أفكاراً مثل 'تبادل الأراضي' ووقف إطلاق النار مقابل انسحاب القوات الأوكرانية بالكامل من منطقة دونيتسك الشرقية. وبذلك سيحاول بوتين تصوير نفسه على أنه الطرف الراغب في السلام، وأن نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي هو العقبة أمام فرص التسوية بسبب 'تشدده' ورفضه تقديم تنازلات. ويأمل بوتين أن يضع ملف أوكرانيا ضمن سلة تشمل مسائل اقتصادية واستثمارية ودبلوماسية عدة بحيث يمكن إغواء ترامب بصفقة يمكن فرض خلاصتها الأوكرانية لاحقاً على كييف، أو على الأقل دق إسفين بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين من بوابة فرص الاستثمار والتعاون الروسي- الأمريكي في التجارة وإدارة الموارد. في برلين وباريس ولندن، أثارت القمة المرتقبة حالة من الاستنفار الدبلوماسي. حيث يخشى القادة الأوروبيون من صفقة متسرعة تتجاهل مصالح أوكرانيا وأمن القارة ككل. وقد سارع المستشار الألماني فريدريش ميرتز، بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة آخرين، إلى تنظيم مكالمة فيديو عاجلة مع ترامب قبل القمة في محاولة لتوحيد الموقف ووضع 'خطوط حمراء'. ووفقاً لمصادر أوروبية، فقد تم التأكيد في المكالمة على مطالبات يراها الأوروبيون أساسية بما في ذلك أولوية وقف شامل للقتال قبل مناقشة أيّة تسوية سياسية، وعدم اتخاذ قرارات مصيرية بشأن أوكرانيا في غيابها، وأن يظل أي تفاهم حول 'تبادل الأراضي' قراراً سيادياً أوكرانياً بحتاً على أن يتضمن أي اتفاق سلام دائم ضمانات أمنية لأوكرانيا، مع عدم إغلاق الباب أمام طموحاتها المستقبلية في الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. وكخط رجعة في حال فشل المفاوضات بسبب 'تعنت بوتين' يريد الأوروبيون أن تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على تكثيف العقوبات لخنق روسيا اقتصادياً، بما في ذلك فرض عقوبات ثانوية على الشركاء التجاريين الرئيسيين لموسكو. وعلى الرغم من أن ترامب وصف المكالمة مع الزعماء الأوروبيين بال'جيدة جداً و 10/10″، وإعلانه رغبته في أن يتبع قمة ألاسكا لقاء ثلاثي يجمعه مع بوتين وزيلينسكي، مع التلويح ب'عقوبات وخيمة' إن لم يوافق الرئيس الروسي على وقف الحرب، إلا أن القلق في برلين وباريس ولندن لا يزال قائماً، إذ يعي الأوروبيون أن الرئيس الأمريكي قد يغير موقفه سريعاً بمجرد أن يكون في غرفة واحدة مع بوتين، فيما موقفهم ضعيف نسبياً، وهم يدركون أن قدرتهم على اسناد أوكرانيا عسكرياً ومالياً محدودة للغاية حال قررت واشنطن تغيير مسارها، ورهانهم يعتمد كليّة على حسن نية ترامب والتزامه بوعوده السائلة لهم. أما بالنسبة لزيلينسكي، فتأتي القمة في 'أحلك ساعة' على حد وصف نيويورك تايمز. فالرئيس الأوكراني يواجه ضغوطاً هائلة على جبهتين: عسكرياً، حيث تحقق القوات الروسية مكاسب بطيئة ولكن ثابتة على خطوط دفاعه المنهكة؛ وسياسياً، حيث تراجعت شعبيته محلياً بعد أزمة تتعلق بمحاولاته للحد من استقلالية هيئات مكافحة الفساد، وبدا حينها أن الأمريكيين قد لا يمانعون في رحيله عن السلطة. السيناريو الكابوسي لكييف أن يتم إجبارها على الاختيار بين أمرين: إما قبول صفقة غير عادلة وغير مستدامة تفرض عليها التنازل عن أراضٍ وسيادة، أو رفض الصفقة ومواجهة غضب إدارة ترامب التي قد تعاقبها بوقف المساعدات العسكرية والاستخباراتية التي لا يمكن عملياً للجيش الأوكراني الاستمرار بالقتال من دونها. ويحاول زيلينسكي، مستعيناً بالدعم الأوروبي، التأثير على ترامب من خلال التحذير المسبق من 'مخاتلة' بوتين الذي – وفق زيلينسكي دائماً – سيحاول التقليل من تأثير العقوبات الغربية على روسيا، والتأكيد على أن موسكو لا ترغب بتحقيق السلام بقدر ما تسعى لتفكيك أوكرانيا بالكامل ونزع سيادتها. كما يكرر خطوطه الحمراء بأن الدستور الأوكراني يمنعه من التنازل عن الأراضي، وأن أي اتفاق يجب أن يحظى بموافقة البرلمان والشعب، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الرفض الشعبي والعسكري الواسع لأي تنازلات إقليمية. سيحدد نجاح هذه القمة – أو فشلها – ليس مصير أوكرانيا فحسب، بل أيضاً مستقبل التحالف عبر الأطلسي، وربما شكل النظام العالمي لعقود قادمة. ولعل التحدي – والفرصة في ذات الآن – الذي يواجه الزعيمين يكمن في جسر الهوة السحيقة بين تصوراتهما للتسوية. فترامب يريد حلاً سريعاً يريحه من 'العبء الأوكراني'، بينما يسعى بوتين إلى إعادة تعريف النظام الأمني في أوروبا بما يحفظ مصالح روسيا. وفي المدرجات عن بعد، تقف أوكرانيا وأوروبا، بلا حول ولا قوة، يتغشاهما القلق من أن يأتي نجاح القمة على حسابهما. – لندن 2025-08-15


الحركات الإسلامية
منذ 5 ساعات
- الحركات الإسلامية
قرار لبناني تاريخي وتحرّكات حوثية مريبة.. ملامح تفكك مشروع الهيمنة الإيرانية في المنطقة
في تطور سياسي إقليمي يعكس تحولات في موازين القوى داخل الساحة العربية، رحب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني بالقرار التاريخي الذي اتخذته الحكومة اللبنانية والقاضي بحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها، واصفًا إياه بالخطوة الشجاعة والتحول الجوهري الذي طال انتظاره. هذا القرار، وفق الإرياني، يمثل بداية حقيقية لاستعادة السيادة الوطنية التي صادرها "حزب الله" على مدى عقود، عبر تكريس واقع "الدولة داخل الدولة"، والزج بلبنان في صراعات عبثية وأزمات متتالية أضرت بالبنية التحتية، وأثقلت كاهل الشعب اللبناني بأثمان باهظة من دماء وأمن واستقرار البلاد. وأكد الوزير أن التجارب التاريخية، لا سيما في السنوات الأخيرة، أثبتت أن سلاح "حزب الله" لم يكن في يوم من الأيام سلاح مقاومة حقيقية بقدر ما كان أداة للاستقواء على الداخل اللبناني، وتصفية الخصوم السياسيين، وفرض أجندة إيران على القرار السيادي، وبيّن أن هذا السلاح ساهم في زج لبنان في معارك لم تُقرّها الدولة ولا اختارها الشعب، وأدى إلى عزلة دولية وانهيار اقتصادي غير مسبوق، مشددًا على أن ما جرى مؤخرًا في الجنوب اللبناني يعد برهانًا إضافيًا على عجز هذا السلاح عن حماية نفسه فضلًا عن حماية البلاد. وربط الإرياني بين القرار اللبناني الجديد والدور الميداني والإعلامي الخطير الذي لعبه "حزب الله" في اليمن منذ اللحظات الأولى للانقلاب الحوثي، عبر إرسال خبراء ومقاتلين لإدارة العمليات القتالية إلى جانب المليشيا الحوثية، وتأهيل كوادرها عسكريًا وأمنيًا، إضافة إلى الدعم الإعلامي من خلال قناة 'المسيرة' التي تبث من الضاحية الجنوبية في بيروت، والتي تحولت إلى منصة تحريض ضد الدولة اليمنية وتهديد مباشر للأمن القومي اليمني والعربي، وأوضح أن اليمن شأنها شأن عدد من الدول العربية، دفعت ثمن المشروع التخريبي الذي تنفذه إيران عبر أذرعها المسلحة في العواصم العربية، من بيروت إلى صنعاء، مرورًا ببغداد ودمشق، وهو مشروع لا يقوم على الشراكة الوطنية أو بناء الدولة، بل على تمزيق النسيج الاجتماعي، وتكريس السلاح الطائفي، وتفكيك مؤسسات الحكم لصالح "الفوضى الدائمة" التي تنسجم مع مشروع "ولاية الفقيه". تصريحات الوزير اليمني جاءت في أعقاب تأكيد تقارير متخصصة في الشأن العسكري اليمني، أن ذراع إيران في اليمن – المليشيا الحوثية – تمضي على النهج ذاته الذي انتهجه "حزب الله" في لبنان، حيث دفعت الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى مختلف جبهات القتال، مع تكثيف تحصيناتها ومواقعها الميدانية، وإعادة تأهيل بنيتها العسكرية والأمنية، في ظل مخاوف أممية من أن يقود هذا التصعيد إلى نسف "هدنة هشة" ترعاها الأمم المتحدة منذ أبريل 2022. وكشفت مصادر دفاعية وأمنية لمنصة "ديفانس لاين" المتخصصة في الشؤون العسكرية باليمن عن تحريك الحوثيين أسلحة ومعدات إلى مواقع متقدمة، وحفر الخنادق والأنفاق، وزرع الألغام في خطوط التماس، بالتوازي مع تعبئة أيديولوجية واسعة النطاق. ورصدت المعلومات تحركات مكثفة شملت نقل كتائب مدربة حديثًا إلى جبهات في مأرب والجوف والبيضاء ولحج والضالع وتعز والحديدة وحجة، تضم وحدات خاصة وفصائل "جهادية" ودروع وقناصة وطيران مسير ومدفعية ميدانية وصاروخية. كما شملت جهود الجماعة إعادة تشغيل القواعد والمخابئ تحت الأرض وترميم المقرات القيادية والمرافق اللوجستية المتضررة جراء الهجمات الأمريكية السابقة، ما يشير إلى محاولة لإعادة بناء القدرة القتالية استعدادًا لمرحلة صراع جديدة. ويرى المراقبون أن الربط بين القرار اللبناني والواقع اليمني يكشف ملامح استراتيجية موحدة للمشروع الإيراني في المنطقة، تعتمد على تمكين الأذرع المسلحة وتوظيفها لفرض الهيمنة على حساب الدولة الوطنية، فكما هيمن "حزب الله" لعقود على القرار السيادي في لبنان بسلاحه وإمكانياته العسكرية، يسعى الحوثيون اليوم لتكريس واقع مشابه في اليمن، يهدد الأمن الإقليمي ويعطل أي جهود سلام حقيقية، ويؤكد هؤلاء أن نجاح لبنان في فرض حصرية السلاح بيد الدولة، إذا تحقق عمليًا، قد يشكل سابقة تلهم دولًا أخرى في المنطقة، ويدفع نحو إعادة الاعتبار لسلطة الدولة في مواجهة المليشيات، تمهيدًا لإسقاط نموذج "اللادولة" الذي تغذيه إيران من بيروت إلى صنعاء.