
الذكاء الاصطناعى رائد أعمال.. الـ"يونيكورن" القادم قد يخرج من شقة صغيرة فى أسوان!
لعقود من الزمن، ظل بناء شركة تكنولوجية يتبع مسارًا تقليديًا محدد المعالم: يبدأ عادة بجولات جمع التمويل، ثم مرحلة توظيف المهندسين والتقنيين، فتطوير المنتج، ثم التوسع.
كانت فرص نجاح الشركات الناشئة تقاس بقدرتها على الوصول إلى رأس المال الاستثماري، وجذب المهارات التقنية النادرة، والدخول في دوائر النخب الاستثمارية والشبكات الواسعة، وكان هذا واضحًا بشكل خاص في الأسواق التي يكون التمويل فيها شحيحًا والمطورون ذوو الخبرة نادرين.
لكن القواعد تتغير.
..اليوم نشهد تحوّلًا جذريًا تقوده أدوات الذكاء الاصطناعي، لا يغير فقط طريقة بناء الشركات، بل أيضاً هوية من يملك القدرة على إطلاقها.
ثمة جيل جديد من 'الشركات الناشئة الرشيقة' آخذ في الظهور— شركات تُبنى بفرق عمل أصغر، ورأس مال أولي أقل، ونفوذ غير مسبوق من خلال الذكاء الاصطناعي. يستطيع مؤسس واحد، ومن دون تمويل أو فريق كبير، أن يبني منتجًا ويطلق شركة قادرة على المنافسة عالمياً، بغض النظر عن الموقع الجغرافي، أو إمكانية الوصول إلى التمويل، أو الخلفية التقنية.
لا يوجد شريك مؤسس؟ لا مشكلة
في السابق، كان من الصعب تخيل مؤسس وحيد يُدير جميع جوانب المشروع، اليوم، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على إدارة سير العمل بالكامل: كتابة المحتوى (مثل Jasper وCopy.ai)، كتابة وتصحيح الأكواد (مثل Cursor وGitHub Copilot)، إنشاء تصاميم المنتجات (مثل Uizard)، تشغيل خدمة العملاء (مثل Ada وIntercom)، وحتى المراجعات القانونية (مثل Spellbook وLuminance).
هكذا يمكن لمؤسس واحد يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، أن يصمم النموذج الأولي لمنتجه، وأن يُجري التعديلات عليه، وأن يطلقه بسرعة لا يمكن تخيلها.
لقد رأينا هذا السيناريو من قبل مع أدوات 'no-code' ومنصات الحوسبة السحابية، لكن الذكاء الاصطناعي يتجاوز ذلك: فهو لا يُسرع التطوير فحسب، بل يحل محل أجزاء كاملة من العمل التي كانت تتطلب متخصصين.
والأهم من ذلك، يسمح الذكاء الاصطناعي بإجراء التعديلات في الوقت الفعلي، لم تعد بحاجة إلى الانتظار حتى يصمم مصمم أو توظف مطور واجهات لتجربة فكرة ما.
في الواقع، الذكاء الاصطناعي لا يقلل التكاليف فقط—بل يغير شكل وسرعة البناء نفسه بين شركات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والشركات المدعومة به.
من المهم هنا التمييز بين نوعين من الشركات في مشهد الذكاء الاصطناعي، والذي غالبًا ما يتم إغفاله في النقاشات العامة: الأولى هي شركات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (AI infrastructure)، مثل جوجل وOpenAI، والتي تطوّر نماذج لغوية ضخمة بتكاليف خيالية وفرق بحثية نخبوية. هذه الشركات تشبه شركات الطاقة التي تُنشئ المحطات وتنتج الكهرباء.
أما النوع الثاني، وهو الأهم في منطقتنا، فهو الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI-enabled)، والتي لا ينصب تركيزها على بناء التقنية الأساسية، بل على تطبيقها في قطاعات متخصصة.
تستخدم هذه الشركات تلك النماذج المتقدمة عبر واجهات برمجية (APIs)، وتطبّقها لحل مشاكل محددة في مجالات مثل اللوجستيات، التعليم، الصحة، أو القانون، ويمكن تشبيهها بالمستخدم الذكي الذي يعرف كيف يوظّف الكهرباء لتشغيل مصنع دون أن يبني محطة كهرباء.
يفتح هذا النموذج باب التجربة أمام الجميع، بتكلفة منخفضة وسرعة تنفيذ غير مسبوقة. كل ما تحتاجه هو حاسوب محمول واتصال بالإنترنت، لتبدأ من أي مكان في العالم، دون جمع تمويل أو توظيف أو تأخير.
ما أهمية هذا التحول للأسواق الناشئة في منطقتنا؟
في أسواق مثل مصر، والسعودية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، كانت التحديات أمام الشركات الناشئة التقليدية أكثر وضوحًا: شُح في التمويل خاصة في المراحل المبكرة، قلة في الكفاءات التقنية والمواهب المحلية، ونظام بيئي أصغر ومحدود للمستثمرين الملائكيين.
لكن مع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المعادلة، تغيّر كل شيء.
اليوم، يمكن لشاب في أسوان أو سيدة أعمال في جدة أن تُطلق شركة عالمية من غرفتها، دون أن تحتاج إلى تمويل أولي، أو شريك تقني، أو حتى فريق كبير.
يكفي أن تكون لديها رؤية واضحة، وفهم عميق لمشكلة حقيقية في قطاع ما، لتبدأ في بناء الحل مدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي.
هذا لا يفتح باب المنافسة فقط، بل يطلق العنان للإبداع المحلي، فنحن أمام جيل من المؤسسين يمتلكون خبرات متراكمة في مجالات مثل العقارات، التعليم، الرعاية الصحية، والخدمات الحكومية، ويمكنهم أن يدمجوا الذكاء الاصطناعي مع رؤيتهم لحل المشكلات بشكل أسرع وأرخص من أي وقت مضى.
هذه ليست أمثلة نظرية، فنحن نرى مشاريع جديدة تظهر دون مهندسين داخليين، وبدعم عملاء يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتسويق آلي، ودورات إنتاجية تعتمد بالكامل على التوليد التلقائي.
فالذكاء الاصطناعي يمكّن نوعًا جديدًا من المؤسسين—ليسوا تقنيين فحسب، بل تشغيليين؛ ليسوا أصحاب رؤية فقط، بل حرفيين.
خرافة أن بناء الذكاء الاصطناعي مكلف
ربما يكون أحد أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا هو أن شركات الذكاء الاصطناعي مكلفة بطبيعتها. هذا الاعتقاد نابع من التغطية الإعلامية لعمالقة البنية التحتية، حيث يتكلف تدريب نموذج واحد ملايين الدولارات، لكن الغالبية العظمى من الشركات الناشئة لا تحتاج إلى ذلك.
لكن كما ذكرنا سابقا، فإن معظم الشركات الناشئة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لا تتدرب على نماذجها الخاصة. إنها ببساطة تستخدمها.
فأدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة اليوم تعتمد على نموذج الدفع حسب الاستخدام، صحيح قد تكون واجهات برمجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي مكلفة عند التوسع، لكنها في المراحل الأولى تُعد من أرخص الأدوات وأكثرها فاعلية. ومع الاستخدام الذكي، يمكن لهذه الأدوات أن تحل محل وحدات كاملة مثل الدعم الفني أو التسويق أو التحليل القانوني، مما يوفّر التكاليف بدلًا من زيادتها.
ما نخسره، وما نربحه!
بالطبع، لا يخلو هذا التحوّل من تحديات بل قل مقايضات. الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يعني تقليص حجم الفريق، مما قد يحد من تنوع وجهات النظر.
كما أن المؤسس اليوم مطالب بأن يكون مدير منتج، ومسوقًا، ومتحكمًا في أدوات الذكاء الاصطناعي في آنٍ واحد، كما أن هناك خطر من الاعتماد المفرط على نماذج جاهزة قد لا تُناسب كل سياق، كذلك يصبح ضبط الجودة تحديًا جديدًا عندما يكون العمل مُولدًا بواسطة الآلات.
لكن المكاسب هائلة على الجانب الآخر: سرعة في إطلاق المنتجات، انخفاض التكاليف، توسّع عالمي من اليوم الأول، ودخول لاعبين جدد من خلفيات غير تقليدية إلى ساحة الابتكار.
لقد تغيرت قواعد اللعبة للشركات الناشئة؛ وينبغي أن نتوقع أن يتغير مشهد ريادة الأعمال بالكامل معها.
جيل جديد من المؤسسين ورواد الأعمال.
من خلال عملي في منظومات الشركات الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألاحظ ملامح جيل جديد من المؤسسين.
لا ينتظرون شريكًا مؤسسا أو تقنيًا، ولا يسعون للحصول على تمويل قبل إثبات فكرتهم، ولا يطرقون أبواب الحاضنات والمسرّعات.
إنهم يبنون
هؤلاء المؤسسون يفهمون الذكاء الاصطناعي، ليس كحل سحري، بل كأداة تعظيم لقدرتهم على الإنجاز.
يرون رأس المال كخيار، وليس شرطًا. ويثبتون أن السمة الأهم في عصر الذكاء الاصطناعي ليست المال أو البرمجة—بل وضوح المشكلة واتساع الرؤية وسرعة التنفيذ.
ختامًا: من وادي السيليكون إلى أسوان!
نحن لا نشهد مجرد موجة تكنولوجية جديدة، بل تحوّلاً جذريًا في طريقة إنشاء الشركات من الأساس. الذكاء الاصطناعي لا يُغيّر فقط ما نبنيه، بل كيف نبنيه، ومن يبنيه.
شركات المستقبل ستكون أصغر، أسرع، أكثر رشاقة وتنوعًا، وأقل اعتمادًا على الحدود الجغرافية أو التمويل التقليدي.
وفي ذلك المستقبل، قد لا يأتي الـ 'يونيكورن' (شركة بقيمة مليار دولار) القادم من وادي السيليكون، بل من شقة صغيرة في أسوان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البورصة
منذ 7 ساعات
- البورصة
الذكاء الاصطناعى رائد أعمال.. الـ"يونيكورن" القادم قد يخرج من شقة صغيرة فى أسوان!
لعقود من الزمن، ظل بناء شركة تكنولوجية يتبع مسارًا تقليديًا محدد المعالم: يبدأ عادة بجولات جمع التمويل، ثم مرحلة توظيف المهندسين والتقنيين، فتطوير المنتج، ثم التوسع. كانت فرص نجاح الشركات الناشئة تقاس بقدرتها على الوصول إلى رأس المال الاستثماري، وجذب المهارات التقنية النادرة، والدخول في دوائر النخب الاستثمارية والشبكات الواسعة، وكان هذا واضحًا بشكل خاص في الأسواق التي يكون التمويل فيها شحيحًا والمطورون ذوو الخبرة نادرين. لكن القواعد تتغير. ..اليوم نشهد تحوّلًا جذريًا تقوده أدوات الذكاء الاصطناعي، لا يغير فقط طريقة بناء الشركات، بل أيضاً هوية من يملك القدرة على إطلاقها. ثمة جيل جديد من 'الشركات الناشئة الرشيقة' آخذ في الظهور— شركات تُبنى بفرق عمل أصغر، ورأس مال أولي أقل، ونفوذ غير مسبوق من خلال الذكاء الاصطناعي. يستطيع مؤسس واحد، ومن دون تمويل أو فريق كبير، أن يبني منتجًا ويطلق شركة قادرة على المنافسة عالمياً، بغض النظر عن الموقع الجغرافي، أو إمكانية الوصول إلى التمويل، أو الخلفية التقنية. لا يوجد شريك مؤسس؟ لا مشكلة في السابق، كان من الصعب تخيل مؤسس وحيد يُدير جميع جوانب المشروع، اليوم، أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي قادرة على إدارة سير العمل بالكامل: كتابة المحتوى (مثل Jasper و كتابة وتصحيح الأكواد (مثل Cursor وGitHub Copilot)، إنشاء تصاميم المنتجات (مثل Uizard)، تشغيل خدمة العملاء (مثل Ada وIntercom)، وحتى المراجعات القانونية (مثل Spellbook وLuminance). هكذا يمكن لمؤسس واحد يعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، أن يصمم النموذج الأولي لمنتجه، وأن يُجري التعديلات عليه، وأن يطلقه بسرعة لا يمكن تخيلها. لقد رأينا هذا السيناريو من قبل مع أدوات 'no-code' ومنصات الحوسبة السحابية، لكن الذكاء الاصطناعي يتجاوز ذلك: فهو لا يُسرع التطوير فحسب، بل يحل محل أجزاء كاملة من العمل التي كانت تتطلب متخصصين. والأهم من ذلك، يسمح الذكاء الاصطناعي بإجراء التعديلات في الوقت الفعلي، لم تعد بحاجة إلى الانتظار حتى يصمم مصمم أو توظف مطور واجهات لتجربة فكرة ما. في الواقع، الذكاء الاصطناعي لا يقلل التكاليف فقط—بل يغير شكل وسرعة البناء نفسه بين شركات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والشركات المدعومة به. من المهم هنا التمييز بين نوعين من الشركات في مشهد الذكاء الاصطناعي، والذي غالبًا ما يتم إغفاله في النقاشات العامة: الأولى هي شركات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (AI infrastructure)، مثل جوجل وOpenAI، والتي تطوّر نماذج لغوية ضخمة بتكاليف خيالية وفرق بحثية نخبوية. هذه الشركات تشبه شركات الطاقة التي تُنشئ المحطات وتنتج الكهرباء. أما النوع الثاني، وهو الأهم في منطقتنا، فهو الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI-enabled)، والتي لا ينصب تركيزها على بناء التقنية الأساسية، بل على تطبيقها في قطاعات متخصصة. تستخدم هذه الشركات تلك النماذج المتقدمة عبر واجهات برمجية (APIs)، وتطبّقها لحل مشاكل محددة في مجالات مثل اللوجستيات، التعليم، الصحة، أو القانون، ويمكن تشبيهها بالمستخدم الذكي الذي يعرف كيف يوظّف الكهرباء لتشغيل مصنع دون أن يبني محطة كهرباء. يفتح هذا النموذج باب التجربة أمام الجميع، بتكلفة منخفضة وسرعة تنفيذ غير مسبوقة. كل ما تحتاجه هو حاسوب محمول واتصال بالإنترنت، لتبدأ من أي مكان في العالم، دون جمع تمويل أو توظيف أو تأخير. ما أهمية هذا التحول للأسواق الناشئة في منطقتنا؟ في أسواق مثل مصر، والسعودية، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، كانت التحديات أمام الشركات الناشئة التقليدية أكثر وضوحًا: شُح في التمويل خاصة في المراحل المبكرة، قلة في الكفاءات التقنية والمواهب المحلية، ونظام بيئي أصغر ومحدود للمستثمرين الملائكيين. لكن مع دخول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى المعادلة، تغيّر كل شيء. اليوم، يمكن لشاب في أسوان أو سيدة أعمال في جدة أن تُطلق شركة عالمية من غرفتها، دون أن تحتاج إلى تمويل أولي، أو شريك تقني، أو حتى فريق كبير. يكفي أن تكون لديها رؤية واضحة، وفهم عميق لمشكلة حقيقية في قطاع ما، لتبدأ في بناء الحل مدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي. هذا لا يفتح باب المنافسة فقط، بل يطلق العنان للإبداع المحلي، فنحن أمام جيل من المؤسسين يمتلكون خبرات متراكمة في مجالات مثل العقارات، التعليم، الرعاية الصحية، والخدمات الحكومية، ويمكنهم أن يدمجوا الذكاء الاصطناعي مع رؤيتهم لحل المشكلات بشكل أسرع وأرخص من أي وقت مضى. هذه ليست أمثلة نظرية، فنحن نرى مشاريع جديدة تظهر دون مهندسين داخليين، وبدعم عملاء يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتسويق آلي، ودورات إنتاجية تعتمد بالكامل على التوليد التلقائي. فالذكاء الاصطناعي يمكّن نوعًا جديدًا من المؤسسين—ليسوا تقنيين فحسب، بل تشغيليين؛ ليسوا أصحاب رؤية فقط، بل حرفيين. خرافة أن بناء الذكاء الاصطناعي مكلف ربما يكون أحد أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا هو أن شركات الذكاء الاصطناعي مكلفة بطبيعتها. هذا الاعتقاد نابع من التغطية الإعلامية لعمالقة البنية التحتية، حيث يتكلف تدريب نموذج واحد ملايين الدولارات، لكن الغالبية العظمى من الشركات الناشئة لا تحتاج إلى ذلك. لكن كما ذكرنا سابقا، فإن معظم الشركات الناشئة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لا تتدرب على نماذجها الخاصة. إنها ببساطة تستخدمها. فأدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة اليوم تعتمد على نموذج الدفع حسب الاستخدام، صحيح قد تكون واجهات برمجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي مكلفة عند التوسع، لكنها في المراحل الأولى تُعد من أرخص الأدوات وأكثرها فاعلية. ومع الاستخدام الذكي، يمكن لهذه الأدوات أن تحل محل وحدات كاملة مثل الدعم الفني أو التسويق أو التحليل القانوني، مما يوفّر التكاليف بدلًا من زيادتها. ما نخسره، وما نربحه! بالطبع، لا يخلو هذا التحوّل من تحديات بل قل مقايضات. الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يعني تقليص حجم الفريق، مما قد يحد من تنوع وجهات النظر. كما أن المؤسس اليوم مطالب بأن يكون مدير منتج، ومسوقًا، ومتحكمًا في أدوات الذكاء الاصطناعي في آنٍ واحد، كما أن هناك خطر من الاعتماد المفرط على نماذج جاهزة قد لا تُناسب كل سياق، كذلك يصبح ضبط الجودة تحديًا جديدًا عندما يكون العمل مُولدًا بواسطة الآلات. لكن المكاسب هائلة على الجانب الآخر: سرعة في إطلاق المنتجات، انخفاض التكاليف، توسّع عالمي من اليوم الأول، ودخول لاعبين جدد من خلفيات غير تقليدية إلى ساحة الابتكار. لقد تغيرت قواعد اللعبة للشركات الناشئة؛ وينبغي أن نتوقع أن يتغير مشهد ريادة الأعمال بالكامل معها. جيل جديد من المؤسسين ورواد الأعمال. من خلال عملي في منظومات الشركات الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ألاحظ ملامح جيل جديد من المؤسسين. لا ينتظرون شريكًا مؤسسا أو تقنيًا، ولا يسعون للحصول على تمويل قبل إثبات فكرتهم، ولا يطرقون أبواب الحاضنات والمسرّعات. إنهم يبنون هؤلاء المؤسسون يفهمون الذكاء الاصطناعي، ليس كحل سحري، بل كأداة تعظيم لقدرتهم على الإنجاز. يرون رأس المال كخيار، وليس شرطًا. ويثبتون أن السمة الأهم في عصر الذكاء الاصطناعي ليست المال أو البرمجة—بل وضوح المشكلة واتساع الرؤية وسرعة التنفيذ. ختامًا: من وادي السيليكون إلى أسوان! نحن لا نشهد مجرد موجة تكنولوجية جديدة، بل تحوّلاً جذريًا في طريقة إنشاء الشركات من الأساس. الذكاء الاصطناعي لا يُغيّر فقط ما نبنيه، بل كيف نبنيه، ومن يبنيه. شركات المستقبل ستكون أصغر، أسرع، أكثر رشاقة وتنوعًا، وأقل اعتمادًا على الحدود الجغرافية أو التمويل التقليدي. وفي ذلك المستقبل، قد لا يأتي الـ 'يونيكورن' (شركة بقيمة مليار دولار) القادم من وادي السيليكون، بل من شقة صغيرة في أسوان.


نافذة على العالم
منذ 5 أيام
- نافذة على العالم
أخبار التكنولوجيا : كبير علماء جوجل: المهندس الافتراضى قادم.. والبرمجة فى خطر
الأربعاء 21 مايو 2025 04:30 مساءً نافذة على العالم - توقّع جيف دين، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل، أن يتمكّن الذكاء الاصطناعي من مضاهاة مهارات المبرمجين المبتدئين خلال نحو عام فقط، أي بحلول عام 2026، وذلك في تصريحاته خلال فعالية 'AI Ascent' التي نظّمتها شركة Sequoia Capital مؤخرًا. ويرى دين أن التطور السريع في قدرات النماذج الذكية، وعلى رأسها أدوات مثل ChatGPT وGitHub Copilot وGemini الخاص بجوجل، يُقرّب الذكاء الاصطناعي أكثر من أداء مهام برمجية كانت حتى وقت قريب حكرًا على المهندسين البشريين، خاصة أولئك في المراحل المهنية الأولى. ويُعد هذا التوجّه مصدر قلق متزايد للخريجين الجدد في قطاع التكنولوجيا، الذي يشهد بالفعل تراجعًا في عدد فرص العمل وزيادة في المنافسة. لكن جيف دين شدّد على أن كتابة الشيفرات داخل بيئة تطوير متكاملة (IDE) ليست سوى جزء من مهام المهندس المبتدئ، مشيرًا إلى أن 'المهندس الافتراضي' الذكي يحتاج إلى تعلم تشغيل الاختبارات، واكتشاف الأخطاء، وتحسين الأداء، وهي مهارات تتطلب إدراكًا أوسع وسياقًا عمليًا متكاملًا. وعن كيفية وصول الذكاء الاصطناعي إلى هذا المستوى، قارن دين طريقة تعلّمه بالطريقة التي يكتسب بها البشر الخبرة العملية، وقال: 'نعرف كيف يتعلّم المهندسون الحقيقيون. إنهم يطالعون الوثائق، ويتدرّبون على الأدوات، ويتعلمون من الزملاء الأكثر خبرة.' وأضاف أن نماذج الذكاء الاصطناعي يمكن أن تحاكي هذا النمط من التعلم عبر التجريب في بيئات افتراضية، والاطلاع على الوثائق الفنية، والتكرار المستمر لتحسين الأداء. وأوضح: 'أعتقد أن المهندس الافتراضي سيكون بارعًا في قراءة الوثائق وتجربة الحلول في بيئة افتراضية، وهذه طريقة فعّالة للتطور في هذه المجالات.' ورغم أن دين لم يُحدد بدقة مدى التطور الذي قد يبلغه الذكاء الاصطناعي في هذا المسار، إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الأمر 'سيُحدث فرقًا حقيقيًا'، مضيفًا:'لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن يأخذنا هذا التقدّم، لكنه بالتأكيد سيأخذنا إلى مكان بعيد.' حتى لحظة نشر تقرير Business Insider، لم تُصدر جوجل أي تعليق رسمي على تصريحات جيف دين.


بوابة الأهرام
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- بوابة الأهرام
روبوت دردشة يصنع سياسة من الخيال ويورّط شركة برمجيات في أزمة حقيقية
عمرو النادي في واقعة جديدة تُظهر مخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي في خدمات العملاء، اكتشف أحد المطورين الذين يستخدمون محرر الشيفرات الشهير "Cursor"، يوم الإثنين الماضي، أن تسجيل الدخول على جهاز جديد يؤدي تلقائيًا إلى تسجيل الخروج من الأجهزة الأخرى، اعتقد المستخدم في البداية أن هذا السلوك نتيجة سياسة جديدة للشركة، خاصة بعد أن تلقى ردًا من ممثل الدعم الفني يُدعى "سام" يؤكد ذلك، ولكن المفاجأة كانت أن "سام" ليس بشريًا، بل روبوت ذكاء اصطناعي، وأن السياسة التي أشار إليها لم تكن موجودة من الأساس، وفقا لـwired. موضوعات مقترحة موجة غضب وإلغاء اشتراكات جماعي ما إن نشر المستخدم تجربته على منصة Reddit، حتى بدأ العديد من المبرمجين يعبرون عن انزعاجهم من ما اعتبروه "تغييرًا كارثيًا" في طريقة استخدامهم اليومية لـ Cursor، لا سيما أولئك الذين يعتمدون على التنقل السريع بين أكثر من جهاز أثناء العمل. رد "سام" بدا رسميًا ومقنعًا إلى درجة دفعت الكثيرين إلى تصديقه، وبدأت موجة من إعلانات إلغاء الاشتراكات تظهر على Reddit، حيث كتب أحدهم: "لقد ألغيت اشتراكي فورًا"، وأضاف آخر: "هذا غير معقول… أنا أيضًا سألغي اشتراكي". المشكلة تفاقمت بسرعة لدرجة أن مشرفي منتدى r/cursor اضطروا إلى حذف المنشور الأصلي وقفل المناقشة بالكامل. الاعتراف بالخطأ جاء متأخرًا بعد ثلاث ساعات من انتشار البوست، تدخل ممثل رسمي من الشركة وكتب ردًا مباشرًا يقول: "ليس لدينا أي سياسة من هذا النوع. يمكنكم بالطبع استخدام Cursor على عدة أجهزة". وأكد أن الرد السابق كان "غير صحيح وصادر عن روبوت دعم فني يعتمد على الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية". الذكاء الاصطناعي عندما يختلق.. يتحول إلى خطر تجاري تُعرف مثل هذه الأخطاء باسم "الهلوسات" أو confabulations، حيث يخترع النموذج اللغوي معلومات تبدو واقعية، لكنها غير صحيحة إطلاقًا. هذه الظاهرة لم تعد نادرة، بل أصبحت خطرًا متزايدًا على الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التفاعل المباشر مع العملاء دون رقابة بشرية فعالة. فبدلاً من قول "لا أعرف"، تميل هذه الأنظمة إلى تقديم إجابات واثقة ومقنعة حتى إن كانت خاطئة تمامًا. وقد تكون العواقب مكلفة: من إرباك المستخدمين وفقدان الثقة، إلى إلغاء الاشتراكات وخسارة قاعدة العملاء كما حدث مع Cursor. موقف صادم يعيد إلى الأذهان فضيحة Air Canada هذه الواقعة أعادت إلى الأذهان حادثة مشابهة في فبراير 2024، حين اضطرت شركة الطيران Air Canada إلى احترام سياسة استرجاع أموال "اخترعها" روبوت الدردشة الخاص بها. ففي ذلك الحين، تلقى أحد العملاء وعدًا باسترداد فارق التذكرة بعد حجزه تذكرة لحضور جنازة جدته، استنادًا إلى معلومات خاطئة من الذكاء الاصطناعي. لكن الشركة رفضت الطلب لاحقًا بحجة أن "الروبوت كيان قانوني مستقل". المحكمة الكندية رفضت هذا الدفاع وأكدت أن الشركات مسؤولة بالكامل عن أدواتها المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. اعتذار وتوضيح.. ولكن الثقة تضررت على عكس Air Canada، اختارت Cursor الاعتراف بالخطأ بسرعة، حيث اعتذر الشريك المؤسس مايكل ترويل عبر منصة Hacker News، موضحًا أن السبب في المشكلة يعود إلى تعديل في نظام الأمان تسبب في إنهاء الجلسات عند الانتقال بين الأجهزة. وأضاف أنه تم تعويض المستخدم المتضرر، وتم توضيح أن الردود المولدة بالذكاء الاصطناعي في البريد الإلكتروني سيتم تمييزها بوضوح من الآن فصاعدًا. لكن الضرر المعنوي وقع بالفعل. عدد من المستخدمين أعربوا عن صدمتهم من أن الروبوت "سام" تم تقديمه وكأنه شخص حقيقي، دون أي إشارة إلى أنه روبوت. وكتب أحدهم: "تسمية الروبوت باسم بشري وعدم توضيح هويته هو أمر خادع بشكل متعمد". دروس قاسية في الشفافية والرقابة رغم أن Cursor نجحت في إصلاح الخلل الفني، إلا أن الحادثة سلطت الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه الشركات في دمج أدوات الذكاء الاصطناعي مع خدمات العملاء. فالاعتماد الكلي على أنظمة توليد اللغة دون حواجز أو رقابة قد يؤدي إلى كوارث في تجربة المستخدم، خصوصًا إذا كانت الشركة نفسها تعمل في مجال أدوات الذكاء الاصطناعي للمطورين. قال أحدهم ساخرًا على Hacker News: "المفارقة أن الشركات تحاول بشتى الطرق التهوين من مشكلة الهلوسة في الذكاء الاصطناعي، ثم تأتي شركة تعتمد على هذه التقنية لتتلقى الضربة مباشرة بسبب خطأ من روبوتها".