
نافذة محادثات إسطنبول: هل تكسر أوروبا الجمود النووي مع إيران؟
نافذة على العالم - في توقيت بالغ الحساسية وبعد أسابيع فقط من الحرب الدامية التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، التقت طهران مجددًا بالترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) في إسطنبول في محاولة لإحياء المفاوضات النووية المتعثّرة.
الاجتماع، الذي عُدّ الأول منذ التصعيد العسكري الأخير، جاء وسط ضغوط غربية متجددة لإعادة إيران إلى طاولة التفاوض بجدية، وفي وقت لا تزال فيه طهران تُلوّح بمواقفها المبدئية حيال العقوبات وآلية الزناد، وتواجه اتهامات بعدم الشفافية بشأن برنامجها النووي.
فهل تمثل هذه الجولة بداية مسار دبلوماسي جديد يمكن أن يكسر الجمود؟ أم أن إيران، كما يرى الأوروبيون، تناور لكسب الوقت وتفادي العقوبات دون تقديم تنازلات جوهرية؟
الرؤية الإيرانية: العودة للدبلوماسية دون إملاءات
خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، اعتبر أحمد مهدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قم، أن هذه الجولة تمثل "منطلقًا جديدًا" لا بد أن يُبنى على منطق الدبلوماسية الصريحة، وليس على التهديدات والضغوط العسكرية.
وأكد أن طهران "تريد التوصل إلى اتفاق"، لأن العقوبات أثّرت بعمق في اقتصاد البلاد، معتبرًا أن الإصرار الأوروبي على استخدام آلية الزناد يمثل امتدادًا للرؤية الأميركية وليس تعبيرًا عن حياد أوروبي.
وقال مهدي إن الأوروبيين "ينبغي أن يتخلوا عن سياسة الإملاءات الأميركية" وأن يتخذوا موقفًا مستقلًا، منتقدًا بشدة المواقف التي تلمّح إلى إعطاء مهلة زمنية محددة لإيران وإلا فالعقوبات ستعود، معتبراً ذلك ابتزازًا دبلوماسيًا لا يخدم أي مسار تفاوضي.
كما أكد أن إيران ملتزمة بما أسماه "الخط الاستراتيجي" في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مستندًا إلى أكثر من 14 تقريرًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إيران "لم تنحرف" عن التزاماتها، وأن الادعاءات الغربية بشأن سوء النوايا "لا تستند إلى أي دليل حقيقي".
سياق ما بعد الحرب: أوراق جديدة ومناخ متغير
يرى مهدي أن مرحلة ما بعد الحرب غيّرت المشهد تمامًا، مشيرًا إلى أن الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة دمّرت جزءًا كبيرًا من المنشآت النووية الإيرانية.
واعتبر أن الأسئلة الغربية حول مصير اليورانيوم المخصب أو أجهزة الطرد المركزي "تجاهلت عمداً التقارير والتفتيشات الدولية التي سبقت الحرب"، متهمًا واشنطن بأنها تسعى الآن للتفاوض على برنامج "قُصف ودُمّر بالفعل".
ورأى أن على الترويكا الأوروبية أن تلتزم بوعودها السابقة، متذكراً تعهدات قادة أوروبيين مثل ماكرون وميركل وبوريس جونسون بإنشاء قنوات بديلة لتبادل مالي مع إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، وهي وعود لم تُنفذ، مما زاد من أزمة الثقة بين طهران والغرب.
الاتهامات الأوروبية: مناورة إيرانية وغياب الشفافية
في المقابل، جاءت المقاربة الأوروبية شديدة التحفظ والحذر، حيث اعتبر رامي خليفة العلي، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة باريس، أن الأوروبيين لا يلمسون إرادة حقيقية من إيران للوصول إلى اتفاق، رغم حرصهم على البقاء في موقع "الوسيط النزيه" بين طهران وواشنطن.
وأشار العلي إلى عدة عوامل تثير الشكوك الأوروبية، أبرزها:
1. غياب الشفافية: إذ لا تزال إيران ترفض التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
2. المخزون النووي المقلق: حيث بلغت كمية اليورانيوم المخصب نحو 400 كغم، وبعضها بنسبة 60%، وهو ما يقترب من النسبة المطلوبة لصناعة قنبلة نووية.
3. أجهزة الطرد المركزي المتقدمة: إيران طورت نماذج حتى الجيل الثامن، مما يشير إلى تسارع تقني يثير الريبة.
4. الخطاب المزدوج: حيث تقول طهران شيئًا في المفاوضات، وتمارس سياسة مغايرة في الداخل والإقليم.
كما اتهم العلي طهران باستخدام أسلوب الابتزاز السياسي عبر التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال أعيد فرض العقوبات، ورفضها النقاش حول ملفات حساسة كبرنامجها الصاروخي أو دعم الميليشيات المسلحة، والتي تُصنف في أوروبا كمنظمات إرهابية.
مفاوضات مهددة بالفشل: من الميدان إلى الطاولة.. والعكس وارد
من جهة أخرى، أوضح العلي أن الأوروبيين يشعرون بقلق بالغ من احتمال عودة المواجهة العسكرية سواء من الجانب الإسرائيلي أو الأميركي، وهو ما تحاول المفاوضات الحالية تفاديه. إلا أن غياب المؤشرات الإيجابية من الطرف الإيراني قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة، لا سيما أن بعض الأطراف داخل الغرب ترى أن طهران تشتري الوقت بهدف تعزيز مكاسبها التقنية على الأرض.
وأشار إلى أن الأوروبيين يدركون أن القرار النهائي إيرانيًا هو سياسي، فامتلاك الإمكانيات التقنية لوحده لا يعني بالضرورة السعي لامتلاك سلاح نووي، لكن غياب جهة رقابية مستقلة وشفافة يمنع تأكيد حسن النوايا الإيرانية.
وبحسب العلي، فإن الجانب الأوروبي لا يرفض بالمطلق رفع العقوبات، بل يرى أن ذلك يجب أن يتم ضمن "سلة متكاملة" تشمل البرنامج النووي، الصواريخ الباليستية، ودور إيران في المنطقة. ودون ذلك، فإن أي اتفاق جزئي يبقى هشًا، وعرضة للانهيار في أول مواجهة ميدانية أو سياسية.
مستقبل المفاوضات.. خيارات محدودة ومسارات متضادة
في ضوء المواقف المتضاربة، فإن مستقبل هذه المفاوضات يبدو مهددًا على مستويين:
أوروبيًا، فإن فشل المحادثات يعني العودة إلى مجلس الأمن وتفعيل آلية الزناد، ما يعني إعادة فرض العقوبات تلقائيًا، الأمر الذي يزيد من عزلة إيران ويُصعّب فرص التهدئة. أميركيًا وإسرائيليًا، فإن تعثّر الحوار قد يُفسر بأنه دليل على وجود "نية خفية" لدى إيران، ما يفتح الباب مجددًا أمام الخيارات العسكرية، خاصة أن الحرب الأخيرة أظهرت تصاعدًا غير مسبوق في مستوى الاشتباك المباشر بين إسرائيل وإيران.
تفاوض تحت الظلال الكثيفة
رغم النبرة الدبلوماسية الظاهرة على تصريحات طهران والترويكا الأوروبية، فإن الواقع على الأرض لا يعكس ثقة متبادلة. إيران تتمسك بمواقفها، وتتهم الأوروبيين بالتبعية لواشنطن، فيما ترى أوروبا أن طهران تحاول المناورة وكسب الوقت في ظل غياب الشفافية. أما الضامن الوحيد، فهو غياب البديل الآمن عن التفاوض، مما قد يدفع الجانبين مجددًا إلى البحث عن تسوية، وإن جاءت متأخرة.
ويبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل تنجح جولة إسطنبول في فتح نافذة جديدة قبل أن يُغلق باب الدبلوماسية تمامًا؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد العربي
منذ 28 دقائق
- المشهد العربي
موسكو تريد استخراج اليورانيوم في النيجر
أعلنت روسيا رغبتها في استخراج اليورانيوم وتطوير الطاقة النووية المدنية في النيجر، وفقا لما قال وزير الطاقة الروسي خلال زيارة رسمية لنيامي. والنيجر يحكمها مجلس عسكري انبثق من انقلاب في يوليو 2023، برئاسة الجنرال عبد الرحمن تياني. واختار العسكريون الحاكمون التخلي عن فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، والتعاون مع روسيا التي تساعدهم في مكافحة الجهاديين.

مصرس
منذ 42 دقائق
- مصرس
ترامب: نعمل مع إسرائيل لمحاولة "تصحيح الأمور" في غزة
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء لقناة سكاي نيوز، إن إسرائيل والولايات المتحدة "تعملان معًا لمحاولة تصحيح الأمور في غزة"، وذلك في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع المحاصر. وأمس الاثنين، قال ترامب، خلال زيارته اسكتلندا، إنه يتطلع لإطعام الناس في قطاع غزة ف"الوضع في غزة كارثي ومأساوي"، مشددًا على أنه يريد وقفًا لإطلاق النار.وأضاف "قدمنا مالًا لغزة ولم يشكرنا أحد"، وفق تعبيره، مشيرًا إلى أنه يتعين أن تقدم دول أخرى المزيد.وتعليقًا على انتشار صور الأطفال المجوّعين في غزة، قال ترامب "بناءً على ما يعرضه التلفزيون، يبدو أن الأطفال يعانون جوعًا شديدًا"، مؤكدًا أن الأطفال يجب أن ينعموا بالغذاء والأمان على الفور.وذكر الرئيس الأمريكي أن وقف إطلاق النار في غزة ممكن، مضيفًا "ونريد الحصول على وقف إطلاق نار في غزة".وفي وقتٍ سابق، نقلت شبكة "إن بي سي" عن مسؤول في البيت الأبيض، أن الرئيس ترامب يشعر بالانزعاج من صور غزة التي يشاهدها في مقاطع إخبارية.كما نقلت الشبكة عن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، قولها إن ترامب لا يزال يشاهد صورًا لأطفال يتضورون جوعًا في غزة، ويريد المساعدة.وأضافت ليفيت، أن الرئيس الأمريكي يريد تخفيف معاناة سكان غزة، وقد أعلن عن خطة مساعدات جديدة ستنشر تفاصيلها قريبًا.

مصرس
منذ 3 ساعات
- مصرس
نتنياهو يقترح خطة عمل جديدة لغزة.. ماذا تتضمن؟
طرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع "المنتدى الوزاري المصغر"، الذي عُقد أمس الاثنين، خطة عمل جديدة بشأن قطاع غزة، قال إنها تمثل "تغييرا في النهج" السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي. ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر مطلعة قولها إن الخطة تنص على منح الوسطاء الدوليين فرصة جديدة لإقناع حركة حماس بقبول مقترح الصفقة الذي طُرح قبل نحو أسبوعين، والذي سبق أن وافقت عليه إسرائيل، بحسب شبكة سكاي نيوز عربية.ورغم فتح نافذة إضافية للتحرك الدبلوماسي، أكد نتنياهو أن إسرائيل "لن تنتظر إلى ما لا نهاية"، مشددا على أن فترة زمنية محددة ستُمنح للطرف الآخر لتقديم رد إيجابي يُمكّن من إحراز تقدم في المحادثات.وفي حال الرفض أو المماطلة، أعلن نتنياهو عن نية حكومته اتخاذ خطوات أحادية، أبرزها ضم أراض في قطاع غزة.كما طُرح خلال الاجتماع اقتراح بإنشاء إدارة مدنية وأمنية خاصة لإدارة تلك المناطق، في خطوة تُعد تحولا جذريا في السياسة الإسرائيلية من استراتيجية الضغط للتسوية إلى فرض واقع ميداني جديد.ورغم التحذيرات الضمنية، ترى القيادة السياسية الإسرائيلية أن هناك فرصا واقعية لإبرام صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، في حال أبدت حماس مرونة في المفاوضات الجارية.