
الرهان الخاسر لترامب على بوتين…
ترامب لا يدرك أن بوتين عاجز عن التعاطي مع الواقع بدل العيش في أوهام الحنين إلى أيام الاتحاد السوفياتي والأمجاد التي لا وجود لها سوى لدى أصحاب مخيلة خصبة ومريضة في آن.
خيّب فلاديمير بوتين آمال دونالد ترامب. كان رهانا خاسرا. كلّ ما في الأمر أنّ الرئيس الأميركي الجديد – القديم رجل متسرّع. لا يعرف ترامب الرئيس الروسي جيدا كما كان يعرفه وليم بيرنز المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إي) الذي توقع، في عهد جو بايدن، غزو روسيا لأوكرانيا وحدّد يوم بداية الغزو.
لا يعرف ترامب، خصوصا، مدى تمسّك فلاديمير بوتين بالحرب الأوكرانية التي خسرها منذ اليوم الأوّل الذي بدأت فيه. سيكون على دونالد ترامب إعادة اكتشاف فلاديمير بوتين الحقيقي على الرغم من العلاقة القديمة التي تربطه به. جعلته هذه العلاقة يظنّ أن الرئيس الروسي سيكون مستعدا لوقف الحرب الأوكرانية بمجرّد أن يطلب منه ذلك وبمجرّد أنّه وبّخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اللقاء الذي انعقد بينهما في البيت الأبيض.
تبيّن، مع مرور الوقت، أنّ ما فعله ترامب بمشاركة نائبه جي. دي. فانس أظهر أنّه لا يعرف الكثير عن أوكرانيا وعن شخص فلاديمير بوتين الذي ربط مستقبله السياسي بحرب يريد من خلالها استعادة أمجاد وهميّة للأمّة الروسية وللاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر. في الواقع، لا يزال فلاديمير بوتين، الضابط السابق في جهاز المخابرات، يعاني من انهيار ما كان في الماضي القوّة العظمى الثانية في العالم. لا يدرك ترامب أنّ بوتين عاجز عن التعاطي مع الواقع بدل العيش في أوهام الحنين إلى أيّام الاتحاد السوفياتي والأمجاد التي لا وجود لها سوى لدى أصحاب مخيلة خصبة ومريضة في آن.
تعكس الحرب الأوكرانيّة، أوّل ما تعكس، قصر نظر فلاديمير بوتين من جهة وجهله بأوكرانيا والعالم من جهة أخرى. أكثر من ذلك، تعكس الحرب الأوكرانيّة جهل فلاديمير بوتين بالقدرات العسكريّة لروسيا التي انكشف جيشها منذ الأسبوع الأوّل لبدء الهجوم على أوكرانيا في 24 شباط – فبراير 2022. لم ينكشف الجيش الروسي فحسب، بل انكشف تخلّف السلاح الذي تنتجه روسيا والذي لا يصلح في واقع الحال سوى لقمع أنظمة دكتاتورية لشعوب مسالمة لا حول لها ولا قوّة. عندما استطاع الجيش الأوكراني صدّ الهجوم الروسي على كييف في الأسبوع الأوّل من الحرب، ظهر بوضوح أن الجيش الروسي يعيش في عالم خاص به في غياب المعلومات الدقيقة التي تسمح له بدخول العاصمة الأوكرانيّة. وقتذاك، كان الجنرالات الروس يلمّعون الميداليات والأوسمة التي على صدورهم في الطريق إلى كييف للمشاركة في عرض عسكري بمناسبة تحقيق انتصار عسكري على أوكرانيا!
لم تستسلم أوكرانيا بعد على الرغم من احتلال روسيا لمساحات كبيرة من أراضيها. استطاع زيلينسكي استيعاب الرئيس الأميركي والحملة التي شنّها عليه منذ اليوم الأوّل لعودته إلى البيت الأبيض. سجّل الرئيس الأوكراني، في ضوء اعتماده الصبر في تعاطيه مع دونالد ترامب، نقاطا سياسيّة مهمّة في الأشهر القليلة الماضية. انتقل الرئيس الأميركي من توجيه اللوم إلى أوكرانيا إلى بدء مهاجمة الرئيس الروسي بالاسم.
من الواضح أنّ فلاديمير بوتين عاجز عن وقف الحرب التي يشنّها على أوكرانيا. يشبه الرئيس الروسي إلى حدّ كبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يبحث في كلّ ساعة عن أعذار بغية متابعة الحرب على غزّة.
ليس لدى بوتين ما يقوله للشعب الروسي في حال توقفت الحرب… حتّى لو استطاع ضمّ أراض أوكرانيّة لروسيا الاتحادية. ليس لدى نتنياهو ما يبرّر به للإسرائيليين استمرار حرب غزّة حتى لو بقي مقاتل واحد من 'حماس' حيّا يرزق يطلق الرصاص من نفق لجأ إليه. وضع بوتين هدفا مستحيلا يتمثل في إسقاط زيلينسكي. وضع نتنياهو هدفا مستحيلا آخر يتمثل في القضاء نهائيا على 'حماس'. تزداد صعوبة مهمّة رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت لا يهمّ 'حماس' هل يبقى مواطن غزّاوي واحد على قيد الحياة. أهل غزّة آخر همّ لدى 'حماس'، كذلك الدمار الذي لحق بالقطاع والذي ستظهر الأيام الآتية حجمه الذي يفوق كلّ تصوّر!
وجد ترامب نفسه في وضع لا يحسد عليه. الأهمّ من فشله في جعل فلاديمير بوتين يتجاوب مع رغبته في وقف الحرب الأوكرانيّة، أنّه بات يجد نفسه مضطرا إلى الاعتراف بأن كلّ المخاوف الأوروبيّة من شخص بوتين كانت في محلّها. ليست حرب أوكرانيا مجرّد حرب مثلها مثل أي حرب تدور في هذه المنطقة من العالم أو تلك. في النهاية، إنّ حرب أوكرانيا الدائرة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، تهديد لأوروبا كلّها. ليس في أوروبا دولة واحدة لا تشعر بأنّ فلاديمير بوتين، الذي يريد العودة إلى ما قبل سقوط جدران برلين في العام 1989، يشكل تهديدا لها.
يتجاوز فشل ترامب في أوكرانيا حدود هذا البلد المهمّ الذي يلعب دورا على صعيد تزويد دول عدّة بمنتوجاته الزراعيّة. إنّه فشل للرئيس الأميركي في فهم ما يدور في هذا العالم، بما في ذلك أهمّية الأمن الأوروبي. توجد أسئلة عدّة لا أجوبة عنها. من بين هذه الأسئلة: كيف يمكن لدونالد ترامب الوثوق بشخص مثل فلاديمير بوتين خاض إلى جانب بشّار الأسد الحرب التي شنّها على الشعب السوري طوال ما يزيد عن ثلاثة عشر عاما، بين 2011 وآخر 2024؟
منذ خريف العام 2015، تحوّل سلاح الجو الروسي إلى لاعب أساسي في المعادلة السوريّة إلى جانب النظام العلوي الذي كان يحكم ذلك البلد. كان كافيا طلب 'الجمهوريّة الإسلاميّة' من موسكو الانضمام إلى الحرب، من أجل إنقاذ بشّار، كي يرسل بوتين عددا لا بأس به من القاذفات الروسيّة إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية تمهيدا لارتكاب المجزرة تلو الأخرى في حق الشعب السوري.
هل يتعلّم دونالد ترامب شيئا من تجربة تعاطيه مع فلاديمير بوتين ويكتشف حقيقة الرئيس الروسي… أم يستمرّ في ارتكاب الأخطاء السياسية التي جعلت الرئيس الروسي يتلاعب به ويستخدمه لكسب الوقت في أوكرانيا ليس إلّا؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 2 ساعات
- الغد
ترامب يضاعف الرسوم الجمركية على المعادن
اضافة اعلان وفي وقت سابق الجمعة الماضية، صرّح ترامب بعزمه رفع الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50%.وقال ترامب: "سنرفع تعرفة واردات الصلب إلى الولايات المتحدة من 25 % إلى 50 %، ما سيشكل ضمانة أكبر لقطاع صناعة الصلب، لن يفلت أحد من ذلك".تصريحات ترامب جاءت خلال كلمة ألقاها بمصنع في بنسلفانيا، مثنيا على "شراكة" بين صانع الصلب الأميركي وشركة نيبون ستيل اليابانية.وسجّلت أسعار المعدنين، الاثنين، ارتفاعًا في الأسواق الأميركية، في حين تراجعت أسهم شركات صناعة الصلب الأجنبية.وفي وقت سابق، قالت الصين إنها ما تزال ملتزمة بالحفاظ على استقرار سلاسل التصنيع والإمداد العالمية، وإنها مستعدة لتعزيز الحوار والتعاون بشأن ضوابطها على تصدير المعادن الأرضية النادرة.وعند سؤال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان عن تدابير الرقابة على تلك الصادرات، قال إن القيود التي تفرضها بكين تتوافق مع الممارسات الدولية الشائعة.وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت أن الولايات المتحدة علّقت بعض مبيعات التكنولوجيا المهمة إلى الصين، ردا على القيود التي فرضتها الصين في الآونة الأخيرة على صادرات معادن مهمة إلى الولايات المتحدة.


رؤيا
منذ 4 ساعات
- رؤيا
إيلون ماسك يصف قانون الإنفاق الأمريكي بـ"المشين".. والبيت الأبيض يرد: ترمب متمسك به
إيلون ماسك يهاجم قانون الإنفاق الأمريكي: عمل مشين ومليء بالهدر ليفيت: موقف ترمب من مشروع قانون الإنفاق الأمريكي لن يتغيّر بعد تصريحات ماسك ماسك يهاجم قانون الإنفاق وترمب يتمسك به.. وشومر يتهم الجمهوريين بالكذب شنّ رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك هجومًا لاذعًا على مشروع قانون الإنفاق الضخم الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي مؤخرًا، واصفًا إياه بأنه "ضخم ومليء بالهدر والفساد المالي". وفي منشور نشره على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، قال ماسك: "أنا آسف، لكن لم أعد أستطيع تحمّل الأمر بعد الآن. هذا القانون عملٌ مشين ومقزز"، موجّهًا انتقادات حادة لأعضاء الكونغرس الذين صوّتوا لصالحه بقوله: "عارٌ على من صوّت له. أنتم تعلمون أنكم ارتكبتم خطأ". ورغم موجة الانتقادات التي أثارها ماسك، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن موقف الرئيس دونالد ترمب من مشروع القانون لم يتغيّر، مشددة على أن الرئيس "يعلم مسبقًا موقف إيلون ماسك من هذا القانون، وهذا لا يغيّر رأيه. إنه مشروع قانون ضخم وجميل، والرئيس متمسك به". وفي تطور سياسي لافت، أعلن زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر دعمه لتصريحات ماسك، متهمًا الرئيس ترمب والجمهوريين بـ"الكذب بشأن التكلفة الحقيقية للتشريع". وقال شومر إن مشروع القانون سيتسبب في إضافة 2.5 تريليون دولار إلى العجز، معتبرًا أن ما ورد في تصريحات ماسك يعكس "حقيقة مؤلمة" حول أبعاد القانون المالية. وجاءت تصريحات شومر خلال حديثه مع الصحفيين عقب غداء سياسي للحزب الديمقراطي في مبنى الكابيتول، حيث رفع هاتفه مستعرضًا منشورات ماسك، قائلًا: "حتى كبار رجال الأعمال يرون أن هذا القانون كارثي. على الجمهوريين أن يشعروا بالخجل".


السوسنة
منذ 6 ساعات
- السوسنة
ماذا يعني منع وزراء الخارجية العرب من دخول فلسطين
لا شك أن تفاوت الآراء والمواقف تجاه السلام مع أعداء السلام أمر مفهوم، لكن ما فعله رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بمنع وزراء خارجية الأنظمة العربية من دخول فلسطين، يُعدّ إهانة غير مسبوقة لتلك الأنظمة. رسالة نتنياهو كانت واضحة: "كفى إذلالًا، كفى استسلامًا".اللافت أن معظم أولئك الوزراء هم من دعاة التطبيع والهرولة نحو ما يُسمّى "السلام"، بل ومن المروجين للديانة الصهيونية الجديدة المسماة بـ"الإبراهيمية". جاءت صفعة نتنياهو لتلك الوفود كركلة سياسية في وجه من أرادوا شرعنة وجودهم عبر زيارة لا قيمة لها، بعدما ماتت "أوسلو" قبل أن تولد، ودُفنت بتراب الكيان.لكنّ تجار القضية، وللأسف، أرادوا من تلك الزيارة — لو تمت — تلميع شرعيتهم لا أمام العدو الصهيوني، بل أمام فصائل المقاومة الوطنية في غزة، وعلى رأسها حركة حماس.نتنياهو لم يكتفِ باحتقار القمم العربية، من قمة الرياض إلى القمة الأخيرة في العراق، بل أراد أن يوجه رسالة أكثر وقاحة، سبق أن أعلنها صراحة، حين قال: "لا أريد لا فتحستان ولا حماستان في غزة"، لكنه كان يدرك أن الأنظمة العربية لن تقرأ، إلا ما يأتيها من "حارس شرعيتها"، أي ساكن البيت الأبيض، الوجه الآخر للكيان الصهيوني.فما معنى أن يُمنع وزراء خارجية العرب من دخول رام الله؟ وهم أساسًا لا يدخلون فلسطين فاتحين، بل بتأشيرة صهيونية وتحت مظلة "السلام" المزعوم، لتخدير شعوبهم بمسرحية بائسة أصبحت مفضوحة ومكروهة من الجماهير.لكن نتنياهو، كغيره من الساسة الصهاينة ومن سبقوه في البيت الأبيض، بات يريد كل شيء علنًا. كما قال جورج بوش الابن أثناء غزوه العراق: "من ليس معنا، فهو ضدنا".فما هو موقف من يسمون أنفسهم "أصحاب القمم" من صفعة نتنياهو الأخيرة؟ تلك القمم التي عجزت عن إدخال حبة دواء أو شربة ماء إلى غزة، إلا بإذن من واشنطن.الحقيقة أن الحرب على غزة ليست فقط صهيونية، بل هي حرب أمريكية - صهيونية مشتركة، تدعمها بعض الأنظمة الغربية رغم معارضة أغلب الشعوب الأوروبية.وهنا سؤال مهم: هل هناك دولة عربية، من تلك التي تقيم علاقات دبلوماسية مع الكيان، استدعت السفير الإسرائيلي وقدمت احتجاجًا رسميًا على منعه من دخول رام الله ولقاء رئيس السلطة محمود عباس؟ الجواب، بكل أسف، لا.أليس هؤلاء هم أصحاب القمم والقرارات التي لم تتجاوز أماكن انعقادها؟ الكيان الصهيوني لم يكتفِ بإهانة الأنظمة العربية، بل أهان أيضًا تركيا، رغم ادعاءات رئيسها بأن "الخلافة الإسلامية قادمة"، وهو نفسه يحتل أراضي سورية عبر عملاء ما يُسمّى دولة الخلافة المزعومة.نقولها بملء الفم: كفى إذلالًا، كفى إهانة. كفى صفعات صهيونية تتلقونها بصمت مذل. أنتم اليوم من يتآمر على غزة مع العدو، بوعي أو دون وعي.ولله درّ الصحفي الأمريكي الشهير، بوب وودوورد، الذي فضحكم في كتابه "الحرب"، وكشف عوراتكم أمام شعوبكم وأمتكم. كفاكم عارًا فوق عار. أما جبروتكم واستبدادكم، فلم نره إلا على شعوبكم المقهورة، التي قسمها الاستعمار، وفرّقها حكامها، وأضعفها غياب المشروع المشترك الذي لم تحافظوا عليه.