
الصحراء المغربية… من يعترف أولاً، يحصد الغد
عبد القادر الفرساوي
في زمن تتغير فيه خرائط المصالح، ويتحول الموقف السياسي إلى مفتاح لبوابات الاستثمار والنفوذ، لم تعد قضية الصحراء المغربية مجرد خلاف إقليمي عالق في دهاليز الأمم المتحدة، بل صارت بوابة لفرز جديد: بين من يستشرف المستقبل، ومن يظل سجين حسابات الماضي.
من يعترف بسيادة المغرب على صحرائه اليوم، لا يمنح المغرب هدية، بل يوقع عقد شراكة استراتيجية مع قوة صاعدة، تعرف أين تتجه، وكيف تعيد رسم دورها في إفريقيا والعالم.
المغرب لا ينسى.. ليس من قبيل المجاملة أن المغرب يتعامل مع الدول بحسب مواقفها من قضيته الأولى. إنه درس قديم في السياسة المغربية: 'الوضوح يقابل بالوضوح، والدعم يرد بالدعم'. لذلك، لا عجب أن نرى الدول التي بادرت مبكرا بفتح قنصليات في العيون والداخلة، أو دعمت مقترح الحكم الذاتي، تحظى اليوم بمكانة مميزة في مشاريع الرباط، سواء في الطاقات النظيفة، أو التجارة، أو الأمن.
من الإمارات إلى البحرين، ومن الأردن إلى السنغال، لم تكن المبادرة بلا مقابل. المغرب، بثقة المنتصر، يمد اليد لمن وقف معه، لكنه لا ينسى أيضا من راوغ أو تأخر.
على ضفاف المحيط الأطلسي، في أقصى الجنوب المغربي، تنبت اليوم مدينة للمستقبل: الداخلة،مدينة المستقبل . ليست مدينة تقليدية تنمو بهدوء، بل منصة لوجستية استراتيجية يراد لها أن تكون صلة الوصل بين أوروبا وإفريقيا، بين الشمال الصناعي والجنوب الصاعد.
مشروع ميناء الداخلة الأطلسي الذي يتجاوز مليار دولار ليس مجرد ورقة هندسية، بل إعلان سياسي بليغ: المغرب هنا ليبقى، ليقود، وليفتح الطريق لحلفائه. والميناء، وفق الدراسات الرسمية، سيوفر آلاف فرص الشغل، وسيشكل رئة اقتصادية جديدة تضخ التنمية في جهات الجنوب وتربطها بالعالم.
فمن يساند المغرب الآن، سيكون له نصيب من هذه الكعكة الاستراتيجية. أما من يظل في موقع المتفرج، فقد لا يجد له مقعدا حين تكتمل الطاولة.
لعلّ أكبر خطأ يقع فيه من يُقلل من أهمية الصحراء هو ظنه أن القضية محصورة في الرمال أو الحدود. لا. الصحراء اليوم هي رهان جيوسياسي.إفريقيا اليوم تعاد صياغتها والمغرب في القلب لم يعد يطالب فقط باسترجاع أرض، بل يعيد تشكيل دوره الإقليمي والدولي انطلاقا منها.
المغرب اليوم هو ثاني أكبر مستثمر إفريقي في القارة بعد جنوب إفريقيا، بحسب تقارير البنك الإفريقي للتنمية. وهو أيضا قوة ناعمة في الأمن والتكوين والدبلوماسية الدينية. ومن نواكشوط إلى أبيدجان، ومن دكار إلى كينشاسا، بات يُنظر إلى المغرب كقوة عقلانية، وموثوقة، ومستقرة.
تسأل دول كثيرة: كيف نحجز موقعا في القطار المغربي؟
الجواب بسيط: احترموا قضاياه السيادية، وشاركوا في رؤيته لإفريقيا الغد.
الاعتراف ليس تضامنًا… بل استثمار ذكي
حين اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه في 2020، لم تفعل ذلك من فراغ و ليس ذلك الاعتراف تضامنا. بل هو استثمار ذكي، كانت تراهن على شريك استراتيجي في شمال إفريقيا، قادر على تثبيت الأمن، وحماية الممرات التجارية، ومواجهة التهديدات القادمة من الساحل.
وحين دعمت إسبانيا مقترح الحكم الذاتي المغربي سنة 2022، لم تكن فقط تتدارك خطأ دبلوماسيا، بل كانت تحمي مصالحها الاقتصادية، وتحصّن تعاونها مع الرباط في قضايا الهجرة والطاقة.
أما الدول التي لا تزال تتردد، فستخسر ما هو أكثر من موقف رمزي. ستخسر فرص الشراكة، والدخول المبكر إلى أسواق الجنوب المغربي، التي ستتحول في السنوات القادمة إلى مركز جذب إفريقي.
بكل بساطة: من يتأخر… يدفع الثمن
في السياسة، كما في التجارة، التوقيت هو كل شيء. الاعتراف المتأخر، حتى وإن جاء، لن يكون له نفس الوقع ولا نفس الامتيازات. تماما كما لا يُعامل الزبون الأخير في المزاد كالأول. المغرب اليوم لا يطلب، بل يختار. لا يلح، بل يراقب.
لهذا، لم يعد سؤال الاعتراف مرتبطا فقط بالشرعية أو القانون الدولي، بل بالذكاء الاستراتيجي: هل تريد أن تكون حليفا للمغرب في لحظة صعوده؟ أم تفضل الانتظار حتى تُغلق الأبواب؟
الصحراء المغربية، اليوم، ليست ملفا مؤجلا. إنها مفتاح المستقبل. ومن يظن أنه يستطيع الجلوس على الحياد، أو اللعب على الحبلين، فليتأمل جيدا ما يحدث في الميدان: العالم يتحرك… والمغرب يتقدم… ومن لا يتقدّم، يتلاشى.
إيطاليا تلغراف

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
منذ 3 ساعات
- الخبر
زيارة تبون إلى إيطاليا تربك الإعلام الفرنسي
تدفع الأزمة الدبلوماسية العميقة بين الجزائر وباريس، المتابعين في فرنسا للاهتمام بكل صغيرة وكبيرة عما يجري في الجزائر. لذا شكلت زيارة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا، مادة دسمة للكثير من القنوات التلفزيونية، إذ عمد، من خلالها، معلقون إلى المقارنة بين المحورين: الجزائر - روما والجزائر - باريس. فقد خصصت قناة "سي نيوز" المتطرفة، جزءا هاما من حصصها الإخبارية للحدث، وكانت أكثر وسائل الإعلام الفرنسية تحسرا أمام صور الزيارة الإيطالية والعقود التجارية التي أبرمت. فقال الصحفي، لويس دو راغنال، وهو يعلق على صور استقبال جورجيا ميلوني، رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، الرئيس تبون بقصر "دوريا": "مؤلم ومهين بالنسبة لنا كفرنسيين مشاهدة هذه الصور، ميلوني تدافع عن مصالح بلدها ويظهر أنها لا تخاف منا". وبحسب الصحفي، على جورجيا ميلوني أن تطلب الإذن من باريس لنسج علاقات مع الجزائر، متناسيا، وكم ذكّره بعض السياسيين المعارضين في فرنسا، أن الجزائر تحصلت على استقلالها سنة 1962. وركز المتحدث أيضا، على مراسم الاستقبال التي خُص بها رئيس الجمهورية، قائلا: "شاهدوا كيف تم استقبال الرئيس الجزائري، الإيطاليون لم يحاولوا حتى أن تكون زيارة بسيطة". من جانبها، ركزت يومية "لوموند"، في تغطيتها للحدث، على العقود والاتفاقيات التي أبرمت خلال الزيارة، مشيرة إلى أنه، في مجال الطاقة فقط، فاقت القيمة المليار دولار. ومررت اليومية المسائية رسائل بين السطور على أن إيطاليا استغلت وضع العلاقات بين الجزائر وفرنسا للمرور إلى السرعة القصوى، لتكون نقطة دخول الغاز والبترول الإفريقي وبالأخص الجزائري إلى أوروبا، وذكرت أن روما أحسنت بناء علاقات مع الجزائر، التي أصبحت ممونها الأول من الطاقة بعد توقف الإمدادات الروسية، عقب اندلاع النزاع في أوكرانيا. ولم يفوّت كاتب المقال التذكير، بأن التقارب الجزائري - الإيطالي يتقوى، في وقت تعرف فيه العلاقات بين فرنسا والجزائر أزمة غير مسبوقة منذ صائفة 2024. أما موقع قناة "فرانس 24" فلم يكتف بتمرير رسائل ضمنية، بل قارن مباشرة بين الفرق الكبير بين حالة العلاقات بين البلدين، فورد في مقال الموقع: "شراكة في قطاع الغاز، البترول، الرقمنة، تعاون في مجال الدفاع ومكافحة الإرهاب والهجرة السرية.. زيارة عبد المجيد تبون إلى روما تبصم على علاقات ممتازة بين الجزائر وإيطاليا، في حين أنها (العلاقات) مع باريس في نقطة الصفر".


إيطاليا تلغراف
منذ 6 ساعات
- إيطاليا تلغراف
لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حالة المجاعة في غزة حتى الآن؟
إيطاليا تلغراف د. محمود الحنفي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في عالمٍ تغمره الصور والبيانات والبلاغات اليومية، نادرةٌ هي اللحظات التي تُصبح فيها الكارثة أوضح من أن تُخفى، وأقسى من أن تُتحمّل. غزة، اليوم، لا تُحتَضر فقط تحت القصف، بل تختنق جوعًا. أطفالٌ يموتون في أحضان أمهاتهم، شيوخٌ يقتاتون على العشب، وعائلاتٌ تنتظر قوافل الإغاثة التي لا تصل. بل إن مئات الفلسطينيين قُتلوا وهم يقفون في طوابير انتظار المساعدات، برصاص من يُفترض به أنه وجد لمساعدتهم لا أن يُجهز على ما تبقى من أمل. أمام هذا المشهد الفاجع، يبرز سؤال مُلّح: لماذا لم تُعلن الأمم المتحدة حتى الآن أن ما يجري هو 'مجاعة'؟ ليس السؤال لغويًا، ولا عاطفيًا، بل هو قانوني وإنساني في جوهره. إعلان المجاعة ليس مجرد وصفٍ مأساوي، بل أداة إنذار قصوى تُلزم المجتمع الدولي بالتحرّك. لكن حتى هذه اللحظة، ورغم تراكم الشهادات والتقارير والصور، لا تزال الأمم المتحدة تلتزم الصمت الرسمي حيال التوصيف الأخطر. هذا المقال يتناول حيثيات هذا التردد. نفكّك فيه المعايير الفنية التي تعتمدها المنظمة لإعلان المجاعة، ونستعرض الشهادات الميدانية الصادمة، ونحلل الأبعاد السياسية والقانونية التي قد تُفسر هذا الصمت. وأهم من ذلك، نحاول الإجابة: هل الأمم المتحدة عاجزة عن الإعلان؟ أم إنها، في لحظة الحقيقة، اختارت الحياد و'المهنية' على حساب الحياة؟ المعايير الفنية والإجرائية لإعلان المجاعة لفهم عدم إعلان الأمم المتحدة حتى الآن عن حالة المجاعة في غزة، يجب إدراك المعايير الفنية والإجراءات التي تعتمدها لتصنيف الأزمات الغذائية. طورت منظمة الأغذية والزراعة الأممية (FAO) 2004، ما يُعرف بنظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، 'Integrated Food Security Phase Classification (IPC)' وهو إطار تحليلي معتمد دوليًا يُستخدم لتحديد درجة انعدام الأمن الغذائي بناءً على مؤشرات كمية ونوعية موحدة. يتكون النظام من خمس مراحل، تبدأ من المرحلة الأولى (وضع طبيعي) وتنتهي بالمرحلة الخامسة التي تُصنَّف كمجاعة وفق المعايير الثلاثة: انعدام غذائي حاد لدى ما لا يقل عن 20% من الأسر: بمعنى أن خُمس الأسر أو أكثر تعاني عجزًا بالغًا في الغذاء، ولا تجد ما يكفي لسد رمقها، مع عجز تام عن التأقلم. سوء تغذية حاد يصيب أكثر من 30% من الأطفال دون سن الخامسة: أي أن أكثر من ثلث الأطفال الصغار يعانون من الهزال أو سوء التغذية الحاد نتيجة نقص الغذاء. معدل وفيات مرتفع بسبب الجوع: أي تسجيل ما يزيد عن حالتي وفاة يوميًا لكل 10 آلاف شخص نتيجة المجاعة، أو بسبب التداخل بين سوء التغذية والأمراض. عندما تُستوفى جميع هذه المعايير الثلاثة معًا في منطقة معينة، يصنّف الوضع على أنه مجاعة (IPC) من المستوى الخامس. هذا التصنيف يعتمد على جمع بيانات دقيقة تشمل مسوحًا ميدانية لنمط استهلاك الأسر، ونسب سوء التغذية عبر الفحوص الطبية للأطفال، ومعدلات الوفيات في المستشفيات والمراكز الصحية. تشارك وكالات أممية كبرنامج الغذاء العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إلى جانب منظمات الإغاثة في جمع هذه البيانات، وتحليلها ضمن فرق عمل متعددة التخصصات. وفي العادة، تُتخذ قرارات التصنيف بشكل توافقي بين الخبراء والجهات المعنية عبر ما يُعرف بـ'الإجماع التقني متعدد الأطراف'؛ حيث تُناقش النتائج ضمن مجموعات عمل تضم وكالات الأمم المتحدة والسلطات المحلية (عند وجود حكومة معنية)، ثم تُرفع التوصية النهائية لإقرار التصنيف رسميًا. في بعض الحالات، تتشكل لجنة مراجعة مستقلة لضمان دقة التصنيف، كما حدث في حالة غزة؛ حيث أُنشئت لجنة مراجعة المجاعة لتقييم الوضع في ظل شُح البيانات. لكن إعلان المجاعة ليس قرارًا تقنيًا بسيطًا، بل تصطدم به عقبات منهجية، خصوصًا في مناطق النزاع. ففي غزة، يعزى تأخر الإعلان إلى نقص البيانات الميدانية الموثوقة، نتيجة الحصار والظروف الأمنية التي منعت الصحفيين وعمال الإغاثة من الوصول إلى المناطق المنكوبة. كما أدى انهيار النظام الصحي، وانقطاع الاتصالات إلى غياب التوثيق لحالات الوفاة المرتبطة بالجوع، إذ إن كثيرًا من الضحايا فارقوا الحياة خارج المستشفيات، بعيدًا عن أعين الإحصاءات. هذه الفجوات تجعل استيفاء معايير المجاعة أمرًا معقدًا من الناحية الشكلية، رغم أن الصور والروايات من الميدان تروي مأساة لا لبس فيها. وكما قال أحد عمال الإغاثة: 'في شمال غزة، الناس لا يموتون في المستشفيات، بل خارجها… دون أن يراهم أحد'. يُذكر أيضًا أن إعلان المجاعة على المستوى الدولي خطوة نادرة وشديدة التحفظ، إذ لا يُلجأ إليها إلا في حالات استثنائية للغاية، وبعد تحقق معايير صارمة يصعب استيفاؤها بالكامل، خاصة في ظروف النزاع، ما يجعل الجهات الأممية تتوخى حذرًا شديدًا قبل إطلاق الوصف رسميًا. فلم تُعلن المجاعة إلا مرتين في السنوات الأربع عشرة الأخيرة (في الصومال2011، وجنوب السودان 2017)، مما يعكس مدى صرامة الشروط، وضرورة تحقق الأدلة الدامغة. ورغم أن إعلان 'حالة المجاعة' لا يرتب تلقائيًا التزامات قانونية جديدة أو معاهدات ملزمة، فإنه يحمل وزنًا سياسيًا وأخلاقيًا كبيرًا باعتباره نداءً عاجلًا لتحريك المجتمع الدولي. هذا النداء قد ينعكس في زيادة المساعدات، وحشد الجهود الدبلوماسية للضغط على إسرائيل. ومع ذلك، فإن الحرص على المصداقية العلمية جعل الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح 'مجاعة' في غزة، ما لم تصلها بيانات تفي بالمعايير المتعارف عليها. يتضح، إذن، ظاهريًا، أن السبب الفني الرئيسي للتردد الأممي هو غياب البيانات الموثقة الكافية- نتيجة الحصار والقتال- لإثبات المجاعة وفق معايير IPC الصارمة. وفي المقابل، يرى منتقدون أن الاعتبارات الإنسانية يجب أن تطغى على الاعتبارات التقنية الجامدة عندما تكون الأدلة الواقعية واضحة للعيان. هذا التناقض غير المبرر بين النهج الفني البحت والواقع الميداني المؤلم يكمن في صميم التساؤل حول تأخر إعلان المجاعة. كما لا يمكن إغفال احتمال وجود اعتبارات سياسية ضمنية تكبح صدور إعلان من هذا النوع. فالأمم المتحدة، رغم طبيعتها القانونية والإنسانية، ليست بمنأى عن التوازنات السياسية والضغوط الدولية. وقد أظهرت التجارب السابقة أن قرارات مجلس الأمن، أو إحالات المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى بعض تقارير الأمم المتحدة ذاتها، كانت عرضة للمساومة أو التعطيل تحت وطأة صفقات سياسية أو ضغوط من الدول النافذة. وهو ما يثير مخاوف جدية من أن يكون تردّد المنظمة في إعلان المجاعة في غزة، ليس فقط نتيجة غياب البيانات الفنية، بل أيضًا نتيجة رغبة في تجنب الاصطدام بمنظومة المصالح الدولية، وفي مقدمتها إسرائيل وحلفاؤها. شهادات وتقارير المنظمات الإنسانية حول أزمة الجوع في غزة مع تفاقم الوضع الإنساني في غزة، توالت تقارير من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات دولية، تؤكد وصول الجوع وسوء التغذية إلى مستويات حرجة، وتزيد الضغط على الأمم المتحدة؛ لإعلان المجاعة هذه بعضها: وكالة الأونروا (UNRWA) حذّرت مرارًا من انهيار الأوضاع الغذائية، وأكدت، 20 يوليو/ تموز 2025، أن أكثر من مليون طفل مهددون بالمجاعة. ووصفت ما يجري بأنه 'مجزرة صامتة'، بعد تسجيل 86 وفاة بسبب الجوع منذ بداية الحرب، 76 منهم أطفال. كما أشارت إلى منع إدخال المساعدات واستهداف مراكز التوزيع، معتبرةً هذه الممارسات شكلًا من العقاب الجماعي الذي قد يرقى إلى جريمة حرب. منظمة يونيسيف: (UNICEF) وصفت الوضع بـ'كارثة من صنع الإنسان'، وحذّرت في 22 يوليو/ تموز أن 'الجوع منتشر والناس يموتون'. سجلت مستويات كارثية من سوء التغذية بين الأطفال، مع انعدام الأمن الغذائي وشحّ المياه النظيفة. وجّهت نداءً مباشرًا: 'كفى كفى. يجب إيصال المساعدات لكل العائلات فورًا'. برنامج الأغذية العالمي (WFP): أعلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وجود 'خطر وشيك' للمجاعة، وفي مارس/ آذار 2024، أشار تقييم التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) إلى أن شمال غزة ربما تجاوز بالفعل عتبة المجاعة. وأكد البرنامج أن 48% من الأسر هناك تقضي أيامًا بلا طعام. وحذر كبير اقتصادييه قائلًا: 'عندما نُعلن المجاعة، يكون الأوان قد فات'. أطباء بلا حدود: (MSF) وثّقت تصاعدًا مقلقًا في حالات الهزال الحاد بين الأطفال، إذ ارتفعت من 293 حالة في مايو/ أيار إلى 983 حالة في يوليو/ تموز، معظمهم دون السنتين. وقالت إن التجويع متعمد، مشيرة إلى مشاهد لأمهات بأوزان دون 40 كيلوغرامًا ورضّع خدّج. وطالبت بفتح ممرات إنسانية فورًا. تقييم نقدي لدور الأمم المتحدة بين التقاعس والعوائق في الختام لا بد من تقديم تقييم صريح لأداء الأمم المتحدة حيال المجاعة في غزة، وطرح السؤال الجوهري: هل كان تأخر المنظمة في إعلان المجاعة مجرد التزام بالمعايير الفنية؟ أم أنه ترددٌ يعكس فشلًا أخلاقيًا في مواجهة كارثة موثّقة بالصوت والصورة؟ إن الصورة قاتمة، لا بفعل الشعارات، بل بفعل المعطيات الميدانية الحية: أطفال يموتون جوعًا، عائلات تبحث عن الطحين في القمامة، ومراكز إغاثة تُقصف عمدًا. وكل ذلك موثق على شاشات العالم. ومع ذلك، تتردد المنظمة الأممية في إطلاق وصف 'المجاعة'، وكأن الصور والشهادات ليست كافية ما لم تمر عبر فلاتر منهجية وبيروقراطية معقّدة. ومن الناحية الفنية، تُفهم رغبة الأمم المتحدة في احترام أدوات التصنيف العلمي، وضمان مصداقية بياناتها. لكن هذا الحذر، في ظل واقع إنساني بالغ القسوة، يتحول إلى عبء. إذ إن انتظار دلائل كمية 'مثالية' في مناطق يُمنع فيها الوصول وتُقطع فيها الاتصالات، هو ضرب من الإنكار غير المبرّر. لقد تحوّلت المعايير الفنية إلى عذر يُعلّق عليه التأخير، رغم أن كل مؤشرات المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) قد تجسدت فعليًا على الأرض. الصور لا تكذب، ولا تنتظر استبانات. أما من الناحية السياسية، فالأمر أشد تعقيدًا. إعلان المجاعة في غزة يُعد بمنزلة إدانة صريحة لسياسات إسرائيل الإجرامية، بل قد يزيد من القناعة بضرورة مساءلة إسرائيل دوليًا بموجب القانون الدولي الإنساني. وهذه خطوة تدرك الأمم المتحدة أنها ستواجه بسببها ضغوطًا شديدة، خصوصًا من دول كبرى تدعم إسرائيل. لذلك، آثرت المنظمة حتى الآن استخدام لغة حذرة، فضفاضة، لا تضع الأمور في نصابها الكامل. لكن ماذا تبقى من دور أممي إذا كان الخوف من الصدام السياسي يجمّد الشهادة على الجرائم؟ الأمم المتّحدة ليست مجرد هيئة فنية؛ إنها حكومة عالمية تمثل ضميرًا دوليًا. وإذا اختارت الصمت أو التردد في لحظة كارثية كهذه، فإنها تهدر ما تبقى من مكانتها الأخلاقية. لكن في غزة، الزمن ليس سلعة. كل ساعة تأخير تعني موت طفل أو أم أو مسنّ. وكل عبارة حذرة تُصدرها الأمم المتحدة تُفسَّر في الميدان كرضا ضمني، أو على الأقل كعجز عن قول الحقيقة. الحقيقة أن الأمم المتحدة- رغم تحذيرات منظماتها كاليونيسيف والأونروا وبرنامج الغذاء العالمي- لم تجرؤ بعد على النطق بكلمة 'مجاعة'. وهي بذلك تُفرّغ تحذيراتها من مضمونها، وتفقد القدرة على تعبئة العالم لإنقاذ ما تبقى من الحياة في غزة. لا يكفي أن تقول المنظمة إنها 'تشعر بالقلق'، بل عليها أن تُسمّي الأمور بمسمياتها، وأن تتحمّل تبعات إعلان الحقيقة، لا أن تساير مصالح الأقوياء. وإذا استمرت الأمم المتحدة في هذا المسار، فإنها لا تُفرّط فقط بواجبها في غزة، بل تُفرّط بمبرر وجودها ذاته. حياة مئات الآلاف من البشر، ومصداقية النظام الدولي، ومستقبل آليات الحماية الجماعية، كلها معلقة اليوم على شجاعة تسمية الواقع باسمه: إنها مجاعة. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف


خبر للأنباء
منذ 7 ساعات
- خبر للأنباء
رحلات غامضة في مطار صنعاء.. هل بدأ تهريب السلاح جواً برعاية أممية؟
ووفقًا للناشط عبدالقادر الخراز، أظهرت متابعة ميدانية أن الرحلات التي استقبلها المطار شملت أربع طائرات مخصصة لنقل موظفي منظمات إنسانية، إضافة إلى طائرة إجلاء طبي، بينما تضمنت قائمتها أيضًا طائرتين من طراز بوينغ 727، يُقدّر أنها حملت نحو 40.2 طنًا من الشحنات يوميًا، بما يعادل أكثر من 1,200 طن شهريًا من مواد غير خاضعة للتفتيش. المثير للانتباه أن هذه الرحلات لم تُدرج في جدول النقل الجوي الإنساني التابع للأمم المتحدة (UNHAS)، الذي لم يسجل سوى رحلة واحدة هذا اليوم، ما يعزز المخاوف من وجود قناة جوية موازية تعمل خارج الرقابة الدولية. ودفعت هذه المستجدات ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لطرح تساؤلات خطيرة: هل أصبح تهريب الأسلحة إلى الحوثيين يتم جواً تحت غطاء أممي، وبرعاية إيرانية - عمانية - قطرية، خاصة بعد نجاح قوات خفر السواحل التابعة للقوات المشتركة في الساحل الغربي بتشديد الرقابة البحرية، وضبط أكبر شحنة أسلحة موجهة للمليشيا في الأسابيع الأخيرة، ما أجبر الجماعة على البحث عن مسارات بديلة. وتزامنت حركة الطيران غير المعتادة مع احتجاج رسمي من وزير خارجية الحوثيين، جمال عامر، الذي طالب الأمم المتحدة بوقف آلية التفتيش الدولية في جيبوتي، بعد تضييق الخناق على عمليات التهريب عبر البحر. مراقبون حذروا من أن هذه الرحلات قد تفتح الباب أمام تهريب أسلحة وخبراء عسكريين تحت غطاء "المهام الإنسانية"، وهو ما يعني تعزيز القدرات القتالية للميليشيا، وتأجيج الصراع، فضلًا عن تقويض مصداقية العمل الإنساني في اليمن. وانتقد المراقبون صمت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا إزاء هذه التحركات المشبوهة، معتبرين ذلك تقصيرًا خطيرًا في القيام بدورها الرقابي والدبلوماسي في المحافل الدولية، وترك المجال مفتوحًا أمام الميليشيا لتعزيز قدراتها العسكرية تحت غطاء إنساني.